آراء

آراء

أفاد الكريملين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، في وقت لا يُعرف سوى القليل عن الاجتماع، ووفقا لبعض المصادر، فإن بعض التكوينات الجديدة لصفقة الحبوب ستكون موضوع المحادثة، حيث تمر تركيا بأوقات عصيبة بسبب ارتفاع التضخم في البلاد، ويحتاج الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تجديد "صفقة الحبوب" بأي وسيلة، حسبما قال أجدار كورتوف، عالم السياسة والمستشرق، لبرافدا.رو .

ويؤكد المراقبون، إن أردوغان يعرف شروط الجانب الروسي لاستئناف "صفقة الحبوب"، لكنه لا يزال يأمل في لقاء مع بوتين، فقد أصبحت موسكو وأنقرة مترابطتين الآن، لكن لا يزال هناك "برود" في العلاقات بين البلدين، فبالإضافة إلى قضايا صفقة الحبوب، ستتم مناقشة بعض المشاكل الأخرى، لكنها موجودة بالفعل، وليس سرا أن تركيا تزود أوكرانيا بالأسلحة، والعديد من المشاكل الأخرى في العلاقات الثنائية".

وخلال زيارته لموسكو، وتمهيدا لزيارة أردوغان، قدم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى موسكو مقترحات جديدة لاستئناف اتفاق الحبوب، وأكد الجانب الروسي الحاجة إلى "ضمانات تؤدي إلى نتائج ملموسة"، ومثل أوكرانيا، تعمل روسيا على إيجاد طرق بديلة لتصدير حبوبها، وذكرت صحيفة بيلد الألمانية، نقلا عن مراسلات رسمية بين وزارة الخارجية الألمانية وسفارتي روسيا وتركيا في الفترة من 21 يوليو إلى 8 أغسطس، أن روسيا وتركيا وقطر يعدون اتفاقا جديدا ليحل محل صفقة الحبوب.

وبحسب المنشور، فمن المفترض أن يتم توريد الحبوب الروسية إلى الدول الفقيرة، وخاصة الإفريقية، وستعمل تركيا كمنظم لهذه الشحنات، وستكون قطر راعية، وزعمت صحيفة بيلد، فقد كان من المفترض توقيع الاتفاقية الجديدة يومي 19 و20 أغسطس في المجر، حيث وصل أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ورئيس تتارستان رستم مينيخانوف، بالفعل إلى بودابست للمشاركة في الاحتفالات بمناسبة عيد القديس ستيفن، ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن أي محادثات ثلاثية أو اجتماعات بين قادة تركيا وقطر ومينيخانوف، فالأخير، هو نفسه كتب في قناته على " تلغرام" فقط عن لقاء مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وتؤكد صحيفة حرييت التركية أن فيدان مسؤول عن تطوير صيغة جديدة لصفقة الحبوب، ففي 25 أغسطس، زار كييف، حيث أجرى محادثات مع الرئيس فلاديمير زيلينسكي، ورئيس الإدارة الرئاسية لأوكرانيا أندريه ييرماك، ورئيس الوزراء دينيس شميجال، ووزير الخارجية دميتري كوليبا، وأعربت السلطات الأوكرانية عن عدم رغبتها في العودة إلى الاتفاق السابق، لكنها مستعدة للنظر في مقترحات جديدة، ويجب على وزير الخارجية التركي الآن أن يستمع إلى الموقف الروسي، ثم يتصل بالأمم المتحدة ويقترح صيغة نهائية لاتفاق جديد يمكن طرحه للمناقشة في سوتشي.

ومع ذلك، فإن رسالة وزارة الخارجية الروسية قبل المحادثات بين وزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي فيدان في موسكو، أعلنت عن نية الوزراء “العمل على معايير تنفيذ مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتنظيم توريد مليون طن من الحبوب الروسية إلى تركيا”، وبسعر مخفض وبدعم مالي من قطر للمعالجة اللاحقة للشركات التركية، والشحنات إلى البلدان الأكثر احتياجًا، وقالت الوزارة إن موسكو "تعتبر هذا المشروع بديلا عمليا أمثل لاتفاق البحر الأسود"، لكن، وقبل ساعات قليلة من بدء المفاوضات بين لافروف وفيدان، كشفت وكالة ايتار تاس الروسية، عن نية وزير الخارجية التركي عرض على محاوره استئناف صفقة الحبوب في نسختها الأصلية، فقد ذكرت تركيا مرارا وتكرارا أنها تؤيد استئناف ممر الحبوب بشكله الأصلي بمشاركة الأطراف في اتفاقيات إسطنبول، ونقلت الوكالة عن دبلوماسي تركي لم تذكر اسمه قوله إنها تعتبر هذا الإجراء الأكثر فعالية وأمانًا في ظل الظروف الحالية لمنع توسع الصراع الأوكراني إلى البحر الأسود.

وفي مؤتمرهما الصحفي عقب محادثات موسكو، والذي استمر أكثر من ساعتين، قال فيدان إن استئناف صفقة الحبوب كان موضوعهم الرئيسي، و "كانت قضايا إحياء صفقة الحبوب أولوية في مفاوضاتنا اليوم" ، ولكن لدى روسيا متطلبات لضمان الإمدادات دون انقطاع من منتجاتها والأسمدة، ومن المهم الإجابة على هذه الأسئلة، وبمساعدة نشطة من تركيا، أعدت الأمم المتحدة حزمة من المقترحات الجديدة لصفقة الحبوب، وقال الوزير التركي، "نعتقد أن هذا يمكن أن يكون أساسًا جيدًا لإحيائه"، وأشار إلى أنه بحث مع لافروف التفاصيل الفنية لتجديد الاتفاق، وأضاف: «لقد درسنا اليوم التفاصيل الفنية، وسنقدمها لقادتنا، وسيناقشها زعماء الدول بالتفصيل في المفاوضات المقبلة. ولخص فيدان جهودنا في هذا الاتجاه.

بدورة اكد الوزير لافروف، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعلى هامش قمة البريكس في أغسطس في جوهانسبرغ، قدم له مقترحات جديدة للتوصل إلى اتفاق وأرسل له رسالة مقابلة، وقال "لقد أوضحنا بأمانة لكل من الأمين العام وأصدقائنا الأتراك أنه لا يوجد حتى الآن ضمان واحد في هذه الرسالة، فهناك فقط وعود بالمحاولة بشكل أسرع، والمحاولة بجدية أكبر، وكل شيء يعتمد على حقيقة مفادها أن الغرب يعيق حل المشاكل التي تمنع تصديرًا أكثر نشاطًا للحبوب والأسمدة الروسية"، والتشديد على انه لا يستطيع أعضاء الأمم المتحدة أنفسهم فعل أي شيء، فهم مجبرون على مطالبة الغرب بإظهار الحكمة، وإظهار نهج بناء، والغرب لا يريد القيام بذلك، ولخص الوزير، انه "وبمجرد عدم وجود وعود، بل ضمانات بنتيجة ملموسة يمكن تنفيذها غدًا، سيتم استئناف تنفيذ هذه الحزمة بالكامل اعتبارًا من الغد".

في الوقت نفسه، لا تهدف زيارة أردوغان إلى روسيا في الواقع من وجهة نظر المراقبين، إلى إقناع بوتين بالعودة إلى صيغة صفقة الحبوب هذه، علاوة على ذلك، فإن الصفقة في حد ذاتها ليست سوى غطاء لمناقشة قضايا أكثر أهمية بالنسبة لروسيا وتركيا، واكد عالم السياسة سيرغي ماركوف، في مقابلة مع فور بوست، إن نشر معلومات في وسائل الإعلام مفادها أن الزعيم التركي سيذهب إلى روسيا لمناقشة صفقة الحبوب هو تضليل متعمد للغرب حتى "لا يرتعشوا كثيرًا ولا يضعوا عقبات "، وفي الواقع، سيأتي أردوغان لمناقشة الموضوع الرئيسي الذي يناقشه هو وبوتين طوال الوقت، ويتعلق الأمر بكيفية الاستمرار في خداع الأمريكيين والأوروبيين وتجاوز العقوبات الغربية ضد روسيا، وهذا هو الموضوع الأهم الذي يدر مليارات الدولارات على كل من روسيا وتركيا، وهناك عشرات النقاط الدقيقة في هذا الموضوع والتي تتطلب المناقشة على مستوى رئيسي الدولتين.

وفي ضوء ذلك سيناقش الرؤساء أيضًا إنشاء بنية تحتية تسمح لموسكو وأنقرة بالتفاعل دون مشاركة الغرب، حيث لا تزال روسيا مهتمة برأي الدول الغربية فيما يتعلق بتنفيذ نفس صفقة الحبوب، لأن الاتحاد الروسي لا يستطيع تصدير حبوبه دون مشاركة الدول الغربية، ودون استخدام البنية التحتية للتجارة العالمية التي يسيطر عليها الغرب، ولهذا السبب سيناقش أردوغان وبوتين إمكانية إنشاء بنية تحتية جديدة للإمدادات البديلة تكون منفصلة تمامًا عن الغرب، حيث يستفيد أردوغان من صفقة الحبوب، لأن تركيا هي نوع من المركز لتنفيذها.

وبالإضافة إلى ذلك، فهو محرك قوي للسياسة الخارجية يكسب أردوغان من خلاله نقاطًا سياسية، لكنه يدرك جيداً أنه من المستحيل استعادة صفقة الحبوب لأن الغرب ببساطة يعرقلها، ولا يستطيع أردوغان أن يفعل أي شيء ضد ذلك، ولذلك، سيتم مناقشة تسليم الحبوب الروسية عبر تركيا، علاوة على ذلك، فإن للأتراك أكثر ربحية لحمل الحبوب الروسية، وليس الأوكرانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا تشعر بقلق بالغ من خسارتها أمام الغرب فيما يتعلق بتصدير البضائع الروسي، ويتعلق هذا، على سبيل المثال، بالنفط من موانئ البحر الأسود الروسية، حيث تحتل اليونان الصدارة، حيث يتم تصدير النفط الروسي بنسبة 70٪ عن طريق اليونان التي دعمت العقوبات ضد روسيا، لكن أردوغان يرغب في أن تحصل بلاده على أقصى استفادة من تصدير البضائع من الاتحاد الروسي، و "في الواقع، يمكن لأردوغان اعتبار ذلك نوعًا من التعويض عن إغلاق روسيا للجزء الأوكراني من صفقة الحبوب".

ومن القضايا المهمة في الاجتماع، وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حل مسألة عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم، والتي تعتبر السبب الرئيسي للانتقادات الموجهة لأردوغان داخل البلاد، والتي تسبب استياءً كبيراً لدى الأتراك، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لترحيلهم مرة أخرى إلى سوريا، ولكن أين يجب أن يتم نقلهم؟ يريد أردوغان نقلهم إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا - وهو شريط يبلغ طوله عشرات الكيلومترات على طول الحدود المشتركة مع سوريا، لكن السلطات السورية تعارض ذلك، فهناك حاجة إلى بعض التسوية بشأن هذه القضية. و أنه في تحقيق ذلك يمكن للرئيس الروسي أن يساعد.

إن تركيا تتاجر مع روسيا بأرباح كبيرة لنفسها، ولذلك، فإن أردوغان لا يتخلى عن محاولات إعادة صفقة الحبوب، وبغض النظر عن النتيجة فإن مثل هذه المفاوضات تجلب "نقاطا سياسية" لأردوغان، وأيضا أنه كلما زادت نشاط موسكو في استغلال الفرص المتاحة لأنقرة، أصبح موقف أردوغان التفاوضي أقوى في مجالات أخرى من العلاقات الثنائية، ومن غير المرجح أن تدعم تركيا أوكرانيا في مبادرة الحبوب، لكن ربما يكون هذا هو أكبر نقاط ضعفه، فقدرته على استغلال الفرص الناشئة ببراعة لتحقيق نجاح تكتيكي مؤقت، يفقد رؤيته للمنظور الاستراتيجي.

وان مقترح الصفقة الجديدة هو بديل لـ«صفقة البحر الأسود» السابقة التي شاركت فيها أوكرانيا، ️ومثل هذا المخطط اقترحته موسكو من قبل، في خريف 2022، لكن أنقرة والدوحة رفضتا، حيث هددت كييف بعرقلة الصفقة بحجة احتمال "سرقة الحبوب الأوكرانية من قبل روسيا، وتقترح موسكو استبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل بالحبوب الروسية، والحديث هنا عن حجم مليون طن،، وبذلك فإن أردوغان وحده هو الذي سيحصل على 200 مليون دولار (أي دولة تركيا) كمكافأة للموافقة، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من منع ذلك؟ فالإغراء بالنسبة لأردوغان كبير جدًا، والخيار الذي سيتخذه "السلطان" سيظهر ما هو السائد: المصلحة التركية أم الضغوط من الغرب، وان غدا لناظره قريب لمعرفة الإجابة على هذا السؤال.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

ومرحلة التحرر الوطني والبناء بقيادة حزب العمل الانغولي

من قصيد للدكتور اغستينو نيتو (سوف نعود)

إلى انهارنا، إلى بحيراتنا، إلى الجبال، إلى الغابات سوف نعود

سوف نعود إلى مناجمنا حيث الماس والذهب والنحاس والنفط سوف نعود

إلى الوطن الانغولي الجميل أرضنا أمنا سوف نعود

إلى أنغولا المحررة أنغولا المستقلة.

***

الدكتور اغستينو نيتو اول رئيس لجمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال، وهو طبيب وشاعر. في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم وبتأثير من الأفكار التي جاء بها بلد لينين في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، الاتحاد السوفيتي وكذلك منظومة البلدان الاشتراكية، برزت حركة التحرر الوطني في القارة الأفريقية بحركات منظمة ضد الاستعمار البلجيكي والبرتغالي والبريطاني ونشأت حركات مسلحة، قادها ولعب دورا هاما وبارزا فيها، أميلكار كابرال في حركة تحرير غينيا بيساو، وكذلك اغستينو نيتو قاد الحركة الشعبية لتحرير انغولا من المستعمر البرتغالي وظهور القائد باتريس لومومبا في الكونغو في تحريرها من الاستعمار البلجيكي، وحركة تحرير جنوب افريقيا من المستوطنيين البريطانية وحكومتهما العنصرية بقيادة نلسن ماندلا ورفاقه في حزب المؤتمر الافريقي الجنوبي.

واليوم أكتب عن جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال الذي قاده الدكتور اغستينو نيتو ورفاقه في الحركة الشعبية لتحرير انغولا من الاستعمار البرتغالي الذي جثم على صدر الشعب لسنوات عديدة حتى أن تحررت عام 1975 ونالت الاستقلال، ولعب دورا ببناء الدولة المستقلة أغستينو نيتو ورفاقه في حزب العمل الانغولي، معتمدين على رفع مستوى التعليم في كل المجالات اولها البدء بمكافحة الأمية وإعداد الكوادر العلمية في مجالات متعددة، منها الطب والهندسة والعلوم وغيرها، و بناء الدور السكنية للشغيلة من العمال والفلاحين.

وفي عام 1980 قرر أتحاد الطلاب العالمي ومقره في جمهورية جيكوسلوفاكيا في العاصمة براغ، تشكيل فصيل اممي من الأطباء لمساعدة الشعب الانغولي، وفعلا جرى الاقتراح على المنظمات الطلابية المتواجدة في الاتحاد العالمي، وتمت الموافقة من قبل اتحادنا (أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية)، وأقترح أرسال أطباء. عراقيين أنهوا دراستهم خارج العراق، ولم يتسنى لهم العودة العراق بسبب من الاضطهاد والسجن على يد النظام الدكتاتوري القائم، فجرت الموافقة من قبل كل من الدكتور ماجد كثير الصكر من موسكو جامعة الصداقة بين الشعوب والمسماة بأسم المناضل (باتريس لومومبا)، والدكتور فاضل سعيد من بلغراد يوغسلافيا واخته الدكتورة بخشان سعيد من موسكو وهم اخوة أبو محمود في القامشلي (جلال الدباغ ) كان انذاك مسؤول عن أرسال الرفاق الذين يأتون من الخارج لإرسالهم إلى كردستان للالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعيين لمقاتلة النظام، وفاضل وبخشان من الاخوة الأكراد لكنهم لم يكملوا المشوار في العمل التطوعي، حيث ادعى الدكتور فاضل سعيد لدية قرحة في المعدة وهو بحاجة الى السفر إلى موسكو للعلاج وأشترط أن ترافقه اخته بخشان وهذا ما تم وجهزوهم الرفاق في اتحاد الشباب الانغولي ببطاقتي سفر وفعلا جرى تسفيرهم إلى موسكو، ومن الجدير بالذكر ان الدكتور فاضل سعيد كان مسؤول منظمة الحزب في يوغسلافيا وهو حدثني عن كيفية أرساله الرفيق الطالب نشأت فرج بالذهاب الى السفارة العراقية في بلغراد لتجديد جواز سفره ودخل الرفيق نشأت فرج الى السفارة ومهمة الدكتور فاضل ان يراقب الموقف من خلال زرف في الكنيسة المجاوررة للسفارة العراقية واعتقل الرفيق نشأت وسفر بطريقة وحشية الى بغداد ولم يطلق سراحه الابعد الاحتلال عام 2003، وانا كاتب هذه السطور محمد جواد فارس من مدينة كرسندار في روسيا الاتحادية، سبق وكانوا معنا أطباء من الهند وأيرلندا وصحفي من جيكوسلوفاكيا يغطي نشاطات الفصيل إعلاميا، بدئنا في دراسة اللغة البرتغالية، لكي يتم التفاهم مع المرضى ومع الناس، وهي لغة الدولة الرسمية، وتم تنسيبنا إلى مستوصفات في العاصمة لوندا الجميلة والواقعة على ساحل المحيط الأطلسي وكان نصيبي مستوصف تعمل به اخت خالد الذكر اغستينو نيتو وهي صيدلانية فيه ومسؤلة المستوصف، وتعرفنا على السفير الفلسطيني أبو فهد وهو من مدينة سلوان الفلسطينية، وفي سفارتهم اثنان، سائق السفير وكذلك مدير مكتبه، والسفارة كانت سفارة الكيان الصهيوني ايام المستعمر البرتغالي، وبعد الاستقلال تم طرد السفير الاسرائيلي وطاقم السفارة، وأعطيت البناية إلى سفارة فلسطين وللعلم انها اول سفارة تفتح في جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال عام 1975، وليس كما يقال ان اول سفارة لفلسطين فتحت في طهران بعد الثورة، وهذا غير صحيح تاريخيا. وقد ساعدت الأخوة الفلسطنيين في انشاء مكتبة، فيها من الكتب السياسية والثقافية العربية والبرتغالية، والسفير أبو فهد كان يشاركنا احتفالاتنا بمناسبات عديدة ومنها عيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار ويلقي كلمة وهو يتحدث أضافة للعربية اللغة الأم البرتغالية والانكليزية وبطلاقة، وقدم لنا الكثير كلما طلبنا منه ومثال على ذلك قضية سفينة الرزازة العراقية للصيد الأسماك، التي اخترقت المياه الإقليمية لسواحل انغولا للصيد السمك فيها معمل لتعليب الاسماك وبيعها الى دول قريبة مثل الكاميرون، وشارك في إطلاق السفينة لأنها ملك للشعب العراقي، وبفضله تم اطلاق السفينة بعد أن سدد العراق ضريبة تواجدها في الميناء الانغولي، و طلب من الرفاق الانغول عدم تسليم المناضل عوني القلمجي إلى نظام بغداد، وكان عوني مدعو للمشاركة في مؤتمر يعقد في لوندا للتضامن مع الشعب الانغولي، وحدثت اشكالات في تمثيله كعراقي وهو يحمل جواز سفر سوري. وقضية زوجتي د. رحيمة السلطاني التي جاءت لزيارتي وليس لديها تأشيرة دخول ذهب لاستقبالها في المطار وهو يحمل علم فلسطين. وشكرنا جهوده لتعاونه معنا.

و تابعنا عملنا في لوندا حتى كلفنا بعد فترة في السفر إلى مدينة أخرى، في الشمال تسمى ب أيويج عملنا في مستشفاها مع زملائنا من الأطباء الكوبين، ومن خلال عملنا اكتسبنا خبرات جيدة في الأمراض المتوطنة والتي درسناها في بلد السوفيت، ولكن دون مشاهدة لمرضى، كما هي داء الفيل، وليبرا والملاريا وغيرها من الأمراض (أمراض المناطق الحارة وشبة الحارة).

ومن خلال علاقتنا مع شبيبة اغستنو نيتو حدثونا عن البناء الاشتراكي وتطور القوى المنتجة وإعداد الكوادر العلمية في مختلف التخصصات وتحريك الصناعات منها استخراج النفط من منطقة كابندا في الشمال على المحيط الأطلسي، وكذلك المعادن المستخدمة، والاهتمام بزراعةالقهوة والكاكو و جوز الهند، علما أن هناك كانت تدار حرب أهلية بعد التحرير، حيث انشق عن السلطة جانوس سفمبي زعيم يونتا زعيم الاتحاد الوطني للاستقلال انغولا وشكل قوات في جنوب انغولا مدعومة من الامبريالية والمعادين للنظام نيتو وأصبح يقوم بعرقلة أمن الدولة والمواطنين، وكذلك في شمال انغولا ظهرت قوات معادية للتوجهات سلطة حزب العمل الانغولي، بقيادة روبرت هولدن، ورغم ذلك كانت كوبا تقف إلى جانب بناء انغولا الشعبية في مساعدتها صحيا وتعلميا اقتصاديا، ولايمكن نسيان دور المناضل الأممي ارنستو تشي جيفارا المشارك في حرب التحرير مع القائد اغستينوا نيتو، حتى أن الفلاحين يتذكرونه في الريف الانغولي عندما كان يحمل بندقيه الكلاشنكوف ويعالج الفلاحين، علمنا أنه كان يعاني من نوبات ربو قصبي شديدة الحدة، كان جيفارا يشارك في التخطيط وادارة المعارك ضد المستعمر البرتغالي. وعندما استلم الرئيس خوسي ادواردو دوس سانتوس وهوخريج بلد الاشتراكية الأول من جمهورية اذربيجان في معهد النفط المسمى بأسم عزيز بيكوف والمعروف دوليا بدراسته في مجال النفط تعقيبا وأستخرجا، وتخريج عدد كبير من الطلاب الأجانب من الدو ل النامية التي يتواجد فيها النفط، وطلاب من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، استفاد سانتش، أضافة لتخصصه العلمي، في دراسة الماركسية، في الفلسفة والاقتصاد السياسي وكذلك الاشتراكية العلمية، وعندما شغل مركزه الأول في الحزب ورئاسة الدولة مستفيدا من التجربة الاشتراكية في بناء الدولة، وضع الخطط السنوية من أجل البناء في مجالات متعدد منها تطوير التعليم والصحة والاهتمام في الزراعة والصناعة والاستفادة من ثروات البلد من النفط والقهوة والكاكو وجوز الهند وغيرها.و سخرت ثروات البلد من أجل بناء انغولا الحديثة والمتطورة حيث جرى الاهتمام بتطوير الإنشاءات الصحية في المدينة والريف وكذلك التعليم الاولي والعالي بعد القضاء على الأمية، وإعداد الكوادر في المجالات المطلوبة لمتابعة تطور البلد وفق متطلبات العصر، واليوم انغولا تسير وفق البرامج التي وضعها أوغستينو نيتو ومن بعده أدوار دوس سانتوس وقيادة حزب العمل الانغولي ونفذت العديد منها وكان لاتحاد الشباب الانغولي دورا هاما في عملية البناء.

و في القرن الواحد والعشرين وبعد انتهاء مرحلة الاستعمار وولوج الامبريالية وهيمنتها على اقتصاد الدول في بيع منتجاتها بما فيها الاسلحة الفتاكة وتدخلها السافر في إنهاء الأنظمة التقدمية وذلك بإستخدام جهاز المخابرات الأمريكية للتأمر على الشعوب و الأنظمة بالتعاون مع العملاء والمرتزقه، أصبح من الضرورة بمكان التخلص من هذه الهيمنة، وحتمت الضرورة أيجاد تعددية الاقطاب، بدلا من هيمنة القطب الواحد، وظهرت منظمة البريكست التي ضمت في صفوفها كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وجمهورية الهند وكذلك جمهورية أفريقيا الجنوبية والبرازيل، واليوم تتوسع بطلب العديد من الدول العربية والافريقية، وبالتالي سوف تنهي هيمنة الدولار الأمريكي على الإقتصاد العالمي. واليوم أفريقيا بعد أحداث انقلاب النيجر وطرد فرنسا المستعمرة للبلد والتي استغلت النيجر في سرقة اليورانيوم وارساله إلى فرنسا من أجل توليد الطاقة الكهربائية لفرنسا، وجدت النيجر في روسيا الاتحادية عون لها في التشدد بموقفها اتجاه طرد السفير الفرنسي، وسوف تحذوا دول أفريقية في إنهاء الاستعمار واللجوء إلى دول البريكست.

أنغولا الشعبية سوف تستمر في برنامجها الاقتصادي والسياسي، لبناء مجتمع أشتراكي.

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

عن إشكالية قراءة التاريخ

لا يقوى الماضي -بعظمته وتفاهته- على النهوض من ركام تعاقب العقود والقرون. لمصلحة ما، نحن من نستدعي الماضي بأبطاله الأخيار والأشرار، بحقائقه وأكاذيبه. ننفخ فيه روحاً من حياة بمواصفات خاصة، حياة "تحت السيطرة"، وإن خرجت عنها في أحيان كثيرة. وفي أثناء ذلك، ربما سنكتشف أن كثيراً مما كنا نحسبها حقائق تاريخية يقينية ليست سوى تخيلات لا أكثر، سرديات بمحتوى تاريخي، وبقالب يستجيب لقوانين بلاغية بحسب هايدن وايت. يحدث هذا حين نؤمن بأن كل قراءة للتاريخ هي تأويل بالضرورة، وأن رفاهية امتلاك معنى نهائي واحد لخبر، أو رواية تاريخية أمر بعيد للغاية، لأن فعل التأويل محكوم بميول، وأهواء، ومصالح، ومستوى إدراك، وطموحات، ومخاوف شعورية، ولا شعورية، حقيقية، أو وهمية، وجميع ما ذكر يلقي أثراً بقدر ما على طبيعة فهمنا للنصوص.3645 عبد الكريم قاسم

عبد الكريم قاسم

لكن الاشتباك العلمي مع النص التاريخي يبقى مقيداً بحدود، بموثوقية مصدره، بعدم تعارضه مع نصوص أخرى، بأفق تلقيه، وأفق انتاجه أيضاً، والأهم بلغته. وبخصوص هذه الأخيرة فإننا إن أثبتنا النص بألفاظه، وبدأنا بتفسيره/ تأويله/ الاستشهاد به نكون قد نقلناه من سياق، إلى سياق ثانٍ. فما بالنا إن تمت روايته بمعناه فقط لا بألفاظه، وكانت الألفاظ البديلة بعيدة عن الأولى. إن النص منظومة من العلاقات، وأي استبدال لكلمة بكلمة أخرى حتى وإن بدت لنا قريبة في معناها سيؤدي إلى إحداث تغير في الدلالة، والمثال الآتي سيخبرنا بالكثير.

كان قد استوقفني تعليق للدكتور عبد الخالق حسين، على هامش مقال له نشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 17/ 7/ 2023، جاء بعنوان (الذكرى الخامسة والستين لثورة 14 تموز)، وقد وجدت من المفيد أن أقدم رأيي فيما أعده أمرأ جوهرياً: كيف نقرأ تاريخنا بطريقة علمية؟ وما السبيل الأمثل لاختبار صحة رواية تاريخية ما، ثم الخروج منها بنتيجة؟ سأكتفي بهذه الغاية،  لأني أجدها أكثر نفعاً من إصدار أحكام قِيمة، تجاه عهد، أو شخصية  سياسية. ولعل من المفيد البدء بنقل التعليق المشار إليه، ثم التعقيب عليه. يقول الدكتور عبد الخالق حسين:

(وكل الشكر لك أخي العزيز سيد طالب على تعليقك القيم، وتفهمك لأمور المرحلة، وتعقيداتها. نعم، كان الزعيم "عبد الكريم قاسم" محاصراً من كل الجهات. ولم يكن في نيته إعدام أي مسؤول من العهد الملكي، ما عدى "عدا" سعيد قزاز وزير الداخلية، وبهجت العطية مدير الأمن، لأنهما تسببا في قتل عشرات العمال المضربين، وكذلك عبد الجبار فهمي متصرف بغداد أيضاً له دور في بعض الجرائم. والزعيم كان يريد أن يستفيد من كبار الشخصيات في العهد الملكي، بمن فيهم نوري السعيد، فعندما سمع بوجود نوري في بيت استرابادي "الحاج محمود الأسترابادي" أرسل مرافقه وصفي طاهر لجلبه سالماً ومحترماً، ولكن لما وصل وصفي طاهر إلى بيت استرابادي وجد الجماهير هناك تسحل بجثة السعيد. وهذا ما جاء في مذكرات إسماعيل العارف. تاريخ العراق دموي).

لقد عرفت بعد قراءة التعليق  المتقدم أن الدكتور عبد الخالق حسين يتبنى هذا الرأي، وقد سبق له أن أورده، مستعيناً بالإشارة إلى رواية إسماعيل العارف، دون اثبات نصها أيضاً، ضمن مقال نشره قبل واحد وعشرين عاماً، في موقع إيلاف، في الثاني من أغسطس من العام 2002 وكان بعنوان "رد على محمد الرميحي: ثورة 14 تموز لم تكن انقلاباً فاشلاً". يقول فيه: "فأرسل الزعيم مرافقه العقيد وصفي طاهر على رأس قوة عسكرية مع أوامر مشددة بالحفاظ على حياة الباشا، وعدم المساس به، لأنه أراد الاستفادة من خبراته، ومعلوماته، ويؤكد ذلك المرحوم إسماعيل العارف في كتابه".

إن مذكرات اسماعيل العارف التي يشير إليها الدكتور عبد الخالق حسين جاءت في كتاب له بعنوان "أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق". سأرجع هنا إلى الكتاب نفسه أيضاً، بطبعة لندن الصادرة في العام 1986 لمناقشة  ما استنتجه من الرواية.

خبرات أم أسرار؟: ما لم يقله النص

يوحي حديث الدكتور عبد الخالق حسين بأن الزعيم عبد الكريم قاسم –أول رئيس للوزراء في العهد الجمهوري- أراد الحفاظ على حياة رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد، ورجالات العهد الملكي -باستثناء ثلاثة منهم- والتعامل مع كبارهم باحترام لغرض الإفادة من خبراتهم. ولعل من غير المستبعد أيضاً أن يفهم كثيرون بأن الزعيم كان ينوي إتاحة فرصة جديدة لهم للعب دور ما –استشارياً في الأقل- لا سيما وأنه لا يذكر أمداً محدداً لبقاء "الباشا" محتفظاً بحياته بلا عقاب، وإنْ كان سيتم تقديمه للمحاكمة أم لا. كما أنه لا يبين لنا نوع الخبرات والمعلومات التي يمتلكها نوري السعيد. إن اعتماد المفردتين على إطلاقهما يجعل أذهان أغلب القراء تنصرف إلى الخبرات الشهيرة الشائعة عن نوري السعيد، أي إلى مهارته في ميدان العمل السياسي، إلى "دهاء" رجل ترأس 14 وزارة، وله تاريخ مديد من العلاقات، والصداقات مع ملوك، ورؤساء كثيرين، عرباً، وأجانب.3646 نوري السعيد

نوري السعيد

لكننا إذا عدنا لأصل النص الذي أشار إليه الدكتور عبد الخالق حسين فسنجده يقول شيئاً آخر مختلفاً. كان إسماعيل العارف يتحدث عن "إلقاء قبض" لا عن "جلب"، وعن "أسرار سياسية" لا عن "خبرات". وبهذا أصبحنا أمام كلمات جديدة مُخفَّفة، ومًلطَّفة لا تؤدي المعنى المثبت في الأصل. يقول: "أخبرني الزعيم عبد الكريم قاسم أنه كان يرغب في إلقاء القبض على نوري باشا حياً، قبل أن تكتشف مكانه الجماهير الثائرة  فتقضي عليه، لأنه كان يعتقد بأن لدى نوري السعيد أسراراً سياسية ذات نفع كبير للثورة والعراق" (ينظر: العارف: الصفحة 174).

إذن. كان طلب الزعيم يتلخص بإلقاء القبض على نوري سعيد "حياً"، أما "محترماً" فلا وجود لها، ولا يوجد أيضاً أي حديث عن رغبة لدى الزعيم للإفادة من "خبرات" نوري السعيد، أو سواه. ف"الخبرات" شيء و"الأسرار السياسية" شيء آخر. باختصار، إن قيمة حياة نوري السعيد تتلخص -في الرواية المتقدمة- بمقدار ما يملكه من أسرار سياسية نافعة، يُراد الحصول عليها لسبب أمني محض.

إن تركنا لغة الرواية، واتجهنا لتقييم صدقيتها في ضوء الوقائع فسنجد أن العهد الجمهوري الأول الذي تركزت فيه أغلب السلطات بيد عبد الكريم قاسم قد هيمن عليه مزاج ثوري شعبوي أسهم بإهدار خبرات رصينة لرجال دولة كبار، وعرضهم لإهانات شتى، لمجرد تسنمهم مناصب في العهد الملكي. وإذا كان أستاذ تربوي قدير، يحمل مؤهلاً علمياً عالياً، ورئيس وزراء سابق مشهود له بالوطنية، والكفاءة مثل الدكتور محمد فاضل الجمالي يُهان، ويُتهم بالخيانة، ويُحكم عليه بالإعدام – تشفعت له بعض الجهات لاحقاً فغادر العراق - فكيف سيكون مصير نوري السعيد المؤمن بأن مصلحة العراق تتحقق بالتحالف مع بريطانيا، لو كان هو الواقف في قفص الاتهام أمام المهداوي؟

كان اسماعيل العارف وهو واحد من "الضباط الأحرار" صديقاً مقرباً لعبد الكريم قاسم، وأصبح في عهده وزيراً للمعارف. وليس من الصعب على من يقرأ كتابه أن يكتشف فيه تعاطفاً مع الزعيم. بالمناسبة، جاء حديث الدكتور عبد الخالق حسين بسياق ذي سمة اعتذارية متعاطفة مع الزعيم أيضاً: (كان الزعيم ...محاصراً من كل الجهات...، لم يكن في نيته إعدام أي مسؤول من العهد الملكي، كان يريد أن يستفيد من كبار الشخصيات... بمن فيهم نوري السعيد...، أرسل مرافقه وصفي طاهر لجلبه سالماً ومحترماً...ولكن...، تاريخ العراق دموي).

لا ريب في أن الدكتور عبد الخالق حسين كان قد قرأ كتاب إسماعيل العارف، ولعله حين أراد أن يستشهد بالرواية المتقدمة في العام 2002 ثم في العام  2023 اعتمد على ما حفظه في ذاكرته، فتبدلت بعض الكلمات، وكان النتيجة تقديم رأي في قضية تاريخية مهمة لا يؤكده المصدر الذي أشار إليه، ولا تؤيده الوقائع. هذا فضلاً عن وجود سهو في رواية الأحداث، فهناك خلط بين وقائع يومي 14 و15 تموز 1958. في الواقع، لم يعرف عبد الكريم قاسم، ولا أي أحد من رجالات العهد الجديد بلجوء نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الأسترابادي في الكاظمية، حيث بات ليلته الأخيرة هناك. أما ذهاب وصفي طاهر للقبض عليه فقد كان في اليوم الثاني "15 تموز"، في منطقة  البتاويين.

في اللحظة التي قرأت فيها تعليق الدكتور عبد الخالق حسين، تملكني شعور غريب. تمنيت بصدق أن يكون لما قرأته نصيب من الصحة، أن لو صدقت نية الزعيم، لو شمل عفوه نوري السعيد أيضاً، مثلما سيشمل من أطلقوا عليه النار في شارع الرشيد. وبرغم أن ثقتي بحصيلة ما قرأته عن تلك الأيام كانت تمنعني من التصديق، لكنني عدت لكتاب اسماعيل العارف على الفور. كنت مدركاً أن أمنيتي البعيدة لن تغير ما حصل قبل ستة عقود ونصف، ولن تعيد الحياة لأي من الضحايا، لكن لو كنت قد وجدت شاهداً حقيقياً ينفي بقية الروايات فسيكون درساً نافعاً عن إشكالية فهم التاريخ، درساً لي في الأقل.

يبقى من الضروري الانتباه إلى الجملة الأخيرة في حديث الدكتور عبد الخالق حسين: "تاريخ العراق دموي". مما يؤسف له أن هذه الجملة أصبحت أشبه بالمُسلَّمة عند كثيرين، ولازمة تفسيرية، لا تتيح لنا معرفة مسببات العنف، ولا تساعدنا على تجنبه. من شأن جملة من ذلك القبيل أن ترسخ في أذهان المؤرخين والباحثين نتائج جاهزة، وأحكاماً مسبقة أقل ما يقال عنها أنها غير مثمرة، ولا تنفعنا في فهم الحاضر، ومن شأنها أيضاً أن تشيع اليأس، والإحباط في نفوس الأجيال العراقية الجديدة، أجيال تستحق حياة أفضل من تلك التي عشناها. ولا أنبل من أن نسهم كلنا بجعل ذلك أمراً ممكناً.

***

عباس عبيد

أكاديمي وباحث من العراق

ستحل بعد أربع سنوات مئوية نصب أول مصفى نِفط عراقي، ومِن ذلك التَّاريخ(1927) وشعل غاز الآبار والمصافي كافة لم تطفأ ليلاً ونهاراً، تضيء الفضاء، حتَّى يومنا هذا. أوجب قول ذلك ما يعيشه العِراق راهناً، مِن أزمة الغاز السَّائل الحادة، ومع وجوده بغزارة، يستورد مِن الجوار، فيجري التّحكم، ولهذا التَّحكم خط أحمر أيضاً.

لستُ اقتصاديّاً، لكنني شاهد عيان على حرق الغاز، كنا، ومن الطّفولة، إذا ولينا وجوهنا جنوباً، نرى مِن فوق أطراف الهور شعلةً، عُرفت بـ«نار الشّعيبة». كنا قبل شيوع الكهرباء، نعتقد بأَّنها مصباحٌ عملاقٌ، يُسرج ليلاً، وما كنا نعلم أنها محرقة الغاز النَّفيس عالمياً، تهبه الأرض مِن رحمها نعمةً لا نقمةً لتأكله النَّار، سماه المختصون بـ«الغاز المصاحب»، وإذا «المصاحب» بنى دولاً، جعلها على صغرها عملاقة باقتصادِها. حللنا ببغدادَ، وإذا شعلة الشّعيبة نفسها تظهر خلفنا، ممِا يُقابل مقاهي وحانات «أبو نواس».

كأن لهيبها يتراقص طرباً على أنغام الأغاني الصّوادح، على شاطئ دجلة، قبل تحول الجرف الغربيّ إلى دار حكم حصينة، ثم منطقة خضراء أكثر حصانة، ولم يدر بخلدنا أنَّ هذه الشّعلة العظيمة، التي يُضاء بها النّهر، هي محرقة للغاز المصاحب أيضاً، حيث «مصفى الدّورة». غير أن ما كنا نعتبره بهاءً للمكان، وتخيلناه، مِن قبل، سِراجاً عظيماً، أثار قلق الاقتصاديين الأوائل، والحكومات نفسها، لذهاب الثّروة هباءً، فمحرقة الشّعيبة تقع على أطراف البصرة، والدّورة، حيث ينعطف مجرى دجلة، وسط بغداد، ومع خسارة الغاز يُجنى التلوث وسط المدن.

نقرأ الآتي: «يُعدّ غاز النِّفط مصدراً مهماً للثروة، يُنتج عن استخراج النِّفط، وهو الغاز الذي يضيع الآن بالاحتراق، والذي يمكن استغلاله بكميات وافرة لدعم الحركة الصّناعيَّة في العِراق، وتقوم حكومة الجمهوريّة بوضع الخطط اللازمة لاستغلال هذا الغاز، وتجهيز المشاريع الصّناعيّة الحكوميّة به، وتوزيعه على مركز الاستهلاكات الصّناعيَّة، ومشاريع الإسكان الرَّئيسية»(دليل الجمهوريّة العِراقيّة 1960). تصوروا بعد(63) عاماً، مِن هذا التَّنبيه الرّسميّ، يتجمهر العراقيون طوابير طوابير، حاملين قناني الغاز فارغات، أمَّا الصّناعة، التي جرى التّفكير بدعمها، فككت أدواتها، ولم يعد مصنع فتاح باشا ينتج البطانيات، ولا سامراء تنتج الأدوية، ولا البصرة الورق، ولا كربلاء الدِّبس والمربيات، ولا منطقة المعامل الطَّابوق، فالاستيراد صار وفق العقيدة.

كان «مصفى الوند» أول المصافي، أنشأته شركة نِفط خانقين(1927)، ثم «باباكَركَر» بكركوك، فمصفى الحكومة(1935)، و«الدّورة»(1955) قيل أنشئ بأيدٍ عراقيَّة (دليل الجمهوريّة 1960 والملكيّة 1936)، وغيرها مِن مصافٍ، تحرق الغاز كنفايات. لكن أغرب القصص كانت لـ«مصفى بيجي»، أضخم المصافي، أنشئ (1978)، على أثر ثورة النّفط الكبرى، غزته «داعش»(2014) فتحكمت به، وبعد طردها سُرق، وهو بمثابة مدينة، وهُرب في ليلة ليس ظلماء، وعاد، بعد سنوات، في ليلة ظلماء، لم تعلن أسماء المهربين والبائعين والمشترين. لكنّ الذين استغلوا إنجازات الجيش العراقيّ، بتحرير «بيجي» ورثوا ما غزته «داعش»، وعذرهم أنه مِن المعادن «مجهول المالك»، هؤلاء وحدهم يُسألون عن المصفى، لكنّ إذا تكلم العراقيّ، أخرسوه بخدعة: «حَمينا عرضك»!

كنا نلهوا برؤية شُعل المصافي، وما كنا نعلم أن مستقبل الأجيال يُحرق، مثله مثل جثامين الموتى، كي لا تلوث الأرض! فهل مِن تفكير بهذه المحارق، والتَّحرر مِن كماشة المورد المقدس، التي جعلت العراقي لا يطهو، ولا يتدفأ إلا بشروطها! ليس لنَّا الاستغراب مِن خزين الغاز، واستخراجه لغرض حرقه في الفضاء، ومنع صناعة وزراعة وفق مفاهيم أصحاب الولاية، كي تبقى الكماشة تعصر رقبةَ العِراقِ، ولنّا استعارة التَّشبيه مِن أحمد الصَّافيّ(ت: 1977): «جاءته حوتُ البحرِ ظامئةً له/ أو ما كفاها بَحرها العَجاجِ»(عزّ الدِّين، الشّعر العِراقيّ الحديث).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

الرئيس الأمريكي الخلافي الأسبق دوناند ترامب سلم نفسه أخيراً- الخميس الماضي- إلى السلطات بمقاطعة فولتون بولاية جورجيا التي يسيطر عليها الجمهوريون؛ ليطلق سراحه لاحقا بكفالة بقيمة 200 ألف دولار بعد نحو 20 دقيقة من حجزه في سجن المقاطعة، حيث أخذت بصمات أصابعه وصورته الجنائية التي بدا فيها متجهماً يائساً، ليصبح أول رئيس أمريكي تؤخذ له صورة جنائية.. غير أنه حولها بدهاء إلى فرصة ثمينة داعمة لمشروعه الانتخابي كما سنرى لاحقاً .

والمعروف أن ولاية جورجيا تابعة للجمهوريين ما يعني بأن قرار المحكمة الخاصة بترامب سينطق به محلفون قد يكون معظمهم من الجمهوريين، ويفترض أن يؤثر ذلك على اتجاه المحاكمة وبالتالي إدانة ترامب، هذا إذا علمنا بأن محاكمته أجلت إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية والمقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024.. بغية إخراج ترامب -وفق ترامب- من المشهد السياسي مع انه رشح نفسه لانتخابات الحزب الجمهوري الجارية لتمثيل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ لذلك فإن خصمه السياسي جو بايدن كشف عن نيته الترشح للرئاسة مع نائبته كامالا هاريس.

ووصف ترامب لائحة الاتهام في مقابلة متلفزة بأنها "ذات أبعاد سياسية"، مضيفا أنه "كان يمكن إصدارها قبل قرابة ثلاث سنوات، ولكن تم تفصيلها لتوجّه الصفعة الصحيحة في منتصف حملتي السياسية".

ومنذ أشهر، يخوض ترامب حملة سياسية لدعم ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024.

لذلك ربط ترامب مصيره بنتائج الانتخابات الرئاسية القادمة فيما لو تحقق فوزه، وبالتالي استغلال صلاحياته كرئيس في إلغاء الأحكام التي قد تصدر بحقة.

وملف ترامب متخم بالقضايا الخطيرة التي يمكن اختصارها في أربع قضايا ما لبثت تلاحقه إلى الآن، وهي:

-محاولة قلب نتائج انتخابات 2020، والهجوم التخريبي الذي شنه أنصاره على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021.

- تهمة التجسس.. حيث أظهرت مذكرة التفتيش الصادرة بحقة أن السلطات الفيدرالية كانت تحقق مع ترامب في إتلاف مستندات حساسة، وعرقلة قوانين العدالة، وانتهاك قانون التجسس، بما يشمل رفض إعادة وثائق الأمن القومي، ما يمكن أن يؤدي لسجنه أو توقيع غرامة عليه.

وتصل عقوبة انتهاك قانون التجسس بحد أقصى إلى السجن مدة عشر سنوات، ويتعلق ذلك بإساءة استخدام الوثائق التي تضر بالأمن الوطني للولايات المتحدة.

- ضبط تسجيلات خطيرة لترامب خلال اجتماع عام 2021، ظهر فيها بأنه احتفظ بمعلومات عسكرية "سرية" لم تُرفع عنها السرية، وفقاً لنص التسجيل الصوتي الذي حصلت عليه شبكة CNN.

وكان ترامب يشكو في الاجتماع من رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي. وعُقد الاجتماع بعد وقت قصير من نشر مجلة "ذا نيويوركر" قصة لسوزان غلاسر توضح بالتفصيل كيف أوعز ميلي، في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب، إلى هيئة الأركان المشتركة بضمان عدم إصدار ترامب أوامر غير قانونية، وإبلاغه إذا كان هناك أي قلق.

- تقديم رشوة لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز التي اعترفت بأقامة علاقة جنسية مع ترامب، وإنها حصلت على 130 ألف دولار من محاميه قبل انتخابات عام 2016 مقابل صمتها بشأن هذه العلاقة التي أنكرها ترامب حيث تلقى طلباً من المحكمة للشهادة ضد محاميه.

وقبل خمسة أشهر من بدء الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الجمهوري لانتخابات 2024، يزداد التأييد لترامب فيما تلقي عدة قضايا جنائية بظلالها على محاولته العودة للبيت الأبيض.

وعقب ذلك، قال ترامب للصحفيين في مطار أتلانتا إن اعتقاله يمثل "يوماً حزيناً للغاية بالنسبة لأمريكا وتدخلاً في الانتخابات".

وأضاف: "ما حدث يعد استهزاء بالعدالة. لم أرتكب أي خطأ".

وفي وقت لاحق، نشر ترامب أول تغريدة له على منصة "إكس" منذ 8 يناير 2021، حيث شارك صورته الجنائية التي التقطت له في السجن وكتب عليها: "تدخل في الانتخابات.. لا تستسلم أبدا!".

فترامب لديه القدرة على تحويل الكبوات إلى فرص ثمينة.. فخلال 72 ساعة حصل على تبرعات وصلت حتى ذلك الوقت إلى 7 مليون ومئة الف دولار دعماً لحملته الانتخابية.

ويواجه ترامب حرباً شرسة تقودها الدولة العميق التي تؤيد مواقف الديمقراطيين الليبرالية على نحو دعم المثلية وتأجيج الحرب الأوكرانية التي وعد ترامب بإيقافها.

***

بقلم: بكر السباتين

28 أوغسطس 2023

منافسو ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ سيكونون مضطرين إلى تكبير حجم طاولات المُتبرَّعين، وزيادة أعداد الكراسي المُرافِقة لها. بدون مؤتمرات ضخمة ربّما لن تكون ميزانياتهم الدعائية، قادرة على مُجاراة العشرين دقيقة التي قضاها ترامب في سجن مقاطعة فولتون في جورجيا.

العشرون دقيقة هذه تشبه إلى حدٍ ما الجمهور الأمريكي؛ الذي اهتم بمُناظرة الانتخابات الرئاسية في ستينيات القرن الماضي، بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون. من استمعوا للمناظرة عبر المذياع راهنوا على فوز نيكسون، لكن من شاهدوها عبر التلفاز، اعتبروا قطرات العرق التي غزت جبين نيكسون، اللقلق الذي سرق الرئاسة من النافذة الجمهورية ليُسقطه في المدخنة الزرقاء الديموقراطية.

عشرون فولتون الجورجية، شحنت بطَّارية المقابلة التي أجراها تاكر كارلسون معه، عبر منصة X (تويتر سابقاً) بـ 256 مليون مشاهدة، منذُ الخميس ولحين الأحد الماضيين، بينما المناظرة الرئاسية بين المُرشَّحين الجمهوريين للرئاسة عطست عند 12.500 مليون مشاهدة فقط، رغم كمية السعوط الترامبية التي تنشَّقوها جميعهم في أداء المُناظرة، لكن دقيق التبغ ليس مثل سيجار هافانا الشهير.

طائِرُ الحظ الرئاسي لترامب كان منقارهُ واضحاً، منذ مناظرته الأولى في 2016 التي شوهِدت من 25 مليون في ذلك الوقت. لكن كما يبدو أن خروجه من قشرة تلك السنة لم يكتمل إلَّا في 2023. الرئيس ترامب بدأ ظاهرة وأنتهى أيقونة.

إدارة الرئيس بايدن تبدو مستمتعة جدّاً، وهي ترى التهم القضائية، تُفتش عن الرئيس السابق في المحاكم الأمريكية. عدد التهم استقر عند الرقم 37 منذُ يونيو الماضي. هذه الاتهامات تشبهُ برميل الحسومات، حيثُ تُرمى فيه منتجات بأسعارٍ بخسة قد تصِلُ إلى 99 سنتاً.

وظيفةُ البرميل هذا وكمثال هي تشجيع المُرشَّحين الثمانية في مناظرة الأربعاء الـ 23 من أوغست، للصعود عليه وتزويد الناخب الجمهوري ببضاعة ترامبية مُقلَّدة، رغم توفَّر الأصليَّة، وهي لا تحتاج براميل للاختباء فيها. مقابلة ترامب مع كارلسون أكَّدت أن ترامب هو ربطة العُنق الأكثر احمراراً والتي تسعى إليها بدلة الناخب الجمهوري. 120 دقيقة شاهدها 256 مليوناً خلال ثلاثة أيام، وهي ليست جزءً جديداً من سلسلة أفلام المنتقمين التي تُنتِجُها ستوديوهات مارفيل.

الرئيس بايدن عندما سؤل عن المقابلة. قال بداية إنه لم يشاهدها ثُمَّ قال لم يكُن فيها شيء يستحق المشاهدة، مُعلِّقاً في الختام بأنها لم "تتحدَّث عن الأمور المهمة مثل التعليم والعمل". الرئيس بايدن قد يكون معذوراً فسياسة الهويات التي أطلقتها المدفعية التقدُّمية في حزبه، أوقعت السقوف السياسية المعقولة في الولايات المتحدة. آخِرُ تلك المقذوفات كانت الحُريًّة الجنسيَّة، حيثُ من حقِّ المدفع الاقتران بالمدفع والفوهة بالفوهة وهكذا ستنتهي مشاكل الأمريكيين والعالم!

الرئيس ترامب رجلٌ ضد الحروب، وضد من يُقدِّمونها للشعوب كفطائر. يقِفُ على مسافةٍ بعيدة بدوره عن شركات السلاح.. رجال تسليم تلك الفطائر. كذلك يحاول اقتلاع جذور الدولة العميقة، المصنوعة من تشابك أغصان بيروقراطية هزيلة مع جذوع كارتيلات الشركات العابرة للقوميَّة.

الديمقراطيون يعامِلون الناخب/ة الأمريكي، كواحدٍ من ذي الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصَّة)، يجب توفير هوية فرعيَّة له كي يستقيم فهمه السياسي. الرئيس كينيدي رغم مشاكلة الصَّحية كان لا يربأ عن لبس حزام الظهر ودعامات لرجليه، طيلة استعداده للانتخابات الرئاسية، وهو يزور عوائل الناخبين، عائلة بعد أُخرى، ويصعد الطوابق بدون كللٍ أو ملل. هذا الرئيس ذو الأصول الكاثوليكية لم يستعن بسياسة الهويات، وحتّى الرئيس ليندون جونسون، والذي كان أول جنوبي يجلس في البيضاوي سنة 1963 بعد أكثر من 100 سنة، لم يلجئ هو أيضاً إلى سياسة الهويات المُختزلة اليوم بالأعضاء الجنسية.

أستعين برؤساء ديموقراطيين بدل جمهوريين لأننا نسير على طريق الرئيس بايدن؛ الذي كرَّز بأنه سيُعامل الجميع أمريكيين لا حُمراً وزُرق، ليقضي على حالة الانقسام في المجتمع الأمريكي. الليبرالية الأمريكية تحتاجُ فرداً مسؤولاً، لا فرداً بهوية منحوتة من احتياجاته النفسية المدفوعة من مغامراته البيولوجية. الديموقراطيون يحاولون تفكيك العائلة لأخذ صوتٍ انتخابي منها، واثنين من غيرها وهكذا دواليك.

الليبرالية عند الجمهوريين تريدُ جزءً من كعكة السعادة ولقد تعِبت من استخدام معجون أسنان الهوية وتنظيف الانقسامات بخيط الحريات الجنسية. الثروة الأمريكية يا سيادة الرئيس نحلة يُلقِّحُها الأمريكيون لكنها تعطي عسلاً خارج البلاد. نحنُ لسنا مسؤولين بحسب عقليتنا الجمهورية المتواضعة عن توفير عسلٍ لكل دببة العالم.

العائلة يا سيادة الرئيس وأنت كما يعرفُ الجميع تحبُ عائلتك كثيراً هي نواة الليبرالية، بدونها سيصبحُ الأمريكي طرزان بلا غابات مؤنسنة. العائلة الانتخابية الجمهورية تعتبرُ الرئيس ترامب أبرز أفرادها، أو من 55 إلى 60 في المئة على الأقل يعتبرونه كذلك. القانون قد يستطيع قنصه، والقانون في الولايات المتحدة هو حبلُ السِّرَة الذي نرتبطُ به نحن الأمريكيون جميعاً.. عوائلاً وأفراداً ننتمي إلى عوائل، لكن أسلوب مطاردته يحوِّل البلاد إلى جمهورية موز. ألم يكُن من الأفضل لنا جميعُنا لو فاز بولايتين رئاسيتين كي نفهم من خلاله أين موقع الخلل في أرض اليانكي. كان سيتسنى لنا على الأقل أن نفهم ما تحتاجهُ واشنطن من مقدارٍ إمبراطوري في السياسة الخارجية، والضرورة الهائلة إلى سياسات داخلية صحية تُحافِظُ على نضارة الجمهورية الفتيَّة.

كُل من يقول أن ترامب يُمثِّلُ "القمامة البيضاء" كما جاء في كتاب ما يكل وولف، هو يُفكِّر كقُمامة فالنفايات تعرِفُ بعضها. هو يمثِّلُ حاجة أمريكية إلى شيءٍ ما شعر به قسمٌ كبير من الأمريكيين؛ الذين استنفذوا غلال ثرواتهم ومخزوناتِهم الليبرالية، بسبب سياسةٍ أمريكية متحالفة مع سياسات عالمية شبيهة بالاشتراكية الدولية، لكنها لا تعمل لصالح الطبقات الضعيفة اقتصادياً في مجتمعات العالم، إنَّما لصالح شركات تأخذُ التبر وتعطينا التبن.

 سيادة الرئيس أنتَ تعامل دونالد ترامب مثلما يُعامل ألكسي نافالني في روسيا. طبعاً، نافالني سيُنسى ولولا الحاجة إلى استخدام كُل أسلحة الشيطنة ضد موسكو وكبير الكرملين، لتبخَّر ذِكرهُ منذُ زمنٍ طويل. لكن صاحبنا ضد التبخُّر.

سيادة الرئيس أودِّعُك الآن لكن لترامب بقية سأعود للحديث عنها. تحديداً السياسات التي سيتبعُها إن عاد رئيساً، والتي ستؤكد لنا أن سياسات من سيجلسون على البيضاوي؛ ستكون توائم لسياساته حتّى وإن خرجت من أرحام حزبية ذات لونٍ مُختلف.

***

مسار عبد المحسن راضي وتوم حرب

كاتب وباحث عراقي/ عضو في الحزب الجمهوري الأمريكي

لو أراد الشّيخ الجليل اللّبناني ياسر عودة، راحة الخاطر وملء الرِّضا، مِن العوام والميليشيات العقائديّة الولائيّة، لحصل على ما أراد، فمّا عليه إلا الصّمت، ولا داعي حتّى لأن يُسبح باسم الكهنوت. يسكت عن المشاهد الفظائعيَّة المخزية، التي أقيمت، خصوصاً هذا العام، في العاشر مِن محرم، والتي فاقت ما تبناه العهد الصَّفويّ (1501- 1723م) من اختراعات، مشاهد جعلت الإنسان السَّوي يحار بين الحقيقة والخيال، ومع سَوق هذه الجموع إلى كهف الخرافة، يصبح التَّمييز بين الصَّحيح والخطأ صعب المنال، خصوصاً أن الجميع يتحدث بالدّيموقراطيّة، وكلّ يفهمها وبطلبها وفق مفاهيمه.

حصل أن صَدر (2023/7/4) توجيه من أعضاء في مجلس الإسلاميّ الشّيعي الأعلى في لبنان (هيئة التّبليغ في المجلس) بنزع الأهلية الدّينيّة عن خطباء ودعاة، وبالتالي هم مطالبون بنزع العمائم، والذّوات هم: ياسر عودة، سامر عبد الحسين غنوي، بلال إبراهيم سليم، محمد يوسف الحاج حسن، نزار محمد حمزة، إبراهيم حسن حرز، عبد الكريم الشيخ علي، يوسف حسن كنج، أحمد عباس عيدي، أبو الحَسن عباس حمود مخ، محمد علي الفوعاني، هاشم علي الموسوي، محمود عبد الله فقيه، عبد السّلام نيازي دندش ونظير جمال الجشي. مع أنهم اعتمروا العمائم ليس منحة أو تشريفاً من جماعة التّبليغ في المركز، بل من دراستهم الحوزويّة.

كان الأبرز، بالنّسبة إلى الوسط العراقيّ بين هؤلاء، صاحب العمامة البيضاء الشّيخ ياسر عودة، فصوته يصل إلى العراق، ويتداوله العراقيون، بين مؤيد، من شاجبي قتل الثمانمئة متظاهر من الشّباب العراقي، ومن الذين يشعرون بمعاناة بلادهم مِن الفساد الفظيع، ومبغضٍ من أتباع كتائب وعصائب ولائية.

كذلك تجري متابعة الشّيخ ياسر بكثافة، من قبل العقلانيين العراقيين، بسبب كثرة  المنابر وتكاثرها، التي ترمي بالخرافات على الشّباب، حمماً من الجهل والشّعوذة، مع علم المتابعين بأنّ صوت الشّيخ ياسر يضرب في الصّميم، لذا يمكن القول إنّ الضّغط الذي جرى على الشّيخ عودة، والأربعة عشر من المتنورين، هو تضامن ميليشيات لبنان والعراق الولائيّة ضدهم.

يعرف الجميع، أنه بعد الحوادث السّوريّة، وقبلها احتلال وسط بيروت مِن قبل ميليشيا "حزب الله" في (7/5/2008)، تغيرت النّظرة إزاء هذا الحزب، فمن ألق المقاومة لتحرير فلسطين إلى الإحباط بتحرير بيروت من أهلها، حصل حادث اجتياح وسط بيروت نتيجة لقرارين مِن مجلس الوزراء اللبناني: السّيطرة على شبكة الاتصالات، والتي يعدها الحزب من حقّه، ضمن منطق "دولة داخل دولة"، وإقالة مدير أمن المطار، وهو أيضاً لـ"حزب الله"، وليس هناك مِن دولة تعترف بها الأمم المتحدة، ولها علم ونشيد ودستور، وتكون شبكة الاتصالات وأمن المطار بيد حزب مِن الأحزاب، تابع علانية لدولة أجنبية.

بعد اجتياح وسط بيروت، خفت ألق "حزب الله"، من أنه المقاومة والمقاومة هو، لذا صار الاتجاه إلى كسب الشّعبيّة وإدامة الولاء، إلى حماية الخرافة والفساد، فالخرافة تُخضع البسطاء من النّاس، وتمنع أيّ احتجاج وطنيّ صادق، بل على العكس يتحول الاحتجاج إلى نصرة الخرافة والشّعوذة أو الشَّعبذة، وهذا الواقع يتماهى تماماً مع الواقع العراقي وهيمنة الميليشيات الولائيّة، الواقع المرير في الوسط الشّيعيّ الذي يتصدى له الشّيخ ياسر، بفكر وحماسة.

 يُذكّرنا ما اجتمعت مِن أجله لجنة التّبليغ داخل المجلس الإسلامي الشّيعيّ في لبنان؛ بما حصل مع السّيد محسن الأمين (تـ: 1954)، في مطلع القرن العشرين، مع تجار المواكب الحسينيّة الذين يقدمون الطّائفة الشّيعيّة، أو المذهب الشّيعيّ الإماميّ، خارج التّاريخ، عبر مواكب الجلد بالسّلاسل ومواكب التّطبير بالقامات والسّيوف، إلى درجة أنّ أحدهم، وقيل السّيد صالح الحلي (ت 1940) قال من الجارحات بحقّ السّيد الأمين: «يا راكباً إما مررت بجِلَّقٍ/ فابصق بوجه أمينها  المُتَزَنْدِقِ»! ومعروف جِلَّق اسم من أسماء دِمشق قديماً. بينما نصر السّيد الأمين الشَّيخ مهدي الحجار (تـ: 1939) بالقول: «تأسَ يا محسن في ما لقيت بما/ لاقاه جدك من بغي ومن حسدِ» (انظر: الخليليّ، هكذا عرفتهم). إذا كان الحلي خطيب معارضة «التّنزيه» في النّجف، وقف عميد المنبر الحسيني في زمانه الشّيخ محمد علي اليعقوبي (تـ: 1965) نصيراً للتنزيه. فصار المجتمع الشّيعي، على مستوى الفقهاء والخطباء، بحسب شائعات المنحدرين مع الشّعوذة والخرافة، فريقين هما: أمويون وهم الأمين ومؤيدوه، والفريق الآخر علويون. عموماً كانت المجالس الحسينيّة واللّطم من اختراعات الصّفويين (التكابني، قصص العلماء)، أما اختراعات اليوم، والتي تعدت اختراعات الأمس فمن صناعة مرجعيات، كالشّيرازيّة ولها حضور في كربلاء، وضعت كل ثقلها في التّمادي، بما يصفونه بالشّعائر الحسينيّة، حتّى تعدت المعقول.  

إذا كان السّيد محسن الأمين تناول الممارسات في عاشوراء، ولم يتحدث عن أيّ أمر آخر (رساته التّنزيه 1928)، فإن الشّيخ ياسر عودة، والمطالبين بنزع عمائمهم جميعاً، خطيئتهم مزدوجة، أكبر وأخطر، فهم يتصدون ضد مصادرة الطّائفة، وضد ذوبان الأوطان في ولاية أجنبيّة، يقفون ضد التّيار الجارف بالشّيعة إلى انتزاعهم من أوطانهم، لمصلحة مشروع لا يبقي عليهم ولا يذر، فشبابهم يُقتل في ميادين الحروب بالوكالة، ومناطقهم يرثى له.

 بهذا من حقّ جماعة التبليغ أن تعد الشّيخ ياسر عودة وزملاءه غير مؤهلين، فالعمائم، وفق جماعة التبليغ، مهمتها إنشاء الوطن الطّائفة، بقهر الآخرين وأولهم النّاجون من عقيدة هذا المشروع، بما عُبر عنه منذ البداية "الفخر في حزب ولاية الفقيه". فماذا تريد هذه الولاية غير غسل أدمغة الأتباع من الولاء لأوطانهم، بالفساد وبالخرافة، وبالخدعة العقائديّة، وبأيّ أسلوب كان، هذا ما يقف ضده المشار إليهم بعدم الأهليّة، والمقصود، في حقيقة الأمر، عدم الأهلية لهذا المشروع! فماذا يترتب على هذه المعارضة؟! يترتب التّسقيط، والإقصاء، والمطاردة، والاغتيال إذا اضطر القائمون على المشروع لتنفيذه، والخطوة الأولى خلع العمامة، مع أنّ معتمرها لا يحتاج إلى رخصة أو إجازة أو شهادة، غير شهادة الدّراسة لا شهادة السّياسة.  

بما أنّ المشروع واحد، في أذهان عمائم ولاية الفقيه وقادة الميليشيات الولائيّة، بين الوضع العراقي والوضع اللّبناني، حصل التّضامن بين أصحاب المنابر والمؤسسات، وقصة ذلك طويلة.

حاولتُ أن أجد لكناية "سب العنب الأسود" أصلاً وفصلاً فلم أجد، وما شاع في التواصل الاجتماعي عنها سببها قولها، لا أجده صحيحاً، وهي كناية "عمن تعرض للسلطة الحاكمة بانتقاد" (الشّالجيّ، موسوعة الكنايات البغداديّة)، فكيف والشّيخ ياسر العودة انتقد ما هو حكومة على الحكومة، في لبنان والعراق معاً، لكنني أُخمن أن أصل الكناية هو "سب الحجر الأسود"، الذي يُعتبر خطيئة بل جريمة كبرى، وبما أنّ "عبارة الحجر الأسود" فيها من المحاذير ما يصل إلى التّكفير، ولم تتداول في أي من مجامع الأمثال ومعاجمها التّراثيّة، فقد اختص بها العراقيون، وهم معروفون بالتّمرد، فأجدهم استبدلوا العنب بالحجر.  

ربّما كان الشّاعر الشّعبيّ البغداديّ عبود الكرخي (تـ: 1946) وثق لهذا المثل عندما أغلقت جريدته فقال: "ما ذنب الجريدة دائماً تنسد/ هل سبت عنب زرباطية الأسود" (موسوعة الكيانات البغداديّة). أخبرونا يا جماعة التّبليغ، هل الشّيخ ياسر عودة سب العنب الأسود؟! وإن سبه فهل كان عنب زرباطية، المنفذ الحدودي مع الجمهوريّة الإسلاميّة، أم عنب بيروت، حيث نفوذ الجمهورية الإسلاميّة أيضاً، فهاج عليه النّفوذان بلا هدنة وهوادة!

***

د. رشيد الخيّون

تواجه المجتمعات الإنسانيّة المعاصرة اليوم، وفي مطلع العقد الرابع من الألفيّة الجديدة، حمأة مواجهة مصيريّة جديدة مع أخطر تحدّيات الوجود والمصير تحت مطارق الثورة الصناعيّة الرابعة الّتي بدأت تضرب البنية الوجوديّة لهذه المجتمعات، وتهدّد مصيرها وتقضّ مضاجعها. ولا ريب أن المجتمعات الإنسانيّة تشهد اليوم طفرات هائلة من التغيّر الاجتماعيّ تفوق كلّ التصوّرات والاحتمالات الّتي يمكن للمخيال البشريّ أن يبدعها ويصوّرها.

فالتقدّم الإنسانيّ المعاصر في مجال التكنولوجيا الصناعيّة والثورات العلميّة والمعرفيّة المتواترة أدّى إلى تلوّث البيئة والثقافة والإنسان، فارتفعت حرارة الأرض واشتدت إشعاعاتها، ودمّرت الثروات الكامنة في باطنها كما يحث أعماق البحار، وانتشر الرعب والخوف، وعمت الحروب، وانتشر الفساد في مختلف أنحاء المعمورة، وقد أصبح الإنسان المعاصر يعيش وضعيّة مأساويّة اغترابيّة تتمثّل في مأزق أخلاقيّ، أقلّه انتشار المثليّة الجنسيّة، وقد نشهد غداً تشريعات تبيح زواج المحارم وتشجّع عليه. في ظلّ هذا التقدّم الوحشيّ ضدّ الأخلاق والقيم، بدأ الإنسان المعاصر يفقد كيانه الذاتيّ في ظلّ التهتّك الأخلاقيّ الرهيب، وقد عمّ الفساد، وانتشر رهاب الخوف والقلق من حادثات الزمان ومفارقات الأيّام في مستقبل مخيف رهيب.

لقد بلغ حجم المشكلات والتحدّيات الّتي تواجه الإنسانيّة حدّاً يفوق الوصف والتقدير، ومنها: الفقر والفاقة والجوع، ودمار البيئة، وفقدان الهويّة، وانتشار وضعيّات الاغتراب والاستلاب، والحروب الأهليّة، والتعصّب، والصراع على الثروة، والفساد، وضياع الأخلاق، وقد انتشرت هذه الظواهر وما يماثلها على نحو يفوق قدرة الإنسان على التخيّل والتصوّر.

وفي لحظات الضياع وفقدان الهويّة، في هذا الزمن الاغترابيّ، يبرز دور التربية والأنظمة التعليميّة كقوّة حضاريّة قادرة في نهاية الأمر – إذا ما أريد لها - على مواجهة التحدّيات الهائلة الّتي تواجه هذه المجتمعات، كما يمكنها ضمن هذا التوجّه أن تستلهم في بناء نظام قيميّ جديد يمكن الإنسانيّة من تجاوز ظلمتها المعتمة ولحظات اغترابها.

ولكنّ ما يدعو اليوم إلى الحسرة والأسى أنّ الأنظمة التربويّة العربيّة، لم تسلم من فوضى الفساد والإفساد، وقد تعرّضت نفسها للفساد الكبير، وأصبحت بذاتها منتجة للفساد وراعية له، بعد أن كانت أمل المجتمع في قدرتها على إصلاح ما أحدثه الفساد الاجتماعيّ، وأصبح حالنا حال الشاعر الّذي أنشد يما يقول:

بالملح نصلح ما نخشى تغيّره

فكيف بالملح إن حلّت به الغير.

فالتربية العربيّة تعاني اليوم من خلل وجودي قوامه الفساد الّذي انتشر في مختلف مفاصل الحياة التربويّة، وفي مختلف مستويات الحياة والوجود، حتّى أصبحت المشكلات الّتي تعانيها تشكّل اليوم صورة أعمق للمشكلات الاجتماعيّة الّتي تعتور المجتمع وتقضّ مضاجعه. فالتربية العربيّة تعاني اليوم من مشكلات صميميّة في المجتمع، وهي تنتج وتعاود إنتاج الفساد والإفساد والبلاء في المجتمع، وهذا الأمر يشكّل ظاهرة وجوديّة خطرة جدّاً إذ كيف للمجتمع أن يصلح نفسه بتربية أفسدها زمانها؟

ولا غضاضة في القول بناء على ما تقدّم: إنّ التربية العربيّة اليوم تعيش أسوأ لحظاتها اليوم، إذ أصبحت موطناً مغايراً للقيم الأخلاقيّة الخلّاقة الّتي عرفناها من قبل، وقد أصبح الغشّ في الامتحانات، والتلقين في الدروس، والانتحال العلميّ، والتمييز الاجتماعيّ، والواسطة والمحسوبيّة، وغياب التكافؤ، وانتشار التعصّب الاجتماعيّ بين جدران المدرسة، وهيمنة العنف والتنمّر المدرسيّ، وانتشار الأمّيّة الثقافيّة بين صفوف الأساتذة والمعلّمين والمتعلّمين، سمات جوهريّة في مدارس اليوم، وفي الأنظمة العربيّة التعلّميّة السائدة. وعلى هذا النحو لم تعد المدرسة - على النحو الّذي عرفناه والّذي يجب أن تكون عليه - مؤسّسة لبناء الأخلاق، وتكريس التسامح، وبناء العقول، وتفجير القدرات، وتحقيق العدالة، وترسيخ الجدّ والجهد والاجتهاد في طلب العلم، ولم يعد العلم والثقافة غاية في ذاته، وقد تحوّلت المدرسة إلى أشلاء مؤسّسة تعليميّة فاقدة للحسّ الإنسانيّ، بتحوّلها إلى مؤسّسات لمنح الشهادات، وقد تحوّلت الشهادات ذاتها إلى وسائل للحصول على وظيفة أو عمل في سوق متوهّم للعمل. حتّى الأهالي لم يعد همّهم -كما كان في سابقات الأيّام - أن ينهل أطفالهم المعرفة، وأن يصقلوا بالثقافة والعلم، وأن يؤصّلوا فيهم مكارم الأخلاق، بل أصبح همّهم وهاجسهم الأكبر يتمثّل في أن يحظى أبناؤهم بالنجاح المدرسيّ والمنافسة في الحصول على الشهادات كرخصة لسوق العمل بأيّ وسيلة أو معيار دون أيّ وازع أخلاقيّ.

ومع الأسف الشديد، لقد تحوّلت مدارسنا اليوم ومؤسّساتنا التربويّة إلى منصّات تعمل على إيقاعات الأيديولوجيّات الاغترابيّة المضادّة للإنسانيّة والإنسان، وأصبحت مجرّد سجون مغلقة تمارس فيها طقوس الفساد  والإفساد، وقد تحولت مدارسا على مقاييس الأسياد الّذين حوّلوها إلى قوّة هائلة لتدجين العقول وتشكيل الوعي النمطيّ المستلب والتدمير الممنهج للقدرات النقديّة والعقول، وكلّ القدرات الإبداعيّة في نفوس الطلّاب والناشئة والأطفال، وذلك لتبقى خاضعة ضعيفة لا تملك أدوات التمرّد والثورة على الواقع المأساويّ الّذي يحيق بالوجود.

 لقد تحوّلت الجامعات إلى مجرّد ثكنات مدجّنة لإنتاج أجيال اغترابيّة عاجزة كلّيّاً غير قادرة على ممارسة الفعل والإنتاج والإبداع، وأصبحت اليوم قوّة هائلة تعمل على تحويل طلّابها ومريديها إلى قوّة استهلاكيّة في عالم استلابيّ اغترابيّ مدجّن بقيم الطاعة والرضوخ والقبول بالواقع الراهن على علّاته. وقد تبدو المؤسّسات التعليميّة مشرقة في مشاهدها السطحيّة - وذلك لمن لا يستطيع الخوض في الأعماق - إذ تأخذ صورة ممارسة تربويّة خلّاقة تعمل على بناء الأجيال المتعلّمة وتطوير قدراتها وإمكانيّاتها في عالم الثقافة والمعرفة، ولكنّ هذه الصورة الّتي تبدو على السطح قد تغاير تلك الّتي تتحرّك في الأعماق، ويمكن لمن يمتلك القدرة على الغوص في الأعماق - أي في خفايا البنية الوظيفيّة لهذه المؤسّسات والمدارس - أن يرى أنّها في جوهرها ليست أكثر من مؤسّسات تمارس أكثر أدوت القمع تدميراً لقدرات الأطفال الإبداعيّة العقليّة والروحيّة. لإنتاج أجيال مدجّنة هامدة خامدة ضعيفة مغيّبة. وعلى هذه الصورة تفعل المدرسة فعلها في ترسيخ قيم الخضوع والهزيمة والانكسار، إذ تقتل في النفس كلّ أشكال القدرة على النقد والنزع إلى الثورة والتمرّد على الواقع الاستلابيّ المخيف الّذي يبطّ إنسانيّة الإنسان.

ومع ذلك لا بدّ من القول بأنّ الأمل في أن تجد مجتمعاتنا طريقاً إلى الخلاص لا ينقطع أبداً، وهذا الأمل ما يزال قويّاً في النفوس، أصيلاً في العقول نابضاً حيّاً في القلوب. وإذا كان القول القديم: "بالحبّ يحيا الإنسان" فإنّنا على منهجيّة هذا القول نقول: إنّه بالأمل يحيا الإنسان، والأمل يدفع في القلب ومضّ الحياة الحرّة الكريمة في قلوب البشر، ويذكّي الإيمان بقدرة المجتمعات الإنسانيّة على التغيير ومواجهة المصير.

وهذا يعني أنّ سرد التحدّيات، ووصف الوضعيّات الاغترابيّة، لا يعني الاستلام لقدر الهزيمة والنكوص إلى الأحلام الغافية، والاستسلام لمشاعر الإحساس بالهزيمة، وعدم القدرة على مواجهة التحدّيات، ومن المؤكّد أيضاً أنّ هذه السرديّات المأساويّة لا تعني يأساً أو قنوطاً أو تشاؤماً مطلقاً، لأنّها على خلاف ذلك كلّه قد تشكّل – إذا أردنا- منطلقاً أساسيّاً للأمل والعمل والإيمان بقدرة الإنسان على صوغ المصير، واقتحام المستقبل محمّلين بالقدرة على المواجهة والبناء وتحقيق التقدّم الإنسانيّ والأخلاقيّ.

 وإزاء هذا الإشكال الحضاريّ الاغترابيّ يتوجّب على الإنسان العربيّ المعاصر، أن يطرح أسئلة الكيفيّات الموضوعيّة الّتي تمكّنه من تجاوز هذا القصور الحضاريّ، ومواجهة أوجه السلب في هذه التحدّيات؟ وقد يشكّل هذا الطرح الإشكاليّ منطلقاً لإيقاظ الوعي التربويّ، وذلك لأنّ السؤال ذاته قد يشكّل أخطر لحظة في عمليّة بناء الوعي وتشكيله وتطويره. ولا مناص اليوم من ضرورة تشكيل الوعي العميق بأبعاد هذه التحدّيات وطبيعة هذه المشكلات، وذلك لأنّ الوعي يشكّل منصّة الانطلاق نحو التغيير والمواجهة والبناء والتطوير.

ومن هذا المنطلق؛ وعلى هذا الأساس، علينا أن نطرح أسئلة حيويّة ومصيرية حول قضايا التخلّف والنكوص والتراجع والانكفاء، وقد تتمحور باكورة هذه الأسئلة بداية حول طبيعة هذه المشكلات الاجتماعيّة التربويّة في أسبابها ومتغيّراتها، وديناميّات حركتها، وهي أسئلة تمهّد لأسئلة أخرى مصيريّة تتعلّق بالحلول والإمكانيّات والاستراتيجيّات، وقد تنتهي بأسئلة جديدة لا محيص عنها تأخذ صيغة البدايات والأينيّة والكيفيّة: كيف نبدأ؟ ومن أين؟ ومتى؟ وكيف؟

وعلى هذه الصورة يجب على التربية العربيّة أن تطرح أسئلتها المصيريّة حول السبل الّتي يمكن اعتمادها في تحرير أنظمتنا التربويّة ومجتمعاتنا من كوابيس التحدّيات، وثقل المشكلات، وعنف الأزمات. ومثل هذه الأسئلة تشكّل المنطلق المنهجيّ لكلّ محاولة جادّة تطرح نفسها في مواجهة التحدّيات الّتي تحيق بالأنظمة التربويّة، وتدفع بها إلى حالة من العطالة والجمود والقصور. ويقيناً فإنّ مثل هذه الأسئلة تدفع المفكّرين والمثقّفين وعلماء الاجتماع بخاصّة إلى ساحة المواجهة الحقيقيّة الّتي تتّصل بالوعي الإنسانيّ بالمصير، وهو الوعي الّذي غالباً ما يجب عليه أن يتشكّل في أعماق الأنظمة التربويّة المعاصرة. ويبقى السؤال الأساسيّ الثوريّ الّذي يمكن للمفكّرين العرب أن يطرحوه وهو: كيف السبيل لإخراج المجتمع من دائرة الجمود والتخلّف واليأس الحضاريّ؟ وكيف يمكن تشكيل الوعي العامّ مرّة، والوعي التربويّ مرّات ـ بأهمّيّة البحث عن السبل التاريخيّة الممكنة لمواجهة أعظم التحدّيات وأخطر المشكلات الّتي تواجه مجتمعاتنا الإنسانيّة ومؤسّساتنا المدرسيّة.

***

عليّ أسعد وطفة - جامعة الكويت

تستعد الولايات المتحدة لحرب بيولوجية واسعة النطاق على الأراضي الروسية، ولتحقيق هذه الغاية، يقومون بتطوير فيروسات أخطر بكثير من فيروس كورونا، ويؤكد الخبراء، إن الولايات المتحدة بدأت الاستعدادات لمواجهة وباء جديد، كما يتضح من إنشاء الأمريكيين لقسم جديد التي تعمل على تطوير اللقاحات والأدوية لوقف الفيروسات، ويرأسه اللواء بول فريدريكس، المساعد الخاص للرئيس في مجلس الأمن القومي الأمريكي.

و كشفت وزارة الدفاع الروسية عن عدد من الأنشطة بأسماء المؤسسات والأشخاص في أوكرانيا، الذين تعاونوا مع "البنتاغون" وغيره من المؤسسات الأمريكية المانحة بغرض إجراء تجارب بيولوجية عسكرية، وأعلن الجنرال إيغور كيريلوف قائد قوات الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية التابعة للقوات المسلحة الروسية،، القائمة الجديدة ممثلي المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في أوكرانيا والتي تشمل المشاركة في البرامج البيولوجية العسكرية الأمريكية.

وتسعى الولايات المتحدة للسيطرة العالمية على الوضع البيولوجي، وتنشئ مكتبا لسياسات التأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها، وهي الخطوة التالية لإرساء تلك السيطرة العالمية، حيث أعلن البيت الأبيض رسميا عن تشكيل مثل هذا الهيكل في 21 يوليو 2023، والذي سيكون مسؤولا عن تطوير مسار وتنسيق الإجراءات لمكافحة التحديات البيولوجية المعروفة وغير المعروفة، بما في ذلك مسببات الأمراض التي يمكن أن تثير حالة طوارئ عالمية أخرى، وأن المجالات ذات الأولوية لهذا القسم تشمل العمل على استخدام لقاحات وأدوية لوقف الفيروسات ومتغيراتها المعدلة وراثيا، فضلا عن إدخال التقنيات المتقدمة في الإنتاج البيولوجي.

ووفقا لبيانات العلم الحديث، من المستحيل إنتاج فيروس خاص يضرب أمة معينة، لكن من الممكن تمامًا إنتاج فيروس قاتل للبشرية كنوع، ثم يجب تطعيم سكانها، ويمكن اعتبار بداية هذا التطعيم السري، على الأرجح، تحضيرًا لنوع جديد من الحرب، بما في ذلك الأسلحة البكتريولوجية، ويمكن أن يكون الاتجاه الآخر للهجوم البكتريولوجي هو الأنواع الزراعية من الحيوانات المهمة للأمن الغذائي للبلاد، على سبيل المثال، الخنازير أو الدواجن، ومن خلال تقويض صناعة لحوم البقر، تحصل الدولة المهاجمة على ميزة اقتصادية جدية، ومن المعروف أن الاقتصاد هو أساس الحرب.

وحقيقة أن هذا سيناريو كارثي غير مفتعل أنشأه كتاب السيناريو في هوليوود، وذكرته صحيفة وول ستريت جورنال أيضًا، حيث سيتم شن الحرب العالمية الثالثة ليس فقط بالأسلحة التقليدية والقنابل والصواريخ والقوات، ولكن أيضًا بالاستخدام النشط للفيروسات البيولوجية وفيروسات الكمبيوتر، وقد تكون هذه الفيروسات في البداية بدون أعراض حتى ينجح الهجوم التسلل، ويشير مؤلفو المنشور إلى أنه لا ينبغي إطلاق الفيروس في البلد الأصلي للمهاجم، بل في البلد المستهدف، وفي أقرب وقت ممكن من الأجسام البيولوجية، حتى يصل العالم إلى نتيجة خاطئة مفادها أن كل شيء حدث بسبب تسرب من برنامج داخلي سري، وهذا يعني أن الدولة المستهدفة قد لا تتمكن حتى من تحديد ما يحدث كجزء من هجوم تآزري ثنائي تكميلي لفيروسات الكمبيوتر والفيروسات البيولوجية.

ويرى الخبير العسكري، العضو السابق في لجنة الأمم المتحدة المعنية بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، إيغور نيكولين، وبالتزامن مع ذلك، قال الفريق إيغور كيريلوف، رئيس قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي للقوات المسلحة للاتحاد الروسي، ان قيمة الهجوم الحيوي/السايبراني الثنائي بالنسبة للأميركيين ، يكمن في القدرة على تحقيق أهداف مدمرة مع الحفاظ على سرية العملية، ولتحقيق أقصى قدر من التأثير التخريبي، يمكن أن يكون أحد مجالات العدوان هو الهجوم السيبراني المتخفي في هيئة برامج فدية على المستشفيات والمراكز الطبية والبحثية ذات الصلة بعلم الفيروسات.

ويمكن للبرامج الضارة، أن تستهدف في الوقت نفسه شبكات الطاقة ومحطات الطاقة وشركات النقل والمصانع ومصافي التكرير والمؤسسات المصرفية، وإمدادات المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والمزيد، ويمكن أن تصبح المؤسسات الطبية ومعاهد البحوث ذات الصلة هي الأهداف الأكثر وضوحًا، وإذا انتقلنا إلى التاريخ، فإن السلطات الأمريكية لديها ممارسة لاستخدام الأسلحة البكتريولوجية، وقد تم تطبيقه واختباره لأول مرة على السكان الأصليين لأمريكا في عام 1763، ثم قدم قائد قلعة فورت بيت، العقيد بوكيه، لزعماء القبائل الهندية "بادرة حسن نية"، البطانيات والخيام التي تم جلبها من مستشفى مرضى الجدري، بعد هذه "الهدية" اندلع وباء في ولاية أوهايو وكان ضحاياه من الهنود المطمئنين.

ووفقا للباحثين، بدأت الولايات المتحدة في ممارسة تجارب واسعة النطاق على استخدام الفيروسات كسلاح بكتريولوجي لمحاربة الخصوم الخارجيين منذ عام 1943 في ساحة تدريب دوجواي الواقعة في صحراء يوتا ، ومن المعروف أن تطورات "المفرزة 731" اليابانية اللاإنسانية جاءت إلى الولايات المتحدة مع مجرمي الحرب الذين أجلاهم الأمريكيون، فقد وقفت الأخيرة في أصول المشاريع الجديدة في قاعدة فورت ديتريك العسكرية، الواقعة بالقرب من مدينة فريدريك (ميريلاند)، والتي أصبحت المركز الرئيسي للبنتاغون، حيث تم تحسين واختراع مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض الوبائية والالتهابات الفيروسية، و "الهدية" الأمريكية لشعب فيتنام هي الأمراض الوراثية الخطيرة، سبب التشوهات هو الديوكسين: ويكفي أن تأكل نباتات من موقعك أو تشرب حليب ماعز أكل العشب المسموم به.

ان علماء معهد ووهان لعلم الفيروسات الذين يعملون على فيروس كورونا، والذين أصيبوا بمرض غير محدد أثناء تفشي مرض كوفيد-19 الأولي، تم تمويلهم من قبل الحكومة الأمريكية، وفقًا لمسؤولين أمريكيين ، فإن حجم الضخ المالي الأمريكي في الاستعدادات لحرب بيولوجية واسعة النطاق، يتجلى في عدد المختبرات البيولوجية التي تنمو بسرعة في جمهوريات رابطة الدول المستقلة مثل الضفادع بعد المطر، ففي خريف عام 2015، أعلن نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، عن زيادة في عدد المختبرات البيولوجية الأمريكية في بلدان رابطة الدول المستقلة بمقدار 20 (عشرين) مرة! وبحلول ذلك الوقت، كانت أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان قد نقلت بالفعل عيناتها من مسببات الأمراض الخطيرة إلى هذه المختبرات مقابل "المساعدة" الأمريكية.

كما أن وزارة الخارجية الأمريكية و"البنتاغون" هم عملاء ورعاة أمريكيون للمركز العملي والتكنولوجي الأوكراني، ويأتي التمويل أيضا من خلال وكالة حماية البيئة الأمريكية، ووزارة الزراعة والصحة والطاقة الأمريكية، وذكر كيريلوف أسماء كل من منسقة المشروع الأمريكي لمدة 25 عاما وهي ناتاليا دودكو، والتي نسقت أكثر من 250 مشروعا في مختلف المجالات العلمية، والمديرة العامة لمركز الصحة العامة التابع لوزارة الصحة الأوكرانية ليودميلا تشيرنينكو، وكذلك نائب المدير العام لمركز الصحة العامة ألكسندر ماتسكوف، والذي أشرف على التنفيذ الشامل لمشروع "كوفيد-19" ثنائي الغرض الممول من الولايات المتحدة، وأن الدور الرائد في البرنامج البيولوجي العسكري لـ "البنتاغون" يلعبه معهد أبحاث الأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي.

وقد تأسس هذا المعهد في "فورت ديتريك" على أساس مرفق لتطوير الأسلحة البيولوجية، وهو الجزء الرئيسي من نظام التحكم البيولوجي العالمي، وقد شارك المعهد، على سبيل المثال لا الحصر، في برامج بيولوجية في أوكرانيا، ودرس إمكانية استخدام مفصليات الأرجل لنشر الريكتسيا، وفيروس التهاب الدماغ الذي ينقله القراد، إضافة إلى مسببات أمراض حمى القرم والكونغو وفيروسات هانتا.

وفي الوقت نفسه، فإن أنشطة المختبرات البيولوجية الأمريكية، الغريب فيها انها لا تسبب القلق سواء بين نشطاء حقوق الإنسان أو دعاة حماية البيئة، وفي الوقت نفسه، حصل البنتاغون من حكومات ما بعد الاتحاد السوفييتي على إمكانية الوصول إلى نتائج البرنامج البيولوجي السوفييتي، بما في ذلك مجموعات من السلالات القتالية للكائنات الحية الدقيقة التي تم إنشاؤها في الاتحاد السوفييتي، وإن وضع CRL خارج الولايات المتحدة يسمح للبنتاغون بإجراء أبحاث بيولوجية عسكرية دون خوف من احتجاجات الرأي العام الأمريكي.

وزارة الدفاع الروسية التي أفادت في وقت سابق ، بتورط محتمل لشركة Big Pharma والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID في ظهور فيروس كورونا الجديد، وقالت "ينتمي الدور الرئيسي في تنفيذ مشاريع دراسة هذا العامل الممرض إلى المنظمة الوسيطة Eco-Health Alliance، حيث يدرس المتخصصون في هذه الشركة، منذ عام 2015، تنوع فصائل الخفافيش، ويبحثون عن سلالات جديدة من فيروسات كورونا وآليات انتقالها من الحيوانات إلى البشر، ودرسوا أكثر من 2500 خفاش".

وقبل شهرين من التقارير الرسمية الأولى لظهور عدوى فيروس كورونا المستجد في الصين، وتحديدا في 18 أكتوبر 2019، عقدت جامعة جونز هوبكنز تدريبا عمليا بعنوان Event-201 تم فيه ممارسة الإجراءات المطلوبة أثناء تفشي فيروس كورونا غير معروف سابقا، ووفقا للرواية المفترضة حينها، أن ذلك الفيروس الافتراضي غير المعروف قد انتقل من الخفافيش إلى البشر من خلال جسم كائن حي وسيط هو الخنزير، وإن تطور الوباء وفقا لهذا السيناريو بالضبط، إضافة إلى تنفيذ مشاريع من قبل Ec0-Health Alliance، يثير تساؤلات حول الطبيعة المتعمدة المحتملة لـ (كوفيد-19) ومشاركة الولايات المتحدة في ذلك.

ان هذا النوع من نشاط البنتاغون ، يسبب قلقًا كبيرًا لوزارة الخارجية الروسية منذ عدة سنوات، وقد ظهرت المرافق ذات الصلة في العديد من البلدان، وفي السنوات الأخيرة يتم بناؤها بالقرب من الحدود الروسية، وأكدت الخارجية الروسية، انه ليست هناك حاجة للحديث عن "التوجه الإنساني" لعمل علماء الأحياء الدقيقة، والأطباء الذين يرتدون الزي العسكري، ويتعاملون مع مسببات الأمراض المسببة للعدوى الخطيرة بشكل خاص، ولا "يسع المرء إلا أن يخمن المحتوى الحقيقي لأنشطتهم، حيث مصنف بالكامل."

ومع ذلك، فإن البنية التحتية العسكرية البيولوجية الأجنبية لوزارة الدفاع الأمريكية مستمرة في النمو، وليس في أي مكان فحسب، بل في المنطقة المجاورة مباشرة لحدود روسيا، في وقت، هناك اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتكديس الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والسامة وتدمير تلك الأسلحة، وتضم في الوقت الحاضر، أكثر من 160 دولة ، تعهدت بعدم تطوير أو إنتاج أو تخزين أسلحة بيولوجية، فمدى فعالية الاتفاقية إذا لم تكن هناك آلية واضحة للتحقق من الامتثال لها؟، خصوصا وان الولايات المتحدة ، في عام 2001 هي التي عطلت بمفردها المفاوضات المطولة المتعددة الأطراف التي كانت على وشك الانتهاء بشأن وضع بروتوكول إضافي للاتفاقية، وعرقل الامريكان ومنذ ذلك الحين أي محاولات بناءة لإقامة عمل موضوعي في إطار اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

اولاً انا لا افهم معنى تعبير: مزاد العملة؟. انه ابتكار لاداعي له ولامعنى.. مامعنى كلمة مزاد مع ان البنك يبيع الدولار بسعر محدد؟

الطبيعي ان يقدم المستوردون وثائق سليمة تثبت صحة طلباتهم للتحويل الخارجي، فتقوم المصارف المخولة او البنك المركزي (التحويل الخارجي) بتسديد المبالغ المستحقة لتسديد كلفة الاستيرادات.

وهنا تبرز ضرورة وضع البنك المركزي، بالتشاور مع باقي الجهات ذات العلاقة، قائمة بضوابط التحويل والسلع والخدمات المسموح باستيرادها وسقف المبالغ والدول والشركات المسموح بالاستيراد منها (حتى الولايات المتحدة زعيمة العالم الرأسمالي تفرض ضوابط على الاستيرات) والوثائق المطلوبة.

يمكن تخويل عدد من المصارف للقيام بالعملية تحت اشراف البنك المركزي الذي يتولى التدقيق في سلامة عمليات التحويل وبخلافه يتحمل المصرف عواقب اي تلاعب يقوم به ذلك المصرف.

ماحصل هو تطبيق مُبالغ فيه وغير واقعي لسياسة حرية التحويل الخارجي وكأنما العراق من اعرق البلدان الرأسمالية مع انه يفتقر الى الكثير من شروط التحول نحو اقتصاد السوق الحرة، لكن بعض الجهات ارادت من وراء ذلك التحول المستعجل وغير الناضج، تحقيق مصالحها في الاستحواذ على

العملات الاجنبية..

القضية الاخرى هي قضية السيطرة على السوق الموازية والمضاربة، وهذه في نظري مشكلة يصعب السيطرة عليها بسبب وجود كتلة ضخمة من النقد بالدينار العراقي تطارد الدولار..

مصادر هذه الكتلة متعددة، منها ماهو شرعي ومنها ماهو ناتج عن الفساد . كذلك منها ماهو داخلي ومنها ماهو خارجي..

وبدون الحد من تلك الكتلة بكل اشكالها ومصادرها، لايمكن النجاح في مكافحة السوق الموازية وتهريب الدولار.

تهريب الدولار الى ايران يعتبر نتيجة منطقية لسياسة الحكومة التي تسمح بالاستيراد من ايران بمليارات الدولارات لكنها لاتسمح بتحويل قيمة الاستيرادات بالدولار الى ايران نتيجة ضغوط خارجية معروفة !!

ايران بلد محاصر وتبحث عن اسواق لمنتجاتها، لذلك تضطر للتصدير الى العراق على امل التسديد بالطرق الملتوية مثل شراء التجار للدولار بالسوق الحرة لغرض التسديد لايران.. وسمعت انه يتم التسديد بالدينار احياناً..

ايران تستخدم الدينار العراقي لاغراض مختلفة منها دفعه لزوار العتبات الدينية في العراق بدل العملة الصعبة او استخدامه من خلال وسطاء لشراء الدولار من السوق السوداء مما يرفع سعر الدولار عن السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي!!

الحكومة تنفق مبالغ كبيرة معظمها رواتب لموظفيها المدنيين والعسكريين، لكنها لاتسترد منها الكثير لانها لاتفرض ضرائب ولاتستطيع جباية الضرائب السائدة بسبب الفساد ولاتستطيع جمع ماتحتاجه من الدنانير من السوق من خلال بيع الدولارات

!! لانها مقيدة بسبب ضوابط خارجية ..

اما كيفية عمل اجهزة الرقابة المصرفية فهي الحلقة الأخطر في موضوع ادارة سوق الصرف في العراق لانها تستطيع اذا كانت كفوءة وجادة، ان تفرض قواعد الرصانة في السلوك المصرفي، وان تفرز البنوك الرصينة التي يمكن لها العمل بنزاهة في هذا الميدان...

الدفع الالكتروني يمكن ان يكون حلاً، لكنه يقتضي رقابة صارمة وضوابط دقيقة وكوادر كفوءة ونزيهة...

لكنه سوف يقلص حجم الدولار المتداول نقداً، ومع بقاء مصادر الطلب على الدولار على وضعها الحالي، فأن الوضع يمكن ان يزداد سوءاً ...

***

د. صلاح حزام

المؤكد أننا نغادر حقبة ما بعد الحداثة فى الفن والأدب! فما هو التيار الثقافى القادم بعد تلك الحقبة؟!

فى الماضي كانت الإجابة تأتى سهلة، وقد سبق تفصيلها فى معامل الموضة الفرنسية، أو أروقة الجامعات الألمانية، أو فى هوليود.. أما اليوم الأمر مختلف؛ إذ أن أصحاب الموضة الثقافية منشغلون عن وضع المعايير وتوليد الرؤى والأفكار لصياغة فلسفة ثقافية جديدة إلى ما هو أهم وأخطر.. فرنسا مشغولة بموجات احتجاج وتمرد تكاد تتطور لحرب أهلية أو ما هو أسوأ، وأمريكا لم يعد أمامها سوى كابوس واحد يهدد وجودها ذاته، وهو الصعود الصينى ومخاوف سقوط الدولار.. وألمانيا منهمكة لقيادة الناتو فى حرب مصيرية مع شريكها الاقتصادى القديم الذى تحول فجأة إلى عدوها الأول؛ روسيا..هكذا فرغت الساحة من صناع الثقافة ورواد الفلسفات الفكرية التى تتحكم فى عقول الناس وأذواقهم وأمزجتهم!..إن ما يبدو فى الأفق أن هناك تيار ثقافى جديد غامض قادم على العالم. فما هو؟ وما جوهره؟

بنظرة شاملة لما يجرى حولنا يمكن القول إن الثقافات العالمية كلها فى طور تحول كبير سيحدث هذه المرة بعيداً عن التحكم الفوقى، أو هيمنة الصوت الواحد ، أو الموضة المفروضة القادمة من الغرب.. إنها أقوى موجات الثقافة على الإطلاق..حيث الشعوب هى صاحبة الصوت الأعلى، ولأنها شعوب وثقافات متعددة، فيمكننى القول بضمير مستريح أننا مقبلون على ما أسميه " حقبة الموزاييك"!

صعود الأقليات

هناك اليوم عالمان..عالم افتراضى سيبرانى تتمدد ألسنته باستمرار حتى يكاد يبتلع الناس جميعهم ويضعهم فى سلة اقتصادية وإعلامية واحدة، بحيث صار العالم كله بالفعل قرية مصغرة هى قرية الإنترنت! ثم هناك العالم الضيق الفردى الأرضى الواقعى، عالمى وعالمك بين جدران أربعة!

إن أول السمات البادية على سطح الواقع اليوم فيما أدعوه أو أدعيه من بدء ظهور حقبة الموزاييك، حيث كل شئ متناقض يلتصق بالمشهد ليكمل الصورة الأكبر، تبرز سمة لا تكاد تخطئها عين الفاحص أو المتابع للأحداث على مر السنوات القليلة الماضية.. سمة صعود الأقليات على اختلاف أنواعها..

ثورات وحركات تمرد نشأت على إثرها أحزاب وطوائف كانت فى السابق أضعف من أن يكون لها تواجد على الساحة، وفى أوروبا استطاعت بعض هذه الأحزاب أن تصل إلى السلطة بمختلف مستوياتها، وبات صعود اليمين المتطرف ظاهرة ملحوظة للكافة. حتى فى أمريكا جاء انتخاب ترامب كدليل على التحول إلى الشعبوية التى خرجت منها حركة تمرد من قلب الجمهورريين هى ما سميت بالحركة الترامبية، عندما انحازت فئة متمردة إلى أفكار ترامب الشعبوية وكادت تفسد المشهد الانتخابى الرئاسي باقتحامها مبنى الكونجرس اعتراضاً على فوز جو بايدن بعرش أمريكا!

فترة جائحة كورونا جاءت لتأخذ بيد الفرق الطبية كأبطال الظل، وهى الفترة التى انتعش فيها العالم الافتراضى من تجارة إليكترونية وتوظيف عن بعد وتواصل إنسانى رقمى! لنكتشف أن عالمنا اللاهث المتسارع المتناحر لا يؤدى بالمجتمع إلا إلى مزيد من الهلاك، وأننا بحاجة للارتداد إلى أسلوب الأجداد القديم الهادئ الوتيرة، وصعدت فى تلك الفترة دعوات العودة للوراء والنوستالجيا نلتمس منها حلولاً لأوبئة العصر الذى أوجدها الإنسان بتهوره وغروره.

حتى فى عالم الحروب رأينا صعود الميليشيات بدءاً من ليبيا ومروراً بسوريا وانتهاء بالجنجويد والفاجنر ..مثل تلك السمة ستشهد تغيراً حتى فى الفلسفات والاستراتيجيات العسكرية لاحقاً.

الغريب فى الأمر أن الفن والأدب انساق مضطراً وراء كل صيحة من هذه الصيحات يحاول اللحاق بها والتفتيش فى جذورها وسبر أغوارها، لكنه يكتشف أنها أسرع منه، وأن الواقع الإنسانى لديه الكثير مما لم يبديه أو يقوله كله بعد!

مملكة وادى السيليكون

انتقل الريموت كونترول اليوم إلى أباطرة وادى السيليكون، وباتت بضع شركات كفيسبوك وجوجل ويوتيوب تتحكم فى أذواق الناس عبر الأثير. بل وتحولهم جميعاً إلى مروجين وموظفين يعملون تحت إمرتهم مجاناً! وفى المقابل بات الفن والأدب رهناً بالأذواق الجديدة التى أثمرها اختلاط الثقافات فى بوتقة التيك توك واليوتيوب والإنستجرام، وأصبح لزاماً على الفن والأدب والإعلام إذا شاءوا الاستمرار والبقاء فى عالم يتحكم فيه الأباطرة الجدد، أن يفهموا أذواق هذا العالم الافتراضى مهما كانت تبدو غريبة أو تافهة أو غير تقليدية.

آخر صيحات العالم السيبرانى طفرة الذكاء الاصطناعى التى يعتبرها البعض مقدمة لعصر جديد بعد عصر الصناعة ثم التقنيات ثم الإنترنت والآن عصر "الإيه آى" أو الذكاء الاصطناعى. وأولى نتائج باكورة هذا النوع من الذكاء أنه استغنى عن وظائف تقليدية ليحل محلها الروبوت؛ حتى أننا رأينا مثل هذا الروبوت يقدم للحجيج طعاماً وحلوى! ومن قبل ذلك انتشر مقطع يبرز كيف انتقمت سيدة من روبوت أنثى حل محلها فى وظيفتها القديمة كممرضة فى إحدى المستشفيات!

هناك ألفاظ ومصطلحات لم تكن لتنتشر بهذه الطريقة لولا السوشيال ميديا؛ كالبراند والتريند والإنفلونسر والفريلانسر وغيرها كثير..وفى خضم هذه المعمعة السيبرانية الكبري تنصهر الأفكار والأذواق والأمزجة والرؤى من الشرق والغرب، ويختلط المشهد الصينى بالمقطع الأمريكى بالصورة الأوروبية بالرقصة الإفريقية بالأغنية اللاتينية حتى نفيق على لوحة ستكتمل يوماً كلوحة من قطع الموزاييك أو الفسيفساء لا يكتمل معناها سوى من تجميع سائر تلك القطع والمنمنمات فى صورتها التامة.

من مراقبين إلى صناع

نحن الآن على أعتاب حقبة يستطيع فيها كل ذى أثر أن يضع بصمته..

إنها الفرصة السانحة لفرار الأسري من سجن الهيمنة الثقافية إلى براح الإبداع الحر من أى قيود أو إملاءات أو تبعية ثقافية. إن الشعوب كلها تستطيع اليوم أن تضع بصمتها الثقافية عبر الأثير لتؤثر على ثقافات تبعد عنها بمئات الأميال. وبعد أن ظللنا لفترات طويلة ننتظر وجبة الفن والأدب والموضة أن تأتينا جاهزة من الغرب، بات سهلاً أن نبادر بالتأثير على الغير حتى وإن كان هذا الغير هو الغرب نفسه.

غير أن تقليدنا للغرب لا يمكن أن يكون بوابتنا للتأثير فيه. ولو أننا ظللنا ندور فى فلكه الهالك فلن نستطيع أن ننتقل من دائرة التأثر إلى دائرة التأثير أو أن نتحول من مشاهدين ومراقبين إلى فاعلين وصناع للمشهد الثقافى العالمى.

مسألة صعود الأقليات، وتغير المزاج العام فى الغرب يبشر بتغير أمزجة الشعوب هناك. وفى هذا دليل على أنهم مستعدون للتأثر بأى فكر جديد مختلف بشرط ألا يكون تافهاً سطحياً، ولا مشرباً باللون الغربي الذى بات موضة قديمة يحاولون انتزاعها من جلودهم. الحل هو أن نقدم لهم أنفسنا كما هى بلا تذويق ولا تشويه. وأن نقدم لهم المزاج الشرقى الرائق بكل ما فيه من سحر الماضي وعبق التاريخ الأصيل. فكما سبق ورأينا كيف ارتد العالم كله إلى حالة من النوستالجيا خلال فترة كورونا، وأن العالم الحديث يحن إلى ماضيه الهادئ الرائق كعلاج لحالة الجنون والصخب والحمى. إنه يحن إلى أخلاقيات الماضى بعد أن غرق حتى أذنيه فى بحر من التناحر والعنف والإباحية والمجون.

كن على ثقة أن ما يطفو على السطح من غثاء التفاهة والسطحية والحماقات التى تملأ فضاءات السوشيال ميديا هى إفرازات طبيعية لتلك الحالة من المخاض التى سينتج عنها ظهور ملامح تلك الحقبة الثقافية الجديدة القادمة. وسوف تنزاح كل تلك التفاهات ليحل محلها مشهد ثقافى ثقيل فخم تشارك فيه حضارات قديمة راسخة كحضارة مصر والعراق وروسيا والصين،كلهم يندمجون فى لوحة ثقافية واحدة جديدة النكهة قديمة الجوهر.

***

عبد السلام فاروق

هذا هو العنوان الرئيسي  لما جاء فى قمة البريكس المنعقدة فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا لمدة ثلاثة أيام ..وكان أبرز وأهم فعالياتها خطاب بوتين النارى ضد أمريكا وسياساتها الاقتصادية المهلكة للدول الصغرى إما من خلال سلاح القروض أو سلاح العقوبات الاقتصادية، الأمر الذى يستلزم القضاء على هيمنة الدولار وضرورة تنويع سلة العملات العالمية مؤكداً أن مجموعة البريكس لديها العديد من أدوات الضغط والتأثير لإسقاط الدولار من عرشه العجوز..تلك الرسالة كانت هى الأبرز والأكثر تداولاً بين وسائل الإعلام وعناوين الصحف العالمية وحتى على السوشيال ميديا والأنباء المتداولة رقمياً..

القمة الأهم والأخطر!

شعارها هذا العام : "بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة بشكل متبادل" ...إنها قمة التوسع، وإفريقيا هى الهدف الأول لها!

لقد تمت دعوة 67 دولة و20 ممثلاً لمنظمات دولية لحضور فعاليات هذه القمة المهمة..وقد جاءت بعد أسابيع من انعقاد القمة الروسية الإفريقية،ومن حدوث انقلاب النيجر الذى قلب موازين القوى فى القارة السمراء..هناك أمر جلل يحدث، وهناك تغييرات حتمية ستتم على الصعيد العالمى والإفريقى لا محالة، ذلك ما يمكن أن نستنتجه من كل هذه الأحداث المتتابعة التى تصب كلها فى هذا المعنى..

أغلب الدول التى تمت دعوتها للقمة هى دول إفريقية، بالإضافة لدول من آسيا وأمريكا الجنوبية والكاريبي..وفى حين أبدت نحو 43 دولة استعداداً للانضمام لمجموعة البريكس، فإن ثلاثاً وعشرين منها طلبوا الانضمام لها رسمياً وفى مقدمتهم مصر والسعودية ثم الجزائر والأرجنتين والبحرين وبنجلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا وفلسطين والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.أى أن هناك 8 دول عربية تسعى لهذا الغرض.

على مدار 13 عاماً لم تحقق القمة طفرة كما حدث لها فى آخر عام..والإنجاز الأكبر لها كان ما حدث عام 2014 من إنشاء بنك التنمية NDP برأسمال 100 مليار دولار..ثم ما حدث من تضاعف للتبادل التجارى بين دول البريكس بمقدار ستة أضعاف، والأهم من هذا وذاك أن الدول الأعضاء جميعها حققت زيادة ملموسة فى ناتجها المحلى وأقواها الصين؛ إذ حققت طفرة فى ناتجها المحلى الإجمالى من 6 تريليون دولار سنوياً عام 2010 فى بدايات العمل بالمجموعة ، إلى نحو 18 تريليون دولار عام 2021 والنمو لديها يتسارع بشكل مطرد..  أما أهم وأخطر ما يدور فى كواليس القمة الحالية، تهيئتها لتكون المنافس الأول لا لمجموعة السبع الكبار وحدها وإنما تحديها للنظام العالمى القائم بأكمله..حيث يؤكد الخبراء أن قمة البريكس هذا العام لها بعد سياسي واضح ورسالة مؤداها تقديم البديل للمؤسسات المالية الدولية وللنظام الدولى الحالى، والتبشير بعالم متعدد الأقطاب..

الهند تعارض التوسع

الدول الخمسة المؤسسة لمجموعة البريكس يمثل اقتصادها 23% من الناتج المحلى العالمى، وسكانها يمثلون 42% من سكان العالم..قوة اقتصادية وموارد بشرية كبري، ورغم ذلك فإن الغرب وأوروبا ما زالوا الأقوى والأشد تأثيراً من خلال منظمات دولية راسخة متغلغلة فى النسيج الاقتصادى الدولى كله..

المنطق يقول إن دخول عدد آخر من الدول فى هذه المنظومة القوية سيدفع الكفة لتميل نحو البريكس فوق كل التكتلات الاقتصادية ، ما يجعل من السهل تحقيق حلم الأقطاب المتعددة ونزع مخالب الغرب وإضعاف هيمنة أمريكا والدولار .. لكن هذا التوسع فى نطاق الشراكات والعضويات الخاصة بمنتدى البريكس يلقى معارضة قوية من الهند وربما من البرازيل أيضاً..فلماذا الهند؟

المراقبون يؤكدون أن الصراع الحدودى بين الصين والهند أثمر تضارباً فى المصالح بين البلدن؛ الأمر الذى تسبب فى إحداث تصدع داخلى فى الكيان الاقتصادى الناشئ..والبعض يذهب إلى أن هذا التصدع مقصود ومفتعل؛ بدليل ما حدث من تقارب كبير بين الهند وأمريكا فى الشهور الأخيرة ؛ ما يعنى أن البريكس ليس بإمكانها تحدى النفوذ الأمريكي والغربي مهما حاولت، وأن الاختراق الغربي لمنظمة البريكس يهدد بقاءها أو على الأقل سيؤدى إلى تحجيمها وإضعاف تأثيرها..

لهذا تؤكد التقارير أن مجموعة البريكس وضعت شروطاً لاختيار الدول التى يمكن قبول انضمامها للمنتدى أهمها أن تضيف الدولة المختارة قوة حقيقية لهذه المجموعة، وأن تكون موافقة على سياسات واتجاهات المنظمة التى تخطط لنظام عالمى بديل، وأن تكون ذات قوة اقتصادية مؤثرة.

القمة لن تعلن موقفها من طلبات الانضمام للبريكس إلا فى اليوم الأخير للقمة.. إنها تلك اللحظة التى ينتظرها العالم ليري بذرة التحدى للنظام العالمى الحالى تنمو وتثمر!

القمة وحرب العملات

أنيل سوكلال سفير جنوب إفريقيا قال كلاماً مغايراً لما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى مستهل القمة..ما يعنى وجود فجوة بين ما يدور فى العلن وبين ما يدور فى كواليس القمة!!

قبيل القمة أثير الكلام حول إطلاق عملة موحدة مدعومة بالذهب يتم من خلالها القيام بالتبادل التجارى بين الدول الأعضاء بمجموعة البريكس، والواضح أن الدراسات التى جرت تشكك فى قدرة مثل هذه العملة على منافسة الدولار سواء فى المستقبل المنظور أو البعيد..وهذا ما جعل محور الحديث فى القمة اليوم يدور حول التداول بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء..لهذا قال السفير الجنوب إفريقي سوكلال: إن جدول أعمال المنتدى لا يتضمن االتخلى عن الدولار، وأن البريكس لا تدعو أصلاً للتخلى عنه، وسيظل هو العملة الرئيسية عالمياً..فهذه حقيقة واقعة.. هذا كلامه..

أما بوتين فكان خطابه المضاد للدولار واضحاً جلياً، وأن استهداف الدولار يبدو كأولوية فى خطة روسيا الاقتصادية القادمة، كنوع من الرد الروسي على العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضدها..

نحن فى انتظار البيان الختامى لهذه القمة الاستثنائية التى ستكشف عن التوجهات المستقبلية لهذا التكتل الاقتصادى سريع النمو، ومدى حجم التوسع الذى سيصل إليه خاصة فى إفريقيا التى باتت اليوم فى بؤرة الصراع الدولى..

البريكس وتوقعات النمو

منذ البداية وخبراء الاقتصاد يبشرون بأن البريكس سيكون لها مستقبل عظيم وصدقت توقعاتهم..

الأرقام الحالية كشفت أن مساهمة دول البريكس فى الاقتصاد العالمى بلغت نحو 31,5% بينما بلغت مساهمة الدول السبع الصناعية 30,7%؛ ما يعنى أن البريكس ولأول مرة حقق تفوقاً على السبع..

التوقعات تشير إلى أن التوسع فى انضمام الدول للبريكس قد يصل بها إلى ما يزيد عن 20 دولة، وأن التبادل التجارى بالعملات المحلية سوف يتم إقراره.. فى الوقت الذى تزيد فيه قدرات الصين على السيطرة على سلاسل التوريد والإمداد العالمى من خلال زيادة أسطولها التجارى البحرى والجوى خاصة مع اكتمال مشروع طريق الحرير.. وإذا أضفنا لهذا مساحات النفوذ التى يكتسبها الروس والصينيون فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط .. كل هذا يبشر بأن مجموعة البريكس يمكن لها بالفعل أن تغير المعادلة العالمية القائمة، وأنها حقاً قادرة على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمى برمته..

البساط ينسحب بالتدريج من تحت أقدام الغرب وأوروبا.. وكلاهما متورط فى حرب طويلة ممتدة على الحدود الشرقية لأوروبا وفى بحر الصين، تلك الحرب التى كلما طالت استنزفت خزائن أمريكا وطاقتها البشرية والعسكرية.. أنت تتحدث عن اقتصاد يعانى أصلاً بفعل عدة أزمات متعاقبة بدأت بأزمة البنوك ثم سقف الديون ثم حرائق كاليفورنيا وهاواى، فكيف الحال وقد تحولت دفة الاقتصاد العالمى نحو الشرق، وزهد حتى حلفاء أمريكا القدامى فى الشراكة معها؟

كافة الحسابات تؤكد أن المستقبل القادم للبريكس.. وأن شمس الغد سترتفع من قِبل الشرق!

***

عبد السلام فاروق

هل يستطيع مؤرخ او مؤلف عربي او مسلم واحد ان يعطينا الدليل ان جماعة الاسلام منذ ظهورها في القرن الاول الهجري والى اليوم قد حققت لنا منجزا حضاريا واحدا على مسوى القانون او الحقوق الانسانية او الحضارية التي حققتها اتباع الديانات الاخرى، نتحداهم ان قدموا لنا البرهان او الدليل.؟ أذن ما فائدة دين بلا تحصين، كل مناهجنا الدراسية وما كتبناه وعلمناه طلابنا كان خنجرا مسموما في الصدور.

وهل يحق لمن كنا نعتقد انهم ثوارا حقا لمصلحة التغيير، ان يخونوا القيم والمبادىء التي كانوا ينادون بها لينحرفوا عنها من اجل المغانم لا مبادىء التحرير، كان بأمكانهم لو كانوا صادقين ان يحصلوا على الاثنين معا، لكن الفعل دليل الاصل في التحقيق، لا ان يسجلوا في صفحات التاريخ الاسود عارهم وخياناتهم حتى اصبحوا اليوم عار التاريخ، لا ما هكذا كانت مبادىء اهل البيت التي اوصلتموها الى اللامعقول دون خجل منهم ومن التاريخ، فلينتظروا المصير الاسود القادم اليهم من حيث لا يعرفون،

هل أصبح الرأي الغالب في بلاد الأسلام اليوم المستند على النص المقدس لا يناسب الواقع في الاعتقاد والتطبيق؟ لا، بل فشل فشلا ذريعاً في العقيدة والدين. بعد ان أصبح الواقع والظروف الصعبة والاختلافات الفقهية بحاجة الى تغيير،  اذن لابد من تفسير النص من جديد على ضوء مقتضيات تطور اللغة والواقع السايكوجي للنص ومحتواه وطرق جمعه ليصلح ان يكون عقيدة دين، وبعد ان تحول النص الى نصوص،  والدين الى مذاهب واجتهادات خاطئة كل منها يؤدي الى معتقد مختلف عن الاخرفي التطبيق، فأذا كان القرآن كتابهم واحدا فلمَ الاختلاف القاتل بينهم في العقيدة والدين؟ والكل أنحشرت في زوايا الخيانة الوطنية، لا بل اصبح الحلال عندهم حراما والعكس صحيح، اذن اين شريعة الله التي كانوا ينادون بها البارحة و اليوم حتى اصبحت بحاجة الى تغييريعتمد على حقيقة التأويل للنص من جديد،  بعيدا عن الترادف اللغوي الذي فقد التسميات الحسية التي استكملت بعد تركيزها في تجريدات، فهل حقا ان هؤلاء الزنادقة هم مسلمون ومن اصحاب نظرية أهل البيت، حشا وكفا، ان يكونوا منهم.

، الدساتيرالحديثة اصبحت نصوصها لا تتماشى مع الفقه القديم، اذن لا بد من فقهاء دستوريين يسطيعون تكييف القوانين بما يخدم التشريع والقانون معاً. وبعد ان تغيرت السُنة النبوية الى خمس سُنن كل واحدة منها تخالف الاخرى، سُنة ابن اسحاق،  وابن هشام، وابن سعد،  وموسى بن عقبة،  وعبدالله الانصاري، ولا ندري ما الصحيح. لظروف قام بها فقه التشريع في عهد النبوة واتسع ثم توقف في عهد العباسيين، وبعد ان تحول نظام الحكم السياسي الى النظام الموازي في التطبيق؟ مشكلة لابد من الالتفات اليها كي لا تضيع الحقوق وتنتهي صفة القانون عند المسلمين وهي على وشك اليوم.

ويستمر التخلف الحضاري عند الجماعة الاسلامية اليوم للظروف غير المواتية لتقدمه، بعد ان اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، لان الظروف التي قامت عليها عقيدة الاسلام قد تغيرت ولم تسمح بالتقدم بعد، في ظل ظروف تناقض العقيدة بين القديم الصحيح والحاضر المتغير لصالح الخطأ في التطبيق. فاذا اعتقد من جاء لحكم الوطن اليوم قد يتمكن من الحكم الاحادي دون معارضة باسم المذهب والدين، قد أخطأ التقدير،  حتى وان اصبح المال والفقيه بأيديهم لكنهم اصبحوا مكبلي التفكير والتنفيذ من شعب فقد حقوقه في التطبيق، والمعارضة تحيط بهم من كل جانب تمنعهم من استمرارية الخطأ لكنها بلا قوة التغيير، وتحويل موارد الوطن الى (انفال) كما في عقيدتهم المصطنعة من فقهاء التخريف التي ورثوها من فقهاء الخطأ السابقين، اذن هم والعقيدة اليوم في وَهم التاريخ،

فلا سياستهم المعتمدة على قوة فقه المختلفين الاخرين نافعة اليوم،  ولا توجهاتهم المعتمدة على القبيلة والمال والمذهب تسمح لهم بالتقدم بعد ان اعتقدوا ان اموال الدولة ملكا سائبا لهم دون رقيب او حسيب. ولا ايمانهم بالعقيدة الوهمية التي توجهوا بها الى احياء خرافات الماضي واللجوء الى فقهاء الصمت والكهان والمزارات واحياء المناسبات الدينية البائرة باعتها اليوم،  والخضوع لكل ترهاتهم دون القانون،  معتقدين ان الحكم اصبح لهم حكما عضوضا لا احد بأمكانه التغيير، فتوجهوا الى شل مجتمعهم الذي يجب ان تُشل فيه حركة الذهن وملكة الابتكار ليصبح حجرا اصما لا ينطق وكأننا في عصر اصنام الآولين، في التركيز، واتجهوا الى العادات والتقاليد الدينية لاحياء سير الأولين لكنهم مادروا انه اصبح معدوم الاثر لانكشاف حقيقة الفقه التاريخي المزيف الذي به يحكمون فقه الشيخ المفيد وابن تيميه، والذي تبعه سوء النظام الاداري والمالي وخضوعهم لخزعبلات التاريخ حتى اصبح وهما في عقيدة الناس، اذن لابد من التغيير.

هذه التصرفات اللاحضارية المتبعة اليوم التي تتنافى وعصر التحديث بعيدا عن الادارة والتنظيم ساقتهم الى اعتماد البطالة واللصوصية والمخدرات والاستيلاء على موارد الوطن بعد ابتكار مؤسسات مالية لا تمت للقانون بصلة( غسيل الاموال) حتى تحول البعض الغالب منهم الى تجار سراديب فتراجعت العقيدة الدينية وازدادت محبة الوطن عند المواطنين بعد ان اكتشفوا ان الحاكم هو عدوهم وعدو الوطن في التطبيق،

بالجملة ان سبب الانتكاس السياسي المفروض عليهم كان خارجيا من الذين لا يؤمن بحقوق المواطنين والذين يعتقدون ان الوطن لهم تاريخياً دون الشعب.نقول للقيادات التي تدعي الوطنية اليوم في المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واللامنتخبة شعبياً الوالغة في المال والسلطة، اين الوعود والقسم واليمين التي وعدتم بها الاحراريوم كنتم تأتون للعراقيين في الخارج وأنتم اشبه بالمتسولين،  واين النتائج التي حصل عليها المواطن اليوم بعد ان بعتم القيم والاخلاق والوطن مقابل السلطة والمال المجموع.،  كلها مردودة عليكم بعد ان اصبحتم بنظر الشعب خونة وبائعي اوطان في بلاد المظلومين،

ايها المواطن المظلوم :ان جماعات الحكم وضعت نفسها في شرنقة الخطأ حتى اصبحت تعيش في عصور ما قبل القانون فتغيرت سايكولوجياتهم بفعل الاموال المنهوبة لهم معتقدين خطئاً،  انها حامية نظام حكمهم الذي اوقفته بأيديها دون تقدم.ونجد ان هذه القيادات الحزبية الساقطة خلقيا اصبحت مكبلة بقيود سياسية واجتماعية ودينية حبستها داخل اطرها الفاسدة دين، فتحولت الى شرانق ديدان ميتة لا أمل بأحيائها من جديد،، والسياسة المرتبطة بها حولتها الى بدائية التصرف في التطبيق لا تسمح لها بالتقدم ابدا حتى اصبحت غير صالحة لحكم الدولة وكفاح المجتمع فتوقفت كالشجرة التي جفت عروقها فتجمدت مكانها تنتظر القلع والتغيير.

هنا تراها تلتجأ لترهات دينية تقودها الاصنام الميتة والايمان الشامل بالارواح والتصورات بالاوهام وتخوف الناس من ايام القيامة ان عصوا الحاكم الشرعي، "أطيعوا الله والرسول وآولي الأمر منكم، حتى غدا ولي الامر هو السلطان بديلا عن النص والقانون، والايمان الشامل بالارواح وعذابات ما بعد الموت الوهمية،  والنحيب على الماضي وتصويرة هو المنقذ كما في تقاليد عاشوراء والدك واللطم والرواديد الذي يقودهم خرف "اسمه باسم كربلائي"متعمد تضليل افكار الشباب تساعده حكومات البغي والجريمة حتى اصبح اللجوء الى الكهان والخضوع لهم على نحوٍ شل حركة الذهن تماماً في التطبيق.

فلا ندري عن اية حضارة اسلامية يتكلمون بعد ان اصبحت الحكومات الاسلامية منذ عصر( البويهيين 334-447هج) التي اوقفت التقدم بفقهاء التخريف الديني من امثال الكليني والشيخ المفيد وابن بابويه وصاحب بحار الانوار والغزالي بحجة حقوق اهل البيت والمذاهب المخترعة التي ما هي الا وسائل تدمير للفكر الديني والسياسي والاجتماعي وظهور نظريات التفضيل بعد ان اصبحت نظما خالية من الخدمات الاجتماعية مقابل المال المجموع.

لقد فشل المذهب الشيعي منذ البداية من تقديم صورة لنظام دولة الموطنين اعتبارا من عهد الادارسة مرورا بالفاطميين والعلويين والصفويين وحتى اليوم لمعاداته القانون.وبطبيعة الحال لم يكن هذا التدهور من عمل عصر واحد، بل نتيجة لسياسة عامة سار عليها ولاة المذاهب وازدات قسوة على المجتمع على يد جماعات الحاكمين اليوم الذين فاقوا كل تصور في خيانة المجتمع والدين.

ان الذي يفرحنا اليوم هو ان الطبقات الحاكمة المكروهة من الشعب انفصلت عن جماهير الامة المخلصة باطار اخلاقي معنوي وما على الجماهير اليوم الاتقوية الروابط الاسرية قبل سقوطها لتبقى المُثل العليا سليمة، لاسقاط الطبقة الحاكمة المعدومة الضمير. سيبقى الشعب سليما حتى لو سقط بيد اعداء الله والقيم والدين لاصالته التاريخية والفعل دوما دليل الاصل عبر التاريخ،

نحن نقول للولايات المتحدة الامريكية راعية التغيير الاصفر في العراق ان تتنبه لهذا الواقع المر الذي فرضته على شعب كان يامل منها كل جديد في حقوق الشعب التي اقرها الدستور الامريكي العظيم لا ان تسلم الامور الى اجرم واخون طبقة حاكمة شهدها التاريخ.

***

د.عبد الجبار العبيدي

بمناسبة إنطلاق قمة مجموعة بريكس وإهتمام العالم والمختصين السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين فيه بهذه القمة أكتب لكم هذه الكلمات لتوضيح ماهية هذا المشروع.

بريكس من التجمعات الدولية الجديدة التي لفتت الانتباه إليها في الآونة الأخيرة وهو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية BRICS /المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

كما ان منتدى بريكس يغتبر منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية بعضويته.

عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذا المشروع في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009 حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي جديد يسمى عالم ثنائي القطبية.

وعقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول «بركس» في يوليو/تموز عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية حيث اجتمعت آنذاك قمة «الثماني الكبرى».

وشارك في قمة «بركس» رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية الصين الشعبية جين تاو ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وهذه الدول الأربع تعتبر من بين أكبر عشر دول بالعالم تحتفظ باحتياطيات تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم.

لهذا السبب فإن الولايات المتحدة الامريكية لازالت تنظر إلى بريكس نظرة ذعر وخوف، ولعل أهم وأكبر هواجسها يتمثل في خوفها من تمدد وإنتشار العملة الصينية في تعاملات دول العالم بدل الدولار الامريكي.

كما يعيش بالدول الخمس (بعد إنضمام جنوب افريقيا) نصف سكان العالم، ويوازي ناتجهم الاجمالي المحلي للدول مجتمعة ناتج الولايات المتحدة وهو (13.6 تريليون دولار)، كما يبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة أربعة تريليونات دولار.

اتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.

انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلاً من بريك سابقا.

أهداف مجموعة بريكس ..

تمثل مجموعة بريكس أكبر اقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة.

وعلى الرغم مما يربط الدول الخمس (بعد إنضمام جنوب افريقيا) في بريكس من تطلعات بالفرص الاقتصادية والتحديات المشتركة، فإنها تواجه تساؤلات مستمرة حول مدى قدرتها على توحيد مواقفها بشأن قضايا دولية رئيسة نظرا لتباين أولوياتها.

ومن التحديات التي تواجه بريكس ضرورة تسريع الإصلاحات في دول المجموعة، وتحقيق مهمة تدويل عملاتها المحلية.

لذلك فإن تدعيم التعاون النقدي بمختلف المستويات يمثل حاجة مشتركة بين دول المجموعة لتدويل عملاتها المحلية.

وقد تنوعت القضايا التي تتناولها اجتماعات بريكس، وتعددت لتشمل التحديات الدولية متمثلة في الإرهاب الدولي وتغير المناخ والغذاء وأمن الطاقة ومشاكل التنمية والأزمة المالية العالمية.

وساهمت ثلاث قمم واجتماعات لوزراء الخارجية والمالية والزراعة والصحة وقطاعات أخرى في تعزيز أواصر التعاون بين دول بريكس.

وفي المستقبل سيكون بإمكان الدول الخمس عقد الصفقات وتبادل أسناد القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين الدول الخمس (بنك خاص بها)، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية، والتوسيع المستمر لنطاق ومجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة، ويدفع بالتعاون والاستثماري المشترك بينها.

ونرى أن دول بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطيها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي الذي يتحكم برقاب معظم دول العالم من خلال مديونياتهم له.

وقد وفرت العملات والأصول الأجنبية حماية وأمانا ضد الكساد الكبير، وساعدت بريكس لتصبح قوة مالية علاوة على كونها قوة اقتصادية في وقت تناضل فيه معظم الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها.

وتعتبر مستويات الدين العام لبريكس متواضعة ومستقرة في الغالب باستثناء الهند، وقد ترجم هذا الأداء الاقتصادي إلى أنواع مختلفة من النفوذ.

ولعل برامجها للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى باهتمامات أعضاء بريكس منها في الدول الغربية، وهذه الدول تحاول تنويع اقتصاداتها وتتحدى الأفكار الغامضة للعولمة.

شروط الإنضمام لمجموعة بريكس

ليس هناك شروط محددة للإنضمام للمجموعة، ويتم غالبا دعوة بعض الدول للمشاركة في القمة إلى جانب زعماء الدول الخمسة من أجل الحوار على هامش القمة ومناقشة رغبتها بالإنضمام.

وقد أعلنت الكثير من الدول عن رغبتها بانضمامها إلى المجموعة مثل، الجزائر وأفغانستان والأرجنتين وإندونيسيا والمكسيك وتركيا ومصر وإيران ونيجيريا والسودان وسوريا والإمارات العربية المتحدة وباكستان وبنغلاديش وبيلاروسيا وزمبابوي والسعودية ومؤخراً بنغلاديش واليونان وفرنسا، وأبدوا اهتمامًا قويًا بالعضوية الكاملة في البريكس.

 فوائد الانضمام لمجموعة بريكس

بريكس هي منصة للحوار والتعاون الاقتصادي بين البلدان التي تمثل 43 ٪ من سكان العالم، من أجل تعزيز السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في عالم متعدد الأقطاب ومترابط ومتزايد التعقيد.

تتضمن أهم الفوائد الرئيسية للانضمام لمجموعة بريكس ما يلي:

1- العلاقات التجارية الحرة ..

توفر مجموعة بريكس فرصًا للشركات في الدول الأعضاء لتوسيع نطاق عملياتها التجارية بحرية تامة، وتبادل السلع والخدمات والتقنيات بين بلدانها الأعضاء.

2- تعزيز النمو الاقتصادي ..

تسهل مجموعة بريكس الاستثمار في بلدانها الأعضاء، وتعزيز النمو الاقتصادي السريع، من خلال توفير بيئة تجارية أكثر استقرارًا وشفافيةً، وتقليل الحواجز المتعلقة بالتبادل التجاري والاستثمار، مما يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل.

3- التعاون في المجال الاقتصادي ..

تعمل مجموعة بريكس على تطوير التعاون في المجال الاقتصادي وتوفير بيئة تجارية ملائمة، وذلك عبر تعزيز التجارة الحرة وتحقيق التوازن التجاري وتعزيز الاستثمار المشترك.

4- التعاون السياسي ..

تسعى مجموعة بريكس إلى تعزيز التعاون السياسي بين بلدانها الأعضاء، وذلك عبر التشاور والتعاون في المنتديات الدولية وتعزيز العلاقات الثنائية.

5- بناء القوة الاقتصادية ..

تمثل مجموعة بريكس اليوم أكبر مجموعة من الدول النامية في العالم، وتتمتع بقوة اقتصادية هائلة، وبالتالي فإن الانضمام إليها يمكن أن يساعد في تعزيز مكانة الدولة العضو وزيادة نفوذها في المجتمع الدولي.

سؤالنا كعراقيين.. هل هناك فائدة من إنضمام العراق لهذه المحموعة؟

إنضمام العراق لمجموعة بريكس ..

في ظل هذا النظام الجديد، يمكن للعراق ان يدخل في شراكات تعاون اقتصادية واستثمارية كبيرة مع دول المجموعة، وهو ما سوف يؤدي في النهاية إلى توفير عملات أجنبية أخرى غير الدولار المُتحكم بالسوق المالي والاقتصادي في العراق، عبر التبادل التجاري مع دول المجموعة مثل اليوان الصيني والروبل الروسي، وهو أمر يخفف من شأنه تخفيف الضغط على الدينار العراقي أو زيادة قيمته، وتجاوز أزمة الدولار، فضلا عن أنه يعزز أهداف التنمية المستدامة في البلد.

كما أن من فوائد انضمام العراق لبنك يضم مجموعة «بريكس» أنه سيوفر مجموعة من التسهيلات أبرزها المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة، بخلاف ما يفرضه عليها صندوق النقد الدولي من التزامات، وهو ما سوف يساعد الحكومة العراقية في المضي قدماً باستكمال مشروعاتها الاقتصادية الكبرى، ويعطيها مميزات اقتصادية بالتحالف مع دول المجموعة في إبرام اتفاقيات على مستوى عالٍ من الأهمية، فضلاً على الحصول من السلع الغذائية الضرورية للشعب الشعب العراقي، هذا غير المنتجات والشراكات الصناعية التي تؤدي بالتأكيد لتشغيل الأيدي العاملة وحل جزء من مشكلة البطالة.

كما أن الانضمام إلى «بريكس» سيمثل نجاحاً لجهود الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية العراقية، وسيكون داعماً لبرامج حكومة الخدمات كما نعتقد.

***

بقلم: د. نبيل الأمير التميمي

نَشر رئيس «تيار الحِكمة» السّيد عمار الحَكيم في حسابه الشّخصيّ (تويتر 5/7/2023) ما نصه: «نستذكر باعتزاز بالغ فتوى جدِّنا الإمام السَّيد محسن الحكيم (قُدس سره) التي صدرت في مثل هذا اليوم من عام 1965، بتحريم قتال أهلنا الكرد آنذاك، والتي عززت التَّكاتف واللحمة الوطنية بين أبناء البلد الواحد، ورسخت مبدأ حفظ المكونات العراقية لبعضها البعض، وبقي صداها وذكراها شاخصين حتَّى يومنا هذا، كما كانت مصداقاً لحرص الإمام الحكيم على حفظ أنفس المسلمين والتَّصدي لمحاولات سفك دمهم الحرام» (@Ammar_Alhakeem).

هنا لنا قول يستند لشاهد عيان، وفي الحدث نفسه، عمّ السّيد عمار الحكيم الأكبر، محمدّ مهدي بن محسن الحكيم (اغتيل: 1988)، الذي كان بمثابة باب والده المرجع السّيد محسن الحكيم (تـ: 1970) وحاجبه، فمِن تقاليد المراجع الدينيين عند الشّيعة الإماميَّة عموماً أنّ يقوم الأبناء بدور إدارة مكاتب الآباء وصلتهم بالآخرين، ولا يتم اتصال إلا عبرهم، والأمثلة على هذا كثيرة.

جاء ذلك في كتاب السّيد مهدي الحكيم: «مِن مذكرات العلامة الشّهيد مهدي الحكيم حول التّحرك الإسلاميّ في العِراق»، فقد أكد أن ما حصل ليست فتوى، إنما احتجاج على زج اسم المرجع محسن الحكيم دون علم مرجعية والده، في بيان منشور ضد الكرد، خلال القتال مع الحركة الكرديَّة آنذاك، ووفقاً لما ذكره مهدي الحكيم لم يحدث ذلك في التَّاريخ الذي أثبته عمار الحكيم (1965) إنما عام 1964.

إنّ ما حصل، والذي يعد خلاف الواقع، كان بدافع التّأثير على القوى الكرديّة، في زمن المعارضة العِراقيّة في التسعينات مِن القرن الماضي: إنَّ حكومة الرئيس عبد السّلام عارف (قُتل: 1966) دعت إلى عقد «مؤتمر علماء الإسلام» (1964)، شارك فيه رجال دين مصريون، تحت ظلال مشاعر الوحدة العربيَّة في زمن الرَّئيس جمال عبد النَّاصر، وأفتوا جميعاً: بأن «الأكراد بغاة يجب قتالهم». فطُلب مِن المرجع الحكيم تأييدها، فرفض ذلك.

كان سبب الرفض عقائدياً أولاً لأن «الحكومة غير شرعيّة» (مذكرات مهدي الحكيم)، أيّ في زمن الغيبة الكبرى، وهذا تقليد ثابت عند فقهاء الشّيعة، وثانياً أنه لا يرى القتال حلاً، ومعلوم أنّ الحكومات في العقيدة الإماميّة ليست شرعيّة خلال الغيبة، لكن يمكن التّعامل معها دون الشّرعيّة الدِّينيًّة، وعدم العمل ضدها، فالعمل الثّوريّ غير متاح في التقليد الشيعي الإماميّ، أو الاثني عشريّ، فتلك من حقّ الإمام الغائب فقط.

غير أنّ أحد رجال الدّين ممَن حضر المؤتمر المذكور أعلاه، كتبَ منشوراً، نشره «التَّوجيه المعنويّ» في الصَّحافة، وهو المؤسسة الإعلاميّة الرَّسميَّة آنذاك، جاء فيه: «إنْه تشرف بخدمة (تشرف بزيارته) الإمام الحكيم الذي أظهر استنكاره للأكراد»، أي أظهره أنه مع فتوى قتالهم. بطبيعة الحال، وربّما جرى حديث بهذا الاتجاه، في برانية المرجع الحكيم، لكن لا تؤخذ أحاديث اللقاءات والمجاملات على أنَّها مواقف، وتُنشر في الصَّحافة.

عندما علمت مرجعية الحكيم بالمنشور، اتصل مهدي الحكيم بـ«التَّوجيه المعنوي»؛ محتجاً على زج اسم والده دون علمه! فكتبت المرجعيّة تكذيباً، لكنْ لم يوافق «التّوجيه المعنويّ» على نشره، فأخبرهم: «أنتم مخيرون: إمّا تنشرون التَّكذيب، أو نقوم نحن بنشر المنشور»! فقامت المرجعيّة بتوزيعه في المساجد والحُسينيات، بواسطة نشطاء في الإسلام السّياسيّ آنذاك، مثل مرتضى العسكري (تـ:2007)، وعارف البصريّ (أعدم: 1974). هذا، ولولا زج اسم الحكيم في المنشور، ما تحدثت معارضة التّسعينات عن وجود فتوى تحريم قتال الكرد.

لم تكن المرجعية ضد الكرد، في حالٍ مِن الأحوال، عدا ما أوردته الرَّسائل الفقهية: عدم تزويج الأكراد والأعراب وأقوام أُخر، وهذا الرأي الفقهي يشترك فيه رجال دين كثيرون، وبينهم الحَكيم (مستمسك العروة الوثقى)، وهو رأي فقهيّ قديم يخص كفاءة النّسب (الكلينيّ، الكافي).

إضافة إلى الموقف الشّرعيّ التَّقليديّ مِن الحكومات؛ خلال الغيبة الكبرى، إنّ لمرجعيّة الحكيم موقفاً مِن السِّياسة الحكوميَّة آنذاك، فلما أراد عارف زيارة الحكيم، اشترط لاستقباله إلغاء قانون «الأحوال الشّخصيّة» (188 لسنة 1959) - كان قانوناً متقدماً لصالح المرأة والأسرة - وإلغاء القوانين الاشتراكيَّة، التي أصدرت عهدذاك (مذكرات مهدي الحكيم).

غير أنَّ إظهار المنشور على أنه فتوى حصل بعد عقود طويلة؛ في أيام معارضة التَّسعينات العِراقيّة، بعد حرب الخليج الثَّانيّ وتحرير الكويت، وضمن العمل المشترك ضد النّظام السَّابق، حصل بدافع إسلاميّ مصلحي، وهو الحصول على تسهيلات بإقليم كردستان - العِراق، التي تُديره القوى الكرديّة!

وقد ظل السَّاسة الكرد يتداولون الفتوى المزعومة على أنها حقيقةٌ، ورداً للجميل حصل الإسلاميون، في مقدمتهم «المجلس الأعلى للثورة الإسلاميَّة»، على تسهيلات للنشاط الشِّيعي السِّياسي، كرسه مسؤول «المجلس الأعلى» بكردستان حينها، للكسب المذهبيّ الحزبيّ الطَّائفيّ، مما لفت نظر أحزاب الإسلام السِّياسي السُّنيّ الكرديّة (سمعت هذا من قياداتهم). كان ثمن الفتوى أيضاً افتتاح «حسينية الحكيم» بالسُّليمانيَّة (بعد تسلم إدارتها 1990) بمنطقة سُنيَّة، ناهيك عن أنَّ صلات السّليمانيّة بإيران، بعد القتال مع أربيل والدَّعم الإيرانيّ لها، في تلك الظُّروف، تُشجع على ذلك.

أرى ما نشره رئيس «تيار الحِكمة» مِن فتوى لجَدِّه، في هذا الوقت، قد يكون لا يعلم هو نفسه أنها ليست فتوى، فقد حصل ذلك في زمن عدم تصديه وتصدره لقيادة التَّنظيم، ولا تخرج إعادة التّذكير بوجود الفتوى، خلاف الحقيقة، عن هدف إدامة الغزل الحزبيّ، ومع اعترافنا بمثل هذا الغزل في العمل السّياسيّ، لكنْ ليس بالادعاء على حِساب التَّاريخ، فالحكيم الجدُّ لم يفتِ مع الكرد ولا ضدهم، خصوصاً ليس هناك نص يدل عليها ولا شهود، وما كتبه الحكيم العم حسم الجدل بالفتوى المزعومة.

***

د. ر شيد الخيون - كاتب عراقي

الكل يتذكر المواقف الوطنية التي تشبثت بها حكومة التناوب التوافقي المغربية، التي قادها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي. إنه الوزير الأول الوطني الاستثنائي الذي قال "لا" للإتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا في ملف الصيد البحري (1998-2002). لقد كان هذا الموقف المعبر عنه آنذاك بصدق شديد في صالح فرنسا لو تنازلت عن تعاليها، واستوعبت في حينه إشارات هذا الحقوقي العالمي. المغرب يَعْتبر العلاقات الديبلوماسية الناعمة بين إفريقيا وأوربا مركزية في التأثير على العلاقات الجيوستراتيجية الكونية في القرن الواحد والعشرين. لقد كان اليوسفي مؤمنا أنه سيكون لهذه العلاقة دورا محددا للتطورات التي سيعرفها مفهومي العولمة والشمولية. رسالته كانت واضحة: المستقبل يتطلب ميول قادة القارتين وفاعليهما إلى الحكمة والتبصر.

عاش المغرب سنوات العهد الجديد، ولم يتقاعس عاهله يوما في ترديد شعارات التعاون البناء "شمال-جنوب" و"جنوب- جنوب" ومد يده من جانب واحد إلى الجارة الجزائر وشعبها الشقيق. عبقرية ملك المغرب جعلته لا ينقطع في قيادة استراتيجيات المستقبل مناصرا لقضايا الديمقراطية، والتعاون، والتضامن، والسلم، والأمن، والتنمية المستدامة.

بدأ عبد الرحمان اليوسفي تنفيذ المخطط الوطني الملكي لحماية المستقبل مبكرا، وبذكاء استباقي أكدت التطورات الدولية موضوعيته وقوته. فرنسا لم تستوعب هذا الانبعاث المفاجئ لهذا الوعي المبكر لهذا البلد الحليف من شمال إفريقيا. وبذلك، تكون قد استهانت بالتاريخ وتوازناته الحتمية، التي لا ترحم المترددين والمتهاونين والمشككين. قامت بذلك، وهي تعلم تمام العلم، أن جذور الحضارة المغربية منغمسة بقوة في التاريخ العالمي للبشرية. المغرب الحضاري كانت جذوره دائما في إفريقيا وأغصانه في أوروبا. لقد قاوم الأطماع الأجنبية ببسالة، وانتصر في العديد من المعارك، ولم يخضع بلغة السلاح والدبلوماسية للإمبراطورية العثمانية.

فعلا، لقد كان لفرنسا، كإمبراطورية كونية عملاقة، نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا كبيرا، شمل أوروبا نفسها (مالطا) والأمريكيتين وآسيا وإفريقيا. لقد تحولت في بعض محطات الخمسمائة (500) سنة الأخيرة إلى قوة ناعمة حُبِّذ تواجدها في سياق التسابق الاستعماري للقوى العالمية على بقية دول العالم الضعيفة. إلا أنها للأسف الشديد قد تجاهلت أو تناست أن النعومة لا توجد إلا في عمق الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المتوازنة للحلفاء. تجاهلت كذلك أنها لم تعد اليوم تواجه الاشتراكية والملكية العامة لوسائل الإنتاج، بل تواجه عبقرية مفهوم الزعيم الاشتراكي-الليبرالي في روسيا والصين الشعبية كنموذجين بمنطق علاقات دولية بنفس جديد.

وصل ماكرون إلى الحكم، فانقشع المسكوت عنه، ليتوالى رفع الشعارات الشعبية المناوئة لهذه الدولة التاريخية مطالبة برحيلها من مجموعة من الدول الإفريقية. إن الأفارقة يرفعون اليوم شعارات جريئة للغاية رافضة المنطق الفرنسي المتعالي :

- لا للانتهاكات الحقوقية لفرنسا في إفريقيا.

- لا للانتهازية الفراكوفونية.

- لا لاستنزاف الخيرات الإفريقية.

- نعم لإسقاط حلفاء فرنسا إفريقيا.

- نعم لطرد فرنسا من إفريقيا.

- فرنسا صانعة الطغاة في إفريقيا.

- فرنسا ناهبة الثروات الإفريقية وإفقار شعوبها.

- .....

في ختام هذا المقال القصير أقول أن الرسائل المغربية قد بُعِثت إلى أوربا عامة، وإلى فرنسا خاصة، في التوقيت المناسب. المنطق السياسي والعسكري الإفريقي لن يطيق في السياق العالمي المتطور إلا التعاون المثمر بين دول الشمال والجنوب، وبين دول الجنوب فيما بينها، تعاون بمبادئ جديدة يقوم على أساس القيم التي دعا إليها ملك المغرب، والتي لا ترفع حصريا إلا الشعار المنتصر لمنطق "رابح- رابح" المتفاوض في شأنه ديمقراطيا.

***

الحسين بوخرطة – كاتب وناقد مغربي

تحوَّل فضاء الميديا العراقية، منذ السابع من أوغست، حيثُ بدأ حوار التعاون الأمني الأمريكي العراقي المشترك، ولحين كتابة هذه السطور، إلى أحراشٍ أفريقية، مليئة بالفيلة. المحلِّلون السياسيون؛ الذين تتكأ الحكومة على خراطيمِ حضورهم، في القنوات الفضائية، كانوا مُصرَّين، على تفسيراتٍ فريدة من الفيلة البيضاء.

أول أبيضٍ منها، كان في الـ 13 من أوغست، حيثُ زعم أحدُ المحلِّلين "الخرطوميين"، وعلى شاشة إحدى الفضائيات، بأنَّ "الولايات المتحدة تُريد تقليل أعداد الحشد الشعبي". الحقيقة، إن الولايات المتحدة غير معنية بالأمر! فبحسب صحيفة "المونيتور" الأمريكية، في الـ 10 من أوغست، فإنَّ البنتاغون لديه قناعة، بأنَّ "وجود 238 ألف مقاتل في الحشد الشعبي مسألة مُبالغ فيها". مُلمِّحة إلى إنَّ هذه الأرقام، جوكر ضغط. علماً أن تعداد الجيش العراقي النظامي، هو (341) ألف مقاتل، بحسب إحصاءات 2019، استناداً على ما نشرته الـ "سبوتنيك" الروسية (النُسخة العربية)، في الخامس من فبراير 2023.

السؤال المهم: لماذا لجأت الأحزاب إلى الصدق الأبيض؟

هناك أسباب عديدة، منها ما كشفهُ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في بيانٍ رسمي، يوم الثامن من أوغست، بخصوص "داعش". أوستن بيَّن أن "أعداد التنظيم في العراق انخفضت إلى ألف فقط وكذلك في سوريا". بينما ما زالت الفضائيات العراقية، مُصرَّة، على أن أعداد التنظيم في البلاد، تتراوح بين (5-7) آلاف شخص! هكذا لم تعُد الميليشيات، قادرة على دباغة جِلد القداسة العابرة للحدود، إلَّا عبر الأرقام الفضائية، المُتسلَّلة إلى أغلب مؤسسات الدولة العراقية. المفارقة إنَّ باحثاً أمريكياً كان قد كشف في وقتٍ سابق، أن ما يعرف عراقياً بـ "الفضائيون"، وهم قوّة عاملة، غير موجودة حقيقةً، في تلك المؤسسات، تجبي الأحزاب مُخصصاتهم، تتراوح نسبتهم من (15-25) في المائة!

مكونات "الإطار التنسيقي"، أرادت التغطية أيضاً، على موافقة الجانب العراقي، بإشراك جيش البلاد في التدريبات المشتركة؛ التي تقوم بها قيادة القوات المركزية الأمريكية في المنطقة مع الحلفاء! إضافة لذلك، تمويه الفساد؛ الذي تُعاني "مؤسسات الجيش والأمن العراقية منه الأمرَّين"، بحسب المفتش العام في البنتاغون.

الحوار أدَّى بدوره، إلى اتفاقاتٍ طريفة وفاضحة لحكومة "الإطار التنسيقي"، بحسب البيانات الرسمية المشتركة للجانبين. كان منها، الإعلان عن "تأسيس لجنة عسكرية عليا مشتركة". أي لا أبرهة أمريكي بعد اليوم، لا حجارة من سجيل المقاومة، ولا "درونز" أبابيل!

دانا سترول، رئيس دائرة سياسات الشرق الأوسط في البنتاغون، كان لها حصَّة مميَّزة، بتصريح لافت للنظر، سبق الحوار الأمني  المشترك بين العاصمتين: "أنا اعتقد، إن من العدالة القول، إنَّهُ ولعدة عقود في المستقبل، القوات الأمريكية لن تكون حاضرة في العراق بالشكل الحالي؛ الذي توجد عليه اليوم".

نستطيع تفسير هذا التصريح، بما ذكره رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، قبل سنين، في مقالٍ له، اختصر شكل العلاقة بين بغداد وواشنطن: "العلاقة بين العراق وأمريكا، تشبهُ العلاقة بين العراق وبريطانيا قبل سنة 1958". أمّا تحليل ما قالته سترول، ولو بطريقةٍ سطحية، يكشِفُ لنا اتجاه العراق، نحو توحيد نوعية ترسانة الأسلحة لديه، وجعلها أمريكية حصراً، بدلاً من استيرادها من "مناشئ مختلفة تخلق تعقيدات لا حصر لها"، بحسب تقرير المفتش العام للبنتاغون. بالتالي فإنَّ العقيدة العسكرية العراقية، مُرجَّح أن تُصبح أمريكية، بالتمام والكمال، خلال السنين القادمة، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لشعارات " فلتخرج أمريكا".

إذاً ما سبب الدوبلاج العراقي للبيانات الرسمية بأصوات المُحلِّلين "الخرطوميين"؟

الهدف الأساسي، هو تقليل سرعة انقلاب العلاقة، بين حكومة "الإطار التنسيقي" وواشنطن، من صفر تعاون، بحسب الإعلام الميليشاوي، إلى "علاقة 360 درجة"، وقد وَرَدَ هذا الوصف، في البيانات الرسمية المشتركة. كما أن وضع مسافة  إعلامية آمنة، بعيدة عن الحِجر الأمريكي، تبدو ضرورة ميدان، لتقليل ردود الأفعال المزعجة، على الساحة العراقية، من الميلشيات "المُختارة" التي سيُضحَّى بها، إعلاميَّاً على الأرجح؛ كي تُحقِّق نصراً سهلاً لكليهما، أي الشريكين "الإطاري" والأمريكي. هذا هو الهدف، من وراء ترويج أبواق الإطار للخوف، من قرب انطلاق عمليات عسكرية في سوريا، بالأحرى في المناطق الحدودية مع العراق.

تعامل حكومة "الإطار التنسيقي"، مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية؛ سيكون مؤشِّر جيَّد، على انطلاق هذا السيناريو. إذ إنَّ الأحزاب المُشكِّلة لهذه الحكومة، كانت قد حرصت، منذ 2018، على عدم معالجة، نقص عديد هذه القوات، والتي فقدت (4) آلاف مقاتل. أي 14 في المائة من أعدادها.

الأرباح الإقليمية من حوار التعاون الأمني بين بغداد وواشنطن، عديدة، منها تهدئة مخاوف "إسرائيل"، تبريد الجبهة اللبنانية، تفعيل الدور السوري بدون عصا القيادة الإيرانية، والإعلان عن عودة طهران والولايات المتحدة، إلى سكة الصفقة النووية. هكذا نستطيع أن نقول ألف مُبارك، على تحضير المهد للمولود القادم.. حكومة "إطارية" رشيدة، تُلبي الحاجات الإقليمية والدولية، وتؤجِّل حاجات البلاد والعباد؛ فهي أهداف لا تتناسب مع أجندة المقاومة، ونيَّة الفوز بإحدى الحُسنيين.. الانتصار على الشعب أو الشهادة في سبيل الرضى الأمريكي.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

دولة عربية نشأت منذ القرن الأول الهجري وفق القاعدة الدينية الاجبارية وضرب الشورى لحصر السلطة والمال بأيدي القادة دون الناس، فكانت الخلافة الأسلامية بلا شرعية وحتى ىسقوط الدولة عام 656 للهجرة.

 وحينما عارضت الجماعة الخلافة عمدت الى ضربهم بالسيف خلافا لعقيدة الرأي والرأي الأخرالتي نصت عليها العقيدة الاسلامية، وضرب الخصائص الفكرية للمجتمع العربي حتى سمي عصر قبل الاسلام بالجاهلية، ولا ندري كيف سمي بهذا الاسم، وهم في مناهجهم المدرسية يدرسوننا المعلقات الشعرية والأدب العربي الذي سموه بالادب الجاهلي، الا هذا يعتبر تناقضا بين الحقيقة والتطبيق؟ لكنهم قيدونا بنصوص التقديس،  فضعفت الحاجة التي قررها الاسلام، وهي القدرة والعلم والصلاح مما ادى الى قيام سلطة العائلة والفرد الخارجة عن التشريع.

ابتداءً، أبعَدوا فلسفة الرأي في صنع الفكر، مما ادى الى تفسير النص بما يتناسب مع الحاجات السياسية المؤقتة بعد اهمال معارضة الرأي عند المشاركين من الانسان الاخر واثره في تكوينه الذهني، وأحلوا محلها فلسفة العقيدة على مقاساتهم، بعد ان اوجدوا مناخا لبروز مفكرين سياسيين وضعوا انفسهم في خدمة السلطة، من هنا ظهرت فلسفة نظريات التبرير لترجيح الطاعة للامام الفقيه، حتى اصبح الحاكم الظالم وفق التنظيبر الجديد أفضل من أنعدامه؟ من هنا انحرفت عقيدة القرآن حتى اصبح السلطان يصل الى السلطة بالاستيلاء والقوة الغاشمة؟ هذا العنصر المهم الذي أغفلته مناهجنا الدراسية وبقينا عنده آميين،  وراحت مناهجهم الدراسية والفقهية تشيد لنا ببطولات الفتوح واحتلال البلدان وسبي اهلها دون تفريق، فلاهم اصلحوا وطن،  ولاهم بنوا فلسفة ولا احترموا انسانية الانسان سوى التهريج في حكم الدين.

من هنا ظهرت نظرية الحياد في قضايا الدين والمصير، والحياد بلا شرعية دوما يؤدي الى السكوت عن الحق وتقوية جبهة الباطل التي ينظم اليها كل متردد وضعيف. هذا التوجه ولد لنا نظرية جديدة اخرى هي نظرية ضياع الحق بالتقادم بعد السكوت حتى ضاعت الحقوق بحجة تجنب الفتنة بين الناس والحاكمين، دون ان تدرك السلطة ان طريق العدل والمبادىء هي وحدها تضمن للمجتمع التوازن والثقة وتحقيق الحقوق.

من هنا انهزم العدل والحق امام قوة الباطل المسنود من السلطة، فتشكت المذاهب الفقهية التي تستند الى الرأي لا القانون وشعبية النص في التنفيذ.فاصبح الوقوف مع الحاكم الفاسد لكونه يملك سلطة قانون،  فتحولت الخلافة الى ملك عضوض كما في عهد الامويين ومن بعدهم العباسيين.

أما فتوحات الغرب منذ عصر الرومان لبلدان بقوة السيف كانت دراسة الفكر الحضاري القديم ساريا في ظل القانون رغم انهم وضعوه تحت سيطرة اباطرة الروم، فأحتفظوا على كل ما قامت به الانسانية من تجارب الماضي ولا زالت قوانينهم تدرس في جامعاتنا اليوم، في وقت اغلقت دولة الاسلام هذا التوجه الرصين وعدوه كفرا ضد توجهات الدين، فحاولوا الغاء الفلسفة وابتكارات الاوربيين بنظريات الماوردي (450 هج) التي تجيز انتخاب الامام حتى ولو برجل واحد. ونظرية ابن تيمية التي تدعو الى عدم فصل الدين عن الدولة سيعني الفوضى،، ونظريات الغزالي في نظرياته "الغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحضورات"لتبرير انتخاب الخليفة الظالم والتي تتعارض مع النص المقدس في الدين، وربما كانت هذه هي نقاط الضعف التي مكنت الاوربيين من غزو بلاد المسلمين، حتى أصبحنا مصطلحاً بين الأمم سموه هزيمة المسلمين.

النظريات تقول لا تفاوت بين اجناس البشر في الخصائص البدنية والعقلية سوى الاختلافات الظاهرية في الطول والعرض واللون بينما التركيبات البدنية واحدة والقدرات الذهنية واحدة وهذا ما اثبته العلم الحديث والقرآن أكد على هذا التوجه"انا خلقناكم من نفسٍ واحدةٍ".كل شعب من الشعوب اذا أزيلت من امامه العقبات يتقدم في كل ميادين النشاط الانساني اسوداً كان ام أبيضا، متديناً أم كان علمانيا،  الجنس الاسود في افريقيا مثالا.

ولا ندري أي اسلام هذا الذي يعبدون، اسلام داعش ام القاعدة ام طالبان التي اهملت نصف المجتمع (المرأة) واستعبدتها للجنس والتي عدوها هي والحمار والكلب الاسود في ميزان واحددة. أم مرجعيات الدين التي وظفت اموال المواطنين لها بحجة الخمس (نظرية لله خمسه) وحرمت منه كل المستحقين،  لتبني لها ناطحات السحاب في لندن وباريس المملوكة من مرجعيات الدين،  كما عملت في سرقة اموال الاوقاف دون محاسبة السارقين، بحجة اموال الدولة ملك سائب للحاكمين،  فهل بهؤلاء نبني دولة القانون؟

تبقى الطفولة التي أهملت من بين كل اجناس البشر فضاعت حقوق الطالب في المدرسة وابناء المطلقين في الصحة والعناية مما ادى الى الفصل بين الخيال والحقيقة، أنظر كيف يُخدم الطالب في مدارس الاوربيين (الكفار كما يدعون)، وبين مدارسنا الرثة التي لا تليق حتى بحيوان اهوار الخائبين، هنا يتخوفون من ادراك الحقيقة ليبقى الملك لهم، .فحين يزداد خيال الطفل اتساعا وتأخذ عواطفه في العمق ينتبه للعلم الحديث، هذا الذي يؤلمهم تطبيقه. او معالجة الاخطاء المنهجية وضرورة دراستها والابتعادعن اي منها يؤذي الطفل ويقلص من قدراته الجسمية والعقلية.فمنعوا التوبيخ له والضرب في المدرسة امام الاخرين وطرق معاقبته اذا اساء، بينما نحن العرب والمسلمين لم نلتفت في مناهجنا المدرسية الى هذه الخاصية فبيقيا نضربه اذا قصر في واجباته المدرسية ونعنفه لاتفه الاسباب فضلت عقدة الخوف والنقص تلازمه فنشأ معقدا لا يملك نمو الذهن الصقيل،  وملكة الابتكاروهذا ما تريده مؤسسة الدين، حبيس التربية الاحادية، حتى بقيت المدرسة كتاتيب بلا منهج ولا تدريب.

وظلت ظاهرة العنف والاهمال وتردي المنهج المدرسي والنظر للطفل على انه لعبة تُحرك كيفما يريدون مشكلة المشاكل في ايقاف تقدمه الفكري والمعنوي، وبقينا نخرج غير المسلم من دروس الدين، ولا ندري لماذا لا ندرس الاديان الثلاثة وهي دين واحد جاءت من رب العالمين، والقرآن يقول لمحمد: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل "آل عمران 48"، بينما بقيت ظاهرة الواقعية المادية هي التي تسيطر على فكر الطفل الاوربي،  التي أدت الى معرفته بفلسفة الحياة منذ الولادة وحتى النشأة وابعدته عن الفكر الديني المقيد للتفكير،  وفصلت الاراء الدينية المتزمتة عن فكره المتحرر فتحول نحو البحث والبرهان، الصحيح.لذا تراه منذ الصغر نبيهاً على حقوقه لايقبل ان يضرُ بها احد.

وتبقى البيئة الجغرافية لها الاثر الكبيرفي نشأته الحضارية ياخذ مادته منها لكنها ليست عائقا بفضل تطور العلوم، فكان مستعدا لان ياخذ منها كل جديد،  ولانه يعيش في بيئة باردة فقد مكنته من العمل والانشاء والابتكار والتطلع الى كل جديد.لكن الارادة البشرية تبقى هي الارادة حتى في المناخ الحار، والا كيف استطاع سكان جزر المحيط الهادي من نيوزيلند الى جزر الهاواي ان يثبتوا جدارتهم في تعمير هذه البلدان ويعبروا اليها بسفن لم تكن مؤهلة تماما لتنقلات الانسان.وكذلك صحراء العرب وما انجزوا فيها للانسان.

وظل العلماء والباحثين الحضاريين الى اليوم يركزون على التربية والنشأة الاولى والعقل،  ليستطيع الانسان التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ اليها وتركها تشكله كيف شاءت، وبقينا نحن نركز على العاطفة والدين والغيبيات واهمال العقل.فرق بين انسان الخمول وانسان النشاط كما نرى بين انسان السودان اليوم المتخاصم على السلطة،  وانسان جنوب افريقيا الذي دخل معركة الحياة وانتصر والفرق بينهم كبير،  يعود لهمة وثقافة القيادة عند الطرفين.وحتى ابن خلدون لم يبتكر نظرية البيئة من عنده، بل هي التي ذاعت عند الاغريق كظاهرة من ظواهر الفكر الهيليني القديم. ولم ياتوا بها الا بعد العمل المضني والجهد بمنطقية الواقع الصحيح.

 وعندما قام المرحوم الحبيب بورقيبة في تونس من تحرير المرأة والغاء الزواج المزدوج اقامت عليه الدنيا مؤسسة الدين الدنيا وأقعدتها باعتباره ناكرا للتشريع، هذا هو مجتمعنا الخاطىء في التطبيق. ليبقي العربي والمسلم يهرول خلف المغانم في السلطة والمال والجنس ولا غير.

نحن نكتب للقارىء النبيه ان لا تفاضل بين اجناس البشر ولا علاقة للون والبشرة بينهم كل الثورات الاصلاحية اشتركت فيها الشعوب وكان هدفها الاول وضع دساتير الحرية والحقوق لا دساتير الشرعية التي تتفاخر بها مؤسسة الدين وهي اول الناكرين لحقوق الاخرين، كما في الثورات العربية اليوم.الشعوب اخرجت عبقريات مثل زرادشت وبوذاوا والعبقريات السياسية عند اليونان والرومان وفي حضارات الفراعنة والسومرين، وهي التي صنعت لنا كل عظيم في حياة الشعوب. لذا علينا ان نقيم الامور تقيما بميزان الاحصاء الذي لا يخطأ.ومهما يكن من أمر مادمنا نهرول خلف أئمة المذهب الفقهية المتزمتة من السُنة والشيعة وغيرهم واحاديثهم الموضوعة من أئمة الحديث الوهميين،  حتى نسبوا لأئمتهم الغيب، ,القرآن يقول:"لو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير، الاعراف 188، ".

سنبقى في خطر التوجيه الذي يؤدي الى انعدام صحوة التفكير حتى استبد بنا الضعف وحلت الغنيمة بديلا للحق،  والمداورة بديلا للمبادىء والتبعية للاجنبي بحجة الدين والمذهب بديلا للمشاركة، كما نحن اليوم.

احترموا شجاعة من يقول الحقيقة اوبعضها لنخترق دعاة الاديان المزيفة التي اماتت كل تطلعات الانسان في اوطاننا المقهورة منهم. فالتاريخ في ظاهرة لا يزيد عن الاخبار، أما في باطنه فهو الاحداث.

***

د.عبد الجبار العبيدي

ثمة جهود متلاحقة لوقف الحرب من أطراف عدة.. سواءً الحرب السودانية أو الأوكرانية..لكن السؤال الجوهرى الذى قد يكشف لنا الكثير : لماذا يراد للحرب أن تستمر؟

الإجابة السريعة الحاضرة فى الأذهان "فتش عن المستفيد"..لابد أن هناك طرفاً أو أطرافاً لديها مصالح فى استمرار هذه الحرب أو تلك. فمهما تكن الدوافع التى من أجلها قامت الحرب، فإنها ستختلف حتماً عن الدوافع لاستمرارها أو لإيقافها؛ لاسيما وقد استفحلت الخسائر لدى أطراف الحرب جميعا.

دعونا قليلاً من الحرب الأوكرانية الروسية، ولنحاول الاقتراب أكثر من المشهد السودانى الأليم لعلنا نفهم بعض أسبابه وقليلاً من أسراره..

مأساة السودان

خمسة أشهر أو نحوها مرت على الحرب السودانية التى تسير وتيرتها من سيئ إلى أسوأ..

كنت من أول المحذرين أن تتحول تلك الحرب إلى حرب عصابات وشوارع تجرى بين البيوت والمساكن ويتحول السودانيون فيها إلى دروع بشرية أو ضحايا سلبيين عزل من السلاح.الآن تنتقل الأحداث من قلب العاصمة السودانية إلى غربها ثم إلى طرقها الرئيسية ومعابرها، لا تدع الفرصة حتى للفرار من أتونها المستعر وكلما استمرت الحرب استمرت المعاناة..البيوت مهدمة من القصف المستمر، والمحال التجارية مغلقة، وسائر الأعمال معطلة بعد أن أغلقت المصارف والبنوك أبوابها وانتشرت الميليشيات تهدد الناس فى أرزاقها، وما زاد الطين بلة أن الكهرباء والمياه متوقفة ما يهدد بكارثة إنسانية ضخمة؛ حيث يهدد شبح المجاعة نحو 20 مليون سودانى تحت خط النار!

كل هذا ليس أسوأ نتائجها..فالحرب أدت إلى ما هو أسوأ بكثير؛ المشارح اكتظت بالجثث حتى فاضت، وانتشرت المقابر الجماعية بعد أن تناثرت الجثث فى الشوارع والطرق وعلى أسطح المنازل، وتُركت الجثث لتتعفن وتتحلل فى العراء، وباتت أكثر المهن المطلوبة فى السودان مهنة حفارى القبور لدفن القتلى من المدنيين والعسكريين. وغدت الأوبئة هى التهديد الأكبر بعد الرصاص لحصد الأرواح، وسُجلت حالات وفاة جراء الحصبة والكوليرا والحمى بأنواعها، وبات من المرجح عودة أوبئة أخرى كالملاريا للظهور. وبات السودان فى انتظار كوارث بيئية وصحية إلى جوار الحرب والجوع والفيضان القادم. كل هذا وأمراء الحرب يصمون آذانهم عن صوت العقل لا يريدون الاستماع إلى أحد!!

اللاعبون فى الفناء الخلفى

بدأ الصراع بطرفين أساسيين ولاعب أو أكثر من خلف الكواليس، ثم ما لبث اللاعبون أن تكاثروا على مسرح النزاع، منهم من يريد إنهاءه ومنهم من يريد له مزيدا من الاشتعال!

فرنسا والغرب لديهم مصلحة فى تهييج الصراع حتى يثمر تقسيماً وانفصالاً لإقليم دارفور الغنى بالموارد، لاسيما وقد فقدت الكثير من نفوذها فى الشرق والغرب الإفريقي، وربما نذكر كيف خرجت فرنسا منذ عقود من شرق القارة بفعل ترويكا"ثلاثية" أنجلوساكسونية واليوم تخرج من غربها بفضل ترويكا روسية جزائرية غرب إفريقية. ولمن لا يصدق أن فرنسا أحد اللاعبين من خلف الكواليس ما جاء من خبر إلقاء القبض على جنود فرنسيين على الحدود السودانية التشادية قبل أسابيع.

هناك دول إقليمية بدأت فى استثمار الصراع الدائر للخروج بمكاسب آنية أو مستقبلية ومن أبرزهم إثيوبيا وتشاد . هؤلاء أصبح لهم تواجد على أرض الصراع بشكل أو بآخر. ثم هناك المصلحة السعودية والإماراتية فى السودان وهى مصلحة قد تستمر لما بعد الحرب، وربما يكون للدولتين دور بارز فى القدرة على إقناع الأطراف بالجلوس على مائدة المفاوضات.

الصين أيضاً لديها مصالح فى السودان كأحد أكبر المستثمرين فى إفريقيا عامة والسودان خاصة، إلا أن مصلحة الصين تقتضى تهدئة الأجواء أولاً وخلق بيئة صالحة للاستثمار الآمن، لهذا فإن الصين لا تلعب دور مؤجج الحرب، كما لا يبرز لها دور بارز من خلف الكواليس. تركيا أيضاً تريد أن تضع لنفسها موضع قدم كلاعب فرعى من خلف الكواليس وإن شغلها عن هذا الدور شاغل.

حرب باردة خلف الساحة

الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال لابد لها أن تلعب دورها كشرطى للعالم..فكيف اقتحمت مسرح الصراع؟ وبماذا تهدد؟ وما حرصها على أن تضع آذانها وأذنابها هناك؟

سائر الدول التى أجلت مواطنيها نقلتهم عبر الطائرات من جيبوتى، أما أمريكا فكان لها رأى آخر؛ حيث استلزم إجلاء الأمريكيين من السودان إرسال ثلاث مدمرات إلى ميناء بورتسودان مع تسيير غطاء جوى من الخرطوم إلى الساحل فى عملية إجلاء غريبة تطلبت، بحسب الأمريكيين، دقة استثنائية لحساسية مقدّرات السفارة الأميركية وملفاتها إلى الحد الذي قاد الأميركيين إلى تكريم 12 عنصراً من مشاة البحرية شاركوا في هذه العملية!

لكن لماذا بقيت هذه المدمرات الثلاثة ولم تنسحب من مواقعها؟! السبب هو أن ميناء بورتسودان تحديداً بات بؤرة صراع لحرب باردة جانبية بين أمريكا وروسيا..

روسيا كانت متواجدة فى السودان من خلال قوات فاجنر وعلاقتها المعروفة مع حميدتى وشركات استخراج الذهب من دارفور كما أوضحت فى مقال سابق. لكن المصلحة الأكبر لروسيا تمثلت فى إقامة قاعدة روسية على الساحل السودانى كان البشير قد عزم على إقامتها قبل أن تنفجر الثورة فى وجهه وتمنعه من تحقيق هذا الهدف. هكذا ظل الأمريكيون يترقبون مصير إنشاء هذه القاعدة الروسية عن كثب لمنع إنشائها. وربما كان الروس اليوم أشد حرصاً على تعزيز نفوذهم الإفريقي أكثر مما مضى، لاسيما وقد حظيت إفريقيا بأربع زيارات متتابعة من وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف!

أصحاب السودان..وأصحاب المصلحة

لقد تم الإعلان عن تخصيص مليار ونصف مليار دولار من المساعدات الأممية للسودان، فهل سيتم تفعيلها حقاً؟ وهل كلها موجهة للمساعدات الإنسانية كما يشاع؟ أم أن لها أغراضاً أخرى؟

هناك دعاة للسلام طوال الوقت، ليسوا جميعاً صادقين فى دعاواهم..وفى مقدمة الصف يقف مؤتمر دول الجوار وعلى رأسه مصر للمناداة بتحكيم صوت العقل فوق كل صوت ينعق بالفوضى واستمرار اشتعال الحرب واستمرار المعاناة للجميع. صحيح أن خسائر الحرب تفاقمت والجراح بين الطرفين تعمقت وظهرت دوافع الانتقام والتشفى والرغبة فى الغلبة وبسط السيطرة والنفوذ . إلا أن السبيل سيظل مفتوحاً أمام التهدئة والتفاوض، مادام هناك عقلاء لديهم القدرة على الوصول والتأثير على أطراف النزاع، والأهم أن يتم وقف تدفق الأسلحة والذخائر من الأبواب الخلفية للحرب.

إن استمرار الحرب بهذه الوتيرة يضاعف من خسائر الجميع حتى أصحاب المصالح المزعومة أنفسهم..أما على المستوى الإنسانى فكم من الوقت سننتظر قبل وقف الحرب؟ وهناك 48 مليون سودانى مهددين فى أرزاقهم ومعيشتهم، و20 مليون مدنى يتهددهم الموت جوعا أو مرضا أو بطلقات الرصاص! وحتى النازحين الذين ارتفعت أعدادهم إلى أكثر من 4 ملايين لاجئ بالدول المجاورة للسودان يتعرضون خلال هجرتهم القاسية لكل أنواع التهديد بالسرقة والنهب والاغتصاب والقتل من العصابات المسلحة المنتشرة بالطرق الرئيسية والمعابر، ناهيك عن أعداد القتلى التى لا يوجد لها حصر رسمى أو تقدير سليم يقترب مع حقيقة ما يجرى من فظائع.

لابد من إيجاد حل عاجل وحاسم للصراع فى السودان قبل أن تتفاقم المصائب والكوارث الناجمة عن هذا الصراع، وقبل أن تنتقل عدوى الحرب إلى الجناح الغربي من إفريقيا، ذلك الذى ينذر بقرب احتدام صراع دولى جديد وحرب باردة وساخنة تنطلق من النيجر وتنتشر فيما حولها من بلدان لا لشئ إلا لأن بعض القوى الدولية قررت أن يستمر نهبها لخيرات إفريقيا لأطول وقت ممكن!!

***

د. عبد السلام فاروق

دعا أكاديميون وناشطون عراقيون إلى ضرورة تطبيق قانون تنظيم الأحزاب السياسية قبيل إجراء انتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي، وأشاروا لأهمية تأطير عمل النظام الديمقراطي من خلال تفعيل تطبيق قانون الأحزاب، الذي يحدد آلية عملها وحدود صلاحياتها وطرق تمويلها، فيما حذروا من آثار ومخاطر خروقات الأحزاب المتنفذه على الاستقرار السياسي والمجتمعي. فعدم تطبيق القانون على تلك الأحزاب يتيح لها هامشا كبيرا من الحركة في ارتكاب المزيد من الخروقات لبنود الدستور واطر العمل الديمقراطي.

لا معنى لانتخاب وعملية اقتراع دون أن تكون هناك ضوابط وآليات شفافة وديمقراطية ترافق مثل هذه الإجراءات. والانتخابات الحرة والنزيهة مستحيلة إذا كانت عملية حشد المصوتين تجري بناءً على رغبة من يملكون السلطة والمال، وتتشكل وفق استراتيجيات تكون حكرا لهم ولمؤازريهم، وتبعد كليا أو جزئيا قوانين وتشريعات هي من صلب العملية الديمقراطية. وأن أفضل سبيل للحفاظ على سير العملية الانتخابية هو وضعها في أطرها القانونية، استنادا للدستور وأعراف العملية الديمقراطية وقوانينها، وكذلك اعتماد النماذج العالمية المثلى لإدارتها.

إن الإخلال بطبيعة العملية الانتخابية وحرفها لا يشكل سوى مظاهر زائفة لمجمل الوقائع والتشكيلات الإدارية والسياسية التي تسفر عنها. ودائما ما تتحمل الهيئات التشريعية المسؤولية المباشرة عن وضع الأطر الكافلة لجعل عملية الانتخاب بعيدة عن توصيف التزوير أو مخالفة القوانين. وعلى أن تكون الضوابط التي تضعها السلطة التشريعية ضامنة لتحاشي عمليات الغبن والإجحاف بحق الناخب وأيضا بحق الأحزاب أو القوائم المشاركة.

أظهرت الانتخابات السابقة للبرلمان ومجالس المحافظات جزرا واضحا في أعداد الناخبين، وهذا الأمر يختلف قطعا عن ما يماثله في الأنظمة الديمقراطية الثابتة المعايير وسنن القوانين. ومثل هذا يؤشر لما هو سلوك غير طبيعي إن حدث في بلد يقدم للجميع كافة الضمانات القانونية، ويفتح أمامهم مختلف الخيارات ومنها الحق في المشاركة بعملية التصويت من عدمها. ولكنه في حال العراق وبعد الخروج من الحكم الشمولي والتوجه لتأسيس الدولة على وفق شروط الديمقراطية والرغبة في المشاركة الجماعية مثلما يعلن، فأن الأمر يبدو وكأنه عزوف مقرر سلفا، ويؤشر لنقص حاد في الشعور بالواجب المدني والاجتماعي الوطني، وعدم اكتراث الناس بالنتائج المتحققة، وهذا ناجم عن الاعتقاد بأن النتائج المتأتية من الانتخابات سوف لا تغير شيئا في مجرى حياتهم اليومية، بل العكس سوف تجلب لهم ما هو أسوأ مما هم عليه. وإن كان هناك ما يؤكد مسؤولية الكثير من الناخبين في عدم المشاركة، عبر عدم ذهابهم لتجديد سجلاتهم والتأكد من مراكز التصويت. فقد شاركت مفوضية الانتخابات (المستقلة ؟!) وآليات الاقتراع التي اعتمدتها في إحداث ذلك القصور والجزر في أعداد المقترعين. حيث لم تأخذ إجراءاتها الاهتمام الجدي للوقائع والمتغيرات التي أحدثتها العمليات الإرهابية والتطهير العرقي والطائفي والانتقال داخل مخيمات النازحين والمهجرين والهجرة من الريف إلى المدن، وأيضا ما كان من الأفعال السياسية التي خدشت وقائعها العملية برمتها وطعنت بمآلاتها. وما كانت عمليات تسجيل الأسماء وتوزيعها على مراكز التصويت لتكون تصويب للأخطاء بل كانت سببا  في حرمان الآلاف من حق المشاركة.

 ومع اقتراب عمليات انتخابات مجالس المحافظات المقررة نهاية هذا العام. فقد دعت المفوضية العليا للانتخابات، جميع الناخبين إلى تسجيل بياناتهم وتحديثها بأسرع وقت ممكن، وأشارت لعدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات الخاصة بمجالس المحافظات وهم 27 مليون ناخب. وعلى أن تكون طريقة الاقتراع بايومترية مع وجود مليون و500 ألف بطاقة بايومترية متبقية من انتخابات عام 2021 مع استمرار عمليات النقل والتغيير والإضافة والحذف في هذا المجال . 

عملية فرز الأصوات وإعادة الفرز وكذلك دراسة الاعتراضات التي قدمتها بعض القوائم والأحزاب في الانتخابات الماضية إن كانت برلمانية أو خاصة بمجالس المحافظات،قد ساعدت على تقويض ليس فقط ثقة الناس بنزاهة الانتخابات كوقائع ونتائج، وإنما أكدت للبعض من الأحزاب والقوائم التي شاركت في العملية ، إن ما جرى كان يتناقض بحدة مع أطر الديمقراطية ومحاولات بناء الدولة الحديثة ذات طبيعة الحكم المبني على أسس العدالة وسلطة القانون. وإن مفوضية الانتخابات رغم الادعاء باستقلاليتها لازالت الشكوك تطاردها وتوسمها بالتبعية للأحزاب المتنفذة بالسلطة.وكانت آليات الإجراءات التي اتخذتها قد سببت لبعض القوائم خسارات ليست بالهينة، وحجبت عنها حسب نظام التصويت والفرز أصوات ناخبيها، بعد أن دفعت الطعون السلطة التشريعية ومن ثم المفوضية نحو خيار سانت ليغو، وجاء ذلك ضمن معايير وضعت بعجالة وأساءت للعملية الديمقراطية برمتها.

في جميع عمليات الانتخابات التي جرت في العراق بعد سقوط البعث كانت الإجراءات تخضع للتجريب والمقاربات مع انعدام الخبرة المترافقة بالصراع المتواتر للرغبات والأطماع. فكانت السمة الغالبة فيها بناء آليات وإجراءات التهيئة للانتخابات وفي كل مرة، تأتي وفق محاكاة لذات الطرق المعتمدة والتي تكرس التسلط لمجموعة من الأحزاب النافذة . فبين خيار القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة أو المزاوجة بينهما،أو الأخذ بقواعد نظام التصويت والفرز على طريقة سانت ليغو. ترتفع وتيرة المقارنات والتفاضل في البحث عن الامتيازات وكسب السباق مع تلك الطريقة أو غيرها، دون النظر لأهمية إنجاح العملية الديمقراطية ذاتها بالآليات والأطر الحضارية المعتمدة في بلدان العالم الديمقراطي. لنجد أنفسنا أمام ابتكارات معقدة وبعيدة عن الدراية والحكمة ولتقتصر على صراع الإرادات والغلبة لكسب القوة العددية لكسر شوكة الأخر.

في كل مرة تحاول المفوضية تجاوز العقبات التي تظهر فجأة أثناء وبعد الانتخابات ولكننا نجدها في النهاية ترضخ لاشتراطات مراكز القوى أو ما يسمى بالقادة الكبار. ومع إن مثل هذه الأمور كانت ومازالت تمس حقوق الناس وتوضع في دائرة الطعون والتخوين. فأن الأحزاب المتنفذة تبدو غير معنية بتغير قواعد سلوكها وإكساب العملية الانتخابية نموذجها الديمقراطي الأمثل والذي يستحقه الإنسان العراقي بعد كل الذي جرى له.

ما من أحد يدعي أن العمليات الانتخابية التي تجري في أنحاء مختلفة في العالم تبلغ حال الكمال. فبعض وقائعها يمكن أن يشوه أو يحور إرضاءً لقوى حزبية بذاتها أو جراء عوارض سياسية أو اقتصادية. ورغم ذلك ولكثير من الأسباب فأن الانتخابات الحرة والنزيهة لها قواعد واشتراطات لا يمكن التخلي عنها أو إهمالها ولا حتى  تحويرها، وهي في مجملها ترتكز على وجود نظام سياسي مستقر، لا تتعرض فيه القيم الديمقراطية في أغلب الاحتمالات لخيارات شخصية أو حزبية خاصة.وأن أهم تلك القيم والمصالح هي حق المنافسة الشريفة التي تضمن العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع، وبذلك يتحقق الهدف الذي صممت من أجله الانتخابات. ولا يمكن اعتبارها نزيهة وحرة دون أن يوضع في الاعتبار تشريع يعالج مشاركة الأحزاب فيها، وقبل هذا يحدد وضعها القانوني، وكيف يتسنى ضمان حقوق الجميع في المنافسة ومن ثم في إدارة السلطة.

ادعت المفوضية المشرفة على إدارة انتخابات مجالس المحافظات القادمة على أن هناك أكثر من 269 حزبا وقائمة قدمت ولحد منتصف الشهر السابع من هذا العام، طلباتها للمشاركة وبلغ عدد طلبات تسجيل الأحزاب قيد التأسيس 77 طلباً. وعدد طلبات تسجيل الأحزاب المرفوضة بقرار مجلس المفوضين 151 طلباً، وبلغ عدد طلبات تسجيل الأحزاب التي تقدمت بسحب طلبها 18 حزباً، بينما بلغ عدد الأحزاب التي حلت نفسها 3 أحزاب. وعند بداية الشهر الحالي 8/ 2023 تم تسجيل 30 تحالفا سياسيا 20 منها جديدة ويزداد العدد قبل نهاية موعد الإغلاق. وأضيف ما يقارب المليوني ناخب من المواليد الجدد. وهنا يطرح السؤال الأكثر حيرة ودهشة، عن طبيعة برامج تلك الأحزاب وأهدافها وكيف يتسنى للجمهور معرفة تلك البرامج مع هذه الوفرة الغرائبية والمقصودة لتشتيت وإضاعة الأصوات.

 يمثل تشريع قانون تسجيل وتنظيم العمل الحزبي الثقل الفعلي في إنجاح العملية الانتخابية ووضعها في مسارها الصحيح، ومن دون هذا التشريع فأن أي عملية انتخابية تعد مبعثا للشك والريبة في أعراف الديمقراطية. وفي النهاية تكون محاولة يفُضلَ فيها خيار تحوير العملية برمتها لصالح أحزاب ذات أغراض خاصة، تسعى لإبعاد ما يفرض عليها لتكون ضمن تنافس حقيقي ديمقراطي. فقانون عمل الأحزاب يتطلب الكشف عن مصادر التمويل وكذلك الصرف. وهو يعني أيضا كشف حساب عن آليات عمل الأحزاب ومقدار قربها أو بعدها عن الديمقراطية في الوسط الحزبي وخارجه، وكذلك طبيعة التشكيل والهياكل الحزبية وعدد الأعضاء المسجلين فعليا، وطريقة إجراء الانتخابات الداخلية ومددها، وآليات صعود القيادات وطبيعة النظام الداخلي وتوصيفه للديمقراطية، ورغبة الحزب وإقراره بالسلم الاجتماعي والسياسي،وعدم امتلاكه لفصيل مسلح وابتعاده قطعا وضمن أدبياته المعلنة عن أساليب الصراع المسلح، وقبوله بالتداول السلمي للسلطة.وهذا التشريع الذي يوصف به الحزب وضعه التنظيمي والفكري هو المحك والمدخل والقانون الذي يسمح للحزب المعني بالمشاركة في العملية الانتخابية من عدمه.

لحد الآن فأن الكثير من الأحزاب المتنفذة في الحكومة العراقية حرصت قدر الإمكان على النأي بعيدا عن الخوض في تشريع وإقرار قانون تنظيم العمل الحزبي، وعدته إشكالا متنازعا عليه لا يمكن ربطه بالعملية الانتخابية الحالية وماسبقها، بالرغم من كونه مؤشرا يؤسس لبناء حقيقي للدولة الديمقراطية. ودائما ما اعتبرته ووفق رؤاها السياسية، ترفا غير مستساغ وليس من المستحسن النظر فيه أو تشريعه، وحاله حال الديمقراطية ذاتها التي تنظر لها تلك الأحزاب، على إنها وسيلة للوصول إلى الحكم وليس غاية لبناء دولة المواطنة.وفي مسعاها هذا تبتعد كليا عن إجراءات انتخابية واقعية وديمقراطية. فمع عدم وجود هذا القانون لن يكون هناك أي نوع من الصلة بين ما يجري من عملية انتخابات في العراق و السلوك الديمقراطي الصحيح والشفاف. وعندها تترافق العملية الانتخابية  وبشكل ناجز بعمليات تزوير وتزييف، مع خلوها من عدالة وتكافء للفرص. وتبعا لذلك فليس من المجدي إجراء الانتخابات مع وجود مثل هذا الخلل الفاضح في المنهجية والآليات. ودائما ما سيكون هناك غبن وإجحاف بحق المواطن قبل الأحزاب.في النهاية يمكن القول إن الدولة الساعية لتشكيل أطر مؤسساتها القانونية والدستورية وبما يبعدها عن طبيعة الحكم الشمولي، يجب أن تضع في المقدمة ما يضمن شفافية الفعل ودستوريته. وسن قانون عمل الأحزاب واحدا من أعمدة بناء الدولة الديمقراطية.

***

فرات المحسن

توطئة: إن النظام السابق تنازل عن منطقة الحياد للسعودية وتنازل عن نصف شط العرب وأراضي برية حدودية لأيران حسب معاهدة 1975 الجزائر، وتنازل للأردن عن أراضي برية في (طريبيل)، وتنازل للكويت في مزارع سفوان والقاعدة البحرية في أم قصر وقسم كبير من خور عبدالله لغاية الدعامة 162وفقاً للقرار الأممي المشؤوم 833 حيث تؤكد التقارير الدولية عائدية الخور للسيادة العراقية منذُ الأحتلال البريطاني، أما النظام الجديد بعد 2003 أستأنف مسلسل التنازلات وسط جيرانٍ لم يخلق الله من هم أكثر خبثاً وطمعاً في ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003، حيث تنازلوا عن حق العراق في قانون البحار المادة (70) بخصوص موقع ميناء مبارك الكبير الكويتي لكونه ضرراً فادحاً للعراق.

وكان الخطأ الفادح في دفع ثمن الترسيم 600 ألف دولار والذي يعني أعتراف العراق بالوضع الراهن للحدود العراقية، وهذا كلهُ جرى في زمن الحكومة الأتحادية 2014 للخروج من البند السابع، وبأعتقادي الشخصي:كان أرحم للعراق البقاء تحت طائلة البند السابع لكونه أفضل من خنق العراق وفقدهِ لسيادتهِ.

الموضوع: إن أتفاقية خور عبدالله أو أتفاقية تنظيم الملاحة البحرية هي بالحقيقة أصبحت بحكم القوي على الضعيف، أتفاقية دولية حدودية بين العراق والكويت تنفيذاً للقرار الأممي رقم 833 والذي أصدرهُ مجلس الأمن الدولي عام 1993في ترسيم الحدود لذا تمت المصادقة عليها في بعداد "25 تشرين الثاني 2013 " الموقعون من الجانب العراقي(الحكومة المركزية) .

فكانت من مخرجاتها السيئة الصيت: تقسيم الخور بين البلدين الواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكلٌ من جزيرتي بوبيان ووربه الكويتيتين، أي تمّ تقسيم الممر المائي الملاحي المثبت في نقطة ألتقاء الخور بالحدود الدولية ما بين النقطة البحرية الحدودية رقم 156 ورقم 157 بأتجاه الجنوب إلى نقطة 162 ومن ثم إلى مدخل القناة الملاحية عند مدخل قناة خور عبدالله.

إن الحكومة السابقة والبرلمان العراقي صادقا وتنازلا عن جزء من خور عبدالله وهو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية، وكان التقسيم (بالتنصيف) وليس بناءً على خط التالوك (أي أعمق نقطة ممر يسمح للملاحة البحرية فيه)، وأن المشكلات الحدودية زادت تعقيداً بين الدولتين الجارتين، ومع الأسف الشديد أن الجارة الكويت أستغلت أسقاطات الظروف العسكرية في العهد الصدامي في الأجتياح الخاطئ لدولة جارة والشروط الدولية المذلّة لخيمة سفوان والبند السابع الدولي جعلت حكومة الكويت تتمادى في الأبتزاز وأستغلال الأمر الواقع، إلى جانب الظروف السياسية التعسة بعد سني الأحتلال الأمريكي البغيض في 2003 دفعت الجانب الكويتي أعتبار الأتفاقية أستكمالاً لترسيم الحدود بناءً لقرار دولي.

تفرغت الحكومة الكويتية حينها لبناء ميناء المبارك الكبير على الشاطئ الغربي لخور عبدالله في جزيرة بوبيان الكويتية، والذي من المفترض أن يربط بسكة حديد مع العراق مستقبلاً، حيث أنهُ سيكون أكبر الموانئ في الخليج بقدرته الأستيعابية، والذي سوف يضيف على الطين بلّة هناك اليوم تسريبات شبه أكيدة لم يعمق الجانب العراقي التحقيق فيها التي هي:سيطرة الجانب الكويتي على جزيرة وسط شط العرب ضمن المياه الأقليمية العراقية، لذا تأهبت لجنة الأمن النيابية بأستضافة القيادات البحرية العراقية بشأن صحة المعلومات الواردة تواً، ولا نعلم بنتيجة التحقيق.

لماذا " أتفاقية خور عبدالله" مذلّة؟!

- تنازل الحكومة العراقية عن جزء كبير من الخورسيؤدي إلى خسارتهِ الممر الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية سوف يضيّق بالعراق السبل مع أنهُ يعاني أصلاً من ضيق الجبهة البحرية الصالحة للرسو وأستقبال السفن.

-تنازلاً عن أراضي ومياه عراقية وساحلهِ البحري الوحيد لصالح الكويت.

- تقسيم الخور جاء بالتنصيف وليس حسب خط التالوك (أعمق ممر يسمح للملاحة البحرية فيه).

- أفتقد العراق أي منفذ بحري وهي سابقة خطيرة ستضيق على الأقتصاد العراقي.

- أن الأتفاقية لم تكتفِ بتنظيم الملاحة بل تعدتْ ألى رسم حدود جديدة بين البلدين وهذا مخالف للقرار الأممي 833.

- أطلاع الكويت على كل التحركات الأمنية لخفر السواحل العراقية، يكون العراق فقد الرقابة الوطنية على السفن الحربية.

- الأضرار التي لحقت بالصيد البحري العراقي، ومنعت الجانب العراقي في الصيد في القناة التي تحوي ثروة بحرية زاخرة والمعلوم أن العراق أصلا يعاني من ضحالة سواحله البحرية.

- حرمان العراق من المياه الأقليمية وعدم السماح لبواخره ضمن سيادته البحرية والحصة الظالمة بقى للعراق 46 كم طول ساحل بحري بينما للكويت 600 كم، أضافة أن الأتفاق يعطي الكويت الأولوية في التحكم بالقناة الملاحية.

- الأتفاقية تهدد بأعادة شبح التوتر في العلاقات بين العراق والكويت الجارين.

- وتعد بناء الجزيرة الصناعية في خور عبدالله مخالفاً لبنود الأتفاقية

- حسب الأتفاقية يعتبر الكويت شريكاً في الممر الملاحي الوحيد الذي يؤدي إلى أغلب المونئ العراقية، وتعد تفريطاً للسيادة العراقية ومنح الكويت قناة تعود ملكيتها للعراق منذ عشرينات القرن الماضي مما يؤدي إلى ألحاق الضرر الفادح بالأقتصاد العراقي.

- تفعيل الأتفاقية يجعل الكويت تشارك العراق في قيادة السفن القادمة إلى موانئه مالياً وأدارياً مع فرض تنزيل العلم العراقي من السفن الداخلة للعراق، كما أنها ستستخدم القناة ملاحياً بعد أكمال ميناء مبارك الكبير.

-أما حكاية مشروع بناء ميناء "الفاو الكبير " يظهر أنهُ واقع بين كماشة بعض أجندات عراقية مرتبطة ببعض دول الخليج وخصوصاً الجارة الكويت التي أستثمرت عمالة بعض الخونة من الجانب العراقي بأثارة أزمة التقاطعات السياسية والأقتصادية أخرت الأنجاز منذُ 2004 ونحن اليوم في 15 أكتوبر 2020، وجاءنا هذا (العاجل): مدير الشركة الكورية ينتحر مشنوقاً مشوباً بشكوك الحدث إذ لا مبرر لأنتحار مسؤول مشروع خارج بلده، وتبين خلال هذه الفترة لعقدٍ ونيّفْ إن الشركة الكورية تتعرض لضغوطات ودكات عشائرية ورشا وأتاوات وبالتأكيد مصدرها الجارة الكويت !!!؟؟؟

الحل /لقد آن لنا أن نعيد النظرفي أتفاقية خور عبدالله " المذلّة " ونستعيد سيادتنا المنقوصة في حدودنا الدولية ومياهنا الأقليمية حيث مبادئ حسن الجوار السلمية وبدبلوماسية شفافة وعقلانية بالحوار الجاد بين الطرفين في النظر في القرار833، وأن أستعصى الحل نلجأ إلى قول الوزير الأسبق عامر عبالجبار: {مجرد تحفظ العراق على موضوع الربط السككي مع الكويت الذي يتعلق أقتصادياً بميناء مبارك الكبير، وهو حق العراق في القانون الدولي} وحين ترفض نلجأ إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وتعليق الموضوع لحين أسقاط العراق من العقوبات، أقامة دعوى قضائية في المحكمة الأتحادية للطعن بالأتفاقية، وأقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الدولية تجاه موقع ميناء مبارك الكويتي الذي وصل أنشاؤه لخطوات متقدمة في خور عبدالله كونه جاء مخالفاً للمادة (70) من قانون البحار، وعلى الحكومة العراقية عدم تفعيل أتفاقية الربط السككي بين العراق والكويت ما لم يتم ألغاء أتفاقية خور عبدالله، أن حقوق العراق ضاعت بسبب المجاملة، فعلى الحكومات العراقية أيقاف العمل باللجان المشتركة وعدم تفعيل الأتفاقية لحين تنفيذ توصيات اللجنة البرلمانية التحقيقية للدورة الحالية والسابقة.

وحتى لا نضيّع الخيط والعصفور بأعتقادي من مواطن عراقي ثمانيني أن نسرع في تنفيذ ميناءالفاو الكبير بعمق 19 ولا غير ورفض ملحق المعاهدة الذي يتعلق بربط ميناء مبارك الكبير بالمد السككي مع أيران عبر العراق.

***

عبد الجبار نوري

أغسطس – آب - 2021

.........................

تنويه: المقالة كتبت ونشرت قبل سنتين، للضرورة أحكام أن تعاد للواجة لكون أتفاقية خور عبدالله حديث الساعة ومفتاح أطماع الجارة الكويت، وأطلاع شعبنا على حيثيات التمدد المتعسف !؟

أصبحت حالات النداءات المباشرة من وكالات الاستخبارات الغربية للمواطنين الروس أكثر تواترًا - حيث يتم استدعاؤهم ليصبحوا خونة، والتعاون، وبيع وطنهم الأم، وهذا ما لاحظه ريتشارد مور رئيس المخابرات البريطانية MI6، وممثلو وكالة المخابرات المركزية، لدرجة أن وزارة الخارجية الروسية اقترحت التصرف في المرآة والترويج لعمل مواطني الدول الغربية للمخابرات الروسية، فما علاقة كل هذا بالعمل الاستخباراتي الحقيقي؟

إن النداءات العلنية لأجهزة المخابرات الأجنبية للمواطنين الروس بالخيانة، هي أمر لم يسبق له مثيل من قبل، وعلى الأرجح، كانت هذه العربدة نتيجة سوء فهم آخر من قبل الغرب لما يحدث في المجتمع الروسي، وتعتقد المخابرات الغربية حقًا أن "الطابور الخامس" في المجتمع الروسي أصبح الآن قويًا بشكل خاص، وانه ينتظر فقط مساعدة الغرب الجماعي بطريقة ما، ولأسباب أيديولوجية، لماذا لديهم مثل هذا الانطباع أمر مفهوم أيضًا، فهذا هو نتيجة تبسيط عمل الخبراء الغربيين والتلقين المفرط للعمل التحليلي، حيث تؤمن وكالة المخابرات المركزية و MI6 بصدق، أن البشرية التقدمية كلها تسعى جاهدة من أجل نظام قيم ليبرالي، وتقومان بتعديل النسيج وفقًا لهذا الموقف، بغض النظر عن حقائق بلد معين.

ولسنوات عديدة، اعتبرت وكالات الاستخبارات الغربية اللاجئين والمهاجرين العدوانيين من الاتحاد الروسي خبراء مهمين في روسيا، والذين يبالغون إلى حد كبير في دورهم وتأثيرهم في المجتمع الروسي، وإذا استمعت إلى بعض المشاركين في التجمعات في فيلنيوس ووارسو لفترة طويلة، فيمكنك تصديق أنه يكفي تسجيل مقطع فيديو ملون - وسوف يتعثر الخونة للتواصل مع وكالة المخابرات المركزية و MI6، ودائمًا ما يكون الخونة في جميع الأوقات محترمين بشأن اسم ما خانوه، فعلى مستوى علم النفس اليومي، لم يعترف أي خائن على الإطلاق بأي أسباب عادية (أساسية) دفعته للعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، وأنه يريد فقط المال أو الشهرة أو أنه تعرض للابتزاز فقط، وفي العهد السوفياتي، ادعى كل فرد علنًا أنهم يقاتلون ضد النظام الشمولي، والآن، تطلق الدعاية الغربية دعوات للخيانة في غلاف "النضال من أجل روسيا الصحيحة".

وفي المحادثات الخاصة، يقول أشخاص مطلعون، على سبيل المثال رئيس الاستخبارات المركزية الامريكية وليام بيرنز، إن وكالة المخابرات المركزية تندب بشدة حقيقة أن الولايات المتحدة ليس لديها عمليًا منشقون رفيعو المستوى أو مجرد ممثلين عن مواقع بارزة في المؤسسة الروسية، وان هذا موضوع نقاش مستمر داخل أجهزة المخابرات الغربية، في الوقت نفسه، كان فيديو وكالة المخابرات المركزية يستهدف ضباط المخابرات الروسية من المستوى المتوسط، وكان نداء مور موجهًا (يُقرأ ما بين السطور) إلى الدبلوماسيين الروس .

ومع ذلك، فإن الاستخدام المكثف من قبل وكالات الاستخبارات الأوكرانية لتجنيد المراهقين والنساء والمتقاعدين عبر الإنترنت ليس ما يتحدث عنه بيرنز ومور على الإطلاق، بل هي مؤامرات وطرق مختلفة اختلافًا جوهريًا، ونداءات CIA و MI6 ، موجهة إلى جمهور مختلف عن موضوعات التوظيف عبر الإنترنت الأوكرانية، وفي التواصل مع هذا الجمهور، يتم استخدام أساليب ومخططات أخرى، وفي 99٪ من الحالات هم "أجداد"، وقد ثبت ذلك منذ عقود، وقال رئيس المخابرات البريطانية MI6، ريتشارد مور، خلال خطابه في السفارة البريطانية في براغ، إن لندن جندت بالفعل عددًا من الروس غير الراضين عن العملية الخاصة في أوكرانيا، ودعا المواطنين الروس الآخرين إلى الانشقاق والعمل مع ضباط المخابرات البريطانية "لوضع حد لإراقة الدماء" في أوكرانيا، ووفقا له، فإن العملاء "لم يكونوا أبدا مجرد جامعين سلبيين للمعلومات" و "يمكنهم في بعض الأحيان التأثير" على قرارات السلطات، وأضاف إن باب MI6 مفتوح دائمًا لجميع الروس، وقال "سننظر في عروض المساعدة التي قدموها بحذر ومهنية تشتهر بها خدمتي"، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عنه قوله إن أسرارهم ستكون في " أمان معنا دائمًا .

وردا على ذلك، قدمت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، ردا مرآة من موسكو في الإحاطة. "الفكرة مثيرة للاهتمام، وربما يجب توجيه نفس الدعوات للرعايا البريطانيين ومواطني الدول الأخرى في "محور الشر" التابع لحلف شمال الأطلسي، ودعوتهم، فكثير منهم في ظروف صعبة للغاية، العمل مع المخابرات الروسية، ولم لا، كما قال مور، للتعاون مع المخابرات الروسية "، وتبديد "البادئ" الحقيقي، الاستكشاف دائمًا لعبة متعددة المستويات.

الآن، تجاوزت غطرسة الغرب، ومنهم رئيس وكالة التجسس البريطانية ، بوقاحة كل الحدود التي يمكن تصورها والمفاهيم الأساسية للشرف واللياقة، وهذا مشابه جدًا لأساليب دعاية غوبلز، عندما عرض النازيون "التفاعل" مع مواطني الاتحاد السوفيتي، قائلين إن الوطن الأم لا يحبهم، وفي الغرب، يبدأ مواطنونا دائمًا في "الحب" وعرض "التفاعل" عندما يتحولون إلى الخطة "ب" بعد حرب خاطفة فاشلة.

ومنذ خريف العام الماضي، استخدمت وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الشبكات الاجتماعية والخطابات العامة لجذب الروس غير الراضين عن عمليات العمليات الخاصة إلى أعمال المخابرات، وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن روسيا أصبحت بيئة يحتمل أن تكون غنية لتجنيد المسؤولين وغيرهم من قبل وكالات الاستخبارات الغربية، ووفقًا للخدمات الغربية، بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، ذهب أكثر من نصف مليون روسي إلى الخارج، "نحن نبحث عن الروس في جميع أنحاء العالم" بحسب قول نائب مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد مارلو في تشرين الثاني (نوفمبر)، وأضاف " نحن منفتحون على التعاون ".

في الوقت نفسه، لطالما استجابت موسكو للندن بشكل متماثل وغير متماثل، اعتمادًا على الموقف، وفي وقت سابق، قال مدير المخابرات الخارجية للاتحاد الروسي، سيرغي ناريشكين، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، إن الأجانب لديهم دافع مادي وأيديولوجي للعمل مع الخدمات الخاصة الروسية، ووفقا له، فإن مواطني الدول الأجنبية ينجذبون إلى موقف روسيا من السياسة الدولية، وهذا أيضًا موقف تجاه القيم والمعالم الثقافية والإنسانية والعائلية، وهناك الكثير من الأشخاص المستقلين العقلانيين والمستقلين في العالم الذين يتعاطفون مع السياسة الخارجية لروسيا، واستعداد روسيا للدفاع عن القيم العالمية ودعمها، واتباع سياسة محبة للسلام، وإذا كنت ترغب في ذلك، أعجب بقدرة روسيا على حماية الضعفاء إذا لزم الأمر.

وفي السياق البريطاني ، يتذكر الخبراء أيضًا أعمال "كامبردج فايف" الشهيرة - وهي واحدة من الصفحات الذهبية في تاريخ الاستخبارات الخارجية السوفيتية، وكتبت مجلة ميليتاري ريفيو ، أن خمسة من كبار المسؤولين في المخابرات البريطانية والدائرة الدبلوماسية تم تجنيدهم وعملوا لسنوات لصالح الاتحاد السوفيتي، وتضمنت المجموعة: كيم فيلبي شغل مناصب عليا في MI6 و MI5، وعمل دونالد ماكلين في وزارة الخارجية البريطانية، وأنتوني بلانت - في مكافحة التجسس ومستشار الملك جورج السادس غي بورغيس - أيضًا في مكافحة التجسس ووزارة الخارجية، وكان من بين "الخمسة" جون كيرنكروس، الذي عمل في وزارة الخارجية والاستخبارات العسكرية، وتم تجنيده في عام 1936 من قبل جيمس كلوجمان، أحد أكثر الماركسيين تأثيرًا في كامبريدج، وقد تصرفوا وعملوا لصالح موسكو لأسباب أيديولوجية - واعتبر الممثلون الوراثيون للنخبة البريطانية والأرستقراطيين، وكبار المسؤولين في الخدمات الخاصة أن من واجبهم مساعدة الاتحاد السوفيتي، حيث رأوا الأمل الوحيد لإنقاذ العالم من النازي، ومن وجهة نظر هذه ترى موسكو ، ان عليها أيضًا تشجيع الرعايا البريطانيين على التعاون مع المخابرات الروسية.

وبشكل عام، جندت المخابرات الروسية والبريطانية طوال تاريخهما عملاء في الخارج، وإذا كان المؤيدون الأقدم للأيديولوجية الاشتراكية يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي، فإن ورقة روسيا الرابحة الآن هي التمسك بالقيم التقليدية، فهناك الكثير من أتباعهم في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، وأن المصلحة المالية لم تذهب إلى أي مكان أيضًا، وفي الوقت نفسه، لم تحاول روسيا التصرف بوقاحة مثل MI6 الآن، وسيكون الأمر يستحق ذلك.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

منذ الاحتلال الامريكي وحلفائها للعراق عام 2003 ولحد يومنا هذا ترتفع اصوات اليسار العربي ومعهم اليسار الاسلامي من المحور الايراني بوجوب التحالف مع الشرق المتمثل بروسيا والصين والتخلي نهائيا عن الغرب وامريكا. وقد عمل هذا المحور بكل جهد ومثابرة من خلال الجيوش الالكترونية ووسائل الاعلام التابعه له لدفع الانسان العربي الى تبني هذا الرأي والتمسك به.

الادله التي استندوا عليها ولا زالوا لحد الان يكرروها هي ان الغرب وبالخصوص امريكا لا يمكن الوثوق بوعودهم، فهي تتقلب حسب مصالحهم في المنطقة والعالم، وانهم مستعدين لبيع اصدقائهم للذي يدفع أكثر وانهم لا يرغبون بأصدقاء او حلفاء حقيقيين بل ما يريدونه هو عبيد لهم يطيعونهم مهما عملوا، وهذا يمكن ملاحظته من خلال الكم الهائل من الصور الكاريكاتورية والمقالات والتصريحات امام الكاميرات وفي الصحف.

طبعا هذه الحالة ازدادت وكثرة عندما قرر الرئيس الروسي الدخول الى سوريا ودعم نظام الحكم البعثي الحاكم فيها منذ أكثر من خمسين عام، فعندها بدأت الجيوش الاعلامية والالكترونية بتصوير بوتين على انه المخلص البطل الذي تحالف مع اهل الحق والمظلومين لأجل نصرتهم امام الطغيان والجبروت الغربي الامريكي الصهيوني. واستنادا لذلك تم اعطاء القاب عديدة لبوتين حتى تم تلقيبه بأبو علي بوتين وتم نشر قصص عن انه من اصل عراقي وابوه كان طالب في روسيا زمن الشيوعيين وكان لقبه ابو التين والذي تحول لاحقا الى بوتين وكان اسم الطفل عبد الامير وتغير لاحقا الى فلاديمير بسبب صعوبة الاسم في اللغة الروسية، وتم نشر صور له وهو يلبس العمامة الدينية الشيعية وظهرت مقالات تدعي انه ربما اصبح مسلم شيعي وغيرها الكثير من القصص والادعاءات ، ولا ننسى المحللين السياسيين المحسوبين على المحور الايراني وعلى المحور اليساري كانوا يكيلون المديح له ولروسيا ويدعون العرب والامة الى التخلي عن امريكا والوقوف مع الشرق الروسي ومن ثم تبعها الصين في الفترة المتأخرة، وكان شعارهم الذي دائما يرددوه بان "المتغطي بالغرب والأمريكان عريان".

لكن الضربة الروسية لهؤلاء لم تتأخر كثيرا، فخلال حوالي السنة من دخول الروس الى سوريا وبعد زيارة مفاجئة للرئيس وزراء الاسرائيلي نتنياهو حوالي سنة 2016 ظهر الرئيس الروسي بوتين وكذلك وزراء ومسؤولين روس اخرين امام الاعلام وصرحوا ان الوضع في سوريا يتحسن وعلى كافة القوات والمقاتلين الاجانب الخروج منها بأسرع وقت ... وكان الكلام واضح جدا ان المقصود منه هي إيران وحلفائها في سوريا، حتى ان وزير الخارجية الايراني في حينها رد على هذا الكلام بان صرح قائلا والروس ماذا يعتبرون قواتهم الموجود في سوريا؟ وهل هذا الكلام يقصدهم ايضا؟

وكان واضح جدا ان الرئيس بوتين اتفق مع نتنياهو وبضوء اخضر اوربي امريكي على اخراج إيران وحلفائها من سوريا مقابل الموافقه على بقاء روسيا وقواتها، وهذا ما تم نشره في وسائل اعلامية غربية كثيرة. كذلك تم الاتفاق على السماح لإسرائيل بضرب سوريا وبالخصوص إيران وحلفائها من اجل اضعافهم واخراجهم. وفعلا بعد هذه الزيارة لنتنياهو لموسكو بدأت عمليات قصف مكثفه بالطيران وبالصواريخ لكل المواقع التي يتواجد بها الايرانيون وحلفائهم من حزب الله اللبناني والافغان والعراقيين والذين دخلوا الى سوريا بدون موافقة الحكومة العراقية. وحسب تصريحات اعلامية فقد بلغت عدد الغارات والقصف الإسرائيلي للمحور الايراني في سوريا حوالي 500 هجمه قتل فيها العشرات وجرح المئات من الايرانيين واللبنانيين والعراقيين والافغان بالإضافة الى السوريين.

الضربة الجديدة التي وجهتها روسا الى المحور الايراني هي اصدار بيان مشترك مع دول الخليج العربي يطالبون فيه الحكومة الايرانية بحل مشكله الجزر الثلاثة التي تدعي الامارات انها تابعه لها حلها بشكل سلمي. وهنا ثارت ثائرة السياسيين الايرانيين ضد روسيا حتى ان أحد الصحف الايرانية اعتبرتها طعنه بالظهر بينما اعتبرها رئيس البرلمان الايراني ان روسيا تجاوزت الخطوط الحمر، حتى ان امام جمعة طهران استنكر هذا البيان وادان روسيا واخيرا صرح وزير الخارجية الايراني بان التصرف الروسي لا يطاق وعليهم تصحيح موقفهم. رغم كل هذا الاستنكار الايراني فان الموقف الروسي كان باهت لحد الان من خلال اصدار بيان عن وزارة الخارجية يؤكد على العلاقة مع إيران وان الحكومة الروسية تؤمن بوحدة الاراضي الايرانية لا أكثر من هذا البيان وهذا يعتبر تجاهل وتعالي وعدم اهتمام بالقلق الايراني.

طبعا هكذا مواقف لروسيا هي مشابهة لمواقف الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، مثلا عندما اعترف الاتحاد السوفيتي السابق بدولة اسرائيل كأول دوله قبل حتى امريكا وأوربا وكان من اشد الداعمين لقيامها ولكن موقفه تغيير بعد سنيين قلائل عندما مال الاسرائيليين الى الغرب وامريكا بالذات مفضليهم على الشرق استنادا لحنكتهم السياسية واستقرائهم للمستقبل بشكل صحيح. التاريخ اثبت صواب رأي الاسرائيليين وخطل راي الدول العربية القومية واليسارية في حينها والتي استمالها النظام السوفيتي الحاكم في روسيا حينها. وكذلك لا ننسى كيف باع السوفييت الحزب الشيوعي العراقي عندما هجم عليهم نظام البعث العراقي في اواخر السبعينات ولم يدافع السوفييت عن الشيوعيين العراقيين الذين عانوا بشدة من الاعتقال والتعذيب والتشريد وحتى الاعدام.

انا أتساءل هل فعلا ان الشرق بالخصوص الروس هم اهلا للثقه والاعتماد والصداقة والتحالف أكثر من الغرب والامريكان ام ان كلا الطرفان متشابهان وهما لا يبحثان الا على مصالحهم فقط ولا شيء غيرها؟

فمتى اليسار العربي والمحور الايراني سيقولون الحقيقة لشعوبهم واتباعهم ويتوقفوا عن الخداع والمداهنه والتلوي؟

***

عارف الجواهري

بالمختصر.. الفرق السيكولوجي الكبير بين الشعب العراقي زمن النظام الدكتاتوي و زمن النظام الديمقراطي، ان العراقيين كانوا زمن النظام الدكتاتوري تحت سيطرة حاكم سادي،فكانوا مجبرين على طاعته بحال تحققت فيه معادلة (سادية حاكم مقابل مازوشية شعب)، وانه تحرر بعد التغيير من المازوشية وما عاد خائفا من الحاكم.. ولكن في مفارقة تحققت فيه معادلة (حكام فاسدون مقابل شعب مضحوك عليه!).

تعني المضحوك عليه.. المخدوع، المستغفل، وتعني المخدوع ان الخادع يظهر له خلاف ما يبطن وان المخدوع يصدق بالظاهر . ومعنى المستغفل هو الأنسان الساذج البسيط الذي يثق بآخر يعده بما يتمناه او يريده ويعمل نقيض ما وعد.

قصدنا من هذا الموضوع ان العراقيين مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات .. فهل سيبقون بعد توالي خيباتهم لعشرين سنة.. مضحوكا عليهم؟!

كانت اول (ضحكه ) و أول (استغفال) للعراقيين يوم جاء من سلمت لهم اميركا السلطة في 2003 وعزفوا على الوتر الطائفي.ويومها راحت ملايين من جماهير محافظات الوسط و بغداد تهزج بانتصار.. الضحية: (صارت عدنه وما ننطيها) !

وكانت اكبر ضحكة واستغفال لمعظم العراقيين يوم تشكلت في 2006 اول حكومة دستورية .فلقد استبشرت جماهير الشيعة تحديدا بتولي حزب الدعوة اعلى سلطة بالدولة.وحصل ان المضحوك عليهم والمستغفلين الذي صبروا وانتظروا،اكتشفوا انهم ضحك عليهم واستغفلوا فخرجوا بمظاهرات وهزجوا (الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه).

المضحوك عليه.. يبقى مضحوكا عليه!

في انتخابات 2010 تأكد للعراقيين انهم مضحوك عليهم (مخدوعون!)،وانهم كانوا يعرفون الحكام والقادة السياسيين الذين يضحكون عليهم، ومع ذلك فانهم اعادوا انتخابهم!.ومع ان الدكتورحيدر العبادي اعلن يوم اصبح رئيسا للوزراء في 2014 انه سيضرب الفساد بيد من حديد.. ولم يضرب، معترفا بان الفساد في العراق صار مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات .ومع كل هذا البلاء.. فان العراقيين اعادوا انتخابهم!. وبوتثيق أدق فأن 20% منهم بقوا مضحوكا عليهم،و 80% اكتشفوا انهم مضحوك عليهم فامتنعوا عن التصويت.ومع ايجابية هذا الاكتشاف المتأخر،فان امتناعهم عن التصويت اتاح الفرصة للمضحوك عليهم بان ياتوا للبرلمان بمن ضحكوا عليهم!. والأغرب، ان من ضحكوا عليهم يعيشون مرفهين فيما هم بدون كهرباء في عصر الغليان الذي يتصدره العراق عالميا!.

وحكام العراق يتباهون بان لديهم برلمان ديمقراطي انتخبه الشعب، فيما برلمان (2010) مثالا، فاز فيه 15 نائب فقط باصواتهم، فيما الباقي (اكثر من 200 نائبا) لم ينتخبهم الشعب بل فازوا باصوات تصدقت بها قوائمهم بينهم معمم حصل على 79 صوتا وصار نائبا!، ظهر في الفضائيات يحمد الله ويشكره على حياة الرفاهية التي يعيشها العراقيون!،وما كان ليفعل هذا الا بعد ان جعلوا العراقيين شعبا مضحوكا عليه.

ومع ان حكومات العراق واحزاب السلطة بكل مسمياتها ومكوناتها الأجتماعية سرقوا المليارات،وبينهم من حولوا عبر البنك المركزي العراقي ملايين الدولارات على دفعات لجهات (مجهولة!) وافقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في بلد يعد الأغنى بالمنطقة،فان العراقيين يعيدون انتخابهم ويعرفون انهم مضحوك عليهم!

واذا صح ان انتخابات مجالس المحافظات ستجرى بموعدها المحدد في الثامن عشر من ايلول المقبل، واذا صح ان التيار الصدري لن يشارك فيها !، وكذلك تيار محمد شياع السوداني، وان الأحزاب الجديدة(281 حزبا!) وقوى التغيير والديمقراطية ستبقى غير موحدة.. فان من ضحك على العراقيين واستغفلهم عشرين سنة،سيفوزون في اختيار محافظي المحافظات ومسؤولي المحافظات التنفيذين الذين يتمتعون بصلاحيات الاقالة والتعيين واقرار خطط المشاريع .. وستبقى كل ابواب ونوافذ الفساد التي ضحكوا فيها على العراقيين في كل محافظاته.. مفتوحة،لتوصلنا الى فاجعة تجسدها هذه الحقيقة:

ان العراقيين هم اكثر شعوب البلدان النامية المضحوك عليه.. سياسيا واخلاقيا ودينيا.. وسيبقى عشرين اخرى مضحوكا عليه ما دام حيتان الفساد يبقون.. هم الدولة!.

***

أ.د.قاسم حسين صالح

لم تمر فترة منذ تأسيس الدولة العراقية مشابهة في القتل والاغتيال الطائفي مثلما كانت أعوام (2006 – 2007)، التاريخ لم ينس مجازر انقلاب 8 شباط 1963 الا انها كانت سياسية قومية متطرفة بتجاه معاداة الحزب الشيوعي العراقي، اما اليوم بعد السقوط والاحتلال ابتلى العراق والعراقيين بالإرهاب والميليشيات الطائفية وحكومة اكثر طائفية من غيرها، وكانت الجثث خلف سدة ناظم باشا وعلى الأرصفة والشوارع ولم تسلم حتى المزابل منها، فالخطف والقتل والاغتيال الطائفي عبارة عن سلاح استعمل بشكل واسع ولم تسلم الأسماء من القتل الطائفي والتفجيرات التي كانت تحصد العشرات بدون استثناء او تمييز هو هدف يراد منه الإبادة الجماعية لطرف معين مهما كان الثمن باهضاً واعتبرت الإبادة عبارة عن منهج تدميري على أسس مذهبية ودينية وتطبق عليه " المادة 2 من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (cppcg)عام 1948 حيث نصت " أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو عرقية، أو عنصرية  أو دينية، مثل: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى مجموعة أخرى" وما جرى ويجري في العراق عبارة عن مخطط اعيد صياغته ورتب أسلوبه واتجاهاته العنصرية الإرهابية، ولا نستبعد وجود العقلية نفسها في الوقت الحالي عند قادة المليشيات التابعة المتطرفة  وهو نوعاً من التطهير العرقي فقد جرت محاولات عديدة لطرد مجموعة عراقية من مساكنها واراضيها والتهديد بالقتل بهدف تدمير جماعي بالضد من المجوعة الأخرى بهدف التطهير الطائفي مثال " جرف الصخر او بعض المناطق في العاصمة بغداد وغيرها "ان ابعاد او فصل مجموعة مذهبية عن مناطقها السكنية او أراضيها الزراعية او ابعادهم خارج البلاد يشكل ابادة ثقافية ايضاً ضمن التطهير العراقي  ويعتبر جريمة بحق الإنسانية وحقوق الانسان

، وهو ما حدث العديد من المناطق حيث شارك الإرهاب داعش او التنظيمات الإرهابية المتطرفة من جهة ومن جهة اخرى المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة المرتبطة خارجياً بفعل هذه الجرائم المنافية للقوانين والأنظمة المرعية.

ان تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" لم يتمكن من السيطرة على الموصل والمناطق الأخرى الا بانهيار وفرار قطاعات  من الجيش العراقي وتراخي حكومة نوري المالكي، هذه القطاعات العسكرية الحكومية  التي كانت تفوق داعش بالسلاح والأعداد البشرية بشكل واسع، وكان الضباط في المقدمة وخلع الكثير من الجنود ملابسهم تاركين أسلحتهم  لينضموا الى المواطنين المدنيين الخائفين وجرى التخلي عن الكثير من المدرعات والأسلحة المتطورة، واشار البعض من الاواسط القريبة من داعش انهم نهبوا نحو (500) مليون دولار " من فرع البنك المركزي في مدينة الموصل " وتمكن داعش من السيطرة على الموصل بكاملها بسب انهيار الجيش ايضاً في المنطقة الشمالية، ولهذا سارعت ميليشيات داعش الدخول الى وادي دجلة وراحت تستولي على المدن والقرى واحدة تلو الأخرى وتمكن تنظيم داعش السيطرة على مدينة بيجي ومصفاة النفط ثم الاستيلاء على مدينة تكريت  وامتد الى مناطق عديدة قريبة من العاصمة، اما الحكومة العراقية  برئيس وزرائها الأسبق نوري المالكي فقد بقت وكأنها ليس معنية ولا حول ولا قوة ما عدى التصريحات الفضفاضة امام جريمة سبايكر الدموية أو تدمير الموصل ومناطق ومدن عراقية (هناك اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وسياسته الطائفية ساعدت بطرق مختلفة داعش) ولا بد من الإشارة الى القتل المبرمج الإرهابي ضد المواطنين العراقيين الازيديين الذين بقوا تحت طائلة العقاب الإرهابي،  نساء وأطفال وشيوخ ورجال ليتم فصل الأطفال والنساء واخذهم غنائم حرب كسبايا وإخضاع النساء للتمتع الجنسي وبيع البعض منهن كسبايا وعبيد وكما اكدت العديد من المصادر وجود آلاف من المفقودين.

ان الفجيعة التي اصابت الايزيديين تعدُ مع الفواجع التي اصابت المجتمع البشري وتعتبر أبادة جماعية ضد هذا المكون العراقي، لقد قام داعش الإرهاب بارتكاب ابشع الجرائم ضد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال دون استثناء ومارس هذا التنظيم الإرهابي مختلف الأساليب وحشية وقذارة تجاه النساء وبخاصة سبي الفتيات المخطوفات والتلاعب بمصيرهن وبحياتهن واستخدام تجارة الرقيق والزيجات القسرية، ولم يتوان التنظيم الإرهابي من قتل العشرات ودفنهم في مقابر جماعية، تسعة  سنوات من القهر والحزن والقلق والانتظار من اجل تحقيق العدالة في قضية إنسانية متشعبة الجوانب منها معرفة مصير العشرات الذيم فقدوا بطرق وحشية بما فيها المقابر الجماعية التي بلغت لحد الان (83) مقبرة جماعية إضافة الى حوالي (3) آلاف مختطف، كما قام المجلس الأعلى بإحصاء ضحايا داعش الإرهاب والابادة الشاملة للأزديين في العراق وسوريا وأشار عن مقتل حوالي (10) آلاف أزيدي وتم اغتصاب (6) آلاف امرأة وفتاة أزيدية ولا يزال حوالي (3200) أزيدي وأزيدية  مفقودين فضلاً عن فرار عشرات الالاف نتيجة الوحشية والخوف من القتل والسبي وأشار المجلس الأعلى أن " الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها أوروبا مؤخرا، أظهرت جليّا أنه من مصلحة الأسرة الدولية القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية".

نعم انها ذكرى فاجعة وموجعة ليس للأزديين فحسب، بل لكل الشرفاء في العراق والعالم ولهذا « اعتبرت الحكومة البريطانية قبل فترة أنهم ضحايا "ممارسات إبادة" على يد التنظيم الإرهابي أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في جبل سنجار شمال غربي العراق" الإبادة شملت جميع مناطق الازيديين والمسحيين ذلك الكابوس الذي دمر المناطق الغربية وجعل مدنها خرائب وأنقاض ونتيجة الإرهاب والقتل الوحشي هرب الالاف منهم خوفاً من الإرهاب ووحشية الممارسات الاجرامية، هكذا تركت الحكومة العراقية حينذاك حوالي (7) الاف ميل واكثر من (12) ألف كم تحت رحمة داعش الإرهاب بينما كانت في الوقت نفسه مشغولة في تغذية المليشيات الطائفية واستغلت فتوى السيد السيستاني في حزيران 2014 حول الجهاد الكفائي التي تقول " ان طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، ومن هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس" والدعوة عامة استغلت من قبل مليشيات شيعية مسلحة  تابعة كانت موجودة وتقاتل في العراق او سوريا،  وبدلاً من الانضمام للقوات الأمنية قاموا بتأسيس الحشد الشعبي الذي استغل من قبل البعض ليكن خاصاً بهم.

ان قضية مأساة المواطنين الازيديين مازالت ماثلة امام اعين الجميع وحظيت باهتمام الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي وكانت محط ادانة شاملة من قبل القوى الخيرة والوطنية والديمقراطية داخل العراق وخارجه مطالبة بالتحقيق النزيه وتقديم المقصرين والمشاركين من المسؤولين العراقيين او داعش الإرهاب الى القانون والعدالة،  والعمل باتجاه حل مشاكلهم وتقديم الدعم والتعويضات المادية ومعرفة مصير المفقودين منهم، لقد عانى الازيديين على مر القرون الاضطهاد بسبب ديني والارتباط بالكرد وحان الوقت لأنصافهم والاعتراف بحقوقهم وتقديم العون المعنوي والمادي لهم وبخاصة ونحن نسمع البعض من الأصوات تطالب بهجرتهم خارج العراق وهي عملية لا تقل قذارة من المأساة والهدف تفريغ العراق من مواطنين موجودين منذ  الاف السنين ويشكلون جزء هام من الشعب العراقي، مثلما حدث للمسيحيين العراقيين.

***

مصطفى محمد غريب

وكالة “بلومبرغ” الأميركية، اشارت، في مقالٍ لها، نشرته، في 11 من اغسطس الجاري؛ الى ان الضغط والجهود التي يمارسها المسؤولون الامريكيون على الرياض؛ تهدف الى دفع الرياض، عن طريق تقديم المغريات لها، بالاستجابة لطلباتها؛ من أجل “إنجاز صفقة إسرائيلية – سعودية”، (التطبيع بين اسرائيل والسعودية) هي بهدف تقييد اقتراب السعودية من الصين. الوكالة اوضحت بما مفاده؛ ان واشنطن سوف تقوم بتقديم تنازلات عديدة؛ لتمهيد الطريق لتعاون الرياض مع واشنطن، من اجل التوصل الى اتفاقية امنية قوية. الوكالة بينت في ذات المقال؛ الى ان واشنطن يتعين عليها دفع التكلفة؛ لمنع سقوط السعودية في مدار الصين. وايضا؛ ان لا تكون هناك للصين فرصة في اقامة قواعد لها في المملكة العربية السعودية. ان هذا ليس صحيحا، لأن اسرائيل، لها علاقات قوية جدا، في جميع الحقول مع الصين، ولم تسبب هذه العلاقة القلق الامريكي منها، بل انها ما كان لها ان تكون لولا ان هناك غض نظر من الامريكيين. لأنهم يدركون ان علاقة اسرائيل مع الصين لم تكون ولن تكون على حساب العلاقة بين اسرائيل وامريكا؛ لأنها علاقة مصير وحماية ودعم من جانب امريكا لجهة اسرائيل. كما ان علاقة اسرائيل مع روسيا، هي في ذات او في نفس علاقة اسرائيل مع الصين. ان المسؤولين الامريكيين يتفهمون تماما هذا التوجه الاسرائيلي واهدافه الاستباقية للتطورات المقبلة في الذي يخص حلحلة القضية الفلسطينية؟.. وموقف الدولتين في هذه الخانة المستقبلية، بما تحمل من مقايضات ومساومات بين الدول الكبرى واسرائيل ودول المنطقة العربية في وضع الحلول للصراع العربي الاسرائيلي. كما ان الصين ليس في وارد سياستها على الاقل في الامد المنظور وربما ابعد من هذا الامد؛ اقامة قواعد او غيرها في المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي تحديدا؛ لأنه هذا التوجه او هذه السياسة تؤثر على متانة علاقتها مع ايران. سياسة الصين المعلنة بوضوح؛ من انها تقف على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، كما انها تريد ان تكون وهي كذلك؛ طرفا في الحوار البناء وتسوية الصراعات والخلافات بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي، وليس طرفا في الصراعات في المنطقة العربية وجوارها الاسلامي. ان هذه السياسة الصينية؛ تتوافق تماما مع إدارة الصين لعلاقاتها وشركاتها مع جميع الدول في المعمورة وليس في المنطقة العربية وجوارها. ان  هذه السياسة الصينية الاقتصادية والاستثمارية، وكما تعلن عنها الصين بوضوح تام؛ من انها تسعى الى شراكات، قائمة على قاعدة المنفعة المشتركة والمتبادلة. ان السعودية بقيادة اميرها الشاب، لن تتخلى عن علاقتها مع الصين مهما كانت الاغراءات الامريكية؛ لأزاحتها من مساحات التعاون مع الصين؛ في توطين التكنولوجيا المتقدمة وشراء الاسلحة ولو ان هذه الامر هو في مراحله الاولية، إنما الطريق الى توسعته وتعميقه وتطوره؛ مفتوح مستقبلا. الصين لا تفرض أي شروط مهما كانت على أي دولة شريكة او تتشارك معها في مشاريع الاستثمار المتبادل. إما امريكا فأنها تفرض شروطا، احيانا تكون شروطا قاسية وغير قابلة للتنفيذ؛ (في الذي يخص حقوق الانسان، والديمقراطية؟!..)، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وموقف الدول التي تربطها شراكة مع امريكا، من اسرائيل.. امريكا لم تعترض على علاقة المملكة مع الصين، وهي علاقة او بداية شراكة؛ بدأت منذ سنوات وليست هي أي هذه العلاقة بنت هذه الايام، كما هو حال علاقة اسرائيل مع الصين مع ان الفارق كبير بين علاقة السعودية مع الصين وعلاقة اسرائيل مع الصين؛ فعلاقة الاخيرة اكثر سعة وعمقا وتطورا، وبالذات في حقل التكنولوجيا المتقدمة، والسلاح والموانيء. ان سعي إدارة بايدن المحمومة، في التطبيع بين السعودية واسرائيل؛ ليس لأبعاد السعودية عن الصين، إنما، خلق بيئة اقتصادية وسياسية جديدة في الشرق الاوسط؛ تكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ دولة طبيعية معترفا بوجودها من جوارها العربي ومن الجوار الاسلامي للمنطقة العربية؛ لتكون مستقبلا شريكا مهما وفاعلا في الشرق الاوسط الجديد. ان هذا الشرق الاوسط الجديد، المفترض؛ سوف يخدم المصالح الامريكية والاسرائيلية على الامد البعيد؛ وينتج عنه شراكات على اسس وقواعد جديدة؛ ربما تشترك فيها؛ الدول العظمى والكبرى المنافسة للغرب وامريكا واسرائيل، في مساومات ومقايضات، وتوافقات؛ على تقاسم مساحات النفوذ والشراكات، ولو بالإحياء المتبادل وليس الاتفاق المكتوب على الورق. ان هذه السياسة لو صارت واقعا على الارض؛ فأنها سوف تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي في دولة فلسطينية ذات سيادة. من وجهة النظر الشخصية؛ أن هذه السياسة الامريكية والغربية والاسرائيلية؛ بحكم الضرورة وحق الشعوب في الحياة والتطور والإرادة السياسية والاقتصادية؛ في اوطان حرة، ليس في اجسادها جروح تمس مسا عميقا سيادتها. عليه، فأن مساحات الشراكات والاستثمارات، بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي وبين الصين بدرجة كبيرة وروسا بدرجة اقل كثيرا عن الصين؛ سوف تتسع على حساب مساحات الشراكات والاستثمارات، الامريكية والغربية؛ للأسباب التي اوردتها في الذي سبق من هذه السطور. وبالعودة الى السعي الامريكي؛ لأبرام صفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية؛ فأن الأخيرة، من المستبعد جدا، ان لم اقل، ربما من المستحيل ان تُبرَم هذه الصفقة، قبل الانتخابات الامريكية، للسبب المعروف..

***

مزهر جبر الساعدي

العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة!

 بصراحة جارحة قد تزعج الكثيرين: العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة متصارعة على نهب الريع النفطي وزوال الرافدين! ليس ثمة من هم أسوأ وأكثر انتهازية ممن يصفقون للحكم اليوم ويلمعون عوراته إلا أولئك الذين صفقوا لحصار العراق ثم احتلاله بالأمس وبرروا وشاركوا في فرض هذا النظام وهاهم يزعمون معارضته اليوم وينقلبون على مواقفهم دون أن يعتذروا لشعبهم عن تلك المواقف والممارسات أو أن ينتقدوا أنفسهم عليها ويخرجوا بالنتائج المناسبة:

إنَّ واقع حكم التحالف السياسي بين الأحزاب الإسلامية الشيعية والكردية مع بقاء التمثيل السني الشكلي "حديدة عن الطنطل لأغراض الديكور" في رئاسة البرلمان ووزارة الدفاع وبعض الوزارات الأخرى الثانوية، يقول إنه نظام حكم كلبتوقراطي "لصوصي" رجعي تابع، للإرادات الخارجية وهو مستمر بسبب تقديم الخدمات لحماته الأجانب في مقدمتهم واشنطن وطهران، وحماته ومباركيه المحليين وفي مقدمتهم المؤسسة الدينية المرجعية التي تتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية هائلة عن قيامه ودعمها له، والطبقة اللصوصية الناشئة المدعومة بأذرعها المسلحة، وتقديم خيرات العراق كنوع من "الخاوة" والرشى أكثر منها استحقاقات دستورية من الطرف الأول "الإسلامي الشيعي" المهيمن بفعل المحاصصة الطائفية والتوزيع السكاني إلى الطرف الثاني "الزعامات الكردية" التي تحتكر هي الأخرى تمثيل السكان العراقيين الكرد، أما ممثلو السكان العرب السنة فهم منساقون إلى المشاركة في اللعبة السياسية شكليا دون صلاحيات مهمة أو مشاركة في اتخاذ القرارات الحاسمة في تسيير شؤون الدولة مقابل حصة معلومة من غنائم الحكم لردم أي فراغ في ديكور الحكم، وعلى هذا فالدولة العراقية أمست منقسمة إلى ثلاث دويلات "أقاليم" شبه مستقلة وهي تتجه نحو تكرس وقيام هذه الدويلات والشطب على الدولة العراقية الواحدة وهذا هو الهدف العزيز على قلوب الغربيين والصهاينة والدول الرجعية الإقليمية في الشرق الأوسط: هذا الواقع تكرس ولا سبيل إلى تغييره من الداخل فانتخابات العشرين بالمئة باعتراف أقطاب النظام وهي قد تقل عن ذلك نسبة مشاركة من قبل حاضنات الأحزاب المدنية والعسكرية ثابتة ومعروفة النتائج المزورة مسبقا ولا يمكن تغيير النظام أو إصلاحه من داخله وبأيدي الفاسدين أنفسهم. قد تفلس أحزاب وشخصيات تماما كما حدث مثل حزب آل الحكيم وحزب الفضيلة وغيرهما ولكن المفلسين سيتم تعويضهم بطرق خاصة من قبل زملائهم في الحكم. من نتائج هذا الواقع الذي دام لمدة عقدين تكرست الحقائق التالي التالية:

أصبحت منطقة الإقليم الكردي غير مرتبطة بالعراق بأي علاقة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية سوى الاسم "إقليم كردستان –العراق"، وعلاقة الأخذ بلا عطاء، معبرا عنها باستلام حصة الإقليم من الموازنة العراقية وهي حصة تفوق الحصة المشروعة، مضاف إليها ما تحصل عليه تلك السلطات من بيعها المباشر للنفط ومن رسوم الضرائب والكمارك وغيرها، ولكن المواطنين الكرد لا يحصلون من هذه الحصة إلا الفتات بل وأحيانا لا يحصلون حتى على رواتبهم الشهرية التي تجمد بين بين فترة وأخرى. سياسياً يدير الساسة الكرد مناصب مهمة وسيادية في الدولة العراقية "الاتحادية"، فتنفيذا لمبدأ الشطب على هوية العراق العربية التي تقررت في دستور بريمر، بدفع من الانفصاليين المتطرفين بزعامة جلال الطالباني، مقابل تكريس الطائفية السياسية والدور القيادي لساسة الطائفة الشيعية والمتاجرة بـ "مظلوميتها" فأصبح الساسة الكرد يحتكرون رئاسة الدولة ووزارة الخارجية ومعها نسبة كبيرة من السفارات العراقية في الخارج وهذان المنصبان "رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية" يشكلان الواجهة السيادية والهوياتية للعراق، إضافة إلى مناصب نيابة رئاسة الوزراء ونيابة رئاسة البرلمان ووزارات مهمة أخرى.

وعلى صعيد العلاقات السياسية وتمثيل الدولة العراقية في الإقليم فيقتصران على رفع العلم العراقي إلى جنب علم الإقليم في مواضع محدودة، ولا علاقة للإقليم تربويا وقضائيا بالدولة العراقية وتبقى الغالبية السكانية الكردية تعاني شظف العيش والحرمان من الرواتب، فيما تنعم الأوساط الحاكمة بكل خيرات العراق.

أما في المناطق الغربية والشمالية ذات الأغلبية العربية السنية فواقع الحكم الذاتي والدويلة الطفيلية وشبه المستقلة قائمة أيضا، ويزداد رسوخا يوما بعد يوم واقع الانقطاع السياسي والاجتماعي والنفسي بين سكان هذه المناطق ومواطنيهم وأبناء عمومتهم في وسط وجنوب العراق فيما تتطور علاقاتهم ببعض مناطق الإقليم لأسباب شتى في مقدمتها تفاقم النزعة الطائفية الاجتماعية والسياسية وتفاقم أصناف التمييز على أساس الهوية الطائفية في جميع انحاء العراق كنتيجة لطبيعة الحكم القائم على أسس المحاصصة الطائفية والدستور المكوناتي ولا يمكن نكران أو تغطية هذا الواقع المأساوي بالشعارات والكلام الشعبوي الرخيص الذي يحاول البعض من خلاله تحويل الذكريات عن "الزمن الجميل زمن الاضطهاد والمقابر الجماعية" والرغبات الذاتية عن الوحدة الوطنية و الإخاء المجتمعي إلى واقع قائم، فجراح المرحلة الأخيرة التي امتدت لأكثر من عشرين عاما والمرحلة الدكتاتورية السابقة لها هي جراح عميقة ومتقيحة وعرضة للالتهابات واسعة النطاق في أي لحظة.

* زبدة الكلام: سيحمل الساسة الإسلاميون الشيعة معهم إلى القبور عار تدمير العراق ودفعه نحو هاوية التقسيم والزوال، وعار أفسد نظام حكم مرَّ في تاريخ العراق وأكثرها رجعية وانتهازية وتبعية للأجنبي وتضييعا لسيادة واستقلال العراق وكرامة مواطنيه!

هذه أدناه نماذج من الخاوات والتنازلات التي يقدمها نظام حكم المحاصصة لكي يبقى قائما حتى تدمير العراق تماما:

* مليارات الدولارات من العائد النفطي لقيادات الاقطاع السياسي الكردي على حساب المواطنين الكرد.

* تنازلات بالجملة للولايات المتحدة الأميركية عن سيادة واستقلال العراق واستمرارا بقاء العراق بلدا منزوع السلاح وبجيس رمزي لا يستطيع الدفاع عنه نفسه. بلد تابع تقود حكومته السفيرة رومانوسكي بالهاتف والزيارات المباشرة.

* تبادل تجاري مع تركيا يقارب عشرين مليار دولار سنويا ومن طرف واحد هو العراق الذي يستور غذاء شعبه منها مقابل رفض تركي قاطع وفج لتوقيع اتفاقية دولية لتقاسم مياه الرافدين دجلة والفرات بموجب القانون الدولي.

* تبادل تجاري مماثل مع إيران وربط سككي سيقضي على مشروع ميناء الفاو والقناة العراقية الجافة مقابل رفض إيراني حتى لمناقشة موضوع قطعها لمياه روافد دجلة وشط العرب.

* نفط خام ومشتقات بسعر رمزي يقل عشرين دولار للبريل عن السوق العالمي للأردن، والبدء بمد أنبوب نفط عملاق بين البصرة وميناء العقبة الذي لا يؤدي إلى أسواق النفط العالمية بل هو قريب شمرة عصا من ميناء إيلات الإسرائيلي، وربط كهربائي لاستيراد الطاقة من الأردن - وهي طاقة مشبوهة يُشك بأن من تنتجها هي شركات إسرائيلية - وكل ذلك مقابل لا شيء بل تنفيذ لأوامر أميركية مباشرة.

* تنازلات للكويت في الأرض والمياه الإقليمية العراقية دون محاولة الاحتجاج او إعادة النظر في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بمعاقبة العراق بسبب حرب الخليج الثانية. والوزير الذي تجرأ وقال شيئا كهذا دفاعا عن مصلحة العراق اضطر تحت الضغط الحكومي والأميركي إلى سحب بيان مكتبة بعد منتصف الليل.

***

علاء اللامي

منذ عدة سنوات، والى الآن؛ تخطو السعودية، خطوات ثابته في المحيط الدولي؛ لتنظيم علاقاتها في الفضاءات الدولة. وهي تأخذ في هذه السياسية سواء الاقتصادية او السياسية مصلحتها في كل خطوة تخطوها بحسابات دقيقة وواضحة. بالتالي وبالنتيجة؛ تؤسس على قاعدة متينة وراسخة؛ للقرار المستقل في الاقتصاد والسياسة، من غير ان يقود هذا او يفضي الى خسارة اي من الشركاء الدوليين، سواء الشركاء التاريخيين (الولايات المتحدة الامريكية) او الشركاء الجدد (روسيا والصين) في عالم يسود فيه الاضطراب والقلق؛ لجهة المآلات النهائية التي سوف، مستقبلا؛ يكون عليها النظام الدولي، الذي أخذ منذ عدة سنوات؛ في التشكل لنظام دولي جديد. ان النظام الدولي الحالي المبني على القواعد والمعايير الامريكية والغربية، والذي كما يقول عنه المراقبون؛ من انه سوف ينتهي بانتهاء المرحلة الانتقالية هذه، التي تسود فيها؛ الاضطرابات والقلق والفوضى والحروب؛ ليترك الساحة الدولية؛ لنظام متعدد القيادات الدولية. ان السعودية في حقل الطاقة، وبالذات في حقل النفط؛ اتخذت القرار الذي يخدم مصالحها، ومصالح الدول الأخرى سواء العربية او الدول الأخرى، بصرف النظر عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية؛ فقد خفضت انتاج النفط بما ادى الى ان تحافظ اسعاره على مستويات مقبولة، على الرغم من الطلب الامريكي في اتجاه زيادة الانتاج لخفض الاسعار. كما أنها قامت بتعزيز سياسة تنويع مصادر تسليحها، وتوطين البعض منه، لتتوسع في التوطين لاحقا؛ بخطوات اولية عدها المراقبون؛ قاعدة لانطلاقة جديدة؛ لتثبيت قرارها السياسي والاقتصادي المستقل، واستثمار منتج لصراع القوى العظمى في الوقت الحاضر ومحطاته الختامية. ومن الجهة الأخرى حافظت على شراكتها التاريخية مع الشريك الامريكي. فقد حضر في جدة، قادة امريكيون وسعوديون، وممن اشرفوا على المفاوضات بين الجيش السوداني بقيادة  البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة  محمد حمدان دقلو والملقب بحميدتي، من اجل تثبيت وقف اطلاق النار في السودان، والذي لم يتم تثبيته نهائيا حتى هذه اللحظة، اي وقف دائم لأطلاق النار. لكن الجهود السعودية والامريكية مستمرة في هذا الاتجاه كما صرح بذلك الامريكيون والسعوديون. لقد اثنى الامريكيون على تعاون السعودية في هذا المجال. ومؤخرا تم عقد مؤتمرا موسعا؛ لمناقشة السلام في اوكرانيا في مدينة جدة، والذي ضم اكثر من اربعين دولة بما فيها اوكرانيا والصين الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، الدول الأخيرة باستثناء اوكرانيا؛ وهي الدول المؤسسة لمنظمة البريكس، وهذه المشاركة من دول البريكس تحمل دلالات سياسية. مؤتمر جدة، لم يخرج باي نتيجة لجهة البحث الجدي عن الاسس لأجرى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وبالتالي؛ المؤتمر لم تكن الغاية منه او غاية امريكا منه، والتي تعاونت السعودية معها من اجل عقد هذا المؤتمر؛ هو البحث الجدي عن الوسائل لدفع الجانبين الروسي والاوكراني للجلوس على طاولة التفاوض، ويظهر هذا واضحا في عدم دعوة روسيا الى المؤتمر، بل الغاية منه؛ هو لسحب دول البريكس من الموقف الحيادي الى موقف يدين العملية الروسية في اوكرانيا، ولو بصورة غير مباشرة، حسب المراقبون. أذ، ان المشاركة بحد ذاتها؛ هي تأييد ضمني لأوكرانيا، وبالتالي للسياسة الامريكية. ان الولايات المتحدة الامريكية؛ تعتبر منظمة البريكس؛ تهديد جدي ليس لها فقط بل لجميع مجموعة الدول الصناعية السبعة وحتى حلف الناتو، وخصوصا عزم وتصميم، هذه المنظمة؛ اصدار عملة جديدة للدول الاعضاء فيها، او اعتماد التبادل الاقتصادي والتجاري والمالي بين دولها على العملات المحلية، وبالذات اليوان الصيني. ان سياسة هذه المنظمة، مستقبلا، سوف تقوض سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي. أذ، ان هناك عدة دول تقدمت بطلبات الانضمام الى هذه المنظمة، من بينها المملكة العربية السعودية. ان السعودية لاحقا، ربما في الوقت المقبل القصير، سوف تنضم الى منظمة البريكس. اعضاء المنظمة، روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، رحبوا بها وبقوة. ان القيادة السعودية الحالية تدرك تماما التحولات الدولية المقبلة؛ فهي تستخدم جميع الاوراق من اجل مصالحها، استخداما ناجحا حتى الآن ومنتجا ومثمرا، من غير ان تقطع جسور التواصل مع الشريك الامريكي التاريخي.

***

مزهر جبر الساعدي

سنة 2023 التي ستشهد انتخابات، مجالس المحافظات العراقية، تشبهُ عام "الفلس"؛ 1933، و الذي سكَّت فيه، الحكومة العراقية، هذه العُملة المعدنية، كما ولِد فيها، الرئيس العراقي الراحل، جلال طالباني، بحسب مُذكَّراتِه.

طالباني، المُحب لـ "الرطيب"، مصطلحٌ قام بنحتِه من الرَطَبْ و الزبيب، صُدِمَ بعد عشرين عاماً، تقريباً، بأن صَنَمْهُ السياسي المعبود، كان "مستشار ستالين لشؤون الشرق الأوسط"، لكنهُ "جندي" عند الرئيس العراقي الأسبق، عبد الكريم قاسم، المشهور بوصف "الزعيم"، في الأدبيات التاريخيَّة العراقية.

العراق الحزبي، الطائفي، و العرقي، يستعد بعد مرور تسعين سنة، على عام الفلس، عشرون منها بعد 2003، لجولةٍ جديدة من الانتخابات المحلية؛ كي يصنع درعاً ديموقراطياً واقياً، ضد سنة 2024. العام القادم، هو عام الفرج "الفائقي" – نسبة إلى السياسي العراقي فائق الشيخ علي – الذي سيشهدُ هجوم "يوفو" من القوَّات الساحِقة الماحِقة، الأجنبية، على البلاد، لتصفية هذا النظام، من الشوائب الإيرانيَّة، و إرجاعهِ ماءً معدنياً، في عبواتٍ أطلسيَّة!

المُتفرِّج السياسي العراقي، لا يرى هذا "الفائقي"، قريباً. ربّما السبب تألُّق شهر أغسطس/ آب، و لسعه بشكلٍ مستمر، بإبرة التصريحات الحكومية، من " تخريب أبراج الطاقة الكهربائية، إلى إيقاف منصة "التلغرام"، و هي الموطن السوشيالي الأشهر، لإعلام الميليشيات الإيرانية. لكن هناك ما يؤكِّد، بأنَّ العراقي، لن يحصل و لو على فلسٍ واحد، من الأفضل، من نتائج الانتخابات المزمعة؛ بل نجرؤ على نُصحه بعدم تكرار خطأ مام جلال، و الذي دفع ديناراً كي يشتري شعرات من رأس معبوده السياسي.

نبدأ بلقطة سياسيَّة..

أعلنت مفوضيَّة الانتخابات العراقية، المُستقلَّة عن طموحات البلاد، في الخامس من أغسطس الجاري، إنَّ السقف العددي للتحالفات وصل الرقم "31، بينما كان 21 في انتخابات أكتوبر 2021". تخمة التحالفات، و التي هي "كرش" مميَّز للنظام "الجاري" بعد 2003، لا جديد فيها. هي تبدو قنطار وقاية حزبي، من " ثورة تشرين"، و ضبط لمقاسات العباءة السياسية للتيار الصدري.

هذا التفسير الحكيم، يشبهُ طريقة قراءة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، للخُطب السياسيَّة. فورد كان يقرأ بشكلٍ حرفي. كمثال: أيها الشعب الأمريكي "فارزة" أنت عظيم "نقطة". هكذا فإنَّ سبب التخمة، ليس من أجل الحصول، على أكبر عددٍ من الأصوات، إذ إنَّ الحاج "سانت ليغو"، و هو نظام متبع في حساب الأصوات الانتخابية، قد شُحِّم في قانون الانتخابات الجديد، بعد تركه في الانتخابات السابقة، ليضمن حظوظ حجيج الأحزاب التقليدية.

الهدف هو توفير رؤوس لـ "السلخانة" الإعلاميَّة، لتنجو فروة الزعماء التقليديين، من النتف الانتقادي، و تقليل الضغط على الأحزاب الميليشاوية. ائتلاف دولة القانون كمثال، اختار تقديم الأضاحي الانتخابيَّة، باختيار شلَّة من المُحلِّلين السياسيين؛ الذين أعلنوا خروجهم من الائتلاف. أبرزُهُم مُحلِّلٌ مشهور بتخليل أصابعه، عندما يظهر على شاشة الفضائيات، بمسك المسابح، و التي يبدو إنَّهُ كان يشتريها من رئيس ائتلافه السابق، المُتهم ببيعها، بحسب سجل النكتة الشعبية.

هذا الائتلاف، ذائع الصيت، بتقليد تكتيكات الأحزاب الأُخرى. أراد كذلك، توفير نُسخة من حركة "رفض"، المُشكَّلة من إعلاميين و نُشطاء و إلخ. الحركة معروفة، بكونها خِطاب ضمان سياسي، للتيار الصدري. النتيجة، ارتطام حبات المسبحة ببعضها، تاركةً "الشاهول" فيها، سليماً مُعافى، بالنسبة للأول، و خفض قيمة الامتياز للثاني.

تكتيكات أربيل الإعلامية، نشطت هي الأُخرى، في موعدٍ لا يتفق مع روزنامة الماضي. تبدو اليوم، بأنها غير معنيَّة، حصراً، بالصراع مع بغداد، على النفط و الغاز و الموازنة. العادة الكردستانية،ـ دائماً ما كانت تختار فترة "الصمت الحكومي"، و التي نستطيع تعريفها زمنياً: تبدأ من ظهور النتائج الانتخابية حتّى اختيار رئيس الوزراء، و تتراوح من ستة أشهر إلى سنة تقريباً.

أربيل تسعى لتقليل الضغط، على حُلفاء الضرورة، منهم تحالف "السيادة"؛ الذي انفصل تكتيكياً عن حزب "تقدم"! فالثاني هو الأساس و الأول ظل. إضافة إلى مصالح مشتركة تجمعهم، في كركوك، الموصل، الأنبار، و ديالى، خاصَّة أن ما بات يُعرف بـ "الإطار السُّني"، و الذي هو عبارة عن "باباي شيعي"، لطبخ الأنبار كـ سبانخ ميليشاوية، يُهدِّدُ حظ أربيل بالاستعاضة. خسارة هذه المحافظة، تعني خسارة الموصل أيضاً؛ فـ "تقدم"، حاضِرٌ هناك بقوَّة. بالتالي فإنَّ ربيع الكراسي سيكون لصالح الواجهات "الولائية".

"الإطار التنسيقي" الأصلي، قام أيضاً بتفريع رأسه، من الدخول إلى الانتخابات المحلية القادمة، كقائمة واحدة. رئيس ائتلاف دولة القانون، زعم في لقاءٍ مُتلفز، أن "الأسباب الفنية المُتعلِّقة بحساب الأصوات هي السبب".

شحن لمبة التفسير، بتجارب الزمن القريب، تحديداً، اقتحام التيار الصدري لـ "المنطقة الخضراء"، في نهاية أغسطس 2022، يضيء بطريقةٍ غير مباشرة، أسباباً مُختلِفة. منها، تقلُّص حجم زعيم الائتلاف، حيثُ ظهر في صورةٍ مُسرَّبة، و هو يحمل بندقية آلية، و احتلال جوازه الدبلوماسي لجيب القميص. ربّما أراد جذب الدب الصدري إلى عسل ضُعفِه المُسرَّب!

الأرجح أن قيس الخزعلي، أمين ميليشيا عصائب أهل الحق، وفَّر للجهات "الولائية"، فُرصة عدم المُراهنة، بجميع ما يمتلكونه من بيضٍ سياسي، بالاعتماد على دجاج حسابات نوري المالكي.

نحتاج بعد ما تقدَّم إلى لقطة خدمات بزاوية تصوير اجتماعيَّة..

وعد الخدمات لرئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أصبح مصباح علاء الدين "الفالصو". الكهرباء و هي أهم الاختبارات، بات واضحاً، إنها لن تكون سوى شخصية ياسمينة "أم قصر"، في أفلام كارتون سندباد الشهيرة، تُحلِّق كطائرٍ مسحور، و لن تعود إلى وضعها الأصلي إلَّا في الحكايات.

الرئيس السوداني، و هو سندباد "الإطار التنسيقي"، سمح لوزير التربية في كابينته الحكومية، بمعاقبةِ أستاذٍ، نشر مقطعاً على اليوتيوب، عَرَضَ استخدامهُ الأوراق كمروحة يدوية، لتحريك الهواء الراكد، في قاعة امتحانٍ للطلاب. نسى هذا الأستاذ، بأن ياسمينة الكهرباء، لم و لن تسمع السوداني. هي مُسافِرة أبداً بين الحدود البرية و البحرية.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

كانت العقيدة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفييتي في زمن ما عُرف بـ"الحرب الباردة" تقتصر على الكيانات المكونة للاتحاد السوفييتي ودول "حلف وارسو" فقط لا غير، أما الحلفاء والأصدقاء للسوفييت في الجغرافيات الأخرى وفي حال تعرضهم للخطر، فليس لهم سوى الدعم السياسي الخجول والدعم اللوجستي العسكري بحسب ثقل الحليف وأهميته، لهذا عُرف عن السوفييت خذلانهم لحلفائهم وتنكرهم لهم في أحلك الظروف، وهذا ما دفع العديد من الدول إلى التحالف مع الغرب لما عُرف عنهم من تدخلات مُباشرة حين تتهدد مصالحهم في أي جغرافية كانت.

في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انقلبت الأمور والمواقف تمامًا، فأصبحت العقيدة السياسية والعسكرية الروسية هي الدفاع عن مصالح روسيا في أي بقعة في العالم، وقد وجد بوتين في الأزمة السورية مناخًا مثاليًا لتدشين "روسيا البوتينية" وعقائدها الجديدة للعالم، وهذا ما جعل العديد من البلدان تهرول نحو روسيا بعد اتضاح رؤيتها وعقائدها الجديدة والجلية تجاه مصالحها وحلفائها في العالم عبر بوابة دمشق.

روسيا البوتينية اليوم خالية تمامًا من العقائد السياسية والأطماع الاستعمارية؛ حيث لا وجود للشيوعية السوفيتية، ولا سوابق استعمارية لها، وهذا السجل جعلها جاذبة للتحالفات والمحاور الجديدة، والتي تبحث عن حلفاء تؤطرهم المصالح مع احترام سيادة الدول والاحتكام لقواعد القانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية.

الأزمة الأوكرانية كانت الملف الآخر الذي كشف أكثر عن هوية روسيا البوتينية بعد الملف السوري؛ حيث تفهمت الكثير من الدول مخاوف روسيا وسعيها للحفاظ على أمنها ووجودها من سطوة الغرب ومُخططاته الخبيثة، ولم تتوقف تلك الدول عند عتبة التفهم؛ بل زادت من موقفها الداعم لروسيا في هذه الحرب وأعلنت الكثير منها تلميحًا وتصريحًا أن روسيا تحارب الغرب ومخططاته الشيطانية في أوكرانيا بالنيابة عن العالم أجمع.

ما يحدث اليوم في أفريقيا، وتحديدًا المستعمرات الفرنسية السابقة: النيجر، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو، والتي شهدت تمردات جلية وصادمة لفرنسا، وسعت بقوة لنيل الاستقلال الكامل غير المنقوص أو المشروط من فرنسا، مع أحقية هذه البلدان وشعوبها في ثرواتها المنهوبة من قبل فرنسا في اتفاقيات استقلال منقوصة، يُدلِل على أن أفريقيا والمستعمرات الغربية السابقة في حالة ثورات جديدة عنوانها التحدي والكبرياء في ظل هشاشة الغرب ووهنه، وصعود وإسناد النجم والقطب القوي روسيا البوتينية.

لم تكن القمة الروسية الأفريقية المنعقدة في موسكو مُؤخرًا قمة بروتوكولية تعارفية تُمارس خلالها دبلوماسية القمة بكل مظاهرها الهشة المعروفة؛ بل كانت قمة أشبه بالمبايعة والإقرار بحق روسيا البوتينية في قيادة العالم، وتفويضها للدفاع عن الضمير العالمي الحُر، فكل من تابع يوميات تلك القمة الاستثنائية يشعر بحجم الروح العائدة للقارة السمراء عبر قياداتها الشابة الشجاعة، ويشعر بحجم المشاعر الوطنية التي تكسو الشعوب التي انتفضت على فرنسا، وواجهت قوتها ونفوذها بكل تحدٍ وكبرياء.

بكل تأكيد لن تكون فرنسا هي الضحية الاستعمارية الأولى؛ بل ستتبعها كل من أمريكا وبريطانيا كذلك، فالتقليد والمُحاكاة عند الشعوب حالات خطيرة ومعروفة تاريخيًا، وهذا ما يُهدد الغرب في نفوذه ثم وجوده، فهذا الغرب الذي لا يمتلك سوى السرقة والسطو والقرصنة لثروات الشعوب، أصبح اليوم في أوهن حالاته ومن أول اختبار له في المستنقع الأوكراني الذي تحالفت فيه حسابات الحقل والبيدر، وتحالفت في المقابل قوى الضمير العالمي المصحوبة بالإرادة الشعبية والتي ستحقق المُعجزات.

قبل اللقاء.. يقول الزعيم الصيني ماوتسي تونغ: "هناك دائمًا حركات صغيرة غير مرئية في التاريخ تتسبب في تغيير مجرى التاريخ".

وبالشكر تدوم النعم..

***

علي بن مسعود المعشني

يضطر قسم من المهاجرين الى (الجنة الموعودة أوروبا) اختلاق وتأليف قصص مأساوية من خيالهم الخصب والمتخم بألم مغامرة الرحيل الى تلك الجهة من الكرة الأرضية لتمرير وتبرير لجوئهم، وقد شهدتُ شخصياً حالات كثيرة واستمعت الى الكثير من تلك القصص والروايات التراجيدية، ولعل أكثرها سخرية تلك التي يتقمص صاحبها ديناً ليس دينه أو مذهباُ ليس مذهبه بل وقومية أو عرقاً ليس مما يوصف حقيقته، كل ذلك من أجل قبول لجوئه، ومعظم تلك القصص مبررة للتغطية على حقيقة هجرته وأسبابها ولا أقصد هنا الجميع ولكن هناك ظاهرة متداولة ومبررة لدى كثير من المحامين في تلك الدول وخاصة في أوقات الحروب والكوارث التي تصنعها الأنظمة الطاغية والأحداث الكارثية كما حصل في غزوات داعش الإرهابية ضد المكونات غير المسلمة مثل الإيزيديين والمسيحيين والشيعة والكاكائيين والعلويين وفتح أبواب اللجوء والهجرة لهم في دول أوروبا وغيرها، وقد تقمص العديد من اللاجئين مأساتهم وادعوا انتسابهم لهم، كما قام غيرهم ببهلوانيات أخرى لتمرير عبوره ولجوئه وخاصة أولئك الهاربين من الخدمة العسكرية أو المحكومين غيابيا بأحكام على جرائم جنائية لا علاقة لها مطلقاً بحرية الرأي أو الاضطهاد القومي أو الديني أو السياسي، كالقتل والسرقات والاختلاس والمخدرات وزنا المحارم والاغتصاب، وقد بانت حقيقة كثير منهم بعد سقوط أنظمتهم والاطلاع على ملفاتهم الشخصية، خاصة أولئك الذين عادوا ليمثلوا أدوار المعارضين السياسيين وضحايا الأنظمة الدكتاتورية.

ومن بشاعة اللعب على الحبلين أن العديد من هؤلاء الممثلين اللاجئين عادوا الى أوطانهم بعد أن حصلوا هناك في بلدان المهجر على مواطنية تلك الدول وتقاعدها، عادوا للبحث عن حقوق مفترضة بل وتبوؤا مناصب مهمة في دولهم الأصلية مع تعويضات خيالية، ولعله من المفيد أن نذكر أن افواجاً جديدة تأثرت بهؤلاء الممثلين البارعين في صناعة قصص للعبور بها الى تلك الجنان على حساب أوطانهم بل وفي كثير من الأحيان حتى على أنظمتهم السياسية بادعائهم أنها اضطهدتهم بينما الحقيقة انهم كانوا أكثر الناس استفادة منها ولم يكن هروبهم ولجوئهم إلا بسبب  تداعيات جرائم اقترفوها بحق المجتمع والدولة وليس بحق النظام السياسي.

وما حدث مؤخراً من أحد الأشخاص في حرقه للقرآن وادعائه بالاضطهاد إلا واحدة من تلك القصص التي يتم استثمارها وممارستها لإثبات مصداقية القصص المؤلفة للحصول على مواطنية تلك الدول وهي ليست غريبة أو الأولى من نوعها لكن الغريب ردود الأفعال المبالغ بها دون دراية، حيث منحت تلك الردود ذلك الشخص وأمثاله سمة الدخول لدول المهجر وحمايتها، فقد أثبتت تطورات الأحداث في بغداد والاستثمار السيء للحدث بأن من يقف وراء تلك الانفعالات إما يتاجر بشعارات ومزايدات لتمرير برامج معينة لاستثمارها انتخابياً، أو لإعطاء أفواجٍ أخرى من الشبيبة فرصة لاستثمار تداعيات تلك الردود لصناعة قصص جديدة للهجرة، وفي كلا الحالتين لم يستفد من كل ما جرى إلا الذين ذكرناهم آنفا مع مافيات تهريب البشر وأصحاب القصص والمغامرات ومن ينوي تقليدها لاحقاً، ناهيك عن كونها سلماً يستخدمه مهرجو الانتخابات في استثمار تداعياته كحدث سياسي او طائفي او ديني كدعاية انتخابية مبكرة ورسائل تساهم في تكريس أكذوبة حماة الدين والعرض والأرض من متسلقي سلالم السلطة وأدواتها!

***

كفاح محمود

الدولة:

تُعرَّف (الدولة) بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في نطاق جغرافي محدَّد، ويمارسون نشاطهم في ظل نظام سياسي معيَّن.

وهذا النطاق الجغرافي تختلف مساحته من دولة إلى أخرى. فهناك دول ذات مساحة كبيرة وأخرى صغيرة. كما أن عدد السكان الذين يعيشون في تلك المساحة الجغرافية يختلف من دولة إلى أخرى. ففي حين نجد أن مساحة دولة روسيا تبلغ 17.1 مليون كيلومتراَ مربعا، وعدد سكان الصين يقارب مليار ونصف المليار نسمة، نجد أن مواطني دولة الفاتيكان لا يتجاوز 900 نسمة ومساحتها أقل من نصف كيلومتر مربع (0.44كم2).

فلقب "دولة" والاعتراف بها من بقية الدول، لا يخضع لمقاييس محددة في المساحة والسكان، بل لظروف تاريخية وأوضاع جيوسياسية. ومن ناحية أخرى، نجد أن للدول أنظمة سياسية متباينة. فمساحة الدولة، وعدد سكانها، ونوعية نظامها السياسي، ليست عوامل حاسمة في نجاح الدولة ولا في فشلها. فـ (الدولة) في هذا المصطلح هي مرادف لكلمة (بلاد) فقط.

ومع ذلك فإن مصطلح (دولة) يُطلَق على جميع الدول المذكورة على اختلاف مساحاتها، وتباين أعداد سكانها، وتنوع أنظمتها السياسية؛ لأن العناصر الجوهرية في مفهوم الدولة هي ثلاثة: المساحة الجغرافية، والسكان، والنظام السياسي مهما كان. وتمارس الدولة عادةً أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية ترمي إلى تحسين مستوى مواطنيها وتحقيق التنمية.

ولكل دولة عادةً سلطة أو حكومة تستخدم الموظفين العاملين فيها بالتعيين أو الانتخاب. وهذه الحكومة تسيطر قانوناً على استعمال القوات في أراضيها، وتسيطر على عملتها في حدودها، وتطبق قوانينها وتسيطر على الإعلام في أراضيها.

الدولة الفاشلة:

ظهر مفهوم (الدولة الفاشلة) في مجال العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي.

ويتباين تعريف "الدولة الفاشلة"[1] من باحث إلى آخر طبقاً للزاوية التي ينظر منها، فإذا كان اهتمامه أمنياً عسكرياً، عرَّفَ "الدولة الفاشلة" بأنها تلك الدولة التي لا تسيطر على جميع أراضيها عسكرياً. أما إذا كان اهتمامه مالياً، فيعرّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع تسديد ديوانها وفوائد ديونها بانتظام. وإذا كان اهتمامه فكرياً، عرَّفها بأنها تلك الدولة التي لا تستطيع حل مشاكلها بنفسها بل تحتاج إلى تدخلٍ خارجي، حتى لو لم تطلب ذلك. وإذا كان اهتمامه منصباً على سيادة الدولة، يعرّف "الدولة الفاشلة"، بأنها تلك الدولة المنقوصة السيادة.  أما الباحث الدكتور سعد الكناني بأنها " الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية وحماية أمنها وسيطرتها على أراضيها وحدودها."[2]

وأميل إلى تعريفها بتلك الدولة التي لا تستطيع القيام بواجباتها الأساسية في خدمة مواطنيها وتحقيق أهدافها الأساسية في تنمية البلاد مثل تعميم التعليم والصحة والبنيات التحتية، وتحقيق العدالة.[3]

ولكي تصل الدولة إلى مرحلة الفشل، تمرّ بعدة مراحل مثل (الدولة الضعيفة) و (الدولة الهشّة) اللتين تواجهان مخاطر أقل من تلك التي تواجهها الدولة الفاشلة. ولكن هذه الدول، الضعيفة والهشة والفاشلة، توصف دائماً بأنها " دولة"، لأنها لا تفقد المقوِّمات الأساسية للدولة بالكامل، وأعني بذلك: المساحة الجغرافية، والسكّان، والنظام السياسي المتبع مهما كان، على الرغم من مواجهتها مشاكل تعرّض وحدتها، واستقلالها، وبقاءها، للخطر.

أسباب فشل الدولة:

يمكن حصر أسباب فشل الدول بعنصرين أساسيين:

أسباب خارجية:

أـ الحروب الطويلة، التي تمتد إلى سنوات عديدة.

ب ـ التغيرات الاجتماعية، ومن أمثلتها، تحوّل مجموعة سكانية إلى قوة مهيمنة في البلاد، ثم إلى جماعة منبوذة. وهكذا.

أسباب داخلية:

أـ حكومة فاسدة تعمل لخدمة فئة صغيرة من السكان هي الطبقة الحاكمة أو طائفة معينة، أو منطقة محددة من البلاد، بدلاً من خدمة الشعب برمته.

ب ـ الحروب الأهلية أو النزاعات الداخلية، طائفية أو عرقية أو عشائرية.

خصائص الدولة الفاشلة:

يمكن تلخيص خصائص الدولة الفاشلة فيما يأتي:

قابليتها المتناقصة للدفاع عن حدودها الوطنية، وفقدان السيطرة على أراضيها، أو على بعض أراضيها.

قابليتها المتناقصة على حفظ الأمن في البلاد، وفقدان سلطتها احتكارَ استخدام العنف في جميع الأراضي التي تحكمها.

فقدان السلطة لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها.

عجز السلطة عن توفير الحدِّ المعقول من الخدمات العامة.

وباختصار، فإن الدولة الفاشلة تتميز بوجود حكومة غير فعّالة لا تقوم بجميع واجباتها بصورة ناجعة نافعة.

وقد لوحظ أن الدولة الفاشلة لا تختفي بين ليلة وضحاها، بل قد تستمر في الوجود طويلاً، وأحياناً لأجيال عديدة (مدة الجيل عادة بين 25 و30 سنة).

مؤشِّر الدول الفاشلة:

تصدر الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة ومؤسسات دولية أخرى، مؤشِّرات معظمها سنوية لجميع الدول الأعضاء تتعلّق بمختلف الخدمات التي ينبغي أن تقوم به الحكومات لفائدة شعوبها، مثل مؤشر التنمية البشرية، مؤشر الفقر، مؤشر التعليم، إلخ.

وقد وضع الصندوق لأجل السلام[4] ومجلة السياسة الخارجية [5] في الولايات المتحدة الأمريكية (مؤشرَ الدول الفاشلة) السنوي منذ سنة 2005، وقد أطلقا عليه مؤخراً اسم ( مؤشر الدول الهشَّة)، وهي تسمية دبلوماسية، إن صح التعبير. ويصنّف هذا المؤشرُ الدولَ ذات السيادة في الأمم المتحدة والتي تتوافر معلومات عنها، إلى أصناف، ويحصر الفشل في أربعة أنواع:

ـ تنبيه،

ـ تحذير،

ـ فشل معتدل،

ـ فشل مستدام.

ويعطي كلَّ دولةٍ علامةً (او درجة) تتراوح بين 0 و 120. وكلما ارتفعت علامة الدولة، أصبح فشلها أكبر. وعادة ما تكون الدول الهشة (الفاشلة) هي الأكثر تخلفاً في ميدان التنمية البشرية، ويطلق عليها اسم دول ذات تنمية بشرية متدنية.

وفي مؤشر الدول الهشَّة (الفاشلة) لسنة 2015، نجد أن مؤشر اليمن، مثلاً، وهو الأعلى رتبة في الفشل هو: 111.7، في حين أن مؤشر فنلندا، وهي الأقل في الفشل: 15.1 فقط.  وصنَّف المؤشر قائمة الأمم المتحدة التي تشتمل على 177 دولة توافرت معلومات عنها على الوجه التالي:

33 دولة في حالة إنذار، وهي أسوأ هشاشة،

92 دولة في حالة تحذير،

39 دولة في حالة اعتدال،

13 دولة في حالة مقبولة.

فإذا أخذنا الصومال مثلاً للدول الهشة، نجد أن هذا البلد الذي يؤوي 15 مليون نسمة قد تعرَّض لأزمات جفاف منذ سنة 2011، ولحرب متواصلة بين القوات الحكومية وحركة الشباب تسببت في نزوح 2.9 مليون نسمة.

ويُعدُّ هذا المؤشِّر وسيلة نقدية، ليس لمعرفة الضغوط التي تتعرَّض لها الدول فحسب، بل

كذلك لمعرفة الأوقات التي تدفع فيها هذه الضغوط تلك الدول إلى حافة الفشل.

معايير مؤشِّر الفشل:

اعتمد مؤشر الفشل على عدة معايير أهمها:

أـ المؤشرات الاجتماعية:

1ـ الضغوط السكانية

2ـ حركة اللاجئين والمشردين

3ـ الانتقام (مثل الانتقامات العشائرية).

4ـ هجرة الأدمغة

ب ـ المؤشرات الاقتصادية:

5ـ التنمية الاقتصادية

6ـ التدهور الاقتصادي

ج ـ المؤشرات السياسية:

7ـ نزع الشرعية عن الدولة

8ـ التدهور التدريجي للخدمات

9ـ الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان

10 ـ الأجهزة الأمنية بمثابة دولة داخل دولة

11ـ صعود النخب المنقسمة

12 تدخل الدول الأجنبية في الدولة.

هل العراق دولة ضعيفة أو هشّة أو فاشلة؟

فإذا أخذنا أشهر الدول الفاشلة التي يذكرها هذا المؤشر، وهي:

أفغانستان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والسودان؛ والصومال وجنوب السودان، نجد أنها خاضت حروباً طويلة: إقليمية، أو أهلية، وأدَّت تلك الحروب إلى تغيّرات اجتماعية ملحوظة بسبب موجات النزوح والهجرة التي رافقت تلك الحروب أو نتجت عنها.

وإذا استطعنا أن نجد عذراً لفشل أفغانستان، لكونها تعرضت لمحاولاتٍ متواصلة لاستعمارها من قبل الدول الكبرى كبريطانيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن حالة دولة العراق الذي يُعد الآن أشهر الدول الفاشلة، تحتاج إلى تدقيق النظر.

فمنذ الانقلاب العسكري الذي قضى على النظام الملكي في 14 تموز/ يوليوز سنة 1958 برضى ودعم من الأحزاب العراقية، العلنية والسرية منها، اليسارية واليمينة (ويتساءل المرء: كيف يؤيد حزب سياسي مدني مشروع انقلاب عسكري، إلا إذا كان رؤساؤه متعطشين للسلطة وقد وعدهم العسكر بوزارة في الحكومة الانقلابية العسكرية؟!)  وما أعقبه من انقلابات عسكرية متتالية، وما تعرض له العراق من  حكم شمولي دام 35 عاماً تحت حكم دكتاتور جاهل دموي مولع بالقتل الجماعي، والمقابر الجماعية، وخوض الحروب الطويلة والقصيرة، وانتهى بغزو امريكي ـ بريطاني سنة 2003، نتج عنه وصول شرذمة من شخصيات معارضة " على دبابات الغزاة" وبمساندة إيران، ليحكموا البلاد بدعمٍ من المُستعمِر الجديد الذي وضع لهم "نظاماً"  يقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية يؤدي إلى تعميق الخلافات وتفتيت البلاد، وإطلاق يد الحكّام الجدد في نهب ثروات البلاد، وتحويل مليارات الدولارات شهرياً إلى حساباتهم الشخصية في بنوك الدول الغربية التي يحملون جنسياتها. فكل نظام سياسي يقوم على المحاصصة، مآلهُ، لا محالة، إلى الفشل الذريع. وهذا ما يفعله المُستعمر دوماً انطلاقاً من مبدأ " فرِّق تَسُد"، وما فشل الدولة اللبنانية إلا مثل على الدول التي يقوم نظامها السياسي على المحاصصة الطائفية، وهو نظام فرضه المُستعمِر الفرنسي على لبنان، عن دراية وقصد.

وخصائص السلطة الحاكمة بالعراق بعد الغزو الأمريكي عجيبة غريبة، ومن أهمها:

ـ المحاصصة العرقية الطائفية:

على الرغم من أن دستور العراق الذي وضع بإشراف المستعمر وتوجيهاته، واعلن سنة  2005، لا ينص على المحاصصة، فإن المحاصصة موجودة فعلاً وباتفاق جميع  الفاعلين السياسيين. فرئاسة الجمهورية رست على أكراد (السليمانية)، ورئاسة إقليم كرادستان العراق، أختص بها أكراد أربيل، ورئاسة الوزارة للعرب الشيعة، ورئاسة مجلس النواب الاتحادي في بغداد للعرب السنة، وهكذا.  وإذا دخلتَ في إحدى السفارات العراقية ووجدت السفير كردياً من أربيل، والقنصل كرديا من السليمانية، فاعلم أن وزارة الخارجية العراقية هي من حصة الأكراد، وهكذا دواليك.

ـ الفساد المستشري في مفاصل الدولة:

لقد أمسى الفساد تقليدا مرعياً وثقافة راسخة في الإدارة العراقية. فإذا كانت إحدى المديريات العامة في وزارة من الوزارات هي من حصة حزب معين، فإن المدير العام الجديد يؤدي سراً قسَم الإخلاص لرئيس الحزب الذي اختاره أو لمندوبه، كما يؤدي ثمناً لقاء المنصب قبل التعيين أو بعد التعيين شهرياً أو سنوياً. وقد شاهدتُ ذات مرة فيديواً مسرّباً لأحد وزراء الكهرباء المتعاقبين (ووزارة الكهرباء هي البقرة الحلوب الكبرى للفاسدين، فالعراق منذ أكثر من نصف قرن لم ينعم أهله بالكهرباء) وهو يؤدي قسم الإخلاص لمندوب رئيس حزبه. وبعبارة مختصرة، فإن المناصب العليا تُباع وتشترى، كما كانت في أواخر الدولة العثمانية.

والفساد على نوعين:

ـ النوع غير المقنن عن طريق نهب وسرقة واختلاس أموال الشعب بطرق غير مشروعة.

ـ النوع المقنن، عن طريق إصدار قانون أو مرسوم متَّفق عليه بين قادة الأحزاب الحاكمة دوماً يحدّد رواتب الوظائف العليا أو أعضاء البرلمان بأجور خيالية. فمثلاً يستحق النائب 32 راتباً إضافياً لحراس شخصيين يختارهم بحريته من أقاربه أو من غيرهم. ولم يأتِ هذا الرقم 32 اعتباطاً، بل بالاعتماد على عدد رجال الحماية التي كان يسهر على حماية الرئيس وكل فرد من أفراد أسرته وكبار مساعديه في فترة الحكم الشمولي.

ولتوضيح هذا النوع المقنن من الفساد الذي ينبغي أن يُدرَّس في معاهد الإدارة والقانون بوصفه من ابتكار المستعمر الأمريكي ورجال المحاصصة في حكم العراق. نضرب مثلاً في الراتب السنوي لبعض أصحاب المناصب العليا في العراق بعد 2003 (لأن قبل ذلك لا توجد رواتب محددة لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته وعشيرته):

ـ رئيس الجمهورية: حوالي  65000 دولار شهريا، ما عدا مخصصات الامتيازات، علماً بأن رئيس الجمهورية منصب شرفي، وله نائبان، يتقاضيان راتباً مقارباً لراتبه. (راتب الرئيس الأمريكي المعاصر أوباما آنذاك :

ـ رئيس مجلس النواب: 44000 دولار شهرياً.

ـ الوزير 28000 دولار شهرياً.

ـ أما الراتب التقاعدي للياور، رئيس الجمهورية الأول بعد الاحتلال الأمريكي فيبلغ  حولي 51 ألف دولار شهريا. ومجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضاها حتى سنة 2019 تبلغ  قرابة عشرة ملايين دولار.[6]

وهذه الرواتب لا مثيل لها في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا. وليس في بلد مثل العراق يعيش ما يقرب من 50 بالمئة من شعبه تحت خط الفقر المدقع. فإذا قارنا مثلاً راتب رئيس أقليم كردستان العراق (وهو 400 ألف دولار شهرياً)، براتب  معاصريه من رؤساء الدول الكبرى الغنية، مثل الرئيس الأمريكي أوباما مع المخصصات الإضافية ( وهو 37 ألف دولار شهرياً) وبراتب الرئيس الفرنسي ساركوزي (وهو 24 ألف يورو/دولار)، وبراتب السيدة ميركل المستشارة الألمانية (وهو  23 ألف يورو/ دولار) يتضح لنا الفساد في العراق. فهذه الرواتب المبالغ فيها هي نوع من الفساد المقنن المتفق عليه بين حكام المحاصصة.

ولكن هذه الرواتب الخيالية لا تعدّ شيئاً ذي بال إزاء الامتيازات الخارقة لزعماء العراق الفقير. ولعل حالة جلال الطالباني (1933ـ2017) رئيس جمهورية العراق الراحل مثلاً واضحاً على ذلك. فقد أنتُخبه "مجلس النواب" مرتين لرئاسة الجمهورية أمضى معظم المدة الرئاسية في مستشفيات خاصة في الأردن والولايات المتحدة وألمانيا (آخرها في مستشفى ألماني رفيع المستوى مدة سنة ونصف متواصلة) على حساب العراق طبعاً، وقبيل وفاته في ألمانيا، أعلنت رئاسة الجمهورية على موقعها ان الطالباني الذي سيصل مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق سيؤدي " بكل المسؤولية المعروفة عنه مهامه وعمله رئيساً لجمهورية العراق". ولكن جثمانه  ـ مع الأسف ـ هو الذي وصل من المانيا بعد أن أمضى سنة ونصف في مستشفى الماني رفيع  على حساب العراق. وفي تشييعه رفض أهله وأنصاره لف جثمانه بالعلم العراقي الذي هو رئيسه، وإنما بالعلم الكردي، وكتبا شاهدة القبر باللغة الكردية، علماً بأن الناطقين بكردية السليمانية والناطقين بكردية أربيل لا يتفاهمان إلا بلغة العراق العربية. وكانت عقيلة الرئيس الطالباني قد تبرعت بخمسة ملايين جنيه إسترليني لجامعة بريطانية لتدريس اللغة الكردية فيها (طبعا لهجة السليمانية).

ـ المليشيات المقدسة:

كان المستعمر البريطاني يطلق على الهند لقب " أرض البقرة المقدّسة"، لأن البقرة مقدَّسة لدى الهندوس الذين يشكِّلون الأغلبية في الهند، فالبقرة تسير في الطرقات والأسواق وتأكل ما تريد من خضروات معروضة للبيع دون أن يستطيع أحد أن يعترضها أو يمنعها. فهي مقدسة.  وبالمثل يسمّي بعضهم  العراق " أرض المليشيات المقدّسة". والسبب في ذلك أنه توجد في العراق 32 ميليشيا (وهذا رقم قياسي عالمي)، منذ سنة 2014 (وبعضها القليل قد نشأ قبل ذلك التاريخ.). وتسمية بعضهم هذه المليشيات ب "المقدسة" نابعة من كون كثير من هذه المليشيات يرأسها رجال دين من حوزة النجف، وهم يرتدون ملابسهم الدينية بعمائمهم البيضاء أو السوداء، وليست أزياء عسكرية، فهم لم يدرسوا في أية مدرسة عسكرية، تماماً مثل معظم أفراد عائلة الرئيس صدام الذين حملوا رتب عسكرية رفيعة، مثل فريق وعميد ركن، إلخ. دون أن يدرسوا في أية كلية عسكرية أو مدنية.

وكثير من هذه المليشيات أنشأتها أو تموّلها إيران، وتأتمر بأوامرها. وهذه سياسة استعمارية فارسية مارستها إيران منذ زمن الإمبراطورية الفارسية الثانية (220ـ651م)، فكان الفرس الساسانيون يستعملون العرب المناذرة بالحيرة في العراق لحرب أعدائهم الرومان الذين كانوا يستعملون العرب الغساسنة في الشام لذلك الغرض.[7]  ومن الممكن أن نطلق على هذه الحروب بين العرب المناذرة والعرب الغساسنة اسم " حروب بالوكالة"، حتى جاء الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي ووحدهما تحت رايته.

وإذا وُجدت مليشيا واحدة في إحدى الدول فاعلم أنها دولة ضعيفة هشة فاشلة، لأن جيش الحكومة فيها لا يسيطر على جميع أراضيها، وأن الصدام بين الجيش وإحدى تلك المليشيات المتعددة أو بين المليشيات نفسها محتمل جداً، كما هو الحال في السودان حاليا. فالحرب دائرة بين الجيش السوداني وميليشيا " الدعم السريع" اللذين نشبت بينهما قبل أكثر من أربعة أشهر، ويروح ضحيتها يوميا مواطنون سودانيون، وبلغ النازحون والمهجرون من الشعب السوداني حتى الآن حوالي أربعة ملايين مواطن إضافة إلى القتلى والجرحى. فما بالك في بلد واحد توجد فيه 32 ميليشيا (الله يكون في عونه!).

هل يطالب الشعب العراقي بحقوقه؟

إذا أردت أن تسرق شعباً فعليك تجهيله أولاً. وهذا ما دأبت على فعله الحكومات العسكرية أو شبه العسكرية منذ إسقاط الملكية سنة 1958، فليس بناء المدارس والمستشفيات من أولوياتها مطلقاً. وفي زمن المحاصصة الطائفية والعرقية، دأبت الحكومات المتعاقبة على الإمعان في التجهيل بشتى الوسائل، مثل إدخال طقوس تجهيلية في زيارة العتبات المقدسة بالعراق. فتجد من الزوار مَن يتمرغل في الوحل والأوساخ. ولا ينهاه أحد من رجال الدين من أصحاب الميليشيات الذين درسوا الفقه وأول أبوابه، باب الطهارة، ناهيك بالتطبير في عاشوراء الذي حرّمه كبار المراجع الدينية الشيعية منذ بداية القرن العشرين الميلادي مثل  السيد الشهرستاني والسيد أبو الحسن ( الذي ذبحوا أبنه حينما كان يصلي خلفه عقابا له على موافقته على تحريم التطبير).

ومع كل ذلك التجهيل المريع، فإن الشعب العراقي شعب أبيُّ كريم، لا يرضى بالضيم، فواصل الخروج بالمظاهرات التي تطالب بـما يلي:

ـ محاربة الفساد،

ـ توفير العمل للعاطلين.

ـ تحسين الخدمات

ـ إنهاء الفساد.

وكانت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2005 تقابل تلك المظاهرات السلمية بالغاز المسيل للدموع، وبالرصاص الحي. وقد أدت هذه الممارسات القمعية الهمجية إلى مقتل 740 مواطناً وجرح 17 ألف مواطن آخر في بغداد وبقية المحافظات، إضافة الى المخطوفين. وفي كل مرة يصدر بيان من وزارة الداخلية في بغداد يزعم أن مندسّين أطلقوا النار على المتظاهرين (ويتساءل المرء: ما هي وظيفة رجال الأمن؟ أليس قبل كل شيء حماية المواطنين من المندسين؟!)[8]

وأخيرا يتساءل المرء: كيف الخلاص، وقد قلنا إن الدولة الهشة قد تستمر عدة أجيال؟

ما هو الحل؟

لا يكمن الحل في توافق الفاسدين المفسدين على الإصلاح، فهذا كمن يتطلبُ في الماء جذوةَ نار. يكمن الحل في الرجل الوطني الغيور الذي يقوم بعملية الإصلاح. تحضرني حكاية عن لي كوان يو ( 1923 ـ 2015) الذي كان شاباً لا يتجاوز عمره خمسة وثلاثين عاماً عندما تولى رئاسة وزراء سنغافورة بعد استقلالها في مطلع الستينيات؛ وكانت أفقر دولة في آسيا، مجرد مدينة بلا موارد، فحوّلها إلى دولة راقية ذات اقتصاد رفيع، ترتيبها في سلم التنمية البشرية العالمي اليوم هو الخامس بين 189 دولة.  ولهذا فهو يُلقَّب بالرئيس المعلّم الذي حوَّل التراب إلى ذهب.

يقول الرئيس لي كوان يو:

" إلى أي درجة كانت سنغافورة الستينيات تعيسة بائسة: فقر ومرض وفساد وجريمة. بيعت مناصب الدولة لمن يدفع، خطف رجال الشرطة الصغيرات لدعارة الأجانب، وقاسموا اللصوص والمومسات فيما يجمعون. أحتكر قادة الجيش الأراضي والرز، وباع القضاة أحكامهم. قال الجميع: الإصلاح مستحيل.

لكنني توجَّهتُ إلى المعلمين الذين كانوا في بؤس ويزدريهم الجميع، ومنحتُهم أعلى الأجور وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان."

سأل أحد الصحفيين لي كوان يو : ما هو الفرق بين سنغافورة ودول العالم الثالث الآسيوية؟؟

فأجاب:

" الفرق هو أننا نبني المدارس والمكتبات ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد. نحن ننفق موارد الدولة على التعليم، وهم ينفقونها على السلاح. نحن نحارب الفساد من قمة الهرم، وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار. "

وعندما أثنوا على لي كوان يو، بوصفه صانع المعجزة في سنغافورة، قال بكل تواضع:

ـ أنا فقط قمتُ بواجبي نحو وطني، فخصصتُ موارد الدولة للتعليم وغيرتُ مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، والمعلم هو مَن صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه بعضاً في الشوارع."

***

الدكتور علي القاسمي

..........................

[1] Failed State/ Etat defiant

[2] سعد  الكناني، "العراق بعد 2003، الدولة الفاشلة" في الحوار المتمدن، عدد 7619 بتاريخ 22/5/2023.

[3] علي القاسمي. الجامعة والتنمية (الرباط: المعرفة للجمع، 2001) ص 29

[4] Peace Fund  (PFF).

[5] Foreign Policy

[6]  صلاح خسن بابان. أرقام فلكية تستنزف ميزانية العراق في الرابط:

https://www.aljazeera.net/politics/2020/9/29/%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-لام

[7] عبد الهادي محيسن. مملكتا المناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام . مجلة الشراع 30 أيار، 2021.

[8] www.aljazeeera.net/politics/2002

باستغراب كبير، تلقى القراء والمشاهدين تصريحات رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في الذكرى 78، لضحايا الضربة النووية الأمريكية لهيروشيما وناغازاكي، حيث ألقت الطائرات الأمريكية، قنابل ذرية على المدينة لتسريع استسلام طوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا هو المثال الوحيد للاستخدام القتالي للأسلحة النووية في تاريخ البشرية، وفي الواقع، تم اختبارها بلا رحمة على السكان المدنيين، ووفقًا لتقديرات مختلفة، فان العدد الإجمالي لضحايا هذه العملية في ذلك العام كانت 80 ألفاً، وتوفي نفس العدد لاحقًا بشكل مؤلم من مرض الإشعاع .

وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد أجرت قبيل أرتكاب جريمتها " البشعة "، أبحاث في مجال الاستخدام العسكري للأسلحة النووية في الولايات المتحدة منذ عام 1939، وكان الأمر يتعلق بإنشاء سلاح جديد فائق القوة، والذي من شأن امتلاكه أن يسمح لواشنطن بإملاء إرادتها على العالم بأسره، وتم استثمار ما يقرب من 2 مليار دولار في ذلك الوقت في المشروع ذي الصلة، والذي يحمل الاسم الرمزي مانهاتن، وبحلول منتصف صيف عام 1945، تم إنشاء ثلاث قنابل ذرية بأسماء ساخرة "ثينج" و"كيد" و"سمين مان"، وكان يتم التحضير لانفجار تجريبي، وكانوا يأملون في "تخويف" اليابان وفي نفس الوقت إثارة إعجاب الاتحاد السوفيتي .

وتوقفت عقارب جميع الساعات في هيروشيما تقريبًا لحظة وقوع الانفجار في الساعة 08:15 صباحًا، وتم محو المدينة بالكامل من على وجه الأرض، وحولت موجة الانفجار الناس إلى رماد داخل دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات من مركز الانفجار، وإن محاولات المؤرخين الغربيين لتبرير هذه الجريمة البشعة برغبة الولايات المتحدة في إجبار اليابان على الانسحاب من الحرب العالمية الثانية، لا تصمد أمام التدقيق، وبحلول بداية أغسطس 1945، كانت القوات العسكرية اليابانية قد استنفدت بالفعل، ولعب دخول الاتحاد السوفيتي الحرب دورًا حاسمًا في هزيمتهم.

والاستغراب هنا، هو التحذير الذي اطلقه كيشيدا من ما اسماها " بالتهديدات النووية الروسية"، متجاهلا في الوقت نفسه الدولة التي قتلت مئات الآلاف من مواطنيه بالقصف النووي ، وعوضا عن ذلك، بدأ حاكم هيروشيما حديثه خلال المراسم أيضا بذكر "التهديدات النووية من روسيا"، والتي "تهدد" حسب زعمه "بالأسلحة النووية وتجعل الطريق إلى عالم خال من الأسلحة النووية أكثر صعوبة"، والبرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، لكنه لم يذكر أو يتطرق حتى إلى الدولة التي ألقت القنبلة الذرية على مدنهم، كما تجلت المعايير المزدوجة لسياسة طوكيو، في حقيقة أنه استجابة لطلب الناجين من المأساة لإبرام اتفاق بشأن حظر الأسلحة النووية، وعد كيشيدا ببذل الجهود المناسبة فيما يتعلق بالدول الأخرى، ومع ذلك، لم يذكر الولايات المتحدة مرة أخرى.

كما وان الغريب في كلام كيشيدا، هو انه في الوقت الذي يشدد فيه على حجم المأساة بالقول " إن مئات الآلاف من الأرواح أزهقت بقنبلة ذرية واحدة في هيروشيما" وحولت المدينة إلى أرض محترقة، فإنه يتناسى السؤال الأهم، وهو من أقدم على ارتكاب هذه الجريمة ياسيد كيشيدا؟، هل هي روسيا؟، وهنا استحضرني مقطع تمثيلي للفنان الكبير محمد حسين عبد الرحيم، في برنامجه الشهير  " أستراحة الظهيرة "، عندما توعد " لعدوه "، اذا لم يكف عن ايذاءه، فانه سيضرب " صديقه " !!، فروسيا وحتى وقت قريب قطعت شوطا كبيرا في بناء علاقات متميزة مع اليابان، وكانت كل الأمور تتجه نحو التوقيع على " معاهدة سلام " مشتركة، في حين، رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى كتابة كلمة أعتذار للشعب الياباني في سجل المدينة المنكوبة عندما وصلها في اجتماع قمة السبعة الذي عقد في اليابان في مايو الماضي، و" الصلافة " الامريكية وعنجهيتها، تجسدت في تصريح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لن يعتذر عن قصف مدينة هيروشيما اليابانية.

ان ما تسمى "رؤية هيروشيما" كانت أول وثيقة للدول الأعضاء في مجموعة السبع، والتي ركزت على أهمية خفض الأسلحة النووية، لكنها في الوقت نفسه لم تؤثر على معاهدة حظر الأسلحة النووية، ولكن على العكس من ذلك، أشارت أن "الأسلحة النووية تخدم أغراض دفاعية"، واعتبر منتقدو رئيس الوزراء الياباني الوثيقة نفسها وموقف اليابان من معاهدة حظر الأسلحة النووية متناقضين للغاية، وتصر المعارضة على أن اليابان، التي تقع تحت حماية المظلة النووية الأمريكية، يجب أن تصبح مراقبًا على الأقل، ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي تقدم هنا، فكيشيدا يعتقد أنه نظرًا لعدم توقيع أي من دول النادي النووي على المعاهدة، فإن دور اليابان، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف النووي، هو تقريبها من هذا القرار.

ان امتناع كيشيدا عن ذكر حقيقة أن مسؤولية قصف المدن اليابانية تقع على عاتق الولايات المتحدة، يشير لها الخبراء إلى أن محاولات إلقاء اللوم على روسيا بسبب عدم الاستقرار في المجال النووي والصمت عن تصرفات الولايات المتحدة في هذا المجال تشير إلى محاولات للحفاظ على هيمنة الأجندة الموالية للغرب على الساحة الدولية، وكعادتها، فان الأمم المتحدة لم يذكر امينها العام في الدور الأمريكي في القصف النووي لليابان وأقتصر كلام أنطونيو غوتيريس، في رسالته، على تحذير من أن "طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى".

وهكذا، فإن القصف الذري لهيروشيما لم يكن أكثر من عرض همجي للقوة ومحاولة لتبرير التكاليف الضخمة لمشروع مانهاتن، في الوقت نفسه، لم يعتبر هاري ترومان ولا أتباعه كرئيس للولايات المتحدة أنه من الضروري الاعتذار عن المعاناة التي عانى منها سكان المدينة، وحتى يومنا هذا، لا يزال الموت المروع للمدنيين الأبرياء يتردد في قلوب الملايين من الناس على هذا الكوكب، ومن الصعب وكما يؤكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذه المناسبة " أن نفهم تمامًا دوافع أولئك الذين خططوا ونفذوا مثل هذا العمل اللاإنساني" .

في روسيا، انتقدوا الصمت المتعمد من جانب القيادة اليابانية، والأمين العام للأمم المتحدة، لحقيقة أن مسؤولية الاستخدام القتالي للأسلحة النووية تقع على عاتق الأمريكيين، وعلى وجه الخصوص، وصف رئيس اللجنة الدولية لمجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، أنه من غير المفهوم أنه "لم يتم حتى تسمية الولايات المتحدة" في حدث الحداد الحالي، وأشار الى إن أيديولوجية النزعة الإنسانية السياسية، التي يتبناها الغرب الجماعي، تستبعد الحقائق غير المريحة من التاريخ وتبرز الحقائق المخزية، لذلك، فإن جرائم وإملاءات وضغوط الولايات المتحدة تسمى النضال من أجل السلام والديمقراطية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والإطاحة بالأنظمة المرفوضة - حماية الحقوق والحريات، وتعزيز النازية - دعم الاستقلال .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

العماد الاكبر في معرفة المصطلحات الثلاثة التاريخ والحضارة والخُرافة واهميتها في حياة البشر، هي معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر، ما عايشه وما توصل اليه بنفسه من ملاحظات، وهو في مسيرة قراءة تاريخ البشر.

من هنا نقول: ان موضوع الحضارة يحتاج الى معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر. لذا فالكتابة في الحضارة والتاريخ يحتاج الى فتح باب التفكير والمناقشة في قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث وليس مصطلحات الدين الواهية التي يقصدون منها تخلف البشر. فاذا وفق الكاتب في ذلك فقد أوفى على الغاية من معرفته بتاريخ وحضارة البشر.

فلسفة التاريخ هي المحرك لمعرفة القوى المسيرة للتاريخ وقواعد تحكم سير الحوادث التي منها نستق قوانين الادراك للاحداث ومن ورائها استيعابها والتطبيق لها لتساعدنا على فتح الطريق الصحيح الخالي من العوائق لنسير فيه دون عراقيل لنوفر اسباب السعادة للبشر، ونبتعد عن الخُرافه الكلام المستملح للكذب غير المصدق من قبل فقهاء الدين والمحدثين بلا دليل الذي حولته الاديان الى حقائق غير مدروسة وغير ثابته في تاريخ البشر.

ان قصد الخرافة ان تجعلك تصدق بالماورائيات دون دليل بعد ان تحول عقلك الى عقيدة مستملحة لا تقبل المناقشة والتفكير كما في طروحات مؤسسة الدين (أمنيات الجنة والنار) دون معرفة العدل والقانون والعمل الصالح، وربطها بالحج وغيرها من ترهات كلام رجال الدين ، بهذه التوجهات الخرافية استطاع رجل الدين ان يحول المعقول الى وَهمَ، والعقل الى خرافة امنيات يتمناها البشر. لذا عندما يتحول الوَهَم الى حقيقة والخرافة الى عقيدة مغلفة بالعقيدة المقدسة يصل رجل الدين الى نهاية عقل البشروتدميره، من هنا فاصحاب الديانات عمدوا على نفي علم الفلسفة واستبدلوه بالعقيدة ليتمكنوا من حكم البشر بعقيدة التخريف التأملية دون حقيقة التاريخ والحضارة والعمل الصالح، لتغليب الخُرافة على البشر، كما نراها اليوم حين حولوا المبادىء الى خرافة بشر.

والتاريخ المكتوب لخدمة الملوك والامراء والسلاطين لم نعثر فيه سوى التعريف بحياتهم واحاطتها بالتمجيد وقوة خرافة البشر، حياتهم يكتنفها الظلم والانانية وأحتقار البشر، لكنك حين تقرأ للمؤرخين القدامى وحتى بعض المُحدثين لا تجد في معرفة حياتهم سوى صورا مختلفة لنظام القسوة وترصيع الكلام بصورا ثابته لهم تحسبها حضارة وتاريخ ناصع لا يناقش في حقوق البشر بل تهدف من ورائها الى ترسيخ الخرافة في عقل البشر، مؤسسة الدين نموذجاً.

فرق كبير بين مفكري الغرب ومفكرينا في امر مشكلة تقدم الانسان وماضيه وحاضره ومستقبله لتجد ان الفرق بين الاثنين هو ان نتوصل الى درس عميق في التوجه والتطبيق لانتاج حضارة البشر.في الاول تقدم وفي الثاني تخريف من اصحاب ديانات البشر.

مفكري الغرب بحثوا في كل مشاكل البشر وأعادوا النظر في كل ما قامت به الانسانية من تجارب في الماضي، ففتحوا لها ابوابا واسعة للتفكير والتغيير، فمهدوا بذلك لثورة طويلة بعيدة المدى في فكر الانسان والنظم السياسية والاجتماعية بدأت بثورات المفكرين الفرنسيين الذين نادوا بالحرية والاخاء والمساواة والثورة الامريكية التي نادت بالدستور والقانون وفصلت الدين عن السياسة، حتى بدأت الدولة تدخل في عصر الحقوق لا تخريفات البشر.

فهل يمكننا فهم حقوق الناس دون فهم معايير الحضارة والتاريخ وحقوق البشر، لتتطور حقوق الناس بالقانون لا باراء مرجعيات الدين المقفلة عقولهم الا ما يوازي فكر الدين لا البشر، وهكذا تطورت الثقافة ومحتواها ففتحت لهم افكار التفكر والتطور وحقوق البشر، فكانت الدولة هي الفكر لا ارادة قدسية البشر.فثمار الحضارة في التاريخ لا تظهر لنا الا اذا أضفنا الزمن الى جهد الانسان ليجربها مرة بعد اخرى فيثبت جدارتها في التغيير والتطور لا تقديم خرافات الدين في البشر، فالتقدم الحضاري ليس وحيا من الله كما قال احد مفكري الاسلام ابن حزم في كتابه مراتب العلوم بل اعطاه العقل ليفكر ويخترق ابواب العلم لتطوير البشر.

ماذا جنينا من ثوراتنا في عراق المظاليم غير ترهات الدين في أمنيات الأخرة في الجنة والنار، سرقة اموال الدولة، حكومات المحاصصة المذهبية دون عدالة القانون، قتل العلماء والمفكرين، مذاهب واجتهادات كلها تتنافى وعقلية البشر، بكاء ونحيب وتطبير وتخريف بحجة البكاء على المخلصين وما هي الا َوهَم من صنع فقيه الدين، لكنهم لم يعرضوا لنا ما اراد القائد الشجاع من ثورته التي جاء بها من اجل الاصلاح، بل منذ 1400 سنة وهم يعرضوا لنا كيف قتل القائد البشر، ولميقولوا لنا لمذا كانتثورة القائد البشر، فماذا استفدنا غير ترهات افكار مؤسسة الدين الوالغة في قدسية النص دون علم من بشر.

لم يحدثونا عن التخلي عن التعصب الديني، والحقيقة الدينية وتطورها وهل هي مطلقة ام محددة.ولم يقولوا لنا ان الثورات والتغيرات الدينية هي اساليب يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة، والاهداف الواضحة والبناء السليم.لا بل ظلوا يعلموننا بالخضوع لهم باعتبار الخضوع اوامر الخالق العظيم، لا ما هكذا يكون الدين ولا قياداته ابدا.فالدين الذي ينقلنا الى عبيد فهو ليس بدين ولا نعتقد به مخلصين.

كانوا وما زالوا همهم السياسة والسلطة، والسياسة تعمي االبصر، ووتضلل الذهن، وتملأ القلب قسوة، وتجعل الانسان يرتكب جرائم لا توصف لتبقى السلطة والمال بيده وقتل الشرعية ليخلو لهم الحكم دون معارضة من احد، هذه هي سياسة المسلمين منذ وفاة صاحب الدعوة الى اليوم دون تغيير، لذلا بقينا على حالنا دون تقدم ولا تغيير.

والمشكلة كلها هي مشكلة عدم وجود دستور للدولة واذا وجد فهو مصاغ لخدمة السلطة لا الناس كما في دستور العراقيين اليوم الذي انكرته الامة فبقيت شروره ترافق الدولة دون حقوق.

فاين مناهجنا الدراسية التي تنبه العقول على الخطأ المستمر ونحن نهرول خلف الرادود،

الى لقاء اخرمع التاريخ لنبين كذب ودجل مؤسسة الدين؟

***

د. عبد الجبار العبيدي

على الرغم من وفرة الموارد الطبيعية، إلا أن إفريقيا لا تزال هي الأكثر فقراً وتخلفًا بين قارات العالم. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب التي بذرها الاستعمار منذ أكثر من قرن، على نحو: انتشار الأمراض القاتلة والفيروسات فضلًا عن الحكومات الفاسدة الموالية للغرب والتي غالبًا ما ترتكب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان وتربطها بالدول المتنفذة علاقات تقوم على المنفعة الشخصية من باب العمالة والولاء، ما يؤدي إلى فشل في التخطيط المركزي، وارتفاع مستويات الأمية، وعدم الحصول على رؤوس الأموال الأجنبية من باب الاستثمار العادل وترك الساحات للشركات الغربية الطفيلية، إلى جانب الصراعات القبلية والعسكرية المتكررة (بداية من حرب العصابات إلى الإبادة الجماعية). ووفقًا 'لتقرير التنمية البشرية لعام 2003 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، فإن الدول الخمس وعشرين الأشد فقراً من حيث الترتيب على صعيد عالمي، هي دول أفريقية.

في كل الأحوال فالتعامل مع أفريقا من قبل الدول المتنفذة يتم وفق رؤيتين وهما:

أولاً: الرؤية الاستثمارية العادلة وتبادل المنافع (روسيا والصين)

وتعتبر هذه العلاقة البينية الأكثر رواجاً في أفريقيا كونها تعتمد على الشراكة الكاملة ضمن حقوق غير منقوصة ضمن الاستثمار في قطاعات مختلفة صناعية واستخراجية وخدماتية (مصانع، مناجم لاستخراج لعناصر النفيسة، آبار للنفط والغاز، موانئ على المحيطين الأطلسي جهة الغرب او الهندي أقصى الشرق ناهيك عن الخدمات الأمنية) ، ويكون من مخرجاتها دعم التنمية المحلية وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم بمستوياته بالإضافة إلى تطوير البنى التحتية في كافة القطاعات بما يتلاءم والظروف الجاذبة للاستثمار.

يحدث كل ذلك دون أن يتدخل المستثمر الأجنبي -مهما تغولت قدرته- في الشؤون المحلية للبلد المضيف؛ بل سيكون خاضعاً للقوانين المحلية.

أما بالنسبة لتوفير الحماية للمنشآت ذات العلاقة والمستهدفة من المليشيات الفاسدة- إن وجدت- فسيكون بالتعاقد مع شركات أمنية خاصة لا ينحصر دورها ضمن المنشآت المعنية بعقود الشراكة، بل يمكن إناطة أدوار أكثر اتساعاً لصالح الدول المضيفة من خلال التعاقد مع حكوماتها بغية تعزيز الأمن وتحقيق الاستقرار.

ومن أهم هذه الشركات على صعيدي روسيا والصين:

- شركة فاغنر الروسية العابرة للقارات..

حيث أبرمت إدارة شركة فاغنر عقوداً تجارية خاصة مع الحكومات والشركات المحلية أو الجماعات المسلحة في ليبيا والسودان وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، نشرت مجموعة فاغنر حوالي ألفي مرتزق منذ عام 2018 على خلفية الصراعات الدينية والتحول الدبلوماسي بعيدا عن فرنسا، وفي بوركينا فاسو، دعمت الكابتن إبراهيم تراوري، قائد الانقلاب في سبتمبر 2022.

وفاغنر تعمل في عشر دول أفريقية، فيما تستعد الآن لدعم انقلاب النيجر ضد ما يحاك ضدها من قبل فرنسا وحلفائها.

وزد على ذلك توغل روسيا أكثر في تقديم الدعم لأفريقيا مادياً وخاصة القمح كما وعد بوتين الأفارقة في مؤتمر بطرسبورغ الأخير، ناهيك عن الدعم العسكري من خلال التدريب وتقديم الخبراء والسماح لفاغنر بالقيام بأي دور يناط بها وخاصة حماية الانقلاب في النيجر انطلاقاً من بوركينا فاسو .

أما بالنسبة للصين فالحاجة إلى حماية المنشآت سيكون أكثر إلحاحاً من منطلق أن القارة تحتضن اليوم نحو عشرة آلاف شركة صينية وما يصل إلى مليوني عامل صيني يشاركون في تطوير البنية التحتية وبناء المساكن والإنتاج الصناعي والتعدين. وتتطلب الاستثمارات التي تقدر بمليارات الدولارات الحماية المادية والجسدية.

وعلى سبيل المثال، شارك في كينيا وحدها ألفا موظف من هذه الشركات في حماية بناء خط سكة حديد مومباسا- نيروبي- نيفاشا ويمكنك تخيل حجم الموارد البشرية في مثل هذه الشركات العاملة على طول مشروع الحرير العابر للقارات.

ثانياً: الوجود الاستعماري الطفيلي:

الذي يعتمد على نهب الثروات في شراكات غير عادلة مع الحكومات الفاسدة التي سيناط بها تقديم الخدمات للمستعمر مقابل عمولات شخصية ضخمة.

وذلك في إطار حكومات عميقة فاسدة كان لها دور رئيسيٌّ في إفقار الشعوب وجلب الفوضى التي ستؤمن لهم وجوداً أكثر رسوخا.

ولحماية مصالح الدول الاستعمارية فقد سُمِحَ لها ببناء قواعد عسكرية في الدول المضيفة من باب الوصاية على الأمن وحماية الديمقراطية والتصدي للإرهاب فتكون النتيجة خلاف ذلك تماماً.

وأسوأ مثال على ذلك النموذج الفرنسي في أفريقيا الذي تخلصت منه القارة السوداء نسبياً، كما فعلت بلد المليون شهيد، الجزائر.. إلا أن فرنسا استبدلت الوسائل التقليدية في السيطرة بالتحكم الاقتصادي المُسْتَنْزِفْ لثروات أفريقيا من خلال علاقات طفيلية، فقامت بصك عملة أفريقية ربطته بالفرنك الفرنسي وقد اعتمدته أثنا عشر دولة في غرب أفريقيا تحت اسم الفرنك الأفريقي، بدعم من البنك المركزي الفرنسي. وكان على كل دولة الاحتفاظ بنصف احتياطاتها من العملات في البنك الفرنسي.

ولترسيخ وجودها الاقتصادي في القارة السوداء ساهمت فرنسا في دعم التكتلات الاقتصادية الأفريقية على نحو مجموعة الإكواس التي أسست عام 1975.. ورغم أنها اقتصادية الأهداف؛ إلا أن العقلية الفرنسية الاستعمارية المتعالية تسعى في الوقت الراهن إلى توظيفها عسكرياً، من خلال مواجهات عسكرية بالوكالة في النيجر لإفشال الانقلاب الذي انبرى قادته إلى طرد فرنسا من البلاد بإيقاف جميع العقود الاقتصادية والعسكرية بين الطرفين وأهمها إيقاف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، والذي يشكل ما نسبته 10% من حاجة فرنسا الذي تستخدمه في توليد الكهرباء، التي تفتقر إليها النيجر في كثير من القطاعات.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاركة الإكواس ستكون باستثناء دولتين داعمتين للانقلاب ومتعاقدتين مع فاغنر وهما مالي ووبوركينا فاسو ووقوف تشاد على الحياد.. وتصويت برلمان السنغال ضد المشاركة، وانحجاب نيجيريا عن دورها الموعود بضغط من الشارع النيجيري.

إن مردود التجربتين الروسية والصينية مادياً ومعنوياً أدّى إلى انتشارهما بترحيب أفريقي شديد، وذلك على على حساب الغرب وخاصة فرنسا، فقد دق الخبراء ناقوس الخطر حيث أوشكت فرنسا التي كان لها وجود تاريخي طاغي أن تخرج من القارة السوداء وهي تجر أذيال الخيبة، لذلك فهي الآن تقاوم للحفاظ على أهم وآخر معاقلها غرب أفريقيا، النيجر، وباستخدام "خجول" لشعار حماية "الديمقراطية" في النيجر التي باتت "منتهكة" في فرنسا نفسها.

وهو ما نبه الغرب عموماً وفرنسا بالتحديد إلى ضرورة استلهام التجربتين الآنفتين باعتماد النهج التنموي للعودة إلى القارة الأفريقية التي انقلبت على الغرب بعد عقود من الاستعمار الذي ادى إلى نهب الثروات الأفريقية وتسببت بإشاعة الفقر والجوع وإشعال الصراعات ما بين المناوئين والمؤيدين لفرنسا.

في سياق ذلك قال الصحفي في ـ"المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" أنطون فيسيلوف:

"إن الأنجلوسكسونيين يستعدون لخوض معركة جديدة للنفوذ في القارة السمراء، ذاكراً أن وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي كشف -قبل زيارة له إلى غانا ونيجيريا وزامبيا في 4 أوغسطس 2023- عن اعتزام بلاده تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في مجال الأمن وتنفيذ برامج تدريبية للوحدات العسكرية المحلية. ودعا كليفرلي إلى ضرورة تقديم الغرب الجماعي خيارات بديلة لأفريقيا للتنمية تختلف عما تقدمه روسيا أو الصين".

ويعزي كليفرلي أهم أسباب التمدد الصيني أو الروسي إلى اعتماد سياسة القروض والمشاريع الاقتصادية ذات العائدات الجيدة والمضمونة على الاستثمار ، التي "أصبحت كلفتها تتجاوز ربع الناتج العام المحلي لبلدان أفريقيا".

وهذا رسخ من الوجود الصيني في أفريقيا؛ لا بل وشكل مع الوجود التاريخي الاستعماري الغربي السيئ عقبةً كأداء في طريق العودة إلى القارة بعد استنزاف ثرواتها لعقود خلت دون تحقيق أي تقدم في التنوية في عالم يتغير وتتعدد أقطابه.. وهي محاولة غربية يبدو أنها جاءت متأخرة وفات أوانها.

***

بقلم بكر السباتين

7 أوغسطس 2023

تاريخ الدول هو أساس وجودها، وحدودها هو التاريخ الذي يحدد علاقتها بمحيطها الخارجي فتلك الحدود تتجاوز مجرد كونها خطوط على وجه الخرائط لتفصل بين دولتين متجاورتين أو أكثر. والحدود بين العراق والكويت هي قصة وجع بدأت فصولها منذ عام 1921. وتبدأ القصة دوماً بمعاهدات السلام التي وُقِّعتْ في أعقاب الحرب العالمية الأولى منذ ان قام موظف مدني بريطاني وضع حدود المملكة العراقية والكويت في عام 1922. فمع زيادة اهمية منطقة الجزيرة العربية في الساسة الدولية نهايات القرن التاسع عشر بدأ الضباط السياسيون البريطانيون بإعداد وتهيئة المنطقة للتحولات الخطيرة والكبيرة التي ستحدث فيها عنـدما تسلم ونستون تشرشل زمام المسؤولية عن دائرة الشرق الأوسط، بوصفه وزيرا للمستعمرات البريطانية في الحكومة البريطانية. إستدعى على الفور الإنكليز اللذين يشغلون مناصب حساسة في البلاد العربية، من عسكريين وإداريين وموظفين منهم (السير كلبرت كلايتون، السير برس كوكس، السير رونالد ستار، اللورد جورج لويد، الكولونيل كونلف أوون، الكولونيل لورنس، الكولونيل هملتن، جون فليبي، الكابتن شكسبير وغيرهم) وعقد معهم مؤتمرا في القاهرة بتاريخ 12/آذار/ 1921، هدفه مراجعة الوضع العام البريطاني في المنطقة، ووضع الخطط السياسية لمستقبل سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط ومنذ ذلك التاريخ تحولت تلك الحدود الى عامل أساس في خلق المتاعب للعراق. وبدون الرجوع الى الماضي البعيد واضاعة الوقت في تفاصيل تاريخية لم تعد ذات تاثير على الوضع الحالي سوف نبداء بمراجعة الاحداث التي أدت الى خلق المتاعب الحالية في موضوع الحدود العراقية الكويتية.

في اول رد على الاحتلال العراق للكويت اصدر مجلس الامن الدولي القرار 660، صدر في 2 اغسطس/اب/ اب 1990، تضمن إدانة الغزو ومطابة العراق بسحب قواته من دون قيد أو شرط. وفي تاريخ 3/8/1990 وضع العراق تحت العقوبات الدولية استنادا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي فرض عليه بعد غزو نظام الرئيس السابق صدام حسين دولة الكويت في آب من العام نفسه، ويسمح هذا البند باستخدام القوة ضد العراق باعتباره يشكل تهديداً للأمن الدولي، بالإضافة إلى تجميد مبالغ كبيرة من أرصدته المالية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضررين جراء الغزو. القرار 661، صدر في 6 اغسطس/اب/اب 1990، منع استيراد السلع والمنتجات من العراق، كذلك عدم الاعتراف بأي نظام تقيمه سلطة الاحتلال. القرار 662، صدر في 9 اغسطس/ اب 1990، جاء ردا على ضم العراق للكويت، وطالب ايضا في سحب قواته الى مواقعها السابقة بعد 1 اغسطس/اب 1990. القرار 664، صدر في 18 اغسطس/ اب 1990، يطالب العراق بأن يسمح بخروج رعايا الدول الأخرى من الكويت والعراق. القرار 665، صدر في 25 أغسطس/ اب 1990، شجب فيه تصرفت الحكومة العراقية باستخدام السفن التي ترفع العلم العراقي، ويطالب الدول الأعضاء بنشر قوات بحرية بغية تفتيش حمولات السفن الخارجة والداخلة من والى العراق..في 3 نيسان عام 1991م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 687. الذي تم بموجبه إنشاء عدة لجان تابعة للأمم المتحدة من بينها لجنة تخطيط الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق. وهنا يجب ان نؤكد على ان المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن: ” يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق “. واستناداً إلى النص الصريح لهذه المادة فجميع ” المقررات الدولية Resolutions ” التي تصدر تحت تسمية ” قرارات Décisions” تتمتع بالصفة الإلزامية، ولذا فهي واجبة التنفيذ من قبل الدول المخاطبة بأحكامها، وواجبة الاحترام من بقية الدول الأعضاء في ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

في اليوم الثاني من اذار 1991 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 686 في 2 اذار 1991 والذي جاء بعد ان استلم المجلس رسالتي وزير الخارجية العراق اللتين تؤكد إحداهما موافقة العراق على الامتثال التام لجميع القرارات المذكورة أعلاه (22275\S) وتنص الأخرى على نيته لإطلاق سراح أسرى الحرب على الفور (22273\S)،وقد جاء في القرار 686 مايلي :

يؤكد استمرار السريان الكامل لمفعول وأثر جميع القرارات الاثنى عشر المذكورة أعلاه.

يطالب بتنفيذ العراق لقبوله لجميع القرارات الاثنى عشر المذكورة أعلاه وأن يضطلع العراق بصفة خاصة بما يلي:

أ‌- أن يقوم على الفور بإلغاء إجراءاته التي تزعم ضم الكويت.

ب‌- أن يقوم من حيث المبدأ مسؤوليته بموجب القانون الدولي عن أي خسارة أو ضرر أو أضرار ناجمة بالنسبة للكويت ورعاياها وشركتها نتيجة لغزو العراق للكويت واختلاله غير الشرعي لها.

ت‌- أن يقوم على الفور وتحت رعاية لجنة الصليب الأحمر بإطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثلاثة الذين احتجزهم العراق وأن يعيد أي جثث للموتى من الكويتيين ورعايا البلدان الثلاثة الذين احتجزهم على ذلك النحو.

ث‌- أن يبدأ على الفور في إعادة جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق وأن ينتهي من إعادتها في أقصر فترة ممكنة.

يطلب كذلك أن يقوم العراق بما يلي:

أ‌- وقف الأعمال العدوانية أو الاستفزازية التي تقوم بها قواته ضد جميع الدول الأعضاء بما في ذلك هجمات الصواريخ وطلعات الطائرات المقاتلة.

ب‌- تحديد قادة عسكريين لكي يجتمعوا مع نظرائهم من قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) لاتخاذ ترتيبات تتعلق بالجوانب العسكرية لوقف أعمال القتال أبكر وقت ممكن.

ت‌- اتخاذ ترتيبات من أجل تيسير الوصول الفوري إلى جميع أسرى الحرب وإطلاق سراحهم تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية وإعادة أي جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990).

ث‌- تقديم كل ما يلزم من معلومات ومساعدة في ما يتعلق بتحديد مواقع الألغام والشراك الخداعية وغيرها من المتفجرات العراقية، فضلا عن أي أسلحة ومواد كيمائية بيولوجية في الكويت وفي أنحاء العراق التي توجد فيها بصفة مؤقتة قوات الدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) وفي المياه المجاورة.

يسلم بأن أحكام الفقرة 2 من القرار 678 (1990) ستظل سارية المفعول خلال الفترة المطلوبة لامتثال العراق للفقرتين 2 و3 المذكورتين أعلاه. يرحب بقرار الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مباشرة مع الكويت عملا بالقرار 678 (1990) بتيسير الوصول إلى أسرى الحرب العراقيين وبدء إطلاق سراحهم حسب ما تقضي شروط اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية.يطلب إلى جميع الدول الأعضاء فضلا عن الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة وغيرها من المؤسسات الدولية في منظومة الأمم المتحدة أن تتخذ جميع الإجراءات الملائمة للتعاون مع حكومة وشعب الكويت في إعادة تعمير بلدهما. يقرر أن يقوم العراق بإخطار الأمين العام ومجلس الأمن عندما يكون قد اتخذ الإجراءات الواردة أعلاه. يقرر أن يعمد بغية ضمان وضع نهاية سريعة وحاسمة لأعمال القتال إلى إبقاء هذه المسألة قيد نظره لاتخاذ اللازم.

اعلن العراق في نفس الوقت قبوله القرار الذي يعتبر اعلان هزيمة كامل للنظام السابق وتقرر ارسال ضباط عسكريين وبذلك يكون اجتماع صفوان هو تنفيذ للفقرة 3/ب من القرار 686 الذي طالب العراق بتحديد قادة عسكريين لكي يجتمعوا مع نظرائهم من قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت “لاتخاذ ترتيبات تتعلق بالجوانب العسكرية لوقف أعمال القتال أبكر وقت ممكن”. بدليل ان الشخص الثاني من الوفد العراقي الفريق الركن صلاح عبود محمود الجبوري لم يعلم بتكليفه بهذه المهمة الا في الساعه 2200 من يوم الثاني من اب كما ذكر هو في كتابه بقوله ” بالسـاعة 2200 اتصـل بي الفريـق الـركن سـلطان هاشـم معـاون رئـيس أركــان الجيش للعمليات واخبرني بتنسـيبي عضـوا في الوفـد المفـاوض الـذي سـيبحث تثبيـت وقف إطلاق النار مع الجانب الأمريكي في سفوان يوم 3 آذار، وطلب حضوري بالساعة 0830 في البصرة (على طريق البصرة – الزبري مقابـل مـدخل معسـكر محمـد القاسـم) للتوجه إلى مكان المحادثات ”. كما ان الضباط لم يتح لهم المجال لمناقشة الموضوع فيما بينهم بل انهم توقفوا بالطريق ليستلموا التعليمات من الفريق الركن سلطان هاشم احمد وكما ذكر الفريق الركن صلاح عبود في كتابه ” قبل وصولنا تقاطع طريق (البصرة– سفوان) مع طريق المـرور السريـع توقـف الرتل واجتمع الفريق الركن سلطان (رئيس الوفد) بأعضاء الوفد ووضح لهم توجيهات السيد الرئيس القائد للعمل بموجبها وتعليمات وزارة الخارجية حول أسـلوب الـتصرف وأن يكون رئيس الوفد هو المتحدث الرسمي باسم الوفد” أي ان الوفد جاء وهو لم يناقش حتى ما سوف يتم طرحه. فالاجتماع لم يكن مفاوضات ولا مناقشات ولم يتم فيه اتخاذ قرارات بل كان الغرض منه ابلاغ الجانب العراقي بما عليه ان يفعلوه.

المشاركين في الاجتماع. من الجانب العراقي مثل العراق الفريق الركن سلطان هاشم احمد نائب رئيس اركان الجيش للعمليات في حينه واخر وزير دفاع للنظام السابق قبل 2003، والفريق الركن صلاح عبود محمود الجبوري قائد الفيلق الثالث في حينه بالإضافة الى المترجم من الجانب الاخر جلس مقابلهم اللواء نورمان شوارزكوف والفريق الأول الركن خالد بن سلطان مع المترجم الخاص باللواء شوارزكوف.ابتدء الاجتماع كما يشير اللواء شوارزكوف في مذكراته ” افتتحت الاجتماع بتذكير العراقيين ان غرضنا هو طرح الشروط العسكرية لوقف اطلاق النار وأبلغتهم أننا سنسجل الحديث بحيث يحتفظ كل طرف بسجل ثابت أصغى أحمد إلى كلماتي المترجمة هازا رأسه ”. ومن خلال السناريوهات التي طرحها كل من الضباط الذين كانوا حاضرين في الاجتماع ان ماكان يحصل هو ان يقوم اللواء شوارزكوف او الفريق اول خالد بن سلطان بطرح نقطة معينه ويوافق عليها الجانب العراقي فلم يكن هناك نقاش او اعتراضات او حتى رفض لاي نقطة تم طرحها

يعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 لعام 1991 من أهم القرارات التي أصدرها المجلس والمتعلقة بالشأن العراقي والذي صدر في 3 نيسان عام 1991، حيث أعتبر أطول قرار أصدره مجلس الأمن في تاريخه من حيث عدد فقراته (34) منها اشتملت على تدمير اسلحة العراق، و فقرات تطالب بترسيم الحدود بين العراق والكويت، واخرى تدعو العراق الى احترام الاتفاقات الدولية المعقودة بينه وبين الكويت. وقد جاء في ديباجة القرار ترحيب مجلس الأمن برجوع السيادة والاستقرار والسلامة الاقليمية للكويت، وبعودة حكومتها الشرعية، كما يؤكد القرار التزام جميع الدول الأعضاء بسيادة الكويت والعراق وسلامتهما الاقليمي واستقلالهما السياسي. لقد قدم مشروع هذا القرار من قبل الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة ورومانيا وفرنسا ثم انضمت للمشروع بلجيكا وزائير. ويعد هذا المشروع احد اطول القرارات التي اصدرها مجلس الأمن كما ذكرنا انفا، اذ زادت صفحاته على التسع صفحات، وتكونت ديباجته من (23) فقرة مضافا الى ذلك (34) فقرة عاملة، وتكون من تسعة اقسام الاول لترسيم الحدود، والثاني لوجود المراقبين، والثالث آليات نزع السلاح، والرابع عن سير التنفيذ والتقارير المقدمة الى الأمين العام، والخامس عن صندوق التعويضات والسادس عن الجزاءات، والسابع تعاون العراق مع الصليب الاحمر، والثامن الزام العراق بعدم ارتكاب او دعم لعمل ارهابي، والتاسع الوقف الرسمي لاطلاق النار.

تم بموجب القرار 687 إنشاء عدة لجان تابعة للأمم المتحدة من بينها لجنة تخطيط الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق. وقد تشكلت هذه اللجنة المستقلة التي أنشأها السكرتير العام للأمم المتحدة من خمسة أعضاء على النحو التالي:

السيد/ مختار كوسوما أتمادجا – وزير خارجية إندونيسيا السابق – رئيساً. خلفه السيد نيكولاس فليتيكوس وهو عضو في معهد القانون الدولي في 20 تشرين الثاني 1992

السيد/ أيان بروك – المدير وقتئذ بهيئة المساحة السويدية – خبيراً مستقلاً.

السيد/ وليام روبرتسون – مدير المساحة، المدير العام لهيئة المساحة ومعلومات الأراضي في نيوزيلندا – خبيراً مستقلاً.

السفير/ طارق الرزوقي – ممثل دولة الكويت.

السفير/ رياض القيسي – ممثل الجمهورية العراقية.

وقد عُيِّن السيد/ ميكلوس بنتر كبير رسامي الخرائط بالسكرتارية العامة للأمم المتحدة أميناً للجنة التي تعمل في حدود الصلاحيات التي تضمنها تقرير السكرتير العام الصادر في 2 مايس عام 1991.

وتتمثل اختصاصات اللجنة فيما يلي:

1. تخطيط الحدود الدولية بين الجمهورية العراقية ودولة الكويت بالإحداثيات الجغرافية لخطوط الطول والعرض وكذلك بالتعيين المادي لها على النحو الوارد في (المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات العلاقة) والذي وقعاه في بغداد في 4 تشرين الاول 1964 ممارسةً منهما لسيادتهما.

2. الاستعانة بالمواد المناسبة بما في ذلك الخرائط الواردة في وثيقة مجلس الأمن رقم (S/22412) وهي مجموعة من عشر خرائط طبوغرافية بمقياس رسم 1:50000 صادرة عن المدير العام للمساحة العسكرية بالمملكة المتحدة باستخدام التكنولوجيا الملائمة

3. اتخاذ الترتيبات من أجل الصيانة المستمرة للتعيين المادي للحدود وفقاً لما جاء في تقرير السكرتير العام (S/22558) الفقرة (4)، ويتطلب ذلك قيام منظمات المسح بما يلي:

أ. تفقد الأعمدة والعلامات على الحدود الكويتية العراقية على أساسٍ سنوي.

ب. تقديم تقرير إلى السكرتير العام بعد كل عملية تفقد للحدود.

ت. رصد مدى كفاية علامات الحدود ووضع أية علامات إضافية.

عقدت اللجنة إحدى عشرة دورة شملت اثنين وثمانين اجتماعاً لتخطيط الحدود البرية والبحرية. وكانت هذه الاجتماعات تُعقد إما في مكتب الأمم المتحدة في جنيف أو في مقر المنظمة الدولية في نيويورك.وقد زودت اللجنة بمحاضر وافقت عليها لجميع اجتماعاتها، كما أقرت وأصدرت نشراتٍ صحفية لدى اختتام كل دورة. هذا بالإضافة إلى الأعمال الميدانية التي اعتمدت فيها اللجنة على خبراء في الجيوديسيا والمساحة والتصوير المساحي بمعاونة إدارتي المساحة في نيوزيلندا والسويد.وعقدت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق جلستها الأولى في نيويورك يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من مايس 1991 حيث قررت عقب المناقشات حول مسألة التعريف فحص الحدود في ثلاثة أجزاء:- سمي الجزء الأول باسم (الجزء الغربي)، وتصدق عليه العبارة من صيغة تعيين الحدود في الرسائل المتبادلة في عام 1932م ونصه: (من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم باتجاه الشمال على طول الباطن إلى نقطة تقع جنوبي خط عرض صفوان). أما الجزء الثاني فقد أطلق عليه (الجزء الشمالي)، وتصدق عليه عبارة (ثم باتجاه الشرق لتمر جنوبي آبار صفوان وجبل سنام تاركةً هذه المواقع للعراق وذلك حتى التقاء خور الزبير بخور عبدالله). أما الجزء الثالث فقد سمي (بالجزء الشرقي) ثم وصف لاحقاً باسم (الجزء البحري) وأخيراً سمي ب(خور عبدالله)، وتصدق عليه الإشارة إلى نقطة الالتقاء بين خور عبدالله وخور الزبير وكذلك محضر اتفاق عام 1963م الذي نص على أن (جزر وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وعوهة وكُبر وقاروه وأم المرادم تتبع الكويت)، وهي الحدود التي اعترف بها العراق وباستقلال دولة الكويت في المحضر المشار إليه.

فيما يتعلق بالحدود البرية أي الجزئين الغربي والشمالي، فقد باشرت اللجنة أعمالها بمشاركة ممثل العراق وعقدت خلال عملية ترسيم الحدود البرية خمس دورات في الفترة من 23 حزيران 1991 م حتى 16 نيسان 1992م. وقامت اللجنة خلال تلك الفترة باكتشاف المنطقة الحدودية على الطبيعة، وقام فريق المسح الميداني النيوزيلندي – السويدي بأعمالٍ ميدانية وفرت الأساس للخرائط الفوتوغرافية العمودية من خلال أعمال التصوير الجوي باستخدام طائرة نفاثة مخصصة لهذا الغرض من ارتفاعين رئيسيين. وقد واجهت لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود مشكلة واحدةً تمثلت في وضع علامات الحدود الأرضية في المنطقة الواقعة جنوب صفوان (الجزء الشمالي) حيث كانت قد وضعت علامة لافتة في هذا الموقع وهي علامة للحدود بين الكويت والعراق، وبقيت هذه اللافتة قائمة من عام 1923م حتى عام 1939م حيث كانت تقع على الطريق القديم جنوبي مركز جمارك صفوان بكيلومترٍ واحد، واعترفت بها الدولتان في تلك الفترة باعتبارها نقطة الحدود الدولية القائمة بينهما في تلك المنطقة، ولكن هذه اللافتة تعرضت للإزالة وأعيدت بعد ذلك إلى موقعها القديم. وقد وجدت اللجنة أمامها ثلاثة آراء فيما يتعلق بتفسير الحدود جنوبي صفوان:

 الرأي الأول: رأي العراق في مذكرة حكومته المقدمة إلى السفير البريطاني في بغداد بتاريخ 25 حزيران 1940 والذي يحدد موقع هذه اللافتة أو اللوحة ب(1250متراً) جنوبي مبنى الجمرك القديم.

 الرأي الثاني: رأي الكويت التي ترى أن اللوحة تبعد (1000متر) فقط عن موقع الجمرك القديم في صفوان.

الرأي الثالث: ما سجله العقيد ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أنذاك في رسالته المؤرخة 27 كانون الثاني 1935 حيث يرى أن نقطة الحدود الشمالية للكويت مع العراق تقع على بعد ميلٍ واحد (1609مترات) جنوبي صفوان.

وقد انتهت لجنة الأمم المتحدة إلى تعيين الحدود في تلك المنطقة في نقطة تقع جنوب صفوان على بعد (1430متراً)

وبعد أن أكملت لجنة الأمم المتحدة ترسيم الحدود البرية، أصدر مجلس الأمن الدولي في 26 اب 1992 قراره (733) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية وحثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل.

بالنسبة للحدود البحرية (الجزء الشرقي المسمى خور عبدالله)، فقد خلصت اللجنة إلى عدة نتائج وتوصلت إلى عدة قرارات، هي:قررت اللجنة اعتماد الرسم البياني رقم (1235) للأدميرالية البريطانية لتحديد خط الوسط في خور عبدالله، وتستند المواقع المبينة في هذا الرسم البياني إلى مرجع إسناد النظام الجيوديسي العالمي 84، ولجميع الأغراض العملية فإن مرجع الإسناد هذا مطابق لمرجع إسناد الحدود العراقية الكويتية. انتهت اللجنة إلى أن مدخل خور عبدالله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين، وعينت اللجنة نقطة محددة على خط الوسط عند المدخل. قررت اللجنة أن اتصال الحدود من خط الوسط المعمم إلى نقطة التقاء الخورين هو أقصر خط بينهما، ومن هذا المنطلق يحدد خط الوسط الذي اعتمدته اللجنة بمجموعة من الإحداثيات التي تحسب من نقاط خط الأساس المحددة على خطوط المياه المنخفضة في طبعة عام 1991 من الرسم البياني رقم (1235) للأدميرالية البريطانية، وفي الطرف الشرقي لجزيرة وربه جرى رسم مخاضه آخذة في الجفاف يطلق عليها (لسان وربه)يمكن أن تكون عرضة لتغير رئيسي على مدار السنين وذلك في الرسم البياني للأدميرالية البريطانية، وهنا جرى حساب خطي وسط أخذ أحدهما المخاضة في الاعتبار فيما تجاهلها الآخر، وأعطي وزن متساو للخطين وحسب خط متوسط بين خطي الوسط لتحديد خط التخطيط. رأت اللجنة أن المنفذ الملاحي للدولتين إلى مختلف أنحاء إقليم كل منهما المتاخم للحدود المخططة هو من الأهمية بمكان لضمان توفير سمة الإنصاف ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود. وفي هذا الصدد ترى اللجنة أن هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير وخور شتيانه وخور عبدالله إلى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودهما ومنها. وتلاحظ اللجنة أن هذا الحق في الملاحة والوصول منصوص عليه بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صادق عليها العراق والكويت على السواء. جرى تعيين خط الحدود في خور الزبير بإحداثياتٍ جغرافية تحددت بالتصوير المساحي الضوئي باستخدام الصور الفوتوغرافية ذات الألوان غير المموهة بالأشعة تحت الحمراء. وأثناء الدورة الميدانية النهائية وضع عمود مؤشر معدل على الحد الفاصل بين العمود رقم (106) وخط ينابيع المياه المنخفضة، ووضعت لوحات على حواجز المياه التي يمتد خط ينابيع المياه المنخفضة تحتها، ووضعت علامةٌ مقابلة عند الطرف الجنوبي للحاجز الحجري للواجهة جنوب حاجز المياه الواقع في أقصى الجنوب، ووضع أيضاً عمودان مؤشران يحددان بصورةٍ فريدةٍ الاتجاه بين النقطة الأخيرة الواقعة على خط ينابيع المياه المنخفضة وملتقى الخورين، ونصبت ثلاثة شواهد بالقرب منها. اعتبرت اللجنة أن التخطيط المادي لخور عبدالله غير عملي وغير ضروري. ويرسم خط الحدود في خور عبدالله بإحداثيات ثابتةٍ موثقةٍ وفقاً للمعايير المتبعة في الممارسة الدولية العامة.في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية، وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين، واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه »القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(733). وقد اعلنت حكومة جمهورية العراق في حينها موافقتها على ماجاء بقرار مجلس الامن بالرغم من ان التاريخ يسجل موقف مشرف للدكتور رياض القيسي ممثل العراق في اللجنة بانه رفض ولغاية انتهاء اعمال اللجنة الاعتراف بما توصلت اليه ولكن صدور الموافقة على القرار من اعلى جهة حكومية في حينها يجعل من القرار ملزم لجمهورية العراق.

وبعد أن أكملت لجنة الأمم المتحدة ترسيم الحدود البرية، أصدر مجلس الأمن الدولي في 26 اب 1992 قراره (733) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية وحثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل. في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي. أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية، وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين، واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(733)..

اعترض العراق على قرار مجلس الأمن 833 الصادر في 27 أيار / مايو 1993 من خلال رسالة بعثها وزير خارجية العراق الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6/6 / 1993، وتركزت اعتراضات العراق على مايلي:

1. ان وصف الحدود الذي اعتمده مجلس الأمن أساسا للترسيم بقراره 687 (1991)، والذي فصل فيه تقرير الأمين العام المقدم استنادا الى الفقرة(3) من القرار المذكور لا يتطرق اطلاقا الى وصف الحدود في منطقة خور عبد الله، وعلى هذا الاساس لا يمكن الاستناد الى ذلك الوصف في أية عملية للتخطيط على النحو الذي قامت به اللجنة، لأن التخطيط لابد ان يستند الى وصف، أي تحديد متفق عليه للحدود بين الأطراف المعنية.

2. ان منطقة خور عبد الله لا ينطبق علها حسب وصف الحدود الذي أعتمده مجلس الأمن بقراره 687 (1991)، صفة البحر الاقليمي لكي يصار الى البحث عن قاعدة تقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقابلة طبقا لقواعد قانون البحار.

3. ان منطقة خور عبد الله حتى على افتراض كونها بحرا اقليميا، فأنه يصدق عليها وصف (الظروف الخاصة)، وهو ما أقره الخبيران المستقلان أيضا، مما يسوغ حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 تعيين حدود البحر الاقليمي بطريقة تخالف قاعدة خط الوسط في حالة عدم الاتفاق بين الطرفين على قاعدة اخرى.ان الحكم المتعلق بحالة (الظروف الخاصة) هذه يكتسب قوة اضافية لعدم وجود صفة متفق عليها لتحديد الحدود. وبمعنى اخر ان تعيين الحدود في هذه المنطقة يتم لأول مرة، ومن ثم يمكن الأخذ بحالة الظروف الخاصة.

4. ان للعراق حقوقا تاريخية في منطقة خور عبد الله لم يمارس حكام الكويت الملاحة على نطاق واسع فيها، مما يجعلها مستثناة حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 من قاعدة خط الوسط على نحو ما ذكرناه في (3) انفا.

في تشرين الاول من عام 1994 تم رصد قيام قوات عراقية بالاتجاه الى الحدود الكويتية في هذا الاثناء صدرت تهديدات من الولايات المتحدة الامريكية وبقية دول التحالف بضرب القوات العراقية المتواجدة على الحدود العراقية الكويتية في هذا الاثناء سافر طارق عزيز في رحلة سرية غير معلن عنها الى موسكو طالبا من الرئيس الروسي بوريس يلتسين التدخل لحل الازمة وبناء على تلك الزيارة أعلن العراق رسميا ً انه قد أكمل في الساعة 21 من مساء يوم 12 تشرين الأول نقل قواته الى المواقع الخلفية. قام وزير خارجية جمهورية العراق بتوجيه رسالة الى الامين العام للامم المتحدة يعلن فيه قبول العراق بالقرار 833 الا ان الدول الاعضاء في مجلس الامن رفضت هذا الرسالة واعتبرت ان اي قرار عراقي لايصدر عن صدام حسين شخصيا لايعد كافيا. في يوم 13 تشرين الاول زار وزير الخارجية الروسي اندرية كوزيريف العراق والتقى ليلا بصدام حسين طالبا منه الاعلان صراحة بقبول العراق بالقرار 833 على وعد ان تقوم روسيا باقناع الدول الاعضاء في مجلس الامن لرفع العقوبات عن العراق. في 15 تشرين الاول عام 1994 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 949/1994 ادان بموجبه التحركات العراقية وطالب العراق بان يكمل فورا سحب جميع الوحدات العسكرية التي وزعت مؤخراً في الجنوب العراقي الى مواقعها الأصلية، ويطالب العراق بالا يستعمل مرة أخرى قواته العسكرية بشكل عدواني او استفزازي لتهديد جيرانه او عمليات الأمم المتحدة في العراق .

حضر وزير خارجية روسيا اجتماع المجلس الوطني العراقي في صباح اليوم التالي واعلن بانه ليس في المجلس لمناقشة شرعية القرارات الدولية ولكن حضر للحصول على قرار عراقي قاطع بالاعتراف بالحدود العراقية الكويتية حسب القرار 833/1993 وهو ماتم خلال الجلسة التي دامت ساعتين. مرة ثانية رفضت الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي اي قرار غير صادر عن صدام حسين وهو ماتم بالفعل حيث اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل برئاسة صدام حسين قراره بالاعتراف بالحدود حسب قرار مجلس الامن الدولي المشار اليه. وتنفيذاً لذلك صدر بلاغ مشترك عن زيارة الوفد الروسي أودع لدى مجلس الأمن برسالة مشتركة من المندوبين العراقي والروسي بتاريخ 15 تشرين الأول 1994. نتج عن تلك الاحداث قبول العراق من دون ان تتبعه أية خطوة لرفع الجزاءات جزئياً او كلياً، ولم يكشف النقاب عن الآثار السياسية التي نالتها روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة نتيجة جهودها بإقناع العراق بقبوله قرار مجلس الأمن 833 / 1993.

في 12 حزيران 2013 واثناء مؤتمر صحافي مشترك ببغداد بين وزير الخارجية العراقية والكويتي صباح الخالد الحمد الصباح اعلن الطرفان انهما سيذهبان سوية لتسليم الامين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن رسائل حول تنفيذ العراق لالتزاماته للخروج من أحكام الفصل السابع.ووقع كل من العراق والكويت في (28 ايار 2013) مذكرتي تفاهم تتعلقان بترتيبات صيانة التعيين المادي للحدود المشتركة مبينة أن الجانب الكويتي أبدى استعداده مساعدة العراق للخروج من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

بعد هذا السرد فان ترسيم الحدود بين العراق والكويت تعتبر مسالة محسومة بقرارات صادرة عن مجلي الامن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قبلتها الحكومة العراقية منذ عام 1994 وتعهدت بتنفيذها منذ ذلك الحين وان ما يجري اليوم هو تطبيق لتلك القرارات والحكومة الحالية او أي حكومة تاتي مستقبلا لا يمكنها رفض الالتزام بتلك القرارات باعتبار ان تلك القرارات قد فرضت على العراق في ظروف غير الطبيعية ومن قبل نظام لم يعد موجود . ان نص المادة 25 واضحة جدا في هذا السياق فالدول الاعضاء ملزمة بقبول قرارات مجلس الامن وضمنها القرار 833 لذلك فان الواجب الوطني يفرض على كافة الاطراف حتى التي تعارض الحكومة العراقية ان توضح الحقائق وان لاتجعل سمعة العراق عرضا للمزايدات الانتخابية والمهاترات السياسية. الأسلوب الوحيد الممكن للتعامل مع المسالة هو طريق التفاهم مع الجانب الكويتي والإدارة الناجحة للوضع الحالي والاستخدام الأمثل لمفاتيح الجغراقيا التي يمتلكها العراق فكل مشاريع الموانيء في منطقة الخليج تعتمد على الممر البري العراقي لذلك فعدم الموافقة على الربط السككي لميناء مبارك سيحول ذلك الميناء الى مباني فارغة ولكن هذا يحتاج الى عقول إدارة تعرف التعامل مع الازمات.

***

الدكتور زهير جمعة المالكي

العالم ينام ثم يستيقظ على أخبار جديدة كل يوم..لايصلنا منها إلا أقل القليل!

وسائل الإعلام اعتادت ألا تختار من الأنباء إلا ما تراه مهماً طبقاً لوجهة نظر يسميها الإعلاميون:"سياسة التحرير" ؛ أى أن كل نبأ جديد أو غريب أو صادم لن تسمع عنه إذا لم يتوافق مع سياسة التحرير تلك، وكثير من الأخبار يتم التعتيم عليها عالمياً وبشكل مقصود؛ فعلى سبيل المثال أنباء ما يحدث من صراع دولى على ثروات القطب الشمالى، باتت كأنها تابو محرم على أجهزة الإعلام أن تتناوله!

لكن هناك أنباء أخرى تقع على الحافة، فهى شائعة ومتاحة وغير ممنوعة لكن العيون تمر عليها مرور الكرام رغم أنها ذات دلالات كاشفة أو ذات عمق ومغزى أو أنها ستصبح ذات تأثير كبير لاحقاً. اخترت لك عزيزي القارئ من مثل تلك الأنباء السريعة طرفاً من حافة الطبق!

موت الطائر الأزرق!

مواقع السوشيال مثلا ينالها نصيبها من التغيير والتطور، فبعد ما حدث لموقع فيسبوك وتحوله إلى ميتا، قرر إيلون ماسك قتل الطائر الأزرق المشهور لتويتر، ليتحول إلى "إكس"..فما السبب فى مثل تلك الخطوة الغريبة؟ وكيف يمكن التخلص من براند عالمى قوى كهذا فى مقابل علامة شائعة غامضة المعنى؟!

فكرة التخلص من عصفور تويتر لإحياء مشروع تطويري فى عالم السوشيال ميديا كان يراود إيلون ماسك منذ شهور فى أعقاب فوزه بصفقة شراء تويتر. وقد أعلنت الرئيسة التنفيذية لمشروع إكس الجديد أنه يمثل مرحلة جديدة من التفاعل اللامحدود الشامل لكل أساليبه من صوت وفيديو ورسائل بل وخدمات مصرفية فورية! هكذا يريد إيلون ماسك الاستفادة بخبراته السابقة فى تأسيس تطبيق باى بال الشهير للدفع الإليكترونى.

إن هذا القرار ليس هو الوحيد المثير للجدل فى قرارات ماسك. فقد أبرزت صحيفة نيويورك تايمز مخاوف قادة بعض الدول الكبري من هيمنة إيلون ماسك على الفضاء الخارجى من خلال شركته الرائدة سبيس إكس،خاصةً وأن هذا الملياردير العبقرى الذى نشأ فى جنوب إفريقيا وصنع بها ثروته الأولى قبل أن ينتقل لكندا ومنها إلى أمريكا هو شخص تصفه الحكومات بالمتلقب الذى لا يمكن التنبؤ بقراراته المفاجئة، وهو ما يتعارض مع مصالح بعض الحكومات التى تحرص على سرية وخصوصية العمل فى هذا القطاع الاستراتيجى من قطاعات العمل التجسسي والاستخبارى على مستوى العالم! فكيف به وهو ينوى نشر أكثر من 40 ألف قمر صناعى من أقمار خفيفة الوزن منخفضة الارتفاع تحيط بالكرة الأرضية كلها من خلال مشروعه الجديد ستار لينك بتكلفة تصل لمليارات الدولارات؟!

تكنولوجيا الصين في قلب المعركة!

أول الدول التى حاولت مواجهة مشاريع إيلون ماسك المتطورة بطبيعة الحال كانت الصين..إنها قررت ألا تنتظر حتى ترى أثر ما ستحدثه مثل تلك المشروعات الهادفة للهيمنة على أدوات الاستخبارات وجمع المعلومات وفى مقدمتها الأقمار الصناعية، لهذا سارعت الصين بالإعلان عن مشروعها الطموح الذى يُرمز له GW أو شبكة معلومات الدولة "جووانج"، وهو مشروع عسكرى فى الأساس يبغى تحقيق التفوق على تكنولوجيا الغرب المهيمنة على الفضاء، ومن أهدافه المعلنة أن يتم إطلاق نحو 13ألف قمر صناعى خلال 10 سنوات فقط. الذى أزعج الصين وجعلها تسارع خطواتها نحو اقتحام عالم الفضاء بكل قوتها، هو ما صدر من تصريحات بعض قادة أوكرانيا أنه لولا مشروع ستارلينك لإيلون ماسك لحدث الاجتياح الروسي الكامل لأوكرانيا خلال عدة شهور! وهو ما ضاعف من المخاوف الدولية ضد شركة سبيس إكس وتطبيقاتها العسكرية المخيفة.

لكن على الناحية الأخرى من قضية التكنولوجيا الصينية، فإن الصين تخشى من تأثير التقنيات والألعاب الإليكترونية على أطفالها، وعلى الأجيال القادمة من القادة والمخترعين والعسكريين الصينيين؛ لهذا أعلنت هيئة تنظيم الفضاء الإليكترونى الصينية عن تطبيق برامج خاصة بالقصّر وصغار السن لتحديد عدد ساعات استخدامهم اليومى للهواتف الذكية باعتبارها مسألة تتعلق بمستقبل الصين نفسه! هكذا قررت الهيئة دفع شركات تصنيع الهواتف لأجل تقديم برامج خاصة بالقصر من شأنها منع المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما من الدخول لشبكة الإنترنت عبر الأجهزة من العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا.مهما أثر هذا على مبيعات الأجهزة أو حتى على حركة البورصة!

هذا القرار سيتم تطبيقه كالتالى بشكل تجريبي قبل أن يتم تعميمه فى الصين:حيث سيُسمح للمستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما بساعتين في اليوم، وللأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاما بساعة واحدة، في حين يُسمح للصغار دون سن الثامنة بثماني دقائق فقط!

لماذا غضبت أمريكا..وارتعبت فرنسا؟

لأول مرة فى تاريخ التصنيف الائتمانى يتم تخفيض التصنيف الأمريكى من “تربل إيه” إلى “دبل إيه بلاس”. هذا ما حدث يوم 2 أغسطس الجارى من قِبل وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى؛ فأحدث هزة فى سعر الدولار الذى انخفض بشكل فورى بعد القرار فى مقابل عملات عالمية أخرى، وفى سعر الذهب الذى ارتفع بنسبة 2 فى الألف. هذا الحدث على الرغم من كونه يبدو بسيطاً ضعيف التأثير، إلا أنه أحدث ردود فعل غاضبة جداً من البيت الأبيض، خاصةً أنها تأتى بعد شهرين من انتهاء أزمة سقف الدين بالكونجرس، وبعد شهور من أزمة إفلاس بعض كبريات البنوك الأمريكية!

أما فرنسا فيبدو أن أمامها صيف ساخن جداً بعد ما حدث فى الغرب الإفريقي من انقلاب مفاجئ فى النيجر ، فى أعقاب انسحابات سابقة للتواجد الفرنسي فى عدة دول إفريقية منها مالى وبوركينا فاسو وعدة انقلابات فى تلك المنطقة التى بدأ النفوذ الفرنسي بها فى التلاشى! يأتى هذا فى أعقاب توجه إفريقي عام نحو التخلص من هيمنة الغرب، والاتجاه نحو الشرق متمثلاً فى روسيا والصين.

كلمة السر فى هذا التحول الغرب إفريقي هو الرئيس المؤقت لبوركينا فاسو"إبراهيم تراورى" الذى أحدث صدمة للعالم بأكمله بعد أن أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وتجرأ على طرد التواجد الأجنبى كله من البلاد، ثم تجاوز الحد بأنه أعلن مؤخراً خلال القمة الروسية الإفريقية الأخيرة عن نيته فى التخلص من هيمنة الشركات الأجنبية، ومنها شركات كندية تسيطر على استخراج الذهب، وطرد هذه الشركات من بوركينا فاسو للأبد.

فرنسا وقفت أمام تلك التحولات الخطيرة وقفة خطيرة وهى فى طريقها لمواجهة عسكرية مع النيجر للدفاع عن مصالحها فى مستعمراتها الإفريقية القديمة، بينما يقف الجزائر والغرب الإفريقي كله محذراً إياها من أى تدخل..فهل تنتهى تلك الدراما نهاية رومانسية مثالية كما نتمنى،أم سيتمكن الغرب من إعادة احتلال الغرب الإفريقي تارة أخرى؟

العبقرى المجهول..حاتم زغلول

قلة قليلة تعرف أن مخترع الواى فاى هو مصرى كندى اسمه "حاتم زغلول"!

ولولا أنه عربي الأصل وأن الإعلام الغربي طمس على إنجازه، لكان لهذا المخترع المصري العبقرى شأن آخر..بينما الذى حاز الشهرة شخص استرالى سرق اختراع زغلول ونسبه لنفسه، ما دفع حاتم لرفع قضية ضد الشركات التى استخدمت اختراعه، وحصل على تعويضات وصلت إلى 2 مليار دولار، أسس بها شركة خاصة سماها واى لان سرعان ما أصبح لها صيت كبير بين الشركات العالمية لتقنيات الاتصالات. وقد استطاع زغلول تطوير تقنية الواى فاى إلى تقنية 4G الشهيرة، ويعكف فى الوقت الحالى على صياغة مشروع ضخم يسميه " انترنت الفقراء" .. فما أكثر أبطالنا المجهولين وعباقرة المصريين فى أنحاء العالم.. وما أقل ما نعرف عنهم.

***

عبد السلام فاروق

1 - في تشكُل المصطلح:

نستعير مصطلح الإنسلاخحداثية في جزئه الأول -الانسلاخ- من الآية الكريمة "وآتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين" سورة الأعراف الآية 175 والتركيب في كليته من الأستاذ محمد الطالبي رحمه الله وتحديدا من كتابه " ليطمئن قلبي" والذي فضح فيه أولئك الذين يتقنعون بالإسلام وبالانتماء للحضارة العربية الإسلامية في حين أنهم ينظرون في كتاباتهم للخروج منه والإنسلاخ منها لذلك سمي هذا التيار بالإنسلاخسلامية وأتباعه بالإنسلاخسلاميين. إنَ الحداثية وهي الجزء الثاني من المصطلح مصدر صناعي يحيل على معنى مجرَد بينما الحداثي والحداثيون هم المنتسبون للحداثة. إن دمج كلمتين واحدة من الآليات التي تتوسل بها اللغة العربية لإثراء رصيدها اللغوي وتسمى النحت شريطة التقيد بأوزان العربية وصيغها ومن الأمثلة على ذلك أفعال حمدل وبسمل وحولق والكلمة رغم طولها تظل غير مستساغة في البداية إلا أن تواتر استعمالها سيجعلها مألوفة (حول الإنسلاخسلامية انظر محمد الطالبي ليطمئن قلبي دار سيراس -تونس 2007 فصل عقيدة الإنسلاخسلامية صص 33-96)

في تعريف المصطلح أنه في أصل منشئه متصور وليد العقل والملاحظة ثم تعمل اللغة على أن تجد له لبوسا لغويا لفظيا - أي مصطلحا - فاللغة تلاحق المتصورات لتصوغها في مصطلحات ولكن هل تخضع هذه الالية التي تحول المتصورات إلى مصطلحات إلى قواعد اللسان المخصوصة أم أنها تجد نفسها في بعض الأحيان معبرة على خرق لتلك النواميس فيصبح اللحن بما هو خروج عن القواعد اللغوية صورة عن حركية اللغة وإبرازا لجانبها السوسيولوجي.( انظر كتاب د.عبد السلام المسدي قاموس اللسانيات الدار العربية للكتاب تونس 1984 صص 23-25 )

لقد إرتأينا بعد ملاحظة بعض المواقف التي تطفح على ساحة المشهد السياسي وذلك كلما احتد الجدل وعمليات الاستقطاب في شتى القضايا التي تخصُ النخبة الحداثية بشقَيها الليبرالي واليساري أن نبحث لها عن مصطلح جامع يكون كاشفا لحالة الفصام التي تعيشها بين ما ترفعه من شعارات وما تعلنه من مبادىء وبين ما تأتيه من أفعال ومواقف مناقضة تماما لما هو مفترض أن تدافع عنه وتتبناه فهذه الحالة ضرب لمبدإ الهوية وهو أحد الأضلاع الثلاثة للمنطق الأرسطي .إنه مبدأ وجودي يقوم على أن الاشياء ثابتة لا تتغير أي أن لكل شيء حقيقة جوهرية ثابتة مهما اختلفت صفاته العرضية .فالمنتسبون للحداثة والمعتقدون في مبادئها وأصولها التي قامت عليها جوهرهم أنهم حداثيون بهذا المعنى إلا أنهم يتحولون إلى نقيض ذلك .فهم هم بصفاتهم وبقناعاتهم وذلك مهما طرأ عليهم من تغيير في أحجامهم أو في مواقعهم أو في تحالفاتهم ذاك هو مبدأ الهوية إنه الانسجام مع الذات وإن تغيرت الأعراض إلا أن هؤلاء الحداثيين يتغيرون بتغير الأعراض فيعرضون عن مبادىء هي من صميم هويتهم ويتنكرون لها لمجرد أن خصومهم بزٌوهم فيها ونافسوهم عليها وعملوا على تحويلها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل.

2 - نماذج من الإنسلاخحداثية:

إن أكبر مظهر للإنسلاخحداثية في الكون هو الاستعمار استعمار البلدان والشعوب بل أعظم من ذلك هو إبادتها ومحوها من الوجود وتصفية ثقافتها وتاريخها وما مأساة فلسطين عنا ببعيدة .إن من قام بذلك هم المتشبعون بقيم الحداثة والذين تلقوا أصولها من ابائهم المؤسسين ثم انسلخوا عنها حين استبد بهم فائض القوة ومكَن لهم المنعرج التاريخي الذي عاشته البشرية من التنكر للحداثة ولمبادئها .إن هذا الإنسلاخ مما جاءت به الثورات في الغرب من إعلاء لمنزلة الكائن البشري ومن احتفاء بولادة الإنسان الجديد وقد دون كل ذلك في عهود ومواثيق .أما عندنا فإن النخب التي تشبعت بتاريخ المستعمرين وبثقافتهم ورضعت مبادئهم وتربت في أجواء عصر الأنوار أصيبت بعقدة الاستعلاء وبادعاء أفضليتها في التسويق لقيم الحداثة وأحقيتها في الدفاع عن أولئك الأباء المؤسسين باعتبارهم أنبياء جدد جاؤوا لتنوير العقول ومطاردة ظلام التخلف والاستبداد .هذه النخب لم يكن سلوكها شاذا عما سنًه أسلافهم .و سنحاول في هذه المقاربة رصد بعض المواقف لأدعياء الحداثة والتي تتسم بما سمَيناه الانسلاخحداثية وذلك بالوقوف عند بعض المحطَات التاريخية المتَصلة بالمسار الانتقالي.

نتذكر جميعا بعد انتخابات أكتوبر 2011- انتخابات المجلس التأسيسي - وما أفرزته من نتائج .ألم تتمَ الدعوة آنذاك إلى أن تتدخل فرنسا في تونس لإنقاذها من التيار الإسلامي الفائز . وقد تمَت الدعوة من قبل احدى المنتسبات للجبهة الشعبية والممثلة لها في فرنسا وهي دعوة تكشف في حقيقتها الارتباطات العميقة بين الداعين لها من حيث خلفيتهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية ودولة فرنسا فهؤلاء رغم تشدُقهم بالحداثة وإيمانهم بمبادىء الثورة الفرنسية وما تمخَضت عنه من قيم لازالوا يحملون في داخلهم القابلية للاستعمار ويعيشون انبتاتا عن واقعهم وجهلا بتاريخهم وبنضالات أجدادهم .أين نحن إذن من قيم الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها .فنحن إزاء عبيد يتدثَرون بالحداثة وكلما امتحنوا في مدى صدقهم في تبنيها حنوا إلى أسيادهم يستنجدون بهم.

المحطة الثانية هي موقف النخبة التونسية بشقيها الليبرالي واليساري مما حصل في مصر ثمَ من الثورة السورية فأن يقف هؤلاء مع حكم العسكر واستيلائهم على السلطة بعد انقلابهم على رئيس شرعي جاءت به انتخابات حرة ونزيهة ومثَل وصوله إلى سدَة الحكم لحظة تاريخية فارقة في تاريخ مصر إنه أول رئيس مدني من خارج المؤسَسة العسكرية لا لشيء إلا لأنَه يمثل تيارا سياسيا لا يروق لهم .أمَا الثورة السورية والتي في منطلقها ثورة شعب على دكتاتورية حكم طائفي فاسد طالبا الحريَة والانعتاق .نحن ضد عسكرة الثورة وضد المنزلقات التي عصفت بها فحادت بها عن أهدافها إلاَ أنَها تظل في الأخير حقا مكتسبا للشعب السوري في التحرُر وفي أخذ زمام أموره بنفسه بعيدا عن كل وصاية وهيمنة نجد نخبتنا وهي التي مازالت بصدد استكمال مسارها الثوري الخاص بنا تتنكر لقيم الثورة- وهي من صميم الحداثة- وتصطفُ إلى جانب أنظمة استبدادية عانت شعوبها صنوفا من القتل والسحل والتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري وذلك في تنكُر صارخ لمدونة حقوق الإنسان وللحريات .

المحطة الثالثة هي الانتخابات البلدية الأخيرة وما أفرزته من نتائج ولاسيما ما يتعلق ببلدية العاصمة وفوز قائمة حركة النهضة بأغلب المقاعد وهي القائمة التي تترأسها السيدة سعاد عبد الرحيم ومنطق الأشياء أن ترشح الحركة رئيسة قائمتها لمنصب شيخ مدينة تونس - أي رئيس بلديتها- وفي ذلك تكريس من الحركة للتناصف الافقي والعمودي واحترام للقانون الانتخابي وهو حدث تاريخي إذ لأول مرة في تاريخ تونس تتبوَأ امرأة هذا المنصب إلاَ أنَ الحداثيين بشقيهم كان لهم رأي اخر فقد انبرت منهم أصوات تعلن رفضها هذا الترشيح وسمعنا تبريرات تفوح منها رائحة الفتاوى القروسطية والجهويات المقيتة والابتزاز السياسي والتشكيك في مبادىء المترشحة وفي نضاليتها داخل المجتمع المدني وفي نشاطها النسوي لا لشيء إلا لأنها مرشحة حزب سياسي هم خصومه .لقد نسي هؤلاء ما كانوا يصدعون به رؤوسنا عن انحيازهم التام والمطلق لقضايا المرأة ودفاعهم المستميت عن حقوقها وكان شعارهم - نساء بلادي نساء ونصف - ثم في لحظة تاريخية فارقة نجدهم قد تنكروا لكل ذلك وانسلخوا عن مبادئهم الحداثية

المحطة الرابعة هي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية فرغم ما يتبدى من أنَ إيمان الحداثيين بالحداثة وبالأسس التي قامت عليها يرتقي إلى درجة المعتقد الجديد بل أضحت دينهم الوضعي الجديد فجعلوا لها إكليروسا وكهنة ينطقون باسمها ويحتكرون تفسيرها وتأويلها .إلاَ أننَا في مسار الانتقال الديمقراطي والسعي الحثيث لاستكماله بتركيز المؤسَسات الدستورية تبدأ المناورات والمخاتلات والحسابات حيث تضمحل المبدئية ويتضاءل الالتزام وتحلُ محلَهما النزعات الفردية والهمُ المصلحي والمناكفة السياسية كلُ ذلك على حساب المصلحة العليا للوطن .فأمام المغنم لا يهمهم أن تتعطَل المحكمة الدستورية فأحد المترشحين يشترك معهم في الانتماء إلى قيم الحداثة وإلى اليسار وله تاريخ نضالي مشرف وقد احتضن مكتبه في سنوات الجمر اجتماعا ضمَ مختلف الطيف السياسي المعارض لنظام الحكم آنذاك إنَه الأستاذ العياشي الهمامي أحد المرشَحين لعضوية المحكمة الدستورية . لقد باركت حركة النهضة هذا الترشيح لمعرفتها بالرجل فقد خبرته في ذروة النضال ضد الاستبداد إلاَ أنَ الاعتراض عليه جاء من الشق الليبرالي الحداثي ربَما لأنه من المتحمسين للعدالة الانتقالية ولضرورة استكمال مسارها لأنَها الدعامة الأساسية لإنصاف المضطهدين والمظلومين ممن طحنتهم الة قمع نظام الاستبداد والفساد وهذا يكشف أنَ هذا الشقَ الليبرالي مازال يستكثر على الثورة التونسية مضيها قدما في كنس المنظومة القديمة وما خلَفته من مآسي .

3- ما بين المصطلحين وصل وفصل:

إنَ الجامع بين مصطلحي الإنسلاخسلامية والانسلاخحداثية هو الظهور بوجهين مختلفين والنفاق .فجميع المنتمين لهذين التوجهين يعمدون إلى إخفاء حقيقتهم المعادية للمختلف عنهم .فكل منهم يعاني من عجز كبير في القدرة على تقبُل غيريَة الاخر المختلف عنهم واعتباره شريكا في الوطن ومن حقه أن يكون مكونا من مكونات المشهدين الثقافي والسياسي .لكن هذا لا يمنع من وجود فروق بين كليهما . فالإنسلاخسلامية اشتغلت على التنظير للخروج من الإسلام من خلال نشر مجموعة من البحوث الأكاديمية والإشراف على عدد من الأطاريح الجامعية والترويج لعدد من البحوث الإستشراقية التي تتساوق ورؤيتهم في حين أنَ الانسلاخحداثية هي مجموعة من المواقف تفرزها وقائع محدَدة في علاقة بطرف اخر أو بتيار فكري وسياسي مختلف وهذه المواقف تكشف زيف أصحابها وخداعهم في ما يرفعونه من شعارات تخفي نزوعهم إلى الاستبداد والإقصاء والاستئصال وبالتالي لاديمقراطيتهم إنَهم أقرب إلى الخواء والعدميَة منهم إلى البناء والتأسيس.

***

بقلم: رمضان بن رمضان

أمريكا اليوم ليست كأمريكا الأمس.. الصورة الذهنية لها تغيرت بعد حرب العراق من شرطى إلى قرصان، ومن تمثال الحرية إلى صنم متجبر. ثم انحدرت أكثر لنراها مرتبكة عاجزة أمام وباء كورونا، ومذهولة متفاجئة أمام ثورة الوول ستريت وهجمة أنصار ترامب على مبنى الكونجرس، ثم إذا بها منهزمة اليوم أمام الروس فى أوكرانيا.. هكذا انهارت صورة السوبرمان الأمريكى الهوليودية فى أذهان حلفاء العم سام!

 غير أن كل هذه الانهيارات والانحدارات لم تستطع حتى اليوم أن تهز عرش أمريكا الراسخ كقوة عالمية مسيطرة على القرار الدولى..سواء فى الاقتصاد أو السياسة أو حتى على مستوى الحياة الاجتماعية اليومية للشعوب. ذلك أن نجاح أمريكا الأول كان فى قدرتها الفذة على السيطرة على المزاج العالمى من خلال ما أسماه جوزيف ناى بالقوة الناعمة..

أسرار الهيمنة

 جوزيف ناي. باحث وأكاديمي بجامعة هارفارد ومستشار سابق لوزير الدفاع الأمريكي على عهد كلينتون، وهو صاحب مصطلح "القوة الناعمة" الذى اشتهر من خلال كتابه المعنون بنفس الاسم.. وفيه يشرح لنا كيف أن أمريكا استطاعت بسط سيطرتها على العالم كقوة أولى من خلال قوتها الناعمة المتمثلة فى السينما والفنون والثقافة والإعلام قبل الخشنة المتمثلة فى أساليب العنف والردع بالسلاح أو التهديد بالعقوبات الاقتصادية.. فيؤكد أن أقل من 20% من وسائل التغيير الناجحة لأمريكا ضد بلدان أخرى تمت من خلال استخدام القوة الخشنة. بينما كانت قواها الناعمة هى السلاح الأقوى لها دائماً..

 حدث هذا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرةً؛ إذ يؤكد جوزيف ناى أن انهيار جدار برلين، وذوبان الفروق بين ألمانيا الغربية الرأسمالية والشرقية الاشتراكية لم يحدث إلا بفضل استخدام سلاح القوة الناعمة فقال: (اخترقنا جدار برلين بأفلام السينما قبل زمن طويل من سقوطه عام 1989؛ لأن مطارق الثقافة كانت أقوى من مطارق الحديد!) .. ولعل هذا نفس الذى حدث للاتحاد السوفيتى الذى اغتالته الثقافة الانفتاحية الرأسمالية رغم السياج الصارم الذى ضربته الشيوعية ضد تسرب تلك الثقافة.. معنى هذا أن الماكدونالد والبيبسي والسي إن إن أقوى كثيراً من الباتريوت والهاون والإف 16!

 السينما والإعلام والفنون وسائر أدوات الثقافة وآليات الغزو الفكرى جميعها من مكونات القوة الناعمة للبلدان القوية، لكن العجيب أن مؤلف كتاب القوة الناعمة يؤكد أنها كلها ليست هى أقوى أدواتها للسيطرة، وأن السلاح الأقوى فى يد أمريكا هو عامل الهجرة المقننة، أى قدرة أمريكا على جذب العقول المتفوقة من سائر أنحاء البلاد إليها، وأنها كانت تتربع على عرش البلدان الجاذبة لهجرة العقول منذ زمن طويل ولم يباريها فى تلك المكانة سوى بريطانيا! فما الذى حققته هجرة الأفذاذ لأمريكا؟

 أول تلك المكاسب وأقواها هو ما حدث من اختراق لسياج الشيوعية المتين المضروب حول الاتحاد السوفيتى أثناء الحرب الباردة الطويلة.. فيؤكد جوزيف ناى أن برامج التبادل الطلابى مع الاتحاد السوفيتى آنذاك مثلت عاملاً حاسماً من عوامل تقويض وتفكيك دول الاتحاد من الداخل؛ إذ كان الطلاب العائدين من تلك البعثات على مدى عقود طويلة يفعلون فعل الفيروسات سريعة الانتشار بحيث استطاعوا فى سنوات قليلة من تغيير مزاج السوفييت كلهم من الخضوع لسجن الاشتراكية إلى البحث عن جنة الرأسمالية والحرية المطلقة التى تعد الناس بها زوراً أو صدقاً!

  ثم أن تلك العقول ذاتها أصبحت لبنة رئيسية لتحقيق التفوق التكنولوجى والعلمى والبحثى فى شتى المجالات العسكرية والاقتصادية، ولنا فى فاروق الباز وأحمد زويل عبرة، ولعل نظرة بسيطة فى إحصائيات الحاصلين على نوبل أو المكتشفين والمخترعين الأمريكان على مر السنوات ستؤكد حقيقة أن أغلبهم من المهاجرين الذين انصهروا داخل آلة الصناعة الأمريكية وحولوها إلى آلة جبارة سبقت سائر البلدان بتكنولوجيا صناعات متطورة لا نظير لها.

 ولعل أهم ما تحققه الهجرة الكثيفة لأمريكا قدرتها على السيطرة على أجيال قادمة من صغار السن الذين يتربون منذ البداية على الثقافة الأمريكية فيصيرون أول المدافعين عنها فى شتى المحافل!

كيف تحفر هاوية بإبرة؟!

 الصبر الطويل والعمل الدؤوب بلا كلل والتربص المكتوم بين طيات الضباب هى طريقة ماكرة مدروسة لتلك القوى المتسللة خلسة عبر قنوات الغزو الثقافى تنتظر اللحظة المناسبة لتلدغ بغتة!

 الآن تطورت أدوات التأثير والاختراق الثقافى بعد شيوع السوشيال ميديا وسهولة نقل الصورة والمعلومة المغرضة من خلال قنوات اليوتيوب والتيك توك والفيسبوك، لتزداد قدرة أصحاب الأجندات على الوصول إلى الجميع بضغطة زر؛ ليقوموا بحقن الأذهان بالأكاذيب والأضاليل، وتحريك النفوس بسيل من الشائعات والترهات، بينما الشباب مستسلمون لكل هذه الأجندات الخبيثة استسلام المنوَّمين!

 الخوف ليس على هذا الجيل وحده، وإنما أكثر على الأجيال القادمة التى ستنشأ وتتربى على مثل هذا الغثاء المنتشر فى كل مكان وعلى كل شاشة وخشبة مسرح. هناك هاوية يتم حفرها للأجيال القادمة وإن كانت تحفر بهدوء وصبر وأناة ودأب، فسيأتى اليوم لنكتشف أنها غير قابلة للردم.

القوة المفقودة

 نظرة سريعة حولك تكفيك لتدرك ما يحدث..

البساط ينسحب من تحت أقدامنا شيئاً فشيئاً.. لم نعد نحن رواد الإعلام فى المنطقة؛ بعد أن سبقتنا قنوات إعلامية أقل عمراً وأضعف تجربة واستطاع غيرنا الوصول للعالمية فيما تأخرنا نحن وانكفأنا على أنفسنا! وحتى مجال السينما لم نعد نحن الأوائل، بعد أن تعددت مهرجانات السينما فى المنطقة وباتت لعبة الإمكانيات المادية ولغة المال تتحدث لتفرض سطوتها، وتصبح السينما المغربية والإيرانية والتركية بديلاً عن السينما المصرية العريقة، بدليل غيابنا عن الجوائز السينمائية لمدة طويلة.

 حتى فى الآداب والفنون سبقنا الكثيرون إلى الصدارة، وانزاحت الجوائز الأدبية الكبري لتقع فى حجر دول عربية شابة، وحتى هذه الجوائز انصرفت أغلبها لفائزين من الأدباء غير المصريين!

 لم يحدث هذا فجأة، ولم يتم بمنأى عن النخبة المصرية . فالجميع يشاهدون ويراقبون مع عجزهم عن فعل شئ. لقد انتقلت مقاليد القوى الناعمة من مصر إلى غيرها من دول المنطقة. وهذا ينذر بغياب جزء كبير من قدرتها على التأثير ناهيك عن دور الريادة والتفرد.

 لفترة طويلة ظلت السينما المصرية هى الرائدة والأغنية المصرية هى السائدة، والإعلام المصرى هو المتصدر، والأدب المصرى هو أدب الجوائز والتميز والتفرد والرصانة، والصحافة المصرية هى المعلم الأول لكل المدارس الصحفية فى المنطقة. حتى جاء الوقت الذى تشوهت فيه تلك الصورة وتم استبدالها بصورة أخرى قاتمة تنحدر فيها القيم وتنسحق الأخلاقيات، ويتم الترويج من خلال السينما والدراما والأغنية لثقافة شعبية فى أدنى حالات الانحطاط والترخص والابتذال!!

 مثل هذا الإصرار على الاستمرار فى إضعاف القوى الناعمة لن يؤدى إلا إلى مزيد من انسحاب بساط الريادة والتأثير. ومزيد من قدرة الثقافات الغربية على اختراق العقول والأمزجة وعلى استمالة الأجيال القادمة لتبنى أجندات مغرضة ماكرة تحقق مصالح العدو لا مصالحنا نحن.وتجارب الغرب أثبتت أهمية امتلاك القوة الناعمة لتحقيق التوازن إلى جانب القوى الخشنة ولامتلاك القدرة على التأثير الفعال على الأمزجة والأفكار والعقول.

 المؤكد أن تاريخ مصر يشهد على قدرتها على التعافى السريع من أى ضعف يصيبها. ولا شك أننا قد فقدنا قوانا الناعمة أو بعضها، وأننا قادرون على العودة إلى امتلاك أدوات هذه القوة المؤثرة، لاسيما ونحن مائة مليون حافلون بالتنوع وحاملون لميراث حضارة عريقة.. فقط علينا أن نبدأ من حيث انتهى أصحاب الريادة والصدارة فى ميادين العلوم والأداب والإعلام والفنون.

***

عبد السلام فاروق

"أوبنهايمر" فيلم هوليودي مضلل وخَطِر يحاول تبرئة مجرمي الحرب في هيروشيما!

فيلم أميركي مُضَلِّل وخطر عن "أوبنهايمر" مخترع القنبلة النووية، تحاول هوليود من خلاله دفع الضحايا لتبرئة مجرمي الحرب وقادة الإبادة الجماعية في هيروشيما وكانتزاكي باسم التقدم العلمي! وقبل قراءة الفقرات أود التذكير بالآتي ليكون القارئ على معرفة ببعض التفاصيل ذات الصلة والتي لن يقترب منها في العادة المصفقون للفيلم ولهوليود ولأميركا للغرب بشكل روتيني وببغاوي:

* فحتى اليوم ماتزال دولة الولايات المتحدة الأميركية ترفض الاعتذار رسميا عن مجزرة الإبادة التي ارتكبتها في جزيرتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين واللتين قتل فيهما مئات الآلاف من الناس ومات بسببهما خلال عقود مئات آلاف أخرى بسبب التلوث الإشعاعي اللاحق.

* في المناهج التدريسية الأميركية يمنع التطرق لهذه الكارثة – القصف الذري لهيروشيما وناكازاكي -  والتعليق عليها في جميع المستويات بل وإذا حدث وتطرقت إليها فمن باب إنها عملية حربية مشروعة عجلت بإنهاء الحرب العالمية الثانية وإجبار اليابان على الاستسلام، وهذه كذبة فندها مؤرخون كثيرون من بينهم أميركيون وأوروبيون أكدوا أن القيادة اليابانية كانت على وشك الاستسلام وبدأت فعلا في مناقشة شروطه!3547 oppenheimer

* إن مجزرة هيروشيما وناكازاكي هي عملية ثأرية متخلفة وإجرامية قامت بها الدولة الأميركية ودفع ثمنها الشعب الياباني وهذا ما اعترف به الرئيس الأميركي ترومان لنقرأ "عندما وصلته الأنباء الرسمية بإسقاط قاذفة "بي 29" قنبلة ذرية فوق هيروشيما، ليصف ذلك بأنه أعظم شيء في التاريخ، معتبراً أن أميركا فازت بأكبر رهان علمي في التاريخ عبر تسخير القوة الأساسية للكون بانشطار الذرة، وأن هذا هو وقت القصاص من اليابان التي دفعت ثمن هجومها غير المبرر على قاعدة "بيرل هاربور" الأميركية عدة مرات وقتل الأسرى الأميركيين/ مقالة في جريدة الاندبنديت 6 آب 2021".

* أكثر من ذلك فإن الرئيس الأميركي ترومان نفسه قال ما يدينه تماما حين برر القصف الذري على اليابان بقوله "عندما تضطر إلى التعامل مع وحش، يجب عليك أن تعامله كوحش"، أي أن تكون أن وحشا تتعامل مع وحش!

* أما أوبنهامير مخترع هذا السلاح الفتاك والإجرامي فقد كشف إنه "خلال لقاء خاص مع الرئيس بعد فترة وجيزة من الحرب قال له بأنه يخشى أن تكون يداه ملطخة بالدماء، فطالبه ترومان بأن يتوقف عن القلق، لأنه هو وليس أوبنهايمر من أصدر القرار. م.س".

* ما يزال العالم حتى يومنا هذا يعيش تحت رعب التهديد النووي والإفناء الذري المتبادل بين الدول المتصارعة، وتمتلك هذه الدول ما يكفي لإفناء البشرية عشرات المرات! وما يزال الغرب الإمبريالي بزعامة أميركا وبواسطة التهديد بهذا السلاح المرعب يفرض هيمنته العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية على الدول الفقيرة والنامية في جميع القارات ويفرض على الدول والشعوب الرافضة الحصار الشامل ويستهدفها عسكريا بالتدمير والقتل.

* في هذا الفيلم لم نرَ مشاهد قصف هيروشيما وناكازاكي وفظاعات ورعب الموت الجماعي للناس وجثثهم المحترقة هم وأطفالهم وحيواناتهم، والتبرير الذي طرحه أحد النقاد السينمائيين (لم يذكر المترجم قحطان المعموري اسمه أو اسم الجهة الناشرة في مقالة أخرى نشرتها المدى قبل يومين) والقائل إن مخرج الفيلم ربما لم يشأ أن يجعل الحرب جذابة بشكل غير مقصود! أما أن يكون الفيلم كله محاولة لتبرير وتبرئة مخترع السلاح ومستعمليه فهذا شيء مشروع في العقل الغربي الهوليودي كما يظهر!

* فقرات من مقالة نقدية جريئة ولا تتملق آلهة العنف والإرعاب الأميركية نشرتها جريدة الأخبار البيروتية يوم 1 آب الجاري بقلم أحمد ضياء دريدر: «أوبنهايمر» أو كيف تعلّمنا هوليوود أن نحبّ قتلنا الجماعي ونكفّ عن القلق! الفقرات أدناه:

*  بدأت تجربة القنبلة الذرية في صحراء لوس ألاموس فتنحبس الأنفاس. يتباطأ الزمن ويتوقف الصوت فلا تسمع إلا همساً؛ ووسط هذا الخشوع في حضور ميلاد أقوى أسلحة الدمار في ذلك الوقت (وأمام سلاح الدمار الذي سيحدد هوية العصر) نرى ضوءاً ساطعاً، ثم يعود الصوت ونسمع الانفجار مبشّراً بنجاح التجربة.

* قيل إن الجمهور في بعض بلادنا العربية قد وقف مصفّقاً عند هذا المشهد. تدعونا هوليوود دائماً للتماهي مع المستعمِر، ولكن هذه مرحلة جديدة من الانسحاق وانهزام الكرامة تجعل بعض الناس يصفّقون لجلّادينا ولقدرتهم على إبادتنا. هذا لا يمنع أن البعض الآخر من جمهورنا يعي جيداً أن أوبنهايمر هو مجرم هيروشيما وناغازاكي وأن هذا الاختبار الناجح كان بداية الجريمة.

* أمّا علاقتنا، نحن المشاهدين، بهذه النار فليست واحدة، بل تختلف بحسب علاقتنا بالمركز الإمبراطوري: النار التي تنير لهم هي النار التي تحرقنا. وإذا ما قرئ مشهد تفجير القنبلة التجريبية، وقرئت النار التي طغت على آخر المشهد، بروميثيوسيا تصبح هذه النار وتصبح الرهبة التي تبثها في المشاهد علامة من علامات هذه القدرة البشرية المتطورة؛ بينما إذا قرأناه في ضوء المجزرتين في هيروشيما وناغازاكي وفي ضوء القدرة السياسية التي أعطاها لأصحاب القنبلة، فلا نرى في النار سوى أشلاء الأبرياء وهي تحترق – لا أشلاء اليابانيين الذين أصابتهم القنبلة بشكل مباشر فحسب، ولكن أشلاء الذين أحرقتهم أميركا في حروب أخرى بقدرات تكنولوجية مماثلة أو مختلفة وبقدرة سياسية تستند في ما تستند إلى هذه القنبلة.

* يمر حوار الفيلم عرضاً على حجم المأساة في اليابان (من دون عنصر بصري واحد). لكنّ الاستعارة البروميثيوسية، مع تقطيع المشاهد وقفزها ما بين المستويات الزمنية بشكل يضع الثقل الدرامي على ما عاناه أوبنهايمر من بعد القنبلة على يد رئيسيه/غريمه في هيئة الطاقة الذرية وعلى يد البارانويا المكارثية، كل ذلك يجعل أوبنهايمر، كما قال له أحد أشخاص الفيلم، يلاقي عقوبة بروميثيوس -الذي تقول الأساطير إن الآلهة قد عاقبته على المعرفة التي منحها للبشر بأن قيّدته إلى جبل لتأكل العقبان من كبده بالنهار ثم تنمو كبده بالليل لتأكلها العقبان في اليوم التالي. يريد لنا الفيلم أن نظن أن أوبنهايمر قد عوقب وأنه عوقب جزاء الجميل الذي أسداه للبشرية. بينما الحقيقة هي أنه كان مجرماً وأن ما عاناه من جراء الخلافات الداخلية الأميركية، التي يفرد لها الفيلم ثلثاً كاملاً ولا يخلو ثلثاه الآخران منها، وأن هذه الخلافات الأميركية الصغيرة والتافهة لا ينبغي أن تعنينا إلى هذه الدرجة.

* في مشهد تالٍ قريب نرى جمهوراً يلوّح بالأعلام الأميركية ابتهاجاً بالمجزرة ويهتف لأوبنهايمر والقنبلة، ونرى أوبنهايمر واقفاً على المنصة يتلقّى التكريم ثم يباغته الندم فيتخيل كما لو أن القنبلة الذرية قد أصابتهم هم ويرى كل من حوله وهم يحترقون أو يفرون بحثاً عن ملجأ.

* نرى خلال الفيلم أوبنهايمر وهو يريد أن يتعذب ليكفّر عن ذنبه، ونراه مزهواً لأنه اخترع اختراعاً أنهى الحرب وكان من شأنه، بحسب رأيه، أن يمنع الحروب الأخرى. وفي الحالتين تُتخطى دماء اليابانيين ليصبح العالِم الأميركي، بزهوه أو بعذابه النفسي، سيد المشهد.

* في زملاء أوبنهايمر الذين وقّعوا عريضة تطالب بعدم استخدام القنبلة، خاصة وقد أوشكت الحرب على الانتهاء -في مقابل أوبنهايمر الذي كان يتستر بحياد العلم ليشارك في ارتكاب جريمة العصر. وكانا هناك في رفاق أوبنهايمر القدامى من اليساري- الذين تنصّل هو منهم، والذين حاول بعضهم تسريب سر القنبلة إلى السوفيات لكي لا تستأثر قوة واحدة بهذا السلاح المدمّر، في مقابل وشاية أوبنهايمر بهم.

* هاتان النقطتان لم تفيا الفيلم حقهما؛ فبينما بدت عريضة العلماء هامشية، فإن الفيلم قد أسقط تفصيلة مهمة، إذ لم يكن توقّع استسلام اليابان محتوماً فحسب، بل كان اليابانيون قد بدأوا بالفعل في مناقشة شروط الاستسلام وكان العائق الوحيد هو إصرار الأميركيين على أن يكون الاستسلام «دون قيد أو شرط».

* ولكن تنكّر أوبنهايمر لهذا اليسار الأخلاقي لم يبدأ حين وشى بعضو الحزب الشيوعي الذي كان يريد تسريب الأسرار للسوفيات. فعندما بدأ «مشروع مانهاتن» لإنتاج القنبلة الذرية كان على أوبنهايمر أن يقطع صلاته بأعضاء الحزب الشيوعي (بمن فيهم أخوه) وأن ينحّي كل العلماء من ذوي التوجهات اليسارية من فريقه بعد أن يكون قد أدار ظهره لتوجهاته هو اليسارية.

* يجعل الفيلم من إدارة أوبنهايمر ظهره لمبادئه استقلالاً وفردية، ويجعل من تنكّره لزملائه خدمة وطنية، ويساق الهولوكوست بشكل غير أمين في المشهد الذي يتنكّر فيه لزملائه ليبدو كما لو أنه تنكّر لهم ليتسنّى له إنقاذ بني دينه من المحرقة، لا ليصبح إله القتل كما تشي الصلاة الهندوسية الشهيرة التي قيل إنه ردّدها بعد نجاح التجربة: «ها قد أصبحتُ الموت؛ مدمرَ العوالم».

 * الفيلم، فنياً وعلى مستوى التمثيل والحبكة والرواية متوسط - ربما باستثناء بعض المشاهد التي يستعرض فيها المخرج براعته التقنية/السنماتوغرافية. وعناصر الفيلم لا ترتقي إلى مستوى الأسئلة التي يطرحها حدث مثل اختراع القنبلة الذرية واستخدامها. وحكايته تهرب من الأسئلة المصيرية إلى تفاصيل محلية أميركية جانبية تتعلّق بالشد والجذب في ما بين الأطراف المختلفة هناك وبمسألة الولاء لأميركا، ومحاولات تسويقه كأهم أفلام القرن ما هي إلا محاولات لفرض تفاهات المركز الإمبريالي وأسئلته الفرعية على سائر العالم.

* * * 

علاء اللامي

......................

* رابط يحيل الى النص الكامل للمقالة النقدية وهي للناقد أحمد ضياء دردير:

https://al-akhbar.com/Opinion/366516/

في المثقف اليوم