شهادات ومذكرات

مترجم جديد في قبيلتنا

المقدمة التي كتبتها لديوان الشاعر الروسي ايفان بونين بترجمة حسين الشويلي عن الروسية، والذي صدر في بغداد هذا العام (2016) بعنوان- ألست أنت كنت الملاك .

 

 كانت القبائل العربية تحتفل بشكل مهيب عند ظهور شاعر في القبيلة، لانه  سيكون لسان حالها امام الشعوب والقبائل الاخرى (ليتعارفوا !) . نحن ايضا – قبيلة اللغة الروسية وآدابها في العراق، يجب ان نحتفل بميلاد كل مترجم  يظهر في قبيلتنا،  خصوصا وانهم نادرون وقليلون مع الاسف رغم ان قبيلتنا الآن اصبحت كبيرة  او حتى مترهلة  (كما يقولون !) . لهذا فانا اشعر بالفرح والغبطة الان لميلاد المترجم حسين في قبيلتنا  باعتباري احد افراد تلك  القبيلة  العراقية، هذه القبيلة التي ولدت في 1/12/1958 بمعهد اللغات العالي في بناية  دار المعلمين العالية العتيدة في الوزيرية في عاصمتنا الحبيبة بغداد، باقتراح وبمبادرة من المرحوم الدكتور حمدي يونس –  استاذنا وعميد معهدنا آنذاك، العميد المحبوب والمرح والشفاف مثل الكريستال والعميق  مثل بئر الماء الصافي الذي يسقي الجميع بلا استثناء، و العميد - الشيخ المنسي حاليا مع شديد الاسف  .

لقد برز المترجم الشاب حسين في الآونة الاخيرة، ولفت اليه الانظار بمحاولاته الغريبة، اذ انه بدأ يكتب الشعر بالروسية مباشرة، محاولا محاكاة كبار الشعراء الروس، وكان الحزن العميق (والكئيب!) موضوعه المفضل والاثير جدا، وتذكرٌت - عندئذ- الفنانين التشكيليين الشباب، الذين يحاولون محاكاة اللوحات الشهيرة لكبار الفنانين التشكيليين وتقليدها في بداية مسيرتهم الفنية . لقد كنت اتابع طريق حسين الابداعي هذا (باعتباري احد رجالات القبيلة!) وحاولت ان اثنيه  - برقة وبشكل غير مباشر طبعا - عن ذلك، لأني أعتقد وأؤمن واؤكد على ان الشاعر يحتاج اولا واخيرا الى لغته الام للتعبير عن احاسيسه، ولكن حسين كان يؤكد لي دائما انه يكتب بالروسية بشكل سهل، فاقترحت عليه – كحل وسط - ان يترجم الشعر الروسي الى العربية لأنه لن يصل الى القارئ الروسي ابدا بقصائده تلك، بينما يستطيع الوصول الى القارئ العربي بترجماته حتما، وان مهمته وقيمته واهميته تكمن في ذلك، اذ لا قيمة لاي نتاج ادبي دون التفاعل الحي مع القارئ  ومع المجتمع  طبعا.  وكم انا سعيد لأن حسين  بدأ فعلا – وبالتدريج - بترجمة الشعر الروسي الى العربية، وقد اطلعت على تلك الترجمات في حينها ومنحتها (باعتباري معلما عتيقا !) درجة الامتياز اعجابا بها اولا وحبا وتشجيعا له ثانيا (يتذٌكر طلبتي باني لم أكن معقٌدا في منحي للدرجات !). وهكذا  بدأ حسين ينشر تلك الترجمات، وبدأ اسمه يبرز في هذا العالم الجديد والجميل رغم كل الملاحظات هنا وهناك بشأن تلك الترجمات . ومن جملة تلك الملاحظات، ان حسين متسرع بترجماته، وانه يميل في تلك العجالة الى الترجمة الحرفية بعض الاحيان (اؤكد على ذلك، اي بعض الاحيان) دون ان يدع القصيدة تنضج على نار هادئة، وبالتالي يبتعد عن الترجمة الفنية الرشيقة المطلوبة، التي تصيغ النص المترجم صياغة شعرية وبهدوء، كي لا تفقد القصيدة رونقها الموسيقي والبناء الشعري الجميل لها، اي ان تبقى القصيدة المترجمة قصيدة حقيقية  بكل معنى الكلمة،  وليس مجرد ترتيب لمعاني مفرداتها ليس الا، وما أصعب هذه المهمة طبعا امام مترجمي الشعر، واعلن رأسا ان المترجم حسين قد قام بهذه المهمة هنا كما يجب، واستطاع ان يقدم للقارئ العربي - وبابداع – جوهر الشاعر بونين وصوره  الجميلة والرقيقة للطبيعة وكيف يتقبلها الشاعر  .  ولا اريد ان اطيل، واترككم مع (.. الضباب الذي غدا اكثر بياضا في الوهاد والمروج عند نافذة بونين المليئة برائحة (اقصد عطر) عبير الربيع، حيث ينتظر الشاعر شروق الضياء واحمرار الغروب وراء السهوب، كي يهرب وحيدا الى الغابات، من جراء الطيش والكذب، ليستنشق الهواء الرطب، ثم يذهب في منتصف الليل كي يرى كيف تحرس نجوم السماء بحار الارض، ثم يتذٌكر الفراش الدافئ والمصباح في عتمة الزاوية وظلال المصابيح وظهور الملائكة ...).

هنيئا لقبيلتنا العراقية - الروسية بميلاد المترجم الحقيقي حسين، وهنيئا لبونين الشاعر، الذي قدمه حسين للقارئ العربي بهذه الصيغة الرشيقة . ونحن – القراء - ننتظر المزيد من ابداعاتك يا ابا علي ...

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم