صحيفة المثقف

محمود محمد علي: سامي الدروبي.. الأديب والدبلوماسي (2)

محمود محمد عليمن المعروف عن الدكتور سامي الدروبي إنه كان مبدعاً، وذا موهبة أدبية، وكان شديد العناية بصياغة كتاباته، فاتسم بغزارة الإنتاج، حيث بلغت مؤلفاته وترجماته ما يقارب الثمانين؛ وقد اشتهر بترجمته لجميع أعمال دوستويفسكي، والتي تعد الترجمات الأشهر لهذا المؤلف، وله ترجمات لمؤلفين آخرين كتولستوي وبوشكين وميخائيل ليرمنتوف وجويو وسارتر، وغيرهم؛ مثل كتاب : تفكير كارل ماركس: نقد الدين والفلسفة، تأليف: جان إيف كالفيز، وكتاب: . المذهب المادي والثورة، تأليف: جان بول سارتر، وكتاب: المجمل في فلسفة الفن، تأليف: بندتو كروتشه، وكتاب : منبعا الأخلاق والدين، تأليف: هنري برغسون، وكتاب : مسائل فلسفة الفن المعاصر، تأليف: ج.م. جويو، وكتاب : الطاقة الروحية، تأليف: هنري برغسون، وكتاب: الضحك: بحث في دلالة المضحك، تأليف: هنري برغسون، وكتاب: الفكر والواقع المتحرك، تأليف: هنري برغسون، وكتاب: مدخل إلى علم السياسة، تأليف: موريس دوفرجيه، ترجمة: جمال الأتاسي، وكتاب : معذبو الأرض، تأليف: فرانز فانون، وكتاب: المعلم العربي: إعداد المربي، تأليف: روجه كوزينة، وكتاب: علم النفس التجريبي، تأليف: روبرت س. ودروث، وكتاب: سيكولوجية المرأة، تأليف: ج. هيمانس، وكتاب : وقائع مدينة ترافنك، تأليف: إيفو آندريتش، وكتاب: بطل من هذا الزمان، تأليف: ميخائيل ليرمنتوف، ورواية : ابنة الضابط، تأليف: الكسندر بوشكين.. وهلم جرا.

وفي مجال التأليف فنجد من كتاباته مثلا: علم النفس ونتائجه التربوية، دروس علم النفس، الموجز في علم النفس، علم النفس والأدب: معرفة الإنسان بين بحوث علم النفس وبصيرة الأديب والفنان، علم الطباع: المدرسة الفرنسية، الرواية في الأدب الروسي، وهلم جرا .. علاوة علي مئات المقالات التي نشرها في حياته.

وفي تجربة الدروبي الكثير الذي يفسر ولعه بدوستويفسكي، الذي يصفه الجميع بأنه أهم خبراء علم النفس، فالدروبي الذي جاء من مدينة حمص إلى القاهرة في الأربعينيات لدراسة الفلسفة وعلم النفس في جامعة القاهرة، قبل أن يحصل على دكتوراه في التخصص، جاء لمصر وأهّل نفسه للتعاطي مع مدينة كانت تعيش "سنوات الغليان" قبل ثورة 1952، وخلال سنوات دراسته بالقاهرة ارتبط بصلات وثيقة مع زملائه من الطلاب الذين مثلوا جيلا ضم أسماء مثل محمود أمين العالم ويوسف الشاروني ومصطفي سويف وبدر الديب ولطيفة الزيات، وكانوا جميعا من الأدباء الراغبين في التغيير، ولديهم طموح بكتابة إبداعية مختلفة تكسر السائد والمألوف.

وحين باشر الدروبي نشر ترجماته خلال حقبة الخمسينيات والستينيات وجد دعما وترحيبا من أقلام كبيرة، في مقدمتها أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش وأحمد حمروش وآخرين كانوا يعرفون عنه ولعا استثنائيا بدوستويفسكي، الذي ترجم له أكثر من 11 ألف صفحة، وهو مريض في القلب مرضا لا يمكّنه من الاستلقاء على سريره أثناء النوم، كما أنجز 5 مجلدات من المؤلفات الكاملة لتولستوي، والتي يصل عدد صفحاتها إلى 5 آلاف صفحة، وهو في صراع بين الحياة والموت.

وقد أتم سامي الدروبي قراءة أعمال دستويفسكي وهو في عمر السادسة عشرة، كان يترجم من اللغة الفرنسية وليست الروسية، وكانت رؤيته للترجمة رسالة سامية وليست وظيفة يتكسب منها، فكان إذا أعجبه عمل أدبي قام بترجمته مجانًا، جاء ذلك في تعليق لموقع «Farshetkotob» والمطلع على ما كُتب عن الدروبي المولود في عام 1921 كان يستشهد دومًا بالمفكر الألماني قائلاً بأن «دستويفسكي علمني شيئًا عن النفس الإنسانية» ينتهى إلى انه علامة فارقة في سيرة الترجمة إلى العربية إلى جانب ترجماته في الأدب والفلسفة والسياسة والتربية وعلم النفس، نشر العديد من الكتب والمقالات التي تدور حول العلاقات بين الأدب وعلم النفس (5).

لم يقدم سامي الدوروبي وهو ما تؤكد عليه العديد من الدراسات فقط للثقافة، بل الرؤية الحية والدرس الأبدي، بأن العمل في أي مجال هو مساهمة لبناء البلاد والعقل والانسان، حياته كانت درس حرية من نوع آخر من الصعب والمستحيل على أصحاب العقول المحدودة استيعابه (6).

وقد بدأ سامي الدروبي الأديب والناقد والمترجم والدبلوماسي السوري حياته العمل معلمًا بالتعليم الابتدائي قبل أن يوفد إلى مصر لدراسة الفلسفة، بعد تخرجه عمل الدروبي معيدًا بجامعة دمشق ثم أوفد إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه في الفلسفة وبعد عودته عين استاذًا لعلم النفس ثم وزيرًا للمعارف؛ وقد ساعدت الدروبي دراسته للفلسفة وعلم النفس في فهم عميق لأدب دستويفسكي وتقربه للقارئ العربي فكان يركز كثيرًا في روايته على اللاوعي لدى أبطاله، وتحليل النفس البشرية (7).

وحول النضال القومي في فكر الدكتور سامي الدروبي، فنجده يقول :" أومن بالوحدة العربية إيماناً لا يتزعزع وأومن بأنها نقطة الانطلاق لتحرير البلاد العربية من الاستعمار، ولعودة العرب إلي التاريخ يرفعون قدرهم ويغنون الحضارة الإنسانية .. فالوحدة هي الخطوة الأولي نحو النهضة (8) .

وقد كتبت الباحثة السورية بثينة الخير في كتابها "الدكتور سامي الدروبي مسيرة حياة": حمل الدروبي لواء النضال من أجل الحرية والاستقلال ليس في سوريه وحدها، بل على نطاق الوطن العربي.. حيث شكل مع بعض رفاقه وأستاذين من أساتذتهم، عندما كان يتابع دراسته في مصر، نواة لمجموعة مثقفة ساعدت الشعب العربي في ثورته عام 1941 من أجل استقلال العراق وحريته، وتوالت جمع التبرعات وقامت بحملة الإعداد للتطوع لمواجهة المستعمر البريطاني، وشكل في أثناء دراسته في باريس حلقة لدعم الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي عام 1954.

لقد اجتمع لدي سامي الدروبي الفكر الفلسفي المثالي مع الواقع الحياتي لأبناء أمته العربية، هذه المعادلة التي تبنتها الصفوة المختارة من أبناء الأمة العربية في العصر الحديث : أمثال : شيخ العروبة أحمد زكي باشا، والمفكر العربي الكبير الأستاذ ساطع الخضري، والمربي والدكتور سامي الدروبي وغيرهم، الذين أرادوا أن يخرجوا ما في بطون الكتب من شعارات سامية للوحدة العربية إلي التطبيق الفعلي لتحلق الأمة العربية بركب العالم الذي يسير سيراً حثيثاً في ركب الحضارة والتقدم، ولقد رأي الدكتور سامي الدروبي بفكره الثاقب أن أقرب طريق لتحقيق الوحدة العربية هو البدء بتربية الناشئة العربية تربية قومية فكان المعلم والموجه والمربي لأجيال بذر في نفوسهم حب العلم والعمل ومحبة الجميع، واتخذ الدكتور سامي الدروبي من مهنته التعليم سبيلاُ لغرس روح النضال في أبناء الشعب العربي من أجل التحرر والوحدة، وجعل من نفسه قدوة لزملائه وأبنائه من الناشئة العربية، وتمثلت في صفاء نفسه وقوة شكيمته في صدق إخلاصه وعظيم تواضعه في نقاء وحدويته وحبه لأمته العربية (9) .

وعندما سقطت الوحدة الأولي بين سوريا ومصر، بكي الدكتور سامي الدروبي أمام الرئيس الراحل عبد الناصر أثناء تقديم أوراق اعتماده لسوريا في الجمهورية العربية المتحدة إذ قال في خطاب الاعتماد : سيادة الرئيس :" إذا كان يسعدني ويشرفني أن أقف أمامكم، مستشرفاً معاني الرجولة والبطولة، فإنه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه كوقفة أجنبي، كأنني ما كنت في يوم مجيد من أيام الشموخ مواطناً في جمهورية انت رئيسها، إلي أن استطاع الاستعمار مع الرجعية أن يفصم عري الوحدة الرائدة في صباح كالح من أصباح خريف حزين يقال له 28 أيلول، صبا هو في تاريخ أمتنا لطخة عار ستمحي، ولكن عزائي عن هذه الوقفة التي تطعن قلبي يا سيادة الرئيس، والتي كان يمكن أن تشعرني بالخزي حتي الموت، أنك وأنت تطل علي التاريخ فترس سيرته رؤية نبي وتصنعه صنع الأبطال قد ارتضيت لي هذه الوقفة، خطوة نحو لقاء مثمر بين قوي تقدمية ثورية، يضع أمتنا في طريقها إلي وحدة تمتد جذورها عميقة في الأرض فلا انتكاس، وتشمخ راسخة كالطود فلا تزعزعها رياح .

وإلي جانب ما تميز به الدكتور سامي الدروبي في مجاله المهني التربوي وبراعته في الترجمة، فقد لفت الأنظار إليه كدبلوماسي عربي رائد، حيث أعطي الدبلوماسية العربية بعداً جديداً ممثل ضمير أمته وعبقريتها، وكما قال عنه سفير الجزائر فإنه كان سفيرا للعروبة وللقومية العربية وليس سفيرا للقطر العربي السوري وحسب (10).

وفي الذكري الخامسة والأربعين لرحيل الدكتور سامي الدروبي يتمني صاحب المقال أن يكرم هذا المربي الوحدوي الأصيل الذي قدم الكثير لأبناء أمته العربية وناضل طوال عمره من أجلهم في فكره التربوي الخلاق ونضاله القومي الرائد.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

........................

5-فهد المضحكي: سامي الدروبي علامة فارقة في سيرة الترجمة إلى العربية، مقال منشور بتاريخ السبت 7 نوفمبر 2020 الموافق 21 ربيع الأول 1442.

6- المرجع نفسه.

7- المرجع نفسه.

8- أحمد سعيد هواش: المرجع نفسه، ص 93.

9- المرجع نفسه، ص 93.

10-المرجع نفسه، ص 94.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم