صحيفة المثقف

يوسف السياف: السكون الحركي الإخراجي بين ربيع مروة وعلي الزيدي

يوسف السيافاستوقفتني ثلاث مفردات وجدتها مهمة في إعلان مسرحية (ميت مات) وهي (النص/ الدراماتورج/ السينوغرافيا)، عرض مسرحي من إنتاج (مشغل دنيا للإنتاج السينمائي والمسرحي) ومن (تأليف) و(دراماتورج) الكاتب العراقي (علي عبد النبي الزيدي) (1965م حتى) وسينوغرافيا العرض الدكتور (علي السوداني)، قدم العرض يوم الاربعاء المصادف (4-8-2021م) على خشبة (مسرح الرافدين) ضمن عروض مهرجان (العراق الوطني الاول) الذي أقامته (نقابة الفنانين العراقيين) بالاشتراك مع (الهيئة العربية للمسرح) للفترة من (1-8-2021م حتى 7-8-2021م)، ولما حققه العرض من صدًىواسع لدى المشتغلين في الحقل المسرحي، جعلني افكر في الكتابة عنه بعد التردد مرات ومرات، ولا أخفي السبب الرئيس في إختياريهذا العرض في أنْ أكتب عنه بالتحديد دون سواه من العروض الأخرى التي شاهدتها في هذا المهرجان، ولكنني لا اود أنْ أبين السبب قبل أنْ افكر بالكتابة عن الدراماتورج والمخرج والكاتب والممثل (اللبناني)(ربيع مروة)(1967م - ).

2830 علي الزيديإذ من الصعب وضع أعمال (مروة) بخانة فنية واحدة، لأنَّها ذات طابع تجريبي، تتعدّد أساليب إشتغاله في فضاء العرض والتعامل مع مكوناته، إذْ تدور أغلب عروضه حول وثائق سمعيبصرية من خلال استخدامه للأوراق والأفلام وتسجيلات الفيديو، وتوثيق اليوميات والمحفوظات الصوتية والصور، وهكذا يُنشئ (مروة) أرشيفاً خاصاً به، إذْ راح يبحث عن رؤية معاصرة تمكّنه من نقل الواقع بطريقة فنية رائعة، منفتح على عروض تتقصد تمويه هويتها، معتمداً اللاتصنيف، فإنَّ أعماله تشكل التقاء حميمي ما بين التقنيات الرقمية والأشكال التعبيرية، مرتكزاً على ثلاثة أعمدة رئيسية في إسلوبه الإخراجي (الجسد/ الحرب/الذاكرة) وعلى عدة لغات، كلغة الصورة ولغة المؤثرات الصوتية ولغة التقنيات الرقمية التي نظر لها عربياً ولأول مرة التدريسي في (جامعة بابل / كلية الفنون الجميلة) الاستاذ الدكتور (محمد حسين حبيب) موكداً على عدم تشويه خطاب العرض المسرحي بطغيان التكنلوجيا، معرفاً العرض المسرح الرقمي في مقالته المنشورة في (جريدة المدى) في العدد (4874) على أنهُ " ذلك العرض المسرحي الحي المقدم على خشبة المسرح، والذي يشاهده الجمهور في الـ(هنا) و(الآن)، وهو يستثمر التقنيات الرقمية التي من شأنها التحليق جمالياً وفكرياً بفضاءاته وعوالمه الدرامية ليتجلى فيها انفعال التلقي وانعكاسه على الذائقة بمختلف مستوياتها منذ تلك اللحظة التي هيمن فيها الحاسب الالكتروني على جميع المجالات العلمية والثقافية والفني".

وعلى الرغم من توظيف (مروة) للتقنيات الرقمية إلّا أنَّه لم يغادر النص، بلْ جعل الكلمة مكوناً رئيساً وأساسياً في مجمل أعماله المسرحية، منطلقاً من الجمال الذي يحاول أَنْ يروّض من خلالهمعاناة الكتابة، ومعاناة الإخراج، باقتراح أساليب جديدة جماليةتجابه النص وتتعقّبه في حلوله، وعلى الرغم من حضور الجسد بشكلٍ واضحٍ في أعماله، إلّا أَنَّ اللغة هي التي تعوّض عنه وليس حركة الجسد، وإنَّ ما يقدمه (مروة) من سرد على خشبة المسرح ليس سرداً كلاسيكياً، بلْ سرد فاعل يحثّ على التفكير ويقلق الجمهور، ولا يتمّ السرد عبر الأصوات البشرية فقط، بلْ يتمُّ عبر الصور الثابتة وسكون حركة الممثلين، لكنها متحركة صورياً عبر الأصوات المسجلة في السينوغرافيا، والهدف من ذلك حث الجمهور على التفكير دون أنْ تجرفه العواطف.​​

2831 ربيع مروةإنَّ (مروة) لم يحارب النص ولم يبتعدْ عن سردية اللغة، لكنَّه كان يُقحم فضاء العرض بمعالج صوري ليسند اللغة، فبعد أنْ أعلن القطيعة مع تجربة الحكواتي في بيانه عام (1997م)، إتَّجه صوب آفاق إبداعية مغايرة لمسرح الحكواتي، ولكنْ ليس بالتخلّي عن الحكاية بشكلٍ مطلق، بلْ إيجاد طرائق جديدة، ففي مسرحية (إدخل يا سيدي... نحن ننتظرك في الخارج) التي أخرجها عام (1998م) نجد أنَّ إتّجاهه الإخراجي أنتمي إلى مسرح (ما بعد الحداثة) بإمتياز، من خلال تكوين بنية العرض من عدة إتّجاهات، اذ أنَّ الإخراج - ضمن مفهوم (ما بعد الحداثة) وبحسب ما عرجت عنه الدكتورة (هناء خلف غني) في كتاب (ما بعد الحداثة) ضمن اصدارات (شهريار) لعام (2021م) - خضع غالباً لعدة مَبادِئُ متناقضة، ولم يخش من دمج أساليب متشتتة، ويقوم بعملية الصاق لأساليب تمثيل غير متناسقة، وبذلك نجد أنَّ(مروة) وفريقة شكل العرض من مسرح (الغضب) ومسرح (القسوة) والمسرح (التسجيلي) ومن الأسلوب (البرختي / التغريب والتماسف)، مازجاً أساليب تلك المسارح من أجل أنَّ يتوّلد لديه عرض مسرحي يُظهر أسلوبه الاحتجاجي على الظروف البائسة التي خلّفتها الحروب بطريقة تجريبية، إذْ أنه دائماً ما يقوم بتحوّيل منصة العرض إلى فضاء أشبه بالفضاء الافتراضي، أوْ إلى مكان مخصص للبث التلفزيوني لتوظيف التقنيات الرقمية، لزجّ الجمهور مع الممثلين عبر تسليط الكاميرا التي توضِعَ في الصالة، ومن خلالالتحريض يقوم بدفع.

 

يوسف عبد الحسين السياف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم