آراء

آراء

أجرت منظمة الصحة العالمية (WHO) منذ فترة طويلة دراسات عديدة، أكدت  ان صحة الانسان وثيقة الإرتباط بصحة النظام البيئي الذي يلبي الكثير من احتياجاتنا الاساسية، فتؤدي زيادة عدد السكان، والتطور الاقتصادي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر.

ونبهت WHO الى إمكانية التغلب على المشكلات البيئية، التي تتسبب بحوالي ربع الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وجاء في دراسة لها بعنوان "تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية " انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنساناً اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية، كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغنطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة.وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.

تشكل التغيرات المناخية في الوقت الراهن أبرز المشكلات البيئية الساخنة، وتُعدُ تطوراتها المتفاقمة المتسارعة من أكبر التحديات التي تواجه العالم، لا سيما وان تأثيراتها شديدة للغاية على صحة وحياة البشر في أنحاء العالم، حيث يساهم تغيُّر المناخ في تردي جودة الهواء، والمياه، والأمن الغذائي، واماكن العيش والسكن، وفي انتشار الأمراض المعدية. ويُصَعِبُ انخفاض التنوُّع البيولوجي إطعام البشرية بطريقة صحية. وقد تحولت التغيرات المناخية الى سبب رئيسي لنزوح المجتمعات الأكثر عرضة لتداعياتها ، ولنشوء أوضاع مضطربة، وقيام نزاعات، تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر..

إدراكاً لهذه المخاطر، خصص مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي سيفتتح في دبي يوم 30 تشرين الثاني القادم، يوماً خاصاً لـ " الصحة، والتعافي، والإغاثة، والسلام " ضمن برنامجه الحافل. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تخصيص مثل هذا اليوم، الذي سيكون يوم الثالث من كانون الأول. ومن المقرر ان يتم خلاله تسليط الضوء بالأدلة والقرائن على التداعيات الصحية الوخيمة للتغيرات المناخية، واستكشاف مسارات جديدة، ضمن أجندة المؤتمر الأممي، لمهمات الإغاثة العاجلة للمتضررين، ولمتطلبات التعافي، وغيرها من مهمات دعم المجتمعات الأكثر تضرراً، وتعزيز مرونتها واستقرارها .

وسيتضمن برنامج اليوم، أيضاً،عقد مؤتمر لوزراء الصحة والبيئة والمناخ،من أرجاء العالم، يناقش أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ووضع الحلول والمعالجات لها، لتكون ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية.

وبادرت أكثر من 200 مجلة طبية رائدة ومعروفة وواسعة الإنتشار في العالم، مثل: The BMJ، و The Lancet، وJAMA ، والمجلة الطبية الأسترالية، ومجلة شرق أفريقيا الطبية، والمجلة الطبية الوطنية الهندية، ومجلة دبي الطبية، وغيرها، ونشرت في وقت واحد، يوم الأربعاء 25/10/2023، مقال افتتاحي، لخلق زخم قبل إنعقاد (جمعية الصحة العالمية) القادمة في ربيع عام 2024. ودعت فيه قادة العالم والمهنيين من ذوي المهن الطبية والصحية إلى الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان أزمة واحدة لا تتجزأ، ويجب معالجتها معًا للحفاظ على الصحة العامة وتجنب الكوارث.

وكتب المؤلفون إنه من الخطأ الخطير الاستجابة لأزمة المناخ وأزمة الطبيعة كما لو كانا تحديين منفصلين. وحثوا منظمة الصحة العالمية على إعلان هذه الأزمة غير القابلة للتجزئة كحالة طوارئ صحية عالمية.

وأن صحة الإنسان تتضرر بشكل مباشر بسبب أزمة المناخ وأزمة الطبيعة، حيث تتحمل المجتمعات الأكثر فقرا وضعفا العبء الأكبر في كثير من الأحيان.

ويعد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض المعدية من بين التهديدات الصحية الرئيسية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ. كما أدى تحمض المحيطات إلى تقليل جودة وكمية المأكولات البحرية التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في الغذاء وفي سبل عيشهم .ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تقويض التغذية الجيدة، وتقييد اكتشاف أدوية جديدة مستمدة من وفي حين أجبرت التغيرات في استخدام الأراضي عشرات الآلاف من الأنواع على الاتصال الوثيق، مما أدى إلى زيادة تبادل مسببات الأمراض وظهور أمراض وأوبئة جديدة.

وأكد المؤلفون بان المجتمعات تتمتع بصحة أفضل إذا أتيحت لها إمكانية الوصول إلى مساحات خضراء عالية الجودة تساعد في تصفية تلوث الهواء، وخفض درجات حرارة الهواء والأرض، وتوفير الفرص لممارسة النشاط البدني.

كما أن التواصل مع الطبيعة يقلل أيضًا من التوتر والوحدة والاكتئاب، مع تعزيز التفاعل الاجتماعي، وهي فوائد مهددة بسبب الارتفاع المستمر في التحضر.

ويذكر أنه منذ أن عقد أول مؤتمر عالمي للمناخ في جنيف عام 1979، اتفق علماء من 50 دولة على أن الاتجاهات المقلقة في تغير المناخ تجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لها ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق تحذيرات متكررة، منها في قمة ريو عام 1992، وفي بروتوكول كيوتو لعام 1997، وأخيرا في اتفاق باريس لعام 2015، لكنه لم يتم الوفاء بالإلتزامات الدولية..

ولذا يتوجب أن تعلن WHO أن أزمة المناخ والطبيعة غير قابلة للتجزئة، وهي حالة طوارئ صحية عالمية، وان يتم ذلك  قبل أو أثناء انعقاد جمعية الصحة العالمية في اَيار 2024.

وتتطلب معالجة هذه الحالة الطارئة تنسيق عمليات COP28، وكخطوة أولى، يجب على الاتفاقيات المعنية أن تعمل على تحقيق تكامل أفضل بين الخطط المناخية الوطنية ومكافئات التنوع البيولوجي.

ويجب أن يكون العاملون في مجال الصحة مناصرين أقوياء لاستعادة التنوع البيولوجي ومعالجة تغير المناخ لصالح الصحة، في حين يجب على القادة السياسيين أن يدركوا التهديدات الخطيرة التي تهدد الصحة من الأزمة الكوكبية وكذلك الفوائد التي يمكن أن تتدفق على الصحة من معالجة الأزمة. لكن أولا، يجب علينا أن ندرك هذه الأزمة على حقيقتها: "حالة طوارئ صحية عالمية.”

وكتب المدير العام لـ WHO، تيدروس غيبريسوس، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لـ COP28، سلطان الجابر، والمبعوثة الخاصة للمدير العام لـ WHO المعنية بتغيُّر المناخ والصحة، ڤانيسا كيري، مقالآ مشتركاً، نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية،قبل أيام، وجاء فيه:

إن التغيُّر المناخي يعدّ أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه البشرية. وفي مواجهتها تظل الحاجة العاجلة إلى تنفيذ تدابير التصدي لتغيُّر المناخ هدفاً ملحاً، ولكنه غير محقق.

وأن تغيُّر المناخ يحدث الآن، وآثاره محسوسة في جميع أنحاء العالم. وتشير تقديرات WHO إلى أن حالة وفاة واحدة من كل أربع وفيات يمكن أن تعزى إلى أسباب بيئية يمكن الوقاية منها، وأن تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.ويفرض العديد من التحديات الصحية المعقدة، بدءاً من الظواهر الجوية المتطرفة، وانتهاءً بانتشار الأمراض المعدية وتفاقم الحالات المزمنة. ولا يمكن الوقاية منه باللقاح، أو علاجه بالمضادات الحيوية. لكننا نعلم أننا قادرون على التخفيف من آثاره.

وأن تقليل الانبعاثات في جميع القطاعات يعدّ أمراً بالغ الأهمية لاحتواء تغيُّر المناخ والحفاظ على درجة حرارة الأرض في مستوى 1.5 درجة مئوية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على العالم أن يعمل على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة لديه، وخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المئة على الأقل على مدى السنوات السبع المقبلة".

ونبه المؤلفون: إذا لم نتحرك، فإن تغيُّر المناخ سيطغى قريباً على النظم الصحية في العالم. وستزداد الظواهر الجوية المتطرفة، في تواترها وشدتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فعلى سبيل المثال، أدت فيضانات العام الماضي في باكستان إلى نزوح 8 ملايين نسمة وتضرر 33 مليون نسمة إجمالآ.

وأضافوا: نحن نعلم أن الأسوأ قادم. وبدون اتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة، سيؤدي تغيُّر المناخ إلى نزوح حوالي 216 مليون شخص بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. ويعرّض تغير المناخ حياة الناس وسبل عيشهم للخطر، ويؤدي إلى زيادة في الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والكوليرا التي تعرّض الملايين للخطر.

والأهم من ذلك، ستكون الخسائر فادحة إذا لم نتحرك، إذ يؤثر تغيُّر المناخ بالفعل على ما يقرب من نصف سكان العالم. وبحلول عام 2050، في ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيتعرّض عدد مرعب قدره 1.4 مليار شخص للإجهاد الحراري، غالبيتهم لأشد أشكاله خطورة.

وإختتم المؤلون:هذا المستقبل لا يمكن أن يكون واقعنا. ولهذا السبب ندعو الحكومات والأطراف الفاعلة في جميع أنحاء العالم إلى الحضور إلى ((COP28  وتقديم حلول طموحة تقي من النتائج الصحية السلبية، وتساعد المتضررين فعلآ، مشيرين إلى أنه سيطلق في يوم " الصحة، والتعافي، والإغاثة" إعلان بشأن  "الصحة والمناخ"، سيجعل الصحة ركيزة لجدول أعمال المناخ وجزءاً أساسياً من إرث COP28، داعين جميع الحكومات إلى التوقيع عليه.

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

هل أحسنت إسرائيل الاستثمار في هذه الأفضلية؟

بنو إسرائيل منذ قديم الزمن لا يعتمدون في توتيد2 نفوذه جنسهم على الأرض، ولا يستندون في توطين كيانهم وانتشار تجارتهم ورواجها إلّا على السحر والإشاعة والدعارة والمكائد، هذه حقيقة يعرفها الله سبحانه ويعرفها أنبياؤه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرفها أيضا الراسخون في علم الأديان والكتب السماوية، خصوصا اليهود وسلوكهم اتجاه الله واتجاه الأنبياء والرسل من جنسهم أو من جنس غيرهم من الأمم الأخرى، ولو أعاد الله بعثهم مرة ثانية لاصطفوا رجلا واحدا لمحاربة اليهود دون غيرهم لأنهم منبع الشر والفتنة، هذا ما تصالحت عليه جميع الشرائع والأعراف من جميع البشر عربا وعجما، وهذا ما يحدث الآن امتدادا لهذا التاريخ البشع من رغبتهم في تدمير كل من ليس له صلة عرقية بالجنس اليهودي، تحت مقولة نابعة من تاريخ جاهلي قديم انطلاقا من اعتبار أنفسهم جنسا مميّزا على أنهم (شعب الله المختار) في التاريخ القديم زعما، لكنها عنصرية فاشية نازية بالمنظور السياسي الحديث، القيمة التي يقنعون أولادهم بأنها مقدسة، والتي حرفوا لأجلها الإنجيل والتوراة، وعذبوا لتحقيقها وتكريسها أنبياءهم ورسلهم، وتمردوا على الله واتبعوا ما تملي الشياطين لبناء صرحهم وكيانهم الموعود.

ما لهذا الكيان الفاسد المارد لا يفهم ولا يكف عن مكره في جر الإنسانية نحو الدمار، وهو يرى بعينيه الحيّ والجماد من البشر وهوام الأرض، أطيارها وزواحفها وما ظهر وخفي متذمرا رافضا لسلوكه في الحياة، بدليل ما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحكاية الغراب الذي أسقط رايته حيث ذهبت بها الرياح إلى ما لا يعرف أحد، إضافة إلى ما يدل عليه الحديث القائل: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"3.

ليست الشجرة إلّا رمزية مكان وكائن غير عاقل كأداة يستند عليها الراغبون في العصيان والتمرد كدلالة على الشعور بالضعف كالجوع والحاجة إلى الأمن، أمّا من جانبها النفعي فهي أداة من أدوات التخفي طلبا للسلامة مما قد يلحق بالإنسان من الطبيعة كالشمس أو المطر، أو مما يمكن أن يسبب له أضرارا في جسمه، وربما في فقدان حياته مما تخلفه الحروب عادة، بدء من الشجرة التي نهى الله آدم وحواء - عليهما السلام - من الاقتراب منها، هذه الشجرة التي أشاع اليهود بأنها شجرة الخلد مبررين بها خطيئة آدم وحواء، وهم أدرى بأن هذه الحكاية غير صحيحة، فالقرآن الكريم أولى بتشخيص هذه الشجرة وتبيين اسمها، والتعرض إلى جواز الاقتراب منها أو الإبقاء على ذلك الأمر بالنهي، تجاوز النص القرآني ذلك وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة لحكمة إلهية، والسؤال عنها مضيعة للوقت لأنها الله أكمل للإنسانية دينها ورضاه لهم كما هو وارد، بخلاف بني إسرائيل الذي كيّفوا الكتب المقدسة حسب أهوائهم ومشتهياتهم.

لكن يراودني الشك انطلاقا من هذه الدلالة في أنها هي (شجرة الغرقد)، لأن اليهود أكثر دراية بعلم البدء الإنساني، وهم يعرفون بأنهم يحتكرون كثيرا من المعارف ذات الصلة بالعلوم المقدسة، إذن العلاقة التي تربطهم بشجرة الغرقد هي دلالة على أنهم حلف قديم للشيطان، وتباعا يرشدنا القرآن إلى أن بني إسرائيل هم الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، فكيف فعلت ذلك قديما ولا تفعلها الآن مع تتلو الشياطين على مجلس الأمن الدولي، بدليل تفشّي الظلم في العالم وسقوط دول وعواصم دون وجه حق، إضافة إلى تفشّي وسائل وأدوات الفحشاء وتعذيب الذات من سلاح ومخدرات ومهلوسات، بدليل أيضا ما يجوب العالم من ثورات واحتجاجات مزيّفة لا غرض منها سوى خلط الأمور وإثارة القلاقل وزيادة حجم المشاكل والخلافات الإنسانية وتوسيعها في العالم، لأنهم منها ينتعشون ومنها يتغذّون ويضاعفون ثرواتهم ويقوّون نفوذهم ويُرسّمون حضورهم في كل مكان.

إن كل الدلائل التي تؤكد اقتراب انقراض هذه السلالة البشرية الشريرة متوفرة الآن، لا ينقص إلّا هبة إيمان تطوف فوق رؤوس رؤساء العالم والعالم العربي على وجه أخص، لأنهم الأكثر تضرّرا بدرجة قصوى، وهم الذين يصب عليهم اليهود جام غضبهم كحقد يمتد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو من نشر الدين الذي يفضح ألاعيبهم على حساب الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، من الدلائل اهتمامهم البالغ في غرس شجرة الغرقد، الشجرة التي ذكر الحديث الشريف أنها معهم، وصفة الإمعة هنا تدل على صحبتهم للشياطين وعلاقتهم الوطيدة به، على أن كهنتهم كذبوا عليهم إذ ادعوا بأنها هي شجرة الخلود، وأنه بسببها تاب الله على آدم وحواء وعاود الصعود بهما إلى الجنة، يعني لا يزالون يتبعون ما تملي عليهم الشياطين، وهذه ظاهرة أقبح وأشد خطرا من جاهلية قريش، لأن بني إسرائيل أهل الكتاب وهم أكثر الأمم توافدا للأنبياء والرسل، ويُعتبَرون مرجعية كبيرة للعلوم المقدسة وتاريخ الرمزية الدينية، وكانوا من قبل أمّة الله المفضلة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}4 ولو أنهم أحسنوا التصرف بهذه الأفضلية المقدسة لاستمروا في قيادة العالم إلى وقتنا هذا، هم يعرفون أنهم أساؤوا التصرف بهذه الأفضلية، فهزؤوا بالله ورسله وأنبيائه والصاحين من جنسهم ومن غير جنسهم، وما قصّة الحواريين إلّا دلالة على حقدهم الدفين الذي يكنونه ضد الحق والحقيقة منذ سالف القرون، لأن الحواريين تلاميذ عيسى عليه السلام من بني إسرائيل، وهم الذي ناصروا الله بقيادة كل الأنبياء الذي سبقوا، فأين هؤلاء الحواريين من عصرنا الحالي، إنهم موجودون وإنهم يحتجون ويعارضون أيضا، ولكنهم مقهورون في تل أبيب وفي كل الدول الموالية لإسرائيل مثلهم المسلمين الثائرين من أجل الحقيقة، ومن المؤكد أنهم الآن في السجون على خلفية أسرار اقتحام المقاومة الفلسطينية للكثير من المستوطنات والثكنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، وذلك ما يخفيه الكيان الصهيوني ويكتفي بوصفه ثغرات أمنية، والخبراء يفسرون ذلك بالعجز الإستخباراتي، ولله شؤون في ذلك لا يعلمها إلّا الصادقون والذين أودع الله في قلوبهم سر الإخلاص.

واستكمالا لدلائل انقراض هذه السلالة البشرية المؤذية فإن الحديث الشريف شخّص لنا الشجرة، لكنه لم يُشخص لنا طبيعة الحجرة مع أن الدلالة واضحة حيث لم يترك النص المقدس من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة شيئا غامضا إلّا وأشار إليه بمفردة واضحة أو برمزية أو مجاز، نتوقف الآن عند المجاز والرمزية، ألا يمكن أن تكون الحجرة هي ذلك الجدار العازل، أليس ينادي المسلمين بأن وراءه يهود على أساس أن لا شيء وراءه إلّا العنصر اليهود، ولم يبق سوى أن يشمر المسلمون على سواعدهم ويذهبون ليقتلوه؟

بنو إسرائيل أنفسهم يعلمون ذلك، ومستعدون لينقرضوا لأنهم يكرهون أنفسهم بسبب جرائمهم التاريخية ضد الإنسانية وضد الأنبياء والرسل، ضد حتى الله سبحانه الذي خلقهم، وقد كتب أنه سيرميه في طغيانهم يعمهون، فهل يوجد عمي أكثر من هذا؟ إنهم يبيدون كل شيء يتحرك على وجه أرض فلسطين، لم يسلم حتى أهلهم من الأسرى وجنود البر والبحر، إنهم يضحون بمائة يهودي ليسعدوا بقتل مسلم عربي واحد، لذلك هم يضربون كل شيء ولو ظهر لهم الله الذي لا يزيد المقاومة إلّا قوّة وبسالة لضربوه، وهذا هو سر ابتكار الثالوث المقدّس، حيث يعتبرون أنفسهم روح القدس حائمة ترعى بني إسرائيل أحياء وأمواتا، فهم لا يقبلون أن يطغى أقنوم على أقنوم آخر، ويعتبرون أن الربّ الأب خانهم حين نزل ونفخ في رحم مريم العذراء، ومن خوفهم على تشتت الأفضلية وذوبان شعب الله المختار في الإنسانية جميعا صلبوا السيد المسيح، ومن مكرهم أشفقوا عليه ليعيدوا حشد الشعب المكذوب عليه في دين غير الإسلام، وأباحوا في هذا الدين كل ما حرّم الله في القرآن ليحيلوا للناس أن الدين الإسلامي دين متشددّ ويقف دون رفاهية الناس وتسليتهم ومتعتهم، وأنه ورشة لصناعة التشدد والإرهاب وكثير من العقد، وأبادوا المسيحية القديمة التي تتوافق مع الدين الإسلامية في مثل هذه المسائل الأخلاقية، لأنهم يكرهون أن تكون توبة المخطئ اتفاقا بينه وبين الله دون واسطة، لأن ذلك يسد الثغرة التي منها يكنزون الذهب والفضة، بمعنى الاستثمار في التوبة تحت مسمى "صكوك الغفران"، وبذلك لا عجب أن تحتل المسيحية الحديثة المرتبة الأولى عالميا من حيث العدد، وتجد من ينفق على توسيع رحابتها من المذنبين وأصحاب الخطايا والعابثين ومدني الخمر والفاحشة، بل وينشرون معسكراتهم في كل أنحاء العالم لحمياتها بذرائع كثيرة منها حماية الديمقراطية والمصالح العامة ونشر الحريات في العالم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

.......................

1) سورة البقرة الآية 47.

2) مولّدة من كلمة وتد.

3) أخرجه مسلم.

4) سورة البقرة الآية 47.

في السبت الماضي الموافق الرابع من نوفمبر 2023 أثار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الجدل بسبب خطابه الأخير عن آخر التطورات لما يجري في غزة، بعد أن ذكر بعض الفقرات من التوراة مستشهدا بها كغطاء لأفعاله الإجرامية ضد سكان القطاع المحاصر.

وتحدث نتنياهو، عن أن الجيش افتتح "مرحلة ثانية" في العدوان على قطاع غزة من خلال إرسال قوات برية إلى غزة، وتوسيع الهجمات من البر والجو والبحر، ووصف الحرب بأنها معركة من أجل بقاء بلاده. وحذر من أن الهجوم سيتكثف قبل غزو بري واسع النطاق في المنطقة. وقال: "هناك لحظات تواجه فيها الأمة احتمالين: أن تفعل أو تموت، ونحن الآن نواجه هذا الاختبار وليس لدي أدنى شك في كيفية نهايته: سنكون المنتصرين".

وأضاف: "يقول كتابنا المقدس سفر صموئيل الأول 15: 3، الآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعف عنهم، بل اذبحوا رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملاً وحمارا"..

والسؤال الآن: من هم عماليق؟، ولماذا يكرههم الإسرائيليون؟، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة؟، وما الوصية المتعلقة بهم في الكتاب المقدس؟، وما التفسير المسيحي لهذه النصوص الكتابية؟، ولماذا يصمم الكيان الصهيوني على الاستشهاد بنصوص من الكتاب المقدس؟، وما موقف المسلمين تجاه هذا الموقف الديني المتعمد من الكيان الصهيوني؟

ونبدأ بالإجابة عن السؤال الأول، حيث نجد أن عماليق هم أعداء اليهود الأزليين، وهم أول الشعوب التي تحدثت العربية، من أقدم وأكبر الأمم التي سكنت الجزيرة العربية، حيث خرج من بينهم ملوك ذو شأن عظيم، ونجحوا بإقامة مجتمعات اقتصادية مزدهرة، حتى أصبحوا من الأثرياء.

أما لماذا يكرههم الإسرائيليون!، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة!، فكما قلنا عقب الحرب على غزة خرج نتنياهو في خطاب شديد اللهجة، واستحضر نصا دينيا، وهو يخاطب جنوده، وقال لهم:" عليكم أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم، مؤكدا أن جيشه وجنوده جزء من إرث جيش وشعب نون بن يوشع الذي قاتل العماليق، ولو رجعنا لابن الكلبي فنجده يقول:" إن أول من تكلم العربية هو عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، واسمه كان عربيا، وقالت العرب في أمثالها القديمة: من يطع عريبا يمسي غريبا "، وذلك لأنه تسبب بطردهم من بابل، حيث تحدث العربية.

وقد اختلف المؤرخون في أصل كلمة عماليق !، فمنهم من أرجعها إلى ضخامة أجسام هذه الشعوب، وآخرون قالوا أن أصلها يعود لاسم قبيلة عربية سكنت في العقبة، وكان البابليون يسمونها بـ" ماليق" أو " مالوق"، فجاء اليهود، وأضافوا إليها كلمة " عم"، والتي تعني " الأمة" أو " الشعب"، وبهذا الشكل تكونت كلمة " عماليق".

هناك إشارة سابقة إلى العمالقة، عندما ضرب كدر لعومر ملك عيلام وحلفاؤه (حوالي 1900 ق. م.) " كل بلاد العمالقة، وأيضاً الأموريين الساكنين في حصون تامار " (تك 14: 7)، وهي إشارة يمكن أن تكون إلى شعب آخر غير نسل عماليق حفيد عيسو، وفي الأصحاح الرابع والعشرين من سفر العدد نقرأ أنه لما رأي بلعام عماليق، " نطق بمثله وقال عماليق أول الشعوب، وأما آخرته فإلى الهلاك " (عد 24: 20).

وعبارة "أول الشعوب" قد تعني أنه أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر 17: 8، عد 14: 45)، أو أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة (1 صم 27: 8). وكان العماليق يطلقون أسماءهم على المناطق التي كانوا ينزلون فيها، وأشهرها مدينة" "ايلا" التي نُسبت إلى " ايلا بن هوبر بن عمليق"، وهو أول من نزل فيها، وينحدر العماليق من ذرية " لاوذ بن ارم"، وسكنوا الجزيرة العربية، ثم رحلوا إلى بلاد الرافدين، وهي العراق حاليا، وعندما تكاثروا وأصبحوا أعدادا كبيرة، عاد جزء منهم إلى الجزيرة العربية، وتمركزت قبائلهم في البحرين، واليمن، وعمان، ومن قبائلهم كما ذكر ابن خلدون " بنو ليف"، وبنو سعد" و" بنو مطر" و" بنو الأزرق"، و" بنو الأرقم"، وغيرهم كثير.

وقد نجح العماليق في إنشاء مجتمع زراعي في يثرب، والتي سكنها حسب رواية الطبري "قبيلة جاسم"، وقاموا بتصدير محاصيلهم إلى المناطق المجاورة ـ ودرت عليهم تجارتهم أموالا طائلة، وجاءت إليهم الأقوام من جميع الأماكن، نظرا لازدهار أعمالهم، وكونوا فيما بعد مجتمعا موحدا.

أما عن موطنهم فقد كان العماليق شعباً بدوياً، يتجولون في المنطقة ما بين شمالي سيناء والنقب جنوبي كنعان، إلى الجنوب من بئر سبع بما في ذلك منطقة العربة إلى الشمال من إيلات وعصيون جابر، وربما إلى بعض الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة العرب. ونقرأ أن شاول الملك ضرب " عماليق من حويلة حتي مجيئك إلى شور التي مقابل مصر " (1 صم 15: 7). ويبدو أنها نفس المنطقة التي كان يسكنها قبلاً بنو إسماعيل الذين " سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجئ نحو أشور " (تك 25: 18) ؛ كما مد العمالقة نفوذهم شمالاً في فلسطين وأفرايم كما نفهم من وجود جبل باسمهم في أرض أفرايم بالقرب من نابلس الحالية، حيث دفن عبدون بن هليل الفرعثوني قاضي إسرائيل (قض 12: 15).

ونقرأ في سفر صموئيل الأول أن العمالقة " قد غزوا الجنوب وصقلغ " (1 صم 30: 1, 2). وما جاء في سفر القضاة (6: 3 و 33) عن تحالف العمالقة مع المديانيين وملوك الشرق في غاراتهم على بني إسرائيل، قد يكون دليلاً على أن العمالقة كانوا في وقت من الأوقات قد زحفوا شرقاً واختلطوا بالقبائل العربية في شمالي شبه جزيرة العرب.

لهذا رجعنا لكتاب " المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم "، لخوري بولس الفغاني، يقول إن عماليق هم مجموعة من القبائل البدوية التي تنتمي إلى الأدوميين (حسب تك 36: 12-15)، وقد عاشوا في الصحراء بين سيناء وجنوبي غربي فلسطين "، وفي كتاب "قاموس الكتاب المقدس" (والذي ألفه نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين، والذي حرره الدكتور بطرس عبد الملك والدكتور جون الكساندر طمسن والأستاذ إبراهيم مطر)، قال عن العماليق أنهم شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية، وكانوا يقيمون في البدء قرب قادش في جنوب فلسطين، وكانوا مصدر ازعاج لبني إسرائيل في البرية، لأن العبرانيين اعتدوا على ممتلكاتهم "، ثم يستطرد القاموس:" ولكنهم وقفوا في وجه العبرانيين مرة أخرى لما أراد هؤلاء التوسع في اتجاه الشمال "، ثم يقول كذلك:" وكان العماليق يتجولون من مكان لآخر، وكان مجال تجولهم وسيعا، من حدود مصر إلى شمال العربية إلى بادية فلسطين".

أما فيما يخص الوصية الكتابية المذكورة في الكتاب المقدس وبالذات في العهد القديم، والمتلقة بعماليق، وهذه هي النقطة التي ركز عليها نتنياهو والذي يدرك جيدا أن إخواننا من المسيحيين سيفهمونها، فلو رجعنا إلى سفر التثنية من النص الذي اقتبس منه نتنياهو (25/17):"" اُذكُرْ ما فعَلهُ بكَ عَماليقُ في الطريقِ عِندَ خُروجِكَ مِنْ مِصرَ"، وعندما خرج بني إسرائيل من مصر وجدوا شعوب تعيش في الأراضي التي يريدون أن يدخلوها، فحدثت بينهم حروب والذي رأينا نتنياهو يريد تطبيقه أصلا يقول النص:" "فَمَتَى أَرَاحَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ حَوْلَكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا، تَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. لاَ تَنْسَ." (تث 25: 19).

وهنا يعلق نتنياهو في خطابه " إننا لم ننسى الوصية"، وهنا يضع أهل غزة مكان عماليق، وما يجب أن يفعله إزائهم هو محو ذكر عماليق من تحت السماء حسب الرواية، وهذا ما يفعله الكيان الصهيوني الآن، وهو محو الفلسطينيين من تحت السماء.

وأما فيما الإجابة عن الموقف المسيحي تجاه هذا المحو، وهنا أقول علينا أن ندرك جيدا أن معظم المسيحيين لا يستطيعون أن يعترضوا على ما جاء في الكتاب المقدس، وذلك لأن هذا الكلام يؤمن به كل اليهود والمسيحيين على حد سواء لكون أن الله قد أمر بذلك، وتلك مسألة في غاية الأهمية، وهذه هي حقيقة خطورة الموضوع، فالكيان الصهيوني، لا يؤمن بأن تلك واقعة تاريخية لها ظروفها الخاصة، ولا ينبغي أن تتكرر، بمعني أن الله قد أمر بذلك في الماضي السحيق، ومن ثم فهذه تمثل حالة خاصة بشعب خاص بأمر من الله، وليست هذه هي أخلاق الحروب بشكل عام، ولكن في نظر الكيان الصهيوني أنه يجوز له أن يفعل هذا مرة أخرى كما فعل ذلك يشوع بن نون وهو كما نعلم أنه تلميذ سيدنا موسي عليه السلام، وأحد أهم أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام.

وهنا نجد كثير من المفكرين المسيحيين المعاصرين يتساءلون ما موقفنا تجاه نصوص دينية تقول بأنه بإمكاننا أن نبيد شعوب أخرى، ونمحوها من تحت السماء، وهنا نجد " وليم ماكدونالد (التابع لمعهد عمواس للكتاب المقدس)" يقول:" نسل عماليق كان ينبغي أن يُبادروا عن بكرة أبيهم لسبب غدرهم وقسوتهم (خر 17: 8-16). أخبر الرب إسرائيل ألا ينسى محو عماليق".

وأما وليم مارش (السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان):" كان عماليق نتاج عدم الإنسانية، فكان استئصاله من السنن التي تعتز بها الإنسانية "، وهذا الكلام في غاية الخطورة وذلك لكون العماليق في نظر مارش فيجوز إبادتها واستئصالها، وهذا الفعل أن تبيد شعب آخر هو في نظر مارش فعل تعتز به الإنسانية.

ولذلك علينا أن نتعجب حين نستمع لنتنياهو وهو يقول في خطابه أننا نحارب حرب الإنسانية، وحرب الحضارة، وحرب التمدن، ومن ثم يجب علي كل الأمم المتحضرة والمتمدنة أن تقف معنا في حربنا ضد هؤلاء البرابرة المتوحشين.. وللأسف هذا ما يحدث في غزة اليوم.. وللحديث بقية..

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

.........................

المراجع:

1- الكتاب المقدس.

2- قصة عماليق التي ذكرها نتنياهو وحقيقة نبوءة حماس في سفر إشعياء.. يوتيوب.

3- نتنياهو يهدد فلسطين بالعماليق أعداء اليهود الأزليين وأول الشعوب التي تحدثت العربية.. يوتيوب.

4- لماذا يحارب الرب عماليق من دور الي دور؟ خروج 17: 16.. مقال.

5- هل يستعين نتنياهو بالتوراة لتبرير الإبادة الجماعية لسكان غزة بعد تشبيههم بالعماليق؟.. مقال.

لماذا هي الأولى وما قبل الأخيرة:

القولُ إنها الحرب الفلسطينية الصهيونية الأولى، لا يعني أيَّ بخس أو استهانة بكفاح الشعب الفلسطيني وانتفاضاته وثوراته وحركاته المقاومة المسلحة طَوال قرن ما يزال مستمرا. ولكننا نتحدث هنا عن حرب كاملة الأركان والأوصاف، هي الأولى لأنها، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، انطلقت بقرار فلسطيني بحت وبتخطيط فلسطيني وقوات مسلحة فلسطينية.

أما لماذا هي ماقبل الأخيرة فذلك لأنها أعادت هذا الصراع إلى المربع الأول، مربع اغتصاب الأرض سنة 1948 وإنشاء الكيان وتهجير نصف السكان الأصليين من وطنهم، ولأنها هزَّت هذا الكيان هزّاً عنيفا وأكدت له أن لا مستقبل له في المنطقة وأن انتصاراته على الأنظمة العربية في العقود الماضية وتسلحه بالسلاح الحديث والتكنولوجيا الغربية العالية لم تحمه من الهزيمة المرة التي ذاقها يوم السابع من تشرين الأول الماضي، ولقد كانت هذه الحرب بمثابة التمرين العام والحقيقي على الحرب القادمة والتي ستكون الأخيرة معه وتنتهي بتفككه وزواله.

لقد انكشف هذا الكيان على حقيقته ككيان أيديولوجي خرافي ديني ومعه انكشف الابتزاز الذي كان يقوم به حملة الخطاب العلماني القشري المزيف والذي يناوئ فصائل المقاومة الفلسطينية بحجة أنها إسلامية سلفية كحركة حماس، قافزين على حقيقة يؤكدها القانون الدولي والإنساني العام ومعطيات التأريخ والتي تقول إن الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي لا علاقة لها بإيمان المقاومين ونوع الأيديولوجية التي يحملونها. هذا أولا، وثانيا فقد سقطت ورقة التوت عن الخطاب الديني السلفي الصهيوني خلال هذه الحرب الدموية التي يشنها الكيان بعد هزيمته أمام المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان.

مَن يريد تحويل الصراع إلى ديني:

لقد سقطت ورقة التوت عن جوهر الخطاب السلفي الرجعي للكيان كما قلنا، والأدلة كثيرة لعل من أهمها قيام ثلاثة وأربعين حاخاما بتوجيه فتوى مكتوبة إلى نتنياهو يبلغونه فيها بـ "جواز" قصف مستشفى الشفاء في قطاع غزة من ناحية دينية، كما نقلت القناة"14" الإسرائيلية. الحادثة الثانية في هذا السياق هي تصريحات نتنياهو شخصيا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي هدد فيها إنه سيحقق "نبوءة إشعياء" في هذه الحرب، واصفاً الفلسطينيين بأنهم "أبناء الظلام"، والإسرائيليين بـ "أبناء النور". حيث قال: "سنمضي قدما بسرعة لتحقيق النصر، وبقوتنا الجماعية وإيماننا العميق بصلاحنا وخلود الشعب اليهودي. نحن أهل النور، وهم أهل الظلمة، سوف نحقق نبوءة إشعياء". فمن هو إشعيا وماذا تضمنت نبوءته تلك؟

إشعيا هو أحد أنبياء التوراة، عاش في القرن الثامن ق.م. وكسائر أنبياء التوراة لا توجد أدلة إركيولوجية "آثارية" ملموسة، أو أدلة تأريخية من خارج التوراة تؤكد وجوده التأريخي قط، ويقتصر وجوده إذن على الوجود الروائي ضمن السردية التوراتية.

وهذه النبوءة التدميرية، لا تتعلق بالفلسطينيين الذين كانوا قد اندمجوا وذابوا بالكنعانيين أهل البلاد الأصليين بل تتوعد المصريين والدمشقيين بالخراب الشامل الذي سينزله إله الجنود "رب الإسرائيليين القدماء" بهما، فبخصوص مصر تقول النبوءة:

" هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.  وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا.  وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ".

أما بخصوص دمشق فقد تضمنت نبوءة إشعيا الآتي: "وحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَ ذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ.  مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ. وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ".

هذه هي نبوءة إشعيا التي بعثها نتنياهو "ابن النور" حيةً تسعى، وتوعد أعداءه "أبناء الظلام" بتنفيذها، فهل عرفنا الآن من هم الذين يريدون أن يجعلوا الصراع الفلسطيني الصهيوني حربا وصراعا دينيا طائفيا، ومن هم أولئك الذين يكررون أنهم يريدونه صراعاً بين حركة مقاومة ضد دولة احتلال اغتصبت الأرض وتبيد الشعب صاحبها؟

للأنثروبولوجيا كلمة:

لندع كلام السياسة جانباً لدقائق، ولنستمع لما تقوله علوم التأريخ والآثار والإناسة عن أكذوبة إسرائيل القديمة البائدة والأكذوبة الأخرى القائمة اليوم، لنتمعن بهذه الخلاصات:

-هذه الدولة التي يسمونها "إسرائيل" ليس لها حدود رسمية معلنة حتى اليوم.

-علمها الرسمي بخطيه الأزرقين يؤكد خرافة الوعد التوراتي بأن أرض إسرائيل ستمتد بين الفرات والنيل، بمعنى أنها تريد ضم نصف العراق الغربي ونصف مصر الشرقي وما بينهما.

-ليس لهذه الدولة دستور مكتوب بل ثمة مجموعة مما يسمونها القوانين الأساسية اعتبرت دستورا. "بسبب عدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على هدف الدولة وهويتها ورؤيتها على المدى الطويل" كما تقول الوثائق الصهيونية.

- لم تحدد هذه القوانين الأساسية الصهيونية نوع الدولة، فهي "دولة" فقط، فلا هي جمهورية ولا هي ملكية ولا هي إمارة!

-وهي دولة قائمة على الانتماء العنصري الإحادي رغم أن سكانها في غاية التنوع الإثني وبينهم ملايين العرب الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم ولم يشملهم التطهير العرقي سنة 1948، وهذا الانتماء العنصري ثابت بموجب قانون صدر من برلمانها "الكنيست" هو قانون الدولة القومية لليهود الصادر بتأريخ 19 تموز 2018.

-وحين نقول إنها دولة خرافية أيديولوجية فهي فعلا خرافية لأنها قامت على أساس من مزيج قومي صهيوني وديني توراتي و"وعد إلهي" لا يُلزم أحدا غير المؤمنين بالتوراة، مثلما لا تلزم دولة داعش إلا أعضاء هذا التنظيم فقط.

-هذه الدولة التي يسمونها إسرائيل الصهيونية لا علاقة لها بمملكة إسرائيل المنقرضة إلا لجهة الترويج والبروباغندا. كيف ذلك؟

- إنَّ أورشليم القدس لم تكن عاصمة إسرائيل القديمة أبداً، بل كانت السامرة أو "سامارين" عاصمتها. وجغرافيا فإسرائيل القديمة البائدة نفسها تقع كلها اليوم في الضفة الغربية الفلسطينية.

-(أورشليم) ليست كلمة عبرية، ولم تكن مدينة يهودية، بل هي مدينة بناها اليبوسيون الوثنيون وهم قبيلة كنعانية، و"أورشليم" كلمة كنعانية مؤلفة من مقطعين "أور" وتعني " مدينة" ومثلها أور السومرية بالعراق، وشاليم أو ساليم التي تعني "السلام" كما يرى باحثون، فيما يرى آخرون منهم عالم الآثار التوراتي المؤيد للصهيونية ويليام ألبرايت أن شاليم كان إلهاً للغروب والغسق في حين كانت شقيقته الإلهة سَحَر إلهةً للشروق والسَحَر".

-إن (إسرائيل) القديمة لم تكن دولة يهودية توحيدية بل وثنية تعددية، وقد لعنت التوراةُ هذه الدويلة وملوكها من سلالة آل عُمري. ومما ورد بخصوص هذا الملك المؤسس الحقيقي لها قول التوراة (ولم يعمل عُمري الشيء المستقيم في عيني الرب. وعبد الأصنام التي عبدها يربعام. وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخر من قبله من ملوك إسرائيل (1 مل 16: 26؛ مي 6: 16).

-أما (أورشليم) القديمة، فقد كانت بلدة أو قرية زراعية كنعانية صغيرة، ولم تصبح يوما عاصمة إمبراطورية يهودية كما زعمت التوراة، ولكنَّ بني إسرائيل من العبريين أو من يُزْعَم أنهم عبريون، تسللوا إليها وسيطروا عليها وأنشأوا دويلة – أو مشيخة بمصطلحات توماس طومبسون – سمّوها يهوذا صغيرة إلى جانب العديد من دويلات المدن الكنعانية باعتراف التوراة حيث نقرأ: "فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ" (قض 3: 5).

-إنَّ دويلة "يهوذا" أصغر مساحة من إسرائيل البائدة، وهي عبارة عن حزام من القرى حول مدينة أورشليم القدس، وأن الدويلتين المنقرضتين "إسرائيل" و" يهوذا" لا تتجاوز مساحتهما نصف مساحة فلسطين، فما معنى مصطلح "أرض إسرائيل" الذي أحيَّته الحركة الصهيونية المعاصرة وأطلقته على عموم أرض فلسطين القديمة والمعاصرة؟

-أما دولة إسرائيل الصهيونية القائمة اليوم فمن الطريف أنها تقع كلها على أراضي فلسطين التأريخية التي لم يسكنها بنو إسرائيل المنقرضون!

-وأخيراً، فإن اسم "إسرائيل" نفسه ليس لقباً عبرياً للنبي يعقوب بل هو اسم كنعاني مركب من مقطعين "إسرا" واختلفوا في معناها بين صرع الرب حسب سفر التكوين، وأسر الرب، وجندي الرب...إلخ، والثاني "إيل"، وإيل هو الإله جزيري "سامي" يقابل إله اليهود يهوه ويهوى؟ يهوه «الرب» هو الاسم الرئيسي في العهد القديم، ويتجنب اليهود عموما استخدام اسم الرب واستبدلوا به أسماء أدوناي أو إلوهيم عند قراءة الكتاب المقدس. فمن أين جاء اسم الإله الوثني إيل؟

أما كلمة إلوهيم والتي هي صيغة جمع جزيرية قديمة لكلمة (إله)، فتعكس بقايا الوعي الديني الوثني التعددي لدى اليهود في فترة ما قبل التوحيد.

إنَّ هذه المعطيات والحقائق لم يكتبها باحثون عرب ومسلمون بل باحثون متخصصون محايدون أحيانا وبعضهم إسرائيليون ويهود توراتيون وغير إسرائيليين، وسأذكر أدناه أسماء بعضهم مع عناوين كتبهم وخصوصا المترجمة إلى العربية والمتوفرة في نسخ رقمية (PDF) مجانية على الانترنيت ويمكن أن تكون مفيدة في ميدان التثقيف الذاتي لجيل الشباب العربي المعاصر:

- "التوراة مكشوفة على حقيقتها" لفنكلشتاين.

- "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند

- "التطهير العرقي لفلسطين"، و"عشر خرافات عن إسرائيل" لإيلان بابيه.

-  "اختلاق إسرائيل القديمة" لكيث وايتلام .

ما بعد الطوفان

ولأن هذه الحرب هي الفلسطينية الصهيونية الأولى، ولأنها بدأت بهذا الزخم، فقد كان رد العدو عليها دمويا استهدف المدنيين الفلسطينيين وقتل الآلاف منهم بكل برودة دم بعد أن حصل على شيك أميركي غربي مفتوح للقتل. والواقع فلم يحقق العدو شيئا. بل بدأ يخفف من سقف أهدافه من "تغيير الشرق الأوسط بشكل عميق" والقضاء على حركة حماس واجتثاثها من الجذور إلى إضعاف حماس والإطاحة بحكمها في غزة ثم جرى تخفيض هذا السقف إلى ما هو أوطأ من ذلك، وبدأ إعلامه يروج لحل "ترحيل الجناح العسكري لحماس من غزة على طريقة "بيروت 1982"، وأخيرا استقرت قيادة العدو على تهديد مضحك يقول "سنقطع أية علاقة لنا بغزة" فعن أية علاقة يتحدثون وهم يحاصرون القطاع وسكانه براً وبحراً وجواً منذ سنة 2006؟ هل يقصدون حرمان 15 ألف عامل فلسطيني من دخول الكيان؟ حسنا هم بهذا سيزودون المقاومة برصيد بشري جديد!

لكل ما تقدم من عوامل، يمكن أن نتوقع أن هذه الحرب ستطول وهي مستمرة في شكل حرب إبادة من الجو من طرف العدو، وحرب قنص والتحام من المسافة صفر من طرف المقاومة. فقيادة الكيان تدرك أن هذه الحرب هي حرب وجود أو زوال بالنسبة لها في مواجهة أصحاب الأرض الحقيقيين – وليس من الخالي من الدلالة أن ثلاثة أرباع سكان غزة هم من ضحايا التطهير العرقي الصهيوني الذين هُجِّروا من مدنهم وقراهم سنتي 1948 و1967فتجمعوا في مخيمات غزة، وقيادة المقاومة الفلسطينية تدرك أنها حرب بقاء واستعادة الوطن وسيكون ثمنها باهظا بسبب وحشية ودموية العدو وشركائه في المقتلة.

ما ينبغي الانتباه له والحذر منه في هذه المرحلة هو الطعنات من الخلف التي قد توجهها أنظمة التطبيع التي أثبتت تبعيتها للصهيونية وخصوصا في حكومات الخليج العربي والمغرب الأقصى إضافة إلى مصر والأردن اللتين لم يبدر من حكومتيهما  أي تلويح أو تلميح لإلغاء اتفاقيات السلام والتطبيع وقطع العلاقات مع دولة الكيان كما فعلت جمهورية بوليفيا غير العربية ولا الإسلامية، وفي حين اكتفت الحكومة الأردنية باستدعاء سفيرها والطلب من حكومة الكيان عدم إعادة سفيرها الى عمان ربما لأسباب أمنية تتعلق بالخشية عليه من الشارع الغاضب فإن الحكومة المصرية لم تبلغ هذا المستوى من الاحتجاج بل أن رد الرئيس المصري على الطلب الصهيوني الأميركي بالموافقة على تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء جاء صادما  ومهينا حين طرح أمام إسرائيل مقترحا بديلا بتهجير الغزيين إلى صحراء النقب بدلا من سيناء!

لقد فتحت عملية طوفان الأقصى عصرا جديدا واعدا رغم قسوته وفداحة ثمنه بشرياً لكونه أمام عدو متوحش فاشي النزعة، ولن يكون بإمكان الكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين عكس مساره والعودة به إلى الماضي ولا الإفلات من مآلاته الحتمية، فوضعته أمام الحقيقة المرة التي هرب منها سبعة وخمسين عاماً وهي أنه كيان مؤقت، خرافي، عنصري، مفتعل ومفروض على أرض شعب آخر بقوة السلاح والمال الغربيين وتبعية وتواطؤ أنظمة الحكم العربية وإنه سيزول ويتفكك بعد أن يفقد كل عوامل بقائه الجاذبة وفي مقدمتها أمن وسلامة مستوطنيه. وسيبدأ غالبية هؤلاء المستوطنين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.

أختم بالقول؛ إذا ما بدأ تفكك وانهيار هذا الكيان الملطخ بدماء الأبرياء فستكون مهمة الإنسانيين وذوي القلوب الرحيمة العرب في الحد أو التخفيف من عمليات الثأر الانتقامية من الصهاينة مهمة صعبة وشبه مستحيلة بسبب الجرائم الشنيعة والهذيانية التي ارتكبتها دولة "إسرائيل"، وكأن هذه الدولة بقتلها كل أسرة فلسطينية تزرع المزيد من الأحقاد والثارات التي لم يألفها عرب المشرق في الماضي البعيد والقريب!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

بقلم: نورمان فنكلستين

ترجمة: قصي الصافي

***

حرب لبنان 1982.

في حزيران عام 1982، شنت إسرائيل هجوماً على لبنان فقتلت ما بين 15 إلى 20 ألف لبناني وفلسطيني، معظمهم  من المدنيين. وقد بدأت الحرب بقرار إسرائيل انهاء الهدنة [مع منظمة التحرير الفلسطينية] .... تعرض مستشفى للأطفال الفلسطينيين خارج مخيم صبرا [لللاجئين] للقصف بقنبلة واحدة.  و قد تم انتشال ستين جثة من جراء القصف.  المصدر: روبرت فيسك،pitty  Nation

حرب لبنان 2006.

نقلاً عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها) { كتاب من تأليف الكاتب نفسه... المترجم}

استهدفت إسرائيل سيارات الإسعاف اللبنانية التي كانت تحمل علامات واضحة بالصواريخ خلال حرب عام 2006، على الرغم من أنه، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "لا يوجد أي دليل بأن حزب الله كان يستخدم سيارات الإسعاف لغرض عسكري".  المصدر: هيومن رايتس ووتش، لماذا ماتوا.

عملية الرصاص المصبوب 2008-2009

نقلاً عن غزة: تحقيق في استشهادها

خلال ما يسمى بعملية الرصاص المصبوب، أدت الهجمات الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة إلى إتلاف أو تدمير 29 سيارة إسعاف و ما يقدر بنصف المراكز الصحية في غزة والبالغ عددها 122 مؤسسة، بما في ذلك 15 مستشفى.  المصادر: جان ماكغيرك، "الوضع الصحي والإنساني في غزة لا يزال هشاً"، مجلة لانسيت (4 شباط/فبراير 2009)؛  منظمة العفو الدولية وآخرون،" خذلان غزة".

وثّقت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل" الهجمات الإسرائيلية على الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، فضلا عن حالات " لا تعد ولا تحصى" تعمد فيها اسرائيل لسد طريق "فرق الإنقاذ الميدانية التي حاولت إخلاء المحاصرين والمصابين".  المصدر: أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل، “تدني أخلاقي ”.

وخلص تقرير تفصيلي معد من قبل فريق مستقل من الخبراء الطبيين بتكليف من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، وجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية إلى أن إسرائيل عرقلت عملية نقل جرحى غزة بواسطة سيارات الإسعاف"، عبر استهدافها واستهداف طواقمها.  وخلص التقرير إلى أن “ الهدف الأساسي للهجوم على قطاع غزة على ما يبدو هو بث الرعب دون رحمة لأحد”.  المصادر: سيباستيان فان آس وآخرون، التقرير النهائي: بعثة تقصي حقائق مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة خلال الفترة 27/12/2008-18/01/2009 (بروكسل: 2009).

وقد أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتسم عادة بالتكتم، توبيخًا علنيًا لإسرائيل بعد الحادث الصادم حيث  أرجع الجنود الإسرائيليون  فريق إنقاذ تابع للصليب الأحمر، تم إرساله لمساعدة المدنيين المصابين، وتركوهم يموتون.  المصدر: "غزة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر تطالب بالوصول العاجل إلى الجرحى في ظل فشل الجيش الإسرائيلي في مساعدة الجرحى الفلسطينيين"، بيان صحفي (8 يناير/كانون الثاني 2009).

أعلن مركز الميزان لحقوق الإنسان أن العرقلة الإسرائيلية الممنهجة لوصول الخدمات الطبية أثناء الغزو تسببت في مقتل ما لا يقل عن 258 من سكان غزة.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان، تحمل العبء الأكبر مرة أخرى: انتهاكات حقوق الطفل خلال عملية الرصاص المصبوب (2009).

هل كان مقاتلو حماس يطلقون النار من المستشفيات ويلجأون إليها؟  " زعمت إسرائيل أن الكثير من المعلومات الواردة من مصادر استخباراتية وتقارير من قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على الأرض، تؤكد أن حماس قامت في الواقع بالاستخدام العسكري المكثف للمستشفيات والمرافق الطبية الأخرى".  لكن وفقا لمنظمة العفو الدولية، لم يقدم المسؤولون الإسرائيليون " ولا حتى دليل واحد يثبت ذلك".  منظمة العفو الدولية نفسها "لم تجد أي دليل خلال تحقيقاتها الميدانية على أن مثل هذه الممارسات، حتى لو حدثت بالفعل، فانها قد تكون نادرة جداً "؛  ولم تجد منظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل) "أي دليل يدعم ادعاء إسرائيل الرسمي بأن المستشفيات استخدمت لإخفاء أفراد سياسيين أو عسكريين"؛  تقرير غولدستون "لم يجد أي دليل يدعم الادعاءات القائلة بأن مرافق المستشفيات تم استخدامها من قبل سلطات غزة أو من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة لأغراض عسكرية.  المصادر: مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب، حماس والتهديد الإرهابي؛  منظمة العفو الدولية، عملية "الرصاص المصبوب".

عملية الجرف الصامد 2014.

نقلاً عن كتاب غزة: تحقيق في استشهادها

دمرت إسرائيل أو ألحقت أضرارًا بـ 17 مستشفى و56 مركزًا للرعاية الصحية الأولية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان وآخرون، (لا مزيد من الإفلات من العقاب: القطاع الصحي في غزة يتعرض للهجوم) (2015).

إن الصليب الأحمر "يدين بشدة هذه السلسلة المثيرة للقلق للغاية من الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني وسيارات الإسعاف والمستشفيات".  المصدر: (تقرير النتائج التفصيلية.)

حققت منظمة العفو الدولية في التصريحات الإسرائيلية التي تبرر استهدافها لثلاثة من هذه المستشفيات. ولم تجد  بأي حال من الأحوال دليلاً قاطعاً على مزاعم إسرائيل.  وفي إحدى الحالات، ذكرت منظمة العفو الدولية أن الأدلة التي قدمتها إسرائيل كانت مزيفة بشكل واضح.

"هاجمت إسرائيل مراراً مستشفى الوفاء، ثم حولته إلى أنقاض، وهو المرفق الوحيد الذي اعيد تأهيله في غزة...  وعرض الجيش الإسرائيلي صورة جوية زاعما أن حماس أطلقت صاروخا من المنطقة المجاورة مباشرة للمستشفى.  ومع ذلك، وجدت منظمة العفو الدولية أن "الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي على تويتر لا تتطابق مع صور الأقمار الصناعية لمستشفى الوفاء، ويبدو أنها تصور موقعًا مختلفًا".

خلال عملية الجرف الصامد، تم استهداف سيارات الإسعاف مرة أخرى:

تعرضت أو دمرت 45 سيارة إسعاف بالكامل نتيجة للهجمات الإسرائيلية المباشرة أو الأضرار الجانبية أثناء عملية الجرف الصامد.

[…]

وثقت [منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية] على نطاق واسع الهجمات المتعمدة وغير المبررة التي شنتها إسرائيل على سيارات الإسعاف الفلسطينية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصادر: منظمة العفو الدولية، "أدلة على استهداف القوات الإسرائيلية والمرافق الطبية في غزة" (7 أغسطس/آب 2014)؛  بعثة طبية لتقصي الحقائق؛  الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تقرير( المحاصرون والمعاقبون)

وقد وثق تقرير للأمم المتحدة كتبه قاضٍ أمريكي من ولاية نيويورك سلسلة من الهجمات على سيارات الإسعاف خلال عملية الجرف الصامد. عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها)

"أصيب سطح أحد المنازل بقذائف هاون شديدة الانفجار، مما أدى إلى مقتل ثمانية أفراد من الأسرة، بينهم سبعة أطفال كانوا يلعبون تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وتسعة أعوام، إضافة إلى جدهم البالغ من العمر سبعين عامًا.  وزعمت إسرائيل أن الهجوم جاء ردا على "صاروخ مضاد للدبابات" و"انفجار قذيفة هاون" أطلق من الحي أدى حسب زعمهم إلى إصابة جندي.  ثم أطلق الجيش الإسرائيلي "جولة أخرى من القذائف" بعد عشر دقائق "بمجرد وصول ثلاث سيارات إسعاف ومسعفين إلى مكان الحادث"، والتي أصابت أيضاً "العديد من الأشخاص الذين تجمعوا حول منزل [العائلة] لمساعدة الناجين.  "  ونقل التقرير عن صحفي شاهد عيان “أصيب بالذهول من الاستهداف الواضح لسيارات الإسعاف والصحفيين الذين هرعوا لتقديم المساعدة للمصابين وتغطية الحادث”.  كما أشارت إلى أن روايات شهود العيان "مدعمة بتسجيلي فيديو"، أظهر أحدهما "مصورًا يحتضر وهو يواصل التصوير، وسيارات الإسعاف تتعرض للقصف بصاروخ".  وخلص التقرير إلى أنه “نتيجة لجولة القصف الثانية، قُتل 23 شخصاً، بينهم 3 صحفيين، ومسعف، و2 من رجال الإطفاء.  بالإضافة إلى إصابة 178 آخرين، من بينهم 33 طفلاً و14 امرأة وصحفي ومسعف.  وبحسب ما ورد توفي أربعة نتيجة للإصابات التي أصيبوا بها في هذا الهجوم.  ورغم أن إسرائيل زعمت في وقت لاحق "أنها لم تكن لديها مراقبة فورية" للهجوم المميت، إلا أن التقرير لم يصدق هذه الحجة: "تجد اللجنة صعوبة في تصديق أن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه علم بوجود سيارات إسعاف في المنطقة عقب الضربة الأولى، خاصة عندما وصلت فرق الإنقاذ وسيارة الإطفاء وثلاث سيارات إسعاف إلى مكان الحادث مع إطلاق صفارات الإنذار بصوت مدّوي.

الشجاعية – “تعرضت سيارة إسعاف طبية عسكرية لقصف مباشر مرتين أثناء محاولتها تقديم الإسعافات الأولية للضحايا”.

القرارة – “تعرض محمد حسن العبادلة، سائق سيارة إسعاف، لإطلاق نار أثناء إخلاء أحد المصابين….  عندما وصلت سيارة إسعاف العبادلة إلى الموقع، أمر جيش الدفاع الإسرائيلي الطاقم بالخروج من السيارة ومواصلة السير على الأقدام.  نزل محمد حسن العبادلة وأحد المتطوعين من سيارة الإسعاف واقتربوا من المريض ومعهم مصباح يدوي، حسب التعليمات. وما إن ساروا مسافة اثني عشر متراً حتى اطلق عليهم الرصاص، فأصيب محمد حسن العبادلة في صدره وفخذه.  كما تعرض فريقا إسعاف وصلا بعد ذلك بقليل لإنقاذ زميلهما الجريح لإطلاق النار أيضاً، على الرغم من حصولما على موافقة الجيش الاسرائيلي على دخول المنطقه عبر الصليب الاحمر.  وأخيراً سُمح لفريق ثالث بنقل العبادلة إلى مستشفى ناصر في خان يونس، حيث توفي بعد وقت قصير من وصوله. علماً ان تنسيق تحركات سيارات الإسعاف يتم دائماً مع الجيش الإسرائيلي من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

بيت حانون – " أصاب صاروخ اسرائيلي الجزء الخلفي من سيارة إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني خلال عملية إنقاذ في بيت حانون، قُتل على اثرها متطوع في سيارة الإسعاف... وأصيب اثنان من المنقذين الآخرين داخل سيارة الإسعاف.  وعندما تم إرسال فريق إسعاف آخر استجابة للحادث، أصاب صاروخ آخر الجزء الخلفي من تلك السيارة أيضاً، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها.   مع أن سيارة الإسعاف كانت قد أطلقت صفارة الإنذار والضوء الأحمر الوامض، وكان الشارع فارغاً وقت الغارة.

ولم تعثر لجنة تحقيق تابعة للامم المتحدة في أي من الحوادث الخمس “أي معلومات، أو أي ادعاءات تشير إلى أن سيارات الإسعاف تلك كانت قد استخدمت لغرض آخر غير وظيفتها الإنسانية”.  و أردفت اللجنة إن "التقارير عن الهجمات المتكررة على سيارات الإسعاف التي جاءت لإنقاذ الموظفين المصابين... تشير إلى أن سيارات الإسعاف والعاملين ربما تم استهدافهم عن قصد"؛  "يبدو أن العديد من الهجمات المبلغ عنها على سيارات الإسعاف، إن لم يكن معظمها، قد حدثت دون وجود أي تهديد واضح أو نشاط عسكري في المنطقة"؛  وأن "سيارات الإسعاف كانت تحمل شاراتها، وكان العاملون في المجال الصحي يرتدون الزي الرسمي، و قد تم إخطار الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر بتحركاتهم".  المصدر: تقرير الأمم المتحدة.

***

هذا الشعب العربي المنكود، عبر جغرافياته المتناثرة وتاريخه الشاسع، لا يزال يسكن جحور الخوف، ويتأبط مسالك الزمان، مندسا بين الماضي والنسيان، لا يرى دون نظارات الإخفاق، متعففا من أن يبرأ من عقدة السلف وأرق العماء؟.

في ساعة النزال، يتلمظ منساقا إلى أهواء القلب. وعند التقاء الجموع يختفي منسابا إلى الصمت، كأنه يبحث عن شيء لا مدرك، بنفس المعنى، الذي تؤوله مناقب "مقاتلي الطبقات النبيلة مثل الساموراي والفرسان"، يتشحون سرابيل الحرب ويتمنطقون بمثاقيل الكلام، لكنهم لا يفعلون شيئا، سوى الصراخ والعويل؟.

في كل الحروب الحديثة التي خاضها العرب، لا يكاد يذكر نصر جماعي توحدت فيه القيمة الحقيقية للانتصار. ولم يثبت قط، أن تسامت النظرة العربية في أسلوب المواجهة، وطريقة الاختيار، وتحقيق القوة المظفرة، التي لا غبار عليها. بل إن المصل الذي تسيل منه دماء البطولات، تحرفت فيها الخواتم إلى إخفاقات أليمة ونذوب لا تبرى. ولنكبة 67 عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد؟.

حتى في أقرب الحصون المحصنة، والسدائد التي عصفت بتيجان الاستعمار والحماية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وإلى ستينياته، ظل العقل السياسي العربي، رغم كماشات السيوف المسلطة على الرقاب، ووهن الهمم والقرارات، يشكك في الذات ويقسم وحدة المصير، فصدق فيه حديث "أمة القصعة" و "الزبد الجفاء". وتفرقت بذلك الحشود والأقطار، واشتدت الأطماع بين الإخوة، فران إلى خوارها التقطيع والحدود المصطنعة، وانجلاء العداوات والخصومات وكثرة الشنآن والأحقاد .

ويعيد الدهر نفس مشاهد الانحطاط العربي وتخاذله وزيف ادعاءاته، في كل عصفة فلسطينية منتفضة. ليس بعد اتفاقيات الذل والهوان، التي جمعته بالصهاينة، على طول الخطوط الزمنية، التي شكمت أقفالها مصر الكنانة، عبورا إلى الأردن، ثم الخليج العربي والمغرب والسودان .. وهلم جرا.

ومنذ وقيعة اتفاقية أوسلو، وإلى حدود إسدال ستار طوفان الأقصى، تكشف للعالم كيف يتنصل الحاكم العربي من قلادة هويته وتاريخه وثقافته. وكيف يلهي نفسه بمشاغل التفرقة وغوائل التقسيم وتعميق الخلافات والتباساتها. وإلى أي حد يشيح بظهره، كأنه ( يعطى الظهور على الأعادي)، ويتخلف حتى عن أداء واجب الإنسانية أو أقل من ذلك.

إن إحدى أهم تمظهرات هذا الانحطاط الداعر والتقهقر السافر، ليس فقط الإذعان إلى الصمت والتآمر إزاء الأوضاع وانسداد الآفاق، وتحولات العلاقات وتوازنات القوة، بل يتعدى ذلك، إلى تشرذم الجسد العربي وتفككه على جميع المستويات وقتامة مصيره.

ويبدو أنه بالإضافة إلى كل ما ذكر، يبقى استحضار ما أسماه فوكو باستئصال "البعد الأخلاقيّ في القيم المشتركة "، والذي انتهى بالتدريج، إلى تمكن "النّزوة الحاكمة على تصرّف الفرد المستبد". (يبقى) هو المنطق الصادم الذي يكرس واقع انسحاق صورة القرار العربي في الوعي العام. على أن العديد من المفكرين العرب المعاصرين، ومنهم محمد عابد الجابري، الذي قدم نظرية شافية لهذا الوباء العربي المأزوم، عبر "نقد أصنام التخلف والغلو والدوغمائية"، موجها سؤاله المركزي الذي أصبح مثالا صيروريا متقدا: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا..؟ ، مؤسسا فرضياته من توالي الهزائم وتضعضع الفكر الأخلاقي والحضاري للأمة، وتكدر العقلانية وانشغالها بالسفاسف والقشور، عوض التحلل من معاصف الماضي والارتهان على ضرورات الاستقبال العصري والحداثي.

فمن يستعيد ترميم هذه الخلفية الكارثية الكابوسية، في أسباب تخلفنا وانحرافنا؟ وهل تبقى آثارها الاستعمارية كابحة لكل خطواتنا وأفكارنا، لأنه بكل بساطة، سنبقى في عزلتنا الجبرية، "نتبنى إحدى الطريقتين لملء هذا الفراغ الكوني الذي ينتابنا، إما أن ننظر إلى الأرض أو أن نرفع بصرنا إلى السماء ..".

***

د مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

ان الاستقلال العربي "الحقيقي" غير موجود على ارض الواقع، و"لا" يوجد عند النظام الرسمي العربي "الحرية" في الحركة، واتخاذ القرار، لأن هناك "قيود خارجية" تمنعهم من ذلك، وتحرم عليهم القيام في أي دور "وطني قطري مناطقي" سليم، او تحركات قومية وحدوية جماعية، وللأسف جاء الإسلام "الأمريكي" في مناطقنا العربية ليخلق شرخا "استحماريا" بين الخصوصية القومية ومصالحنا ك"عرب" على أراضينا وبين الدين الإسلامي "الأصيل" "الاجتماعي" "المعرفي " الثقافي" "الصانع للحضارة" البعيد عن توظيف الأجانب له من خلال حركات "استحمار" امريكي مرتبطة مع الحلف الطاغوتي الربوي العالمي تم تأسيسها  لكي تتحرك مع الأجانب "وظيفيا" ك "اسلام امريكي" خادم لمصالحهم ضمن خطاب شعاراتي فارغ فاقد للنظرية الحركية القرأنية الانقلابية على الواقع في الاقتصاد والثقافة والتربية على مستوى الفرد والجماعة.

ان هكذا اسلام "امريكي" ضد الإسلام "القرأني" "لا" زال يتحرك من هنا وهناك يضرب الحالة النهضوية العربية ويؤخر حالة "الاستقلال الحقيقي" المطلوب ان يولد ويتفجر في مناطقنا العربية من خلال صناعة ثقافة حياة واقعية "ثنائية الابعاد" تعيش الخصوصية القومية العربية وهذا ما هو طبيعي لأننا عرب نعيش ونتكلم اللغة العربية وهذه أراضينا ومناطقنا وأيضا قومية ديننا الإسلامي هي العروبة إذا صح التعبير ك "رافعة لغوية معرفية" تنشر الثقافة القرأنية الحركية.

ان علينا ك "عرب" ان نتحرك في "صناعة الاستقلال الحقيقي" بعيدا عن نفوذ الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والذي اتضح انه يقاد ويدار من الحركة الصهيونية العالمية من خلال النفوذ والتغلغل اليهودي الصهيوني في مواقع الامن والعسكر والاقتصاد ومواقع التفكير والثقافة والاعلام وصناعة الترفيه والتجارة في منظومات الحكم والسيطرة تلك الدول، ولعل المرحوم الامام روح الله الخميني قد اخطأ عندما وصف الولايات المتحدة الامريكية ب "الشيطان الأكبر" والكيان الصهيوني ب "الشيطان الأصغر" فأتصور انه ما حدث بعد انتصار عملية طوفان الأقصى جعلنا نكتشف واتضح لنا ان المعادلة هي معكوسة حيث ان الكيان الصهيوني هو "الشيطان الأكبر" وهو صاحب القرار والسيادة والنفوذ والامر والنهي على الولايات المتحدة الامريكية وباقي "شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

ان من الواضح كذلك هو "عجز" النظام الرسمي العربي وانتهاء صلاحية بقائه في مواقعه اذا صح التعبير واكتمال دورة حياته الافتراضية لتصل للموت، ومنها ستبدأ دورة انقلابية جديدة ستعيشها المنطقة العربية وخاصة مع الانتقال الامبراطوري من عالم ذوو قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب، ومعها ستتفجر الحالات الانقلابية من هنا وهناك وأيضا سيعاد تشكيل مجمل المنطقة العربية، ومن يريد ان يخرج سالما من هكذا حالة انقلابية ...قادمة لا محالة، فأن عليه ان يكون مؤسساتيا وان يعيش الاستقلال الحقيقي في القرار والسيطرة والنفوذ وأيضا الاقتصاد وكل ما له علاقة في الاستقلال الحقيقي وحرية القرار، فهنا سيتم إيقاف تفجير التناقضات المتراكمة وستتحرك القاطرة بعيدا عن التغيير المرتقب الواقع لا محالة ولعل ان عملية طوفان الأقصى قد سرعت في هكذا عملية انقلابية تغييرية تتحرك ضمن الواقع  الحاصل حاليا في العالم ونقاط التفجير في أوكرانيا وفلسطين وقبلها في سوريا وبورما وجورجيا وأذربيجان .

وهذه التناقضات ستزداد تفجيرا خاصة مع تفعيل خطوط التجارة العالمية الجديدة المرتبطة مع الصين وروسيا بما يعرف بطريق الحرير الجديد، والتي ستلغى خطوط التجارة الدولية القديمة المسيطر عليها من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ومعها سيكون الكيان الصهيوني صاحب نفوذ في دول متراجعة منكفأة على ذاتها ومع كل ذلك سيتم تشكيل خرائط ومواقع لدول جديدة "لا" نعرف ماذا ستكون اسمائها الجديدة أصلا؟ ومن سيحكمها؟ وتحت أي منظومة قيم ثقافية ومعرفية وانتماءات دينية او ارتباطات نفوذ دولية ستكون مرتبطة؟

ان كل ذلك نحن "لا" نعرفه و"لا" نستطيع ان نقرأ المستقبل التفصيلي لهذا الامر الا اننا نستطيع ان نقول:

ان العالم سيتغير وسينقلب ومعه مناطقنا العربية وما نستطيع ان نقوم به ك "شعوب" ان نعمل على تعزيز مواقع دولنا الحالية مؤسساتيا وإداريا وأيضا ان نعيش القومية العربية الوحدوية منهجا وفكرا ونظرية وأيضا ان نتحرك بعقلنا مع الدين الإسلامي ك "قاعدة للفكر  والحياة"، وهي "الثنائية المعرفية" التي ستصنع لنا الشخصية الذاتية الخاصة بنا على مستوى الفرد والمجتمعات، والتي نستطيع نحن ك "شعوب عربية" ان نواجه بها  الانقلاب الامبراطوري الدولي القادم الشامل، والذي سيضرب ويؤثر على الكرة الأرضية كلها ومنها النظام الرسمي العربي الضعيف والبائس والمهلهل والضعيف والمتشرذم.

يسأل الأستاذ "عبد الوهاب ماضي": "لماذا وصل العرب إلى ما وصلوا إليه من ضعف وتشرذم؟ وهل من خيارات أمامهم لإنقاذ أنفسهم؟ 

يقوم النظام الإقليمي في أي منطقة على مجموعة من الدول تواجه خطرا أو تحديات مشتركة، وتجمعها هوية أو رؤية واحدة تنطلق منها هذه الدول في وضع استراتيجيات وبرامج عمل تحقق بها مصالحها في مواجهة فاعلين آخرين من الأصدقاء والأعداء. وبهذا قامت أنظمة وتكتلات إقليمية في الغرب والشرق وفي كل قارات العالم ما عدا منطقتنا العربية.

فمنذ الاستقلال أنشأت الحكومات العربية، بمساندة الدول الاستعمارية الكبرى -خاصة بريطانيا-نظاما عربيا مختلا، فالمنطقة التي تمتلك كل مقومات الوحدة من لغة ودين وتاريخ وثروات ومصالح مشتركة، وكانت لقرون عدة جزءا من إمبراطورية عربية إسلامية واحدة، انتهت على يد القوى الغربية الاستعمارية إلى دول متعددة، ومنظمة إقليمية ضعيفة سميت "جامعة الدول العربية"، بجانب زرع كيان صهيوني غريب بين مشرقها ومغربها." 

"كان من الممكن نظريا أن يتطور النظام العربي المختل إلى نظام عربي حقيقي برؤية واضحة واستراتيجية حقيقية لمواجهة التحديات، إذا أحسنت الحكومات قراءة الواقع واستقوت بشعوبها وامتلكت قرارها السياسي، لكن هذا لم يتم لسبب أساسي هو نوعية الأنظمة العربية التي قامت كما أشرنا على إقصاء الشعوب وقمع المخالفين في الرأي واحتكار السلطة والثروة، وتعميق خلافات عربية-عربية لا أساس لها وتغذيها دوائر خارجية.

ولهذا لن يستطع العرب القيام من سباتهم العميق إلا بمعالجة أوجه الخلل تلك، والتفكير بشكل استراتيجي ولصالح كل الشعوب العربية معا.

فلا مستقبل للعرب دون تصالح حكوماتها مع الشعوب والاستقواء بهم عبر بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وتمهيد الأرض لتكتل عربي يقوم على المصالح المشتركة ويمهد الأرض لدولة عربية اتحادية.

ولا مستقبل للعرب إلا بإقامة قواعد إنتاجية حقيقية واستخدام كل الثروات العربية لصالح كل الطبقات في كل المجتمعات العربية، وذلك عبر برامج تنمية وعدالة اجتماعية يستفيد منها كل عربي من المحيط إلى الخليج."

"كما إنه لا مستقبل للعرب إلا بالتمسك بمقومات هويتهم الجامعة من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل واستخدام القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمعات العربية ومؤسساتها وسياساتها. والإسلام واللغة العربية مقومان لا يمكن لعاقل تجاهلهما لنهضة هذه المنطقة ومد جسور التعاون مع بقية دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء.

ولا مستقبل للعرب إلا بتحديد عدوهم الحقيقي الذي هو بلا شك الدولة الصهيونية وسياساتها العنصرية والتوسعية، وكذا كافة سياسات الهيمنة الرأسمالية العالمية. وسيجد العرب هنا حلفاء لهم في كل أنحاء العالم من المناهضين للعنصرية والهيمنة إن هم أحسنوا الدفاع عن قضاياهم العادلة."

ان محاولات النظام الرسمي العربي بائسة في تغطية خيبته وفشله امام الاجرام الصهيوني العنصري الوحشي ضد الابرياء في قطاع غزة وأيضا عدم قدرته حتى على اصدار بيانات صوتية استعراضية سطحية "لا" تسمن و"لا" تغنى و"لا" تعوض عن "كرامة مفقودة" و"استقلال غائب"، ان هكذا غياب عن "القدرة على الفعل" وحتى "الضياع التام" وسط الاهانات المتكررة التي يلقاها من النظام الطاغوتي الربوي العالمي.

وهذا النظام الرسمي العربي لم يعد مفيدا للنظام الطاغوتي الربوي العالمي الا في  حالات التصوير الدعائي مع الموظفين "الواجهات" لهذا الحلف الطاغوتي الربوي العالمي من رؤساء ووزراء خارجية اخذوا يتنقلون مكوكيا بين هذه العاصمة وتلك ويتحركون بين الكيان الصهيوني وبينهم، وهم يصرحون  تأييدا لقتل العرب في فلسطين وتصفية الأطفال وقتل النساء وذبح الرجال العزل في الصواريخ والقذائف، انهم يقولون ذلك في العواصم العربية بدون خجل و"لا" حياء و"لا" خوف ويعلنون عن دعمهم للتحركات الصهيونية العنصرية والتي بلغت الشوارعية في خطابها العنصري حين وصفت العرب ب "الحيوانات" وحتى حين وصل عداد الشهداء الأطفال المذبوحين في القصف الجوي المتواصل المستمر الغير متوقف على قطاع غزة وحتى ب أسلحة الفوسفور الأبيض المجرم دوليا، نقول انه حتى عندما وصل عداد الشهداء الأطفال الى ستة الاف شهيد من الأطفال فأن الحلف الربوي الطاغوتي العالمي لم يهتم ولم يتحرك فيه ذرة إحساس انساني ولا يكترث حتى في التعليق الإعلامي وأساسا لم يجرؤا أي من مكونات النظام الرسمي العربي حتى على المواجهة الكلامية الاستعراضية.

يذكر الأستاذ "حسام شاكر " بهذا الخصوص: "ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"إنّ إدارةَ الظهر بالكامل لهذه الأفواج المتلاحقة من الضحايا المدنيين كل يوم-الذين يُشكِّل الأطفال والنساء معظمهم، لمجرّد أنهم فلسطينيون من غزة-تضافرت مع دعاية هوجاء نزعت الصفة الإنسانية عن هذا الشعب باستعمال ذخائر لفظية ونعوت مدبّبة مثل "الوحوش"، أو "حيوانات بشرية" (بالعبرية: خايوت آدام)، وهي حيلة نمطية لتسويغ الإبادة. يعني هذا، ببساطة، أنّ حكومة الاحتلال العنصرية الموسّعة-التي انتخبها في الأساس ناخبون متطرِّفون طابت لهم هتافات من قبيل "الموت للعرب" (بالعبرية: مافيت لعرفيم) -جرّت "العالم المتحضِّر" خلفها بعد أن أعربت عواصم غربية عن عدم ارتياحها لهذه التشكيلة ابتداءً."

"لم يقتصر التخندق الأميركي والأوروبي مع العدوان الإسرائيلي؛ على الدعم السياسي والعسكري، فقد تجلّى في تبنِّي مضامين دعاية الاحتلال وترويجها في المنصّات السياسية والإعلامية بصفة غير مسبوقة. يبدو أنّ حالة التلقٌّف الغربي هذه أغرَت الجهد الدعائي الإسرائيلي باستسهال التلفيق والترويج، فاتّخذت موادُّ مزيّفة وساذجة، إسرائيلية المصدر، سبيلَها بشكل انسيابي إلى منصّات سياسية مرموقة، بدءًا من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، وافترشت وسائل إعلام غربية مرموقة ورصينة بلا عوائق مهنية أو أخلاقية. لكنّ الإسراف في ترويج مواد مزيّفة أوقع دعاية الاحتلال ومن تواطأ معها في مأزِق جسيم؛ لأنّ هذه الحبكات المنسوجة جاءت في زمن يعلو فيه النقد الشبكي وتتنامى فيه خبرات التمحيص ومنصّات التحقّق والتثبّت من المضامين. ثمّ إنّ ترويج مزاعم مضلِّلة وموادّ مزيّفة أوقع مصادر هذه الدعاية ومروِّجيها في أزمة مع الأوساط الصحفية، كما تبيّن، مثلًا، في مؤتمرات صحفية عقدها مسؤولون غربيون بشأن الحرب، وتتعالى في غضون ذلك موجة استقالات وانشقاقات واعتراضات في وسائل إعلام أوروبية وغربية، علاوةً على مواقع حكومية ودولية ترفض الإذعان لدعاية العدوان ومواصلة تبرير الفظائع بحقّ الشعب الفلسطينيّ."

"يبدو أنّ داعمي الاحتلال المتّشحين بالشعارات الأخلاقية يسقطون في أنظار العالم إلى القاع مع كلّ يوم تتواصل فيه المجازر الوحشية في قطاع غزة، ويتواطؤون على كنسها تحت بساط التجاهل، وينهمكون في تبرئة قاعدة الاحتلال التي يساندونها من أي مسؤولية واضحة عن هذه الفظائع. يرى العالم، وترى بعض شعوبهم أيضًا، كيف يستعملون فنون المراوغة اللفظية التي تمنح برنامج الإبادة والتطهير العرقي أفقًا زمنيًا رحبًا لمواصلة طريقه دون عوائق. خسرت أوروبا سلطتها الأخلاقية، بتعبير ممثل سياستها الخارجية جوزيب بوريل، وهي الخسارة الأولية فقط في رحلة السقوط الحرّ."

ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية هم حالة من الشر الشيطاني العنصري وساذج من يعتقد ان من خلال الخطابات الإعلامية البكائية ان الشرير سينقلب طيبا وانه سيتحول الى حالة من الضمير الإنساني الطبيعي، لأن هؤلاء يمثلون حالة شيطانية ويمثلون ابليس الرجيم على الكرة الارضية.

في ظل هذه الخباثة الشيطانية كل العالم شاهد مشهد عنصري واستحقار واضح قام به الصهاينة ضد رئيس وزراء الحكومة البريطانية "سوناك" الذي تمت اهانته وتحقيره واذلاله امام شاشات الاعلام الدولية والعالمية لأنه عرقيا "هندي" ودينيا "هندوسي" ولم تشفع ل "سوناك" ملايينه الشخصية ك "ثروة" ولا "منصب" "الواجهة" الذي يحتله في رئاسة الحكومة البريطانية، و"لا" أسلوبه الإعلامي والخطابي المتكرر عندما يقول عن نفسه معتبرا نفسه انجلوساكسوني:

"They want to be like us"

"يريدون ان يصبحوا أنفسنا؟"

وهذه العبارات لمن لا يعرف هي عبارات دائما يكررها "بعض" المتجنسين بريطانيا إذا صح التعبير للإيحاء بالتعالي والفوقية ضد الذين "لا" يحملون هذه الجنسية !؟ وهو امر مضحك من ناحية ومن ناحية أخرى عليه ان يعرف هو ومن يحمل نفس ذهنيته من "بعض" المتجنسين في بريطانيا ان من غير الصحيح ان العالم كل العالم يريد ان يصبح "نفسهم"!

No body want to be like you""

"لا أحد يريد ان يكون نفسكم"

و"لا" اريد ان ادخل في تفاصيل كثيرة الا ان اذكر سوناك ومن يفكر معه بنفس الطريقة بما أمرت به المنظومة الحاكمة البريطانية رسميا وضمن وثائق منشورة معلنة لشعبها البريطاني ورعاياها في دولة الكويت اثناء وباء الكورونا ان "لا" يذهبوا لسفارة بلادهم في الكويت ليطلبوا أي مساعدة او رعاية او دعم ؟! وان عليهم ان يشحذوا المال من الكويتيين وان عليهم ان "لا" يخجلوا من ذلك ؟! ويمكن لهم ان يذهبوا ليأخذوا المساعدات من الجمعيات الخيرية الكويتية التي تساعد الفقراء، وهذا عار تاريخي ضد المنظومة البريطانية الحاكمة مسجل وموثق و"لا" اعرف بلد في تاريخ البشرية طلب من مواطنية ان يشحذوا الا المملكة المتحدة؟! خامس اقتصاد في العالم ؟! و"لا" اعرف بلد في العالم يقول انه بلد غني وشعبه في منطقة "ويلز" يأكل "اكل الحيوانات" لكي يعيش ؟! و"لا" اعرف "اعلام رسمي في العالم" يربط الوطنية وحب البلد في التقليل من النظافة الشخصية واستخدام المياه ؟! ويتم نشر تلك المطالبات في الاعلام الرسمي ونشرات الاخبار ؟! والقائمة طويلة لا تنتهي على من يقول ان العالم يريد ان يكون بريطاني "نفسهم" وسوناك أحدهم الذي تعرض للاستحقار والإهانة والاذلال وهو لم ينتصر لكرامته الشخصية وسكت وبلع الإهانة وأصبح ك " العبد العامل كخادم المنزل" وهو رغم كلامه الساقط في خدمة الاجرام العنصري الصهيوني وقبوله العمل ك "واجهة" وظيفية للمنظومة الحاكمة البريطانية الا ان ذلك لم يشفع له لكي يحصل على ذرة احترام من الصهاينة ناهيك عن الاعلام البريطاني الرسمي او المنظومة الحاكمة البريطانية التي لم تنتصر لكرامة  سوناك "واجهتها الوظيفية" في موقع رئاسة الوزراء !؟

هذا مثل على العنصرية التي ينظر اليها الصهيوني للبريطانيين المجنسين ضمن قانون هذا البلد، فكيف ينظر الينا الصهيوني نحن العرب مسلمين كنا او مسيحيين ؟! الإجابة قالوها علنا وسمعها الشعب العربي المغلوب على امره وتم ايصالها للنظام الرسمي العربي، الذي اكتفى في التصوير امام الكاميرات ؟!

يقول الدكتور نديم البيطار: "من المستحيل تقريبا تغيير أمريكا الصهيونية عن طريق الاعلام، الحوار العقلاني الموضوعي، لأن طبيعة النظام السياسي الأيديولوجي الأمريكي تحول دون ذلك"

وهذا الامر أتصور انه يمتد لتوابع الولايات المتحدة الامريكية في أوروبا وغيرها لذلك الخطاب الإعلامي العربي "البكائي" "لا" قيمة له في تغيير السياسات وما تريده منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وكذلك علينا إعادة التأكيد والاشارة الى حالة التزاحم البحري من اساطيل عسكرية وبوارج وأيضا حاملة طائرات واخرها دخول غواصة نووية !؟ الى البحر الأبيض المتوسط، مما يؤكد على ان هناك "توظيف لحدث عملية طوفان الأقصى" في سيناريوهات ومشاريع أخرى، "لا" نعرفها، وهنا يأتي دور أجهزة الاستخبارات العربية وأيضا الدولية الغير مرتبطة في الحلف الطاغوتي الربوي العالمي لكي تجمع المعلومات والبيانات والمعطيات ومنها يستطيع من يفكر ومن دوره قراءة سيناريوهات الحدث في مؤسسات التخطيط والمتابعة والدراسات ومواقع البحث ان يستنج ماذا سيجري؟ وماذا يتم التخطيط له؟ وبناءا عليه يتم اعداد خطط المواجهة والتصدي؟ والسؤال الأكبر؟ هل لدى النظام الرسمي العربي كل هذا؟ الإجابة لن اقولها ؟! لأن كل الشعب العربي من المحيط للخليج يعرف الإجابة ؟!

كما كلنا نعرف ان الكيان الصهيوني سينتهي وسيتم طرد الغزاة الأجانب من أراضينا العربية المحتلة في فلسطين كما طرد اجدادنا الصليبيون والمغول لمزبلة التاريخ، فهذه ارضنا ونحن اسياد الأرض وملاكها وهذا هو ترابنا وموقعنا وجغرافيتنا العربية.

 ***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

قارئي الكريم المستقبل هو يوم غد وبعد غد وعلمه عند البارئ عز وجل. لكن مكمن "العلة" تغدو غامضا حين يختفي ما نسميه "يوم غد" في المستقبل. بناء على المطيات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر يمكننا رؤية المستقبل وبوضوح. لا اخفي عليكم باني شخصيا لست متفائلا بذلك المستقبل الموعود ولا ارى نفسي سوداويا متشائما، لكني بالتأكيد متشائم من السلوك الإنساني الفوضوي والمتطرف المتزايدة بتسارع في كل أنحاء العالم يوما بعد يوم.

يسمى هذا اليوم الأخير وحسب نصوص المقدسة في الديانات السماوية "يوم القيامة " و يوم الحشر اي نهاية الحياة البشرية ولجميع الكائنات الحية في البر و البحر والجو على الثرى. تختفي النباتات والمياه والتراب على الكوكب الأرضي. ليبدأ بعدها حياة روحانية في السماء وبشقيها الجهنمي وفي الجنة. هذا "اليوم" لا يمكن لأحد ان يتوقعه لان هذا اليوم في علم الغيب. لكن المعطيات المتوفرة لدينا من القرن الواحد والعشرون توضح لنا ان ذلك "اليوم الأخير" نتاج فعالية بشرية إجرامية وسيكون بأيدي بشرية كذلك. كنتيجة لتخلف عقلي ومعرفي ولفكر متخلف لأحد الأشخاص ممن لم يتطور وبقى على حاله كرمال صحراء الربع الخالي.

هذا المعتوه والمليء بالحقد والخوف والكراهية والمتطرف الذي يرى في عمله فرضا دينيا وسيمنحه الخالق الجنة مثوى.  سينهي هذا المعتوه الحياة لجميع الإحياء على كوكبنا الأرضي. هذا النموذج من البشر الذي يؤمن بمبدأ " عليا وعلى أعدائي" التي يرجح ان تكون مقولة منسوبة لشمشون الجبار وهو يحطم المعبد الذي ادى الى زوال كل شيء والقصة التوراتية التراثية للشعب اليهودي تكرر كذلك في الإنجيل. تشبه القصة في الكثير من جزئياتها كما ورد في قصة ولادة النبي يحي القرانية لكن الفرق بان شمشون الجبار كان مجرما وقاتلا. نبينا يحيى حسب الذكر الحكيم هو ابن نبي الله زكريا، ولد كمعجزة الإلهية  استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا ومن الصالحين، كما كان بارا و تقيا عكس شمشون الجبار.  وقد شهد الحق عز وجل لنبينا يحيى أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا.

يظهر هذا الشمشون بين فترة واخرى ويؤدي اعماله الشريرة باسم المقدس ثم يحشر مع اخرين امثاله فى صقر انشاء الله. لا يوجد ابدا منتصر في اي حرب لا في حروب الماضي ولا سيكون هناك من منتصر في حروب المستقبل والخاسر الوحيد هو البشر والشجر وهذا الثرى الذي سمم حقد هؤلاء ترابه.

قارئي الكريم، حين تدور في اروقة وصالات قصور اسبانيا التي شيدت في  فترة الحكم الإسلامي لشبه الجزيرة الليبرية ترى في كل زاويه كتب الجملة التالية:

"ولا غالب إلا الله"

هذه جملة بليغة لم يفهمها البشر لحد اليوم وبقت خالدة على الجدران بينما قائلها وكاتبها قد غادر تلك الديار قبل اكثر من دهر من الزمان.

اذا ما صدقنا بالمنجمين وان كذبهم اكثر من صدقهم. فهم كمن رمى واصاب " رب رمية من غير رامى" اي قد يصدقون احيانا ليس لمعرفتهم بمواقع النجوم لكن حدسهم لاي واقعة كتلك الرصاصة العمياء قد تصيب احيانا. لكننا لنصدقهم على الأقل لمرة واحدة في صدقهم.  اي رغم كذبهم في معرفة المستقبل الا أنهم احيانا صادقون حتى وهم يكذبون. قرأت بعض ما نشره أكاديمية كايروا للتنبؤات المستقبلية* في الجامعة قبل عقود وراعني كيف تمكن العلماء من سرد توقعات علمية لما نحن عليه اليوم من تقدم تقني وعلمي ومعلوماتي.

العملية مجرد قراءه علمية لمعطيات وإحصائيات حسابية وتخزين تلك المعلومات في الكومبيوتر وباستخدام برامج خاصة يمكن التوصل الى استنتاجات لما قد يحصل في المستقبل و قريبة جدا للواقع.  هذه الطريقة تستخدم في علم الجريمة وذلك بدراسة سلوك المجرمين وبيئتهم ونفسيتهم وأماكن وأوقات تواجدهم وتخمين ما سوف يقومون به من الخطوات تلك الدراسة تكون أساسا لاي عمل تنفيذي يوجه فيه الشرطة جهوده من اجل حماية المجتمع من فعاليات الإجرامية. اي يتوقع المحلل الجنائي ان في الساعة الفلانية وفي مكان معين وتاريخ معين سوف يقوم احدهم بجريمة ما. هذا التوقع مبني على معطيات ودراسة تعود الى سنوات وكما ذكرت إحصائيات الجريمة. حين يحضر المجرم الى مكان الجريمة يرى بان الشرطة سبقته الى ذلك المكان.  اذن الموضوع علمي وقائي بحت وليس حدسا او تنجيما نتوقع حدوث شيئ غيبي.

العالم قد ينتهي حين يكون بإمكان احد المتطرفين ممن يمتلكون الثروات او السلطة الحصول على قنبلة نووية متطورة او جرثومية او حتى كيمياوية سامة وقد يحصل ذلك بعد الف عام من الان او في أي يوم من الأيام. اليوم هناك صراع مستديم من قبل العديد من الدول للحصول على تلك الأسلحة واستخدامها كما حل في العراق وفي مدينة حلبجة الشهيدة حين قصفت بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية وكانت من نتائجها إعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب كما حصل قبلها مع قنبلة هيروشيما و نكازاكي في اليابان وأدت الى انهاء الحرب العالمية الثانية. هذا ليس تنجيما بل واقع يمكن معرفته مما يقوم به امثال الدكتاتور ادولف هتلر وآخرون ممن يسيرون على نهجه ولا يوجد مستقبل للبشرية بوجود أمثاله من المتطرفين. ان استخدام السلاح المتطور وصل الى درجات متطورة اليوم من الغاز السام الذي بدا استخدامه في الحربين العالميين بالإضافة الى القنبلة النووية وضرب أهداف معينة قد يؤدي الى زوال مدن بسكانها في دقائق كما هي ضرب السدود مثلا.

المستقبل ليس غامضا بل ينيرها اليوم وغدا وبعد الألف من السنين الكلمات الخالدة والتي خطها ذلك العبقري على جدران بيوت وقصور الأندلس قبل دهر من الزمان.

"ولا غالب الا الله"

***

توفيق رفيق آلتونچي - الأندلس

2023

....................

إشارات:

لفهم اعمال شمشون الجبار راجع القصة التوراتية.

(*)

https://www.kairosfuture.com/se/academy/

"وَلا غالِبَ إِلَّا الله" شعار الموحدين الذي أصبح يُنقش على الأعلام بعد الانتصار الكاسح ليعقوب المنصور في معركة الأرك يوم 9 شعبان 591 هـ الموافق ل 18 يوليو 1195 م. وتيمّنا بالموحّدين، وبانتصارهم في ذلك اليوم  تبنى بني الأحمر في الأندلس هذا الشعار، باعتبار أنّهم ورثة الموحدين، نرى الشعار اليوم في زخرفة جدران القصر الحمراء في غرناطة وفي اشبيلية ومدينة الزهراء وفي معظم القصور الإسلامية في الشبه الجزيرة الليبري (البرتغال و اسبانيا).

نجاح عملية طوفان الأقصى ضربت "أساس" وجود الكيان الصهيوني على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وما حدث ليس سهلا، ولم يكن بسيطا، وخاصة ان "الكيان الصهيوني" هو  "مخلوق مشوه" ومسخ غير طبيعي يتواجد ك "قاعدة عسكرية ليس فيها أي مدني" على حجم دولة فلسطين المحتلة، وهذه المسألة على كل المراقبين "المخلصين" ومن يتكلمون في الاعلام والصحافة اعادتها والتأكيد عليها، لتثبيت هذه الحقيقة في الذهنية العربية بعيدا عن الاعلام "المتصهين" الخائن الذي يعترف في الكيان الصهيوني في شكل ضمني "خبيث" عندما يشير الى الحدود على انها "إسرائيلية" وعند اشارته  للمدن الفلسطينية المحتلة على انها "إسرائيلية" ؟! وهذه خيانة واضحة للعرب والعروبة وللأسلام وحتى اذا تواجد في هكذا اعلام  "غادر" خطاب اعلامي "نقدي" و"هجومي" ضد الكيان الصهيوني فأن ذلك "لا" يعنى شيئا ما دام هناك "اعتراف" بهكذا "مسخ" صهيوني  وهذا هو المهم والأهم عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، فهم "لا" يهتمون في الصوت و"لا" الضوضاء الإعلامية، وما يريدونه هو الاستسلام العربي والهزيمة الكاملة وان يحصلوا على "الاعتراف" وما يخافونه هو أي حالة انقلابية وحدوية حقيقية وأي حركة ملموسة تضرهم في  الامن والعسكر والاقتصاد وهذا ما فعلته عملية "طوفان الأقصى" وأيضا هم يرتعبون من أي ثقافة إسلامية "اصيلة" او نظريات قومية وحدوية ساعية للنهضة  والهادفة للحصول على "الاستقلال الحقيقي"، لذلك أي "نظرية" "حقيقية" للوحدة العربية هي "مقلقة" لهم، ونقول "نظرية علمية" وليست "شعارات" للوحدة، حيث النظرية العلمية تصنع "انقلابا" في الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، اما "الشعارات" فأنها تتحرك في العواطف والاثارات والخيال الطوباوي، وهذا ما حدث في التجربة الناصرية للوحدة وهو موضوع فيه تفصيل كثير ولكن للعودة الى موضوع الاعلام نعيد ونؤكد ان الضوضاء في الاعلام  المتصهين الخائن هو سقوط في بئر العمالة الشيطانية للأجانب والغزاة وهذا السقوط "لا" يستثني ايضا العاملين من مذيعين ومراسلين وكادر فني في هكذا قنوات فهم أدوات للشيطان.

اذن المقاومة الفلسطينية وجهت ضربة قاصمة "وجودية" ضد الكيان الصهيوني الذي اصبح بعد هذه العملية  "زائل" لا محالة وهذه أحد تبعات الواضحة لعملية طوفان الأقصى، وهذه أصبحت "حقيقة ثابتة" سيتم الوصول اليها زمنيا اليوم او غدا او بعده، وكل ما عداها "متغيرات" وتفاصيل للأحداث وتطورات زمنية من هنا وهناك ولكن "الثابت" سيبقى وسيظل بعد هذا الاقدام والمبادرة العربية الفلسطينية والتخطيط الناجح في الهجوم ضد الغزاة الأجانب والذي لم نراه ونشاهده الا في حرب أكتوبر 1973، وهنا "الرعب الأكبر عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ولكن إذا حاولنا ان نقرأ المتغيرات بعيدا عن هذا الثابت ومنها السؤال:

هل هناك من يعرف الى اين ستتجه اليه "متغيرات" الأوضاع الحالية عسكريا وامنيا؟ الإجابة "لا" يوجد أحد يعرف واكرر اننا هنا نتحدث عن "المتغيرات" بعيدا عن "ثابت" الزوال الحتمي للكيان الصهيوني، ولكن ضمن قراءة المتغيرات علينا الاعتراف انه "لا" أحد يعرف الى ماذا ستنتهي اليه الأمور.

 السؤال الاخر ضمن "متغيرات" الحدث؟ لماذا تتواجد كل هذه البوارج العسكرية والاساطيل الامريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية في البحر الأبيض المتوسط والتي أصبحت تشكل زحاما بحريا؟ هل هذه كلها فقط لنجدة القاعدة العسكرية الصهيونية التي تم اقامتها على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة؟ ام ان هناك "توظيف" ل "حدث" طوفان الأقصى" لتنفيذ سيناريوهات "سابقة" موجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، كما حدث من "توظيف" لعملية الحادي عشر من سبتمبر لتسريع عملية غزو العراق؟ هذا السؤال مهم يحتاج الى تقييم ودراسة؟

هل ذلك "أحد تفاسير" عن أسباب عدم خروج المنظمة الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الإسلامية في لبنان عن مسألة " قواعد الاشتباك" لمستويات جديدة مختلفة ومتطورة من القواعد الاشتباكية السابقة؟

هل هناك غياب "ضمان" موجود عند قيادات هذه المنظمة اللبنانية؟ و"لا" يوجد عندها ك "قيادة "تأكيد" على " الدخول" "الكامل" "عسكريا وماليا واستخباراتيا" للجمهورية الإسلامية ب "جيشها" ومنظمة حراس الثورة الإسلامية فيها في المعركة العسكرية الاقليمية، لذلك يتم الاكتفاء في المواجهة ضمن "قواعد الاشتباك" القديمة، حيث يفرض "الواقع" هكذا قواعد وهكذا "نمط" من العمل العسكري؟

ما هي الإجابة على هكذا أسئلة؟ "لا" اعرف؟

 وبكل الأحوال علينا القول: ان رغم كل الكلام التحليلي وطرح الأسئلة الا ان هناك عمل عسكري متواصل ومستمر وجبهة مفتوحة على مدار اليوم على حدود لبنان وهناك شهداء "لبنانيين" مضحيين من اجل فلسطين وصل عددهم لأكثر من ستين شهيد وأيضا هذه العمليات العسكرية القتالية بدأت "مباشرة" منذ الثامن من أكتوبر في ظل غياب كامل لباقي الجبهات العربية.

وهذه الجبهة العربية اللبنانية تقدم الدم والشهداء وتمارس عمل عسكري مباشر، واما مناضلين الفضائيات او جنرالات المقاهي والمتكلمين الفارغين في وسائل التواصل الاجتماعي فهؤلاء كلهم "سقط متاع بشري" ليس لهم قيمة و"لا" وزن و"لا" أهمية عند من يقدم الدم ومن يستشهد على خط القضية العربية والإسلامية في لبنان وفلسطين.

 ان من العار والخزي ان نشاهد ستين ألف عسكري فلسطيني مدربين مسلحين يعيشون في قطاع غزة لا يفعلون شيئا الا الاكل وتربية الكروش وأبناء شعبهم في قطاع غزة يتم ذبحهم يوميا، ومن العار أيضا على أكثر من مليونين ومائتين ألف فلسطيني يحملون الجنسية الصهيونية "لا" يتحركون في تحرير بلدهم؟ و"لا" اعرف اين موقع "كل" هؤلاء من المعركة؟ هم معنا ام هم ضدنا؟

ان الاحداث مستمرة وستتواصل، بين "الثابت" في "الزوال الحتمي" وبين "متغيرات" اللحظات الزمنية، ونحن نعيش في واقع عربي مأساوي ولكن من الواضح ان علينا ك "شعب عربي" على كامل جغرافيتنا القومية ان نعرف ان كل الطرق لصناعة الاستقلال "الحقيقي" والنهضة التنموية لأعادة الحالة الحضارية لواقعنا، ان كل الطرق لهكذا اهداف هي في "صناعة الوحدة العربية" ضمن نظرية علمية لتحقيقها، وفي إيجاد ثقافة ثنائية تعيش القومية الوحدوية الانقلابية العلمية ك "خصوصية جغرافية" خاصة فينا ك "عرب" وفي الدين الإسلامي ك "قاعدة" انطلاق معرفي.

وهذه هي أحد اهم المتغيرات المطلوبة على خط الوصول للثابت الحتمي في زوال الكيان الصهيوني من أراضينا العربية وطرد الغزاة الأجانب منها، وهذه المسألة أطلقتها أيضا عملية طوفان الأقصى فما بعدها ليس كما قبلها.

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

اختلفت مواقف الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني أقليمياً ودولياً وحتى محلياً، فالدول المطبعة صارت في موقف لا تحسد عليه أمام شعوبها وشعوب المنطقة والعالم بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، لما يجمع بين هذه الدول المطبعة وبين الشعب الفلسطيني من مشتركات باتت مستنزفة ومقتولة ومهدورة ومضيعة، وهناك اعتبارات كثيرة تجمعهم أبرزها عامل الجورة والعروبة والإسلام. وهذا مرده إلى عدم الإيمان بالقضية الفلسطينية كقضية أمة عربية وقضية أمة الإسلام . وكان يُنظر لها أي القضية الفلسطينية كقضية شأن داخلي، وأنها قضية بلد، ولم ينظر له على أنه وطن له حدود جغرافية محاصرة بأسيجة الفصل العنصري، واسيجة المقاطعة العربية والحصار!

كانت هناك مؤشرات كثيرة توحي بطوفان كبير يواجه تخبط وغطرسة الكيان الصهيوني، لما تمادا به من إجرام بحق الفلسطينيين في كل مكان.

فطوفان الأقصى يعد حركة نضال مستمر منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وقد تمثل بهذه الذروة وبكافة هذه الاستعدادات، لأنه يمثل تاريخ نضال ونصر وصبر وتضحيات .

فتاريخ التطبيع يمثل تاريخ مسار ذل، وركون، واستسلام، قد تحداه طوفان الأقصى، واحرج جميع من عمل عليه .

في البداية يجب أن نعرف ما هي مسارات التطبيع ؟ وهل يمكن اقتصارها على المسار السياسي فقط أو المسار الاجتماعي أو حتى المسار الديني والعقائدي والاقتصادي وغيره؟ وهل هناك ممكنات العيش والتعايش مع اليهود على أسس اجتماعية في الداخل الفلسطيني كما تصورته كثير من الفلسفات الاجتماعية في هذا المسار؟

نرى أن كل المسارات تلتقي في فكرة التطبيع وتطبيقها، لأن كل هذه المجالات يحتاجها المطبع والمتطبع،حتى يثبت في النهاية صواب قراره في التطبيع.

ولكن هل أدرك المطبع خطورة التطبيع وإندماج هذه المسارات على مصير بلدانهم ومجتمعاتهم وعقائدهم؟ هل أدرك المطبع مع الكيان الصهيوني خطورة تطبيعه على الأمة العربية والإسلامية ؟

هذه أسئلة يجب أن تطرح على كافة الأطراف المعينة والمحرجة أمام القضية الفلسطينية .

نرى أن التطبيع بدأ من داخل فلسطين، وقد بدأته التيارات السياسية والمنظمات المدنية في الداخل الفلسطيني، وأعني بذلك حركة فتح مثالاً والمنظمات المدنية المرتبطة بها وبعضها مدعوم من الكيان الصهيوني والمنظمات الدولية.

وقد ساعد ذلك على اندماج كثير من الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي على مستوى العمل والمصالح الحياتية الأخرى.

أما على مستوى الدول العربية والإسلامية في الجوار الفلسطيني، وأولها مصر والأردن، وعلى المستوى الإقليمي دولة الامارات، والبحرين، والسودان، والمغرب . وكانت دول أخرى تمهد لذلك، وأبرزها السعودية، ودول أخرى كانت سابقه لذلك، مثل : تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأندوسيا .

كان قرار التطبيع من قبل هذه الدول يفتقر إلى أدنى مقومات الوعي بما سيؤول إليه مصير التطبيع، ومخاطره على الأمتين العربية والإسلامية. فالمنطقة أمام عيونهم تشهد صراع عنيف وتجاذباته كبيرة، كانت لا تحتمل أي خطوة من هذا القبيل؛ لأنها لا تراعي به خصوصيات قضايا الأمة وموقفها التأريخي من قضية الأقصى، واحتلال الأراضي وقتل الأبرياء.

بعد طوفان الأقصى، وإدارة الحرب بمهارة، وقوة، ومواصلة، تمكنت بها المقاومة من ردع الكيان الصهيوني ومفاجئته بمستوى الهجوم والرد وإلحاق الأضرار يه . بدأ العدو الصهيوني يعيد حساباته في مسار التطبيع مع بعض الدول العربية . والحقيقة أن ليس العدو هو من يعيد حساباته بل الواقع الجديد للمقاومة هو من فرض عليه وعلى غيره التفكير بمراجعة حقيقية لهذه العلاقة المغلوطة.

هل غيرت عملية طوفان الأقصى من مسار التطبيع ؟ نقول نعم ولأسباب كثيرة منها .

أولاً: ما يخص الدول العربية والإسلامية المطبعة .

1- الاحراج الكبير الذي تتعرض له الدول المطبعة أمام حجم الجرائم الإسرائيلية وموقف الانسان المسلم الفلسطيني في فلسطين وغزة.

2- الشك والتشكيك بسلامة موقف الدول العربية المطبعة من ما يتعرض له الصهاينة من ضربات على يد المقاومة.

3- الموقف الدوني الذي تشعره به هذه الدول من عجزها تقديم أي مبادرة إنسانية ملموسة إلى الفلسطينية في غزة ومساعدتهم.

4- الموقف المخزي الذي تعرضت له هذه الدول أمام محور المقاومة المشرفة بالتضحية والبذل والدعم والبطولة.

5- الدول المطبعة تشعر نفسها محاصرة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني لأنها تطالبها بموقف صريح أتجاه الهجوم الفلسطيني وحركة حماس.

6- بانت على الدول المطبعة معالم الذل والخنوع والتفريط بقضايا الأمة بشكل صريح.

7- الأوقاف الشرعية في هذه الدولة تعرضت كذلك لموقف لا تحسد عليه وهي لا تتمكن من اعلان موقفها الشرعي من ذلك.

8- وكذلك الحال فيما يخص المنظمات الإنسانية والمدنية التي تدعي الالتزام الدولية لحقوق الإنسان والتي انتهكت من قبل أمريكا والصهيونية والدول الأخرى الداعمة لذلك.

أما في ما يخص الكيان الصهيوني:

فقد أعلن ذلك صراحة وعلى لسان ليئوور بن دور المتحدث باسم حكومة الكيان الصهيوني،يقول: سنراجع جميع أتفاقيات التطبيع مع الدول المطبعة وسنجمد كل ملفات تطبيع جديدة في الوقت الحالي.

وعلى ذلك فعلى جميع الشعوب العربية والإسلامية التي رضت من حكوماتها التطبيع أن تنتفض بوجها وتعيد كرامتها التي سلبتها حكوماتها فأخزتها أما كل قيم ومبادئ العروبة والإسلام وحسن الجوار.

***

د. رائد عبيس

ماذا لدينا بعد سبعة وعشرين يوما منذ انتصار المقاومة الفلسطينية الساحق في عملية طوفان الأقصى، كيف نقرأ الحدث؟ ماذا جرى؟ وما هي قراءتنا للمشهد؟ وسنحاول هنا الحياد العلمي مع تصويبنا المضاد للصهاينة لأنهم اعدائنا ومن يقول غير ذلك فهو "خائن" بكل وضوح وصراحة ونقطة على السطر، وهذا الامر "لا" نقاش و"لا" جدال فيه، فالخيانة ليست "وجهة نظر" وليست رأي" وليست فكر، بل هي حالة شريرة شيطانية تخدم الأجانب والغزاة.

فماذا هناك بعد اليوم السابع والعشرين؟

تزايدت القناعات ان الكيان الصهيوني هو من يدير الولايات المتحدة الامريكية، وهذا أصبح أكثر وضوحا مع الاحداث الحالية بعد انتصار طوفان الأقصى، ولعل الولايات المتحدة الامريكية "الإمبراطورية" و"الدولة" "لا" تملك مع الصهاينة الا التمنيات او محاولات الكلام او طلب التفكير حالها حال دول اوروبا ؟! وصاحب القرار الحقيقي هنا هم اللوبي الصهيوني في تلك البلدان والقرار في الامر والنهي يقال في مدينة تل الربيع الفلسطينية المحتلة والتي يطلق عليها الغزاة الأجانب اسم "تل ابيب" ؟!

وهذه القناعة تأتي أيضا لما نشاهده من تناقض مصلحي امريكي أوروبي مع الصهاينة حيث انهم "لا" يريدون اشعال حرب إقليمية أخرى في العالم وخاصة مع صراعهم العسكري ضد الجمهورية الاتحادية الروسية على ارض أوكرانيا، حيث يعاني الامريكان والأوربيين اقتصاديا مع هذه الحرب والتي تعتبر احد اكبر الحروب داخل القارة منذ الحرب العالمية الثانية وما يجرى فيها ليس سهلا عليهم ، حيث انكشاف سوء وقلة ترسانتهم العسكرية مع الانهيارات الاقتصادية والضرر المعيشي ضد مواطنيهم، ورغم كل ذلك فأن الكيان الصهيوني قد ضرب في عرض الحائط كل تمنيات أمريكا وأوروبا للتهدئة او الـتأجيل، لذلك قلنا ان القرار الأساسي في يد الصهاينة.

علينا ان نعرف كذلك ان "الصهاينة" "لا" يختلفون عن بعضهم البعض بما يختص في مسألة غزو البلاد العربية انطلاقا من ارض فلسطين الا في المسألة الزمنية حيث جزء منهم يقول في طول النفس واخذ الامتداد المطلوب للغزو الصهيوني من النيل الى الفرات ضمن خطط وترتيبات طويلة الزمن لهذا نجد مشاريع الانفصالية السودانية والكردية مدعومة منهم وأيضا مشاريع التعطيش للعرب المشرقيين من خلال مشروع السدود في شرق الاناضول المقامة في تركيا "الحليفة لهم" وسدود النهضة في اثيوبيا لضمان اذلال الإقليم الجنوبي المصري عند الحاجة حيث يتم تحريك الاذلال التعطيشي بواسطتهم، وكذلك خلق مواقع جغرافية عربية بلا هوية و"لا" شخصية ذات ميوعة فكرية وسقوط أخلاقي وأمور أخرى.

في الجانب الاخر هناك صهاينة "لا" يريدون الانتظار الزمني هذا ويريدون حرق المراحل الزمنية للغزو والسيطرة، ولكن في المحصلة النهائية هؤلاء جميعا هم غزاة وأجانب يريدون القضاء علينا نحن "العرب" وهم اعدائنا، لذلك ان نقاومهم ونحاربهم وان نسعى للقضاء عليهم هو مسألة حياة او موت بالنسبة لنا ك "عرب" لأنهم غزاة وأجانب، ومن يعتقد انه في مأمن من غزوهم فهو واهم لأن السيف القاتل والذبح ستأتي على رقبته بعد ان ينتهي الصهاينة من الاخرين، فهؤلاء لا ينظرون الينا ك "كويتيين او سوريين او لبنانيين او يمنيين او سودانيين او تونسيين او جزائريين او مغاربة...الخ " هؤلاء ينظرون الينا ك "عرب" وفقط مسيحيين كنا او مسلمين.

لذلك حربنا معهم "وجودية" وليست "حدودية"، وعلينا ان نفهم ونعي ذلك، وان نتحرك عسكريا وامنيا وثقافيا واقتصاديا واعلاميا على أساس هذا الواقع، وان "لا" نتحرك في "سذاجة" و"حمق" ضمن خططهم التأمرية وان "لا" نستهلك دعاياتهم وان "لا" نصدق اكاذيبهم وان "لا" ان نبلع إعادة خطاباتهم الدعائية على السنة "بعض" العرب المتصهينين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون الفضائي والصحف، لأن هؤلاء المتصهينين  باعوا عروبتهم ودينهم وارضهم للغزاة الأجانب.

ماذا هناك أيضا ضمن تطورات ما حدث في معركة طوفان الأقصى؟ والتي هي في كل الأحوال انتصار مهم جدا رغم الخسارة البشرية والألم الإنساني البشع الذي حصل ويحصل كل يوم يمر، لكن في حقيقة الامر ان ما حدث قد دمر "اسطورة" "الكيان الصهيوني" المزعومة من انها المتفوقة في كل شيء وخاصة الجيش والاستخبارات والامن والمتابعة السرية الدقيقة لكل تفاصيل الحياة والسيطرة الشاملة، فكل هذه الأسطورة من الهواء الساخن التي تم خلقها منذ تأسيس هذه القاعدة العسكرية على ارض دولة فلسطين المحتلة، ان هذه الأسطورة قد تم تحطيمها بواسطة منظمة سياسية عسكرية بسيطة من خلال الإرادة والشجاعة والتصميم وأيضا تم تغيير "الذهنية الفلسطينية" في التعامل مع العدو الصهيوني، وبالتالي ان هذه الأسطورة الوهمية للقوة قد تم تحطيمها وهذه الأسطورة من المستحيل ان يتم إعادة بنائها من جديد، ومعه اصبح هناك قناعة عربية من ان التحرير هو طريق من يعمل عليه ضمن الخطة والهدف والصبر والحركة ضمن مواقع القوة الموجودة.

ان هذا الامر لم يضرب القاعدة العسكرية للأجانب على ارض دولة فلسطين فقط بل امتد هذا التحطيم لتلك الأسطورة لباقي الدول الغربية و"شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، وكل ما نشاهده ونراقبه من ردات فعل عسكرية دموية وتصريحات صهيونية وغربية كلها تتحرك في مسألة إعادة السيطرة على الموقف ومحاولة ترقيع تدمير وتحطيم تلك الأسطورة، ولا شك ان العامل الاخر ان الحركة الصهيونية هي مسيطرة على شلة دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية لذلك نجد ان تحركات تلك "المافيا" من الدول ليس لها علاقة اطلاقا بأي قانون دولي او بأي إنسانية او بأي فطرة بشرية سليمة وكل ما يقومون به بعد "انتصار عملية طوفان الأقصى" هو شيطاني بامتياز وشرير في الدرجة الاولي وخزي وعار تاريخي سيلاحقهم، ومواقفهم كشفت زيف ادعاءاتهم، وأيضا انهم يعيشون عقلية عنصرية نازية تريد استعباد الاخرين كما كان هتلر يعيش تلك العقلية.

في لحظة الانتصار لعملية طوفان الأقصى هناك تبعات مستمرة فضائحية يعيشها الكيان الصهيوني في أكثر من مجال ومنه الميدان العسكري حيث شاهدنا جميعا اخبار هزائم دباباته في كمائن المقاومة الفلسطينية وهروب الاطقم البشرية المشغلة وفرار الجنود.

والواقع الجديد يعطينا كذلك دلائل ان المقاومة الفلسطينية ليس لديها شيء لتخسره وان لديها قرار وقناعة بذلك وخاصة ان بلدهم محتل ومستباح من الأجانب الغزاة الصهاينة، حيث ان ربحوا فهم منتصرين وان خسروا عسكريا فأنهم لن يخسروا شيئا لأنهم أساسا قبل عملية طوفان الأقصى هم مستباحين وتحت الاذلال والاحتلال والموت المتواصل.

داخل الكيان الصهيوني أتصور ان هناك حالة انهيار نفسي وعقلي وهذيان جاء ايضا لتدمير تلك "الأسطورة" وان الغزاة هناك وصلوا لقناعة انها النهاية لما يعتبره الصهاينة "مجدا" لهم في كل الحروب السابقة، وهذا الانهيار أيضا جاء في ظل وجود اجندات شخصية للمجرم العنصري نتنياهو لكي يتجنب المحاكمة والسجن وهذه المسألة في ظل اجماع كل المراقبين وهناك اتفاق شامل تأكيدي عليها، وأيضا هناك ترقب وتأهب لتنظيف البيت الصهيوني الداخلي وهذا الامر سيفجر التناقضات الداخلية بين الغزاة الأجانب بينهم وبين البعض الاخر وهذا ما حرص رئيس المنظمة العسكرية الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الاسلامية داخل لبنان السيد حسن نصر الله على إدخاله ونشره في أجزاء من خطابه الأول بعد عملية طوفان الأقصى، رغبة منه لزيادة التناقضات بينهم، وهذه المسألة أيضا لها تبعات وتأثيرات على الكيان الصهيوني القاعدة العسكرية التي أقامها الأجانب على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وهناك ترقب لمتابعة ماذا سيحدث من صراعات؟ حيث ان حالة التخبط بينهم مفيدة لنا نحن العرب من باب "فخار يكسر بعضه".

في الجانب المقابل واضح ان هناك قراءة وواقعية منطقية ان عملية طوفان الأقصى ستعمل تغييرات جوهرية انقلابية في النظام الرسمي العربي "المتخاذل" و"الفاشل" والذي لم يقدم شيئا ، وخاصة مع العالم المتعدد الأقطاب "القادم" للتأثير على الملعب العربي بأكمله، وعلينا ان نشاهد المشهد في زاوية مهمة تتعلق في ارسال الولايات المتحدة الامريكية لأساطيلها البحرية للمنطقة والتي تبعتها في ذلك جمهورية الصين الشعبية في ارسال اسطولها البحري في إشارة واضحة ان الملعب الدولي لم يعد أمريكيا "فقط" وهذا الامر يمتد الى جمهورية روسيا الاتحادية والتي لديها ليس فقط ترسانة نووية هي على اتم الاستعداد والجهوزية لاستخدامها، بل أيضا ترسانتها العسكرية الأخرى هي أيضا متطورة ومتقدمة.

يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: "الأهم اليوم هو تشكيل قطب إسلامي عالمي متمحور حول ذاته، لقد اختار الغرب الجماعي إسرائيل وتخلى عن فلسطين، فيجب أن يتحد المسلمون ضد هذا القرار الجيو سياسي، وهم كذلك، روسيا أيضاً ستبقى قوية مع فلسطين، إنه المنعطف الحاسم للتوازن الدولي، روسيا قطب، ويتعين على الدول الإسلامية الآن أن تشكل قطبا آخر، والعدو المشترك هو خير مساعد، دعونا نجتمع معًا لإنهاء العولمة وإنشاء عالم متعدد الأقطاب حقيقي وقوي."

" إن روسيا تقف إلى جانب عالم متعدد الأقطاب وضد الهيمنة الأمريكية، إن الإسلام هو أهم قطب في عالم متعدد الأقطاب، وقد دخل الآن في مواجهة مباشرة مع الغرب والولايات المتحدة اللتين انحازتا بالكامل إلى إسرائيل وإرادتها الوحشية في الانتقام من الفلسطينيين بأي ثمن والقضاء على جميع سكان قطاع غزة من على وجه الأرض، وقد حددت روسيا موقفها بوضوح: ففي حين تدين روسيا الهجمات الإرهابية الوحشية التي تشنها حماس، فإنها تعارض بشكل قاطع الأعمال الإرهابية غير المتناسبة التي تقوم بها إسرائيل، إن مصير ملايين الفلسطينيين على المحك، ولا تستطيع موسكو أن تنظر بهدوء إلى ما ستفعله إسرائيل بالفلسطينيين بدعم كامل من الولايات المتحدة، يجب إطلاق سراح الرهائن، وإلغاء العملية البرية، وإنقاذ حياة الناس على الفور."

وطبعا لا نتفق مع كل ما قاله ألكسندر دوغين ولكن ما يهمنا في هذا الكلام هي الرغبة الروسية التي تتوافق مع مصالحنا القومية العربية حيث نفهم من كلام "دوغين" ان جمهورية روسيا الاتحادية هي ساعية الى إعادة تشكيل الحالة الإسلامية الدولية ك أحد الاقطاب العالية الجديدة؟ ولكن اين المسلمين من كل هذه التغيرات الدولية وقبلها اين هم العرب؟ ماذا عن الجانب السوري البعثي؟ وجانب الجمهورية الإسلامية؟ والحركات المقاومة للصهاينة في المنطقة؟

"علميا" الى الان لا يوجد "تحرك مهم" حيث في لبنان تجرى الأمور ضمن ما يتعارف عليه في "قواعد الاشتباك" والتي بها كلام كثير وتفاصيل متعارضة إذا صح التعبير فهناك من يقول ان مسألة قواعد الاشتباك هي "تغطية لمواقف" وهي ترتيبات واتفاقات استخباراتية سرية بين الأطراف المتنازعة لمنع تغيير مسار الحدث والحفاظ على "حالة الستاتيكو" أي بقاء الحال على ما هو عليه، أي كما ذكرنا هي "تغطية لمواقف" "لا" تغير مسار الحدث، وأنها ضمن "المزايدات" التي لا تغير شيء في الواقع، حيث من الواضح ان الجمهورية الإسلامية تتنصل من "حدث" طوفان الأقصى، وتكرر ارسال الخطابات الإعلامية بهذا الخصوص على لسان مرشد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، وايضا كما صرح بذلك "الموظف" تحت يافطة رئيس نظام الجمهورية "السيد إبراهيم رئيسي" وكذلك هذا ما قاله ممثل الجمهورية الإسلامية في الأمم المتحدة، وانتهاء في رئيس المنظمة الأمنية العسكرية الاستخباراتية التابعة لهم في لبنان السيد حسن نصر الله حيث أعاد التأكيد على تلك المسألة في بدايات خطابه الإعلامي الأول لما بعد انتصار عملية طوفان الأقصى.

واضح ايضا ان الجمهورية الإسلامية كما هم الامريكان والأوربيين "لا" يريدون حرب إقليمية، او على الأقل لا تريد "الجمهورية الإسلامية" ان تنتقل الحرب الإقليمية ضمن جغرافيتها الوطنية، وهي ماضية في عقلية تثبيت حالة الستاتيكو خارج أراضيها ضمن قواعد للاشتباك متفق عليها بين الاطراف والجمهورية الإسلامية أيضا من الواضح انها لا زالت تحاول فرض نفسها "قوميا" ولا أقول "إسلاميا" ك "شرطي للمنطقة" صاحب النفوذ والسيطرة، وهي تسعى للحصول على موافقة الغرب بهذه المسألة ؟! وهذه حالة من الوهم وفقاعات الامنيات الفارغة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من عشرة سنوات والتي "لا" تريد ان تقتنع انها سياسة فاشلة واحلام، وخاصة انها تتحرك ضمن جغرافيا ليست ضمن مجالها الحيوي الطبيعي التاريخي ناهيك انها تستفز الجميع في تلك الحركة لأنها تنطلق ضمن حالة قومية استعلائية إيرانية تتحرك في مناطق "فشل الدولة العربية" وغيابها، ضمن رافعات طائفية تقدم نماذج سيئة، وهذا أيضا امر كررناه في أكثر من موقع اعلامي وتناولته في كتبي المنشورة وأحاديثي.

ولكن في الجانب الاخر هناك من يقول امر مختلفا وهو ان ما يتم تسميته ب " قواعد الاشتباك" هي امر تم فرضه لأنها هي "منتوج قوة" و"امر واقع" ضد الأعداء وخاصة ضد الكيان الصهيوني، وليس لأحد ان يزايد على تلك المسألة خاصة ان "الطفولية السياسية" والحالة الكلامية الاستعراضية والمزايدات لم تفيد العرب "سابقا" أيام المد القومي الناصري في أي شيء، وهذه القواعد المفروضة للاشتباك هي من حققت "هزيمة" الصهاينة وطردتهم من الجنوب اللبناني فالعكس هو الصحيح وان المزايدات هي في الجهة المقابلة التي تنظر لهذه القواعد في شكل سلبي، فطول النفس الزمني مع تلك القواعد الاشتباكية اذا صح التعبير أيضا هو شي مطلوب بعيدا عن الاستعراضات الخطابية.

أيضا ضمن نفس السياق هناك من يقول ان الحالة الوطنية الخاصة في الأرض الإيرانية هي الحاكمة وهي الأهم عندهم، فمن الأشياء التي تم نقلها عن أحد اقطاب الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران عند سؤاله المباشر لماذا "لا" تقصفون القواعد العسكرية الامريكية بأنفسكم؟ ولماذا "لا "تردون على هجمات الصهاينة ضدكم في افتعال الحرائق والاغتيالات والتفجيرات والهجومات السيبرانية ضد المصانع والمفاعلات النووية .... الخ.

جاوب بالتالي: "بأنه لو قصفنا قاعدة أمريكية في صاروخ واحد فأن الولايات المتحدة ستتخذها ذريعة لأنهائنا، ولسنا مجانين للدخول في هكذا مغامرات تضعنا في مصير مجهول والحالة الوطنية الايرانية هي الأهم وما هو مهم".

من هذا الكلام تعود مسألة "قواعد الاشتباك" للظهور من جديد ويعاد السؤال حولها مجددا من ناحية مختلفة إذا كانت امر فرضته المقاومة او هو ترتيب غير معلن او اتفاق رتبه طرف ثالث لضمان عدم تغيير الواقع الحالي"؟ اذن من ذلك ينطلق السؤال التاريخي؟ فهل كان قصف قاعدة عين الأسد ردا على قتل الضابط التابع لمنظمة حراس الجمهورية الإسلامية "سليماني" هو ضمن اتفاق استخباراتي مباشر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة او عن طريق طرف ثالث لأنهاء المسألة ضمن "قاعدة اشتباك" كما حدثت آنذاك؟ او ان الرد هذا كان امر حقيقي؟ هل هذه المسائل ممتدة في الواقع الحالي وخاصة كما ذكرنا ان الجمهورية الإسلامية "لا" تريد أكثر مما هو موجود وهو "حالة الستاتيكو"؟

الإجابة "لا" اعرف.

يبقي موقف الجهورية العربية السورية؟ ما هو؟ وكيف نقرأه ضمن حيادية تحليلية وقراءة علمية؟

علينا ان نقول ونثبت مسألة تاريخية أساسية، ان كل ما نراه من واقع مقاوم عسكري ممتد في لبنان وغزة وباقي فلسطين هي أفكار "قديمة" وقناعات "سابقة" زمنيا" و"قارئة للمستقبل" عاشتها الدولة السورية وبدأت العمل عليها في الثمانينات والتسعينات ممثلة في رئيسها آنذاك المرحوم حافظ الأسد ومن هم مؤدلجين قوميا في العقيدة الثقافية لحزب البعث الحاكم، وضمن عقلية وتخطيط طويل المدى عسكريا وامنيا وأيضا تحضير زمني طويل، فهذه الانفاق وشبكاتها ومعداتها ومهندسيها وأيضا الأسلحة والصواريخ ومنظومات الامن والاتصال والتدريب ...الخ أساسا من بدأها وقام بها هو "الجيش "العربي" السوري" في لبنان ضمن اتفاق مع الجمهورية الإسلامية وما تم نقله في فلسطين في العموم وفي منطقة غزة في الخصوص هذا كله ضمن الخطة الدولة السورية القومية العربية البعثية، فأساس المسألة "عربي" و"وقومي" و"مؤدلج" وضمن قناعات ايمانية تريد الحرية والاستقلال لكل العرب منطلقة من سوريا ك "قلعة العروبة الصامدة" وهذه المسألة ليست نشيدا او عبارات عاطفية او اثارات حماسية بل هي "واقع" متحرك على ارض الواقع ومسألة تراكمية طويلة الزمن لها ابعاد من هنا وهناك ك "نقطة الحبر" الممتدة والمتسعة في الماء الصافي والتي نحصد نتائجها اليوم على ارض الواقع الفلسطيني، ولولا استقبال الدولة السورية لتنظيم حماس على أراضيها لما اتسع نطاق عملها ولما تم نقل مسائل صناعة وتطوير الانفاق اليها، ولولا الودائع المالية المليونية التي قدمتها الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران لمنظمة حماس، لما صار لها كل هذه المحافظ المالية الاستثمارية في أوروبا وباقي العالم ولما كان لها كل هذه الشبكات الإعلامية والإدارية والاستخباراتية والتمويل الذاتي المتواصل...الخ ناهيك على انها جزء من تنظيم دولي لجماعة الاخوان المسلمين والذي أيضا له تحالفاته وعلاقاته...الخ.

ما نريد ان نقوله من هذا الكلام: ان الفكرة تنطلق من لحظة زمنية وتتراكم الإنجازات والتطورات لكي نصل الى "لحظة زمنية" "جديدة" تصنع "تغيير" و"انقلاب" في المشهد العسكري ومعها يتم خلق واقع جديد فيه انتصار للعرب في صراعهم ضد الغزاة الأجانب، وهذه المسألة ضمن "ذهنية جديدة" وعقلية تعيش الخطة ذات الهدف الملموس على الأرض، ومن هنا جاء واتى نجاح وانتصار "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر تشرين.

ولكن ما اريد ان أضيفه ك تعليق على هذا الامر:

صحيح ان هكذا خطة قد نجحت في مراحلها الزمنية القديمة والممتدة الى "لحظتنا الزمنية الحالية" ولكن أتصور انها حاليا قد استنفذت نجاحاتها وأدت غرضها ولا يوجد لديها نجاح "قادم" يستحق ان يتم الاستمرار فيها على المستوى التطبيق العملي في "لحظتنا الزمنية هذه" حيث استنفذت ايجابياتها وتم تطوير منظمة عسكرية امنية استخباراتية داخل لبنان، ومنظمة عسكرية مشابهة داخل قطاع غزة، انتهت الى تحقيق انتصار طوفان الأقصى، وهي تاج نجاحات التخطيط البعثي السوري خارج جغرافيتها الوطنية.

وهي مسألة "اعجازية" انطلقت ضمن واقع ضاغط وحصار محكم وتأمر مستمر متواصل ضد الجمهورية العربية السورية والتي تم اغلاق منافذ الحرب العسكرية المباشرة الذي تستطيع ممارسته ضد الصهاينة بعد الغدر الساداتي عليها في حرب أكتوبر 1973 وبعد طعنها بواسطة اسقاط مشروع الوحدة العراقية السورية مرورا بفقدانها الاقليم الجنوبي المصري بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، فاضطرت "سوريا" آنذاك الى نقل موقع صراعها العسكري الى لبنان حيث كان مضرب الحجر العسكري والأمني والاستخباراتي ضد الصهاينة وباقي الاجانب، ومع هكذا انتقال للصراع منها فهي حمت ترابها الوطني وجغرافيتها الوطنية من التدمير وفي نفس الوقت حاولت فرض سلام يعيد لها الجولان المحتل، الى ان عملت الدولة السورية "خطأها الاكبر" في الانسحاب العسكري من لبنان في العام 2005، فنجح بعدها حلف الناتو والصهاينة في نقل "الصراع العسكري للداخل الجغرافي السوري الوطني، مع تحريك اليات الثورات الناعمة...الخ وهذه المسألة حذرنا منها قبل حدوث ما يسمى "ربيع عربي" ويمكن مراجعة كتابي "ما وراء الستار" لمزيد من التفاصيل والتوثيق.

ولكن في اللحظة الراهنة أتصور ان على قيادة الجمهورية العربية السورية ومراكز تفكيرها وأجهزتها الأمنية والعسكرية وحزب البعث الحاكم ان يعيدوا النظر في خطة الدولة السورية "القديمة" والانطلاق في "خطة جديدة" لها هدف تحرير التراب الوطني السوري من الأجانب الامريكان والصهاينة والالمان والانجليز والفرنسيين والاتراك، وإعادة صناعة التوازن الاستراتيجي العسكري والأمني وأيضا إعادة صناعة منظومة ثقافية انقلابية قومية جديدة لها علاقة بما هو مستجد ومستحدث من عالم متعدد الأقطاب قادم للسيطرة والانقلاب على كل مسارات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ان لسوريا قدر وهو ان تكون قومية عربية، وهي القلعة الصامدة والتي أطلقت خطة طويلة الأمد كلنا شاهدنا انتصاراتها في تحرير جزء كبير من جنوب لبنان ما عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، وأيضا انتصار "طوفان الأقصى".

ماذا بعد؟ لا نعرف الإجابة فهذه المسألة سيجاوب عليها الزمن القادم لما بعد 27  يوم من انتصار طوفان الأقصى.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

لم يعد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت العادة بل صار مُدمّرا له.

الدولة حسب مفهومها الفلسفي هي سيادة قرار وإرادة تنفيذ، ولا شأن لنا في هذا المقال بمكوناتها الميكانيكية لأننا لا نستطيع بناء موقف من جمادها إذا لم تجد من يحركّها، فإذا لم تكن تملك السيادة المقصودة في فلسفة الدولة فأنت محتل أصلا، لأنك تعيش حالة من العجز لتسيير إدارة الدولة سياسيا واجتماعيا، وهو موقف أقبح من الاحتلال نفسه، على الأقل المُحتل يملك سلطة وقوة تنفيذ ولو على حساب مواطنين ليسوا من جنسه ولا هم من عقيدته على أرض ليست أرضه.. فالمحتل قد يغريك بحاجات يومية مُلحة كي لا تثور ضده، بينما إذا تسلّط عليك ابن جلدتك فإنه يقهرك بما تُدين، ويعزلك بما علّمك، ويحرمك مما تكسب، يحتكر الوطن ويسلب قوميتك ودينك فيتحدث بمفرداتهمم ويوظف مصطلحاتهم ليصفك بما يشاء، فإن ثرت عليه قمعك بقوة السلاح بدافع ما تشعر به من وطنية كمبرر، يعني يقتلك دفاعا عن وطن من المفروض مشترك بينكما وربما تُحبه أكثر منه، لكن المحتل يعرف بأنه معتد وأنه تمكن من السطو عليك وعلى وطنك وممتلكاته، فإذا نعتك المحتل بأنك إرهابي مثلا فلا غرابة في ذلك، لكن أن ينعتك ابن جلدك بما لا تحب وبما يروق لأعداء وطنك هذه هي عين الغرابة، وهو أيضا تحصيل الحاصل الكامن في تنسيق كثير من الدول العربية و(الإسلامية) مع دول غربية من بينهم إسرائيل حول اعتبار المقاومة الفلسطينية منظمة إرهابية، لأن المحتل الوافد من الخارج مثله مثل الذي ينقلب على نظام شرعي حتى وإن كان يؤمن بما تؤمن به ويدعي مثل ما تدعيه من وطنية وقومية وعقيدة، فكلاهما مخالف للقوانين والأعراف الدولية، ومن العجيب أن يكون الإرهابي في وطنه أكثر فائدة واحتراما ممن يعتبر نفسه نظاما وهو في الحقيقة منبثق من اللّانظام،  وترتب وجوده عن انقلاب أو تزوير انتخابات، والدليل على ذلك أن أمريكا كلما أرادت الإطاحة بنظام سلّطت عليه المعارضة التي تأكدت من أنها منبوذة ومُنقمعة من طرفه وربما حتى شاركته في قمعه، وبالتالي فهي جاهزة ومشحونة بالحقد والرغبة في الانتقام، بمعني محاصر وهو لا يدري.

إذن النظام الواهي الضعيف هو الذي يضع خيوط اللعبة في يد عدوّه ظنا أنه سيتلقى منه حماية كاملة، على أساس أنه يأتمن جانبه في عدم المساس بمصالحه، وهذا ما يسميه الغرب عبثا بالمصالح المشتركة، وبدافع المنفعة اقتنعت كثير من الأنظمة العربية وغير العربية بهذه الشراكة المؤذية، فأي مصالح يصف فيها شريكك شعبك بالتخلف وحينا بالشعوب النامية، وحينا آخر بدول العالم الثالث، ثم يتدنى التوصيف إلى أن يصفه بالأصولي ومرة بالإرهابي، ومرة أخرى بالتشدّد، إلى أن وصل بهم التوصيف بمناسبة اجتياح غزّه بالوحشية والحيوانية؟ أي مصالح وأن توقّع شراكات تجارية من مواد حيوية لشعبك، وموارد بشرية وطاقات خلّاقة بعقود طويلة الأمد ستكبل بها حركة بلدك قرنا أو قرنين أو ما يمكن أن يزيد عن ذلك لأنها عادة ما تكون مفتوحة؟ أي مصالح وأنت توقّع جزافا على استلام الإعانات المالية وكأنك تتوعدهم ببيع الوطن بما فيه من ثروات وحدود وبشر، وتفعل ذلك باسم شعبٍ قد نهبت حقه الانتخابي ثم طلبت حمايتك من أعدائه، وقد يكون هو من أعانك على الإطاحة بأخيك في الدين والوطنية والدم والعرق والسلالة؟

الشعوب طيبة جدّا وأحيانا نراها بليدة، وحينا آخر يدفعها الخوف على أسرِها إلى العمل والصمت، والقلّة القليلة الحامية إرادتُها إرادة في التغيير لا تملك الأدوات الكافية لذلك، والمؤسسات في شكلها الوظيفي تتكتل ضدها، فالخوف من فقدان الوظيفة سلاح في أيدي الظالمين أيضا، والوضع المعيشي قنبلة موقوتة في أيديهم، ولم يعُد هؤلاء من وراء الشعوب المقهورة ولا البحر من أمامهم كما جرت العادة، بل صارت المشانق من ورائهم والدبابات من أمامهم، لأن البحر لم يُعد مخيفا كما كان في السابق، وهذا هو دأب الحياة النفوذ فيها للأشرار دائما وأبدا، وهذا هو أيضا سر فرار الفقراء والمساكين والمغلوب على أمرهم إلى الله، وسر وقوفهم إلى جانب الأنبياء والرسل، لأن الله يرسلهم كلما تفاقم الظلم والطغيان والعبودية واستفحلت الجريمة، لكن ماذا إذا توقف الله عن إرسال الأنبياء والرسل؟ حتى التاريخ يخبرنا بأن المرسلين الذين يتحدثون بلسان الله لم يسلموا من غطرسة هؤلاء الظلمة، فهل نقول قد غُلّقت الأبواب في وجوه الجياع والعرايا والمرضى والعجزة، وهل نجزم بأنها قد تعسرت عليهم الحلول، إلى أين يفرّون والذين يدعون التفوق الحضاري، ويتصدرون العالم تنيا للعدالة والديمقراطية والحرية ملطخة أيديهم بدماء الأبرياء؟

هل هذا القرن سيكون موعدا تتعطش فيه الشعوب إلى بروز فاتح عظيم، كما جرت العادة في قرون سبقت عندما تفشّى الظلم بين الناس؟ هل من فاتح تزغرد الملائكة في أذنه لينهض بهم، ويحقق لهم العدالة والرفاهية والأمن والاستقرار؟ الله استوفى على الناس الحجّة بتثبيت الدين الحق، وقال ارجعوا إليه كلما اشتدت بكم المصائب والكروب لكن لا أحد رجع إليه، والدول التي تتحكم في العالم لا تؤمن به أصلا، لا يهما إلّا اكتناز الأموال والذهب والفضة، والله أوحي إلى نبيّه بألّا نبي بعده، فأين تفر الشعوب إذا استفحل الظلم وانتشرت العبودية بمسميات اقتصادية وسياسية وقومية وعشائرية؟ وقد تكون حتى دينية عندما يُنمِّط الظلمة الدّين ويمنهجونه خادما لمصالحهم وحاميا لهم ولأتباعهم وعملائهم، حتى الكوارث الطبيعية والصحّية لم يعد الظلمة يكترثون بها كعقاب إلهي، بل صاروا يجدون لها تبريرات علمية ويربطونها بالمناخ والجيولوجيا.

بكل هذه المعطيات الواقعية التي تراها الشعوب وتعيشها في يوميتها، كيف تقوم لأنظمتهم قائمة وهم يسيرون على خطا الغرب الذي لا يُرجع النزاعات إلى الله ولا إلى رسله؟ هنا يمكننا القول بأنه لم يعُد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت عليه العادة بل صار مدمّرا وماسخا له، وهذا هو وضع الأنظمة العربية لأنها من البدء ظالمة ومجحفة لشعوبها، وتمارس سلطة عليهم ليست من حقهم، فكيف للظالم أن يجابه ظالما مثله وفي عرف الظلمة المؤازرة والتعاون وابتكار أنماط الظلم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

في الفترة من 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري الى 12 كانون الأول/ ديسمبر القادم، ينعقد في دبي المؤتمر الثامن والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP28)، والذي جرت له الإستعدادات من قبل الأطراف الحريصة على قدم وساق منذ عدة أشهر، ضمن الهدف الجماعي الطموح: تحقيق نتائج طموحة لإبقاء الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، عبر تخفيض الأنبعاثات المسببة للإحتباس الحراري، وزيادة تمويل العمل المناخي للبلدان النامية، وتنامي الاستثمارات على وجه السرعة في التكيف مع المناخ المتغير والتخفيف من وطأة تغيراته، مع استمرار تزايد الاحتياجات وسط أزمة المناخ المتفاقمة.

وخصص المؤتمر ضمن برنامجه الحافل أياماً لمناقشة ومعالجة أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ضمن الاهتمام  الدولي المطلوب لمعالجة هذا التهديد ذي الأهمية العالمية. ويوم اَخر للشباب، والأطفال، والتعليم، والمهارات. ويوم اثالث ستناقش خلاله المساواة بين الجنسين ضمن قضايا أخرى.

وتؤكد التقارير أن الإستعدادات لـ"كوب 28" في دبي أصبحت جاهزة من قبل غالبية الأطراف، وقد إستعد كل طرف من الأطراف المعنية بإعلان موقفه من المشكلات الساخنة المطروحة على المؤتمر الأممي، والمساهمة في إيجاد الحلول والمعالجات المطلوبة لها.

وتنتظر الدول النامية، والفقيرة بخاصة،على أحر من الجمر، إعادة عرض مشكلاتها الساخنة، بما فيها خسائرها وأضرارها الناجمة عن تفاقم التغيرات المناخية غير المسؤولة عن الغالبية العظمى من أسبابها، موثقة إياها بدراسات  ومصادر علمية، ساعية لتحقيق طموحاتها بالحصول على دعم ومساعدات عاجلة وفاعلة للتخفيف من أعبائها.

بذات الوقت،ستنقل وفود أطراف عديدة تجاربها الناجحة في مجالات المشكلات الساخنة المطروحة على مؤتمر دبي الأممي، الى جانب زج النساء والشبيبة في المشاركة الطوعية الجدية والفاعلة في حماية البيئة ومواردها الطبيعية، وفي مكافحة التغيرات المناخية وتداعياتها، تاركة للدول المعنية خيار الإستفادة منها، مع إعادة التذكير بان النجاح في هذه المجالات الحيوية لن يتحقق بدون توفير الأسس والمحفزات والضمانات الثابتة للشرائح الإجتماعية المذكورة، وفي مقدمتها متطلبات الحياة الحرة الكريمة، الآمنة والمستقرة، المفعمة بالصحة والبيئة السليمة، وبالرفاهية والسعادة. وسيكون من حق هذه الأطراف ان تتفاخر وتتباهي أمام وفود العالم بمنجزاتها الحقيقية والملموسة والمتنامية لصالح صحة وحياة ونمو ورفاهية الأمومة والطفولة والشبيبة، من الجنسين، المبنية على واقع قائم ومعاش، ثابت ومستدام، لا مبالغة أو تزوير فيه..

فما هو موقف الحكومة العراقية من القضايا الهامة المطروحة على المؤتمر الأممي؟

وما الذي أعدته للوفد العراقي الذي سيشارك فيه ؟

بالرجوع للتصريحات الرسمية، فأن "العراق إستعد مبكراً لمؤتمر دبي"، لكن من يدقق يجد في الواقع أنه متأخر جداً، اخذين بنظر الإعتبار ان الأطراف الأخرى أصبحت مستعدة منذ نحو 9 أشهر، وأقلها 6 أشهر، وأعلنت عن أجندتها وبرامج وفودها المحددة، بعد ان تمت دراستها وإقرارها من قبل المختصين المعنيين في بلدانها..

المعلومات الرسمية المنشورة تؤكد ان (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) قد "عقدت أول إجتماع لها في 13/7/2023، برئأسة وزير البيئة المهندس نزار ئاميدي، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية واعضاء اللجنة كافة، لمناقشة تحضيرات العراق لمؤتمر دبي واعداد الوفد التفاوضي الوطني له".تلكم كانت " اهم المحاور التي تم مناقشتها  بالتزامن مع تنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء بضرورة تعزيز العمل المناخي واتخاذ اجراءات فاعلة من قبل القطاعات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني كافة " .

وعقدت اللجنة إجتماعها الثاني يوم 26/7/2023 برئاسة وزير البيئة، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية، وممثلي برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP).وحضر الأجتماع أيضاً رئيس لجنة الصحة والبيئة البرلمانية الدكتور ماجد شنكالي، وسفير جمهورية العراق في الامارات، وممثل عن هيئة حماية وتحسين البيئة في اقليم كوردستان – العراق عبر دائرة تلفزيونية الكترونية.

وناقش الأجتماع مرة أخرى، نصاً: " اهم التطورات بشأن التحضيرات للمؤتمر، وتشكيلة الوفد الوطني التفاوضي له، بالإضافة الى الاستماع الى العرض المقدم من قبل (برنامج الأمم المتحدة الأنمائي) لخطة العمل الموضوعة مع وزارة البيئة للتهيئة للمؤتمر".

ولعل أبرز ما جاء في التقرير الذي نشر عن الإجتماع هو مداخلة الدكتور أمجد شنكالي الذي نبه  فيها بكل صراحة وموضوعية الى وجود إخفاقات للوفود العراقية في المؤتمرات السابقة، ودعا الى تجاوزها، والحاجة  الماسة لفريق وطني للتفاوض، يمتلك مهارات تفاوضية عالية ويجيد اللغة الأنجليزية جيداً.

في ضوء الإجتماعين المذكورين لمسنا إرباك وتخبط في  التحضيرات، وضبابية مقصودة في عدم الإفصاح عن التفاصيل، وكأنها " أسرار دولة "!!. فقد نُشِرَ بأن: " تحضيرات هذا العام جاءت من خلال إعمام مكتب رئيس الوزراء بضرورة أن تكون هناك استعدادات بما يليق بالعراق كونه أصبح من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية"- كما صرح  مدير "مديرية التغييرات البيئية" في وزارة البيئة، يوسف مؤيد، في 9 اَب الماضي. لكنه لم يشر الى تأريخ صدور الإعمام، الذي تؤكد توجيهاته على ضرورة الإستعدات المطلوبة لمشاركة العراق في مؤتمر دبي.

والمفارقة، هي إنشغال (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) في إجتماعين متتالين بتشكيلة الوفد، أكثر من إنشغالها بتحديد أجندة العراق، وبرنامج الوفد، والمهمات المطروحة عليه، ومتطلبات نجاحه بالمفاوضات التي سيجريها مع الأطراف..وهنا ينطبق المثل الشعبي:" جَلبَوا العلف قبل الحصان ". فليس من المعقول ان يجري إختيار أعضاء الوفد قبل تحدبد القضايا والمهمات التي ستناط بالوفد. وتحديد القضايا والمهمات يستلزم دراسة مستفيضة،وبعد إقرارها يتم إختيار أعضاء الوفد. ويشترط بإختيارهم ان يمتلك كل واحد منهم المؤهلات المطلوبة لينضم لفريق، لأن كل مهمة تستوجب ان ينفذها فريق، وليس فرداً.

وتواصل الإنشغال بالوفد، فبعد 6 أسابيع، وتحديداً في 13 أيلول الماضي،أعلن  السيد مؤيد:" أن الحكومة تعمل على تطوير فريق تفاوضي أساسي في المؤتمر، مكون من 13 ـ 18 شخصاً، يمثلون وزارات البيئة والزراعة والمالية والتخطيط والنفط والكهرباء والصناعة والتربية والتعليم العالي والإسكان والإعمار، للتفاوض حول مواضيع الصافي الصفري للكربون، والتخفيف، والحوض الكربوني،وسوق الكربون الطوعي، والتكيف، والخسائر والأضرار، وتمويل المناخ، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والشفافية "..

وهذه القضايا تستوجب، بلا شك، ان يمتلك كل عضو من أعضاء الوفد التفاوضي، التخصص والكفاءة والقدرة التفاوضية، الى جانب إجادة اللغة الأنجليزية إجادة تامة. وإلا، ستتكرر الأخفاقات السابقة للوفد.

فهل جري إعداد الوفد التفاوضي وفق المؤهلات المطلوبة، أم وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والإثنية ؟

ولعل الأهم،هل تم تنفيذ ما طالب به الدكتور شنكالي اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية بتلافي الإخفاقت، أم بقي حبراً على ورق ؟

والمفارقة الثانية، هي ما أعلنه مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بوزارة البيئة، امير علي الحسون، في 11 اَب الماضي:" العراق سيشارك في المؤتمر بأكبر وأفضل وفد على مستوى  الدول في مؤتمرات الأطراف التي أقيمت سابقاً ".ولم يوضح ما هي معايير "الأفضل"، التي تم تبنيها، وكيف " تم التأكد " من ان الوفد العراقي "سيكون الأفضل" والمؤتمر لم ينعقد بعد.. أليس التقييم (ناجح،أفضل، فاشل) يجري عادة بعد إنتهاء الفعالية ؟!!

والسؤال الآخر: ما هي "المميزات" التي "برز فيها" الوفد العراقي في المؤتمرات السابقة  ليكون وفده الى مؤتمر دبي "الأفضل" ؟..أهي إمتلاكه للمهارات التفاوضية العالية، والتخصص، والكفاءة، والمقدرة، وإجادة اللغة الأنجليزية بمستوى "أفضل" من بقية وفود العالم ؟!!

والسؤال الثالث: ما ضرورة " العدد الأكبر" للوفد العراقي ؟ وما مبرراته ؟  وما فائدة الإصرار عليه، وقد شارك العراق في المؤتمر السابع والعشرين في شرم الشيخ، في العام الماضي، بوفد يتألف من أكثر من 200 عضواً ؟.. فما الذي قدمه ذلك الوفد الكبير جداً، وما الذي حققه للعراق، وما الذي ربحه العراق من مشاركته في المؤتمر السابق، حتى يتم إرسال "أكبر وفد" على مستوى الأطراف في دبي ؟!!

في ضوء الإخفاقات السابقة، نقول بكل صراحة ان الإصرار على المشاركة بأكبر عدد، غرضه: إما للتباهي، ولا نعلم ما فائدة ذلك للعراق، وإما إمعاناً بمبدأ المحاصصة وفرض الأحزاب المتنفذة للمنسوبين والمحسوبين لها في تشكيل الوفود والإيفادات للخارج، رغم علمها بأن معظمهم لا يمتلك المؤهلات المطلوبة. وهي الظاهرة المخجلة، التي تمارسها الطبقة السياسية المهيمنة منذ عقدين من الزمن، فيذهب أغلب هؤلاء لا لخدمة العراق، وإنما للسياحة والإستجمام،على حساب الدولة. ولا أحد في السلطات الثلاث يحاسب من أرسلهم، ولا حتى سؤاله عما أنجزه الموفدون للدولة أو لمؤسساتهم، لقاء المبالغ السخية التي صرفت عليهم.

وهذا ما حصل في مؤتمر شرم الشيخ، في العام الماضي. فقد أخبرني أحد الزملاء المصريين من المشاركين بالوفد المصري للمؤتمر، عندما أراد وزملاؤه الألتقاء بأعضاء من الوفد العراقي للتعارف ولتبادل المعلومات والتنسيق، فوجدوا غياب غالبية الـ 200 عراقي عن أعمال المؤتمر بعد الجلسة الأفتتاحية.وعندما سألوا عنهم قال لهم عراقي: إنهم  "في إستراحة "، وتبين ان "الإستراحة" هي التسوق والسياحة.  وتساءل الزميل: أ يليق  هذا بالعراق الذي نعرفه ؟!!

إقتراناً بذلك، نشير الى مبادرة عراقية إيجابية سيشهدها مؤتمر دبي، ألا وهي ان الوفد العراقي سيرأسه رئيس الحكومة المهندس محمد شياع- كما أعلن مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بوزارة البيئة، امير علي الحسون.

وقبل الخوض في أهمية هذه المبادرة المهمة، لابد من طرح التساؤل التالي:

هل سيسمح رئيس الحكومة ان يرافقه للمؤتمر وفد فرضه نهج المحاصصة المقيت، ولا علاقة لغالبية أعضاءه بعلم البيئة، ولا بالمناخ والتغيرات المناخية، ولا يمتلك الكفاءة والقدرة التفاوضية،ولا يجيد اللغة الأنجليزية،  فيحرجه أمام قادة العالم، ويسيء للعراق ؟

نلفت إنتباه رئيس الحكومة الى هذه المسألة، إدراكاً منا لأهمية مشاركته في المؤتمر، لا سيما وهي المرة الأولى التي يترأس فيها الوفد العراقي رئيس الحكومة بنفسه. وستتضاعف الفائدة طبعاً عند مرافقته بوفد محترم بما يمتلكه من المؤهلات المطلوبة. فمن شأن ذلك ان يعود بالفائدة على العراق لإستثمار المؤتمر  لصالح مساعيه بالحصول على دعم دولي فعال للحد من التغيرات المناخية.

من هذا المنطلق، المطلوب من رئيس الحكومة ان يتأكد بنفسه من أن جميع أعضاء الوفد المرافق له يمتلكون التخصص والكفاءة والخبرة والمقدرة، ولا علاقة للأحزاب المتنفذة في إختيارهم..ليخصص من وقته بضعة ساعات لا أكثر ليتأكد أن جميع أعضاء الوفد المرافق له هم من المتخصصين والأكفاء والمؤهلين لمؤتمر دبي.وأنهم يمثلون حقاً وفعلآ القطاعات والوزارات المعنية بالتغير المناخي، كالزراعة والموارد المائية والنفط والكهرباء والبيئة والصحة، إضافة الى منظمات مجتمع مدني وناشطين وخبراء وأكاديمين وأساتذة جامعات، من الكفاءات وذوي المؤهلات المطلوبة.

ونأمل أيضاً ان يتمخض حضور رئيس الحكومة، والكلمة التي سيلقيها، واللقاءات التي سيجريها مع قادة الدول، عن نتائج  ملموسة وجدية لخدمة المصلحة الوطنية، وبما يليق بالعراق.

وإستطراداً،عسى ان تكون كلمة رئيس الحكومة، هذه المرة، صريحة وواضحة، ولا لبس فيها- لا كما حصل في كلمته أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي جاء فيها ( نقلآ عما نشر عنها): "ان الحكومة العراقية تمنح الأولوية لتمويل العمل المناخي؛ كونهُ الأكثر عرضةً لتأثيرات التغيرات المناخية "، ناسياً أو منتاسياً عدم وجود مخصصات مالية لمواجهة المشكلات البيئية، حتى الساخنة، ومنها التغيرات المناخية، في ميزانية عام 2023. وعدا هذا، قال مرة:"العراق يواجه تحديات في تمويل أهداف التنمية المستدامة"، وأخرى: "العراق أحرز تقدما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة". وبكلامه هذا ناقض تصريحات المسؤولين العراقيين المتكررة بحاجة  العراق الى دعم دولي كبير للحد من التغيرات المناخية الحاصلة فيه من خلال "صندوق المناخ الأخضر" المخصص للدول الأكثر هشاشة وتأثراً بالتغيرات المناخية. وناقض أيضاً ما حذر منه البنك الدولي بشأن التأخر في التنمية ودعوته للحكومة العراقية، في اَيار 2023: " ان تسرع بردم فجوة التنمية، وخلق مجتمع متصدٍ لمشكلات وتبعات التغيّر المناخي". ونبه الى :" أنَّ التأخر في التنمية قد يُعرِّض الاستقرار الاجتماعي وآفاق التنمية الاقتصادية إلى الخطر"..

هذا التناقض والإرباك في الخطاب، جعل المتتبعين للشأن العراقي ان يتساءلوا بحق: ما دام  العراق  "قادر" على تخطي التحديات- كما لمحت كلمة رئيس حكومته- فلماذا إذاً يطلب المساعدة الدولية ؟

في السياق ذاته، نشير الى تصريح مدير (دائرة التغييرات المناخية) في وزارة البيئة يوسف مؤيد، الذي جاء فيه: "ان العراق يشارك العالم همومه المناخية "، الذي يوحي بتقليد نبرة خطابات حكومات الدول العظمى وهي تتفرج على معاناة الدول الفقيرة والنامية الأكثر تضرراً وخسائراً من تأثير التغيرات المناخية، معلنة كذباً بأنها " تشاركها" همومها، وهي المسؤول الأول عما تعانية من تغيرات مناخية وتداعياتها المتفاقمة.. والعراق ليس دولة عظمى لـ" يشارك هموم العالم"، وإنما  هو خامس أكثر دول العالم هشاشة تجاه التغيرات المناخية،التي تعصف به وتسحق مواطنيه، متفاقمة عاماً بعد اَخر. وهو ذاهب لمؤتمر دبي- كما أعلن المسؤولون- ليطلب المساعدة الدولية للتخفيف من وطأتها.

ونتوقف عند برنامج الوفد العراقي لمؤتمر دبي، الذي من المفترض ان يكون قد أُعِدَ بعد دراسة مستفيضة، بمشاركة علماء وبيئيين وأكاديميين متخصصين، وأن يركز على معاناة العراقيين الوخيمة  الناجمة عن تفاقم التغيرات المناخية وتداعياتها الكارثية، المهددة للأمن الغذائي ولصحة وحياة المواطنين، وأن تكون الأضرار والخسائر موثقة بدراسات وإحصائيات ومصادر علمية.

ويفترض ان يطلع الرأي العام العراقي على أجندة الحكومة ومهمات الوفد العراقي وبرنامجه الكامل للمؤتمر، طالما ليست "أسرار دولة". لكننا لليوم لم نطلع على برنامج مفصل منشور. ولا نعلم ما الضير ان تنشر (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) مسودة البرنامج ليطلع عليه المعنيون ويشاركوا في مناقشته وإغنائه. فهذا ما قامت وتقوم به الدول المتحضرة، طارحة المسودة للمناقشة، وتقوم القنوات التلفزيونية والأذاعة والصحف المحلية بالتعريف بها، وبكامل برامج وفدها الى مؤتمر دبي، ومثله فعلت لبرنامج مؤتمر شرم الشيخ، والذي قبله، وتجري حوارات ونقاشات بشأنه. ودائماً تطرح الكثير من الأفكار والآراء والمقترحات التي تغني البرنامج. وبعدئذ، تقوم اللجنة المعنية بتجميع كل ما طُرحَ ويُغني المسودة، وتقوم بدراسته، وتأخذ بما تراه مناسباً ومهماً، وفي ضوء ذلك تُعيد صياغة البرنامج، ومن ثم إقراره.

وتلكم عملية ديمقراطية حقيقية، مجربة وناجحة، تجسد مبدأ العمل الجماعي وتشجع المشاركة الجماعيية للمشكلات التي تستلزم معالجات وتنفيذات جماعية. والعملية تتمخض دائماً عن فوائد كبيرة للمهمة الأساسية..

المؤسف، ان ذلك لا يحدث في العراق.

وثمة مسألة أخرى هامة، ألا وهي تخوف البيئيون العراقيون، ونحن منهم، من ان يزج الوفد العراقي نفسه بقضايا جدلية ومحرجة للعراق أمام وفود العالم، مثل: تمكين الشباب والنساء والأطفال في القيادة ورسم السياسات وإتخاذ القرارات، والمساواة بين الجنسين، والتباهي بـ"نجاحات" مزعومة، الخ، متمنين عليه أن يركز، بدلآ من ذلك، على المشكلات البيئية الساخنة، وتداعيات التغيرات المناخية المتفاقمة، وحاجة العراق الماسة للمساعدة الدولية العاجلة، العلمية والتكنولوجية والفنية وغيرها التي من شأنها التخفيف من وطأة التغيرات المناخية.

مرد التخوف، هو تصريحات المسؤولين التي أطلقوها خلال الشهرين الأخيرين، ومنها:" سيشهد المؤتمر للمرة الأولى تنظيم العراق جناحاً خاصاً به، حيث بدأت الوزارة الاستعدادات المبكرة له، بعد تسلمها تأكيداً نهائياً بتنظيمه. وهنالك أجندة كاملة وتضم جميع القطاعات الموجودة في البلد، كالحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وممثلين عن الإقليم، من خلال تنظيم فعاليات جانبية وثقافية تعكس قصص النجاح وتمثل الإرث الثقافي للعراق خصوصاً بمجالي المرأة والشباب".

وجرى الحديث عن "أجندة كبيرة و مشاريع و خطط خاصة تمت دراستها وإعدادها بشكل عال من قبل الوزارات الحكومية وبإشراف وزارة البيئة".

لكن المسؤولين لم يفصحوا، كالعادة، عن أية تفاصيل عن تلك الفعاليات والأجندة والخطط والمشاريع الخاصة، ولا عن ماهية قصص النجاح في مجالي الشباب والمرأة.

ونتسأءل: أهي غير ما أشار إليه رئيس الحكومة السوداني في مقر الأمم المتحدة:" العراق بدأ بتنفيذ  المساهمات المحددة وطنياً، ومنها إستثمار الغاز المصاحب لإنتاج طاقة نظيفة لتحقيق هدف ( صفر شعلة) بحلول 2030"، ولم يوضح، هو الآخر، متى بُدءَ بالمشاريع الإستثمارية ؟ وما هي ؟ وأين تقع؟ وما النتائج المتحققة منها ؟ بينما يعاني المواطنون العراقيون من إنقطاع الكهرباء ساعات طويلة يومياً، الى جانب المتاعب الصحية الناجمة عن التلوث الناجم عن عمليات حرق الغاز المصاحب .

علماً بان " المساهمة المحددة وطنياً للعراق بشأن الغير المناخي" أصدرتها وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2015، وتم تحديثها في عام 2021، وهي وثيقة لـ" مساهمة وطنية طوعية ورؤية تمثل سياسة العراق العليا في التعامل مع مشكلة تغير المناخ، وطنياً ودولياً، وتأتي الوثيقة إستجابة لما ورد في إتفاق باريس الذي أقر في المؤتمر الحادي والعشرين لأطراف الأتفاقية الإطارية لتغير المناخ(COP 21) "- كما نصت مقدمتها.

ولليوم، لم تنشر الجهات العراقية المعنية بتنفيذ المساهمة المذكورة ما الذي تم إنجازه منها خلال السنوات الثمان المنصرمة، وتحديداً ما الذي حققه العراق في مكافحة التغيرات المناخية منذ إعتمادها.

أما ما أعلنه المسؤولون عن تنظيم العراق في مؤتمر دبي لـ"جناح خاص، وفعاليات جانبية وثقافية تعكس  قصص النجاح، وتمثل التراث الثقافي للعراق بمجالي المرأة والشباب"، والتي لم ينشر أعلام وزارة البيئة ولا وسائل الإعلام الأخرى تفاصيل عنها، فيستشف من عدم الإفصاح عنها لحد اليوم ان الوفد العراقي بـ "جناحه الخاص"، وبـ"فعالياته الجانبية والثقافية" ذاهب، كما يبدو، لا ليُعَرِفَ وفود العالم بالواقع البيئي الكارثي الراهن، وبتداعيات التغيرات المناخية المتفاقمة، وبتوضيح رؤية العمل المناخي للعراق لغاية 2030 ، التي وعد بها رئيس الحكومة في كلمته التي إفتتح بها "مؤتمر العراق الأول للمناخ " في البصرة، في اَذار الماضي.. ولا هو ذاهب لإستثمار المؤتمر الأممي، والتأثير إيجاباً في مفاوضاته لصالح البلد، بما فيها المساعدة الدولية المتعددة، العاجلة والجدية والفاعلة، الذي هو بأمس الحاجة إليها ومن شأنها إعانته في معالجة مشكلاته البيئية الساخنة وبخاصة التخفيف من وطأة التغيرات المناخية على صحة وحياة وأمن مواطنيه..

وإن صح ذلك، فهذا يعني ان الوفد لم يضع القضايا المهمة السالفة ضمن أولوياته، ويضع نفسه أمام شكوك جدية بأن له أغراض أخرى مرسومة، الى جانب ذهابه للتباهي والمفاخرة بماضي العراق السحيق وأرثه التليد، ولإستعراض " قصص نجاح" مزعومة في مجالي الشباب والنساء،تقدم معالم لوحة مشوهة تُغطي على واقع حال الشبيبة والمرأة العراقية ومعاناتهما المريرة. وبذلك تكون غايته تلميع سمعة الطبقة السياسية الفاسدة، والتضليل على سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان وإنتهاكاتها المتواصلة بحق الشبيبة والأمومة والطفولة العراقية. وسيكرر ما قامت وتقوم به الطبقة السياسية المتنفذة المهيمنة على مقدرات البلد من ضحك على الذقون، وإستغفال عقول المواطنين البسطاء بـ " انجازاتها" الكاذبة.

على أنه إن فعل ذلك، فسيثبت أمام وفود العالم  سذاجته وجهله بما يعرفه العالم عن الواقع المزري والمعاناة اليومية المريرة للشرائح المذكورة، وهي أكثر شرائح المجتمع العراقي ضحية لمنظومة الفساد والمحاصصة الطائفية والإثنية ونهب أموال الدولة وأفقار غالبية العراقيين وأذلالهم، محولة حياة الشباب والنساء والأطفال الى جحيم لا يُطاق.

وليعلم الوفد بان الذاكرة الحية لم تنس أبدا ًشباب وشابات العراق وثورتهم المليونية  السلمية في تشرين 2019 ومطالبتهم السلمية بإستعادة وطنهم الذي سلبه منهم سياسيو الصدفة والطائفيون والفاسدون وتجار الدين والحرامية والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة. ولا كيف جابهتم السلطة بالقمع الدموي والقتل العمد، وسقط منهم أكثر من ألف شهيد وشهيدة وأكثر من 30 ألف جريح وجريحة، منهم 7 اَلاف مقعد ومقعدة جسدياً، وعشرت المئات من المعتقلين والمعذبين والمغيبين.

واليوم، يعيش نصف سكان العراق تحت خط الفقر.ومنهم 13 مليون في فقر مدقع.. ويعيش 6 ملايين عراقي وعراقية في 4679 تجمعاً من العشوائيات المنتشرة في العراق، التي إنتشرت بعد عام 2003، والتي تفتقر الى أبسط مقومات عيش الإنسان.

وأكدت دراسات علمية ان نسب البطالة بلغت أكثر من 40 في المائة. وثمة 35 % من الشباب العراقي عاطلين عن العمل، بما فيهم خريجوا كليات وأصحاب شهادات عالية.

وفي ظل غياب الخطط الاستراتيجية الحقيقية والبرامج العملية الداعمة للشباب في العراق،غياباً تاماً، تفاقمت حياتهم المعيشية، جنباً الى جنب تصاعد نسب البطالة والفقر،وإضطرار حتى الحريجين من الشباب العمل في أعمال لا ترتقي لمستوى تحصيلهم العلمي، ولجأ البعض الآخر الى الانخراط في أعمال غير أخلاقية وقانونية.وثمة المئات من إحتاروا الهجرة مجبرين ومغامرين بحياتهم.

بالمقابل، أصبح من كانوا يتسولون في الخارج يمتلكون الملايين والمليارات التي نهبوها من أموال الدولة. ومنهم من يستلم رواتب تقاعدية مليونية لقاء بضعة سنوات، وحتى أشهر، قضوها في مجلس الحكم أو مجلس النواب أو في الوزارات ومن أصحاب الدرجات الخاصة،إضافة لرواتب حمياتهم، مع أنهم ليسوا في الوظيفة.

ومن سرقاتهم السافرة وجود أكثر من 400 ألف فضائي في الوظائف الحكومية،خالياً، ويستلم الآلاف من المنسوبين والمحسوبين على الأحزاب والمليشيات المتنفذة 6 و 5 رواتب شهرياً، دون وجه حق. وهناك " المجاهدين الرفحاويين" وإمتيازاتهم، حيث تستلم العائلة الواحدة منهم 8 – 12 مليون دينار شهرياً. والفضيحة ان من بينهم "مجاهدين" من تجار الدين والمخدرات والتهريب والقمار والدعارة، بينما المتقاعد الذي خدم البلد أكثر من 30 عاماً يستلم 600 و 500 ألف دينار شهرياً،وتعيش عائلته الحرمان.

والسلطة التي تحتضن "المجاهدين" المزيفين تحتضن أيضاً ممارسي الظلم والجور والعنف وإنتهاك كرامة المرأة. فوفقاً لبيانات وزارة الداخلية، بلغ معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في البلاد 57 في المئة من إجمالي الحالات. ويصل العدد سنويا الى أكثر من 35 ألف حالة عنف أسري مبلّغ عنها. علماً بأن أضعاف هذا العدد لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب اجتماعية وعشائرية. ومازال المتنفذون الفاسدون، المتشدقون بالدفاع عن “الأخلاق” و”احترام” كرامة البشر، يرفضون وبشدة، تشريع القوانين، ومنها قانون العنف الأسري، الضامنة، لقيام حياة عائلية سليمة.

وهناك حالات الطلاق المتزايدة،والتي بلغت  في شهر اَب 2023 وحده 6973 حالة ، بمعدل نحو 235 حالة طلاق يوميا، ونحو 10 حالات في الساعة الواحدة- حسب مجلس القضاء الأعلى. وقد تصدرت بغداد القائمة. علماً بأن هذه الآفة الاجتماعية  شملت أكثر من 73 ألف حالة طلاق خلال عام 2022.

وعدا المطلقات، هناك مئات اَلاف الأرامل اللواتي يعانين من شظف العيش وصعوبات إعالة أطفالهن.

وفي هذا الواقع المزري، تبرز ظاهرة عمالة الأطفال الفقراء واليتامى، التي شملت 7 في المائة من أطفال العراق الذين لم يبلغوا السن المطلوبة. وغالبية هؤلاء الأطفال يعانون من الاستغلال والإساءة.وبفضل "بركات" الطغمة الحاكمة يعيش أطفالنا على مساعدات الدول الأخرى إسوة بأفقر الدول الفقيرة، وهم يعانون من الفقر والأمراض.ووفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط ثمة مليون و 200 ألف طفل عراقي محرومين من الغذاء والصحة والتعليم، وبقية حقوقهم، ويتعرضون للعنف والأمراض

والى جانب هؤلاء ثمة اَلاف المعوقين والمعوقات جسدياً ويعيشون في ظروف لا إنسانية.

وهنالك النازحين والمهجرين عن مدنهم وقراهم وبيوتهم وأراضيهم ويعيشون في مخيمات يعانون فيها  ظروفاً قاسية، صيفاً وشتاءاً، وتشكل لطخة عار في جبين الطغمة الحاكمة.

وأما الأمن والأمان فهما لليوم مفقودان، ويعاني المواطنون من جرائم القتل اليومي، ورمي الجثث على قارعات الطريق، وعجز الأجهزة الأمنية عن الكشف  عن الجناة.

وأخيراً وليس اَخراً، ظاهرة الإنتحار المتفاقمة، التي تحدث يومياً (بمعدل حالتين)، وقد حصدت حياة اَلاف الشباب والشابات، وهي في تصاعد مستمر وسط الشباب والشابات. ويعود سببها الرئيس للإحباط الناجم عن الإهمال المتعمد من قبل السلطة، وتفاقم ظروفهم المعيشية،وتفشي البطالة، وقلة فرص العمل، الى جانب انتشار المخدرات، والأمراض النفسية والعقلية، وعجز الحكومة عن معالجتها.

و ذلكم غيض من فيض معاناة الأمومة والطفولة والشبيبة العراقية من " بركات" الطيقة السياسية الفاسدة.

فهل سيتجاهل الوفد العراقي كل هذه الوقائع والحقائق المريرة والشاخصة ليقدم "قصصص نجاح" كاذبة ؟

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

أظهرت حرب التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الكيان الصهيوني بحق أهلنا في قطاع غزة ـ من ضمن ما أظهرت ـ أن تحرير فلسطين، هذا الشعار اللغوي الفخم، لم يكن في الحقيقة يوماً على جدول أعمال القادة العرب - باستثناءات قليلة. ولم تكن يوماً فلسطين قضية العرب الأولى، إلا على الورق، في اجتماعات الغرف المغلقة، وفي الخطب النارية فقط.

فغزة التي تُذبح وتستغيث فلا تُغاث، والأقصى الذي يصرخ العون فما من سامع، والقدس التي تتوق للنجدة فلا مُلبي، والفلسطيني الصامد الصابر المعاند الثابت يترك اليوم وحيداً بلا عون ولا مدد من الأشقاء العرب ـ الرسميين ـ الذين بات بعضهم يتبنى الرواية الصهيونية، وبعضهم أصبح يعتبر فلسطين وشعبها وقضيتها عبئاً يجب التخلص منه.

الأخطر أن معظم الدول العربية باتت تتعمد تهميش القضية الفلسطينية، بل والتآمر عليها. وتتجاهل حقيقة أن حالة الصراع الفلسطيني الصهيوني لا يمكن بترها وعزلها عن المحيط العربي والعمق الإقليمي، فكل العواصم العربية هي في قائمة المصالح والاستهداف الصهيوني.

والمثير للشفقة قيام بعض العرب بترتيب أولوياتهم، يقول لك هذا النظام أو ذاك "نحن أولاً" لتبرير عجزهم عن نصرة فلسطين. ثم اهتدوا إلى طريق الخلاص الذي يبعد فلسطين عنهم تماماً، فزجوا بشعوبهم في صراعات داخلية ومعارك جانبية فيما بينهم، أحدثت الفوضى وقسمت المقسوم وعمقت الحالة القطرية. وفلسطين المحتلة على مرمى حجر من الجيوش العربية التي كدّست أسلحتها في المخازن.

انحدار مرعب

أخفقت معظم الأنظمة العربية الاستبدادية في تحقيق شعاراتها المرتبطة بالوحدة والاشتراكية والاستقلال الوطني والحريات، وعجزت عن إحداث أية تنمية وتطوير في البنى الرئيسية، ولم تتمكن من إحراز مهام التقدم الاجتماعي. لكن هذه الأنظمة حققت نجاحاً لافتاً في بناء المؤسسات والأجهزة الأمنية التي تخصصت وأبدعت في قمع وقهر المواطنين وسحقهم، وحلت كافة مؤسسات المجتمع المدني، وأغلقت أي إمكانية لتطور الوعي السياسي للناس، وقوّضت مفهوم المواطنة، وقضت على الحوار المجتمعي، وشجعت الولاءات العرقية والإثنية والعشائرية والمناطقية، ونشرت الفساد في مفاصل الدولة والمجتمع، وسمحت للمفسدين أن يسمنوا ويتغولوا، وقامت بإعلاء المصلحة الخاصة على حساب قيم المنفعة العامة.

أقدمت هذه الأنظمة وبطانتها على تسخير مؤسسات الدولة وخيرات الوطن لخدمة مصالحهم الخاصة ومصالح الاقرباء والموالين، وفككت الروابط الوطنية والاجتماعية والأخلاقية بين مكونات المجتمع، مما أدى إلى ظهور النزعات العرقية والطائفية والقبلية والمذهبية والعشائرية البغيضة، التي فتتت الأوطان وحولتها إلى إمارات وقبائل وطوائف.

الأخطر قيام هذه الأنظمة بتليين وتطويع معظم المثقفين والمفكرين وتدجينهم، ومن لم تتمكن منهم إما زجت بهم في السجون لسنوات طويلة، وإما أنهم تمكنوا من الهرب خارج أوطانهم إلى بلدان غربية حيث حريتهم، وإما أنهم تركوا الشأن الثقافي وانعزلوا عن الحياة العامة. لم تستثني هذه الأنظمة حتى رجال الدين والمشايخ الذين قام بعضهم بإجراء تعديلات على معتقداته لتتوافق مع خطاب المرحلة.

لقد تحولت الأوطان العربية بكل ما تحتويه من بشر وحجر وثروات إلى ملكية خاصة لبعض الحكام العرب، الذين طوعوا كل شيء وحولوه إلى أداة منفعية تخدم مصلحتهم التي أصبحت فوق الوطن والمجتمع والدولة. لذلك فإن مهام التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي التي رفعتها معظم الأنظمة العربية خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين لم يتحقق منها شيء، وأن كل الأحلام التي بنتها الشعوب العربية بعد الاستقلال الشكلي، في حياة تضمن كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، قد جرى إجهاضها ووأدها مرتين في الحقيقة، مرة عن طريق الأنظمة العربية الاستبدادية التي قتلت واعتقلت كل شيء، ومرة أخرى تم هزيمة هذه الأحلام والتطلعات بواسطة الشعوب العربية نفسها التي رضيت أن تُصادر الأنظمة العربية حقها في أن تكون شعوباً حرة، وقبلت أن تكون مجرد قطيع خانع.

عودة إلى سؤالي الأساس هنا:

هل الراهن العربي في الواقع قابل لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟

الإجابة قطعاً لا، فالجسد العربي في حالة من الموت السريري، قلب العرب مريض ومرهق، ورأسه مصاب بالهرم، وأطرافه مشلولة.

إن قضية العرب الأولى- فلسطين- تحتاج إلى أمة حرة قادرة على التعبير وتقديم الدعم، تحتاج إلى أمة لا تلهث غالبيتها خلف رغيف الخبز، أمة قادرة أن تختار مستقبلها، أمة لا يقرر مصيرها حزب واحد ولا عشيرة واحدة ولا زعيم واحد.

تحرير فلسطين يحتاج جسد عربي معافى ومتحرر من الخوف والقمع والفساد والمرض والفقر والأمية ومن المحسوبيات والرشوة والشللية، جسد يتمتع بحرية الحركة والانتقال، يؤمن بالديمقراطية إيمان حقيقي، ويمارس تداول السلطة، ولا يعتقل معارضيه.

لقد جعلت معظم الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية مطية لتحقيق مآربها الخاصة، وجرى استخدام القضية في الخطابات الديماغوجية التي تتشدق بها بعض النظم العربية بهدف استمالة الشعوب العربية والإسلامية إلى جانبها، ومن الدول العربية من يحارب دولاً عربية أخرى بسيف القضية الفلسطينية التي أصبحت مادة للمزايدات بين أطراف عربية كثيرة.

من العار أن يجري استغلال القضية الفلسطينية التي يعتبرها العرب قضيتهم المركزية والأولى، لتحقيق طموحات وأهداف ومآرب وأطماع خاصة لهذا النظام أو ذاك على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية وعلاقاته العربية والدولية.

إن أية قراءة سريعة للواقع العربي الراهن يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك زيف الشعارات التي رفعتها بعض الأنظمة العربية والتي استمرت لعقود وهي تعلن أن تحرير فلسطين سوف يبدأ أو ينطلق أو يمر عبر هذه العاصمة العربية أو تلك، بينما تأكد لنا أن تحرير القدس وتحرير فلسطين سوف يكون الخطوة الأولى الضرورية في طريق تحرير بعض العواصم العربية من استبداد أنظمتها ومن سطوة الاستعمار الغربي.

 وتكشف الأحداث يوماً بعد يوم أن المشروع الصهيوني فشل في احتلال فلسطين، بينما نجح في احتلال بعض الدول العربية الأخرى والسيطرة عليها، وأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي يتمتع بالحرية الوجدانية النضالية، وأن غالبية الشعوب العربية أسيرة ومعتقلة في سجون تسمى أوطاناً، لذلك فإن هذه العلاقة بين العرب والفلسطينيين باتت تستوجب التصويب، فمن الظلم أن نطلب من الشعوب العربية التضامن مع القضية الفلسطينية، فلا يمكن لمريض أن يداوي سليماً معافاً ولا يمكن لسجين أن يناصر حراً.

بالرغم من أن معظم الأنظمة العربية قد وظّفت القضية الفلسطينية لغايات لا ترتبط بفلسطين لكن معظمهم تخلى عنها الآن. وفي الوقت التي اكتشفت فيه معظم الشعوب العربية بعد حوالي ثلاث أرباع القرن على ضياع فلسطين، أن لديها هموماً تشغلها عن نصرة فلسطين وأهلها، اكتشف الشعب الفلسطيني من حُسن قدره، أن مقدرات وقوة معظم العرب على دعم وعون قضيتهم ليست أكبر من قدرتهم ومن قوة الفلسطينيين على إسناد وغوث أنفسهم. كما اكتشفوا حجم كذب ورياء معظم الأنظمة العربية الذي تسبب في إزهاق أرواح آلاف الشهداء الفلسطينيين، وأن تدخّل العرب سابقاً لم يكن تأييداً للقضية بقدر ما كان بسبب دوافع ترتبط بالعرب أنفسهم، الذي لم يخجل معظمهم من إسقاط جدار العداء لإسرائيل علناً. لذلك فقد حان وقت توقف هذا النفاق، وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية. وهنا من المهم التأكيد على أن فلسطين التي سدّدت أثماناً باهظة للحفاظ على قضيتها، لن تتراجع ولن تنكسر ولن تتخلى ولن تفرط بالحقوق وبالوحدة، ولن ترهن قرارها لأية جهة مهما بلغت قيمة الفواتير.

كانت وستبقى فلسطين

فلسطين كانت قبل 7500 عام قبل الميلاد في جبل القفرة جنوبي الناصرة وسفح الرمل قرب طبريا. فلسطين الكنعانية كانت في العام 3000 قبل الميلاد. وكانت تحت الاحتلال اليوناني عام 332 قبل الميلاد. فلسطين كانت تحت الاحتلال الروماني في منتصف القرن السابع الميلادي. فلسطين وصل إليها عمر بن العاص حاملاً معه رسالة الإسلام العام 643 ميلادي، وتحررت فلسطين من الروم على يد خالد بن الوليد في معركة اليرموك الشهيرة. كانت فلسطين أموية في العام 661. وعباسية في العام 750. ثم دخلها الطولونيون والقرامطة. ثم احتلها الصليبيون العام 1095. وخاض صلاح الدين الأيوبي معركة حطين الشهيرة، واسترد بيت المقدس العام 1187ميلادي. وصدّ سيف الدين قطز والظاهر بيبرس الغزو المغولي على فلسطين العام 1259 ميلادي في معركة عين جالوت بعهد الدولة المملوكية. فلسطين دخلها العثمانيون العام 1516 ميلادي، مكثوا فيها أربعة قرون وخرجوا وظلت فلسطين. وهزمت مدينة عكا الفلسطينية بأسوارها حملة نابليون بونابرت العام 1799 ميلادي. فلسطين دخلها الجيش البريطاني العام 1917 ميلادي وخرج منها العام 1948، حين احتلها الصهاينة وأعلنوا فوق أراضيها دولة لهم. كان قد سبق هذا الإعلان حوالي نصف قرن من التخطيط والتنظيم والتدبير، وسوف يخرجون كما خرج غيرهم.

فلسطين التي كانت محور التقاطعات والتجاذبات والصراعات تاريخيا، سوف تظل في قلب الأحداث التي تجري مستقبلاً. فلسطين كان اسمها وسوف يظل، ولا يمكن للمنطقة أن تستقر دون حل عادل وشامل وكامل للقضية الفلسطينية، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المسروقة، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة فوق أرضه وعاصمتها القدس الشريف.

لقد تم تقزيم المسألة الوطنية الفلسطينية على أنها قضية تخص فقط الفلسطينيين، ثم جرى تقزيمها مرة أخرى لتظهر على أنها قضية فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم يجري مسخ المشروع الوطني الفلسطيني برمته على أنه فتح وحماس وعباس وهنية، وكأن قضيتنا أصبحت صراع سلطة بين تنظيمين.

بينما تستمر إسرائيل كل يوم بإصدار القوانين العنصرية التي تهدف إلى ابتلاع ما تبقي من فلسطين وتشريد الفلسطينيين، والتأكيد على أنها لم تعد عربية، وما نخشاه هو أن تكون فلسطين أندلس جديدة نفقدها إلى الأبد.

تثبيت الثابت

أي مثقف، أو مواطن، أو مسؤول عربي، أو إسلامي، يرضى بتهويد القدس، ويوافق على التسليم بالأمر الواقع بوجود إسرائيل فوق كافة الأراضي الفلسطينية، دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

وأي زعيم عربي أو إسلامي يتساوق مع الأفكار والتبريرات الإسرائيلية التي تتجاهل الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض عن ممتلكاتهم التي فقدوها. ويقبل التطبيع مع إسرائيل.

كل مفكر عربي أو إسلامي كان يدعو إلى الأفكار الليبرالية التحررية، وإلى الحداثة وقيم العدالة والاشتراكية، ولا يبدي اليوم تضامناً واضحاً معلناً مع الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الثابتة.

كل مثقف وكاتب وإعلامي وأديب يتصالح مع الإرهاب الإسرائيلي، ويداهن الاحتلال، ويتردد في الثوابت الوطنية، ويتقلّب في مواقفه من القضية الفلسطينية.

كل من يفرط بالحقوق الفلسطينية والعربية، ويبدد تضحيات من سبقونا من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ويحاول مقايضة الحق بالباطل. وكل من يحرف معركة الأمة المركزية عن مسارها، وكل من يشتت جهد الأمة في صراعات جانبية ومعارك ثانوية.

كل زعيم أو مسؤول عربي أو إسلامي يتعامل مع فلسطين في العلن بالخطب الحماسية والتظاهرات الحاشدة والاعتصامات وحرق الأعلام والصور والإطارات، ويتعامل في السر بمزيج من المؤامرات والصفقات والتسويات والاتفاقيات والزيارات الودية والشراكات والعقود والمساعدات.

من تاجر بالقضية الفلسطينية من الأنظمة العربية ومن المعارضات، ومن اعتبر يوماً أن فلسطين أم القضايا ثم خذلها لحسابات ومصالح ترتبط به وحده، من الأحزاب والقوى العربية التي كثرت أقوالهم وانعدمت أفعالهم. من يحاول تبخيس وتجاهل نضالات شعب عظيم عرف كيف يحافظ على هويته، بالرغم من أن العالم كله وقف ضده وسعى إلى إلغائه.

من يتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته وقيادته من العرب والمسلمين. من يحاول تمرير صفقات مشبوهة لتصفية القضية الفلسطينية.

جميع هؤلاء معادون للشعب الفلسطيني، ويقفون ضد تطلعاته وحقوقه المشروعة، متآمرون مع العدو الوطني والقومي لفلسطين والعرب. خائنون للعهود والمواثيق مع فلسطين وأهلها ومع شعوبهم وأنفسهم، نكثوا شعاراتهم ونقضوا التزاماتهم، هم دون ضمير عربي أو إسلامي أو إنساني، لا مبادئ لهم ولا قيم، أصحاب شعارات زائفة، لا بصر لديهم ولا بصيرة، ويل لهم من شرب قد اقتراب.

هل نتعظ؟

بالرغم من الهوان العربي الرسمي إلا أن الشعوب العربية ما زالت حية وعصية على التطويع. حيث خرجت في معظم الدول العربية العديد من المظاهرات العارمة تضامناً مع فلسطين وتنديداً بحرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، وردد خلالها المتظاهرين شعارات مناهضة لإسرائيل وللدول الغربية الداعمة لها. لقد عصفت رياح الرأي العام العربي الحر والشريف المتنامي والمناهض للتطبيع بالسياسات الرسمية التي تحرص على تمرير المرحلة والإبقاء على التطبيع قائماً. خروج عشرات الآلاف في معظم المدن العربية من المغرب حتى المشرق يؤكد حالة الغضب الشعبي العربي، ويشير بمجمله إلى الفجوة ما بين السياسات العربية الرسمية، والراي العام للشعوب التي ترفض التطبيع وتدعو إلى مؤازرة الشعب الفلسطيني.

في ظل الظروف الراهنة عربياً والاستثنائية في الانحدار والتشرذم والسقوط الأخلاقي، والتصالح مع العدو التاريخي، والإذعان المهين للضغوط الأمريكية، نحتاج اليوم لرجل يشبه زياد بن أبيه "زياد بن عبيد الثقفي" الذي صاح في خطبة البتراء الشهيرة، حين ولاه معاوية بن أبي سفيان على البصرة التي كانت معقلاً للخارجين عن طاعة الخلافة الأموية، فصعد زياد على منبر المسجد وخطب في الناس قائلاً "إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف. وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقي الرجل منكم أخاه فيقول انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم"، أم أن العرب اعتادت كثير القول دون أن يتعظ أحد؟

***

د. حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

فى أقل من شهر انعكست الصورة فى فلسطين المحتلة وتبدلت تماماً.. نتنياهو يهرب للأمام فى طريقه لشن حرب شاملة لا لشئ إلا لإنقاذ نفسه من مشنقة نصبها ضده الرأى العام الإسرائيلى..والاقتصاد الإسرائيلى ينزف نزيفاً سريعاً هائلاً غير مسبوق.. والمستوطنون باتوا بين نازح فى فنادق امتلأت حد التخمة وبين هارب فى طائرات تحمل أثرياءهم مع ما خف وزنه وغلا ثمنه.. والحديث يجرى فى أروقة صناع القرار في إسرائيل عن حرب طويلة قد تمتد لشهور ..فماذا سيكون مصير إسرائيل بعد حرب ممتدة كتلك الحرب؟!

حصاد ليالي القتال!

المدنيون الفلسطينيون فى شمال غزة سقطوا شهداء بالآلاف كأول ضحايا لردة الفعل الهمجية لعملية طوفان الأقصى التى أسقطت هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي سقوطاً مدوياً..مناطق وأحياء بأكملها تمت تسويتها بالأرض فى مشهد مفزع لم يكن كافياً للضمير العالمى أن يستيقظ ويقف مع الأبرياء من أهالى غزة!

الآليات والمدرعات الإسرائيلية تم حشد المئات منها لحصار غزة من كافة الجهات تمهيداً لغزو برى مرتقب، وقد تم استدعاء عشرات الآلاف من جيش الاحتياط ليبلغ عدد المشاركين فى الحرب البرية على غزة ما يقارب ثلاثمائة ألف جندى، أى ما يعادل تعداد الجيش الروسي فى حربه على أوكرانيا!

ورغم هذا فإن كفة الانتصار الميدانى باعتراف الإسرائيليين أنفسهم تميل لصالح المقاومة الفلسطينية التى صنعت معجزات خارقة بكل المقاييس.. آخرها كان ما حدث من تدمير عدد من الدبابات والمدرعات فى المحاولة الثالثة الفاشلة لاقتحام غزة من الشمال والشرق، وقبل ذلك ما حدث فى زيكيم وتم التعتيم على آثاره من الإعلام الإسرائيلي..

أولى محاولات الاقتحام البرى جاءت من الجنوب الشرقى قرب خان يونس، فى مهمة استطلاعية لدبابة وجرافة تم استهدافهما فى الأمتار الأولى من التحرك ليبادر جنود الاحتلال الإسرائيلي بالفرار سريعاً وتفشل المهمة. ثم جاءت محاولة ثانية للتموضع بشارع صلاح الدين لكنها لم تستمر طويلا ، كما ذكر المستشار السابق للبنتاجون مؤكدأً أن تلك القوة منيت بخسائر كبيرة ولم يتحدث عنها أحد لا فى الإعلام الصهيونى ولا الغربي!

أما المحاولة الثالثة فكانت الأكبر حجماً والأكثر عتاداً وعدة..حيث تحركت فرقة إسرائيلية فجراً على عدة محاور شمال غزة وشرقها وكانت مكونة من نحو بضع وثلاثين دبابة ومركبة مدرعة، ولم تتقدم تلك القوة سوى عشرات الأمتار قبل أن يتم استهدافها، ليهرب من استطاع الفرار ويموت من يموت، ولتحصل المقاومة على ما حصلت عليه من ذخائر وأسلحة وأسرى من الجنود والضباط والقادة!

خسائر إسرائيل وأمريكا

بعض التقديرات وصلت بأعداد الضحايا الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجى المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد عن 10000 شهيد ثلثهم من الأطفال..لكن ماذا عما خسرته إسرائيل؟!

علمنا أن الجيش الإسرائيلي قد نال حظه من سقوط الهيبة وفقدانه للصورة الذهنية التى رسمها الإعلام كذباً عن مدى قوته وقدراته القتالية.. وقد حدث هذا فى اليوم الأول لعملية طوفان الأقصي.. ثم توالت الضربات والرشقات الصاروخية على عدة مدن إسرائيلية فى مقدمتها تل أبيب وعسقلان وسديروت.. ولعل أقوى ضربة أفزعت الكيان ما حدث من استهداف صواريخ المقاومة لمنطقة مفاعل ديمونة النووى وما تمثله تلك الضربة من خطورة كبيرة..لكن كل تلك الضربات لم تحقق سوى نسبة ضئيلة مما منيت به إسرائيل من خسائر، بينما خسائرها الأكبر جاءت من القتال على الأرض..

أول وأهم تلك الخسائر العدد الكبير للأسري من الجنود والضباط والمستوطنين، والذى يزداد مع كل احتكاك مباشر أو أى قتال وجهاً لوجه..والواضح أن المقاومة تجيد استخدام ورقة الأسرى استخداماً بارعاً كما رأينا من تحريره لعدد محدود منهم، وظهورهم إعلامياً يمتدحون المقاومة ويظهرونها فى صورة الأبطال والنبلاء.. ثم تأتى الضربة الثانية التى تمثلت فى شلل عملية التطبيع مع إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، وكأن كل المليارات التى أنفقها الكيان وكل الجهود الدبلوماسية والسياسية على مدى عقود كلها تبددت كالهباء المنثور فى أيام ..أما أقوى وأهم الضربات تمثلت فيما حدث من انقسام داخلى فى إسرائيل لا على المستوى الشعبي والمجتمعى وحده ، بل وعلى أعلى مستويات القيادة وصناعة القرار، لدرجة أن يشاع أن التردد فى اتخاذ قرار الهجوم البري أحد مظاهر هذا الانقسام.

لكن تعالوا بنا نحسب خسائر الاحتلال الإسرائيلى بلغة الأرقام..لقد خسرت إسرائيل خلال ثلاثة أسابيع منذ بدء عملية طوفان الأقصى ما يزيد عن 10 مليارات دولار، بعضها بسبب التدمير المباشر للآليات والمبانى التى دمرتها صواريخ المقاومة، وبعضها الآخر فى العمليات الحربية المباشرة واستدعاء الاحتياطى والتعبئة العامة والطلعات الجوية المكثفة وفقدان الذخائر..لكن الأهم من هذا وذاك ما حدث فى إسرائيل من توقف تام للأنشطة الاقتصادية الكبري وفى  مقدمتها السياحة بسبب إلغاء كل الحجوزات والرحلات القادمة من خارج إسرائيل لتصبح الحركة الوحيدة للطيران هى من إسرائيل إلى خارجها..ونتيجة لهذا هبطت البورصة فى إسرائيل لأدنى مستوى لها منذ عقود لتخسر نحو 33مليار دولار، ولتنهار عملة الشيكل انهياراً غير مسبوق.. وهو ما دفع مؤسسات التصنيف الاقتصادى لخفض توقعاتها بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي.. وكل هذا أفضى لشلل تام فى الحياة اليومية للمستوطنين لدرجة عودة التعليم من المنزل والتعليم عن بعد كما كان يحدث أيام كورونا!

الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً نالت حظاً من تلك الخسائر، ولعل أهمها ما حدث من استهداف القواعد الأمريكية فى العراق وسوريا ، ليبلغ إجمالى عدد الهجمات ضد تلك القواعد ما يزيد عن 15 هجمة..كل ذلك أثر تأثيراً سلبياً كبيراً على وضع البيت الأبيض لدرجة إحداث انقسام فى الرأى داخل الكونجرس.. وهو ما قد يكون له أكبر الأثر فى نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة فى أمريكا!

نحو الهاوية!

كل خبراء البنتاجون السابقين والحاليين حذروا إسرائيل من أن عملية الاقتحام البري لغزة ستكون وبالاً على جيش الاحتلال، وأن خسائر إسرائيل ستتضاعف نتيجة هذا الغزو..لكن يبدو أن صناع القرار فى إسرائيل لديهم رأى آخر..

ثمة جبهات عديدة تنفتح على مصراعيها ضد إسرائيل..الجبهة الأكبر فى جنوب لبنان، والمناوشات تدور رحاها منذ مدة بين حزب الله وبين قواعد جيش إسرائيل، لكنها لم ترقَ بعد إلى حد القتال أو الاقتحام..ثم أن هناك مخاوف من قيام عدة بؤر جديدة للمقاومة فى الضفة الغربية والقدس، وثمة إرهاصات لها اليوم.. ولعل القرار الذى تم اتخاذه فى الأمم المتحدة بالإجماع لوقف إطلاق النار فى فلسطين المحتلة يكون له دور فى تهدئة الأوضاع بدلاً من توسيع نطاق الاقتتال..إلا أن ردود الفعل الإسرائيلية تسير عكس التيار ، وترمى بالقرار الدولى عرض الحائط، فى إصرار غريب على التمادى فى الإجرام ..وأغلب الظن أن المبرر وراء كل هذا ليس فقط القضاء على المقاومة الفلسطينيةكما أعلنت إسرائيل وإنما للإبقاء على الحكومة الإسرائيلية الحالية  برئاسة نتنياهو أطول وقت ممكن!!

والذى يبدو فى الأفق أن الرأى العام العالمى يزداد يوماً بعد يوم احتقاناً ضد إسرائيل، ودعماً للقضية الفلسطينية بما يشير إلى أن مآلات الأمور لن تكون أبداً فى صالح إسرائيل..حتى لو استطاعت السيطرة على المقاومة وتحجيم قدراتها كما تأمل..فإن الانقسام الداخلى فى إسرائيل يشي بالتصدع ، وأحلام إسرائيل فى التطبيع مع الدول العربية تحولت إلى كوابيس.

كل السيناريوهات التى وضعها المحللون كنهاية لتلك الحرب القائمة بين المحتل وبين المقاومة الفلسطينية تشير بشكل جازم أن إسرائيل تسير بخطوات متسارعة نحو هاوية سحيقة.. ومهما كان ما سيحدث فإن حلم تحرير الأقصى يبدو الآن أقرب كثيراً مما كنا نظن.

***

عبد السلام فاروق

لم يعد خافياً على أحد بأنّ وضع كيان الاحتلال الإسرائيلي وفق كل الخبراء العسكريين لا يبشر بخير، ناهيك عمّن يتنبأ منهم بزوال هذا الكيان الذي يمارس سياسة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين وقد تضعضعت أركانه في كافة الصعد.

إذْ فتح على نفسه بعد قرار الحرب على غزة، عقب هزيمته المدوية في طوفان الأقصى، سبعَ جبهاتٍ من شأنها أن تحدِّدَ مجتمعةً مصيرَ الكيان الذي بات في مهب الريح وغير مستقر.. وتتجلى فيما يلي:

أولا:- جبهة قطاع غزة

نحن نتحدث هنا عن جبهة متدحرجة التداعيات نحو الذروة بتسارع قل مثيله. إنها غزة التي حُرِثَتْ أرضُها بالحديد والنار من جرّاء تعرضها لقصف إسرائيلي أمريكي همجي ممنهج فيما يوصف ب " قصف السجادة" وتحويل غزة إلى أرض محروقة.. ومن ثم الدخول في هجوم بري متعثر من ثلاثة محاور : شمال غرب القطاع انطلاقاً من بيت لاهيا وصولا إلى منطقة "الكرامة" على تخوم مدينة غزة من الجهة الشمالية الغربية، ومحور الشمال الشرقي عبر بلدة بيت حانون (معبر إيريز).. وأخيراً محور جنوب مدينة غزة وسط القطاع (خاصرته) بغية قطع مسافة 7 كم وصولاً إلى البحر وبالتالي تكون غزة لو نجحت الخطة، قد حوصرت من كل الجهات؛ لكن المقاومة أفشلت مساعي الاحتلال الميدانية في ذلك.

إذٍ اندلعت مواجهات مسلحة عنيفة بين المقاتلين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حي الزيتون جنوبي شرق مدينة غزة بعد اجتياز الأرض الرخوة التي تم حرثها بالقنابل المحرمة، والوصول إلى مشارف ركام البيوت التي دمرت فوق رؤوس أهلها؛ لتبدأ المواجهات من منطقة الصفر، وبذلك تكون المقاومة قد شاغلت العدو باسلحتها الفاعلة والمصنعة محلياً لتلحق أكبر الضرر بالمعدات العسكرية الإسرائيلية ومن يتحصن في جوفها من جنود.. والنتيجة وفق اعترافات قادة "إسرائيل" كانت وخيمة.

ففخر الصناعة الإسرائيلية، دبابة (ميركافا) المصفحة جيداً إلى جانب ناقلة الجنود المجنزرة (نمر) قد تم اختراقهما وتفجيرهما بقذائف المقاومة المصنعة تحت أنفاق غزة، من نوع الياسين.

ناهيك عن فشل القبة الحديدية في التصدي لأكبر عدد من الصواريخ المصنعة محلياً بمدياتها المختلفة حيث تجاوزت نطاقها؛ لتصيب أهدافها في العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا بواسطة صاروخ عياش، وبئر السبع بصاروخ آر 160، مع القصف الصاروخي الكثيف للعاصمة تل ابيب ومدن غلاف غزة وصولاً إلى مفاعل ديمونا في صحراء النقب.

وهي ضربة أضرت بسمعة السلاح الإسرائيلي النوعي في سوق السلاح العالمي.

ناهيك عن عدد الضحايا الكبير في صفوف الجنود الإسرائيليين، حيث يتكتم عليه جيش الاحتلال.. فيما ننتظر وعود المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بجدولة قوائمها الهائلة لنشرها على الملأ حتى تثبت فشل العملية برمتها وزيف نتائجها ومن ثم إحراج موقف نتنياهو على صعيد داخلي.

ومن المفارقات التي تقلق الإسرائيليين بأن ضحايا القصف الإسرائيلي الهمجي كانوا من المواطنين الأبرياء، جلهم كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ.. الذين رفضوا الانصياع للضغوطات الإسرائيلية بتهجيرهم قسرياً نحو سيناء، ملتفين بشدة حول المقاومة كخيار فلسطيني وحيد.. وبما أنها نكبة ثانية أعلن عنها نتنياهو فإن أهل غزة ومعظمهم من اللاجئين الذين طردوا من بلدانهم عام ثمانية واربعين (النكبة الأولى) تعلموا الدرس فلن يثقوا سوى بمقاومتهم غير آبهين بالضغوطات والوعود الجوفاء.. فكيف يلدغ مؤمن من جحر مرتين!؟.

وسر الامتعاض الإسرائيلي من هذه النتيجة أن رجال المقاومة من كافة الفصائل ظلوا قابعين في الأنفاق متربصين بجيش الاحتلال؛ بانتظار الالتحام معه من منطقة الصفر.. في أتون الحرب البرية.. وقد صار لهم ذلك.

فالمقاومة وفق استراتيجيتها بعيدة المدى، تمكنت باقتدار من تحييد سلاح الجو الإسرائيلي من خلال حفر أنفاق عنكبوتبة بمواصفات عالية الجودة بطول 5000كم ومتفاوتة الأعماق، بحيث يتجاوز عمقها في بعض المواقع الحساسة أل 75م ، المناطق التي تتضمن مراكز القيادة والمستودعات والصناعات العسكرية في سابقة لا مثيل لها.

هذا إذا وضعنا في الاعتبار اختراق شبكة الأنفق للعمق الإسرائيلي، والتي تستخدم في تنفيذ عمليات وإنزالات ناجحة خلف خطوط جيش الاحتلال كما حدث قبل يومين عند معبر إيريز.

ثانياً:- جبهة الضفة الغربية

وهي الجبهة الساخنة في الضفة الغربية المحتلة التي حددت فيها المقاومة قواعد اشتباك تتناسب وظروف الاحتلال، الذي اعتاد على مداهمة المدن الفلسطينية بمرافقة رعاع المستوطنين، وانتهاك الأرض والإنسان والشجر. لكنها وفق كل التقديرات الموضوعية كانت اقتحامات فاشلة رغم تضافر جهود كل من جيش الاحتلال والموساد ويمان والشاباك والقنّاصة في عمليات محدودة، بعد تعرضها لمواجهات دامية من قبل المقاومة الموحدة من كافة الفصائل.

يحدث كل ذلك في الضفة الغربية الخاضعة لسلطة أوسلو التي ما زالت تنسق أمنياً مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في الوقت الذي تعهدت فيه -وفق شروط أوسلو- بحماية المستوطنات رغم مخالفتها لبنودها، وقد سخرت السلطة لذلك أجهزة أمن قوامها 60 ألف عنصر أمني بكامل عتادهم العسكري..

ورغم ذلك لم توفر هذه الأجهزة التي من المفروض أن تكون وطنية، الحمايةَ للفلسطينيين المضطهدين الذين تُرِكوا في مهبِّ الريحِ دون نصير.

ثالثاً:- الجبهة الشمالية (جنوب لبنان والجولان)

وتمثل هذه الجبهةَ بصورة رئيسية، حزبِ الله الذي تنتظرُ صواريخُه المخيفة وعودَ سيّدِ المقاومة.

حزب الله الذي راح يشتبك مع الاحتلال (بالتدريج) منذ السابع من أكتوبر فقدم من خلال ذلك الشهداء، وأصاب في صفوف جنود الاحتلال أكثر من مئة قتيل، في إطار غرفة عمليات مشتركة ضمت إلى جانبِ الحزبِ، حماسَ والجهادَ الإسلاميّ في إطار وحدة الساحات رغم صعوبة الوضع اللبناني الراهن؛ بغية تشتيت انتباه جيش الاحتلال لأجل تخفيف الضغط عن غزة كمرحلة أولى وقبل الوصول إلى الذروة من خلال المشاركة الكاملة.

فماذا يحمل خطاب نصر الله الذي من المزمع إلقائه يوم غد، الجمعة وقد وعد أهل غزة بمفاجأة قوية!.

فلو تبين أن سيد المقاومة سيقرر المشاركة الكاملة في العمليات العسكرية، فهذا يعني بأن مصير الكيان الإسرائيلي سيوضع على المحك.. وقد يلجم ذلك عدوانه على غزة، وربما على عكس ذلك، إذْ سيؤدي إلى حرب إقليمية يحاول الجميع تجنبها وخاصة واشنطن.

رابعاً: جبهة الحوثيين

حيث اعلنت جماعة أنصار الله الحرب على الاحتلال نصرة للمقاومة الفلسطينية في إطار وحدة الساحات، ويبدو أنها حصلت على الضوء الأخضر من إيران الداعم الرئيسي لمحور المقاومة.

ويأتي إعلان الحوثيين، الذي جاء على لسان الناطق باسمهم، يحيى سريع، الثلاثاء، بعدما أعطت "إسرائيل "أمر الهجوم للقوات البرية في غزة، وفي أعقاب سلسلة دعوات متكررة وجهتها حركة حماس؛ لفتح جبهات أخرى بغية تخفيف الضغط عن القطاع المحاصر.

ومؤخراً تم اعتراض صاروخ أرض أرض أطلِق باتجاه إيلات، من منطقة البحر الأحمر فتم التصدي له من خلال منظومة السهم (حيتس).

أيضاً تم إسقاط صاروخين حوثيين من قِبَلِ الدفاعات الجوية الأردنية والسعودية؛ لذلك حرك الإسرائيليون بارجة بحرية عسكرية باتجاه البحر الأحمر لأجل التصدي للهجمات الصاروخية الحوثية المحتملة.

خامساً:- جبهة "ملف الأسرى" ومؤامرة تهجير الفلسطينيين، إذْ أبدت حماس استعدادها للتعامل مع الملف كوحدة واحدة أو تجزئته من خلال تصريحات السنوار بهذا الشان.

على صعيد إسرائيلي أحيلكم إلى ما قاله شاؤول موفاز، رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع سابقا، في مقابلة أجرتها معه القناة 12 العبرية، في سياق دعوته إلى الإفراج عن 6 آلاف أسير فلسطيني من سجون الاحتلال مقابل 229 من "الرهائن" الإسرائيليين لدى حركة حماس، مضيفا أنه كان من الأولى بدء الحرب بمواجهة حزب الله اللبناني.

أما بالنسبة لنتنياهو فقد وضع نصب عينيه تحقيق أهداف العملية بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى وتهجير أهل غزة إلى سيناء، في مقامرة غير محسوبة قد تودي بمستقبله السياسي الذي سينتهي وفق معظم المؤشرات إلى السجن.

ولتنفيذ هذه الأجنده اقترف جيش الاحتلال المجازر بحق الفلسطينيين لدفعهم باتجاه جنوب القطاع وكان حصاده الخيبة، فالفلسطينيون أبدوا التفافهم حول مقاومتهم كخيار وحيد نحو التحرير الذي لا يتحقق بدون فاتورة باهظة من دماء الشهداء.

لقد توافق ذلك مع ممارسة الضغوطات الغربية على مصر من خلال وسيلتين:

- سياسة الأمر الواقع على نحو المشروع الألماني الرامي إلى تشكيل قوات غربية مشتركة للإدارة قطاع غزة؛ غير مدركين بأن المقاومة ستتعامل مع هذه القوات -المحتملة- كاحتلال مُقَنَّع، من خلال ليّ الذراع المصري.

- تقديم الإغراءات الاقتصادية على نحو تحرير مصر من ديونها؛ لفتح معبر رفح على مصراعيه وبالتالي استقبال اللاجئين الهاربين من جحيم الموت في غزة، وإقامة المخيمات لهم في سيناء، في سياق النكبة التي يلوح بها المخبول نتنياهو.

من جهتها رفضت مصر تلك الضغوطات؛ لتضع ضمن خياراتها إفشال هذه المؤامرة عسكرياً -لو تحتم الأمر- حيث تحتشد القوات المصرية عند معبر رفح من باب الدفاع عن سيادة مصر وأمنها القوميّ.

وهذا من حقها، فيما من شأنه -أيضاً- أن يثبّت الغزيين في أرضهم كدابهم في الحروب المتعاقبة.

سادساً: الجبهة الاقتصادية الداخلية

فبحسب أليكس زبينسكي كبير الاقتصاديين في شركة الاستثمار "ميتاف" ستصل أضرار الحرب إلى أكثر من 70 مليار شيكل (18 مليار دولار)، وهو ما يشكل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي.

وهذا قد يرغم "إسرائيل" على تعويض النقص في العمالة بعد التحاق 300 ألف مورد بشري منتج، إلى صفوف الاحتياط لمواجهة الخطوب في حرب غزة أو احتمالات نشوبها في الشمال مع حزب الله.

وسيتم ذلك من خلال استغلال حاجة سوق الموارد البشرية في الضفة الغربية بالتنسيق مع سلطة أوسلو.

قد يحدث ذلك رغم التعقيدات التي يشهدها هذا السوق الراكد في ظل بطالة تسبب بها الاحتلال من جراء العدوان المتكرر على المدن الفلسطينية. وهو دليل آخر على هشاشة الكيان وإفلاسه.

سابعاً:- جبهة الأمم المتحدة ومواقف الشعوب المناوئة لجرائم الاحتلال وفشل السياسة الإعلامية الغربية في تسوق الأضاليل إزاء الإعلام الرقمي الموازي الذي اعتمد على المادة البصرية المتصلة بالميدان.

ونتذكر هنا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على وجه التقريب في أن ما قامت به المقاومة من خلال طوفان الأقصى لم يأت من فراغ.

وهي إدانة مبطنة لجرائم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلة قبل السابع ىمن أكتوبر.

ناهيك عن حشر الكيان الإسرائيلي في الزاوية على صعيد جماهيري ليصل الحد ببعض الدول إلى قطع العلاقات مع تل أبيب رداً على مجازر الاحتلال كما فعلت بوليفيا.. أو طرد السفير الإسرائيلي كما فعلت كولمبيا وتشيلي والأردن.. او أيقاف الهرولة الإسرائيلية الأمريكية باتجاه صفقة تطبيع إبراهيمية مع السعودية.

لقد ثبت للقاصي والداني من خلال الفضاء الرقمي الذي فضح جرائم الاحتلال في الهلوكوست الفلسطيني، زيف الرواية الغربية المتجنية على الضحية.. ما تسبب بوقوف جماهير العالم الغفيره إلى جانب الفلسطينيين من خلال مليونيات طافت عواصم دول العالم وبخاصة الغربية منها، التي ما لبثت تؤازر "إسرائيل" ذلك الكيان الذي غرسه الغرب في قلب الوطن العربي كالسرطان.. من خلال وعد بلفور الذي تصادف ذكراه المشؤومة هذا اليوم.

***

بقلم بكر السباتين

2 نوفمبر 2023

بقلم:  T. H

من صفحة نورمان فنكلستين

ترجمة وتعليق: قصي الصافي

***

لماذا اخترت هذا المقال:

* منذ الحملة البربرية على غزه، توحد الاعلام الأمريكي والأوربي الرسمي في شن حرب اعلامية موازية لحرف الانظار أو تبرير الجرائم الصهيونية التي لا يمكن ادراجها الا ضمن بربرية القرون الوسطى. احدى وسائل هذه الحرب الاعلاميه التركيز فقط على ما ارتكبته حماس ضد المدنيين وانتزاع إدانتها من كل ناشط يناصر القضية الفلسطينية، وذلك لتبرير الابادة الوحشية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلى بحق المدنيين والأطفال.

ما إن يستضاف ناشط مناصر للقضية الفلسطينية حتى تتحول المؤسسة الاعلاميه الى مؤسسة تحقيق أمنية تحاول أن تنتزع اعترافاً منه بان حماس منظمة ارهابية وعليه إدانتها. بعض المفكرين والناشطين المساندين لحقوق الشعب الفلسطيني رفضوا ادانة حماس - مع إقرارهم بلا إنسانية تعرضها للمدنيين- وذلك لأنهم أدركوا لعبة الاعلام و خبثه، و في مقدمة هؤلاء نورمان فنكلستين، تشومسكي، كريس هيجز، يانيس فيروفاكيس وآخرين. وفي المقابل بعض المثقفين العرب من اللبراليين أمثال ابراهيم عيسى ومجدي خليل وغيرهم لم يكتفوا بشتم وشيطنة اي نوع من المقاومة بل تعدوا ذلك الى ترويج الخطاب الصهيوني علانيةً وبحماس منقطع النظير.

المقال التالي المنشور في صفحة فنكلستين يتضمن في معظمه فقرات من مقالات كارل ماركس، يرفض فيها ادانة ثوار الهند فيما سمي آنذاك بحرب الاستقلال الاولى عام 1857 م، رغم إقراره بالفظاعات التي ارتكبوها، وهو يدين بدلاً من ذلك وحشية البريطانيين وسياسة الاذلال والقمع والتي انتجت غضباً متراكماً ونزعة انتقامية تجسدت بالعنف والقسوة التي ارتكبها الثوار.

** تمت الترجمة بقليل من التصرف كى تكون أقرب لأدراك القارئ العربي المعاصر دون اي مساس بالمضمون.

المترجم

...................

نص المقال:

حدث أن واجهت بريطانيا تمرداً واسعاً شكّل تهديداً خطيراً لحكمها في الهند عام 1857 م، وقد كانت الهند آنذاك معيناً غزيراً للثروة التي تستجرّها بريطانيا بقوة السلاح. بدأ عصيان الجنود الهنود (السيبويز) متمردين على قيادتهم البريطانية، ومن ثم توسع التمرد ليشمل فئات شعبيه واسعة من المجتمع الهندي وفي مناطق مختلفة. كان كارل ماركس آنذاك يكتب بانتظام في صحيفة ( ذا نيويورك ديلي تربيون )، وقد نشر العديد من المقالات عن الهند؛ وكان رد فعله لذلك التمرد ملهماً:

" ما ارتكبه السيبويز الثائرون كان حقاً صادماً ومريعاً يفوق الوصف - عنف كهذا لا نشهده إلا في الحروب القومية أو العرقية أو الدينية-. كانت بريطانيا تصفق لفظاعات أكثر قسوة، كالبشاعات التي ارتكبها الفنديون ضد البلوز* ، أو العصابات الاسبانية ضد الفرنسيين (الكفار)، أو الصرب ضد جيرانهم الالمان والهنغار، أو الكروات ضد ثوار فينا، أو حملة التقتيل والترهيب من قبل كافاغناك ضد ابناء وبنات الكادحين في فرنسا. مهما بلغت السمعة السيئة لما ارتكبه السيبويز الثائرون، فلم يكن ذلك إلا من مخرجات ممارسات العنف والقمع من قبل بريطانيا، ليس خلال فترة إنشاء امبراطوريتها الشرقية فحسب بل حتى في العشر سنوات الاخيرة حيث أمنت هيمنتها واستتب لها الاستقرار ولفترة طويلة. لنصف حكمها يكفي القول ان التعذيب الجسدي كان مرتكزاً اساسياً في سياستها المالية (هنا يلمح ماركس لشركة الهند الشرقية التي حكمت الهند باسم التاج البريطاني، والتي بلغت قسوتها بمعاقبة عمال مصانعها من الهنود - على سبيل المثال لا الحصر- بتقطيع اصابع اليد بالسيف.... المترجم). انها قاعدة تاريخية بان العنف والغضب المتراكم ينتج عنفاً مضاداً، وان العواقب ليست من صنع المظلوم بل هي مسؤولية من ظلمه "

(الفقرة السابقة يذكر فيها ماركس مجموعة من الثورات المضادة والحروب في زمانه والتي قد لا تكون مألوفة للقارئ مما يلزم التوضيح بإيجاز. الفنديين مليشيا فلاحية انضمت الى قوى الردة الملكية لمحاربة جيش الثورة الفرنسية و كانوا يدعونهم البلوز Blues لانهم يرتدون زياً أزرق، العصابات الاسبانية حاربت نابليون من عام 1808 الى 1814 في اسبانيا والبرتغال،  كافاغناك وزير دفاع فرنسا الذي ارتكب المجازر بحق ثوار 1848م. في كل هذه الاحداث التي تضمنت مجازر وأعمال ارهابيه كانت بريطانيا تحتفي بها، بينما تصف الثائرين ضد بريطانيا بالوحشية، الامر الذي نشهده اليوم أيضاً بوصم حماس بالارهاب وغض الطرف عن ارهاب الدولة الاسرائيلية، ناهيك عن مجازر الغرب في الدول النامية في فترة الاستعمار القديم والحديث.... المترجم).

" ونحن أمام هذه الكارثه، من الخطأ الفادح أن تنسب البشاعة للثوار السيبويز، بينما نفترض أن نهر الطيبة والروح الانسانيه يتدفق على الضفة البريطانية... رسائل الضباط البريطانيين ترشح عنفاً و أحقاداً "

(هنا يشير ماركس الى رسائل علنية لضباط الجيش البريطاني وهم يتبجحون بممارساتهم الوحشية مثل شنق أو قتل اي هندي يصادفونه بالشارع، أو حرق قرى بسكانها وهتك الاعراض، والاسرائيليون هم أيضاً لا يخفون نيتهم بالابادة الجماعية بتبجح، يكفي ان نذكر تصريح نتنياهو وهو يستشهد بسورة صاموئيل بالتوراة آية العماليق " أقتلوهم جميعا، رجالهم و نساءهم وأطفالهم و رضّعهم، اقتلوا عجولهم وماشيتهم، جمالهم و حميرهم.." ... المترجم)

" علينا ايضاً أن لا نغفل كيف تتم رواية الفعل البريطاني - على طريقة اسرار الخلافات الزوجية - إذ تروى بشكل مبسط و موجز وسريع دون الدخول في التفصيلات المريعة و المقززة، بينما تجري المبالغة و التهويل بما ارتكبه الهنود فيخبروننا عن جدع الأنوف، وبتر الاثداء وغير ذلك. المفارقة هنا ان البشاعة التي ارتكبها السيبويز تثير مشاعر الاوربي أكثر من القاء قذائف حارقة على مجمعات سكنية من قبل رئيس جمعيه السلام في مانشستر، أو حرق العرب الذين حوصروا في كهف من قبل مارشال فرنسي، أو سلخ جلود الجند البريطانيين بالسياط على وقع طبول المحاكم العسكرية، أو ماتبتكره بريطانيا في مستعمراتها من أجهزة التعذيب (الخيرية). البشاعة مثل اي شئء آخر تتغير حسب المكان والزمان، فالقيصر يعلن صراحة أوامره بقطع إيدي الآلاف من جنود الغال، الأمر الذي يخجل من فعله نابليون الذي يفضل ان يرسل جنوده الذين يشك بولائهم الى سانت دومنغو ليموتوا بالطاعون"

(الاعلام الغربي اليوم لا يختلف كثيراً عما وصفه ماركس في الفقرة السابقة، اذ يخفي جرائم اسرائيل ويردد عبارة حقه في الدفاع عن نفسه، بينما لايكتفي بسرد تفاصيل مافعلته حماس بالمدنيين، بل يلفق روايات وأكاذيب عن أعمال مروّعة ثبت عدم صحتها في فضائح متكررة لاعلام عالم الكلمه الحرة. ... المترجم)

" جون بيل (الاسم التقليدي للمواطن الانكليزي) يجب ان يغرق حتى اذنيه بروح الثأر والانتقام، كي ينسى أن حكومته هي المسؤولة عن انتاج العنف المضاد بصيغته المرعبة"

في مقالة منفصلة يشرح ماركس دور التعذيب الجسدي الذي يمارسه البريطانيون على الهنود لمراكمة الثروة، ويختم مقاله بالفقرة التالية:

" ما بيناه ليس الا فصلاً موجزاً  ومخففا من التاريخ الحقيقي للحكم البريطاني في الهند، وفي ضوء تلك الحقائق ألا يخلص الرجل العاقل والمجرد من الانحياز العاطفي إلى أنه من العدل ان يقاوم الشعب لطرد محتليه الاجانب وهم يمعنون في اذلاله؟، أليس من المستغرب أن ندين المتمردين الهندوس في خضم ثورة تمرد وصراع بالجرائم والفظائع المزعومة؟

***

..................

1 -Marx and Engels, The First Indian War of Independence 1857-1859, pp. 79-82; available online at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/16.htm

رابط

2 -Ibid. 67; available online

at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/17.htm

رابط ناشر المقال

https://substack.com/redirect/8066b205-756e-4d10-ae45-24fa0aa79e66?j=eyJ1IjoiczlxN2kifQ.yWs-YOkyFkraEJvD3LOtsu5B8HkkGX636-NM1ziyTbk

سجّلت مفاجأة «طوفان الأقصى» يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدوداً كاشفة لما سبقها وما سيأتي بعدها. أبرزها هزيمة ما كان مطروحاً عن قوة الجيش الذي لا يقهر وقدراته الخرافية، وعن أجهزة المخابرات ومؤسساتها، وعن الانهيار في خطط حصار غزة، بمليونَيها والثلاثمئة ألف إنسان فيها، وجدران الحجز والحجر للمساحة المحددة في قطاع غزة، الثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً وبامتداد طولي واحد وأربعين كيلومتراً، وعرض بين خمسة وخمسة عشر كيلومتراً، وبالاختراق الكبير لكل ذلك بما فيه أسلوب «الطوفان» وممارسته وهجومه براً وبحراً وجواً. وهو ما أذهل، ليس إدارة الاحتلال المحلية وحسب، بل إدارات الإمبريالية الغربية ورأسها الولايات المتحدة الأميركية، ورد فعلها المباشر انعكس على مختلف المستويات والأصعدة، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها. وقيامها بالتعبئة الكاملة والشاملة، من تجييش وسائلها الإعلامية خصوصاً، والناطقة بالعربية منها، إلى التحشيد العسكري بمختلف الأنواع، عدة وإعداداً، من حاملات طائرات إلى قواعد صواريخ وقوات خاصة، وتسمين أغلب القواعد العسكرية المزروعة في المنطقة ومحيطها أيضاً.

بعد 75 سنة من النكبة والحصار والظلم والاضطهاد والنزوح واللجوء والسجن والقمع والإرهاب والتمييز العنصري وتفشي الفاشية في التحكم والاستبداد، تقدّمت فصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية وحلفاؤها وأذلّت كل ذلك الكيان الاستيطاني الوحشي، المدجج بكل ما تعنيه الكلمة، بكل أنواع الأسلحة والأجهزة والدعم والمساندة التي لا تقدّر نسبها ولا تحصى أرقامها ولا تعدّ أصنافها، عدداً وكمية وموازنة وقدرات. كل هذا تعرّى صباح ذلك اليوم الفاصل، وأعطى لصبر المقاومة الفلسطينية واستعداداتها وتحضيراتها، واستراتيجيتها وتكتيكها، أسباب النجاح والفوز وتحقيق الهدف لها وفي أعمالها، في خوض معركة محسومة ومسندة من محور ضامن، لا يتردّد فيها ولا يخاف من تهديدات وخطط الإمبريالية وإمبراطوريتها وقاعدتها الاستراتيجية، ولا يهاب تبعاتها وعدوانها المتواصل. بل عزمت وحققت وأنجزت، فكسبت ما كسبت وهان عندها خطر العدو والعدوان وركبت مركب النصر والتضحيات على طريق تحرير فلسطين، من الفاء إلى النون، وعاصمتها القدس الشريف، والأقصى عنوان طوفانها الهادر.

برزت وحشية العدوان وفاشية العدو مباشرة، في إعلان الحرب والرد بالنار وبالأسلحة المحرّمة، مسنوداً من آلة الحرب الإمبريالية، من حاملات الطائرات والبوارج التي مخرت عباب البحار إلى شواطئ فلسطين والمنطقة وإلى جسور الإمداد المتواصلة عبر السفن والطائرات وإلى المساهمة الفعالة والمكثفة من عناصر النخب العسكرية والوحدات الخاصة والمتدربين على الذبح والإبادة والقتل الجماعي. وكشفت هذه الأساليب الوحشية خسّة ضمائر الزعماء الغربيين وازدواجية معايير سياساتهم وكيلهم الكيل بأكثر من مكيال، فتنافسوا في الخداع والتضليل والكذب والنفاق، في خطبهم وإدارة وسائل إعلامهم واتخاذهم لقرارات تحظر التظاهر وحرية التعبير، وإصدار قوانين تعاقب كل من يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني ويرفع علم فلسطين ويدين الحرب والعدوان على الفلسطينيين، متناقضين في إدعاءاتهم عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديموقراطية واحترام القانون.

أمام كل هذا، «طوفان الأقصى» وردّ الفعل الفاشي الصهيوغربي، اندلع طوفان غضب شعبي عارم، حمل رايات الانتصار للإنسانية والعدالة والحريات واحترام حياة الإنسان وكرامته وقيمه المشروعة. وعبّر عن احتجاج واضح ضد سياسات حكوماته ونهج الازدواجية والنفاق الغربي، خصوصاً، فامتلأت شوارع عواصم الدول ومدنها الرئيسية، التي شاركت في العدوان الوحشي، بالمتظاهرين الذين رفعوا شعار «الحرية لفلسطين» مصحوباً بعلم فلسطين، وطالبوا بوقف الحرب والعدوان فوراً. ورغم أن وزارات داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وكندا والسويد والنمسا وتابعيها المشتركين معها، أصدرت قرارات منع التظاهر ووضعت عقوبات على المتظاهرين وأوقفت عدداً من المشاركين ورافعي «علم فلسطين» ومارست أعمال إرهاب واقتحام لبعض بيوت لناشطين من الفلسطينيين والعرب الآخرين وحتى من الأحرار الأجانب، إلا أن التظاهرات المحتشدة فاجأت تلك الحكومات وأرعبتها بأعدادها الغفيرة؛ مئات الآلاف أو بالملايين، وتنشيط روح التضامن الإنساني العالمي وتحمّل كل تلك الإجراءات وظروف المناخ أو الأساليب البوليسية والمضايقات والتضييق العنيف.

لقد شاركت الجماهير الشعبية في التظاهرات في بلدان أخرى، كإسبانيا وإيرلندا كما في اسكتلندا وهولندا وبلجيكا وماليزيا وتركيا وإيران وكذلك في مدن عربية، كواجب عروبي، ومهمة عقائدية وقومية، في المغرب وتونس والجزائر ومصر واليمن والأردن والعراق والكويت والبحرين وعمان وسوريا ولبنان وموريتانيا وليبيا وغيرها، كما جرت وقفات لأعضاء نقابات ومنظمات مهنية وطنية وإقليمية، كنقابات العمال والمحامين والصحافيين وغيرها وطلاب الجامعات والمعاهد في العديد من المدن العربية والأجنبية. وفي المحصلة، حدث طوفان غضب شعبي عارم. طوفان يتوازى مع «طوفان الأقصى» ويسنده ويتماهى معه، ويكسب مدده ومداه، ويتقدّم عبر شوارع العواصم والمدن الأخرى في أنحاء العالم بمواقف إنسانية عامة وردود فعل تاريخية تثبت قوة الرأي العام وشجاعته في الدفاع عن الحقوق المشروعة وعن كرامة الإنسان والقيم الإنسانية المعهودة وفضح التناقضات وازدواجية المعايير وتجميل الانتهاكات للقانون الدولي والاختراقات للمواثيق والأعراف الدولية، وحتى الدساتير لأغلب الدول المشاركة في العدوان الإمبريالي، وتعرية جرائم الحرب وتزوير الحقائق والانحياز الأعمى لجرائم الحرب والاحتلال الاستيطاني ضد الإنسانية.

طوفان الغضب الشعبي العالمي يتواصل مع تصاعد جرائم الحرب الصهيونية ويكشف المشاركين فيها بكل أصنافهم وإسهامهم والمتخادمين معهم في المنطقة، وهو ما لم يكن متوقعاً قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويثبت أن العدوان الصهيوغربي على الشعب الفلسطيني، الذي يأخذ من قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ذريعة وهدفاً رئيسياً للإمعان في العدوان الوحشي وفي التركيز على التدمير الشامل والإبادة البشرية الجماعية وتخريب البنى التحتية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة والمخابز وأبراج السكن المدني، من دون أيّ مراعاة لقانون أو حقوق أو نظم أو قواعد حرب أو اشتباك أو أخلاق عامة.

دفعت هذه الجرائم الفاشية عدداً من النواب الأوروبيين في البرلمان الأوروبي أو برلمانات بلدانهم، مثل إيرلندا أو إيطاليا أو إسبانيا، إلى المطالبة بمحاكمة العدوان ومجرميه الإسرائيليين وداعميهم وكل من يساندهم، وإيقاف الحرب فوراً، ورفع الحصار المستمر والمتصاعد بوحشية، وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم، من طاقة وكهرباء وماء ودواء وغذاء وإعادة إعمار وبناء، دون انتظار أو تأخير، قبل اتساع المقاومة وخروج المنطقة كلها عن السيطرة.

جرائم الحرب الصهيوغربية تمادت أكثر من ادعاءات الإدارات المشاركة في تصعيدها وتجاوزت كل حدود أو قواعد أو قوانين، بشكل أكبر من سابقاتها، وهي موثّقة بالصوت والصورة، وأمام أنظار العالم كله، حكومات وقيادات سياسية، دولية وإقليمية، ومنظمات دولية، كأنها ارتدت نظارات سوداء عمّا يحصل ويجري من توحشٍ فاشيّ لا يمكن إنكاره أو تبريره أو التستّر عليه. حيث ستكون بالتأكيد وصمة عار وصفحة سوداء في التاريخ، للقيادات السياسية من أصحاب القرار وحكومات الدول التي تلطخت وجوهها بدماء أطفال ونساء وشيوخ غزة، والمنظمات المتناسية لبرامجها ومواثيقها وشعاراتها.

***

كاظم الموسوي

فى بدايات الحرب العالمية الثانية استطاعت الطائرات الألمانية الوصول إلى العاصمة البريطانية لندن وظلت تدكها على مدى57 يوماً كاملة، ووصل حجم الدمار حداً هائلاً.. ورغم ذلك لم تسقط بريطانيا فى يد دول المحور، بل وسرعان ما انقلبت هزائم بريطانيا إلى انتصارات فيما بعد..

الوضع فى فلسطين المحتلة يشير إلى هزائم متتالية لجيش الاحتلال ميدانياً رغم ما ترتكبه طائراته من مجازر وجرائم حرب، آخرها ما حدث من إلقاء قنابل فسوفورية على المدنيين بعد سقوط ما يقارب 10 آلاف شهيد نتيجة تلك الغارات التى لم تتوقف على مدار ثلاثة أسابيع كاملة..

الخبراء العسكريون فى أمريكا وغيرها يؤكدون أن ما تتعرض له إسرائيل لا يمثل إلا انهزامات متتالية على جميع المستويات العسكرية والإعلامية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية..لدرجة أن المستشارين الأمريكيين حذروا إسرائيل من مواصلة حربها على قطاع غزة ما دامت لا تملك القدرة على تحديد أهداف ملموسة من هذه الحرب وتحقيقها على الأرض..

والسؤال الذى يشغل بال الكثير من المراقبين هو : كيف حققت المقاومة الفلسطينية كل هذه الانتصارات المتتالية المدهشة بإمكانياتها الضعيفة ، والتى لا تمثل 1% من إمكانيات جيش الاحتلال؟ وما السر فى تلك الهزائم المتكررة للجيش الإسرائيلى؟!!

مفاجآت المقاومة

لعل أكبر وأهم عامل من عوامل النصر فى المواجهات التى نفذتها المقاومة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم هو عنصر المفاجأة الخاطفة.. وقد نفذته المقاومة باقتدار وكررت تنفيذه بفاعلية..

لم يتخيل المستوطنون اليهود فى غلاف غزة ما حدث من اقتحام للسياج وتوغل الفلسطينيين عدة كيلومترات، ثم جمع هذا العدد الكبير من الأسرى من أجل تحقيق نقاط فوز تصلح للتفاوض فيما بعد.. تلك المفاجأة التى أربكت حسابات جيش الاحتلال ودفعت نتنياهو لاقتراف أكبر أخطائه حين أمر بتنفيذ بروتوكول هانيبال وقتل الأسرى مع خاطفيهم..وهو ما أهاج الرأى العام عليه، وازداد هذا الهياج يوماً بعد يوم خاصةً عندما تم الافراج عن بعض الأسيرات اللاتى فضحن ما فعلته القوات الإسرائيلية من قتل عشوائى سقط على إثره عدد من الأسرى الإسرائيليين قتلى!

ولم تمر بضعة أيام حتى قام عدد من الضفادع البشرية أقل من عدد أصابع اليد الواحدة بالوصول إلى منطقة زيكيم، ليهاجموا القاعدة الإسرائيلية الرابضة هناك، ويحققوا انتصارات نوعية..تلك مفاجأة أخرى.. ثم المفاجأة الثالثة الكبري والتى جاءت على إثر محاولات الاقتحام البري المتتالية على قطاع غزة فإذا بالمقاومة تنفذ عملية إنزال خلف الخطوط عند معبر إيرز الحدودى..ويتم تدمير عدد من الآليات والدبابات وتقع قوات الاحتلال فريسة للخوف والهلع والارتباك!

مثل تلك المفاجآت المتتالية ساهمت بشكل كبير فى إضعاف الروح المعنوية لدى الجنود والقادة، وإرباك حسابات جيش الاحتلال، حتى وصل الأمر إلى يقين لدى كثير منهم أنهم إنما يواجهون أشباحاً وظلالاً لا يمكن التنبؤ بتحركاتهم القادمة!

الأسلحة المبتكرة

جميع وسائل الإعلام راقبت عمليات الإنزال الأولى التى تمت عن طريق طائرات شراعية محلية الصنع، ذات لمسة إبداعية، استطاعت اختراق رادارات ورواصد ودفاعات الجيش الإسرائيلي فى أول يوم من عملية طوفان الأقصى..وهو ما أشار إلى التقدم النوعى الذى حققته المقاومة فى المعدات والأسلحة..

استفادت المقاومة من أسلوب حرب الشوارع الذى سبق لأوكرانيا استخدامه ضد القوات الروسية، وكانت الدراجات الهوائية إحدى أهم تلك الأساليب الفعالة التى استطاعت سباق الدبابات بطيئة الحركة نوعياً.. وقد حدث اقتحام المستوطنات فى بداية عملية طوفان الأقصى بالدراجات، وأمكن اصطياد عدد كبير من الأسرى،كارت القوة الأول لدى المقاومة، بهذه الطريقة التى تبدو بدائية وإن كانت فعالة!

ثم جاء الدور على حرب القذائف والصواريخ، لنسمع أسماء جديدة لصواريخ ومقذوفات تستخدمها المقاومة للمرة الأولى بهذه الكثافة..فمن صواريخ قسام إلى صواريخ سجيل وحتى صواريخ عياش ، وكلها أثبتت فاعلية كبيرة فى ميادين القتال، واستطاع بعضها الوصول إلى تل أبيب وعسقلان وبئر سبع إلى درجة سقوط صاروخ منها حول مفاعل ديمونة النووى..

الغريب أن عدد الصواريخ المستخدم كبير جداً لدرجة أنه استنفذ قدرات القبة الصاروخية فى ملاحقته، بما تسبب فى تدمير منشآت عدة فى أماكن سقوطها! وبعض التقارير الغربية تؤكد أن المقاومة الفلسطينية تمتلك ترسانة صاروخية تقدر بنحو 30 ألف صاروخ وربما أكثر!

لم تتوقف قدرات المقاومة الفلسطينية الابتكارية عند هذا الحد، بل إنها اقتحمت مجال حرب المسيرات والطائرات الموجهة بالريموت كونترول، إما لأغراض استطلاعية أو قتالية ..وقد شهد عام 2014 باكورة إنتاج المقاومة لمثل هذه الطائرات عندما أطلقت طائرة "أبابيل1"..ثم جاءت بعدها عدة أنواع أخرى جديدة أهمها طائرة شهاب التى دخلت الخدمة عام 2021..ثم طائرة الزوارى الاستطلاعية والتى أثبتت فاعلية كبيرة خلال عمليات طوفان الأقصى..  التقارير الغربية تشير إلى عدد كبير من الأسلحة والمعدات والذخائر والصواريخ تمتلكها المقاومة الفلسطينية وأكثرها مخبأ فى شبكة أنفاق تمتد لعشرات الأميال!!

أنفاق الهلاك

بعد الضربة الموجعة التى تلقتها إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، جاء القرار باعتزامها اقتحام غزة للقضاء على المقاومة وتدمير الأنفاق..ثم إنها الآن تقف حائرة مترددة لا تعرف كيف تقتحم غزة ولا كيف يمكنها تدمير شبكة الأنفاق الجهنمية!

على مدار 10 سنوات استطاعت المقاومة الفلسطينية فى غزة حفر شبكة ضخمة من الأنفاق تمتد بطول وعرض القطاع بأكمله يقدر عددها اليوم بنحو 1300 نفق تمتد بأطوال تصل لنحو 500 كيلومتر..بينما لم تستطع الدبابات الإسرائيلية اختراق شارع صلاح الدين الخالى فوق الأرض بطول لا يزيد عن خمسة كيلومترات بعرض القطاع!!

يقول الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى بالحكومة الإسرائيلية أن تقديراتهم لطول الأنفاق الغزاوية يصل بها إلى آلاف الكيلومترات.. ويقال أنها ثانى أطول شبكة أنفاق عالمياً بعد شبكة أنفاق كوريا الشمالية! لهذا ترى إسرائيل صعوبة فى إيجاد طريقة لاقتحام مثل تلك الشبكة الضخمة فضلاً عن تدميرها!

بعض الخبثاء من البنتاجون يحاولون الإيحاء لإسرائيل من طرف خفى بضرورة استخدام غاز الأعصاب المحرم دولياً من أجل القضاء على سكان الأنفاق من قوات المقاومة التى يقدر تعدادها بين 30 و40 ألف مقاتل وربما أكثر..وهناك محاولات لرسم خرائط لتلك الشبكة العنكبوتية من الأنفاق بأجهزة رصد حديثة تستخدم فى الأصل لكشف وسبر الهزات الزلزالية..

هناك حياة كاملة تحت الأرض فى غزة، لدرجة أن الغزاويين يقولون إن تحت الأرض "غزتين" ، وأن بعض الأنفاق تصل فى أعماقها السفلية حتى 70 متراً..فكيف ومتى تم بناءها فى غفلة من إسرائيل؟!

جيش بلا عقيدة قتالية

لعل غياب العقيدة القتالية أو ضعفها فى نفوس الإسرائيليين يمثل أكبر العوامل لهزيمتهم على الأرض، ولهذا بدا أن معنوياتهم وحالتهم النفسية فى الحضيض، وهو ما أدى لانقسامات داخل الجيش نفسه على مستوى القيادة نزولاً إلى المستويات الدنيا من جيش الاحتلال..

التهرب من التجنيد الآن هو السمة الأساسية الغالبة فى تصرفات أولئك الذين يتم استدعاؤهم من الاحتياط..وكثير من الإسرائيليين يبادرون بمغادرة إسرائيل إلى دول أخرى فراراً من الاستدعاء..وهذا هو الفارق الجوهرى بين جيش هارب منقسم على ذاته، وبين مقاتلين باعوا أنفسهم من أجل قضيتهم الكبري للانتصار لضحاياهم وشهدائهم، واستعادة أراضيهم المسلوبة.

***

د. عبد السلام فاروق

العنوان في أعلاه ليس لنا بل لـ "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر في (34) صفحة  بعنوان: (تنويم القانون: العنف ضد المحتجين وإفلات الجناة من المساءلة في العراق) إن الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لم تفِ بوعودها بالمساءلة القانونية لموظفي أجهزة الأمن التابعة للدولة وعناصر الجماعات المسلحة التي تدعمها الدولة المسؤولة عن قتل وتشويه وإخفاء مئات المتظاهرين والنشطاء منذ 2019. وان الكاظمي الذي تولى السلطة في مايو/أيار 2020 وعد بالعدالة في جرائم القتل والإخفاء، لكنه عندما ترك منصبه لم تكن حكومته قد أحرزت أي تقدم ملموس في محاسبة المسؤولين، مع انه أنشأ  بعد ستة أشهر من توليه منصبه، "لجنة لتقصي الحقائق" للتحقيق في العنف الذي ارتكبته قوات أمن الدولة والجماعات المسلحة ضد المتظاهرين والنشطاء. لكن اللجنة لم تنشر أي معلومات جوهرية حول النتائج التي توصلت إليها، ولم تكشف حتى عن القضايا التي حققت بها، ناهيك عن نتائج التحقيقات التي أجرتها.

وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بعد عامين ونصف من تولي الكاظمي السلطة، تبيّن أن وعوده بالعدالة في قضايا العنف الشرس ضد المتظاهرين السلميين فارغة، والقتلة يسرحون بحرية. وأضاف أنه تم قُتل حوالي 500 متظاهر في الأسابيع القليلة الأولى فقط من انتفاضة اكتوبر / تشرين 2019  على يد قوات الأمن العراقية والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة.

ولقد حققت هيومن رايتس ووتش في 11 حالة لعراقيين تعرّضوا للعنف بسبب الاحتجاج والنشاط السياسي، وحصل انه تم قُتل خمسة منهم، بينهم امرأتان، وأصيب خمسة آخرون واختُطف أحدهم وما يزال مفقودا. وافادت بأن اسر القتلى (الشهداء) والمخفيين رفعوا قضايا قانونية لدى الشرطة والسلطات القضائية، لكن بعد إبداء السلطات اهتماما أوليا، مثل جمع تفاصيل هذه القضايا، لم تستأنف الشكاوى القانونية ولم تتابع السلطات عمليا تحقيقاتها أو محاولات تحديد هوية المسؤولين ومحاسبتهم. وتابعت بأن بعض الأشخاص الذين قابلناهم،قالوا إن قضاياهم "نُوِّمت" ببساطة.

وتوثق هيومن رايتس ووتش حكاية المواطن امجد الدهامات (56 عاما) وتصفه بأنه كان ناشطا بارزا في مدينة  العمارة ،وانه بعد اسابيع من تظاهرات  نوفمبر/تشرين الثاني 2019،  اغتيل الدهامات بعد مغادرته اجتماعا مع قائد كبير في الشرطة في مركز الشرطة الرئيسي في العمارة على بعد بضع مئات الأمتار فقط من مقر الشرطة!. وتضيف بأن شقيقه علي (52 عاما) رفع  دعوى قضائية إلى السلطات  بغية تحقيق العدالة لشقيقه دون نتيجة تذكر،بل أنه تلقى  تهديدات بالقتل وأجبِر على الفرار من العمارة، وتنقّل من مدينة إلى أخرى خوفا من أن يُقتل هو أيضا!.

التعويضات

وفقا للأمم المتحدة فان الحكومة العراقية (الكاظمي) وعدت بتعويض آلاف المتظاهرين الذين شُوّهوا أو أصيبوا خلال الاحتجاجات. لكن عددا قليلا فقط منهم حصل على تعويضات عن إصاباتهم، وتم ذلك بعد فترات انتظار طويلة – في بعض الحالات تصل إلى عامين ونصف – وبتكلفة مالية كبيرة دفعتها اسر الضحايا  للمحامين.

ودعت (منظمة حقوق الأنسان) حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الى  نشر معلومات بشأن تحقيقات لجنة تقصي الحقائق في عمليات قتل المتظاهرين، وإصابتهم، وإخفائهم أثناء الانتفاضة وبعدها، وحث السلطات القضائية على الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بوضع التحقيقات وسير القضايا،وأضافت بأنه (ينبغي لحكومة السوداني مضاعفة الجهود لتعويض ضحايا العنف، بإجراءات تشمل وضع سياسة تعويض للمصابين تكون واضحة وموجزة، وتحديد خطوات مباشرة تقلل العقبات البيروقراطية التي تعيق الحصول على التعويضات). وقال كوغل: "أسقطت انتفاضة 2019-2020 الحكومة ودفعت إلى إجراء انتخابات مبكرة، وطالب المتظاهرون بمحاسبة مرتكبي أعمال العنف التي تعرضوا لها،يمكن لرئيس الوزراء، وينبغي على السيد السوداني، العمل لتحقيق العدالة التي لم يحققها سلفه".

استنتاج:

في ضوء هذه الحقائق التي وثقتها جهات دولية وليست عراقية، نستنتج الآتي:

ان حكومتي السيدين مصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني لم تقوما بواجبهما بالمساءلة القانونية لمرتكبي قتل اكثر من سئمئة مواطنا عراقيا وجرح اكثر من عشرين الفا بينهم الآف اصيبوا باعاقات دائمية من المشاركين بتظاهرات تشرين/ اكتوبر 2019. وان من لجأ الى مؤسسات السلطة ( الشرطة والقضاء) من اسر الشهداء للمطالبة بتحقيق العدالة بحق قتلتهم..تعرضوا للتهديد وبينهم من قتل.

ولأن السيد الكاظمي والسيد السوداني جاءا بموافقة احزاب وكتل سياسية شيعية ، وانهما بحكم تكليفهما من قبلها لا يمتلكان ارادة حرة..فان تلك الجهات هي المسؤولة عن عدم الكشف عن الجناة ..وسيبقى قتلة شهداء الانتفاضة الأكبر والأطول زمنا  والأفجع في تاريخ العراق، طلقاء ما دام المحاصصون والطائفيون يمتلكون السلطة والقوة والمال..ونبقى نعلل النفس بأن التاريخ يحدثنا أن الطغاة والمستبدين والفاسدين..زائلون ، ملعونون..وأن الشهداء من اجل الحرية والكرامة والعدالة ..خالدون مبجلون.

***

ا. د. قاسم حسين صالح

مر عام على تشكيل الحكومة التي اتفقت عليها اطراف الاطار التنسيقي بالتحالف مع الكرد والسنة بعد وصول نواب الشيعة الخاسرين للبرلمان عقب الخطوة الغير مدروسة للتيار الصدري التي ادت من الناحية العملية "تشكيل حكومة المالكي الثالثة" والموالية لايران وبمباركة الامريكان وبمراجعة سريعة لما حققته هذه الوزارة على ضوء برنامجها المقر من البرلمان في تشرين الاول 2022 نجد ان الحكومة فشلت بامتياز في تحقيق معظم مواده خاصة وانها ادعت انها ستكون حكومة خدمات 

ان الفساد الذي زاد انتشارا من الموصل الى البصرة اصبح يهدد بتفكيك الدولة الهشة العاجزة عن التصدي له وقد اعطت الحكومة اسوأ مثال عند اطلاق سراح "صاحب سرقة القرن" مع مسرحية مضحكة قام بها رئيس الوزراء في التلفزيون بتكديس بضعة ملايين من الدنانير على جانبيه وهي قد لا تتجاوز 1% من المليارات التي سرقها نور زهير ولازلنا بانتظىر استرجاع تلك الاموال المنهوبة كما وعدوا ! ان غياب الشفافية والمحاسبة وعدم فضح الفاسدين والسراق في محكمات علنية وكذلك عدم تطبيق مبدأ من اين لك هذا سوف يبقي الوضع الحالي دون تغيير الى اليوم الذي بتخلص الشعب من هذا الحكم الفاشل مرة والى الابد .

يتعهد برنامج الحكومة بالعمل السريع على توفير الخدمات التي تمس حياة المواطن ولكن واقع الحال يشير الى فشل تام في توفير الكهرباء الذي يعتبر الشريان الرئيسي لكافة مجالات الحياة ويضاف الى ذلك الفشل التام في القطاع الصحي الذي تتدهور خدماته بشكل متواصل اما قطاع التعليم فحدث بلا حرج حيث تم تسليم وزارة العليم العالي لشخص يحمل شهادة مزورة من ضمن الاف الشهادات المزور التي تم شراؤها من الجامعة الاسلامية اللبنانية .

المعروف ان المرافق الحكومية تعاني من تضخم هائل بالموظفين واضافت الحكومة الى هذه البطالة المقنعة حوالي مليون درجة وظيفية اخرى بسبب الوفرة المالية من ايرادات النفط بدلا من الاهتمام بانشاء مشاريع منتجة تستوعب الملايين من العاطلين ويمكن اعتبار ذلك احدى وسائل شراء اصوات الناخبين دون تقديم حلول ناجحة بعيدة المدى كما نلاحظ تزايد الجريمة المنظمة بسبب زيادة الفقر وخاصة عصابات المخدرات والمتاجرة بالبشر والدكات العشائرية .

هناك مشكلة اخرى يعاني منها الفرد العراقي يوميا وهو الفرق في سعر الدولار والذي يؤثر مباشرة على اسعار كافة السلع والتي هي في غلاء مستمر في حين تزداد نسبة الفقر وتستمر الحكومة بالتعهد بزيادة الفرص الاستثمارية في ظروف انتشار الرشوة والمحسوبية وغياب الضوابط القانونية اذ تقوم الفئات المتنفذة والمسيطرة على الحكم باستخدام "الاستثمار" كوسيلة لنهب اموال البلد دون ان نشاهد على ارض الواقع اية مشاريع حقيقية اى ان مانراه حاليا هو مواصلة لنفس الاساليب الفاشلة لجميع الحكومات السابقة  واصبح صندوق الاعمار مجالا اخر للسرقات المتواصلة.

ان برنامج الحكومة ملئ بالوعود التي لم يتحقق معظمها حيث لم نجد اية حماية للمنتج او المستهلك وبقيت ابواب الاستيراد مشرعة دون حسيب او رقيب ولم نلاحظ اية اعادة تأهيل او تشغيل للمشاريع المتوقفة وتستمر عمليات تهريب النفط لصالح قيادات الكتل المحكمة برقاب الشعب خلال العشرين عاما الماضية اما تنفيذ مشاريع ايقاف حرق الغاز المصاحب واقامة مشاريع بتروكيمياوية او مصافي تكفي لسد حاجة العراق من المشتقات النفطية فما زالت جميعها مجرد حبر على ورق ، كما انه ليس من الواضح متى وكيف سينتهي العمل بميناء الفاو خاصة وان منح الربط السككي لايران وقد يكون للكويت لاحقا هي خطوات لواد ميناء الفاو قبل ان ينجز بناؤه بالنظر للرشاوى المستلمة من الكويت من قبل مسؤولين عديدين كالزيباري والعامري وحتى رؤوساء وزراء سابقين .

لقد تعهدت الحكومة بتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة اشهر واجراء انتخابات مبكرة خلال عام وها قد انتهى العام منذ تشكيل الحكومة ويجرى الحديث الان حول استمرار هذه الحكومة لاربعة سنوات اما تعديل قانون الانتخابات فقد تم بالرجوع خطوات الى الوراء لاعادة قانون سانت ليغو سئ الصيت ولايبدو ان هذة القوى المتسلطة تتعلم اي درس من اخطائها ويتوهمون بانهم قضوا على انتفاضة اكتوبر 2019  في انها باقية في قلوب وافئدة الشباب العراقي الباسل وهي نار متقد تحت الرماد وستكون الهبة القادمة لها مظفرة بالنصر المؤزر لامحالة .

ان تطور الاحداث العربية منذ السابع من اكتوبر الحالي وحرب الابادة البشعة والمجازر التي ترتكبها الدولة الصهيونية في غزة وسياسة العقاب الجماعي الاجرامي التي تقوم بها سوية مع امريكا وبشكل يخالف كافة قوانين الحرب واتفاقية جنيف وترتكب جرائم حرب عبر حرمان شعب غزة من الطعام والماء والوقود والكهرباء قد وضع حكومة السوداني باعتبارها حكومة مدعومة من المليشيات المسلحة التي كانت ترفع سابقا شعار المقاومة في موقف حرج امام الجانب الامريكي الذي تحاول الحكومة العراقية استرضائه في وقت نجدها مرتبطة عضويا مع الجارة الشرقية .

ان مفوضية الانتخابات الحالية مشكلة على نفس اسس الطائفية والمحاصصة الكريهة والمتوقع ان تقوم بالاشراف على انتخابات المجالس المحلية نهاية العام الحالي تلك المجالس الغائبة منذ عشر سنوات دون ان يفتقدها احد لانها لم تكن الا وسيلة اخرى للفساد ونهب الاموال التي تخصص للمحافظات ولا ننسى ان احدى مطالب الانتفاضة كان الغاء مجالس المحافظات ولايبدو وجود اية ضمانات بان الانتخابات التي ستجري ستكون نزيهة كما ان المليشيات المسلحة لمعظم الكتل الحاكمة حاليا ستستخدم في ترويع وتهديد الناخبين كما ان الجمهور العراقي ليس لديه اية ثقة بهذه الطبقة النفعية الفاسدة وان الاشتراك في الانتخابات قد يفسر بانه نوع من التزكية للحكم الفاسد القائم منذ عشرين عاما والذي طالبت انتفاضة اكتوبر بانهائه ورميه في مزبلة التاريخ ولاننسى بان الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة لم يتجاوزا العشرين بالمائة من الناخبين فليس متوقعا ان تكون المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات اكثر من تللك النسبة وان من المؤسف ان تقرر قسم من القوى المدنية المشاركة في هذه الانتخابات دون وجود اية ضمانات حقيقية لنزاهتها او عدم تعرضها للتزوير .

واخيرا فان مهمة فضع الحكم المحاصصاتي الحالي وكشف فساده وفشله هي مهمة القوى المدنية والديمقراطية وفي مقدمتها شباب الانتفاضة الذين قدموا الدماء والتضحيات دون ان يتم لحد الان محاسبة القتلة الذين اوغلوا في سفك دمائهم وعادوا مجددا للحكم في تشكيلة السوداني الحالية .

***

د. محمد الموسوي

30-10-2023

- ماذا يفيد اسرائيل بقاؤها في فلسطين سوى الحرب والاقتتال ؟

- ماذا يفيد أمريكا دعم وجود اليهود في فلسطين وسط الدول العربية سوى استنزاف قدراتها وتغذية مشاعر الكره نحوها؟

مرت عشرات السنين وما زال الصراع العربي ـ الإسرائيلي يستهلك مقدرات الشعوب وإمكانيات الدول العربية وغير العربية، الإسلامية وغير الإسلامية فيما لا يضمن لها الأمن والسلام،ولا يوفر لها أجواء التنمية في ظروف الاستقرار، ولا يحقق لها أهدافها منه، عشرات السنين كلها عداء ومقت وكراهية، حروب متتالية وخراب واسع ودماء البشر من الجانبين تسيل ومعها تذرف عيون الأمهات الدموع أنهار.

عندما تقابل السماحة بالمزيد من العجرفة والغرور عندها لابد من إعادة السؤال الحائر، لماذا يبقى اليهود متمسكين بأرض فلسطين وسط الدول العربية طالما أنهم كارهون لهم؟ هي اسئلة قديمة متجددة يعاد طرحها بصوت عالي ليسمع القاصي والداني مرات ومرات أن الوجود الإسرائيلي مرفوض شكلا وموضوعا لأنه غير شرعي ولا قانوني وليس إنسانيا، فبقاء الوجود الإسرائيلي في فلسطين ظلم تاريخي كبير واقع في أرض كرمها الله تعالى بالأنبياء، ولا يمكن الادعاء بأنها كانت أو يمكن أن تكون لأحد دون أهلها الفلسطينيون.

الولايات المتحدة الأمريكية تدعم أطماع اليهود في احتلال الأراضي الفلسطينية وتعزز وجودهم فيها عسكريا وماليا اقتصاديا بشكل مستمر بأموال ممن جرى تضليلهم من الأمريكيين،إنهم يستنزفون أموال دافعي الضرائب في صراع بعيد عنهم ولا يهدد مصالحهم ولا يجنون منه شيئا، امريكا تخسر من كانوا ينظرون إليهم يوما بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها كقوة دولية راعية سلام والديمقراطية في العالم، أمريكا تدرك جيدا أن سطوتها مستمدة من قوتها العسكرية ونفوذها المالي وليست نابعة من قيمها ومبادئها التي تسمو بها الأمم، فليس لأبناء رعاة البقر إلا العودة لرعي الأغنام والجاموس، ليس لهم ولا لليهود أن يقودوا الحضارة الإنسانية بالقهر والعدوان والبلطجة في أوطان العرب، يقتلون أبناء أرض الإسلام والديانات السماوية .

إن شاءت قساوة الأقدار أن يجري منح شتات قوم بائسين وطن لهم فليكن المانح أهلا لذلك وجديرا بأن يضرب به المثل الأعلى في الجود والكرم، وليكن من يضمن هذه المنحة طرفا موثوقا به فيأوي هؤلاء التعساء في أرض تقع تحت سيادته لا في أرض لا يملكها، والمنطق يقول أنه كان على انجلترا أن تأوي اليهود عندها في إحدى جزر بريطانياالعظمى، وفي الوقت الحاضر يمكن أن تأوي أمريكا وهي الدولة الداعمة الكبرى لإسرائيل يهود العالم في مناطق آمنة، غنية بالثروات، ذات إطلالة ساحرة على المحيط، غنية بالأسماك والثروات البحرية بدلا من السواحل الملوثة للبحر الأبيض المتوسط أفقر بحار العالم من الأسماك

قد تكون هناك مناطق عديد في الولايات المتحدة الأمريكية مناسبة جدا وكافية لاستقبال وإيواء اليهود النازحين من كل بقاع العالم لإقامة وطن قومي لهم فيها يتمتعون بخيراته وثرواته الطبيعية وقد يكتشفون فيها وجود الغاز والبترول بكميات تجارية تغريهم على التمسك باحتلال الأراضي الأمريكية، حينها يمكنهم فعلا أن يدّعوا أمام أبنائهم أنها بحق " أرض الميعاد " ولا يهم أن تتأكد كذبتهم بوجود هيكل سليمان، فهو رمز معنوي يمكن بناؤه في امريكا بتقنيات متطورة. سيعيشون بأرض الأحلام الأمريكية وسط قوم يحبونهم حياة رغد وأمان وسيكون من بينهم رواد فضاء وعلماء كثيرون .. كل المطلوب منهم التفكير مليا في هذا المقترح البديل لعله يحمل بشائر الخير لأبنائهم بعيدا عن العرب والمسلمين.

***

صبحة بغورة

بعد حرب 76 والعبور وكذلك تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي وحرب المناورات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والتي تستهدف مطاري دمشق الدولي، ومطار حلب. و لم تدخر القوات الإسرائيلية جهدا في شن حربها ضد السكان الامنين في غزة والضفة الغربية، مستهدفة المدن، في الخليل وجنين وغيرها من قرى الضفة ومدنها مستهدفة السيطرة على اراضي الفلسطنين، وتهديم المنازل واعتقال الشباب، واخذهم أسرى وزجهم في السجون والمعتقلات، وإستخدام الرصاص الحي وكذلك القنابل المسيلة للدموع بحق المتظاهرين السلمين، كل وسائل القمع تستخدم أمام شعب أعزل ليس لديه ما يدافع عن نفسه سوى الحجارة، واستهداف الإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي، من أجل ان لا يفضح جرائمهم وأساليب قمعهم، وآخر جريمة ارتكبها الاحتلال هي قتل الاعلامية الفلسطنية الأصل والتي تحمل الجنسية الامريكية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة القطرية بعملية قنص قام بها احد جنود ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي، أضافة للحصار الجائر على مدينة غزة، حيث قلة الادوية في المستشفيات وعدم وجود الأجهزة الطبية العلاجية والتشخصية للأمراض، وحتى محاربة الشعب في لقمة عيشه كما يحدث للصيادين في سواحل غزة وقضية العبور للعلاج كما يحدث في معبر رفح ومعبر كرم سالم، أضافة لاحتلال إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية.

كل هذه التجاوزات والأعمال الا أنسانية كما جرى للأسرى عندما يضربوا عن الطعام من أجل إطلاق سراحهم وتقديمهم للمحكمة والسماح لمحاميهم وعوائلهم بزيارتهم، والعمل من أجل تطبيق معاهدات جنيف حول الأسرى، وقد توفي عدد منهم.

كل هذا وماعلنه الأرعن رئيس الولايات المتحدة الامريكية السابق ترامب بما يسمى بصفقة القرن حول القضية الفلسطينية الاوهي اعتبار القدس العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، ومد الجسور مع دول الخليج من أجل الاعتراف بدولة الصهاينة كما تم في أقامة علاقات دبلوماسية بين البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.

طفح الكيل وتململت قوى المقاومة الفلسطنية في غزة وهيئة أجواء التدريب لقواها المسلحة، من أجل عملية لم يحدث لها مثيل منذ احتلال دولة الكيان الصهيوني وتنفيذ وعد بلفور البريطاني واعتراف مجلس الأمن بقرار التقسيم، عملية رسمت فيها بصمات تكتيك حرب العصابات، وحدثت الزلزال في السابع من أكتوبر في عملية (طوفان الاقصى) في كسر الحواجز التي بنتها دولة الكيان بين قطاع غزة هاشم و مستوطناتهم في الداخل، وكذلك إستخدام الطيران الشراعي لعبور الحدود، لكي لا تكشف من قبل رادارتهم المتطورة حديثا والمنتشرة في الداخل، فوجئت القوى الاستخبارتية والامنية لجيشهم وأصابهم الذهول بهذا الحدث، وهناك في اوساط المعلقين العسكرين، ممن يتحدث عن أهمية التكتيك المباغت، للجيش الكيان وقوات الأمن واستخباراته، يجب أن تدرس هذه العملية في العلوم العسكرية، كونها عملية تدخل ضمن تكتيكات حرب العصابات المباغتة للعدو، وكنتيجة هذه العملية قتل عدد من قواتهم واخذ عدد من الرهان العسكرين بلغت أكثر من 225 عسكريا وتم اطلاق عدد من الرهائن المدنيين، وفي مدن فلسطين المحتلة خرجت تظاهرات عارمة في الضفة الغربية كما في الخليل و جنين ورام الله ومدن أخرى تساند المقاومة وتطالب العرب والمسلمين وشعوب العالم في دعمها وحفزت شعوب في التظاهر لنصرة فلسطين ومقاومتها في حقها المشروع في عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه وإقامة دولتهم الفلسطنية وعاصمتها القدس، ليعشوا فيها العرب من مسلمين ومسحيين ويهود من سكان البلد الأصليين قبل وعد بلفور البريطاني المشؤوم، بإقامة دولة يهودية في فلسطين ومن ثم قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 1948 في تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطين. هذه التظاهرات الكبيرة خرجت في كل من بريطانية في العاصمة لندن ومدن كبيرة أخرى مثل مانشستر وكارديف، وكذلك في الولايات الامريكية في واشنطن ونيويورك وفي مدن أوربية، كلها تطالب الغرب بوقف تسليح دولة الكيان الصهيوني في اسلحة مدمرة، وما تواجد اسطول امريكا قرب سواحل المتوسط بحاملة الطائرات، مشاركة مؤكدة بمشاركة امريكا الفعلية بعدونها على شعب فلسطين، ومن خلال زيارة وزير خارجيتها أنطوني بلينكن الذي أعلن بوقاحة عن أنه جاء كيهودي لدعمهم ومساندتهم، نسي أنه وزير خارجية امريكا هي دولة تضم المسيحيين والمسلمين والبوذين ويهود، ومن أديان أخرى..

و تستمر دولة الاستيطان في قصف غزة بصواريخ ومستخدمة قنابل فسفوري محرمة دوليا لقتا السكان وتهديم البنايات سكنية على ساكنيها من الأطفال والشيوخ والنساء وتقتل الف من الأطفال والنساء والشيوخ والالف من الجرحى و أهل غزة يعيشون في العراء لا ماء لا كهرباء لا طعام ولا دواء وتلاحقهم طائرات الفانتوم الامريكية لتجهض على ما تبقى منهم، كلها من أجل التمهيد لغزو القطاع وتشريد اهله، لاكنهم وبفضل مقاومتهم الوطنية الشجاعة صامدون لا يكرروا ماجرى في عام 1948 من عملية الخداع في النزوح إلى بلدان مجاورة. والمقاومة صامدة ومتخندقة للدفاع عن غزة اليوم وغدا، وتكبد العدو خسائر جسيمة في الارواح والمعدات المتطورة من الدبابات والدروع،و هو يتقهقر أمام ضرباتها.

النصر للمقاومة الفلسطنية والمجد لشهداء غزة وكل فلسطين والشفاء العاجل للجرحى.

و الهزيمة للاستيطان الصهيوني وليعود الصهاينة إلى بلدانهم، جائوا منها،

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

ويطوي الزمان صفحاته الواحدة تلو الأخرى، وتمر الأحداث سريعا بحلوها ومرها، ولكنها في كل الأحوال ستبقى راسخة في الذاكرة الجماعية يسجلها التاريخ للبشرية بما لها من فضائل وما عليها من أثام، لذلك تتعظم الدهشة عندما تجري أحداث على نحو يشابه أخرى مضت منذ سنين طويلة احتفظ منها الضمير الجمعي بالعبر بنفس الظروف والأسباب تكون نفس النتائج.

* لعل ما يؤثر عميقا في النفس أن يضطر البشر إلى معايشة ظروف استثنائية صعبة كتلك الأحداث التي لا تطيقها الطبيعة الإنسانية،فالإنسان مجبول على الخير وعلى حب كل ما يحقق له الخير والأمن والسلام، ولكن في المقابل شهد تاريخ البشرية وما زال سلسلة لا نهاية لها من تصفيات جسدية تقوم بها أطراف في أبناء وطنها وفي خارجه سرا وعلانية، يكنون العداء لخصومهم السياسيين، والكتاب والمفكرين، ورجال العلم لإرهاب أنصار الضحية وإسكاتهم أو توجيه رسالة إلى آخرين مفادها أن يد الانتقام و" التأديب" طويلة، إنها ببساطة عمليات الاغتيال السياسي.

"لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، فإذا كنت رجلا فقم بتحقيق ذلك بنفسك، كن مسلما ومهذبا وأطع القانون واحترم الجميع، لا تجعل أي شيء يحول دونك ورؤية الحقيقة فالخطأ يبقى خطأ بغض النظر عمن صنعه أو فعله .."هذه بعض كلمات مالكوم أورليليتل إكس، أو الحاج مالك بعد إسلامه الذي اعتبر من أهم الشخصيات الأمريكية المسلمة والبارزة منتصف القرن الماضي، وكانت حياته القصيرة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة حول الدين والعنصرية، وتم اعتباره شخص محرض على العصيان والفوضى ونتج عن ذلك اغتياله يوم 21 فبراير 1965 من طرف أحد طلابه وقت إلقائه إحدى محاضراته الجامعية بعد إصابته بست عشرة رصاصة اخترقت جسده النحيل ليتدفق الدم بغزارة وتخرج الروح من سجن الجسد.

* تمر بالأمم والشعوب شخصيات تؤثر بالسلب أو الإيجاب في تاريخ كل أمة، والتاريخ حين يسجل مسيرة كل شخصية سياسية وعملها فإنه لا يرحم، فهو يضع كل شخصية في الميزان.. ميزان دقيق محكم يعطيها ما لها من حقوق ويحاسب ما عليها من مظالم .. هناك شخصيات هزت البشرية بإنجازاتها وأعمالها السياسية، وعندما نقلب في أعماق التاريخ نكتشف عظمة بعض من صنعوا تاريخ الأمم لكونها شخصيات تاريخية، وشخصيات أخري يوصفون بالديكتاتوريين ومجانين الحكم أوصلوا شعوبهم إلى حافة الهاوية والفناء .

يعتبر أشد المتشائمين كان من أدولف هتلر زعيم النازية في ألمانيا،و بنينو موسوليني زعيم الفاشية في إيطاليا أكبر الحكام الطغاة الذين أفسدوا الأرض روح السلام والأمان في العالم، ولكن بصمات الصهيونية كانت ثابتة تشهد عليهم تآمرهم على الشعوب والأنظمة.بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914 ــ 1918 رفض اثنان من مستشاري الحكم في ألمانيا التوقيع على معاهدة فرساي المذلة، فقام بتوقيعها أحد المستشارين اليهود راثنوميوانخ، قائد وزعيم الجبهة الشعبية المعارضة وبعد اغتياله عام 1923ظهرت حركات المقاومة السلبية للعمال بتحريك من أياد يهودية خفية أشعلت معها أزمة اقتصادية ألمانية حتى أخذ الشعب الألماني يدرك معها أن النظام الديمقراطي البرلماني فاشل ..

في عام 1916 كان اليهودي حاييم بن عزرا وايزمان يعمل استاذا للكيمياء العضوية في جامعة مانشستر بإنجلترا وتمكن بذكائه واجتهاده المعملي من اختراع طريقة لاستخراج سائل الأسيتون من دقيق الذرة، وهو السائل الذي يستخدم في اذابة النتروجليسرين لصناعة مادة الكوردايت المفرقعة التي لابد منها لحشو الرصاص والقنابل وطلقات المدافع وكان هذا الاختراع مواكبا للغليان العسكري بين الحلفاء ودول المحور مما رجح كفة دول الحلفاء، اعتبر وايزمان بطلا قوميا فقرروا مكافأته بأي شيء يطلبه، وجاء طلب الرجل مفاجئا فقد رفض يكون ملكا على جزيرة من الجزر التي تسيطر عليها بريطانيا آنذاك، ورفض القصور والهدايا، وان كل ما طلبه بتواضع شديد وأدب جم هو وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كانت ألمانيا قد نشرت في عام 1919 كتابا يفسر الخطة اليهودية للسيطرة على العالم بعنوان " بروتوكولات حكماء صهيون " وسارع تيودور هرتزل أول مؤسس للصهيونية وأول ماسوني يبني وطنا لليهود إلى نشر مذكراته وظهر كمن يلعب على الحبلين، تارة مع انجلترا وتارة مع ألمانيا، ومع علم اليهود لكره هتلر لهم بسبب تحريكهم للفوضى فقد سهلوا له خفية الطريق لتولي قيادة البلاد في 1933ومن ثمة استغلال كرهه لهم لإظهارهم في صورة المضطهدين المجبرين على الهجرة والفرار من قبضته إلى وطنهم المزعوم (فلسطين) وقامت الصهيونية بتسريع وتيرة الهجرة اليهودية نحو فلسطين التاريخية. في فلسطين تبلورت اليهودية بين الشخص اليهودي التوجه والشخص اليهودي المعتقد، فالأول غالبا شخص عادي أوقعته مغامراته ونزواته في براثن اليهود فسيطروا عليه، والقليل منهم يخدمون اليهوديةإما عن قناعة وإما عن كراهية ونكاية في العرب والمسلمين، أما الشخص اليهودي المعتقد فهو شيء مختلف تماما من حيث اعتناق الفكر التلمودي والإيمان بأرض الميعاد والوثوق بأن اليهود هم شعب الله المختار، وعلى كل حال الأهداف اليهودية ثابتة وإن اختلفت السبل، ويشرح حزب العمل التوجه الجديد للصهيونية لتحقيق الأهداف الصهيونية بصورة أكثر رسوخا وأقل تكلفة عن طريق النفوذ الاقتصادي، وأن الطريق إلى اسرائيل الكبرى يمر عبر الحروب والمجابهات العسكرية أما طريق إلى اسرائيل العظمى فيمر عبر الدبلوماسية والتلويح بالقوة ومن هنا ظهرت فكرة شرق أوسط جديد، وعلى ذلك فكلا من اليهودي التوجه واليهودي المعتقد جاهز لحرق العرب والقضاء على المسلمين، والفارق الوحيد بينهما هو أن الأول ذاتي الاشتعال، ولما كانت الديانة اليهودية لا تقبل دخول وافدين عليها لأنها خاصة بشعب الله المختار وباقي البشر عبيد فقد كانت المخططات اليهودية منذ الأزل ترمي إلى تحويل أكبر عدد ممكن من البشر إلى يهودي التوجه.

لقد أذاق زعيم النازية أدولف هتلر اليهود أفظع أساليب التعذيب والمهانة وانتهى أمرهم على يديه بالحرق داخل الأفران وهي عملية إبادة جماعية تعرف بالمحرقة " الهولوكوست" والأساليب الصهيونية حاليا بحق الشعب الفلسطيني نفسها التي مروا بها في ألمانيا، الهروب الاضطراري، واغتصاب الأراضي، الملاحقات الأمنية، والقتل والتشريد ثم التهجير تحت وقع المحرقة الاسرائيلية الكبرى، والهدف الأعظم هو تحقيق حلم اسرائيل الكبرى الذي يظهره العلم في شريطين يمثلان نهري الفرات و النيل وما بينهما نجمة داوود دلالة على مساحة الوطن الاسرائيلي المزعوم .

***

صبحة بغورة

قرأت مقالاً بعنوان (معرض فرانكفورت للكتاب وأكاذيب الثقافة)..كاتب المقال كان مديراً تنفيذياً لمعرض القاهرة للكتاب ثم تمت إقالته!!

المقال باختصار يتحدث عن معرض فرانكفورت الدولى للكتاب منتقداً استجابة مصر للمشاركة فى المعرض بسبب مقاطعة دول عربية أخرى له؛ على إثر موقف مدير المعرض المناهض للقضية الفلسطينية والمؤيد لإسرائيل..وطبيعى أن مصر تحمل على كاهلها هموم القضية الفلسطينية كدور تاريخى لا يحتمل المزايدة من أحد!

بالطبع لا يمكن لوم وزارة الثقافة على مثل هذا التصرف الدبلوماسي الراقى بالمشاركة فى معرض دولى مهم كمعرض فرانكفورت الذى يعود تاريخ نشأته إلى عام 1949 أى أنه سابق لمعرضنا بنحو عشرين عاماً؛ لمجرد أن أحد أعضاءه له رأى معروف مسبقاً يختلف عن رأينا، حتى لو أعلن هذا الرأى وجهر به قاصداً شراً..وإلا فإننا فى انتظار انسحاب أوروبى جماعى من معرض القاهرة الدولي للكتاب فى مطلع العام القادم ..إذ أن موقف أوروبا كلها كما نعلم مؤيد لإسرائيل لأسباب يعرفها أى مثقف أو مدعى ثقافة.

ثم إن ألمانيا بالذات وإن كانت تجهر بتأييدها لإسرائيل فإن موقفها الحقيقي من اليهود معروف، وهو عكس ما تعلنه. لكن ألمانيا لا تستطيع إعلان كراهيتها لليهود وإلا جوبهت بدعاوى محرقة الهولوكوست، ولفتحت على نفسها بوابة الجحيم من أبواق الإعلام الصهيونى وضغوط النظام الدولى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية قائدة حلف الناتو..إن موقف ألمانيا مفهوم ومعروف مسبقاً للكافة..ومن المعروف كذلك أن مدير المعرض سحب تأييده واعتذر عما قال..لكن كاتب المقال تجاهل هذا الأمر فى مقاله المغرض!

ولو أننا انتقدنا مشاركة مصر فى معرض فرانكفورت الدولى، لكان من باب أولى أن نرفض استقبال مستشار ألمانيا فى مصر منذ أيام مضت لنفس السبب..وإلا فموقفه من القضية الفلسطينية هو ذات الموقف لمثقفى ألمانيا، بل ولمثقفى أوروبا كلها! ومشاركة مصر فى المعرض ليست إلا مشاركة دبلوماسية طبيعية، فنحن لم نطرد السفير الألمانى اعتراضاً على موقف ألمانيا من إسرائيل ولن نفعل.

والحق أن صاحب المقال لم يكتبه غيرة على القضية الفلسطينية، ولا تعبيراً عن رأى عدد من المثقفين كما يزعم..وأقل ما يقال عن دوافعه لكتابة مقاله هذا إنها دوافع ليست فوق مستوى الشبهات، وأن كل ما قاله كان من باب دس السم فى العسل..وتعالوا أشرح لكم لماذا؟

الرجل بحكم عمله السابق يعلم أن إلغاء مشاركة مصر فى المعرض ستكبدها خسائر مالية يذكرها فى مقاله ويؤكد أنها لن تزيد عن نصف مليون جنيه، وأنها قيمة قليلة يمكن التغاضى عنها وبذلها عن طيب خاطر فى سبيل القضية.. فليكن.. لكن حتى لو سلمنا بأن خسارة هذا المبلغ، فى حالة صحته، تصب فى صالح دعمنا للقضية الفلسطينية وأنها ستمنع ، كما يزعم هو ، نزيف الدم الغالي فى غزة وستساهم فى وقف إطلاق النار..فليفسر لنا صاحبنا لماذا تستمر إسرائيل فى تجبرها وقصفها لغزة رغم مقاطعة دول عربية أخرى لهذا المعرض وغيره ؟ وأى مكسب نجنيه من استخدام سلاح المقاطعة إن كان يمكن أن نسميه سلاحاً؟! والسؤال الأهم هنا هو: ماذا فعل المثقفون المصريون داخل مصر لنصرة القضية الفلسطينية؟ تكلموا ، احتدوا، غضبوا، ثاروا ، قاطعوا إسرائيل وحلفائها؟

فلأحدثك عما فعله أمثال هذا الكاتب.. إنهم توجهوا لبعضهم البعض باللوم والعتاب والمخاصمة،وبدلاً من مجابهة إسرائيل وأعوانها ،وجهوا ألسنتهم وأقلامهم لمجابهة بعضهم البعض. ومثل هذا التصرف لا ينم إلا عن جبن ونذالة وخنوع.. ولا يشى أبداً بأية غيرة على قضايانا وأمتنا.

دعونا نفرض أن التصرف الذى اتخذته المؤسسات الثقافية والهيئات الرسمية المصرية كان تصرفاً دون المستوى كما زعم كاتب المقال..ألم يكن من الأفضل له ألا يتمادى فى الخصومة فيضع عنواناً مشيناً كهذا "أكاذيب الثقافة"؟! وماذا عن ترهات وشائعات وأباطيل ومزايدات يقوم بها مدعو الثقافة؟! وماذا لو أن الأمر تمت مناقشته فى أجواء عادية وبعيداً عن شماتة الشامتين فى مثقفين تفرغوا لخصام بعضهم البعض وشتم بعضهم بعضا، بدلاً من مواجهة عدونا المشترك القديم؟!

أقول إننا فى غنى الآن عن مثل هذه المقالات التى نواجه فيها بعضنا بعضاً.. ودعونا من أحاديث المرجفين وترهات محتكرى القومية العربية..إن مشاعر الوطنية والعروبة ليست حكراً على أحد. ولا يمكن التشكيك فى وطنية أحد أو مشاعر القومية والعروبة لأننا لم نؤمر بالتفتيش عن النوايا والقلوب..ولا يمكننا أن نستمع لكل غراب ناعق أو نافخ كير يريد أن يشعل النيران ويثير الشقاق لا بين الأعداء، وإنما بيننا نحن فى الداخل.. مثل هؤلاء ينبغى أن ننبذ دعاواهم المثيرة للشقاق والاختلاف.. وما أحوجنا اليوم للاتحاد والاجتماع على كلمة سواء..

وأخيراً أريد التأكيد على ضرورة الانتباه لمثل هؤلاء المرجفين..أولئك الذين لا هم لهم إلا النقد الهدام من أجل تأجيج الأوضاع وإشعال الفرقة والتأليب على الآخرين من أجل مصالح شخصية ضيقة..وأن نتمثل أمامنا الآية القرآنية الكريمة: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)..وأقول إن نصر فلسطين لا يأتى أبداً من باب الشقاق والتفرق، بل من باب الوحدة وجمع الصف.

***

د.عبد السلام فاروق

كما في العشوائيات السكنية التي انتشرت حول المدن الكبرى في العواصم والمدن والتي استولت على مساحات واسعة من الأراضي والممتلكات العامة في غياب سلطة القانون واضمحلال العدالة الاجتماعية وضعف الدولة، والتي ضمت أناس بسطاء من بيئات مختلفة غالبيتها ممن يصنفون تحت سقف خط الفقر او الحالمون بتملك تلك الأماكن بنظرية واقع الحال، او ممن تركوا بيئاتهم الاصلية ونزحوا أو هاجروا الى تلك العشوائيات السكنية والسلوكية أملا في تحقيق هدف مرتجى خارج سياق القانون وبفرض واقع الحال.

اردتُ بهذه المقدمة أن ادخل الى واقع آخر لا يختلف كثيرا عن تلك البيئات التي أنتجت هذه العشوائيات، حيث الأوضاع السياسية التي أنتجتها عمليات التغيير القيصرية في غالبية دول الشرق الأوسط الموبوءة أصلاً بضعف سلطة القانون وتخلخل العدالة الاجتماعية، من ارتفاع مستويات خط الفقر المدقع مع انخفاض مريع في الوعي والتعليم، يتم تدمير الناتج القومي واستهلاكه في بناء ترسانات أمنية وعسكرية وأسوار من هياكل الحماية للنظم السياسية ومفاصلها، هذه النظم التي تحولت وبالذات جمهوريات الانقلابات ودول الربيع العربي المخدرة بالديمقراطية المستوردة إلى عشوائيات سياسية واسعة، انتشرت فيها أنماط عديدة من النظريات الفكرية والسلوكية التي بلورت نمطاً من الديمقراطية الفوضوية والعشوائية الناتجة من طبيعة مجتمعاتها ذات الإرث المتكلس من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية التي تجمعت فيها هذه الفعاليات السياسية ومن مختلف الشرائح والطبقات والتوجهات، القبلية والقومية والدينية والمذهبية ومن كل الطبقات الاجتماعية.

هذه الديمقراطية التي تم إنزالها بمظلة خارجية فوق مجتمع تركزت في مفاصله موروثات اجتماعية قبلية ودينية تتقاطع تماما مع هذا الأسلوب في الحياة الاجتماعية والسياسية، وخير دليل على ذلك التجربة الديمقراطية الأخيرة في العراق منذ عقدين من الزمان، ناهيك عن تجربتي تركيا وإسرائيل اللتين فشلتا في الخروج من قوقعة القومية المفرطة والدينية المتزمتة، التي لم تنجح في خلق مجتمع مدني حديث يقوم على مبدأ المواطنة الجامعة، بل حصل العكس، حيث الافراط في العنصرية والتشدد الديني سواء في تركيا او إسرائيل، ومن ثم في العراق حيث انتجت التجربة كائنا سياسياً مشوهاً ووضعاً اجتماعياً قلقا اختلطت فيه تلك المصطلحات المستوردة مع المتكلسات الوراثية في بنائه الاجتماعي والديني المحافظ. إن مفهوم المعارضة في التجربة الجديدة سواء في كوردستان التي استقلت ذاتيا سنة 1991م والعراق عموما منذ 2003م هو الاخر انتج ضمن البيئة الاجتماعية وموروثاتها القبلية والدينية كائناً سياسياً هجيناً لا مثيل له حيث تشترك الأحزاب المتنافسة جميعها في السلطة، وتقوم في ذات الوقت بدور المعارضة وهي شريكة أساسية في الحكم ومخرجاته وامتيازاته، خاصة في ابتداع نظام المحاصصة الوظيفية والمناصبية، وعلى مختلف مستويات السلطة، حيث يمارس الجميع الحكم والاستئثار بعطايا وامتيازات الدولة المشرعنة من السلطة التشريعية بشكل مريع جدا، ناهيك عن ان كل هذه الأحزاب والمكونات عبارة عن دويلات لديها دكاكينها الاقتصادية وأذرعها العسكرية (الميليشيات).

ولا تختلف بقية الأنظمة التي انبثقت من الانقلابات أو من التغييرات الفوقية بمساعدة الدول العظمى عن التجربة العراقية في ممارساتها ومضمون تفكيرها ٳلا بالعناوين والأسماء، وقد أضاعت فرصة ذهبية لبلورة معارضة وطنية تحت ظلال المواطنة الجامعة، حيث تتكالب كل القوى على اقتطاع جزء من الدولة لتحويلها إلى دويلة وبقرة حلوب، حتى وصلت الأمور إلى درجة بيع وشراء المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية بما يمنع قيام أي شكل من أشكال الدولة الحديثة، بل على العكس أصبحت الدولة في هذه البيئة التي تهيمن عليها ثقافة القبيلة والطائفية والمناطقية عبارة عن غطاء أو إطار لهذا الشكل المشوه سواء في العراق أو في بقية هذه المنظومة من الدول التي تحتاج إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي وفي كثير من المفاهيم والنظم الاجتماعية أكثر من حاجتها إلى تداول السلطة بأدوات مشبوهة وصيغ لا تختلف في مخرجاتها عن طبيعة الأنظمة الدكتاتورية.

ما يتم ممارسته اليوم في هذه المجموعة من الدول التي اجتاحتها عواصف التغيير المدعوم خارجياً لا علاقة له بالديمقراطية التي عرفناها في الدول الغربية عموماً، رغم أنها ترتدي عباءة الديمقراطية وتستخدم بعض أدواتها في الظاهر وتبطن في داخلها نظاماً شمولياً متشدداً بأدوات دينية أو مذهبية أو عنصرية حتى أصبحت الديمقراطية في بلداننا كالعاهرة المحجبة.

***

كفاح محمود

تعامل الإعلام العراقي، في النَّشرات الإخباريّة والصّحافة، وكل ما تبثه وكالة الأنباء العِراقيّة (واع)، بميل إلى الاضطرابات، التي بدأت بإيران (1977)، ولكن بحذر، بل كانت الجريدة غير الرّسميّة "طريق الشّعب"، جريدة الحزب الشّيوعيّ العراقي، قبل إغلاقها (نيسان/ أبريل 1979) بانتهاء الجبهة الوطنيّة، بين الحزب الشيوعيّ والحزب الحاكم البعث، مندفعةً مع التّظاهرات بقوة، وكان مِن عادة السُّلطة أن تحجب وتمنع الأعداد التي فيها إساءة إلى دول تعتبرها صديقة لها، مثل المملكة العربيّة السّعوديّة والأردن والصّين، وقد حصل ذلك بالفعل.

 كذلك ليس هناك أيّ إجراء ضد آية الله روح الله الخمينيّ (عاش في النَّجف: 1965-1978)، غير تنفيذ طلب طهران بإبعاده من العراق، وقد أعطي الخيار في الوجهة التي يختارها، وكانت بغداد غير متوقعة أن النّظام الشَّاهنشاهي سيهوي بهذه السّرعة، وأنَّ الرّجل الذي كان يتحرك بما توفره له حكومة البعث مِن إمكانات (1969-1975) سيخرج مِن العراق، وخلال أربعة شهور فقط، مِنذ خروجه مِن النّجف إلى وصوله إلى طهران عبر باريس (تشرين الأول/ أكتوبر 1978- 1 شباط/فبراير 1979)، تحل عمامته محل التّاج في إيران، وكان قد وجد شتى الدّعم، ما دامت بغداد على خلاف مع طهران، وكل الظَّن أنه لن يقلب لبغداد "ظَهْر المِجَنّ"، وينسى كل ذلك الاحتضان والدَّعم مِن حكومة البعث له الذي استمر حتّى صلح الجزائر (1975)، وقع اتفاقيته عن إيران الشّاه محمّد رضا(تـ: 1980) نفسه وعن العراق نائب رئيس مجلس قيادة الثّورة صدام حسين (أُعدم: 2006).

 أما بعد نجاح الثّورة (11/2/1979) فمَن يتابع الإعلام العراقيّ يجد التَّأييد واضحاً للنظام الجديد، فحال تعيين المهندس مهدي بازركان (تـ: 1995) رئيساً للوزراء أرسلت الحكومة العراقيّة مذكرة، نشرتها الصحف في الصفحات الأولى تحت عنوان "مذكرة عراقيّة إلى الحكومة الإيرانيّة الموقتة" (صحيفة الجمهوريّة: العدد 2507 التاريخ 14/2/ 1979)، جاء فيها: "تُهدي الحكومة العراقيّة تحياتها إلى السّيد مهدي بازركان، رئيس الحكومة الإيرانيّة الموقتة، وتود أن تعلن موقفها مِن الأحداث الجارية في الجارة إيران على الوجه التّالي": الأولى: إعلان ثبات السِّياسة العراقيّة، بالحرص على إقامة صلات تعاون وثيقة أخوية، مع الشُّعوب والبلدان المجاورة للعراق، على أساس الاحترام، وعدم التّدخل في الشُّؤون الدَّاخليّة، مع الإشارة إلى إذا "كانت فيها حكومات البلدان المجاورة تلتزم بها مِن جانبها".

 النقطة الثّانية: تأكيد  العلاقات بين الشَّعبين المجاورين، الإيرانيّ والتّركي، مع العبارة: "وهما ليسا شعبين مجاورين، وإنما هما شعبان شقيقان، تربطهما بالشّعب العربيّ بصورة عامة، والشّعب العراقيّ بصورة خاصة، الرّوابط الإسلاميَّة الوثيقة، وعلاقات التّاريخ المشترك لمئات مِن السّنين"، إلى القول: "ونحن نرى أنَّ طبيعة هذه العلاقات الدّينيَّة والتّاريخيّة، يجب أن تكون عنصر تقوية للعلاقات الإيجابيّة في العصر الحديث، بين العراق وإيران وبقية الأقطار العربيّة".

 النقطة الثّالثة، وفيها إشارة إلى بغض النظام الملكيّ وبالتالي تأييد الثورة: "إن الشّعب العراقيّ الذي ناضل عشرات السّنين، ضد التّسلط الاستعماريّ، والنّظام الملكيّ الفاسد، وضد كلِّ أشكال الطُّغيان والاستغلال، والذي تكلل هذا النَّجاح في ثورته 17 تموز 1968، التي قادها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ"(صحيفة الجمهوريّة).

 كانت الصَّحافة العراقيّة، عندما تذكر الخميني تشير إليه بالسّيد وآية الله، وتبث أخباره بعد الثورة، ونجد مانشيتَ يتصدر الجرائد في بغداد: "العراق يُرحب بقرار إيران الانسحاب مِن حلف السّنتو"، ورحبت بغداد باجتماع ياسر عرفات مع الخمينيّ، أي أن قضية فلسطين صارت تجمع بين النّظامين، وإسناد الخميني حكومة بازركان، وأخبار الإعدامات لرجال النظام الملكيّ، مِن دون اعتراض، بل وفيه نوع مِن التأييد أكثر من الحياد، وقدمت الرئاسة العراقيّة تهنئة له شخصياً بعد إعلان إيران "جمهوريّة إسلاميّة" (1/4/1979)، ونُشرت في الصَّفحة الأولى مِن جريدة "الثّورة" العراقيّة (العدد 3287 التاريخ 6 نيسان/ أبريل 1979)، وكتبت قبل النَّص: "في برقيةٍ مِن الرّئيس البكر إلى السّيد آية الله الخمينيّ: العراق يهنئ حكومة وشعب إيران بقيام الجمهوريّة الإسلاميّة"، وهذا نص البرقية:

 "السّيد آية الله روح الله الخُمينيّ، يُسعدني بمناسبة إعلان الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة أن أبعث باسم العراق، حكومةً وشعباً، وباسمي شخصياً، بأصدق التّهاني لكم وللشعب الإيرانيّ الجار الصّديق، متمنين لكم التّوفيق، آملين أن يفتح النّظام الجمهوريّ الجديد فرصاً واسعة لخدمة السّلام والعدل في العالم، وإقامة أوثق علاقات الصّداقة والجيرة مع الدُّول العربيّة عموماً، والعراق بشكل خاص، والله ولي التّوفيق. أحمد حسن البكر رئيس الجمهوريّة العراقيّة"(جريدة الثّورة). لم ترسل بغداد البرقية لأي شخصية رسمية، بل أرسلتها إلى الخميني شخصياً اعترافاً بقيادته.3876 جريدة الثورة

بعد عشرة أيام، أي في تاريخ: 16/4/1979 مِن إرسال برقية تهنئة أحمد حسن البكر، بعث الخميني ببرقية جوابيّة، نشرتها الصَّحافة الإيرانيّة، وجاءت موثقة في موسوعة الخمينيّ أو "صحيفة الإمام"، وهي كل ما قاله الخميني، من خطبة ورسالة، قبل الثورة وبعدها (21 مجلداً والمجلد الـ22 احتوى الفهارس) جاء في جواب الخمينيّ الآتي:

"بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، فخامة السَّيد أحمد حسن البكر، رئيس الجمهوريَّة العراقيَّة. تسلمتُ رسالتكم الوديَّة، حول استقرار الجمهوريَّة الإسلاميَّة، وأشكركم عليها. إنَّ النَّهضة الانفجاريَّة لإيران على أثر دكتاتوريَّة النِّظام البهلويّ، واستبداده وكبته، كانت تحذيراً لجميع المستكبرين في مقابل المستضعفين، إنني آمل أن تتعامل الحكومات مع شعوبها بطريقة مسالمة. على الحكومات أنْ تكون في خِدمة الشُّعوب، والشُّعوب تدعم حكوماتها، ليتحقق الأمن والرّاحة للجميع. إن عاقبة الكبت الانفجار، وهذا لا يخدم الشّعب ولا الحكومة. وفق الله تعالى الجميع للسلم والسَّعادة، والسَّلام عليكم. روح الله الموسويّ الخمينيّ"(19/جمادى الأول 1399هـ/ 28 فرودين 1358 مِن السّنة الإيرانيّة، رقم الإضبارة 19 ج 99 صحيفة الإمام 7 ص 33).

بحسب حديث وزير الدفاع الأسبق عدنان خير الله طلفاح (قُتل: 1989)، وتعقيب صدام حسين، في التسجيل نفسه، أن صداماً بعث بالرسالة نيابة عن البكر، الذي كان غائباً لإداء العمرة، وعقب صدام أن الجواب كان غير لائق وفيه عبارة "والسّلام على مَن اتبع الهدى" (حديث بمناسبة تكريم القوة الجوية العراقيَّة، تلفزيون العراق 1987 على الرّابط:

https://www.youtube.com/watch?v=i3XsL1jta6k&t=261s

 ما يخص عبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى"، فعادة تُرسل إلى المشركين، وممَن لم يهتدِ بعد، وبهذا أرسل النَّبي محمّد إلى أبي ثمامة مسيلمة بن حبيب الحنفيّ (قُتل 12هـ)، جواباً على رسالته التي جعل نفسه فيها "رسول الله" أيضاً: "بسم الله الرَّحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب: السلام على من اتبع الهدى..." (ابن هشام السّيرة النّبويّة).

ما نعتقده أن جواب الخميني إلى البكر كان خالياً من تلك العبارة، مثلما ورد النص في صحيفة الإمام. أما لماذا الجرائد العراقيّة لم تنشر الجواب، وأخذت تذكر تلك العبارة، بعدما تدهورت العلاقة بين البلدين، بعد رئاسة أحمد حسن البكر، وأخذت طبول الحرب تدق، وتصدير الثّورة بدأ بقوة ضد العراق، وخصوصاً بعد تفجير الجامعة المستنصريَّة (1980) وإعدام محمد باقر الصّدر (1980)، ورسالة الخميني له ينصحه البقاء في العراق لقيادة العمل الإسلاميّ، وجواب الصَّدر إلى الخميني الذي أذاعته الإذاعة العربيّة الإيرانيّة، بإعلان الولاء له (أوردنا ذلك مفصلاً في كتاب: الخلافة التُّركيّة والولاية الإيرانيَّة). أخذت هذه العبارة تتردد على أنها وردت في جواب الخمينيّ إلى البكر. حتّى لكثرة تداولها صارت حقيقة مسلماً بها، وليس هناك أي نص في الوثائق العراقيّة ولا الإيرانيّة، بل جاءت عبر الأحاديث، نفهم أنها استخدمت لتأكيد العداء الإيرانيّ في عهد الخمينيّ ضد العراق.

 لكن قد يسأل سائل: لماذا لم ينشر الإعلام العراقيّ جواب رسالة الخميني، المذكور أعلاه نصاً؟ فهذا يتعلق بطبيعة الرّسالة، فيفهم منها أنّها موجهة إلى نظام دكتاتوريّ، وخصوصاً العبارة التي اعتبرت الثّورة الإيرانيّة "تحذيراً لجميع المستكبرين في مقابل المستضعفين، أنني آمل أن تتعامل الحكومات مع شعوبها بطريقة مسالمة..."، ثم أردفها بعبارة "إن عاقبة الكبت الانفجار". كان واضحاً في الجواب نقد مباشر، لكن لم يخاطب النظام العراقيّ على أنه نظام كافر، ولم يختم بعبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى".

ظل الإعلام العراقي، لأكثر مِن عام، ودياً، وكذلك الإعلام الإيراني، فقد ردت إيران على مذكرة الحكومة العراقيّة، بلسان نائب رئيس الوزراء الإيرانيّ الذي سُلمت له المذكرة، وكتبت جريدة "الجمهوريّة" العراقيّة في صفحتها الأولى "ارتياح إيرانيّ للمذكرة العراقيّة". 

لكن بعدها نهجت إيران الإسلاميّة طريق "تصدير الثّورة"، ويأتي العراق في المقدمة، لوجود الحركة الإسلاميّة الشِّيعيّة، وقد أخذ إسلاميو إيران الغرور بانتصار الثّورة، والتمكن في الداخل، ثم جاء تنحي أحمد حسن البكر (16/7/ 1979) عبر خطاب بثه التلفزيون العراقيّ، فبدأت الحرب الإعلاميّة، وحرب المخافر، وإلغاء معاهدة أو اتفاقية (آذار/ مارس 1975) مِن قبل العِراق، حتى توج ذلك بالحرب الشّاملة بين البلدين.

فوفق ما نشرته الصّحافة العراقيّة، وبالمقابل لم يظهر من الإعلام الإيرانيّ أي مساس بالعراق، كان يمكن درء الحرب، لولا الإصرار الإيرانيّ الإسلاميّ على تصدير الثّورة، والقلق العراقيّ مِن نقلها إلى العراق، وإلا كانت الصّحافة العراقيّة تنشر كل ما هو إيجابي في يوميات الثّورة، وتنشر ما هو ضد نظام الشّاه، منها مادة تحت عنوان: "أميركا أمرت الشّاه بمغادرة طهران"، ومانشيت يقول: "مجدداً.. إيران لن تلعب دور الشّرطيّ"، وكانت الجرائد العراقيّة تنقل أخبار الخميني، منها "الخميني يستقر في مدينة قم" مع سؤال: "هل ستكون مدينة قم عاصمةً لإيران؟"، وذلك لأهمية شخصية الخميني. وأخبار تقول: "الهدوء يسود العاصمة الإيرانيّة".

 كذلك نشرت الجرائد العراقيّة أهداف الثّورة الإيرانيّة التي أذاعها رئيس الحكومة الموقتة، ونلخص ما نُشر بالآتي: تصفية نظام الحكم الملكيّ، ونيل استقلال إيران الحقيقيّ، وتصفية السيطرة الأجنبيّة، والحيلولة دون التدخل الأجنبيّ، وإقامة النّظام الإسلاميّ. لكن كان رأي النّظام الإسلاميّ، الذي أخذه الغرور بالنَّصر الكاسح داخل إيران، بأن إقامة نظام إسلاميّ بالعراق مجرد وقت، وهذا ما كانت تهتف به التّظاهرات العارمة ضد النّظام العراقي داخل المدن الإيرانيَّة.

 ونقولها رأياً لا معلومةً، إن النّظام العراقيّ، في الشُّهور الأولى مِن الثورة الإيرانيّة، كان يعوّل على النظام الجديد، بعد العداء الطويل مع نظام إيران السّابق، وأنه سيعاد النّظر باتفاقية (1975)، المجحفة بحقّ العراق، وأنَّ آية الله روح الخميني سيتعامل مع النظام العراقي مِن منطق الموقف المشترك ضد إسرائيل والغرب، وأنه لا ينسى الدّعم الذي تلقاه مِن الحكومة العراقية، وهذا ما غطيناه في المقالة السّابقة، على صفحات "النَّهار العربيّ"، وكانت تحت عنوان "الخميني.. لولا البعث لتوارى بين عمائم النّجف".

 أخيراً، بعد التبادل الإعلاميّ الودي بين البلدين، تحول الموقف، في أوائل (1980)، إلى نصب كمائن مِن النّيات المعلنة، صار بها النّظام العراقي كافراً، ونظام رجال الدين دجالاً، وكل منهما يريد إطاحة الآخر، هذا بالقوة العسكريّة، وبعقيدة تحرير الأحواز العربيّة، وذاك بثورة إسلاميّة ذاب قادتها بالخمينيّ، وانتهت الحرب، بعد ثماني سنوات، بقوة النّظام الإسلاميّ داخلياً، فالحرب وحدت الجميع خلف الخمينيّ، وهذا لم يحسب حسابه النّظام العراقيّ، فقد تمت تصفية معارضي النّظام الإسلاميّ تحت جنح الحرب.

 أقول: خلال الحرب إنّ عبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى"، التي لم يكتبها الخمينيّ في رسالته الجوابيّة إلى أحمد حسن البكر، غدت وديةً قياساً بما قاله النّظامان، ضد بعضهما بعضاً، قُبيل الحرب وخلالها: هذا كافر وذاك دجال!

***

د. رشيد الخيّون

رغم تطورات الأوضاع في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قطعت روسيا شوطا طويلا على الطريق نحو تطوير أسلحتها بالتزامن مع تطور الاحداث في ساحات المعارك، وتجعلها مواكبة لهذه التطورات، وبالطبع فإن الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية لا تقف مكتوفة الأيدي أيضًا، وتحاول مجاراة روسيا او حتى التفوق على بعض أسلحتها، التي اظهرتها روسيا في أوكرانيا، وأثبت الصناعة العسكرية الروسية من خلالها تفوقها العسكري في التسليح المتطور والذي يواكب أيضا التطورات التكنولوجية في العالم .

وواحدة من هذه الأسلحة الروسية، هي تلك الصواريخ  التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، هي أسلحة صاروخية قادرة على الطيران في الغلاف الجوي بسرعة تفوق سرعتها سرعة الصوت أكبر من أو تساوي 5 ماخ (6000 كم/ساعة أو 1.6 كم/ثانية)، والمناورة باستخدام القوى الديناميكية الهوائية، ومثل هذا الصاروخ، الذي يجمع بين مزايا الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، غير معرض للخطر عمليا، ولاعتراضها، هناك حاجة إلى سرعات أكبر، و يكفي صاروخ أو صاروخين لضرب هدف مثل حاملة الطائرات التي يحب الأمريكيون التباهي بها، وأحدها، جيرالد فورد، التي وصلت بالفعل إلى شواطئ "إسرائيل" في البحر الأبيض المتوسط، فإن سحر الزركون: صاروخان منه  لجيرالد فورد يحولانها  إلى تيتانيك .

وقبل أيام فقط، قامت طائرات MiG-31 المزودة بصاروخ" Kinzhal"  الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، بدوريات قتالية فوق البحر الأسود، وهذا ليس عرضيًا على الإطلاق، فالصاروخ ليس صاروخ كروز، ولكنه صاروخ "باليستي هوائي" - يتم الحفاظ على مساره بسبب سرعته العالية،  وإن المقاتلة MiG-31، التي تم تحديثها خصيصًا لإطلاقها، هي في الواقع بمثابة المرحلة الأولى، حيث تنطلق خارج الطبقات الكثيفة من الغلاف الجوي على ارتفاعات تتراوح من 12 إلى 15 ألف متر، ويطير الصاروخ أيضًا على حافة طبقة الستراتوسفير لتجنب مقاومة الهواء الكبيرة، وتبلغ السرعة حوالي 10 ماخ، لذا، إذا تفاقم الوضع في الشرق الأوسط وكان هناك تهديد مباشر لروسيا، فإن مسيرة جيرالد فورد في البحر الأبيض المتوسط قد تكون قاتلة.

وفي 20 أكتوبر 2023، تولى منتج جديد آخر الخدمة القتالية في التشكيل الصاروخي بالقرب من أورينبورغ – وحدة Avangard التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي تشكل خطورة على العدو لأنه لا يمكن اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الصاروخي والدفاع الجوي بسبب سرعتها العالية، ويمكنها مهاجمة أي جسم من اتجاهات مختلفة من العالم، وأساس المجمع هو رأس حربي موجه تفوق سرعته سرعة الصوت يتم إطلاقه على هدف باستخدام صاروخ باليستي عابر للقارات ICBM UR-100N UTTH/RS-28، ويطور سرعة تصل إلى M=28 (حوالي 9.5 كيلومتر في الثانية) .

ولا يدرك الجميع عدد المشاكل التكنولوجية المستعصية التي تواجه صنع أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولفهم ذلك، دعونا نتخيل ما يحدث لصاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت أثناء الطيران، فبعد كل شيء، فإنه يطير حرفيا في سحابة من البلازما، التي تسخن الغلاف المعدني إلى 2000 درجة، وبالكلمات، يبدو أن كل شيء بسيط، ولكن لإنشاء مثل هذه التكنولوجيا المعجزة، استغرق الأمر عددًا من الاكتشافات في الفيزياء، وعلوم المواد، والكيمياء، والديناميكا الهوائية، والاتصالات، ومعادن جديدة يمكنها تحمل درجات الحرارة دون أن تفقد خصائصها المطلوبة، ومركبات كيميائية جديدة لإنتاج الوقود الذي يمكنه تسريع الصاروخ إلى هذه السرعات، وأخيرًا، أنظمة اتصالات لاسلكية جديدة، نظرًا لأن البلازما تتداخل مع مرور موجات الراديو، وأصبح الصاروخ غير قابل للتحكم أثناء الطيران.

ويبدو أن هذه هي خبرة المطور، والتي لم يتم الكشف عنها، ولكن تظل الحقيقة، هي ان روسيا  كانت  في وقت ما  أول من بدأ العمل في هذا الاتجاه - في عصر الاتحاد السوفييتي، على الرغم من أنهم توقفوا لبعض الوقت بعد انهياره، والصاروخ الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، والذي تم إنشاؤه آنذاك، والذي أطلق عليه اسم "Shovel" (للشكل غير العادي للأنف)، حتى ذلك الحين طور سرعة تصل إلى 5-6 ماخ، وكان هذا هو الذي خلق أساسًا جيدًا للمستقبل.

يذكر انه في منتصف عام 2022، تم الانتهاء من اختبارات صاروخ كروز المضاد للسفن 3M22 Zircon، والذي تفوق سرعته سرعة الصوت (NPO Mashinostroyenia)،  وفي 4 يناير 2023، تم وضعه في الخدمة، في  سفينة حديثة متعددة الأغراض مزودة بأسلحة صاروخية موجهة، هي الفرقاطة "أدميرال أسطول الاتحاد السوفيتي جورشكوف" المسلحة الآن بـ "الزركون"، وهي قادرة على توجيه ضربات قوية موجهة ضد أي أهداف معادية في البحر وعلى الأرض، وخصوصية هذه الصواريخ هي القدرة على ضمان التغلب على أي أنظمة دفاع جوي ودفاع صاروخي حديثة وواعدة.

ومما يغير بشكل جذري عنصر الدفاع في نسبة أسلحة روسيا والعدو المحتمل، لم يتم الكشف بعد عن الخصائص التقنية الدقيقة لصاروخ "تسيركون"، لكن من المعروف أن الصاروخ قادر على الوصول إلى سرعات تصل إلى 9 ماخ (حوالي 11.025 كم/ساعة)، وضرب مسافة كبيرة بشحنة تبلغ 400 كغم أو أكثر، ويطير الصاروخ في منطقة السير على ارتفاع 30-40 كم، حيث تكون مقاومة الهواء منخفضة، ويتيح ارتفاع الرحلة هذا زيادة نطاق تدمير العدو بشكل كبير، ومن المهم أن يتم إطلاق زيركون من نفس منصات الإطلاق مثل أحدث الصواريخ الروسية المضادة للسفن P-800 Oniks وCaliber (3M54) .

وصاروخ مجمع D-30 "بولافا" هو أيضًا تفوق سرعته سرعة الصوت، ويقوم بالمناورة في قسم تسريع المسار وكل رأس حربي على حدة، ولا تتم الرحلة في الفضاء، ولكن على طول مسار مسطح، ونظام الدفاع الجوي S-500 Prometheus، والذي تفوق سرعته سرعة الصوت على وشك أن يدخل في الخدمة القتالية، وكل هذا مدرج في برنامج تسليح الدولة الجديد، الذي ينص على خيار التخطيط للفترة حتى عام 2034 ومضمون ماليا، ومن المهم أيضًا أن تسمح الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لروسيا بتحقيق الأهداف الاستراتيجية وغايات الحرب وليس بالوسائل النووية.

وكل هذا ليس سوى جزء صغير من عينات الأسلحة والمعدات العسكرية، التي هي نتيجة العمل المنسق  للعلماء الروس، واكد  المدير العام لـ KTRV بوريس أوبنوسوف، "نحن الآن نبحث بنشاط عن حلول مبتكرة، وجميع مكاتب التصميم تعمل بجد للغاية... وتعمل SVO على تغيير صورة العالم أمام أعيننا، فعندما تقاتل بشكل أساسي ضد جميع أعضاء الناتو وحلفائهم، فإنك تحتاج إلى المزيد من الأسلحة، والأكثر تقدما وفكريا، والذي يتفوق على نماذج الناتو".

وفي المقابل، ماذا عن الخصم، وكيف يتم حل مشكلة فرط الصوت في الولايات المتحدة الأمريكية؟، ففي أمريكا، زادت أيضًا كثافة العمل على الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وفي عام 2020، بدأ اختبار صاروخ كروز الفرط صوتي AGM-183A ARRW (سلاح الاستجابة السريعة الذي يطلق من الجو) برأس حربي موجه، وحاولوا إطلاق الصاروخ من قاذفة قنابل من طراز B-52H، لكن ثلاث محاولات باءت بالفشل، كما فشلت اختبارات الطيران في هاواي، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الاختبارات، لكن من المعروف أن الاختبار فشل بسبب مشاكل غير محددة في إطلاق الصاروخ،  وقال تيم غورمان المتحدث باسم البنتاغون، " لقد حدث العطل بعد تشغيل المحرك"، ويمثل الاختبار الفاشل المحاولة الثانية لإطلاق صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت يتم تطويره في إطار برنامج الضربة السريعة التقليدية (CPS) .

وفي عام 2021، أحرزت الولايات المتحدة تقدمًا أكبر قليلاً في إدخال أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت تُطلق من الأرض، ويُزعم أن البطارية التجريبية لأنظمة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت طويلة المدى (LRHW) Dark Eagle، وأصبحت متاحة لعلماء الصواريخ الأمريكيين في أكتوبر، وقبل نشر المجمع للقوات في الولايات المتحدة، تم وصف قدرات النظام،  على سبيل المثال، أعلن وزير الجيش الأمريكي (منصب مدني في وزارة الدفاع الأمريكية) رايان مكارثي، عن الدقة العالية لوحدة الانزلاق التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، واقترح منشور Popular Mechanics، أن صاروخ LRHW سيجعل من الممكن ضرب الأهداف في موسكو من لندن، ومن غير المرجح أن نؤمن بهذه الحكايات الخيالية، لأنه في عام واحد من المستحيل ببساطة تصحيح المشاكل التي تراكمت على مر السنين في إنشاء فرط الصوت.

ووفقًا لأحدث البيانات، تتوقع القوات الجوية الأمريكية، أن تحصل على أول أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت فقط في عام 2023، وأوضح رئيس القيادة اللوجستية للقوات الجوية الأمريكية، الجنرال أرنولد بانش، " أننا نتحدث عن صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي ينبغي إنتاجها في إطار برنامج ARRW،  أي أنه نفس الشيء الذي فشل"، وحاولت القوات الجوية الأمريكية، إنشاء نوعين من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في وقت واحد - في إطار برامج ARRW وHCSW  ( سلاح الضربة التقليدية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت)، وتم تطوير كلاهما بواسطة شركة لوكهيد مارتن، ومع ذلك، في فبراير 2020، تخلت القوات الجوية عن برنامج HCSW، و أُجريت اختبارات الطيران الأولى للرؤوس الحربية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت باستخدام نظام الإطلاق الجوي ARRW  (المعروف أيضًا باسم AGM-183A)، والتي تحملها قاذفات القنابل B-52، في الولايات المتحدة في يونيو 2019، وهو ما يؤكد الاستنتاجات  فقط: لقد تعثرت الولايات المتحدة في هذا ذلك  أكثر من مرة.

وبالنسبة لنظام الصواريخ بعيدة المدى التي تفوق سرعتها سرعة الصوت  Dark Eagle، فلا يبدو أن الجيش الأمريكي قادر على تحقيق هدف نشره في المستقبل المنظور، ووفقًا لمساعد وزير الجيش الأمريكي لشؤون الاستحواذ واللوجستيات والتكنولوجيا، دوغلاس بوش، فإن التأخير عن الجدول الزمني المخطط له يرجع إلى إلغاء اختبار الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في أوائل سبتمبر 2023، على الرغم من أن تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يعتبر أولوية بالنسبة للقوات الجوية الأمريكية، علاوة على ذلك، قررت قيادة الأنظمة الجوية البحرية الأمريكية (NAVAIR) مؤخرًا طرح مناقصة لتطوير صاروخ جو-أرض تفوق سرعته سرعة الصوت.

وأبرمت شركتا Raytheon وLockheed Martin، عقودًا متوازية مع NAVAIR، الأموال المستلمة، صالحة لمدة 21 شهرًا، مخصصة لتمويل تصميم نظام الدفع، ويجب على المتنافسين تقديم نتائج عملهم إلى الأسطول بحلول ديسمبر 2024، الحديث يدور  عن صاروخ مصمم للطائرات الحاملة وقادر على ضرب أهداف سطحية على مسافات طويلة، وتتوقع البحرية أن يصل النظام الجديد إلى حالة القدرة التشغيلية الأولية بحلول عام 2032.

إن السباق الذي تفوق سرعته سرعة الصوت في العالم على قدم وساق، ويشير التقرير الذي يحمل عنوان "الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت: خلفية وقضايا للكونغرس"، إلى أن أهمية الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ستزداد أهمية كحجة قوة رئيسية في السنوات المقبلة، وإن نجاحات الصين في هذا الاتجاه تؤكد هذا الاستنتاج فقط، لكن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست حلا سحريا وليست معجزة، فإن الصوت الفائق وحده لا يمكنه الفوز في الحرب، ولا تقل أهمية، على سبيل المثال، عن أنظمة الصواريخ الساحلية، والأسلحة تحت الماء وأنظمة الأسلحة الأخرى التي أنشأتها روسيا، وبمعنى آخر، يجب أن يأخذ في الاعتبار المجموعة الكاملة من الأسلحة عالية الدقة، ومجموعة المنتجات الكاملة التي تنتجها شركات صناعة الدفاع الروسية، والتي تشكل، إلى جانب الأسلحة الاستراتيجية الأخرى، أساس الردع النووي.

***

الدكتور كريم المظفر

في عام ١٩٩٦م، أي قبل أكثر من ربع قرن، وفيما يشبه قراءة الغيب، كتب أحد نشطاء الهنود الحمر، وهو الأمريكي مايكل هولي إيجل، قائلا: "يا الله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! إبادات كثيرة واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك"، وها قد تحقّقت نبوءة الرجل، فحجم الدمار الذي يتقصّده الصهاينة في غزّة اليوم، والذي طال الحجر والشجر والبشر دون أدنى تمييز، يدل بكل جلاء على أن هذه ليست حربا على مغنَم، ولا ردًّا لصفعة مُذِلّة باغتتْهم بها المقاومة الباسلة على قفاهم العريض؛ بل هي إبادة جماعية تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء ثمانية قرون حين أباد الأوربيون والأمريكيون السكان الأصليين للأمريكتين واستراليا، فالجلّاد المقدس هنا وهناك واحد، والضمير المدنَّس هنا وهناك واحد.

كنا نظن أنّ إنذاراتهم المتكررة بإخلاء مستشفيات غزة تمهيدا لقصفها، هو من قبيل التخويف والترهيب، ورسالة للمربوط يرتجف منها السايب، ولكنهم بكل نذالة وحقارة تليق بهم فعلوها يوم السابع عشر من أكتوبر في مستشفى المعمداني بحي الزيتون جنوب مدينة غزة، هل رأيتم فُجْرا أكثر من ذلك؟! قصفوا آلاف المصابين الممدَّدين على الطاولات وفي الطرقات، وقصفوا الشهداء الذين غصّت بهم الثلاجات، وقصفوا جموع النازحين الذين احتموا بالمستشفى بعدما هُجِّروا قسرا من بيوتهم!!

والله إن النازية والفاشية لتتضاءل أمام أفعال كهذه.. ففي أكثر الحروب دموية ووحشية يتم تحييد المستشفيات، وضمان سلامة الأطقم الطبية والإغاثية، والسماح بالحد الأدنى من ضرورات الحياة كالماء والغذاء والوقود والدواء.

اللافت للنظر هنا؛ هذا الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من الغرب، والاصطفاف السافر لأمريكا مع الكيان الغاصب وكأنها معركتهم لا معركة البضعة ملايين من صهاينة فلسطين!

وفي الوقت ذاته، يلفت نظرك ويحزّ في أعماقك، هذا التخاذل المريب من أصحاب القرار العربي، إذ يعالجون الأمور بدم بارد وكأنها خناقة عابرة على ناصية شارع بعيد، حتى باتت بيانات الشجب والاستنكار التي كنا نسخر منها بعيدة المنال!

وهذا يدعونا إلى مراجعة فهمنا لقضيتنا الفلسطينية في ضوء معطيات جديدة على البعض قديمة على البعض الآخر، ثمّ الترحُّم على رجال كزايد ومرسي وفيصل، كانت فلسطين تسكن قلوبهم وتجري كالدماء في عروقهم، ولو شهدوا هذا اليوم لكانت لهم كلمة حق مدوية في وجه هذا الصلف الصهيوصليبي اللامسبوق، فحقًّا..في الليلة الظلماء يُفتقد البدر.

الدرس الأهم الذي كتبته المقاومة بذراعها الطويلة ورايتها الخفّاقة في السابع من أكتوبر الجاري، والذي لا يريد الخانعون الكُثر فهمه واستيعابه: أنّ كل شيء ممكن، وممكن جدًّا، شرط أن نتحرّر من الخوف، كل الخوف، وفي كل مكان..

ولعلّ السيد عباس وسلطته التي راهنت على المفاوضات ثلاثين عاما ولم تجن سوى العار والشنار تقرأ وعد الحقّ سبحانه: "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ". الأنفال 65,66

***

بقلم: د. منير لطفي - مصر

طبيب وكاتب

في نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد العالم نفسه بشكل عام منقسماً إلى كتلتين كبيرتين: المعسكر الرأسمالي الليبيرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

لقد فرضت هاتان الدولتان الكبيرتان نظاما دوليا حقيقيا تحت هيمنتهما، كما اتضح ذلك بشكل خاص من خلال أزمة قناة السويس عام 1956. فبينما حققت فرنسا والمملكة المتحدة وإسرائيل انتصارا عسكريا على مصر، كان عليها الانسحاب مقابل تنازلات اقتصادية رمزية. وتحت ضغط الولايات المتحدة والتهديد السوفييتي، لم يقدر أي منهما هذه المبادرات الاستعمارية . وكان من الصعب على القوى الأوروبية العظمى أن تتخيل هذا السيناريو في القرن الماضي. وبالتالي فإن الصراعات بين أطراف ثالثة في النصف الثاني من القرن العشرين تأثرت إلى حد كبير بدبلوماسية القوتين العظميين العالميتين، في سياق صراعهما الإيديولوجي والسياسي والعسكري المستمر خلال الحرب الباردة .

على مستوى الجبهة الاقتصادية، عملت اتفاقيات بريتون وودز على ترسيخ الدولار باعتباره العملة المرجعية، وهو ما منح البنك الأمريكي سيطرة هائلة ونفوذاً عالمياً على سياسته النقدية العالمية . إن إلغاء قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، والذي قرره ريتشارد نيكسون ، وبالتالي التوقيع على نهاية الاتفاقيات، سوف يساهم بشكل كبير، من بين عوامل أخرى، في الأزمة الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من إنشاء التعويم الشامل للعملات منذ ذلك الحين، إلا أن الدولار لا يزال يحتفظ حتى يومنا هذا بمكانة بارزة كقيمة مرجعية للمعاملات الدولية، وهو ما يشكل رصيدًا ثمينًا للدبلوماسية الأمريكية.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في أوائل التسعينات من القرن الماضي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية هي القطب المهيمن الوحيد في العالم، مما أدى إلى خلق وهم دائم بأن مرحلة من النظام العالمي الجديد سيسود فيها سلام دائم بين الشعوب بعد انتصارات الديمقراطيات الليبرالية المذكورة على وجه الخصوص في نظرية "نهاية التاريخ" و"الرجل الأخير" بقلم فرانسيس فوكوياما .

ومع ذلك، فإن الأزمة المالية العالمية 2007-2008 والتي نتجت في الأصل عن أزمة الرهن العقاري الأمريكي على وجه التحديد والتي أضيفت إلى هجمات 11 سبتمبر 2001 ، قد تسببت في انخفاض دائم في الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الحرب ضد الإرهاب التي سوف تبقى مستمرة إلى أجل غير مسمى. وسوف تصبح الإمبريالية الأميركية، التي تعرضت للانتقاد بالفعل أثناء التدخل في كوسوفو في عام 1999، موضع تساؤل قوي بعد الحرب في العراق ثم الحرب في ليبيا وسوريا في عامي 2011 و2012. ومن جهتها ظلت روسيا تشارك في هذه الصراعات أيضا التي أحدثها نظام القطب الواحد، وغالباً في المعسكر المعارض حيث غزت أوكرانيا ، وتدخلت في الحرب في دونباس التي تقع جنوب شرق أوكرانيا والتي تحظى حكومتها بدعم من الدول الغربية  .

كل هذه الصراعات قد وضعت حدا لأوهام انتشار السلام بين شعوب العالم . حيث تسببت الأضرار الناجمة عن الإرهاب والحروب الجزئية الصغرى التي لا نهاية لها في زيادة عدم الثقة بين جميع المواطنين في العالم تجاه نظرية النظام العالمي الجديد وبالتالي تجاه حكوماتهم.

وهكذا عندما نسأل "من يحكم العالم؟" إننا عادة ما نتبنى عرفا معياريا ينص على أن الجهات الفاعلة في الشؤون العامة العالمية هي الدول وحكوماتها، وفي المقام الأول القوى العظمى، ونأخذ في الاعتبار قراراتها والعلاقات فيما بينها. ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذا المستوى من التجريد يمكن أن يكون مضللاً للرأي العام.

لا يمكننا أن نتوصل إلى فهم محدد وواقعي لمن يحكم العالم بينما نتجاهل "أسياد البشرية" كما أسماهم آدم سميث وهم الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية الضخمة وغيرها.

في النظام العالمي الجديد، تتمتع "مؤسسات الأسياد" هاته بقوة هائلة، ليس فقط على الساحة الدولية، بل أيضاً داخل دولها الأصلية، التي يعتمدون عليها لحماية قوتهم وتقديم الدعم الاقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الآليات والوسائل.

***

عبده حقي

بعد السابع من أكتوبر  سقط النظام الرسمي العربي كما هو متوقع في الفشل التام والعجز والشلل عن أي مساندة او دعم او القدرة على إيقاف القتل والتهجير والإبادة العنصرية الجماعية التي يمارسها الغزاة الأجانب الصهاينة ضد اهل فلسطين في قطاع غزة المحاصر،حيث يستمر الغزاة الأجانب الصهاينة ومن خلفهم الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في القيام في المجازر  الشيطانية الإبليسية التي "لا" تعرف الرحمة و"لا" الشفقة على الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والقاطنين النائمين في منازلهم مع استمرار القصف المتواصل بلا توقف لأكثر من أسبوعين .

ان الصهاينة يحرقون في القنابل والصواريخ الأطباء والممرضين وطواقم الاسعاف ويذبحون الصحفيين ويفجرون بالمتفجرات رجال الإطفاء وموظفين الأمم المتحدة وينشرون أشلاء الاطفال المقصوفين على ارض غزة ، ولم تفلح الحالة الإعلامية العربية الساقطة في خدمة الأجانب في افضل حالاتها الا في صناعة البكائيات وباقي الاعلام العربي هو متصهين وخائن ويستمر في تثبيت الأكاذيب والسقوط الأخلاقي القذر في "الاعتراف الضمني المستمر" بأن هناك شيء اسمه "إسرائيل" وتواصلهم الخياني العفن مع قيادات وضباط ومسئولين الكيان اليهودي العنصري الصهيوني الذين ينطلقون من خلال تلك الفضائيات وووسائل الاعلام العربية المنحرفة، التي تؤدي خدمات إعادة اقوال وترويج للروايات الصهيونية وإعادة الخطاب العنصري الصهيوني على لسان عربي، وهذا الامر هو "خيانة" للأسلام وللعروبة من المحيط الى الخليج، وليست مهنية "إعلامية" بل هو "بيع الذات للشيطان الطاغوتي في شكل واضح بدون ادنى شك" ، عندما يتم استقبال أعداء العرب والعروبة لكي يتم الترويج لأكاذيبهم ورواياتهم وأيضا لكي يتم خلق ذهنية في اللا وعي العربي من ان هناك "دولة اسمها إسرائيل" وهو الاعتراف "العقدة" الذي يسعى له الغزاة الأجانب المحتلين اليهود لأرضنا العربية الفلسطينية.

ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي هو خبير في الكذب وتزوير الحقائق ومعه الحركة الصهيونية العنصرية؟ هم يقولون عن المقاومة الفلسطينية انها "داعش" !؟ ويستحمرون العالم؟ كل العالم ويستغبون ذكاء التاريخ الموثق في الصوت والصورة والفيديو الذي شاهدناه كلنا في دعم الكيان الصهيوني للتنظيمات التكفيرية التي وظفها حلف الناتو بمختلف تسمياتها وتشكيلاتها داخل سوريا وكلنا شاهدنا عناصر "داعش" يتم استقبالهم وعلاجهم داخل مستشفيات الكيان الصهيوني حيث ان هناك اليات نقل واستقبال وفواتير مالية كلها تغطي وترتب علاج الداعشيين التكفيريين داخل الكيان الصهيوني، والان نفس الكيان الصهيوني يتهم الفلسطينيين بأنهم "داعش" وهي محاولة استحمار واضحة لن يصدقها الا الاغبياء والحمقى.

ان الصهاينة والحلف الطاغوتي مشهورين في الكذب حول ما حدث في ليبيا وما جرى في العراق وسوريا وأوكرانيا وأفغانستان وقبلها في الفيتنام وكوريا، ويأتون اليوم يريدون ان نصدق اكاذيبهم ضد المقاومة الفلسطينية؟!  وهي أكاذيب وترهات فاقدة لأي دليل وأي توثيق.

ضمن تطورات الحرب الحالية هناك أيضا أسئلة صعبة "لا" يسألها أحد و"لا" يريد ان يجاوبها أي شخص، فاين هم أكثر من ستين ألف عنصر عسكري تابعين لما يتم تسميته إعلاميا في السلطة الوطنية الفلسطينية؟! اين هم وبنادقهم ورصاصاتهم من هكذا صراع وجودي مع الصهاينة؟ وهم أساسا قوى امنية وعسكر فلسطينيين؟ وعلى أي أساس هناك سلطة فلسطينية ورئيسها مستقيل من كل مناصبه منذ أكثر من عشرة سنوات وهو غير منتخب و"لا" يحمل صفة قانونية وأيضا يأخذ رواتبه من الكيان الصهيوني هو وباقي سلطته الوطنية الفاقدة للوطنية؟! وهم يدينون مقاومة أبناء بلدهم ضد الغزاة الأجانب؟!

لماذا هم خارج هكذا صراع وجودي وهم الذين من المفترض ان يكونوا في قلبه وضمن اجوائه؟ لأني لا اعرف ماذا أقول؟ وكيف اجاوب؟ وبماذا أرد؟ وخاصة عندما اشاهد ان أحد البلدان العربية الملاصقة لدولة فلسطين العربية المحتلة بها عدد خيالي من الأحزاب والمتكلمين في الثورية والنضال ضمن أجواء الثرثرة والخطابات المتكلسة والنظريات الهوائية والتي تنتهي ليذهب هؤلاء الثوريين المزيفين الكلاميين الى النوم ليعودوا الى نفس الأسطوانات المشروخة في اليوم التالي؟! فيا ليت يكرمون الامة العربية والإسلامية في سكوتهم!؟ ولهؤلاء أمثال كثيرة في خارج الوطن العربي حين يتكلم البوق المأجور عبد... دولار، في العاصمة البريطانية لندن عن النضال الفلسطيني وأهمية الكفاح المسلح ولا يتكلم هو نفسه عن أبنائه اين هم وماذا يعملون؟ ومن يدفع لهم معيشتهم ولماذا هذه الثورية الكاذبة الصوتية في الأجواء الإنجليزية المرطوبة الباردة بعيدا عن دخان الخنادق؟

واضح كذلك ان هناك أجواء احتقان بركان عربي يشابه ما حدث بعد هزيمة النظام الرسمي العربي في حرب 1948 حيث تم الانقلاب على الاغلب الاعم من الأنظمة العربية المهزومة آنذاك ضمن مرحلة انتقال سيطرة امبراطورية من الحالة البريطانية الى الحالة الامريكية ومعها تم استخدام الرافعة المعرفية المرتبطة في القضية الفلسطينية لهكذا انقلابات في مواقع الحكم في النظام الرسمي العربي آنذاك الذي فقد مشروعيته المعرفية الثقافية مع هزيمة 1948 ومعها تم اسقاط وتدمير مواقع السلطة الى مواقع سلطوية جديدة.

ومعروف علميا انه الدول والأنظمة تسقط وتزول  مع فقدان رافعاتها المعرفية وأسباب وجودها الثقافي وهذه حالة متواصلة على مر تاريخ البشرية، وليس ذلك فقط فعلينا ان نلاحظ انه يوجد الان هناك "تكرار قادم" لنفس الحالة الانتقالية الإمبراطورية التي حدثت في الخمسينات ولكن حاليا ستكون من عالم قطبي امريكي واحد لواقع متعدد الأقطاب روسي صيني واخرين، ضمن لحظة "انقلاب" مفصلية جائت معها "اللحظة الزمنية الأخرى" في السابع من أكتوبر حيث نجحت في بطولية وتخطيط عندما تمكنت فيها المقاومة الفلسطينية في "سحق" و"تبخير" اسطورة الجيش الذي لا يقهر وأيضا في "تفعيل" الذهنية الصحيحة التي كان يجب ان يتم يلتزمها العرب    في تعاملهم مع قضية التحرير والاستقلال من الأجانب الغزاة الصهاينة، وهذه الذهنية التي تعيش الواقع والتخطيط المنطقي والالتزام في مواقع القوة والتنسيق الدولي والاستفادة من نقاط ضعف الغزاة الصهاينة...الخ من "ذهنية جديدة" عاشها ونفذتها المقاومة الفلسطينية  في نجاح، والتي لم يستطيع الصهاينة الرد عليها "عسكريا"  الا في ممارسة القتل على الهوية واستهداف الأبرياء في القنابل والذخائر المتفجرة  مع قصف المستشفيات والمساجد والكنائس ومساكن المدنيين العزل.

 وهنا نحن نريد ان نركز على مسألة "استهداف الكنائس" حيث ان لدينا وجهة نظر تقول:

 ان استهدافها لم يكن صدفة بل هو "حقد صهيوني مبرمج" منذ أيام سيدنا المسيح بن مريم عليه السلام وأيضا مدفوع من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

 فلنقرأ المشهد:

في ظل الاحداث المتسارعة لما بعد السابع من أكتوبر، قامت جمهورية روسيا الاتحادية في صياغة قرار لمجلس الامن لأيقاف النار في منطقة غزة وقامت شلة بلدان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في اسقاط هذا القرار في الأمم المتحدة، وبعدها انطلقت أصوات صهيونية تهاجم الجمهورية الروسية وأيضا تهددها بأنها ستدفع الثمن؟! وجاء ذلك على لسان الصهيوني العنصري واليهودي المتعصب المدعو "امير ويتمان" وهو عضو فيما يسمى "كنيست" وهو أحد الأنظمة الإدارية الموجودة في القاعدة العسكرية المقامة على ارض دولة فلسطين المحتلة، والاوقح ان الصهاينة قالوا انهم سيحاسبون روسيا؟! بعد ان يفرغوا من "غزة"!؟ وأيضا قال الصهاينة من انهم سيتأكدون من "فوز" أوكرانيا عليهم؟!

من هذا كله يتضح ان هناك سوء في العلاقات بين الروس والصهاينة وتدهور في شكلها وطبيعتها، وان "الكيان الصهيوني" "لا" يعجبه ارتباط الجمهورية الروسية مع دول ك "الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران" وأيضا وجود الحلف الروسي السوري.

 من الصحيح القول: ان روسيا لها علاقات تعتبر "جيدة" مع الكيان الصهيوني ولكنها ليست منجرة لهكذا علاقات ولا مندفعة بما يضرب ما هو الأهم والمهم بالنسبة للروس وهو صناعة عالم متعدد الأقطاب وأيضا وقوفها "الحيادي" بين حليفها السوري وبين علاقاتها مع الكيان الصهيوني الذي له علاقة في تواجد جالية من أصول روسية يهودية مليونية داخل الكيان الصهيوني وغير معروف إذا ما زالوا يحملون الجواز الروسي ام لا؟

علينا ان نعرف ان الروس "مدركين" ان الكيان الصهيوني يساعد الاوكرانيين، وانهم حاليا "محطة الترانزيت" للإعادة ارسال الأسلحة والذخائر من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي الى أوكرانيا، وهذا سبب إضافي لتدهور شكل وطبيعة العلاقات الروسية مع الكيان الصهيوني.

ولكن ما السبب الرئيس لهذا التدخل الصهيوني في الصراع الروسي الاوكراني؟

"لا" يوجد سبب مقنع الا ان الحركة الصهيونية تريد ضرب الجمهورية الروسية لأنها تحمل ضمن سياسة دولتها الارتباط ب "الديانة المسيحية الأرثوذكسية" كأحد مضلعات المثلث التي يمثل القاعدة الفكرية والرافعة لبقاء الدولة الروسية الاتحادية في الوجود وهي ثلاثية "الدين الأرثوذكسي، والقومية السلافية، وحب الأرض" اذن نستطيع ان نعتبر ان روسيا دولة دينية أرثوذكسية يريد الكيان الصهيوني تدمير الحالة الدينية الأرثوذكسية الروسية واضعاف "هذا" التوجه الديني داخلها، فاليهود يخافون من المسيحيين في شكل عام وخاصة الأرثوذكس ويعتبرونهم اقرب للمسلمين، ويخافون من التقدم الروسي ك أحد الأقطاب الإمبراطورية القادمة" وأيضا الكيان الصهيوني مرعوب من التعدد القطبي القادم للعالم مع تراجع الولايات المتحدة الامريكية ك "قطب امبراطوري وحيد اوحد" وخاصة كما ذكرنا للعلاقات الحسنة للروس مع الدول العربية مع الجمهورية الإسلامية وأيضا حلفها العسكري الأمني الاستخباراتي القديم مع السوريين ، وهناك توجهات "روسية" لصناعة تحالف ما مع الاتراك؟ وأيضا منظومة دول مجلس التعاون حيث يراقب الصهاينة التقارب الروسي مع المملكة العربية السعودية، وأيضا العلاقات المتطورة بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الروسية.

لذلك في العالم المتعدد الأقطاب القادم هو امر سيء للكيان الصهيوني ومصدر خوف واضطراب لهم، الذين يفضلون النموذج القطبي الواحد الذي تديره الولايات المتحدة الامريكية ك "سيدة على العالم" مع اليتها العسكرية الضاربة الممثلة في حلف الناتو وهي وضعية مناسبة للصهاينة ان تظل وتستمر في الوجود لأن معنى ذلك استمرار وجودهم هم أيضا على العكس تماما من عالم متعدد الأقطاب، فعند ذلك يكون "وجود الكيان الصهيوني "صعب" وفي خطر لأن "لا" يوجد تدخل صهيوني قوي في الصين وروسيا كما لديهم داخل الولايات المتحدة الامريكية، لذلك الصهاينة مرعوبين من هكذا سيناريو لتعدد الأقطاب.

‏يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين:

"إن تلك القوى في العالم الإسلامي التي لا تزال تحلم بالوساطة وتطبيع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هي خونة للإسلام وخونة للإنسانية، إن العالم الإسلامي يحتاج إلى التوحد والتضامن، وليس إلى المسكنات التي قوضت بالفعل الوحدة الإسلامية. كونوا أقوياء وشكلوا قطبًا لعالم جديد متعدد الأقطاب. دعونا ندمر الهيمنة الغربية مرة واحدة وإلى الأبد. وضع بايدن كل شيء على عاتق النظام العالمي الجديد ونحن قبلنا التحدي، دعونا نقاوم، نحن بحاجة إلى البديل، التغيير ممكن والغرب يجب أن ينتهي"

وعلينا ان نعلم انه "اليهود" تاريخيا ساهموا في اسقاط القيصرية الروسية واسقاط الحكم الامبراطوري فيها وانهم دعموا الثورة البلشفية الماركسية الشيوعية في بداياتها حيث انضموا اليها ودعموها، حيث الاغلب الاعم من قادة الثورة البلشفية هم "يهود "في تلك الفترة، وهذا يعطينا عامل تاريخي اخر يساند ما ذكرناه من ان اليهود يخافون من "روسيا متدينة أرثوذكسية" كما هو الحال مع توجهات الجمهورية الروسية الاتحادية في رافعة دولتها الثقافية والفكرية كما شرحنا.

 اذن أتصور ان على الجمهورية الروسية الاتحادية ان تتحرك في الدفاع عن أحد اضلاع وجودها المعرفي الذي تلتزمه ك "دولة" وهي الديانة المسيحية الأرثوذكسية، في ظل هكذا هجمات متواصلة تأمريه تستغل أي فرصة ومناسبة لتسديد الضربات والهجوم، وهذه هي عقلية الحلف الطاغوتي الربوي العالمي الذي "لا" يستسلم و"لا" يخرج من أي صراع لأنه يعرف بأن في التوقف هو "موت" له ك "طاغوت" وهو "لا" يعيش الكسل ولا يقول عن أي تفصيل يخصه انه ليس "قضيته" كما يقول المتصهينين العرب عن فلسطين.

حين تعرضت كنيسة القديس "بورفيريوس" التاريخية في غزة، وهي إحدى أقدم الكنائس في العالم، لأضرار بالغة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة ويعود تاريخ تأسيس كنيسة القديس بورفيريوس إلى القرن الخامس، وتم تسميته على اسم أسقف غزة السابق، القديس بورفيريوس، ويقع فوق المكان الذي يُعتقد أنه توفي فيه عام 420 قبل الميلاد تعتبر الكنيسة الأصلية ثالث أقدم كنيسة في العالم.

وواضح ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يستهدف المسيحيين الأرثوذكس في حملات متتابعة ومتواصلة وهناك "حقد" ضدها ورغبة في تدميرها، وهذا من قبل احداث السابع من أكتوبر ، فلنلاحظ تصريح سابق للمطران عطا الله حنا  : حيث يقول " "نرفض التحريض الممارس من قبل أبواق إعلامية وغيرها في الغرب والتي تستهدف غبطة بطريرك روسيا ونعتبر بأن هذا التحريض هو استهداف للكنيسة الارثوذكسية كلها، فنحن في الوقت الذي فيه نصلي ونسأل الله من اجل ان تنتهي الحرب في اوكرانيا وان تسود لغة الحوار والسلام فإننا نقول ايضا بأن بطريرك الكنيسة الروسية الارثوذكسية ليس جزءا من اي صراع سياسي وهو يقود اكبر كنيسة ارثوذكسية في العالم من الناحية العددية".

وتابع المطران حنا: "نستهجن كيف ان هنالك استهدافا لبعض الابرشيات الروسية او التابعة للكنيسة الروسية في العالم فهذا اضطهاد واستهداف غير مسبوق ويبدو ان هؤلاء الذين يمارسون هذه الضغوط على الكنيسة الروسية ورئاستها انما يستهدفون رسالتها والقيم الانسانية والروحية التي تنادي بها".

وأوضح  المطران عطا الله :"نحن في عصر العولمة واندثار القيم والابتعاد عن الايمان والكنيسة الارثوذكسية الروسية، كما وغيرها من الكنائس الشقيقة تقف سدا منيعا امام هذا المد المادي الالحادي الذي يكرس الرذيلة ويعطي طابعا قانونيا لكل ما هو ليس اخلاقيا وليس انساني":

وشدد  كذلك المطران حنا عطا الله بالقول : "نحن في فلسطين تربطنا أواصر الصداقة مع روسيا والتي وقفت دائما مع القضية الفلسطينية العادلة وتربطنا اواصر الصداقة مع الكنيسة الروسية التي لها حضور قوي في الاراضي المقدسة، فالشعب الروسي المؤمن ينظر بكل خشوع وايمان للاماكن المقدسة في القدس وفي بيت لحم وفي غيرها من الاماكن"

ان ضرب وتدمير "كنسية بورفيريوس" هي رسالة ضد الجمهورية الروسية الاتحادية وأيضا ضد الديانة المسيحية الأرثوذكسية.

ان الكنسية الأرثوذكسية المصرية ممثلة في بابا الكنسية البابا تواضروس الثاني أصدرت بيان يدين الهجمات الغزاة الصهيونيين العنصريون ضد سكان فلسطين الأصليين المتواجدين في قطاع غزة المحاصر وعلى دعمها الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في العيش الآمن داخل أراضيهم.

وهذا الموقف الأرثوذكسي هو "ثابت" لم يتغير منذ أيام المرحوم البابا شنودة والذي اعتبر الغزاة الصهاينة محتلين للأراضي المقدسة وانهم ك "كنيسة أرثوذكسية" واتباعها  لن يدخلون القدس والمقدسات المسيحية  نفس كنيسة القيامة وقبر النور وهي أماكن "حج مقدسة للمسيحيين "حيث تم رفض البابا شنودة القيام في عملية الحج المسيحي الا بعد تحرير فلسطين والأراضي المقدسة من الغزاة الصهاينة الأجانب حيث قال عبارته الشهيرة: "«لن ندخل القدس إلا وأيدينا في أيدى إخواننا المسلمين»" وان: "«الحج لكنيسة القيامة الآن خيانة للمسيح»."، لذلك كما يتضح من البيان الجديد للبابا تواضروس والتاريخ القديم للبابا شنودة ان هناك "ثبات" واستمرار على نفس الموقف.

ان الكنسية الأرثوذكسية ليست فقط مليونية الاتباع وعابرة للجغرافيا الوطنية المصرية فهي أيضا من أقدم الكنائس في تاريخ البشرية ولها ترتيبات إدارية تنظيمية لما يخص اتباعها حول العالم، وأيضا هناك اخوة عقائدية بينها وبين الكنسية الأرثوذكسية الروسية.

لذلك أتصور ان هناك حرب ضدها كانت موجودة قبل السابع من أكتوبر وهي تواصلت لما بعد هذا التاريخ، والذي نراقب احداثه وتبعات ماذا سيحدث؟ ونحن نشاهد المأساة وهذه البكائيات التي "لا" يبكي اشرار العالم عليها بل يضحكون؟! ولكن ابتسامة المجاهدين اقوى والدم أمضي من أي سيف وطوفان الأقصى ان انجر شيئا فهو ان العرب ...كل العرب عرفوا ان فلسطين في طريقها للحرية والاستقلال من الأجانب الغزاة، وهذه الدماء والجرائم ضد الإنسانية التي نشاهدها في غزة هي لأن طوفان الأقصى صنع تلك الحقيقة ك "وشم في روح كل عربي".

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

نحن شعوب العالم العربي خضعنا في السنوات الأخيرة الى عملية تنويم مغناطيسي عن طريق قانون يُدعى (قانون إماتة الاحتمالات الحية،وإحياء الاحتمالات الميتة) . هذا القانون يُثير في ذهن الجمهور أشياء وأمور ووقائع موهومة، لا وجود لها في الواقع، أو لها وجود ضئيل ولكن تُضخم بشكل كبير جداً، حتى يصلون بالمجتمع الى حد الفزع والحيرة، ومن أمثلة ذلك هو أختلاق عدو موهوم، وقد يكون هذا العدو الموهوم مستعد لصداقتنها أكثر مما يكون عدو لنا، ومثال ذلك هو أيران، حيث أُقيمت بها ثورة أسلامية تحررية، يمكن أن تكون عون للمسلمين، فقام الأعلام المضلل بقلب الحقائق وتزيفها، وهو يمتلك أدوات هذا الأعلام، والمسيطر على أكبر أمبراطورياته، والمهيمن على معظم برامجه، والمختار لما يُنشر، والمانع لما لايرغب بنشره، وقد ذُكر ذلك في كتابهم (برتكولات حكماء صهيون)، والذي يمثل لهم خارطة طريق في سلوكهم السياسي، حيث جاء فيه فيما يخص صناعة موضوع الخبر (..ولن ننشر إلا مانختار نحن التصريح به من الأخبار)،كما أنه ينبش التاريخ السحيق وأسقاطه على الحاضر، ووصم الشعب المسلم بالمجوسي وعبدة النار، وبالكفرة، وأستطاعوا بأدارة بوصلة العداء لهم، وضرورة الأطاحة بحكومتهم الأسلامية بأعتبارهم أخطر من اليهود لأنهم رافضة، لذى يكون من الضرورة القصوى التصدي لهم وتأجيل التصدي لإسرائيل بأعتبارها أقل خطراً،بل لاتشكل أي خطر على الأطلاق، بل يمكن التعاون معها بدل حالة العداء، وما تطبيع بعض الدول العربية إلا مصداق لهذا الرأي، وإن أسرائيل لها من الأصل والفصل ما يقترب من أصلنا السامي، وهي دولة لا تكن لنا الأ السلام والمحبة، وهكذا ضُللت الشعوب بوسائل أعلام مثل قنوات العربية والحدث والجزيرة والشرقية وغيرها من قنوات الأعلام المضللة، والتي غرضها هو نقل مشاعر الغضب والكراهية من وجهة أسرائيل الصهيونية الى وجهة إيران الأسلامية، بأعتبارها رافضية، والروافض في قناعة بعض العرب أشد خطراً وأدهى من اليهود،وقد لعب وعاظ سلاطين الضلالة دور مهم وكبير في هذا التوجه الخطير، كما للأسف لعب بعض الأكاديمين المؤدلجين دوراً لايقل خطورة وبشاعة من دور الطائفيين من بعض رجال الدين وإن النتائج الكارثية التي نعاني منها اليوم، وما تقوم به أسرائيل هو نتيجة طبيعية لهذا الخداع والتضليل التي مارستها ضدنا بمساندة الخونة من حكام العرب، وهنا أحب أن أُشير الى مقطع في كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون) حيث يوضح طرقهم في مخادعة الشعوب وتضليلها حيث جاء فيها (ولضمان الرأي العام يجب أولاً: أن نحيره كل الحيرة بتغييرات من جميع النواحي لكل أساليب الآراء المتناقضة حتى يضيع الأمميون (غير اليهود) في متاهاتهم، وعندئذ سيفهمون أن خير ما يسلكون من طريق هو أن لا يكون لهم رأي في السياسة: هذه المسائل لا يقصد منها أن يدركها الشعب، بل يجب أن تظل من مسائل القادة الموجهين) . و هكذا تُخدع الشعوب بأدوات محلية وفكر غربي يستهدف تركيع هذه الشعوب، فقد أوهمونا بحروب مع إيران والكويت، وبنزاعات في السودان واليمن، حتى وصلنا إلى درجة الإعياء، ودرجة من الضعف والهوان لا نُحسد عليها (حكومات منخورة، مدن مهدمة، بنى تحتية فاشلة وغير موجودة، شعوب منهكة وفقيرة، أمراض وجهل، وفوضى ) لقد نجحوا في خداعنا وإهامنا بأن هناك عدو مفترض هو إيران، فأنهكونا وأنهكوا أيران معاً بحرب مجنونه، كما أثاروا العداء بين العرب أنفسهم حتى لا يطيق بعضهم البعض، مما ساعد في تباعدهم وتباغضهم، وحان الوقت لإسرائيل أن تقطف ثمار خداعها للعرب، وبدأت آلة الموت الأسرائيلي تسحق العرب تحت سرف آلياتهم العسكرية ولات وقت ندامة.

***

أياد الزهيري

صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال عن أهل مصر: "هم وأزواجهم في رباط إلى يوم الدين"

الأحداث تتوالى والتاريخ يسجل أن مواقف مصر وأهلها الثابتة في نصرة القضايا العربية والإسلامية وكافة القضايا العادلة في العالم تؤهلها بحق وعن جدارة للسير بثقة فوق بساط التألق .

أن تكون مؤهلا بالقدر الكافي للوفاء بالتزاماتك أمر ليس هينا، وأن تصبح قادرا دوما على النهوض بواجباتك ليس يسيرا، وأن تصير مستعدا في كل الأوقات لأداء مسؤولياتك هذا أمر ليس سهلا، الله سبحانه وتعالى ييسر على الأمم والأفراد سبيلهم ويسهّل أمرهم بالقدرالذي يمنحهم القدرة على القيام بأداء الرسالة الإنسانية، أنه دور تاريخي ـ مصيري لصيق بالشخصية المصرية، لا يمليه على قيادتها أحد، ولا يفرضه على شعبها سوى الضمير الجمعي، إنه مجتمع لا يذوب في شخصية أخرى وتذوب سريعا في بوتقته كل الشخصيات، فتتحد معها كل الشعوب وقت المحن على كلمة سواء فتنتعش معها المواقف بعد أن تطفئ ظمأها من مياه النيل العظيم،فتسري في الأجساد روح التحدي وإرادة الحياة ورغبة التوثب للانتصار.

تشرفت مصر وأهلها بالحضور المتميز لشخص فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم وقيادة الشعب نحو نهضة مصر في أدق الظروف السياسية وأكثرها خطورة وحساسية، نهضة تشع كعادتها خيرا ونماء يمتد إلى كل من حولها، وقوة مصر العسكرية ضمانة لكل العرب وعامل سلام واستقرار لكل منطقة الشرق الأوسط، ولعل ما نشاهده اليوم من مظاهر التفاعل الإيجابي للدور المصري المؤثر في التطورات الخطيرة في فلسطين المحتلة التي أصبحت تنذر بمستعظم النار على شعوب المنطقة ما يؤكد ذلك، فالهبة المصرية قيادة وحكومة وشعبا لنصرة الشعب الفلسطيني لا تطيق الانتظار، ولا تنتظر إشارة أو تلميحا من أي طرف، إنها جينات تفعل فعلها لتؤدي الشخصية المكرمة دورها فيحمي البلاد بالدم وقت الشدائد جيش الكنانة .

يقوم الشعب المصري والعربي كعادته بدور كبير و مشرف في دعم صمود أشقائه بفلسطين أمام الاعتداءات الإسرائيلية المسلحة بتقديم ما تيسر لهم من المساعدات الأخوية للتخفيف من حدة أثار الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة وفي أجزاء من الضفة الغربية جراء الغارات الجوية الإسرائيلية،الجسور الجوية قائمة ومتواصلة، وجهود الشحن والتفريغ يتسابق لأدائها الشباب، هناك سباق ضد الساعة لتوفير المستلزمات الطبية والمواد الغذائية وكافة أوجه الدعم اللوجيستي في أسرع وقت، فالجرح العربي في فلسطين غائر، ويتحمل الجانب المصري عبئا هائلا من المسؤولية لنقل المساعدات من كل دول العالم بكل همة إلى قطاع غزة في ظروف جد خطرة حيث ما تزال تنهال القنابل على أهداف مدنية بدون تمييز، وهذا لكي لا يواجه أحد بمقولة جئت متأخرا!

بنظرة سريعة على خريطة المنطقة قد يصاب المرء بالذهول من حجم المشاكل التي تفجرت على حدود مصر خلال فترة قصيرة، في ليبيا غربا، وفي السودان جنوبا، وفي فلسطين شرقا، ومع ذلك ظل وجود الجيش المصري هو العامل الأساسي في صمود مصر وقوتها، وشكّل مركز الثقل في توازن المنطقة، وكان ذلك في صالح الدول العربية وخاصة دول الجوار حيث أدى الجيش دورا في دعم جهود إعادة الاستقرار وفي إغاثة شعوب هذه الدول من الكوارث الطبيعية، وتبقى مصر مستمرة في مساعيها للدفع بالجهود الإقليمية والدولية نحو تبني مسار التهدئة ووقف التصعيد العسكري في قطاع غزة لتجنب التبعات الإنسانية الخطيرة من اتساع رقعة الصراع على كافة دول المنطقة، لقد تطور الموقف المصري بشكل ملحوظ منذ بداية التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحركة حماس، بداية من إعلانها إجراء اتصالات مكثفة مع الجانبين لوقف إطلاق النار، ودعوتها للجميع بضبط النفس، وصولا إلى منع خروج الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح إن لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات للقطاع، مرورا بالتصريحات المتكررة، بأن سيادتها ليست مستباحة وأمنها القومي ذات أولوية، ثم كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمجتمع الدولي لعقد " قمة القاهرة للسلام " واحتضنت مصر في 20 أكتوبر2023 أعمال القمة بحضور قادة وزعماء 34 دولة ورؤساء أربع منظمات عالمية لمناقشة تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدانة استهداف المدنيين المسالمين، والتعبير عن التنديد الصريح بمؤامرات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى تهجير أهالي غزة من مدينتهم وترحيلهم إلى مناطق أخرى في جنوب القطاع، والتأكيد على رفض سيناريوهات دفع ملايين الفلسطينيين نحو إقامة دولتهم في صحراء سيناء المصرية، ودفع الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن، والمطالبة بفتح معبر رفح الفلسطينية لمرور قوافل المساعدات الغذائية والدوائية الدولية لمواطني المناطق المنكوبة جراء القصف الإسرائيلي الجوي والبري. لقد تم بالفعل مرور قوافل المساعدات في أجواء حماسية فرحا بالمواقف الانتصارية، ولم يخل الأمر من تعرض أبناء مصر بالقوات المسلحة لبعض الإصابات الخطيرة من شظايا القذائف الإسرائيلية، وهذه ضريبة يدفعها أبناء مصر الكنانة بكل عزة وشرف.

***

صبحة بغورة

جاءت مشاركة العراق في ما سمي "مؤتمر القاهرة للسلام"، وخصوصا بعد رفض الجزائر وتونس المشاركة، جاءت مفاجئة بعض الشيء للعديد من الأوساط المحلية والخارجية على اعتبارات عديدة من بينها إنَّ الحكومة العراقية الحالية والتي يرأسها السيد محمد شياع السوداني متبناة ومدعومة ومقترحة من قبل الأحزاب والفصائل الإسلامية الشيعية الحليفة لإيران والتي يجمعها "الإطار التنسيقي" ضمن تحالف أوسع يدعى "إدارة الدولة".

لقد انتهى المؤتمر المذكور بفشل ذريع، فلم يصدر عنه حتى بيان ختامي، بعد أنْ تحول إلى ما يشبه منصة إعلامية مباحة للوفود الغربية - وبعض الأطراف العربية كالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط - للتهجم على الشعب الفلسطيني ومقاومته الذي ترتكب بحقه حرب إبادة شنيعة وللدفاع عن الكيان بذريعة "حق الدفاع عن النفس".

وقد ذكرت بعض التسريبات أن الحكومة العراقية حين علمت باحتمال مشاركة ممثل عن حكومة الكيان الصهيوني وهو أمر لم يؤكده أو ينفيه الطرف المصري المنظم هددت بالانسحاب الفوري من المؤتمر إذا حضر فيه ممثل الكيان، أما الجزائر وتونس فقد اختارتا أقصر الطرق وأكثرها مبدئية ورفضتا المشاركة في المؤتمر كما ذكرت جريدة الشروق الجزائرية – عدد 20 تشرين الأول /أكتوبر 2023 تقرير لمحمد مسلم. وخلال جلسة المؤتمر الافتتاحية كانت كلمة السوداني موضع إعجاب وإطراء واسعين لأنها كانت قوية وواضحة في إدانتها للمجازر الإجرامية المرتكبة في غزة وللأطراف المساندة للكيان والساكتة على جرائمه وخصوصاً في الفقرة التي خرج فيها السوداني على نص خطابه المكتوب وردَّ بها بشكل مرتجل وغير مباشر على الخطاب العدواني والاستفزازي الذي ألقته رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة الفاشية جورجيا ميلوني والتي سبقت السوداني في الكلام حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول، وقد رد السوداني على ميلوني بحزم حين جاء دوره في الكلام بعدها قائلا "إن بعض الأصدقاء هنا يصفون الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه في كلماتهم بأنه يقوم بأعمال إرهابية بينما يعتبرون الجرائم المدمِّرة المُمنهَجَة التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني بأنها أعمال دفاع عن النفس"! كما أن السوداني رفض في فقرة أخرى أن يتطوع أي طرف عربي فيتكلم نيابة عن الفلسطينيين ويتبرع باسمهم بأي شيء في إشارة فسَّرها البعض بأنها موجهة إلى الدول التي ترتبط بالكيان الصهيوني باتفاقيات ومعاهدات استسلام مذلة.

وعند نهاية الجلسة الافتتاحية انسحب السوداني لحظة التقاط الصورة الجماعية التذكارية لرؤساء الوفود المشاركة، وقيل عندها أنه والوفد العراقي انسحب من المؤتمر ولذلك لم تظهر صورته فيها بينهم، ولم يصدر بيان عراقي رسمي يؤكد انسحاب الوفد. غير أن أنباء تسربت بعد ساعات وقالت إن السوداني رفض المشاركة في التقاط الصورة الجماعية لأسباب بروتوكولية تتعلق بترتب مكان وقوفه حيث طلب منه الطرف المنظم المصري أن يقف خلف أمير قطر فرفض وانسحب. ومعلوم أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الانسحاب فقد سبق ان غاب السوداني عن الصورة التذكارية للقمة العربية الثانية والثلاثين في جدة، ولذات السبب، وهو رفضه الوقوف في الصف الثاني.

بعيدا عن كل هذه التفاصيل الصغيرة والتي قد لا تخلو من دلالة، يبقى الدور العراقي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضد حرب الإبادة التي تشن عليه وفاق عدد الشهداء فيها الأربعة آلاف موضع تساؤلات قد نجد بعض الإجابات والتفسيرات لها في الآتي؛

معلوم أنَّ العراق ومنذ الاحتلال الأميركي سنة 2003 وقيام حكم المحاصصة الطائفية سنة 2005 يعتبر بلدا منزوع السلاح وخاضع للمراقبة الأميركية والغربية وحتى الإسرائيلية غير المباشرة أو عبر القوات الأميركية العاملة في العراق، وممنوع من شراء الأسلحة من الدول الشرقية كروسيا. فقد أفشلت واشنطن محاولته عراقية لشراء منظومة صواريخ (أس 300) سنة 2020 كما ورد في تصريح لعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية على الغانمي كما منع من شراء منظومة رادارية روسية وبقي العراق مستباح جواً حتى الآن كما تعرقلت محاولة عراقية أخرى بحر العام الجاري لشراء سرب من طائرات رافال الفرنسية المقاتلة ولم تتم حتى الآن.

كما شكت الحكومة العراقية أكثر من مرة من عدم تزويدها من قبل الجانب الأميركي بقطع الغيار والعتاد الخاص بطائرات أف 16 التي اشتراها العراق واستلمها بعد انتظار طويل وعرقلة مديدة ما أدى إلى أن يتحول بعض هذه الطائرات إلى كومة من السكراب التي لا نفع فيها لانعدام قطع غيارها.

غير أن العراق رغم ما تقدم من بؤس تسليحي يضعه خارج دائرة الصراع الفعلي ولكنه يتوفر على عدة أوراق قوية بإمكانه استعمالها في الدفاع عن نفسه واستعادة سيادته واستقلاله أولا. وفي المساهمة الفعالة في قضية العرب الأولى فلسطين والدفاع عن شعبها في وجه المجازر الدموية الصهيونية المتتالية ثانيا. ولعل من أهم هذه الأوراق هي القدرات القتالية البشرية والخبرة العسكرية المتراكمة لدى الجيل العراقي الشاب الحالي والذي ساهم عبر قوات الحشد الشعبي في حرب تدمير العصابات التكفيرية الداعشية كانت حربا قاسية دامية تكللت بالانتصار. يمكن لهذه القوى المدربة جيدا أن تلعب دورا مركزيا وباسلا بأسلحة خفيفة ومتوسطة إذا ما تطور الصراع وتدخلت واشنطن مزيدا من التدخل في العراق والمنطقة.

الورقة القوية الثانية هي تفعيل القرار الصادر عن مجلس النواب العراقي بتاريخ 5 كانون الثاني يناير 2020، والقاضي بإخراج قواتها العسكرية فورا من الأراضي العراقية، ومطالبة السفارة الأميركية بإخلاء مبانيها وهي قلعة حصينة مؤلفة من عدة مبان مسلحة بالأسلحة الثقيلة ومنظومات صاروخية حديثة تحرسها وتديرها قوات خاصة، ومطالبتها الانتقال إلى مبنى آخر لا يزيد على حجم السفارة العراقية في واشنطن عملا بمبدأ التعامل بالمثل!

إن هذه الورقة المشروعة لا تحتاج حتى في جانبها الإجرائي إلى طرح الموضوع للتصويت مجدداً في مجلس النواب فالقرار متخذ، ولا يحتاج إلا إلى تفعيله من خلال مطالبة الحكومة بتنفيذه الفوري.

ويمكن لنا أن نتخيل الهزة التي سيحدثها هذا الأمر على بايدن وإدارته، وهو الذي يحاول أن يجعل من إسناده للكيان الصهيوني في مجازره رافعة انتخابية فعالة له في معركته الرئاسية القادمة.

إن هذه الإجراءات على محدوديتها وتواضعها هي الرد المعقول على الهمجية والوحشية الصهيونية الأميركية في فلسطين وإلا سيلعن التأريخ كل من كان بمقدوره القيام بها ولكنه رفض وتردد في القيام بها حرصا على بقائه في الحكم وترك دماء أطفال غزة تسفك مدرارا!

ولكننا من جهة أخرى لا نعول كثيرا على القوى السياسية النافذة والتي تدير الحكومة وتهيمن عليها وعلى مجلس النواب بغض النظر عن هويتها الطائفية أو العرقية، نظرا لارتباطاتها المسبقة بدولة الاحتلال، وتعويلها عليها في توفير الحماية والغطاء الغربي، وبسبب فسادها الداخلي وصراعاتها الداخلية النابعة من طبيعة الحكم القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية، بل نلقي بالحجة عليها من خلال طرح هذا التحدي على هذه القوى الحاكمة كنوع من الشهادة أمام التأريخ!

لقد انتهى زمن الصواريخ السياسية العتيقة التي كانت تلقى لتسقط على مرائب ومخازن القواعد الأميركية الخالية وجاء زمن استعمال كل الأوراق الممكنة لإنقاذ الشعب الفلسطيني من حرب الإبادة المتفاقمة ضده هذه الأيام!

***

علاء اللامي- كاتب عراقي

التاريخ بحر تتلاطم أمواجه على مرفأ الحاضر.. إنها أحداث مفصلية ومنعطفات تاريخية قلبت الموازين وبدلت خريطة العالم الجيوسياسية..بدءاً من البعثة النبوية وما تلاها من سقوط إمبراطوريتي الفرس والروم.. لعنة التتار.. وتوسع رقعة الاستعمار الأوروبي فى آسيا وإفريقيا تزامناً مع سقوط الخلافة العثمانية..سايكس بيكو وتقسيم كعكة الشرق الأوسط مع صعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل أشد وأسوأ موجات التاريخ المدمرة ما حدث من قيام دولة إسرائيل كشوكة مغروسة فى صدر الأمة العربية..فهل ما نشهده من أحداث ينبئ باقتراب إحدى موجات التاريخ الكبري التى تتغير على إثرها صفحة الأرض؟ وهل تكون هى الموجة الأخيرة؟

البوصلة تتجه شرقاً

شمعة الغرب توشك أن تذوب..البريق الأمريكى يكاد يخبو ويذوى..والقارة الأوروبية العجوز تستند على عصا نفوذها الاستعمارى القديم وتكافح كى لا تسقط..

أمريكا تتآكل من داخلها تآكل الرميم..الشباب الأمريكى غارق حتى أذنيه فى الملذات والمخدرات حتى لا تكاد تجد من بين كل مائة منهم واحداً صالحاً للعسكرية، وقد تفشى بينهم التهرب والفرار من التجنيد.وانتشرت عدوى اقتناء السلاح بينهم لدرجة أن عدد قطع السلاح فى شوارع وبيوت أمريكا يزيد عن ربع مليار قطعة؛ ولهذا انتشرت الجريمة بأنواعها فى ربوع الولايات تقودها عصابات منظمة زاد عددها عن 500 منظمة إجرامية، وارتفعت حالات الاعتداء الجنائى على تلاميذ المدارس عن عشرة آلاف حالة سنوياً، واكتظت السجون الأمريكية بسجناء بلغ تعدادهم أكثر من مليون سجين! واختفى الوازع الدينى تماماً ، فلولا الآلاف من رجال الشرطة لتحولت أمريكا إلى غابة تسيطر عليها جرائم السرقة والقتل والنهب والاغتصاب.

أزمة الاقتصاد العالمية أصابت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بضربات مهلكة، أشدها ضربة الحرب الروسية الأوكرانية التى ما فتئت تستنزف خزائن حلف الأطلسي ومستودعات أسلحته، والدين الأمريكى تجاوز حد 33 تريليون دولار، وباتت أية هزة اقتصادية بسيطة كافية لتدمير الاقتصاد الأمريكى ومن خلفه اقتصاديات الدول والبلدان المعتمدة على الدولار.

وبينما أوروبا وأمريكا مشغولتان بحروب وصراعات لا تنتهى ينطلق التنين الصينى فى مساره الاقتصادى كالصاروخ لا يعبأ بأمريكا ومخططاتها ومؤامراتها. إنها مسألة وقت حتى يصبح الاقتصاد الصينى هو الأول عالمياً . ولا شك أننا على أعتاب مرحلة تاريخية تنعكس فيها البوصلة من الغرب إلى الشرق..

البداية من الشرق الأوسط

لطالما كانت بؤرة الأحداث الكبري عبر التاريخ تنطلق من ها هنا..  أرض الشام بالتحديد كانت أهم بؤرة تدور حولها الصراعات منذ تم فتحها على عهد عمر بن الخطاب وحتى تسليمها لليهود بعد وعد بلفور..والمقاومة الفلسطينية لم تتوقف منذ عهد ياسر عرفات و أبو جهاد وحتى كتائب عز الدين القسام التى صنعت ملحمة السابع من أكتوبر باقتحامها لمستوطنات غلاف غزة وبدء معركة حاسمة ما زال مداها يتسع، وقد تصل إلى حد الحرب الشرق أوسطية متعددة الأطراف..

الإعلام الغربي يريد إعلانها حرباً دينية تلمودية من أجل إشعال فتيل شرارة هرمجدون ..تلك الحرب التى لها فى نفوس اليمين الأمريكي المتطرف قداسة خاصة..ولعلك تندهش إذا علمت أن السياحة الدينية فى إسرائيل حققت فى عام واحد ما زاد عن 4 مليارات دولار أغلبها أنفق على زيارة أرض الميعاد "مجيدو" المذكورة فى أساطير اليهود حول معركة هرمجدون.

الوضع فى فلسطين المحتلة يشتعل أكثر فأكثر..تل أبيب يتم قصفها يومياً بصواريخ تنطلق من الجنوب الغزاوى، وقد تم إجلاء أكثر من 60 ألف إسرائيلي من مناطق القصف المتاخمة للشواطئ إلى الداخل الإسرائيلي..وحزب الله بدأ مناوشات على الحدود الشمالية مهدداً باقتحام الحدود والاشتراك فى المعركة حال بدء الاجتياح البري لغزة..وأمريكا بدأت إجلاء رعاياها عبر ميناء حيفا..فى الوقت الذى يضغط فيه الرأى العام الإسرائيلي على حكومة نتنياهو من أجل استرداد الأسرى وإنهاء الحرب.

وجهة النظر الغربية تتفق مع توجهات الحكومة الإسرائيلية فى الرد العنيف الحاسم رغبة فى القضاء على عناصر المقاومة وللثأر لكرامة الجيش الإسرائيلي التى أهدرت فى السابع من أكتوبر بعملية طوفان الأقصى، ولهذا تحرك الأسطول الأمريكى متمثلاً فى حاملتى الطائرات الرابضتين فى شرق المتوسط.

وبالرغم من نبرة التهديد وحماسة الغضب لدى إسرائيل ومن خلفها أمريكا، يبدو خوفهما واضحاً بادياً من تردد إسرائيل فى اقتحام غزة برياً خوفاً من توسع دائرة الصراع. بل إن ماكرون أعلنها من فرنسا أنهم يخشون انتقال الصراع خارج الحدود. وأن جرائم الكراهية قد تنتشر وتتفشي كما حدث فى أمريكا من جريمة قتل مريعة نفذها مسن يهودى ضد طفل فلسطينى مقيم بأمريكا!

كل جرائم القتل التى ارتكبها اليهود فى فلسطين المحتلة لن تمر دون قصاص.. ولعلنا نشهد اليوم بدايات المعركة الفاصلة التى تنهدم فيها الجدران والحواجز..

لعنة العقد الثامن

ثمة أدلة متكررة من التاريخ أن العِقد الثامن من حياة كثير من الأمم يحمل نذيراً بقرب نهايتها..

إسرائيل الآن تعيش لعنة جيل الأحفاد؛ أولئك الذين يحدث بينهم الشقاق والتشظى بما ينذر بالأسوأ.. هناك انقسام حتى فى دوائر الحكومة الإسرائيلية ذاتها ما بين حكومة نتنياهو وأنصار بن غفير، وبدا هذا فى الخطاب الذى أراد نتنياهو إلقاءه على مسامع الضباط فى غلاف غزة فواجهوه بالسباب والصراخ ولم يستطع إلقاء الخطاب! أكثر من هذا أن كثيراً من المستوطنين باتت لديهم قناعة أن الحياة فى إسرائيل باتت مستحيلة، وتزداد تلك القناعة رسوخاً كلما توسعت دائرة المعارك وطال أمدها..ولأنهم جميعاً من مزدوجى الجنسية، فقد فر الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية فى أوروبا والأمريكتين خاصةً الأثرياء ورجال الأعمال منهم.

على الناحية الأخرى، أمريكا تعانى اقتصادياً بسبب دعمها لإسرائيل. وهناك أصوات تنادى برفع الدعم عنها وأن أمريكا تورطت فى صراع لا تريده، خاصةً وأنها تحقق لروسيا مكاسب غير مباشرة بفتح جبهات قتال متعددة بما يضر بمصالح أمريكا ضرراً كبيراً يزداد كلما استمرت الحرب.

اتساع نطاق الحرب ليس فى مصلحة إسرائيل. وخطة الاجتياح البري لغزة التى تنوى إسرائيل تنفيذها ستكون وبالاً عليها، وسوف تنفتح عليها أبواب الجحيم من كل جانب.. ولعل لعنة العقد الثامن قد أصابت جيل الأحفاد المترف المهزوم.

أحداث عظيمة قادمة

منذ عام 2020 ومع تفشى وباء كورونا وهناك نبرة تتصاعد أننا قادمون على أحداث النهاية!

مع كل تهديد بحرب نووية بين روسيا والناتو يقال إنها مقدمات للحرب العالمية الثالثة..ومع كل زلزال أو طوفان أو إعصار مدمر تصحو الهواجس وتنتشر الدعاوى أننا نشهد علامات آخر الزمان، وأن النبوءات والآيات تأتى تترى لتؤكد أن ما يحدث ليس إلا بدايات النهاية.

المؤكد أننا نشهد إرهاصات أفول الأحادية الأمريكية، وبداية موجة عظمى من موجات التاريخ التى من شأنها أن تغير وجه العالم..ولعل ما يحدث فى الشرق الأوسط هو الشرارة التى تنطلق منها أحداث عظيمة قادمة تجعل ما يأتى بعدها لا يشبه أى شئ مما كان قبلها.. فلا نظام عالمى، ولا مجتمع دولى، ولا شرطى كونى اسمه أمريكا، ولا شوكة فى خاصرة الأقصى اسمها إسرائيل.. وإنما خريطة سياسية جديدة وقواعد عالمية تختلف عما عهدناه ..والتاريخ يعلمنا أن الصراعات والحروب بدايات لموجة تاريخية عاتية تندثر على إثرها أمم وتنهض بدلاً منها أمم غيرها.

***

عبد السلام فاروق

فجر اليوم الجمعة بتوقيت القاهرة ألقى الرئيس جو بايدن بخطاب متلفز إلى الشعب الأمريكي، عن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، ليعيد لنا ما كتبة كل من:(بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في كتابة رقعة الشطرنج عام 1992/ وصامويل هنتنجتون الكاتب الأمريكي صراع الحضارات)... ركز أمس الرئيس بايدن حول الحرب الأوكرانية والصراع الدائر. حول الاستحواذ علي من يسيطر علي المنطقة. وجاء في سياق الخطاب دول البلطيق وبولندا، وإيران...!!

إن رقعة الشطرنج. التي تدور عليها اللعبة كما يقول المؤلف هي أوراسيا وهي لعبة تنتهي بسيطرة الغالب على الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجغرافية السياسية، حيث الاعتقاد الراسخ لدى السياسيين بأن من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم. وفي عصرنا الحديث، اهتمت أميركا للسيطرة على هذه البقعة الحيوية من العالم، حيث الهدف النهائي للسياسة الأميركية يتمثل في صياغة وتشكيل جماعة دولية متعاونة تكرس هذه الهيمنة...، كما جاء في خطابة فجر اليوم...

والكاتب يذهب إلى أن الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة لصياغة وتنفيذ (جيوستراتيجي متكاملة وشاملة وطويلة الأمد لعموم أوراسيا). ويرى المؤلف أن القوة التي تسيطر على أوراسيا هي القوة التي تتحكم في اثنين من مناطق العالم الثلاث الأكثر تقدما والأوفر في مجال الإنتاجية الاقتصادية، فالذي يسيطر على أوروبا يسيطر على أفريقيا. وفي أوراسيا تقع الدول الست التي تلي الولايات المتحدة في ضخامة الاقتصاد وحجم الإنفاق على التسلح، وفيها أيضا توجد جميع الدول النووية المعلنة باستثناء واحدة.

ظهرت مع نهاية الحرب الباردة ويقصد الكاتب كوريا الشمالية، ومع انهيار الكتلة الشرقية وسقوط حائط برلين،. وتفكك الاتحاد السوفيتي، مجموعة من الأطروحات التي تقر بالتحول الجذري للعلاقات الدولية، وهذه الأطروحات تنظر بشكل سلبي ومتشائم لما ستكون عليه الحضارات من صراعات عنيفة بدل من أن تقوم على المصالح الاقتصادية المتبادلة، إن الأحداث الجارية في غزة وتحريك الأساطيل في الغرب وتحركها إلى منطقة الشرق الأوسط. وازدواج المعايير. ضد شعب أعزل ومحاولة جر دول. للدخول في الصراع، إخراجها من كنف الهيمنة الأمريكية مثل إيران.، ليعيد لنا صراع الحضارات في المنطقة من حملات صليبية جديدة...!!

ويعتبر البروفيسور/ صامويل هنتنجتون من أشهر من تحدث عن نظرية صراع الحضارات. لقد جاءت فكرة صراع الحضارات في البداية على شكل مقال صغير نشر عام 1993م في إحدى المجلات الأمريكية. وقد انتشر مقال الكاتب الأمريكي/ صامويل هنتنجتون بشكل كبير وواسع، وكان المقال الأكثر قراءة منذ أن صدرت هذه المجلة الصغيرة وبعد عدة سنوات قام" هنتنجتون" بصياغة مقالته في كتاب شرح فيه نظريته بشكل موسع، كما برر كل ما ذكره في ذلك المقال، يرى صامويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات) أن الصراعات التي سوف تنشأ بعد الحرب الباردة سوف تكون صراعات حضارية ذات أسباب ثقافية، ودينية وليست صراعات قومية ذات عوامل سياسية، أو أيدولوجية، أو حتى اقتصادية، ومن أهم القضايا التي تحدث عنها هنتنجتون في كتابه، تغير السياسة الدولية لتصبح ذات أقطاب وحضارات متعددة، فالحداثة على حد قوله ليست المنتج للحضارة العالمية، يتحدث صامويل هنتنجتون عن تأثير الغرب النسبي الذي بدأ بالتناقص، فهو يرى أن الحضارات الآسيوية أصبحت ذات قوة أكبر في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، وكذلك العسكرية، وأن (العالم الإسلامي) أصبح قوة حقيقية وهي عامل تهديد للحضارات التي تجاورها على حد رأيه، وقد أثير هذا الموضوع عقب أحداث برجي التجارة العالمي عام 2001..   وقد قدم هنتنجتون مجموعة من الإحصاءات التي تظهر تناقص الأوروبيين بالنسبة للعدد الإجمالي لسكان العالم، وفي المقابل تزايد عدد الآسيويين والمسلمين.، صعود الإسلام من الأمور التي تحدث عنها صامويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات)، وقد ذكر في كتابه الامتداد الإسلامي من الناحية الجغرافية، وكذلك من الناحية السكانية، حيث وصلت مساحة البلاد الإسلامية إلى ما يقارب 21 % من المساحة المأهولة للكرة الأرضية ، ووصل عدد المسلمين إلى أكثر من مليار نسمة، كما سيطروا على نسبة كبيرة من الاحتياط العالمي للنفط والغاز، وقد كان صامويل هنتنجتون قلقا من أن العالم الإسلامي غير قادر على مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية. وظهور نظام دولي جديد يقوم على أساس الحضارة، وهو يضم تجمعات اقتصادية لها هوية مشتركة وهذا سر نجاحها، وقد ذكر هنتنجتون أمثلة على ذلك منها مجموعة الكاراييبي التي تضم مستعمرات بريطانية قديمة يبلغ عددها 13 مستعمرة، وبحسب رأي هنتنجتون فإن العالم سوف يقسم إلى خمس حضارات وهي:- حضارة الغرب: تضم هذه الحضارة أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وقد تشكلت من امتداد المسيحية واعتمدت على العلمانية بشكل أساسي. الحضارة الأرثوذكسية: تضم هذه الحضارة العالم الروسي، وأوروبا الشرقية، وقد ظهرت في هذه الحضارة سيطرة الكنيسة الأرثوذكسية. الحضارة الهندوسية: وتضم هذه الحضارة الهند وبعض الدول القريبة منها. الحضارة البوذية الكونفشيوسية: تضم هذه الحضارة الصين ومن يعيشون في الشتات منهم. الحضارة الإسلامية: وتضم هذه الحضارة جميع البلاد التي يدين أفرادها بدين الإسلام. هل حان الأن أن نفهم ما يدور ضدنا ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب مصري وباحث

هكذا ينظر خصوم  الإسلام للإسلام

إسرائيل وما تملكه من إمكانيات وثقافة معلوماتية وتحكمها في التكنولوجيا والرقمنة استطاعت أن تتحكم في مصائر العرب والمسلمين ليس بأسلحتها وصواريخها فحسب، بل بالتكنولوجيا الحديثة، وبهذا التطور الرقمي استطاعت إسرائيل أن تؤثر في الشباب واستهويهم بل تغريهم عن طريق الفضاء الأزرق (الفيسبوك)، هي معركة امتزجت فيها الثقافة والسياسة والحرب وحتى الحب، الذي يعتبر الوسيلة الأكثر استعمالا في عمليات غسل المخ، وإلهاء الشباب العربي، هي معركة قادها شاب اسمه مارك، بعبقريته أنشا فضاء أزرقا، استقطب من خلاله الملايين من الشباب والكهول وحتى الشيوخ، بالإضافة إلى النساء والشابات، يتحكم في علاقاتهم (ن) وتواصلهم، يعاقبهم إن أساءوا التصرف مع إسرائيل بتقييد حسابهم، ثم يصفح عنهم ويغفر خطيئتهم

في المخيال الإسرائيلي، الفضل يعود إلى العقل الإسرائيلي في تقريب العالم العربي من العالم الغربي والتطلع على حضارات وثقافات الآخر، في ظل العولمة التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، مما مكنها من أن تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في الصناعة التكنولوجية، استطاعت إسرائيل،- وفي منظورها هي- أن تحقق التواصل الإجتماعي وتربط بين الشعوب في العالمين الغربي والعربي وخلق بينهم علاقة وروابط عربية/ عربية وعربية/غربية، ومكنت العرب من رسم وجودهم في الخريطة، لكن ما هو المقابل؟، المقابل طبعا هو عدم "معاداة السامية"، وعدم المساس بإسرائيل، كما ترى إسرائيل نفسها مطورة العرب والفضل يعود إليها في رقيّهم، بيدها إحياؤهم وبيدها إبادتهم ومحوهم من الوجود، وهو ما تفعله مع سكان غزة وفلسطين، وبذلك تجبرهم على أن يُطَبِّعُوا ويكونوا تُبَّعًا لها، فتعاملهم بلغة الغالب والمغلوب، "و لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم".

إن إنشاء هذه الفضاءات الرقمية للتواصل الإجتماعي الغاية منه فرض عملية التجسس على العرب والمسلمين وتتبع عوراتهم ومواقعهم وماهي مخططاتهم، وقد عملت إسرائيل كل ما وسعها لتحقيق أهدافها، ولم تتوقف عند هذا الحد فقط بل اندست في صفوفهم باسم البعثات العلمية، قام بها مستشرقون،  تعايشت معهم  لغاية في نفسها واكتشفت عاداتهم وتقاليدهم، كما تعلمت لغتهم نطقا وكتابة، وقد كان للمستشرقين دور في هذا، والمسلمون غافلون، هي عبارة عن "بروبغندا صهيونية"، لطمس الهوية الإسلامية بل القضاء على الإسلام ومحوه من الوجود، فالفكر الإسرائيلي يحاول وبشتى الطرق ان ينشر أفكاره منذ تواجده للقضاء على الأديان، حيث اطلقوا على أنفسهم اسم " البناؤون الأحرار"، وهذان اللفظان لهما دلالة قوية في التأثير في الشباب (البناء والحرية) "ابني نفسك وعش حريتك"، أرادت الماسونية أن تروج لفكرة أن البشرية مقيدة بشيء اسمه "الدين" ولابد من تحريرها من هذه القيود، والدفاع عن القيم الإنسانية، وقد وضعت في بروتوكولاتها (بروتوكولات حكماء صهيون) قواعد وبنود واستراتيجيات في استغلال الكراهية، وأصدرت قوانين لتحريم معاداة السامية  anti sémitism، هذا القانون الذي أضفى القداسة على إسرائيل والصهيونية.

ما زاد في ضعف العرب والمسلمين وتشتتهم في المخيال الإسرائيلي هو الصراعات الطائفية والحروب الأهلية التي تقع بين الشعوب وأنظمتها المستبدة وتقاتلهم فيما بينهم (أي عربي يقتل عربيا ومسلم يقتل مسلما)، وأرجعوا هذه الفتن إلى بداية ظهور البشرية والصراع بين قابيل وأخيه هابيل والذي انتهى بموت أحدهم، وكما يقال " كفر المنجمون ولو صدقوا"، فإسرائيل عزفت على هذا الوتر لتشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام الدولي، لا ضير إذن أن يقتل يهوديٌّ مسلمًا، طالما المسلم يقتل أخاه المسلم باسم الدين وبأبشع الطرق، فالحديث عن الفكر الإسرائيلي يعني الحديث عن الفكر الماسوني الذي تحركه الصهيونية التي ازدادت شوكتها بفعل "التطبيع"، يقول داوود بن غريون: "نحن لا نخشى غير الإسلام"، ويقول شمعون بيريز: "لن نطمئن حتى يُغْمَدَ الإسلام سيفه"، ويقول إسحاق رابين: "الدين الإسلامي عدونا الوحيد"، هكذا ينظر خصوم الإسلام للإسلام، والمسؤولية لا تتحملها إسرائيل، طالما الأنظمة العربية (وبدون تعميم) باعت دينها وارتمت في أحضان إسرائيل، من أجل المصلحة الذاتية الضيقة، فكل شيئ عندها للبيع، الأرض والعرض ومن عليها، المهم ان تنتفخ الجيوب والبطون، رضيت بالذلّ والهوان والعبودية وسلمت رأسها للكيان الصهيوني، فكانت لها القابلية للاستعمار والاستعباد.

***

علجية عيش

يا أيّها الأحياء تحت الأرض عودوا... إنّ النّاس فوق الأرض قد ماتوا

الشاعر الفلسطيني محمود درويش

***

بعد محرقة غزّة التي لا تزال متواصلة منذ حوالي أسبوعين. تلك المحرقة التي تدمي الحجر قبل البشر، جاء موقف جامعة الدول العربية صنيعة بريطانيا لا يختلف جوهريّا عن الموقف الأمريكي الذي عبّر عنه رئيس "ديمقراطي !!!

وإن كان عذر الأمريكيين هو أنّهم لا يختلفون جوهريّا عن الصهاينة، فكلاهما هجّر السكّان الأصليين للارض، إن في أمريكا الشماليّة، أو في أرض فلسطين. وإن كان عذر أوروبا انّها لا تعدو أن تكون إلّا ذيلا من ذيول العم صام، فضلا عن عقدتها المزمنة من المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية، فإنّ جامعة الدول العربيّة بجميع أعضائها ال22 لا عذر لها ولهم، ولا بواكي لها ولهم، في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الامّة العربيّة، من هوان وضعف وإذلال و تدمير لكلّ مقدّراتها. وهو ما تجلّيه صور الدمارالشامل الذي اصاب ويصيب قطاع غزّة أمام انظار العالم "الحرّ" الذي يتفرّج باندهاش ولا يحرّك ساكنا.

لذلك، فقد سقطت ورقة التوت الاخيرة التي تستر عورتهم جميعا، إن في الشرق أو في الغرب، وسقطت معها كل المساحيق وأقنعة الزيف و النفاق التي لطالما ارتدتها الدول الغربية كما العربيّة لسنوات طويلة، وراوغت بها شعوب المنطقة العربيّة، لتغطّي بها عورتها كريهة الرّائحة، يشاركها في ذلك "بيت العرب" الموسوم، من باب التجوّز، بجامعة الدول العربيّة " فيما كان من الأفضل أن تسمّى بجائحة الدول العربيّة. وذلك، إنسجاما مع الكوارث التي سبّبتها للعرب. ولعل قرار المشاركة في حرب الخليج الثانية/ الثلاثينيّة ضد العراق فيما سمّي بعاصفة الصحراء" أفضل دليل على أنّ تغييبها أفضل من وجودها. لذلك، فأي كلمة تسمع للحكّام العرب لدى شعوبهم بعد اليوم؟، و اي موقف بعد اليوم له وزن؟ ل"جائحة الدول العربية" التي تصيب الشعوب العربية، بعد كلّ اجتماع تعقده، بأخطر الأمراض القاتلة، لغباوة وحمق وتفاهة قراراتها التي لا مكان لها حتّى في مزبلة التاريخ، ضرورة أنّها بالفاظ فضفاضة خاوية تدلّ على الشيء وضدّه، بما يعني، بين ألأسطر- بعد تفكيك الشفرات- أنّها لا تدعم ضمنيّا سوي العدو الجلّاد، ولا تناصر، بل تدين الضحيّة بتوظيف التورية، رغم أنّه شقيق من أبناء "جلدتها". يحدث هذا، وهي المسمّاة زيفا وتعمية بجامعة الدول العربية، فيما هي حقيقة وواقعا، تكاد تكون جامعة الدول "العبريّة" بحكم الوزن النسبي لأعضائها المطبّعين في المنطقة. هذا، علاوة على أنّ الجامعة/ الجامحة العربيّة / العبريّة،.هي الآن في طور الموت السريري. وهي في أفضل حالاتها مشلولة الحركة، واهنة وغير قادرة على جمع وتوحيد، الأنظمة العربيّة المتشظية وعديمة الوزن في ميزان القوى الدولية. ذلك أنّ هذه الدول متباينة المواقف، بين أقليّة قليلة، مؤيّدة، داعمة ومناصرة بقوة للقضية الفلسطينية، وأغلبيّة، إمّا مطبّعة مع الكيان الصهيوني المسخ، وبالتالي تقف في صفّه، سرّا وعلانيّة، أو متخاذلة، منافقة، لا بل متواطئة تتظاهر بالدعم في العلانية وتتواطأ سرّا مع العدو. ليس هذا فحسب، بل إنّ الجائحة العربية عاجزة، أيضا، حتى على جمع وتوحيد الشعوب العربية الغاضبة، الهادرة، التي هي حكما وحقيقة وواقعا على قلب رجل واحد، مع حق الشعب االفلسطيني الأبي، المناضل الميداني الحقّ و الوحيد في غزّة الشهيدة، نيابة عن كلّ الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية -الخانعة، المنبطحة لبني صهيون- في الضفة الغربية. لا بل ونيابة عن كل الحكومات العربية الكرتونية / الربوتية التي تتحرّك وتنقاد.عن بعد بالرموكنترول الأمريكي، كما الغربي ولو بدرجة أقلّ. وإلّا فماذا يعني أن بكون الموقف المصري من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولا تزال، ردّا على عمليّية طوفان الاقصى المجيدة وفائقة الدقّة، أقلّ من الحدّ الأدنى المطلوب من غير دول الطوق، مثل الجزائر وتونس التي كانتا كلتيهما إمّا متحفطة أومعترضة على بيان الجائحة الجامعة للدول العربية في الغرض. وهو أضعف الإيمان. لقد كان بيانا هزيلا يسوّي بين الضحيّة والجلّاد دون تمييز بين صاحب الأرض ومغتصبها، ودون اعتبار عدم التكافؤ في موازين القوى، ولا لتاريخ الصراع ولا لظلم الجغرافيا لأهالي غزّة المحاصرة من كلّ.جانب.بحيث تكاد تكون سجنا مترامي الأطراف مابين البحر و دولة الاحتلال. لقد تعمدّت عدم ذكر المواقف كما تفوّه بها أصحابها، لأنّي أقدّر أنّها لا تستحقّ الذكر من فرط خفوتها وضعفها الذي بلغ منتهاه. فضلا عن انحيازها الواضح للعدو الصهيوني الغاشم، المغتصب للأرض والعرض. هذا الموقف العربي الهزيل في مجمله، شجّع العدو في التمادي في سفك الدماء البريئة لأهالي غزّة بأكثرجرأة و ذراوة وعنف ووحشية، بما جعلهم يعيشون الجحيم تحت حمم القذائف الناريّة الأمركيّة الصنع. وهو ما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، لا مع المغول وما فعله هولاكو في بغداد من تدمير وإبادة جماعيّة للسكان رغم فداحته ووحشيته، ولا مع الطاغية نيرون الذي أحرق روما، ولا مع غيرهم من الطغاة المعاصرين، من هتلر النازي، وموسوليني الفاشي، وستالين الرجل الحديدي قاتل الملايين إلى الصهيوني شارون وفضاعاته إلى ميلوزفيتش سفّاح كوسوفو إلى بوش الأبن "المبعوث الالهي" المجنون الذي غزا العراق... بعد المذابح اليوميّة المروّعة لبني صهيون، التي تقترف في حقّ المدنيين في غزّة الشهيدة، على مدار الساعة، المنقولة صورة وصوتا على المباشر، فانّ أقلّ ما يقال في الموقف العربي ذي العلاقة، أنّه كان موقف الجبناء المرتعيشين، الذين لا حول ولا قوّة لهم.

 "لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى سامها كل مفلس".

فلولا هزال الموقف العربي لما أقدم الرئيس الأمريكي"الديمقراطي" جو بايدن، على حضور مداولات المجلس الحربي لدولة الإحتلال. في سابقة هي الاخرى، لم يجرؤ على القيام بها أي رئيس أمريكي سواه، مهما كانت درجة تأييده للكيان المسخ للعدو. ثمّ يعطي، بصلف وعنجهية و تحدّ واضح واهانة ما بعدها اهانة للأمّة العربية الإسلامية، يعطي الضوء الاخضر لكيان بني صهيون لينهش اللحم الفلسطيني، لا في غزةّ فقط، بل وكذلك في الضفّة الغربيّة. وذلك لأجل غير مسمّى- متى شاء وحيث ما شاء- الى أن يشفي غليله من وقع الصدمة التي لحقته من خسارته المدويّة يوم 7 أكتوبر 2023. وكذا من إهانة جنوده أمام العالم. تلك الإهانة التي لن تنمحي من ذاكرته جيلا بعد جيل. ليس هذا فقط، فالرئيس الامريكي شجّعه الخنوع والإذعان العربي الرسمي على تخطّي الحواجز النفسبة للذهنيّة العربيّة في علاقة بقادتها، بما جعله لا يحترم الرئيس المصري في سياق أحد تصريحاته، حيث قال متحدثا عن السيسي رئيس أكبر دولة عربية "صاحبة أكبر انتصار على العدو سنة 1973 قبل أن تدخل القوى العضمى على الخطّ وتحوّله إلى ما يشبه الهزيمة. قال عنه "إنّه يستحقّ بعض الاحترام". فان كان ذلك كذلك فهل يبقى داع لاحترام "فخامة" الرؤساء و"جلالة" الملوك و فداة الأمراء؟!! لا بل وهل يبقى داع مهما تضاءل لاحترام أضعف هؤلاء. وهو محمود عبّاس، الرئيس المنزوع الصلاحيّات، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي قال- قبل ان يتراجع بعد فوات الأوان- "المقاومة لا تمثّلنا". فعلا لقد هزلت. ولا أزيد عن ذلك فالضرب في الميب حرام. وقديما قال المتنبّي:

ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ

رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ

*

كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ

حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ

*

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ

ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

***

المهندس فتحي الحبّوبي

قد لا أضيف جديدا إذا أكدت على أنه عادة ما تصاحب كل ثورة تقع في أي بلد اختلالات كثيرة تصيب الأداء الإداري الروتيني في عمل أجهزة الدولة وسير مؤسساتها الدستورية بمظاهر التقصير والتسيب،  كما تصيب مراكز اتخاذ القرار في الأوساط الاقتصادية والمؤسسات المنتجة للثروة بالتناقض والتضارب وغالبا ما يمتد أثر هذا إلى اهتزاز التماسك الاجتماعي الداخلي وإلى ضحالة الانتاج الثقافي وتسطيح النشاط الفكري، ويعجز الوعي المجتمعي عن متابعة وفهم ما يحدث ليقف متسائلا ما الذي يحدث بالضبط،ويمكن أن يستغرق هذا الوضع وقتا قصيرا، أو قد يدوم زمنا طويلا على حسب مستوى الثقافة السياسية السائدة وطبيعة المفاهيم الاجتماعية القائمة وحجم الوعي الوطني ومدى انتشاره،ومثل هذه الاختلالات ستكون إلى حد ما نتيجة طبيعية لحدث غير طبيعي، وتعد الصدمة الناشئة عن عامل المفاجأة بمثابة عنصر محدد لحجم الفوضى المؤقتة الناتجة،فالمفاجأة والسرعة في بسط الهيمنة لا تتيحان للنظام القائم هامشا كافيا لبلورة رد الفعل المضاد بينما العكس يمكن أن يسمح بذلك وبالقدر الذي يضمن الاحتواء الناجح ثم العودة بالوضع المضطرب بثقة متزايدة إلى سابق عهدها.

تشير سيناريوهات الأحداث إلى أن الثورات التي عرفتها بعض الدول العربية قد أسفرت عن نتيجتين :

ــ  الأولى، اشتداد قبضة القوة بين النظام الحاكم وأطراف المعارضة المطالبة بتغيير النظام السياسي والذي يتحول بشكل تدريجي وغير مفاجئ إلى صراع مسلح شامل ومدمر لكل مظاهر الحياة، لا خاسر فيه ولا منتصر، وبطول أمده تتعرض سيادة الدولة لخطر التدخل الخارجي سياسيا وعسكريا على خط الأزمة، ومنها تنبت بذور الفتنة العرقية والطائفية والعقائدية.. التي مهدت الطريق لاحقا لبروز دعوات التقسيم الترابي للوطن الواحد في إطار رسم معالم وضع إقليمي جديد،إنه سيناريو متوقع وتكرر في أكثر من بلد مما يؤكد على حقيقة طابعه المؤامراتي.

ــ الثانية، تأجج ثورة شعبية عارمة يضع اتساعها الفعاليات المؤثرة في العمل الوطني والحياة السياسية أمام انسداد حقيقي،ثم يعطل طابعها الشمولي العمل بالهيئات الدستورية، وتعجز قوات الأمن والجيش عن قمعها وعن احتواء انتشارها السلمي والمتسارع، لذلك تتعامل مصالح الأمن أولا بحكمة ورشادة مع اضطرابات الشارع مكتفية بحماية المرافق الأساسية ومنع محاولات التخريب، ثم تتجه إلى الحياد وصولا إلى حسم الأمر والانتصار لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال ثورته التي تنجح في تحقيق مطالبها بتغيير النظام.

يبدو القاسم المشترك بين الحالتين في تقارب المطالب المتعلقة أساسا بتغيير النظام السياسي، وفي تلقائية الحدث  وعدم وجود زعامة حقيقية أو قيادة معلنة تتحكم في سير وتوجيه الأحداث، أما الفارق بينهما فيكمن في اختلاف الوعي بما يحيط الاضطرابات الشعبية من تحديات خطيرة تهدد واقع حياة الأمة ومستقبلها وفي تباين شعور الجانبين بالمسؤولية السياسية في الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها .

يتأكد تمام نجاح الثورة من خلال عدة مظاهر تتعلق أساسا بالطابع السيادي للدولة، وهي متى توفرت كان ذلك مؤشرا على انفراج الأوضاع والاتجاه نحو تطبيع الحياة العامة وعودة الاستقرار والشعور النسبي بالأمن والسلام، ومن أهم هذه المظاهر :

ــ النجاح العسكري،يمثل طبيعة الجانب الأمني في الموضوع، ويبدو من خلال:

* توسيع عمليات استعادة الأمن لتشمل جهود التغطية الأمنية معظم مناطق البلاد، وتنفيذ خطط الانتشار المدروس الذي يضمن سرعة التحرك بالفعالية المطلوبة للوصول إلى منطقة التوتر، وإظهار ما يؤكد  هيبة الدولة وتحكمها في الوضع .

* مواصلة استكمال البناء الهيكلي لإدارات ومصالح الجيش وضبط المسؤوليات،وهو مظهر تماسك المؤسسة العسكرية ومؤشر على درجة الوعي بحجم الواجبات الدستورية ودليل على استعداد الجيش وجاهزيته لبعث الثقة في نفوس المواطنين، ولتعزيز مشاعر الفخر والاعتزاز .

* إنشاء القيادات الجديدة للعمليات العسكرية،وهو مظهر من مظاهر التمكين للقوات المسلحة على الأرض، والمقصود إنشاء المزيد من الوحدات القتالية التي يخضع تسليحها لتقديرات جهود التحديث والتجديد واعتبارات المستوى التكنولوجي المأمول في التطبيقات العسكرية .

ــ النجاح الدبلوماسي، يعكس أهمية البعد الدولي للمسألة، ويبدو من خلال:

* عرض القضية في المحافل الدولية،هو جهد قد تتكفل به الدبلوماسية الرسمية أو الدبلوماسية البرلمانية لإظهار طبيعة الأحداث إن كانت مجرد شغب محدود لأغراض التنديد بقرارات محلية مرفوضة شعبيا أو انتفاضة احتجاجية على سياسات وزارية جائرة ترهن واقع ومستقبل قطاعات معينة  أو تمردا وعصيانا مدنيا ضد السلطة الحاكمة، أو إن كانت فعلا ثورة تغيير حقيقية .

* تكثيف النشاط الإعلامي للتعريف بالثورة،ذلك على فرض أن ما يجري هو ثورة كاملة الأركان تقتضي الضرورة تمتعها بالسند الدولي للاعتراف بها ودعم مطالبها وإكسابها الشرعية من خلال عمل إعلامي ناضج ومسؤول موجه بمختلف اللغات عبر كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعي لتشكيل رأي عام مؤيد وتكوين جبهة دولية ضاغطة من أجل فرض احترام إرادة الشعب

* فضح السياسات التخريبية وإثارة الرأي العام ضدها، وهي نقلة نوعيه في المواجهة مع الخصوم تفترض أنهم معلومون بدقة بناء على جهد سياسي واستخباراتي كبير، وأن طبيعة سياساتهم التخريبية هي إجرامية بالأساس تستند إلى نوايا شديدة العداء تستهدف إضعاف الشعوب وقهر الأمم وتحطيم حضارات، وتتطلب هذه النقلة تعميق المواجهة بكشف طبيعة وأطراف التحالفات التي تستغل من أجل تحقيق أهدافها مجموعات الشر المسلحة.

إذا كان النجاح العسكري يعطي ضمانة حقيقية لتأمين ثورة التغيير من أي ارتدادات عكسية غير حميدة فإن ما يكسبه التقدير هو ما يبديه من حياد في الموقف وما يظهره من تشدد لا يلين بالحفاظ على المؤسسات والمرافق الحيوية للدولة وإعلان عزمه بمواصلة الالتزام بمهامه الدستورية بدوام حمايته للشعب، أما النجاح الدبلوماسي  فيتجسد في مهمة تأكيد استمرار الدولة على مكانتها الدولية كدولة محترمة ملتزمة بالعهود والمواثيق الدولية وبالاتفاقيات الموقعة،وكل ذلك من شأنه أن يكسب الدولة في ظل ثورتها الجديدة نفسا جديدا وروح متجددة للبقاء كدولة فاعلة تسهم في بناء الحضارة الإنسانية .

يبقى أثناء الأزمات السياسية أن حجم الجهد العسكري  ــ برغم بعض التحفظات ــ هو المحدد بشكل كبير لدرجة الاستقرار الداخلي في الكثير من الدول خاصة تلك التي لا تتمتع نخبها الثقافية بمستوى كبير من الثقافة السياسية ولا تتمتع برصيد تاريخي كبير من الممارسة الديمقراطية أو عديمة الخبرات والتجارب من العمل الحكومي في مواجهة التعددية الحزبية والنقابية والإعلامية حيث تثور الخلافات العميقة لأبسط الاختلافات، ومعها تتعاظم سيناريوهات المؤامرات الهدامة سريعا، ولكن بالحضور الأمني المتعدد الكفاءات والاختصاصات في يوميات ومفردات العمل الوطني سيتقلص كثيرا هامش التهديدات مهما كان نوعها ومصدرها، ولكنها إذا وقعت سيكون ورائها أطراف داخلية متخصصة في "صناعة الخوف " وسيكون أثرها أكثر ازعاجا وأشد تأثيرا حيث تتخفى وراء نشر الخوف وتسريب إشاعات،وخلق أجواء الشك  ووضع الشأن العام تحت الضغط  بدعوى وجود خطر على البلاد ومصلحة الوطن، إنها ثقافة الخوف التي تبثها ذات الأطراف ثم تزعم  أنها تنبري للتصدى له، ولكنها في الحقيقة أعطت بذلك للأمن حق التدخل عمدا في السياسة طالما أن الأمر قد امتد إلى تهديد الأمن الوطني فتكون بصدد تشكيل الظروف المتشنجة التي تهيئ بسهولة المبررات التي ستبدو حينها موضوعية لوقوع المواجهات العنيفة  التي تهدف في الحقيقة منذ البداية إلى تسويق القضية دوليا بعد تصوير الوضع الداخلي على أنه يتعلق بأزمة سياسية بين نظام الحكم وبين أقلية في حالة خطر،لذلك يمكن إذا استمرت الأزمة أن تحمل تطوراتها مؤشرات البداية على رحيل النظام القائم، وغالبا ما ستكون الظروف السياسية مهيأة في حقيقتها لاستحضار قيم احتضنتها المعارضة السياسية زمنا وستكون المناسبة إذا استمرت فرصة لنفض الغبار عن ما يكتنفه واقعهم من حقيقة تاريخية تعرضت زمنا للتهميش القصري والتشويه العمدي بغرض الإساءة وبهدف الإقصاء التاريخي .

في واقع حياة الأمم " قنابل موقوتة " هي جملة من القضايا الخلافية ذات بعد إيديولوجي تم صرف النظر عنها وتغييبها عن شريحة واسعة من الرأي العام أملا في نسيانها ولكنها تجد في عمق امتداداتها الشعبية عونا لبقاء جذوتها ملتهبة تنتظر الوقت المناسب للانفجار، إنه الظلم السياسي القاسي الذي يقود إلى المتاعب،والأقسى منه الظلم التاريخي الذي يقود إلى السقوط الحر في الدرس المر.

***

بقلم: صبحة بغورة

نتيناهو يميني متطرف تتحكم في سلوكه عقدتان: كرهه للعرب كشعب وكرهه للاسلام كعقيدة قائم على تعصب عدواني صهيوني وليس يهودي.

والعقدة الأخطر في نتيناهو أنه مصاب بـ (حول عقلي) يرى في اليهود أنهم افضل من العرب، ويرى في الدين اليهودي أنه افضل من الدين الأسلامي..يضخم ايجابيات اليهود ويغمض عينه عن سلبياتهم، ويضخم سلبيات العرب ويغمض عينه عن ايجابياتهم، ويرى ان مشاكل الشرق الأوسط سببها الدول العربية مع ان اسرائيل كدولة شريك فيها.

ونتيناهو مصاب بالنرجسية، يرى انه السياسي العبقري الوحيد في اسرائيل .وهو براغماتي..بمعنى انه لا يلتزم بمباديء او عقيدة او ايديولوجية او اخلاق، بل يعمل بما يخدم مصالحه الشخصية وبقاءه في السلطة.

ونتيناهو يمثل انموذج (الميكافيللي) في العصر الحديث..الذي يعرف كيف يوظف المكر والخداع بمهارة(وفهلوة) في السياسة، ويجسد (بشيطنة حداثوية!) ما اوصى به ميكافيلي بان يكون الحاكم :

غدّارا اذا وجد أن محافظته على العهد لا تعود عليه بالفائدة، وأن يكون دعيّا ومرائيا، وأن يجمع بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الأسد، وأن لا يخجل في اختيار أي أسلوب مهما تدّنى لتحقيق أهدافه وطموحاته، وأن لا يتقيد بالمحاذير الأخلاقية التقليدية لتحقيق مبتغاه، وأن يتقن الكذب والمراوغة ليحقق مآربه بأية وسيلة ملتوية، وان يوظّف الدين لخدمة بقائه في السلطة لا لخدمة الفضيلة والاخلاق.

المفارقة.. ان معظم حكام العرب المعاصرين يشبهون نتيناهو في تجسيده لوصية ميكافيللي!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم