شهادات ومذكرات

الشاعرة السورية المعاصرة هُيام الأحمد .. (شاعرة العنبر)

شاعرة من أريج الياسمين، متوقدة الذكاء، لطيفة المحيا حُلوتَهْ. عنوانها في الحياة نتاج دراستها في إحدى أرقى جامعات الوطن العربي؛ جامعة دمشق. تخرجت فيها بإجازة الحقوق، لتعيد الحق الى نصابه وأصحابه على هذه البسيطة. ويكأن المولى العزيز- تعالى الله- قد نفث في روعها حب البحث والتقصي عن الحقائق التي طالما سمعنا بضياعها، وضياع حقوق أصحابها. حقوقية من النخب الممتاز؛ لا تدع شاردة ولا واردة إلا وتحيط بها علماً و درايةً، وتعرف ما يدور في الأفق، بل و عندها مَلَكَة اكتشاف ما يضمرهُ آكلوا الحق، عن طريق الإستدراج والإستنطاق. وماذا عن الجوانب الاخرى من حياة الحقوقية، شاعرة العنبر؟

من منطلق الترويح عن النفس، وراحة البال واستثمار الوقت بما يساعد في تهدئة الأعصاب، إنبرى قلمها الفياض يسكب شذرات هنا، وإضاءات هناك. تهدل من الأشعار أحسنها، و تسخّر من الجمال أرقى الصور. تكتب الشعر التعليمي التثقيفي، وتكتب مايريح النفس البشريةَ من بيان و حكمة. تؤمن بأن أعذب الشعر أصدقه و أقربه الى الواقع و حياة البشر. لا تجد المبالغة المفرطة في أشعارها، ولكنها تستخدم ما يضفي الرونق على الموصوف، تاركة للقارئ الحصيف إدراك ما انسكبَ من حسن القول على أوراقها الوردية العطرة.                        

تحب العلم و تقدره لأقصى درجات التقدير. ففي السنين الأولى من المرحلة الإبتدائية، كانت وأترابُها يقطعن مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة، و كن يمشين ما يقارب من (5) كيلومترات، مع المعاناة الكبيرة وخاصة أثناء الأمطار. كل شئ يهون أمام اكتساب العلم. لم تستمرَ الامور كما كانت، فقد شاء المولى أن تصيب الوالد وعكة صحية حتّمت على طفلة الياسمين المكوث الى جانبه بضعة أشهر وهي في نهاية المرحلة الثانوية لتمريضه والسهر على راحته. ويحين وقت الإمتحان، و تتقدم لامتحان الثانوية العامة مع رفيقات الصبا، و كعادتها، فقد حصدت نجاحاً مبهراً مبهتا في آن. نجاح أهَّلّها للالتحاق بالجامعة واستكمال المسيرة الاكاديمة. ولكن .....          

ما زالت المجتمعات العربية تحكمها العادات والتقاليد. فلم تتح لها الفرصة لدخول الجامعة للنهل من أعذب و أطيب الينابيع معرفة وعلماً. لم تقطع الأمل، ولم تسمح للظروف بتغيير وجهتها ثانية وتقعدها عن اللحاق بمركبة العلم. و كاجراء إسعافي سريع، فقد التحقت بدار المعلمات وتخرجت بتقدير" جيد جداً ". من أحب المواد إليها الرياضيات، علم الأحياء، والفيزياء.

مَخَرت عباب بحور الشعر منذ نعومة الأظفار. فكانت متذوقة للشعر ومحبة الى أبعد الحدود. أحبت أشعار نزار قباني ورأت طريقته في السبك والتصوير، وسهولة اللفظ و وضوحه في أغلب الأحيان. امتهنت التدريس و تماهت في ما تُلقيه على المسامع الغضة، فأبدعت و نالت ثقة طالباتها و زميلاتها ورضا المسئولين. وبناء على السيرة الرائعة، صدر قرار بتعيينها مديرة مدرسة، لأجل الاستفادة من الخبرات التراكمية لديها، وللأخذ بيد ذلك الصرح العلمي نحو العلا والتميز، وكان ذلك فعلا، وكانت عند حسن الظن. ومضت تحصد النجاح النوعي تلو النجاح. فأناس متميزون، لا يليق بهم إلا التميز. فها هي تتلقى قراراً آخر بالتعيين موجهة إدارية في مركز المتميزين، كون مركز كهذا لا يليق به إلا من يشهد له تاريخه بالتميز. وتتدرج في المناصب والمراتب، اذ آخرها- لحين إعداد هذا المقال - موجهة ادارية في إعدادية للإناث. ومن الجدير بالذكر، أن الشاعرة الحقوقية قد التحقت بالجامعة في كلية التربية لتتم معادلة شهادتها في الدرجة الجامعية في التربية، إضافة الى ليسانس الحقوق.          

انكبت على دراسة الشعربعناية فائقة، متذوقة تارة، و قارظة له تارة اخرى. حفظت الكثير من أعذب الشعر، و تماهت هياما في الكلمة المسبوكة، سواء أكانت نثراً أم شعراً. سهرت الليالي وهي تكتب وتمزق، ثم تعيد ما كتبت بديباجة خسروانية من أروع ما ينتجه عقل شاعر أو شاعرة. وتقف على طريق الشعر الصحيح، وتسكب منه الرقيق، والعمودي الفصيح.    

صنفت ضمن العشر الأوائل في مسابقة الشواعر في" رابطة شعراء العرب" في ديوان الثلاثين. تخوض غمار المساجلات الشعرية بكل ثقة و رباطة جأش، ولها من القصائد ما تفوز كقصائد شهر، وبعضها يتم ترشيحه للتصويت كقصيدة عام. ولم تسلَم مجلة "همسة" من همس الكلام الراقي لشاعرتنا ، شاعرة العنبر، فقد اتحفتها بالدخول في مسابقة شعرية، و فازت في المرتبة الثانية في الشعر العمودي. فبالإضافة إلى ما ذكر، و هو غيض من فيض، فقد ارتأى الدكتور "أحمد الخاني" أن يتوج أحد كتبه بقامات و قيم عز نظيرها، وإدراج مذهبات اشعارهم بين دفتيه، وعلى رأس تلكم القامات هي" شاعرة العنبر"، وثلة من شعراء الدرجة الممتازة، أيضا.    

يشكل حب الوطن عند الشاعرة هُيام الأحمد أكبر الهواجس وأرقاها. تحب وطنها حباً جماً. تحب كل ذرة من ترابه، وكل قطرة من مياه ينابيعه الفرات، وتحب بحرهَ وهواءَه، و تحب اطفالَه و شبابَه ورجالَه ونساءَه. الوطن هو حضنُ الأم و حنانُ الأب وعلاقة الاخوّة وصلةُ الرحم. تراها تديم النظر في السهول والمروج والسواقي والنواعير، لتملأ عينيها بهذا السحر الشامي الأخاذ. تتنفس الوطن وتبقي نسائمه في الصدر طويلا، تحب الياسمسن و تتمازج معه فلا يفرق المرء بين الزهرة والانسانة. تدعو الله ليل نهار أن يعود الوجه النضر الضاحك لوطنها، حاضنة العرب و عزهم.

لا تفتأ تقذف في روع أنجالها حب العلم والحرص على تملكه، فجميعهم متعلم وبلغ مرحلة من العلم تؤهله لشق حياته بكل ثقة وأريحية. أبناء كالزهور: أدباً و علماً و خلقاً.

 

في المثقف اليوم