آراء

كيف نقرأ وقف إطلاق النار في ليبيا؟

محمود محمد عليفجر جديد في ليبيا أم مرحلة أخري قد تتكشف عن شكل جديد من الصراع؟ .. ما أفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ورئيس البرلمان المنعقد في طبرق؟.. وماذا عن آليات تنفيذه وعمن تتحول الأصداء المرحبة للاتفاق إلي عامل مساعد علي استتباب الأمن والاستقرار في البلاد؟ .. وأين حفتر من هذا المشهد؟ .. وهل غيابه مؤقت أم نهائي؟ .. وهل لعقيلة صالح من النفوذ والصلاحيات ما يمكن من تنفيذ الاتفاق والاسهام في فتح صفحة جديدة؟ .. وهل الآراء والمواقف في طرابلس متناسقة ومتطابقة في شأن هذا الاتفاق؟.

ونستهل بداية الإجابة بالقول: انتصار جديد للدبلوماسية المصرية، ومبادرة سلام تقترب منها ليبيا بعد قرار حكومة الوفاق فى ليبيا بوقف إطلاق النار فى عموم البلاد، بفضل الجهود التي أقدمت عليها مصر عربياً ودولياً، منذ صدور إعلان القاهرة بعد تحذيرات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن "الجفرة - سرت" خط أحمر، وهو ما تحول إلى واقع ملموس على الأرض.

وكانت حكومة الوفاق فى ليبيا قد أعلنت، يوم الجمعة الموافق (21 أغسطس 2020)، وقف إطلاق النار فى كل الأراضي الليبية، ودعت إلى جعل سرت والجفرة منطقتين منزوعتي السلاح.. وأصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بيانا قال فيه: "انطلاقا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذى تمر به البلاد والمنطقة، وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية فى كل الأراضي الليبية".. وأكد المجلس الرئاسي، أن "تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار يقتضي أن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعتي السلاح وتقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلها، مضيفا أن البيان أن رئيس المجلس الرئاسي إذ يبادر بالإعلان عن وقف إطلاق النار يؤكد أن الغاية هي استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة".

كما أكد رئيس المجلس الرئاسي على دعوته إلى "انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال شهر مارس القادم، وفق قاعدة دستورية مناسبة يتم الاتفاق عليها بين الليبيين".

وفيما يلي نص المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية :

1 التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبناء عليه التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم  28 /9/ 2020

2 ارتكاز المبادرة بالأساس على مخرجات قمة " برلين "، والتي نتج عنها حلا سياسية شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة ( المسارات السياسية، والأمنية، والاقتصادية )، واحترام حقوق الإنسان وقانون الإنسان الدولي، استثمارة لما انبثق عن مؤتمر " برلين " من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية

3  استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية ( " 5 +5 " ) ب "جنيف" برعاية الأمم المتحدة، وبما يترتب عليه إنجاح باقي المسارات سياسية، والأمنية، والاقتصادية )، أخذا في الاعتبار أهمية قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها حتى تتمكن القوات المسلحة الجيش الوطني الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياتها بمهامها العسكرية والأمنية في البلاد.

4  العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية .

5 إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية الجيش الوطني الليبي )، مع تحمل الجيش الوطني بمسئولياته في مكافحة الإرهاب وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واسترداد الأمن في المجال البحري، والجوي، والبري .

6 يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة فيتم اتخاذ القرارات أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للقوات المسلحة في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام للقوات المسلحة.

ومن ثم تقوم المحاور الأساسية للمبادرة علي النحو التالي:

أ- قيام كل إقليم من الأقاليم ال " 3 " ( المنطقة الشرقية المنطقة الجنوبية ) بتشكيل مجمع إنتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسی النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب، إضافة إلى النخب السياسية من المثقفين والنقابات، بحيث تجتمع اللجان ال " 3 " تحت رعاية الأمم المتحدة ويتم التوافق عليها ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالانتخاب، وذلك في مدة لا تتجاوز " 90 " يوم .

ب - قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي كذا نائب الرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء، والذي يقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالتها المجلس النواب لمنحها الثقة .

ج - قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي .

د- حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية طبقا لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث المجلس الرئاسي- مجلس النواب - مجلس الوزراء ) بحيث يحصل إقليم " طرابلس " على " 4 " وزارات، وإقليم " برقة " على " 7 " وزارات، كذا إقليم الفزان " على " ه " وزارات، على أن يتم تقسيم ال " 6 " وزارات السيادية على الأقاليم الله " 3 " بشكل متساوي ( وزارتين لكل إقليم ) مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الأخرين .

ه - اضطلاع مجلس النواب الليبي بإعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار " عقيلة صالح "، وذلك عقب قيام اللجنة ( تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة ) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز " 30 " يوم بدء من تاريخ انعقاد أول جلسة .

م - قيام المجمع الانتخابي لكل إقليم تحت إشراف الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين ومثقفين من ذوي الكفاءة واعتمادها 6 من قبل البرلمان الليبي لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة الليبية وطرحه للاستفتاء الشعبي لإقراره ( على أن تنتهي من أعمالها خلال " 90 " يوم من تاريخ تشكيلها ).

ف   تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية ب، " 18 " شهر قابلة للزيادة بحد أقصى " 6 " أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية المصرف المركزي - المؤسسة الوطنية للنفط المؤسسة الليبية للاستثمار)، وإعادة تشكيل مجالس إدارة المؤسسات الأخيرة بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية انتهاء بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية .

ق  الإجراءات التنفيذية اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الاقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، إلى جانب منع وصول الأموال الليبية إلى أي من الميليشيات، كذا العمل على ضمان توزيع عادل وشفاف للموارد الليبية لكافة المواطنين.

دعونا نقرأ ونحلل هذا البيان، وذلك من خلال النقاط التالية حسب رأي مصطفي بكري:

أولاً-  أنه إذا كان القبول بوقف إطلاق النار مشروط بأن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعتى السلاح، على أن تقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلها، فهذا يعني شرط يعنى نجاح الميليشيات فى السيطرة على سرت والجفرة سلمًا بدلًا من الحرب، حتى يصبح الطريق مفتوحًا أمام دخول المرتزقة والإرهابيين إلى المنطقة الشرقية.

ثانياً: أنه إذا كان إعلان وقف إطلاق النار يؤكد أن الغاية هى استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبى وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، فهذه لغة مطاطة وغير محددة وتعنى بالأساس السيطرة على كامل الأراضى الليبية بواسطة الميليشيات والمطالبة زورًا وبهتانًا بطرد من يسمونهم بالمرتزقة الروس، الذين لم يثبت لهم أى وجود على الأرض الليبية، وغض البصر عن المرتزقة الحقيقيين الذين جاءت بهم تركيا من روسيا ومناطق أخرى، كما أن البيان لم يتطرق لا إلى وقف التدخل الخارجي فى الشئون الليبية أو وقف تصدير السلاح إلى ليبيا والالتزام بقرار الحظر الصادر عن مجلس الأمن فى عام 2011.

ثالثاً : إن الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال شهر مارس المقبل، وفق قاعدة دستورية مناسبة يتم الاتفاق عليها بين الليبيين، فهو أمر لا يمكن أن يتم إلا بخروج المرتزقة وحل حكومة الميليشيات، إلا أن حكومة السراج حددت الموعد دون شروط محددة.

رابعاً : لقد تجاهل البيان التطرق إلى إعلان القاهرة ومخرجات مؤتمر برلين، رغم إعلان مجلس النواب الليبى عن التمسك بهما كأساس للحل، كما تجاهل البيان أيضاً دور الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو الرقم الصعب فى المعادلة، مما يدل على أن المؤامرة الجديدة تستهدف هذا الجيش وقيادته فى الأساس، حيث إن هذا البيان يكشف بلا مواربة عن حقيقة المخطط الذى يستهدف الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر وفرض السيطرة على كامل الأرض الليبية بواسطة حكومة السراج بزعم أنها الحكومة التى حصلت على اعتراف الأمم المتحدة.

خامساً: ضرب حفتر واستبعاده من قيادة الجيش فى هذه الظروف يعنى السيطرة على الجيش الوطنى الليبى وتفكيكه وإلحاقه بحكومة الميليشيات.

إذن وفى ضوء شروط حكومة السراج فإن وقف إطلاق النار يعنى إخضاع ليبيا كاملةً لشروط حكومة الميليشيات التى تأتمر بأوامر أردوغان وحكومته..

ومن هنا يمكن فهم المحاولات المتعددة لاختلاق الأزمات بين المستشار عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر بهدف بعثرة الجهود المشتركة وإشعال الفتن والحروب الداخلية بين الطرفين وخلق أزمة بين رئيس البرلمان بوصفه القائد الأعلى وبين المشير خليفة حفتر بوصفه القائد العام للجيش الوطنى الليبي.

لقد توقف الكثيرون أمام البيان الذى أصدره المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذى أعرب فيه عن أمله بأن يؤدى وقف إطلاق النار إلى تحويل مدينة سرت الساحلية إلى مقرًا للمجلس الرئاسى الجديد، على أن تقوم قوة أمنية من كافة المناطق بتأمينها تمهيدًا لتوحيد مؤسسات الدولة، وتساءلوا عما إذا كان ذلك يعنى التوافق مع طلب نزع سلاح هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة.. هذا بالرغم من أن مصادر مقربة من مجلس النواب أكدت أن المستشار عقيلة صالح لن يقبل بشروط السراج المطروحة لأن ذلك يتصادم مع المصالح الليبية، والوضع العسكرى، وإعلان القاهرة الذى اعتبره المستشار عقيلة الركيزة الأساسية للقبول بوقف إطلاق النار.

وإذا كانت مصر قد لعبت إلى جانب واشنطن دورًا هامًا فى التوصل إلى هذا القرار إلا أن مضمون الاتصال الذى جرى فى أعقاب هذا القرار بين وزيرى الخارجية المصرى والألمانى يكشف حقيقة الدور المصرى من البيانات الصادرة من الأطراف الليبية فى هذا الصدد.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

..............................

المراجع

1- مصطفى بكرى: حقيقة وقف إطلاق النار فى ليبيا .. (مقال).

2- سعيد عبدالسلام : أردوغان ورقصة الموت!.. (مقال).

3- خالد حريب : السلام فى ليبيا وخطوات حتمية!.. (مقال).

4- مصطفى عنبر: كيف مهد إعلان القاهرة طريق ليبيا نحو السلام!.. (مقال).

 

 

في المثقف اليوم