صحيفة المثقف

صادق السامرائي: البراميل الفارغة!!

صادق السامرائيقال لي: البراميل الفارغة تطفو فوق الماء، ويكون لها صوت أعلى من صوت البراميل الممتلئة، كان ذلك عندما كنت صبيا، وما فهمت معنى ما قال كما أراد، ومرّت الأيام، وإذا بالبراميل الفارغة تنتشر في كل مكان، وتطفو في جميع الميادين، حتى صرنا وسط ضجيج لا ينقطع، ويصم المسامع.

وعندما نتأمل الساحة الثقافية سنجد البراميل الفارغة فيها تتناطح ودويها يتعالى، وهي التي تطفو فوق سطوح وسائل الإعلام بأنواعها، أما البراميل الممتلئة فأنها غاطسة، ولا تتمكن من العوم، فموطنها القاع، ولهذا فهي بعيدة عن الأنظار، وعديمة التأثير بالناس.

فالصحف والمواقع ووسائل الإعلام الأخرى محشوة بالمسطور والمسموع والمرئي، الفارغ من المعنى والفحوى والمحتوى، وتتعجب من إضطرابات الأفكار المتراكمة فيه، ومن التسطير الأعمى الأخطل للكلمات، والإستحضار الساذج للعبارات، ومن الترهل الفائق الذي يميزه، ومن العدوان السافر على لغة الضاد.

أين الفكر والرسالة والذوق والتعبير الجميل والبلاغة الراقية والنحوية المستقيمة فيما نقرا ونشاهد ونسمع؟

كأننا لسنا من أمة العرب ونكتب بلغة العرب!!

أهذا هو الإبداع المطلوب؟

أين الشعر والقصة والرواية والمقالة التي تمد النفس والروح والعقل بالرائع الجميل؟

كلها ذهبت في مهب الريح، فالكتابة صارت حرفة الجميع، وكل مَن يملأ السطور إدّعى بأنه كاتب، ومَن توهم أنه يكتب شعرا سمى نفسه بالشاعر، لأن النشر سهل وسريع، ويكفي أن ترسل ما كتبت إلى أي موقع فأنه سينشر، لأن التحرير قد مات، وما عاد المهم النوع بل الكم.

ترى كيف سنتحرر من قيضة البراميل الفارغة؟!!

إن الزَبَدَ سيذهب ويبقى الجيد الصالح للحياة الطيبة، مما يعني أن الأقلام الجادة المفكرة الحريصة على الثقافة والمعرفة ستسود، وأن البراميل الفارغة ستنطمر وتخرس، فالصدأ سينخرها، والعوم لا ينفعها، لأنها ستصاب بداء الإنثقاب المرير.

فلتتواصل الأقلام الحرة الأبية الواعية المتنورة المتعلمة، وستزيح كل أفاكٍ يترنم بما ليس فيه، وهمه مظهري لا جوهري، وسيذهب إلى معاقل النسيان الذين يرفعون رايات التضليل والبهتان، ولن يبقى إلا أصحاب الرسائل والإيمان.

فإمتلئ لتسكب زلالا طيبا!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم