صحيفة المثقف

عبد الخالق الفلاح: التجربة الغنائية بعد 14 تموز عام 1958

عبد الخالق الفلاحلقد كانت للتجربة العراقية الثورية بعد 14 تموز عام 1958 تجربة فريدة وكانت إنتفاضة هائلة قدمت لنا لأول مرة (وربما لآخر مرة) حكاماً يمشون مع الناس ويفكرون بالناس ويموتون من أجل الناس. وكان الأدب الملتزم یطلق علی مشارکة الشاعر أو الأدیب والفنان لهموم الناس فی قضایاهم الاجتماعیة والسیاسیة ومواقفهم الوطنیة تخرج على شكل قصائد ومقالات تكتب واغاني تتغنى بها الجماهير، ومن میزات الأدب الصادق، أن یتکلّم عن الواقع الذی یعیشه الأدیب والظروف التی تحیط به ولاشك فی أنَّ قیمة الشعر تنطلق من طریقة تعاطیه مع موضوعات الحیاة ولاسیَّما الموضوعات المصیریة فی حیاة الإنسان ویکون الإنسان موضوعاً متسعاً لهذا النمط من الأدب وظهر الأدب الملتزم رداً علی فکرة الفن للفن.

 لقد كانت الاغنية التموزية فيها اللقاء الوطني والهوية الديموقراطي الجوهر الذي ابتعد عن الشعاراتية ورايات سياسية لم تعني الانشطار وقد كان للأغنية الريفية التي تعزز حظها واشتهر مطربيها مع الثورة، حضوراً واضحاً، ورغم ان الأغنية السياسية العراقية لم تنتشر كثيرًا خارج العراق، كما هو الحال في الأغاني السياسية في الكثير من البلدان العربية، إلا أن تاريخ الأغنية السياسية العراقية ممتد ومتنوع. فالعراق اشتهر بالأغاني الحزينة ولكن على نطاق الاحتفالات الخاصة كانت نزينها الفرح وتلك التي تتحدث عن الحب والفراق والهجر بشجن جميل ولذيذ، واشتهر بالمقامات والتنزيلات الموصلية، إلا أن ذلك لم يلغي جانب الأغاني الوطنية والسياسية لديه ومن اهم مميزات الاغاني والقصائد التي كانت تنشد هي الرمزيّات التي وراء الكلمات بدلالاتها وإشاراتها السياسية التي لا توثق فقط بل تتحدث عن اوجاع الفلاح او العامل وكانت تصلح لتوثيق العديد من المعانات التي تحوي ظلم الاقطاع وتضحية الجياع . الثورة حركت مشاعر المغنيين العرب كما هو نشيد" يا شعب ألعراق" لفائدة كامل هذه الأغنيه كانت واحده من مجموعة أغان قدمتها ألحناجر العربيه أبتهاجا بتحرير العراق ومساهمة في ألثوره العراقيه ألسلميه للشعب العراقي ضد ألطغيان والعمالة والفساد وكان للغناء الريفي العراقي دوراً فاعلاً في انعكاس الثورة،فالى جانب عبد محمد وناصر حكيم وعبدالجبار الدراجي ووحيدة خليل وشهيد كريم وعبدالصاحب شراد وآخرين غيرهم إشتهر الثنائي عبدالواحد جمعة وجواد وادي بأغنية نريد نريد والتي كان مطلعها:

تريد تريد العزة تريد ...جَمْعَة كلمة ولمَّه تريد

كلنه نصير شعلة نار ...بوجه الغاصب والغدار

او كما غني فرقة الانشاد زعيمنا الغالي:

زعيمنا الغالي حققت امالي ...حطمت الاستعمار ورفعتنا عالي

او الاغنية الاخرى ايضاً لفرقة الانشاد من الحان احمد الخليل :

انا العراق انا العراق

حطم الجيش قيودي

عدتُ للمجد التليدِ

ليس للظلمِ مكانٌ فوق أرضي

انا بالعزم الى المجدِ سأمضي

انا العراق انا العراق

**

وغنى المنلوجست فاضل رشيد

واحد اثنين وثلاثه وبس

گلنالك يا طامع جوز

تهديد وتفريق وبس

ماتطفي شعلة تموز

جوز جوز

**

ولحن وغنى الفنان الراحل احمد الخليل للشاعر زاهد محمد، اغنية (هربجي كرد وعرب) وما زالت عالقة في اذهان الاجيال الماضية تلهب احاسيس ابناء الشعب وتعزز وحدة العرب والكرد في الوطن الواحد .

من تهب انسام عذبه من الجبال

على ضفاف الهور تتفتح گلوب

لو عزف عالناي راعي بالشمال

عالربابه يجاوبه راعي الجنوب

هربجي هربجي كرد وعرب رمز النضال

**

ويا موطني التي تقول.

يا موطني أحمي حماك بالدم

وافتديك بالعزيز دم عزيزاً واسلم

وقد إشتهر كذلك رضا علي الذي غنى: أرضي الحلوة جنة وتسوه بيها أغني أجمل غنوة وكان هناك المبدع علاء كامل، مبدع إن عمر كلنا ونبني ووحد الصف ونادي دمت ياشعب العراق ويلاّ ع المعمل التي تقول:يلاّ ع المعمل يلاّ يلاّ وتوكل باالله دير الآلة بجهودك واثبت للناس وجودك وسمير بغدادي (وديع خوندة) صاحب اللحن الخالد نسمات الذي وزعه موسيقار روسي وغنته زوجته المطربة مائدة نزهت: ما أجملك ياكون بسمات الشمس تزهي بروابي بلادنا والنور ع الوادي بدى محلاه وكحل عيون أولادنا وذاتها غنت رائعة أنا العراق لعلاء كامل وهناك محمود عبدالحميد صاحب أغنية ديمقراطية وسلام وتوحدنا عرب وأكراد وحطمنا حلف بغداد وكان هناك محمد كريم وفاروق هلال وأحمد الشافي وداود العاني وآخرون ممن تغنوا بالوطن وشعبه وبحبها.

ولم توحي بالتقسيمات الطائفية التي تمثل الطبقة السياسية اليوم ولا الشعب أُراد للاحتفال إلأ بالثورة وبالعراق ومحبته وأن يبقى بعيدا عن انقسامات الطبقة السياسية وعن أمراض الواقع المعاش ومخلفات الماضي ليبرز وجه العراقيين الموحد وحقيقة الوطن الهوية الرافضة للانقسامات (فوق الميول والاتجاهات)، والجميع في بوتقة واحدة، سفينة واحدة هي سفينة الإبداع العراقي ثقافة وجمالا وفنونا تعبر عن المعدن العراقي الناصع المشرق بشموس للخير والعطاء لا تحجبها الظنون بل تعمّدها أجواء الثقة الراسخة بين جميع العراقيين لا استثناء ولا إقصاء ولا تهميش بل ساعد يشد أزر ساعد آخر وقلب ينبض على معزوفة قلب آخر والكل ينشد للعراق محبة العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد. لغد ينتظره لا بغضب بل بوجد لهذه النسمات النورانية لأهل العراق محبة وسلام. امتدت تلك الأغاني من النشيد الوطني،الى تلك المحاولات كانت بمثابة بدايات الاغنية السياسية مروراً بالأغنية الوطنية التقليدية، وقد لمع في كل مجال منها شعراء، واشهرهم زاهد محمد وهلال عاصم وسيف الدين الولائي وعدنان السوداني وجبوري النجار،حيث ترك بصمة واضحة في أغنية الوطنية مثال ذلك- أراضي العز غناها جواد وادي،- خليلي غناها عباس جميل- هيه تدري غناها رضا علي - تحية غريب غناها حضيري ابو عزيز - بالهور غناها عبد الواحد جمعه والمطربة مائدة نزهت غنت: ماأجملك ياكون بسمات الشمس تزهي بروابي بلادنا والنور ع الوادي بدى محلاه وكحل عيون أولادنا وذاتها غنت رائعة أنا العراق علاء كامل.. الملحنين، أحمد الخليل،سمير البغدادي وعلاء كامل ومحمد نوشي ومحمد كريم وفاروق هلال وناظم نعيم،يخلد الكثير منهم في ذاكرة الوطنيين العراقيين بكل إجلال وإعتزاز، ليس لشيء،سوى لأنهم منحوا الشعب من عصارة أرواحهم روح الحب والغيرة على ثورة سيظل التاريخ العراقي يذكرها بمزيد التقدير والإكبار، على الأقل لأنها أرخت لحقبة جديدة من عمر هذا الوطن، رغم كل التفسيرات والاستنتاجات المتأخرة.

 

عبد الخالق الفلاح

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم