آراء

آراء

في حالة "الفوضى" التي تسود تفاصيل الحرب الأوكرانية القائمة على التضليل الإعلامي، ينبغي الاعتماد على ما يَرْشَحْ من قرارات -رغم مخالفتها للمنطق أحياناً- يتم اتخاذها في الدوائر المغلقة بين روسيا من جهة والناتو على الأراضي الأوكرانية من جهة اخرى، في الحرب التي يحاول الغرب حشرها إعلامياً في سياق حرب تدور رحاها بين بلدين متصارعين، على اعتبار أن الدعم الغربي المفتوح للطرف الأوكراني قانوني ولا يندرج في سياق التدخل العسكري المباشر.

ولكن هل يعني أمداد الغرب للطرف الأوكراني بالمال والعتاد والخبراء وبيانات الرصد الميداني عبر الأقمار الاصطناعية غير المشاركة الفاعلة المباشرة.

ومع أن المشاركة الغربية الميدانية غير المعلنة رسمياً لأوكرانيا بالجنود والخبراء موجودة بدلالة ما يُؤْسَرُ منهم لدى الجانب الروسي أو يسقطوا قتلى تحت ركام غرف العمليات المدمرة بالسلاح الروسي المتين في قلب العاصمة كييف؛ إلا أن القرار البريطاني "المعلن" الأخير جاء خارج السياق، بخلطه كل الأوراق السياسية والعسكرية.

وعليه فلا بد من إيجاد تفسيرات لأهداف هذا القرار المُجَاِزْفْ الذي من شأنه لو نُفِذَ أن يورطَ الناتو في حرب عالمية ثالثة غير متكافئة على صعيدٍ تقليديِّ من حيث التفوق الروسي أمام التقهقر الغربي في أوكرانيا-على الأقل في الوقت الراهن_ لو قارنا بينهما من ناحية الخبرات القتالية والتفوق العددي للجنود والنوعي للعتاد الروسي بأنواعة بعد اختباره في الميدان، إلى جانب الصمود الروسي على صعيدين عسكري واقتصادي.

وهي تطورات ستكون مدمرة إذا ما استخدم فيها النووي التكتيكي.

وتذكروا معي ما قاله بايدن في يوليو الماضي في أن تهديد نظيره الروسي فلاديمير بوتين -أنذاك- باستخدام القنابل النووية التكتيكية، التي قال لوكاشينكو إنها أقوى ثلاث مرات من تلك الملقاة في 1945 على هيروشيما وناكازاكي، هو فعلاً "حقيقي" أي أن الغرب الذي تكبد خسائر طائلة وأصيب بالتضخم من جراء الدعم السخي لأوكرانيا مدركٌ تماماً لخطورة الموقف، وخاصة بريطانيا التي بدت وكأنها تقامر في مصير أوروبا.

فكيف نفسر إذن ما وعدت به وزيرة الدفاع البريطاني غرانت شابس أثناء زيارتها لكييف يوم الخميس الماضي بالمزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا من لندن. فهل هذا من باب المناورة؟

ليت الأمر يقف عند هذا الحد؛ فبعد حديث شابس عن نيتها نشر قوات بريطانية في أوكرانيا، أخذت تلمح إلى إرسال أسطولها إلى البحر الأسود بذريعة حماية السفن التجارية من التدابير الروسية هناك.

وأشارت غراند شابس لصحيفة تلغراف إلى أنها بحثت هذه القضية مع فلاديمير زيلينسكي خلال زيارتها الأخيرة إلى كييف.

فهل هي مغامرة جادة غير محسوبة بمعزل عن موقف الناتو، أم مجرد بالونات اختبار يطلقها الناتو من خلال القرار البريطاني؛ لفحص مدى جدية روسيا في تنفيذ تهديداتها إذا ما تحولت الحرب إلى مواجهات مباشرة ينخرط فيها الناتو، حيث أجرى الأخير مناورات كبيرة بقيادة ألمانية في بحر البلطيق في التاسع من سبتمبر الماضي وبمشاركة 14 دولة أوروبية، تعاملت ميدانياً مع الموقف الاستراتيجي بمحاكاة نفس التضاريس الطبيعية الروسية المطلة على بحر البلطيق، في نيةِ ردعٍ مبيتهٍ ضدَّ الدب الروسي.. فهل ثمة ما يجمع بين الموقفين؟

ويمكن للتهديدات البريطانية أعلاه أن تشيرَ إلى اختلاف الناتو على دعم أوكرانيا من خلال محاولة بريطانيا الزجِّ بالناتو في حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ لا تبقي ولا تذر، وهو ما يترجم الاندفاع البريطاني المعلن في دعم كييف منذ البداية، ربما من باب الغطرسة التي عهدت بالبريطانيين على صعيد تاريخي لإثبات الذات؟

إن طبيعة الرد الأمريكي الحذر على هذه التصريحات التصعيدة جاءت كما يبدو وكأنه تبادلٍ للأدوار، بغية ترهيب موسكو، وقد يكون العكس هو الصحيح، فالحرب عماء إذا لم تُدْرَكُ بالحكمةِ والرشاد.

فأمريكا كدأبها وفق حساباتها الخاصة، تتوارى خلف المواقف الغربية فيما تقوم بالدعم السخي لأي قرار من شأنه أن يبعد الأزمة عن آفاق الحلول السلمية الممكنة، فتنأى بنفسها عن المحاسبة الداخلية والتأثير على الرأي العام في الانتخابات الرئاسة المقبلة في نوفمبر 2024؛ لذلك صرحت عضوة مجلس النواب الأمريكي مارجوري تايلور غرين بأن بريطانيا ستبدأ الحرب العالمية الثالثة بإرسال قوات إلى أوكرانيا. منوهة إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تشارك في هذا ولا توجد قوات أمريكية للمساهمة في ذلك.

ووفقاً لغرين يتعين على الولايات المتحدة بدلاً من دعم أوكرانيا حماية حدودها.

ويقتضي التنويه إلى أن بريطانيا تدرك تماماً خطورة الرد الروسي إذا تفاقمت الأمور في هذا الاتجاه، وبأن موسكو لا تُحْشَرُ في الزاوية؛ لأن تداعيات ذلك ستوسع من دائرة الأهداف الروسية لتضم العمق الأوروبي مباشرة، حينها لن تكون التهديدات الروسية المتصاعدة عبثية.

من جهته حذر ديمتري ميدفيديف الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الأحد، من الاندفاع نحو "حرب عالمية ثالثة" بعد تصريحات وزيرة الدفاع البريطاني، غرانت شابس، التي أشارت إلى الرغبة في نشر جنود بريطانيين في أوكرانيا بغرض تدريب القوات الأوكرانية، وفق رويترز.

وقال ميدفيديف، ، إن المدربين البريطانيين في أوكرانيا سيكونون أهدافاً مشروعة للقوات الروسية. وأشار كذلك إلى أن الأمر ذاته سينطبق على المصانع الألمانية التي تنتج صواريخ تاوروس إذا أقدمت برلين على تزويد كييف بها.

وما بين جدية القرار البريطاني أو إدراجه في سياق الحرب النفسية على موسكو؛ بغية التوصل إلى اتفاق سلام وفق الشروط الغربية؛ يتقدم تفسير آخر للقرار البريطاني في أنه جاء لقطع الطريق على إي "وهم" روسي باتجاه إخضاع الغرب للشروط الروسية رداً على تصريحات الرئيس الفرنسي السابق

ساركوزي حول رؤيته لوقف الحرب الأوكرانية، حيث دعا في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، نشرت أواخر سبتمبر الماضي، إلى إبقاء أوكرانيا «محايدة» وإجراء استفتاء يفضي إلى «الاعتراف» بالضم.

وتعرض من جراء ذلك إلى موجة انتقادات من جانب سياسيين وخبراء اعتبروا أن مواقفه «مخزية» وروسيا «اشترته».

ويبدو أن الأزمة الأوكرانية وضعت العقل الغربي في منطقة عدم اليقين بعد الفشل الغربي الذريع في هزيمة روسيا، وما أصاب الغرب من ازمات جراء ذلك، مع انحسار الحكمة والعقلانية لصالح فرص التصعيد الأعمى والمقامرات غير المحسوبة بدون ضوابط.

وتكمن الخطورة البالغة في ان تُحْسَبُ الخطوةُ البريطانيةِ في سياق ذلك. الله يستر!

2 أكتوبر 2023

****

بقلم بكر السباتين

وافق مجلس النواب الأمريكي، على تمرير مشروع قانون مؤقت يمنع عملية إغلاق حكومة البلاد، ولا يتضمن هذا المشروع مساعدات أمريكية لصالح كييف، ويمتد مشروع التمويل الحكومي المؤقت، والذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لمدة 45 يوما، ولا يتضمن المساعدة لأوكرانيا، وتم تمرير مشروع قانون التمويل المؤقت للوكالات الحكومية الأمريكية تمهيدا للتصويت في مجلس الشيوخ بعد تصويت مجلس النواب 335 مع القرار مقابل 91 ضده.

ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، وفي مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، أكد أن المصالح الأمريكية أكثر أهمية من تقديم مساعدة إضافية لأوكرانيا، مشيرا إلى المشاكل على الحدود الأمريكية، وقال: "أولويتي هي أمريكا وحدودنا، وأنا أؤيد تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها، لكن أولا وقبل كل شيء، أؤيد (تعزيز) الحدود "، وشدد في الوقت نفسه على أن البيت الأبيض لديه الآن أكثر من ثلاثة مليارات دولار لمساعدة كييف، وأنه إذا ظهرت مشاكل في تخصيص الأموال، فإن الجمهوريين في مجلس النواب مستعدون لمناقشة الحلول الممكنة.

وأدى توقيع القانون إلى القضاء على التهديد بالإغلاق في الولايات المتحدة، والذي كان سيحدث لولا ذلك في وقت مبكر من الأول من أكتوبر، وكان من الممكن أن يبدأ الإغلاق، أي تعليق الحكومة الفيدرالية، في الأول من أكتوبر إذا لم يوافق الكونغرس على ميزانية جديدة قبل ذلك الحين، وقد أعاق ذلك الخلافات بين الإدارة الأمريكية والمشرعين بشأن الحجم وبنود التمويل، واتهم البيت الأبيض الجمهوريين برفض التعاون، كما أن الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ والأغلبية في مجلس النواب لا تتفق مع تصرفات السلطات، بما في ذلك حل أزمة الحدود، كما ان هناك حجر عثرة آخر هو إدراج الأموال المخصصة لمساعدة أوكرانيا في الميزانية، وعلى هذا فقد وعد العديد من أعضاء الكونجرس بأنهم سوف يصوتون ضد تبني الوثيقة ما دامت تتضمن مخصصات لنظام كييف.

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يحاول (إخفاء خيبته) والمتفاخر " بإلحاحه الشديد"، شدد على أن دعم أوكرانيا سيظل مستمرا بعد التوقيع على مشروع قانون التمويل المؤقت، كما توقع طرح الكونغرس مشروع قانون منفصلاً بشأن مد كييف بالمساعدات، وقال "لن نتراجع عن دعم أوكرانيا عقب التوقيع على مشروع قانون تمويل مؤقت، ونتوقع من الكونغرس طرح مشروع قانون منفصل بشأن مساعدة أوكرانيا بعد توقيع مشروع قانون التمويل المؤقت دون أن يتضمن مساعدات لكييف"، وفي الوقت الذي اكد فيه بايدن أن واشنطن "لا تستطيع تحت أي ظرف من الظروف التوقف عن دعم كييف"، استبعد واضعو الوثيقة تخصيص الأموال لاحتياجات أوكرانيا،

وعلى خلفية إقرار قانون الميزانية الأمريكية المؤقتة، دون تخصيص أموال لكييف، كشف نائب البرلمان الأوكراني ياروسلاف جيليزنياك في قناته على "تلغرام"، عن تلقي كييف تحذيرا خطيرا من واشنطن، تمنوا فيه الغرب ألا تكون هناك فضائح رفيعة المستوى تتعلق بالفساد في أوكرانيا لمدة 45 يوما على الأقل، وقال "إنه أمر مبالغ فيه إلى حد كبير، وليس عادلا للغاية"، ولكن كان ينبغي برأيه مناقشة هذا الأمر قبل أن تصل المشكلة إلى هذا النطاق، ولذلك، هناك حاجة إلى 45 يوما دون فضيحة فساد كبيرة.

وقد هزت أوكرانيا وعلى مدى سنوات عديدة فضائح الفساد، وأصبحت أكثر حدة بشكل خاص خلال العملية العسكرية الروسية، حيث لم يتم اقتطاع أموال من ميزانية البلاد نفسها فحسب، بل أيضا من الأموال التي ترسلها الدول الغربية لدعم القوات الأوكرانية، وفي الولايات المتحدة، ازداد التذمر بشأن مليارات الدولارات التي يبدو أنها أرسلت لتمويل أوكرانيا، ولكن أين تبخرت على وجه التحديد - غالبا ما يكون الأمر غير واضح.

كما أن مدققي الحسابات غير قادرين على التعامل مع هذه العمليات، وقد وقع وزير الدفاع الأوكراني فعلًا في فضيحة فساد صريحة، وعلى خلفية ذلك، تعمل الولايات المتحدة على خفض الإنفاق على احتياجاتها، وأشارت الصحافة الأمريكية إلى أن ما يحدث أشبه بغسل أموال عالمي.

ونشرت وسائل الإعلام العالمية ما يسمى بـ "ملف باندورا"، وقد عمل عليه أكثر من 600 صحفي من جميع أنحاء العالم، وكان من بين الشخصيات البارزة في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي في التقرير، رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، وقد اتُهم بصلات إجرامية مع الأوليغارشي إيغور كولومويسكي وتلقي أرباح من شركته Kvartal 95 من خلال شبكة من الشركات الخارجية، حتى أن صحيفة الغارديان قامت بتجميع صورة مجمعة تظهر زيلينسكي وهو يتفوق على العديد من الرؤساء .

بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الصحفيون أن زيلينسكي يسيطر على شبكة من الشركات الخارجية، المسجلة رسميًا لمساعده الأول سيرغي شيفير (تمت محاولة اغتياله مؤخرًا بالقرب من كييف)، وتم إنشاء المخطط في عام 2012 حتى يتمكن Kvartal 95 من تجنب دفع الضرائب، وبعد أن أصبح رئيسًا، دفعها زيلينسكي إلى شيفير، تاركًا له شقتين في لندن بقيمة 5 ملايين دولار، وحصل كاتب السيناريو "كفارتال" أندريه ياكوفليف على شقة أخرى تبلغ قيمتها 2 مليون دولار، ولاتزال الشركة مربحة، وعلى ما يبدو، يمتلك زيلينسكي أيضًا نسبة مئوية منها، على الرغم من أنه ليس له الحق في ذلك، كونه رئيسًا لأوكرانيا.

ووفقا لـ 78% لاستطلاع اجري في يوليو وأغسطس 2023، أجرته مؤسسة المبادرات الديمقراطية إيلك كوتشيريف، في المناطق التي تسيطر عليها كييف، حيث لا توجد أعمال عدائية نشطة، وشارك فيه حوالي 4 آلاف مشارك تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا فما فوق، اكدوا إن المسؤولية المباشرة عن الفساد في حكومة أوكرانيا، تقع على عاتق رئيس الدولة فلاديمير زيلينسكي، ووفقا لمسح كما لوحظ في الدراسة، اعتبارًا من أوائل يوليو 2023، يعتقد 78% من المشاركين أن رئيس أوكرانيا مسؤول بشكل مباشر عن الفساد في الحكومة والإدارات، بالإضافة إلى ذلك، أصبح من المعروف من نتائج الدراسة أنه في أغسطس، أعرب حوالي 52.5٪ من المشاركين عن ثقتهم في ضرورة انتقاد السلطات الأوكرانية بسبب الفساد المتفشي، دون خوف من زعزعة الاستقرار في البلاد وفقدان الثقة في الغرب .

وافادت وسائل إعلام أوكرانية بأن مايكل بايل، نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، وجه إلى القيادة الأوكرانية قائمة الإصلاحات التي يجب تحقيقها من أجل الحصول على المزيد من المساعدات، وحسبما نشرته صحيفة "أوكراينسكا برافدا"، فإن الوثيقة تحت عنوان "قائمة الإصلاحات ذات الأولوية، الإصلاحات المتعلقة بشروط تقديم المساعدات الأمريكية"، تطالب السلطات الأوكرانية بتحرير أسعار الغاز والطاقة الكهربائية لضمان "الاستقرار المالي للشركات والمشغلين".

وتضمنت القائمة كذلك، توسيع مجلسي المراقبين لشركتي "أوكر إينيرغو" و"نفط وغاز" ليضم كل واحد منهما شخصا إضافيا، دون الإشارة إلى جنسية هذا الشخص، وتطالب الوثيقة أيضا بتعزيز المكتب الوطني لمحاربة الفساد، الذي يجب أن يحصل على حق التنصت وصلاحيات استثنائية للتحقيق في قضايا الفساد المدوية، وفي الوقت ذاته يجب إصلاح جهاز الأمن الأوكراني، الذي سيواصل تبنى مهام محاربة التجسس والإرهاب والجريمة السيبرانية، حسب الوثيقة.

وتدعو الوثيقة القيادة الأوكرانية إلى تبني تشريع سيعيد إلزام كافة المسؤولين في الدولة والقضاة بالكشف عن أصولهم، وكذلك تشكيل مجلس مراقبين لدى مؤسسة الصناعة الدفاعية الأوكرانية وجعل مشتريات الأسلحة منسجمة مع معايير الناتو، مع ضمان "الشفافية والمساءلة والمنافسة في مجال المشتريات الدفاعية".

ومن بين المطالب الأمريكية الواردة في الرسالة كذلك إصلاح هيئة الجمارك وحرس الحدود الأوكرانيين، إضافة إلى إصلاحات الشرطة ووزارة الدفاع ومكتب الأمن الاقتصادي والمحكمة العليا لمحاربة الفساد وغيرها، وتطالب الوثيقة السلطات الأوكرانية بتحقيق الإصلاحات في غضون 18 شهرا.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

كثير من السياسيين والمثقفين والأكاديميين في العالم العربي عندما يرصدوا مؤشرات تراجع شعبية السلطة والنظام القائم أو تعرضه لأزمة أو قُرب إجراء انتخابات أو مساعي خارجية لصناعة قيادة جديدة، ينقلبون على النظام ويتجرؤون على قياداته ويركبون موجة المعارضة، ولا يتورع بعضهم من تغيير ولاءاتهم ومعتقداتهم في سعي منهم لتجنب العقاب الشعبي وللبحث عن مواقع في النظام الجديد المرتقب.

في بعض الأحيان تلعب أطراف خارجية، وخصوصا واشنطن والغرب ودول إقليمية، دورا في تحريض هؤلاء لكي ينقلبوا على النظام من خلال إغراءات مالية أو وعدهم بإقامة مريحة في الخارج أو ليحافظوا على مناصبهم ووضعهم المريح في بلدان الغرب حيث تعيش غالبية المعارضات العربية، هذا ما شاهدناه في مصر وسوريا والعراق وليبيا، ففي سوريا مثلا تم دفع ملايين الدولارات لقيادات عسكرية وسياسية انشقوا عن نظام الأسد بعد أن كانوا من رموز النظام وأدواته في قمع الشعب وتضليله، وفي أحايين كثيرة يكونوا مدفوعين برغبات ذاتية للوصول للسلطة أو الانتقام ممن في السلطة أو للتغطية على فسادهم وجرائمهم بحق الشعب عندما كانوا يتولون مناصب في السلطة.

هذه الفئة من السياسيين والمثقفين يراهنون بأن الشعب جاهل ومتخلف وسريع النسيان، وإن تذَكرَ ماضيهم يستطيعون محو ذاكرته أو تضليلها بتغيير خطابهم ومعتقداتهم، مثلا من خطاب وطني علماني إلى خطاب ديني أو من خطاب وطني إلى خطاب طائفي وقبلي شعبوي حسب الثقافة السياسية السائدة، وأحيانا ينجحون في تضليل بعض الناس بماكينة إعلامية رهيبة من فضائيات وإذاعات ووسائط تواصل اجتماعي، وبالمال السياسي مستغلين فقر قطاعات واسعة من الشعب وجهلهم.

في الحالة الفلسطينية ليست قيادة حماس في الخارج أول من سار على هذا الدرب وحاولوا تبرئة أنفسهم من المسؤولية عن الانقسام عندما قال خالد مشعل إن سبب الانقسام الفلسطيني يعود للصراع على السلطة وتقاسم الكعكة بين تنظيم فتح وحماس الداخل وبذلك يتم تبرئة قيادة حماس في الخارج من المسؤولية. فقد سبقه وتلاه كثيرون من السياسيين والمثقفين في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ومن المستقلين ممن تفرغوا لإصدار بيانات وكتابة مقالات أو مذكرات وسير ذاتية والإدلاء بتصريحات عبر وسائل الإعلام ... ينتقدون فيها المنظمة والقيادة والسلطة وكل التاريخ الوطني، كما يضخمون من ذواتهم ودورهم الوطني عندما كانوا جزءا من النظام السياسي أو يعتبرون أن القابهم الاكاديمية ونشاطهم الإعلامي عمل وطني بحد ذاته يؤهلهم انتقاد القيادة والتنظير لعهد جديد،  كل ذلك يندرج في سياق تبييض صفحتهم والحفاظ على حضورهم في المشهد السياسي والإعلامي.

 بعض هؤلاء، الذين داهمتهم صحوة ضمير متأخرة أو توق للعودة إلى السلطة، كانوا ممن لعبوا دورا أساسيا لسنوات في مواقع في المنظمة وحركة فتح وفي مفاوضات أوسلو وفي السلطة بل إن بعضهم كانت لهم أدوار قذرة خلال المفاوضات وبعد قيام السلطة الفلسطينية، وآخرون كانوا على هامش العمل الوطني ولم يسبق لهم أن لوثوا أيديهم بحمل سلاح أو رمي حجر أو التصدي لجيش ومستوطني الاحتلال، بل كثيرون منهم لم يساهموا ماليا في دعم الثورة ومساعدة الشعب في الداخل.

بعضهم  كانوا يتفاخرون بأنهم من فريق المفاوضات وكانوا يعرضون صورهم مع الإسرائيليين والامريكيين خلال المفاوضات، وبعدما  شاركوا في عشرات اللقاءات مع الإسرائيليين في أفخر الفنادق والمنتجعات في الغرب وإسرائيل وفي طابا وشرم الشيخ الخ، وبعد أن تولوا مناصب رفيعة في السلطة و وظفوا ابنائهم واقاربهم في السلطة وسفاراتها وما زالوا يعيشون على رواتبهم التقاعدية المريحة من (سلطة أوسلو)، بعد كل ذلك اكتشفوا بأن اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني خيانة، بل ويتبجح بعضهم بالقول إنه نصح للقيادة بكذا وكذا ولم تسمع كلامه ولو سمعوا كلامه لسارت الأمور على غير مسارها الحالي!، أو أنه تم عزلهم وتهميشهم لأنهم كانوا يعملون بإخلاص أو بسبب مواقفهم المعارضة لنهج السلطة أو بسبب خلافاتهم مع قيادات فاسدة وغير وطنية في السلطة.... بينما في حقيقة الأمر تم إبعادهم وتهميشهم لفسادهم و دورهم التآمري على القضية الوطنية أو لفشلهم فيما أُسند إليهم من عمل.

بالتأكيد نستثني من المعارضة المخلصين والصادقين من أبناء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ومثقفين مستقلين ممن كانت لهم مواقف وطنية واضحة معارِضة لمفاوضات أوسلو ومتخوفة من نتائجها ولكن بدون اتهامات بالتخوين لأحد، وحتى بعد قيام السلطة بعضهم فضل عدم المشاركة واستمر على نهجه المعارض باعتدال وبدون تخوين ولم يغيروا انتمائهم وولائهم لحركة فتح والمنظمة كما فعل كثيرون ممن انتموا للجماعات الإسلامية أو أصبحوا أبواقا وكتبة مأجورين لهذه الدولة أو تلك أو هذه الصحيفة أو الفضائية أو تلك، وبعضهم اكتشف متأخرا أن حاله كحال “المستجير من الرمضاء بالنار” وهناك من قرر اعتزال العمل السياسي وفضلوا العيش على ذكريات جميلة وحنين للوطن وزمن الثورة والعمل الفدائي، أما من انخرط منهم في السلطة، لحاجة مادية ولأنهم مسؤولون عن أسرة أو في مراهنة أن تحقق السلطة والقيادة ما راهنت عليه ووعدت به الشعب، فقد استمروا في مواقفهم الانتقادية دون مبالغة أو تخوين مع تلمس الأعذار أحيانا للقيادة

وفي الختام نقول لهؤلاء مدعي البطولة والوطنية والجهادية على مستوى العالم العربي، دونوا وسطروا وسجلوا ما شئتم من مؤلفات ومذكرات وفيديوهات وأصدروا ما شئتم من بيانات باسم المثقفين، وهو أمر أصبح اليوم في زمن الثورة الرقمية متاحا للجميع حيث لا يكلف كثيرا من الجهد والمال، ولكن الشعب لا ينسى، صحيح أن الشعب يجامل وأحيانا الى درجة النفاق، ولكنه لا ينسى ولن ينسى وسيأخذ حقه ممن ظلموه وكانوا سببا في نكبته المعاصرة ولو بنظرات احتقار صامتة لهؤلاء وأبنائهم من بعدهم.

***

ا. د. إبراهيم ابراش

رغم كل ما مرَّ بالمرء من أحداث على مدار سنوات طويلة فى عمره الذى انقضى، تأتى عليه لحظات فارقة تعيد مرور شريط الحياة بين ناظريه، وتجبره على تأمل ذاته والنظر فى مرآة نفسه..

إنها لحظات مصيرية تتغير فيها كافة المفاهيم وتنقلب المعايير وتتبدل الأحوال من النقيض إلى النقيض.. أما وقد مررت لتوى بمثل هذه اللحظات، فإنى أحب التشبث بما تركَته من أثر فى نفسي، وأريد إبقاء جذوتها مشتعلة قدر المستطاع، لأن فى بقائها إحياء لجوهر الحقيقة وانبعاث لصفاء عكرته الأيام!

غروب كل يوم!

ثمة آية كونية تحدث على مرأى ومسمع من البشر كل يوم وهم عنها غافلون.. ورغم أننا نقرأها مراراً فى صفحات القرآن الكريم، ونراها تتجلى أمامنا صباح مساء، نغفل عن الحكمة العظيمة وراءها أو قل نتغافل.. إنها آية الليل والنهار، شروق الشمس ثم غروبها فى متوالية مستمرة لا تنتهى إلا لتبدأ من جديد، وفى كل لحظة نرى بأم أعيننا تلك الآية تتكرر حتى فى حياة الناس أنفسهم!!

كل لحظة هناك حياة مشرقة تأفل وتغيب هنا أو هناك. بل إن كل إنسان يغيب عن الدنيا مجبراً خلال ساعات النوم التى يسميها الحق "وفاة".. (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويمسك الأخرى إلى أجل مسمى).. لكننا نحب النور ونكره الظلام، ونستشرف الشروق ونفر من المغيب وننقبض منه! رغم أن كلاهما حقيقة، ولا غنى لأحدهما عن الآخر.. فكما أن هناك حياة فلابد أنها تنتهى إلى أفول وموت..

ما حدث ويحدث فى العالم من حولنا اليوم كان من شأنه أن يشعل فى أنفسنا الرغبة فى التأمل، لكن الناس قلما تتعظ أو تتفكر من أجل إحداث تغيير حقيقي يمس الذات ويعيدها إلى جادة الصواب. سنوات قليلة مرت منذ جائحة كورونا إلى اليوم تسارعت خلالها وتيرة الموت الجماعى فى حروب وأمراض وصراعات بشرية وكوارث كونية ليس آخرها ما حدث فى ليبيا والمغرب، ورغم هذا لا يكاد أحد يشعر بما حدث ويحدث، ولا يفكر فى التوقف للتأمل ولو للحظة!

ثم تأتى لحظة فارقة.. ليست بعيدة نائية تصيب الآخرين وتتجنبنا.. بل هى قريبة قرب الهواء من جلودنا، نهملها وننساها ما دمنا لا نراها، حتى تأتى عاصفة تحول الهواء اللطيف غير المحسوس إلى مطرقة عنيفة تزلزل الوجدان وتعصف بالكيان.. ورغم ما يصاحب تلك اللحظة من آلام ومخاوف ينبع من قلب تلك المحنة منح لا تنتهى، إنها ساعات الشروق العظيم بعد لحظات المغيب!

مذاق التصوف

شيئان يختفى فيهما الحاجز الوهمى بين اللفظ والمعنى.. الفلسفة والتصوف..

وفى ساعة ما تكتشف أن اللفظ الوحيد الذى باستطاعته وصف أحوالك يمت إلى التصوف.. لفظ غامض يصف شعوراً أشد غموضاً وتخفياً وتفلتا! إن أحوال المتصوفين تبدو فى مثل تلك اللحظات هى التفسير الوحيد لحالتك الشعورية والفكرية، وهى تستغرقك حتى تكاد تذوب فيها لا تريد تركها مهما كانت مرهقة لكيانك وذهنك!

هل يمكن أن يعشق المرء الألم؟ أو يستعذب العذاب؟! أمر عجيب أن تخرج من محنة مررت بها فتجدك وقد صرت أسيراً لأثرها عليك.. تستعيدها فى ذهنك مراراً مصراً على أن تجعلها باقية فى الذاكرة وفى بؤرة الشعور لا للألم الذى صاحبها، ولكن للصفاء الذى تلاها!

كنت مسترخياً أجلس جلستى العادية بين زملاء العمل عندما حدث الخطب.. النمل الذى تسلل خلسة إلى اليد والقدم، فنجان القهوة وقد بات كأنه جبل يستحيل رفعه أو نزعه من مكانه.. ثم الغشاوة التى تفصل المرء بين الوعى واللاوعى.. ثم تنفتح العيون وتشرق الشمس من جديد وتأتى لحظة تنجلى فيها الحقيقة.. أن جلطة صغيرة بحجم رأس الدبوس يمكنها أن تصنع فارقاً هائلاً كالفارق بين الليل والنهار أو بين الشروق والمغيب.. هنا تجد لسانك يلهج وحده منطلقاً أن الحمد لله رب العالمين..

تجليات الرحمن..

بلا سابق إنذار قيل إن ضغط الدم انطلق فجأة إلى ذروته وتجاوز المائتين بقليل! هكذا بلا سبب واضح مفهوم؛ فلا نوبة غضب ولا شحم يكسو الجسد الخفيف.. اللهم إلا سيجارة أمسكها بيدى منذ عقود ولا أمعن فى رشفها.. لكن القدر سبق، والأمر نفذ، وحدثت الجلطة كنتيجة للضغط الهائل على شعيرات الدم، وقررت الجلطة الصغيرة فى مكانها بين التلافيف أن توقف عمل شطر الجسد لدقائق مرت كأنها دهر! ومن لطائف الأقدار أن مرت الأزمة بسلام، والحمد لله أنها لم تترك أثراً يُذكر بعد العلاج وتمام الشفاء بفضل الرحمن..

ومن لطائف الأقدار أن الأمر حدث بين لفيف من الأحبة من زملاء العمل، لأجد الأيدى تسارع إلى حملى إلى حيث الأطباء موجودون فى نفس المبنى، بحيث أن الوقت بين الأزمة وبين تلقى العلاج لم يتجاوز عدة دقائق.. قال الأطباء إن الدقائق فى مثل هذه الحالات حاسمة قاصمة وأن السرعة مطلوبة.. فماذا لو حدث الأمر وأنا فى معزل ناءٍ عمن يسعفنى؟ أليس الأمر كله يبدو وكأنه لمسة رحمة ونفحة من لطف الرحمن بعبده؟!.. حينما تتجلى حقيقة اللحظة أمام العين، يندهش القلب وينعقد اللسان ويعجز اللفظ عن وصف ما يستشعره من تجليات الرحمة إلا بتمتمات خافتة أن الحمد لله رب العالمين..

عودُ على بدء

مواقف كثيرة فى الحياة تثبت لك حقيقة جغرافية معروفة.. أن الأرض كروية، وأن التاريخ حينما يعيد كتابة ذاته بنفس الحروف لا تملك إلا أن تقول: سبحان الله!

منذ نحو أربعين عاماً مضت وبالتحديد عام 1983 عندما كنت طالباً فى الصف الثالث الإعدادى أصبت في حادث كاد يؤدي إلي وفاتي ، وخلال أسابيع وشهور قضيتها بين الصمت والألم والوحدة ، زارني أحد أبناء الجيران والذي كان يدرس في جامعة الأزهر، وكان يحمل كتابا عن أشعار ابن الفارض... سألته فى فضول: هل هو كتابُ دراسيُ أم شخصى؟ ترك الكتابَ بين يدي قائلا : خذ تصفحه إذا أردت.. فقرأت كلاماً فوق الأفهام، وكأنها شفرة سرية ملغزة تستعصى على ذهنى الصغير المتعب.. والسؤال الذى راودنى حينها: ما العلاقة التى رآها جارى بين الصوفية وبين الحادث؟.. الآن أدرك العلاقة حتى ولو لم أقرأ كتاب ابن الفارض، أدرك المعنى الذى يكمن فى طيات الاختبار العنيف الذى يضعك فى منطقة فارقة بين الحضور والمغيب! اليوم يتكرر المشهد بصورة أخرى.. صباح الثلاثاء منتصف سبتمبر الساعة العاشرة والنصف أجلس في مكتب صديقي الدكتور أحمد مختار وكيل الهيئة الوطنية للصحافة.. حوار قصير ضحوك.. دقيقة لا أشعر بيدي وقدمي اليمني ثم تتلاشي الكلمات ولا أستطيع النطق للحظات كأنها دهر.. ثم بسرعة محمولا علي كرسي من الدور التاسع نزولا إلي الدور الثالث.. طبيب المؤسسة الدكتور أحمد عامر يقيس ضغط الدم الذي ارتفع إلي 210 كيف ولماذا؟ وفى مستشفي المعلمين نجح الأطباء) أسامة عمارة و أسامة البرنس ) في السيطرة علي المضاعفات والحمد لله..

نعم إننى أتشبث بتلابيب اللحظة وما أحاط بها من فيوضات موحية.. فمثل تلك اللحظة هى التى تجعلك فى منأى عن الدنيا وأنت فيها، كأنك ترتقى ارتقاءً لحظياً إلى أعلى نقطة ترى فيها المشهد بصورة بانورامية متعددة الأبعاد.. ترى ذاتك وأنت فوق هذه الذات، وتصل إلى أعمق نقطة فى مجاهل اللاوعى وأنت فى كامل وعيك.. إنها لحظة فارقة حقاً، لكنها غير قابلة للوصف..

اللائذون بمحراب الصوفية يبحثون عما يسمونه كرامة الولى.. ويغفلون عن كنز الكرامات الذى يصادف الناس فى حياتهم كل يوم.. كرامة تنعم عليك بسيل من النعم، وكرامة تنقذك من هبات النقم.. أليس ما حدث بالأمس القريب والبعيد كرامة، حينما نجانى الرحمن من الموت تارة ومن الرقاد تارة؟ إنها نفس الرسالة التى تلقيتها منذ عقود، تعود بنفس خطوطها وحروفها ترتسم على صفحة الأيام كما هى لا ينقص منها حرف.. ولعلنى قرأتها فوعيت ما فيها من لفظ وفهمت ما وراءها من معنى!

***

د. عبد السلام فاروق

من بعد زيارة  الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، الى الولايات المتحدة الامريكية، والاخفاقات الكبيرة التي شهدتها، وكما أشرنا لها في مقالنا السابق، شهدت وسائل الاعلام الغربية، حملة كبيرة وواسعة ضد الرئيس        " المهرج "، وتكتب وتشير الى سيناريوهات عديدة الى إمكانية التخلص  منه، بعد فشله هجومه المضاد بشكل كبير، وتكبد قواته الخسائر الجسيمة بالأرواح، وكذلك المعدات العسكرية التي دفع الغرب (دم قلبه) كي يوفرها للجيش الاوكراني، والتي تعتبر صفوة الأسلحة،  والتي تباهى بها الغرب، كونها ستغير من نتائج المعركة، وبالتالي ستجبر روسيا للجلوس على طاولة المفاوضات " مجبرة "، وبالتالي باتت هذه المعدات في متناول الجيش الروسي أينما تواجدت، وفشل الغرب في تحقيق أي نصر حتى وان كان  " وهمي "، للتباهي به امام شعوبهم، الذين ذاقوا ذرعا وهم يدفعون لدعم نظام فاسد وغارق في الفساد حتى " النخاع "، وبعبارة أخرى، انتهى دور " المهرج " الى هذا الحد، والدور الجديد  يجب ان يناط الى شخصية أخرى، بعد ان أحترقت ورقة " المهرج ".

واليوم بدأت تحركات دبلوماسية غربية جديدة، لإيجاد  أي صيغة " للسلام "، تحفظ ما وجه الغرب أولا وآخرا لأنهم أصلا يأبهون " بالمهرج " ولا بشعبه " المشرد " ولا ببلاده  التي دمرت، وبدأنا نسمع هنا وهناك تصريحات عن صيغ عديدة " للسلام " من وجهة النظر الغربية، وروسيا طبعا، مع أي " خطوة " نحو السلام، وآخرها تأكيد  وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن موسكو مستعدة للتفاوض حول أوكرانيا، ولكن مع الأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض والمصالح الأمنية الروسي، وقال في مقابلة مع وكالة "تاس"،  "ما زال موقفنا ساريا: نحن مستعدون للتفاوض، ولكن التفاوض مع الأخذ في الاعتبار الحقائق التي تطورت الآن على الأرض، وموقفنا معروف للجميع، مع الأخذ في الاعتبار مصالحنا، ومصالح أمننا، ومصالح منع إنشاء نظام نازي معاد على حدود روسيا، الذي أعلن صراحة هدف إبادة كل شيء روسي على أراضي كل من شبه جزيرة القرم ونوفوروسيا والتي طورها الشعب الروسي واستقر وعاش بها لعدة قرون".

كلمات رئيس الدبلوماسية الروسي " المخضرم " سيرغي لافروف جاء ردا على أعلان  الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس، عقب انتهاء الاجتماع الثنائي بينهما، أن روسيا وأوكرانيا أعربتا عن رغبتهما في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أن شكل المفاوضات بشروط تناسب الطرفين لم يتحدد بعد، جاء ذلك، حيث قال توكاييف: "ناقشنا اليوم مع المستشار شولتس أن الوضع خطير للغاية، فيما عبر الجانبان الروسي والأوكراني عن استعدادهما للمفاوضات، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح على أي منصة، وعلى أي مستوى سيحدث ذلك"، وشدد  توكاييف، الذي دخل على خط الوساطة، شدد على  أن لحظة "الدبلوماسية الحكيمة" قد حانت، ومن الضروري إجراء مفاوضات سلمية مع التركيز على النتائج التي تناسب الجانبين، والتأكيد  على أن بلاده "ستتخذ كل الخطوات الممكنة لتحقيق ذلك" و أن أستانا تدعم مبادرات السلام التي تقوم بها مختلف الدول لحل النزاع في أوكرانيا،

وفي الولايات المتحدة، فانهم تحاولون " التملص " من مسؤلياتهم المباشرة عما يحدث، والخسائر الكبيرة  التي كبدتها لأوكرانيا، وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كان يتوقع وضعا ما قد تدخل الولايات المتحدة بسببه في تناقض مع أوكرانيا، حول حقيقة أن استعادة كييف السيطرة على بعض مناطق البلاد "تبدو مسألة صعبة"، فقد رمى  وزير خارجيتها  أنتوني بلينكن، الكرة في ملعب الرئيس " المهرج زيزو "، وأكد أن القرارات المتعلقة بتقديم تنازلات محتملة تتعلق بالأراضي من أجل إنجاز التسوية في أوكرانيا، إنما يجب أن تتخذها السلطات في كييف نفسها، وقال بلينكن في مقابلة مفتوحة عبر الإنترنت مع مجلة "The Atlantic"، ان الرئيس الأمريكي جو بايدن، اكد  مرارا إن هذه القرارات يجب أن يتخذها أساساً الأوكرانيون أنفسهم، ولا شيء يخص أوكرانيا يمكن أن يحصل من دون أوكرانيا، وأضاف بنرجسية كبير ة  " وسيظل هذا المبدأ هو النبراس لكل ما نقوم به "، متجاهلا ما قدمته وتقدمه بلاده حتى الان والضغط على حلفاءها أيضا بتقديم الأسلحة والأموال " لديمومة " المعركة ضد روسيا .

وبعودة بسيطة الى الوراء، نؤكد إن دول الغرب تتحمل مسؤولية انهيار وحدة أراضي أوكرانيا برفضها تنفيذ اتفاقات مينسك، وأن زعماء الدول الذين شاركوا الرئيس فلاديمير بوتين في إعداد اتفاقيات مينسك تسببوا بتدمير وحدة أراضي أوكرانيا، وقد اعترفوا أنهم في الواقع قاموا بتضليل الرئيس الروسي،  ولم تكن لديهم أي نية لتنفيذ هذه الاتفاقات وهم الآن يبدون قلقهم باستمرار بشأن وحدة الأراضي الأوكرانية، وبالتالي وبحسب تعبير الوزير  لافروف، فإنه كلما تأخرت كييف في المفاوضات مع موسكو، أصبح من الصعب التفاوض لاحقا، وإن  الخطوة الأولى لمثل هذه الاتصالات يجب أن تكون إلغاء مرسوم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي يحظر الحوار مع موسكو.

وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الروسية الأمريكية، توترا في الفترة الأخيرة بعدما أعلنت وزارة الخارجية الروسية استدعاء السفيرة الأمريكية لدى موسكو لين تريسي، وإخطارها بإعلان اثنين من موظفي السفارة الأمريكية شخصيتين غير مرغوب فيهما، ووصف فيه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، العلاقات حالياً بين موسكو وواشنطن  بأنها "منهارة"، وأن الجانب الأمريكي هو المسؤول عن ذلك، عاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وفي آخر تصريح له في مقابلة مع مجلة The Atlantic، أن إمكانية عقد لقاء بين الرئيسين الروسي والأمريكي فلاديمير بوتين وجو بايدن غير مستبعدة، بأن كانت مثل هذه العبارات من " المحرمات " عند السيد بلينكن !! .

تطورات الموقف الأمريكي تجاه النظام الأمريكي آخذة في الانحسار، فان الولايات المتحدة  في طريقها الى " الاغلاق الحكومي "، وأن التمويل الحكومي لأوكرانيا  ينتهي مع بداية السنة المالية الفيدرالية في 1 أكتوبر، وسيبدأ الإغلاق فعليا في الساعة 12:01 صباحا، وبالتالي فان على الكونغرس من تمرير خطة تمويل يوقعها الرئيس لتصبح قانونا، واستحالة التنبؤ بالمدة التي سيستغرقها الإغلاق، مع انقسام الكونغرس بين مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون،  كل هذا حير  الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قال "أنه لا يعرف ماذا يفعل ليمنع الإغلاق المحتمل للحكومة الأمريكية" .

كما أن امدادات الأسلحة الامريكية لأوكرانيا وكما  أعلن نائب وزير الدفاع الأمريكي للشؤون المالية مايكل ماكورد، ستتأخر في حال إعلان الحكومة الأمريكية الإغلاقهما و إن البنتاغون حصل فقط على موافقة الكونغرس الأمريكي لإرسال أسلحة ومعدات عسكرية إضافية إلى كييف بقيمة 5 مليارات دولار من الاحتياطيات المتراكمة بالفعل، وفي الوقت نفسه، لدى وزارة الدفاع 1.6 مليار دولار فقط لتوقيع عقود جديدة لاستبدال المعدات العسكرية، وأكد ماكورد أن "كل ما تبقى لدينا هو 1.6 مليار دولار، وهو المبلغ الوحيد الذي يمكن استخدامه، ولا أعرف متى أو ما إذا كنا سنحصل على أموال إضافية" في وقت حاجة وزارة الدفاع  إلى "إرسال إشارات إلى الصناعة" باستمرار من أجل ضمان تجديد احتياطات الأسلحة والمعدات العسكرية، مشيرا إلى أن البنتاغون اضطر بالفعل إلى "إبطاء هذه العملية لأن هناك احتمالا حقيقي بالاغلاق"، وتخشى وزارة الدفاع الأمريكية من أن يؤدي الإغلاق أيضا إلى تعليق الموافقات على إنتاج المعدات العسكرية والذخائر من قبل هيئة إدارة العقود في البنتاغون (DCMA)، وهو ما سيؤثر على جدول إنتاج الأسلحة، وقد يؤدي إلى "تجميد معظم هذه العقود" .

اما فرنسا، فقد أعلنت أنها  تعتزم الانتقال من توريد الأسلحة لكييف إلى إبرام العقود العسكرية معها، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو،  ليكورنو خلال زيارته إلى كييف  الخميس قوله: "سننتقل شيئا فشيئا إلى منطق يكون فيه نقل الأسلحة هو الاستثناء وليس المبدأ"، والأشارة  إلى أن فرنسا ستنتقل من دعم الأسلحة إلى إبرام عقود توريد "مع دعم محتمل" من باريس، كما تشير الوكالة إلى أن نقل الأسلحة الفرنسية باستمرار إلى كييف شيء غير مستدام في ضوء القيود المفروضة على احتياطياتها من الأسلحة، حتى على الرغم من زيادة معدلات الإنتاج التي يطلبها الرئيس إيمانويل ماكرون، وان فرنسا  ستدرس إمكانية الإنتاج المشترك لعدد من الأسلحة في أوكرانيا.

ووزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو، الذي وصل إلى كييف، برفقة ممثلي نحو 20 شركة دفاع فرنسية، هي حيلة فرنسية للتخلص من أعباء المساعدات التي تقدمها الى أوكرانيا، فمن بين الشركات التي يرأس وفدها الوزير شركة Nexter، التي تنتج، على وجه الخصوص، مدافع هاوتزر "قيصر" التي يتم توريدها إلى أوكرانيا، وشركة Delair، التي أرسلت 150 طائرة استطلاع مسيرة إلى كييف، ومجموعة Arquus، التي تتوقع إنشاء مؤسسة في أوكرانيا لصيانة المركبات المدرعة الموردة، كما وصل ممثلو شركة إزالة الألغام CEFA إلى كييف على أمل توقيع عقد لتوريد روبوتات لإزالة الألغام، وشركة Vistory، التي تقترح بناء مطابع ثلاثية الأبعاد في أوكرانيا لإنتاج مكونات المعدات العسكرية، وكذلك أشارت وزارة الدفاع الفرنسية سابقا إلى أن باريس تعتزم "تغيير نموذج المساعدة لأوكرانيا مع توقع استمرار النزاع"، وفي أواخر العام الماضي، أنشأت فرنسا صندوقا بميزانية قدرها 200 مليون يورو لمنح كييف الفرصة لتقديم طلبات شراء الأسلحة مباشرة من الشركات المصنعة الفرنسية، والسؤال هو، متى ستبدأ هذه الشركات بالعمل ؟ في وقت ان الأراضي الأوكرانية بأكملها، هي هدف مشروع للقوات الجوية والفضائية الروسية، حيث سبق وان أعلنت موسكو،  ان كل الأسلحة الغربية  ومصانعها، في الأراضي الأوكرانية هي اهداف عسكرية  لها .

اما في أوكرانيا، فقد اعترف مستشار مكتب الرئاسة الأوكرانية، ميخائيل بودولياك، بأن صواريخ "أتاكمس" و"تاوروس" لن تحل مشاكل القوات الأوكرانية بشكل جذر، و "حتى عندما نحصل على صواريخ "تاوروس"، وسنحصل عليها، وحتى لو حصلنا على "أتاكمس"، فإن ذلك لن يعوض الفارق في العدد الذي لدى روسيا والمدى لتلك الصواريخ"، في حين ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"  نقلا عن مصادر مطلعة، أن السلطات الألمانية أجلت إرسال صواريخ "تاوروس" بعيدة المدى للقوات الأوكرانية بسبب المخاوف من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها ستقدم لأوكرانيا 31 دبابة من نوع "أبرامز"، أعلن المتحدث باسم مجموعة القوات الشرقية للجيش الأوكراني، إيليا إيفلاش،"ستؤثر الظروف الجوية الصعبة والأمطار على مسار الأعمال القتالية، وبالتالي على استخدام الدبابات الجديدة في ساحة المعركة"، وعبر  كيريل بودانوف رئيس مديرية المخابرات العامة بوزارة الدفاع الأوكرانية، عن قلقه  في مقابلة مع موقع Warzone،  من إن دبابات "أبرامز" الأمريكية، التي تنتظرها كييف بلهفة "لن تصمد طويلا" في الجبهة.

اما في الجانب المالي، فقد أعلنت وزارة المالية الأوكرانية، أن الدين العام الأوكراني ارتفع مليار دولار في أغسطس، ليصل إلى 134 مليار دولار، مشيرة إلى أن الدين الخارجي يمثل 70% من المبلغ إجمالي الدين، وإلى أن مشروع الميزانية للعام المقبل ينص على زيادة الدين العام إلى 221.5 مليار دولار، أو 104.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت نفسه أعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال، أن الحكومة اعتمدت مشروع ميزانية لعام 2024 بإنفاق عسكري قياسي قدره 45.6 مليار دولار، وهو ما يتجاوز كل الإنفاق على المجال الاجتماعي والطب والتعليم، وقال، إن سلطات بلاده تلقت فعليا منذ بداية هذا العام 13.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي على شكل معونة مالية، وأشار شميغال إلى أن إجمالي الدعم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي لكييف منذ فبراير عام 2022 يصل الآن إلى حوالي 70 مليار يورو، في حين أشار رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق نيقولاي أزاروف من جانبه، إلى أن الدين الوطني الأوكراني قد ينمو إلى مستوى 173 مليار دولار بحلول نهاية العام، وتوقع صندوق النقد زيادة الدين العام لأوكرانيا عام 2023 إلى 88.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 2024 إلى 98.6٪ منه، وفي 2025 إلى 100.7٪.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

هل تحوّلت إفريقيا إلى مقبرة للديمقراطيّة والليبيراليّة؟

قامت القيامة في بلد النيجر الشقيق ولم تقعد. لأنّ جماعة من العسكر انقلبت على الشرعيّة الدستوريّة، وأزاحت الرئيس المنتخب عن كرسي السلطة. حقّا، لقد حدث ذلك منذ أسبوعين في بلد غنيّ بثرواته الظاهرة والباطنة، وأراضيه الزراعية الخصبة وشبابه، بلد يعيش في أحضانه شعب مسلم، طيّب، مسالم، لكنّه يعاني من ويلات الفقر المدقع إلى حدّ المتربة.

 والسؤال المطروح: أين تذهب عائدات الذهب واليورانيوم وغيرها من ثروات النيجر الشقيق؟

لقد هبّ الغرب بقيادة فرنسا، التي مازالت تحنّ إلى سالف وجودها الاستعماري، بمعيّة ثلّة من الأفارقة المغرّدين في سربها، وتظاهروا، بل صنعوا مندبة على الديمقراطيّة والشرعيّة. والحقيقة أن شعب النيجر المسكين لا يعنيها من قريب أو بعيد، بل هي سبب ما يعانيه من فقر وتخلّف وأزمات أمنيّة حادة، ومن تغوّل بعض الجماعات المسلّحة التي تنشط في دول الساحل. إنّ فرنسا تلعب على الحبلين، فهي تلعب دور الصديق والعدو. وهذا دأب الاستعمار القديم الذي لم يستوعب ولم يهضم طرده من إفريقيا الغنيّة بثرواتها وشبابها. أين كانت فرنسا والغرب عندما حدثت انقلابات سابقة على الشرعيّة الدستوريّة في إفريقيا؟

 ولكن الحقيقة التي لا غبار عليها، فإنّ فرنسا والغرب لا يهمّهما الديمقراطيّة في النيجر أو في إفريقيا كلّها؛ بشمالها وجنوبها، بشرقها وغربها. ما يهمّ السلطات الفرنسيّة، هو الحفاظ على مصالحها الاقتصاديّة ومكاسبها الثقافية التي جنتها أثناء احتلالها للنيجر وما بعد استقلال هذا البلد الإفريقي الساحلي، الواقع في منطقة استراتيجيّة، غنيّة بالمعادن الثمينة وبشبابها البكر، الطموح. هدفها من كلّ العيطة والزيطة هو الهيمنة على الموارد الطبيعية؛ من غاز وبترول ويورانيوم وذهب وحديد وغيرها من المعادن الثمينة. أين كانت فرنسا الديمقراطيّة - رافعة ثلاثيتها الثوريّة؛ الحريّة والأخوّة والمساواة - في ميدان الشانزيليزيه وقوس النصر، أثناء الانقلابات العسكريّة السابقة في إفريقيا؟ أم الديمقراطيّة الفرنسيّة والغربيّة لا تطلق العنان للسانها وجوارحها، ولا تلمز وتهمز وتلغو وتملأ الدنيا ضجيجا وعجيجا كالعربة الفارغة على مضمار أسفلت القرون الوسطى، تبدي حرصها على الشرعيّة الدستوريّة، إلاّ إذا شعرت بأنّ مصالحها في خطر.

 لقد نهب الغرب الاستعماري خيرات إفريقيا لعدّة قرون مضت ولم يشبع - ولن يشبع - ومازال ينهب من خلال حكومات إفريقيّة غير وطنيّة، عميلة وخائنة لشعوبها مقابل عمولات أو مساعدات وهميّة. إنّ الغرب لا يتذكّر الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في إفريقيا ولا يزعم الدفاع عنهما إلاّ إذا تهدّدت مصالحه. فالديمقراطيّة الإفريقيّة – في نظر الغرب – هي تنصيب حكام تُبّعا له.

هناك حرب أهليّة في السودان والصومال. هناك في إفريقيا العميقة مجاعة وجياع وأمراض ومرضى وحفاة وعراة، فراشهم التراب وغطاؤهم السماء وعبيد في أسوء حال. لكنّ عيون الغرب مغمضة، بل هي عمياء لا تُبصر سوى مناجم اليورانيوم والذهب والحديد والفوسفات ومنابع النفط والغاز وغيرها من خيرات إفريقيا المثقلة بالهموم والمآسي والديون والأمراض الفتّاكة والمرتوقة.

مازالت دماء ضحايا فرنسا الاستعماريّة من الشهداء الأبرياء، لمّا تجف بعد في المغرب العربي وإفريقيا عموما. ومازال الدهر لم يكشف بعد عن جرائمها كلّها في الجزائر، وكلّما افتضحت جريمة لها، هنا أو هناك، تبعتها أخوات لها أكبر وأفظع. إنّ فلسفة المستعمر، وسيكولوجيّة الاحتلال لا يحدّها مكان ولا زمان. وربّما اعتقد بعض المغفّلين، أنّ الغرب الاستعماري قد تخلّى عن فلسفة احتلال الأخر وإذلاله واستعباده ونهب خيراته، وتخلّى عن أطماعه، المتوارثة عن العصر الوسيط، عصر المغامرات والقرصنة والاكتشافات الجغرافيّة، وهو – لعمري – اعتقاد خاطيء ومهلك، مردّه إلى الغفلة والسذاجة والجهل بعبر التاريخ ومخرجات السياسة.

إن الانقلاب في النيجر مؤشر على يقظة الشعوب التي نخر عظامها الاستغلال الأوروبي غير المشروع لثرواتها المعدنيّة، ما ظهر منها على السطح وبطن، وما خفيّ منها وما هو ظاهر للعيان.

إنّه الصيف الإفريقي الماطر، يا سادة، الذي أيقظ الأفارقة في جنوب الصحراء والساحل من سبات دام عقودا من الاستغلال والاستدمار، عكس الربيع العربي المزعوم الذي دمّر البنيان وخرّب النسيج الاجتماعي، وما نجا منه دمّرته الطبيعة، وأكملت سلسلة الخراب والدمار في الحوز ودرنة وما جاورهما. إن الغرب الصليبي الرافع لراية حقوق الإنسان منذ عقود من الزمن البشري، ينفق عشرات التريليونات على الحروب البينيّة والأهليّة، وعلى تطوير الأسلحة الفتّاكة؛ التقليديّة منها وغير التقليديّة، وعلى أقمار التجسّس وأجهزته وعملائه، في الوقت الذي يتضوّر أطفال أبرياء وأمّهات مغلوبات على أمرهنّ جوعا وخوفا. لماذا يغض الغرب المنافق الطرف عن مآسي أطفال اليمن وسوريا والسودان وفلسطين والروهينغا، بينما أظهر للعالم أشدّ الاهتمام ومنتهى الإنسانيّة عند تعلّق الأمر بأطفال أوكرانيا؟ لماذا عجز مجلس الأمن وجمعيته الأمميّة المتّحدة قولا لا فعلا عن وضع نهاية للحرب في اليمن وسوريا والسودان؟ لماذا تبدو الدول الأوروبيّة الغنيّة – وغناها من ظهر إفريقيا – مقتّرة وممسكة وقابضة اليمين في إعاناتها لضحايا الكوارث الطبيعيّة المدمّرة؟

إن ما ابتليت به إفريقيا من مآس واستبداد وكوارث، تتحمّل مسؤوليته ووزره فرنسا . لعدّة أسباب أهمّها: أنّ هذه المجتمعات الإفريقيّة المنضويّة أنظمتها تحت سقف الفلسفة الفرانكفونيّة، مازالت تعتبرها فرنسا غنيمتها التاريخيّة وامتدادها الاستراتيجي؛ الثقافي والسياسي والاقتصادي. ومازالت فرنسا تنظر إليها بعين الوصيّ على أيتام قصّر لم يبلغوا بعد سنّ الرشد، بل إنّ فرنسا تحلم – توهّما – بالعودة عسكريّا تحت غطاء محاربة الإرهاب الجهادي والجماعات المتطرّفة وبارونات السموم. بينما الواقع أنّ عدم الاستقرار في المستعمرات الفرنسيّة السابقة، راجع بالدرجة الأولى إلى السياسة الفرنسيّة القائمة على فلسفة النوستالجيا الاستيطانيّة (الحنين الاستيطاني) والأنانيّة الفوقيّة والنظرة إلى الشعوب الإفريقيّة نظرتها إلى البقرة الحلوب.

 لقد غزت فرنسا الجزائر في يونيو 1830 م، بحجة تحرير الجزائر من الاستعمار العثماني، وفرضت على مدينة الجزائر حصارا استمرّ ثلاث سنوات. و" أنّ الجنرال دي بورمون كان ينوي تماما عدم التخلّي عن مدينة الجزائر للعثمانيين، وهو الذي كان قد صرّح للكولورليس، وللعرب، ولسكان المدينة، أنّ الجيش الفرنسي قد جاء لطرد الأتراك طغاتكم، وأنّهم سيحكمون كما كانوا يحكمون من قبل في بلدهم أسيادا مستقلّين في مسقط رأسهم، وبعد أن قال أنّ الولاية ستخضع قبل خمسة عشر يوما أعلن تباعا أنّ المور (1) والعرب ينظرون إلينا كمحرّرين "(2).

و لمّا وطأت أقدام الغزاة أرض الجزائر الطيّبة، عاثت فيها فسادا وخرابا. أخلفت فرنسا وعودها كلّها، ونقضت معاهداتها، وارتكبت أفظع الجرائم. لم ترع عهدا، ولم تحترم دينا ولا لغة ولا عرفا ولا تاريخا. داست كلّ المقدّسات بنعالها. نهبت الأموال والودائع والمكتبات، وأحرقت البيوت على رؤوس أهلها وحوّلت المساجد إلى اسطبلات وأعدمت أكثر من أربعة آلاف من المسلمين المعتصمين في مسجد كتشاو ا (3) العتيق، بعدما رفضوا تحويله إلى كنيسة. وكان منظر إخراج المصاحف والمخطوطات الدينيّة إلى ساحة الماعز وإحراقها أشبه بمنظر إحراق هولاكو للكتب في بغداد عندما اجتاحها. ولسان حال الجنرال روفيقو يردّد: " يلزمني أجمل مسجد في المدينة لجعل منه معبد إله المسيحيين ".

 إنّ ما ارتكبته فرنسا من جرائم خلال فترة احتلالها المقيت الممتدّة من 1830 م إلى 1962 م، لا تتّسع له صفحات الدنيا ومدادها ولو كان البجر مدادا لها والأرض قرطاسا. ثم تطلّ فرنسا، اليوم، ومن ورائها أذنابها وفلكها الغربي الصليبي، بمرثيّة الديمقراطيّة والشرعيّة الدستوريّة وحقوق الإنسان في النيجر وعموم إفريقيا والعالم العربي. ألا ما أغبى الاستعمار، إنّه فعلا " تلميذ غبيّ " كما قال الجنرال الفيتنامي " جياب "، وما أغرب مواقفه منّا – نحن أهل الجنوب – حين يتعلّق الأمر بمصالحه الاقتصاديّة.

 حان الوقت لتطبيق شعار إفريقيا للأفارقة، دون إفراط أو تفريط. وإنّ مبدأ التعاون بين الأمم والشعوب مبدأ فطريّ، لا تنفر منه الطبيعة. إنّ الكون مبنيّ على التناسق والتكامل، فالكائنات الأرضيّة والفضائيّة تمارس غريزة التعاون والتكامل والتدافع في مسارات متوازيّة أو متفاعلة . إنّ النظام الكوني قائم على عنصري الإيجاب والسلب، وزوال أحدهما عاقبته الخراب ونهاية العالم.

 لقد حان الوقت لتعود إفريقيا وخيراتها لأبنائها، وليرفع الاستعمار القديم ميسمه عن إفريقيا. إنّ إفريقيا في حاجة إلى البدء في كتابة تاريخ جديد، وبمداد وأقلام أبنائها البررة. إنّ إفريقيا الغنيّة بمواردها الطبيعيّة، الثريّة بشبابها وإطاراتها وتراثها الحضاري، جديرة بالعيش في ذروة القمّة، لا في حضيضها الأسفل.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

.............

هامش:

(1) المور: المور وجمع الموريون. بالإسبانية (موروس) وبالإنجليزية (مورس)، وبالفرنسية (مور). مصطلح في اللغات الأوروبيّة، شاع استعماله في وصف عرب الأندلس والمسلمين

 (2) تاريخ الجزائر المعاصرة – شارل روبير اجيرون ص 76 / 77 - - ترجمة عيسى عصفور – منشورات عويدات – بيروت وديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر – ط 2 – 1972.

(3) كيتشاو ا: كلمة تركية مركبة من(كيت) وتعني ساحة و (شاو ا) وتعني عنزة . اسم أشهر مسجد شيّده الأتراك في الجزائر، وسمّوه (كيتشاوا) نسبة إلى الساحة المجاورة، وكان الأتراك يطلقون عليها اسم: سوق الماعز. أسّسه القائد خير الدين بربروس عام 1520 م.

خلال العقدين الأخيرين خاضت عدة دول افريقية تجارب في الانتقال الديمقراطي وحققت في هذا المجال نجاحا في بعض الدول كما جرى في (بنين- بوتسوانا- غانا- ناميبيا-موريشيوس-السنغال- جنوب أفريقيا)، إلا أن الأمور انتكست خلال السنوات القليلة الماضية حيث شهدت القارة 8 انقلابات عسكرية خلال ثلاث سنوات آخرها انقلابي النيجر في شهر يوليوز الماضي وتلاه بأيام انقلاب الغابون، بالإضافة الى عشرات محاولات الانقلاب الفاشلة.

  إن كانت الانقلابات حدث عادي ومقبول شعبيا وخصوصا على أنظمة عسكرية ودكتاتورية إلا أن ما يلفت الانتباه أن الانقلابات الأخيرة كانت من الجيش على حكام تولوا السلطة بعد انتخابات عامة، كما أن أغلب الانقلابات كانت في دول الساحل غرب أفريقيا وجنوب الصحراء التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي وما زال فيها تواجد عسكري فرنسي وتبعية وعلاقات اقتصادية غير متكافئة مع فرنسا.

تعثُر المسار الديمقراطي في أفريقيا له نظير في العالم العربي، فمنذ العقد الأخير من القرن الماضي وتحديدا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ساد تفاؤل بإمكانية نجاح عمليات انتقال وتحول ديمقراطي في دول العالم الثالث وتحديدا في العالم العربي من خلال صناديق الانتخابات، حيث جرت انتخابات في كثير من الدول العربية كالمغرب والجزائر وموريتانيا وتونس ومصر ولبنان والكويت وفلسطين، إلا أن الانتخابات لم تُحدث التحول الديمقراطي المطلوب، وجاءت فوضى الربيع العربي لتجهض على بقايا الأمل بالتحول الديمقراطي، وباستثناء ما حققه المغرب والكويت من نجاح نسبي على مستوى الاستقرار السياسي فإن كل الدول العربية تفتقر إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية.

ما يجري في أفريقيا وفي العالم العربي يدفعنا لاستحضار ما دوناه في كتابنا الصادر عام 2001 عن منشورات الزمن في الرباط- المغرب تحت عنوان: "الديمقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق" حيث أشرنا الى تزايد الاهتمام بالديمقراطية والانجذاب لها بعد النجاحات التي حققتها المجتمعات الغربية في ظلها وخصوصا في المجال الاقتصادي حتى اعتقد البعض في العالم الثالث أن الرخاء الاقتصادي سيحدث تلقائيا بمجرد الانتقال نحو الديمقراطية  وحتى بمجرد وضع دساتير وإجراء انتخابات عامة، وحذرنا من التسرع بتقليد الغرب في الشأن الديمقراطي فلكل مجتمع خصوصيته والتحول للديمقراطية لا يقبل التسرع أو التقليد بل هي عملية متدرجة ذات أبعاد ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية ومجرد إجراء انتخابات لا يعنى أن النظام أصبح ديمقراطيا، ففي الغرب لم تستقر الديمقراطية وتصل المجتمعات إلى ما وصلت له إلا بعد خمسة قرون تقريبا من النضالات والثورات السياسية والصناعية والحروب الأهلية والإنجازات  في العلمية، فالديمقراطية جاءت في سياق تنمية شمولية اجتماعية وثقافية واقتصادية، والديمقراطية لن تجلب الرخاء الاقتصادي بمجرد إجراء الانتخابات.

يمكننا إرجاع سبب الانقلابات في أفريقيا و تعثر المسار الديمقراطي فيها وفي العالم العربي للأسباب التالية:

1- لم يكن التحول نحو الديمقراطية نتيجة نضج مجتمعي ومؤسساتي بقدر ما كان نتيجة مطالب وضغوط الغرب وخصوصا المؤسسات الدولية المالية حيث كان يُشترط إجراء انتخابات وتغييرات هيكلية في مؤسسات السلطة كشرط لتقديم المساعدات، وأحيانا كانت تجري انتخابات في ظل الاحتلال وبطلبه كما جرى في أفغانستان والعراق بعد احتلال واشنطن للبلدين.

2- تم اقحام شكليات الديمقراطية، الانتخابات وإقرار التعددية السياسية والتداول على السلطة ووضع دساتير، على مجتمعات قبلية وعشائرية وطائفية وما تزال محكومة بقانون القطيع أو الراعي والرعية، وليس مفهوم المواطنة، فاستمر الانتماء للقبيلة والطائفة يغلب الانتماء للوطن.

3- ضعف ثقافة الديمقراطية، فهذه الأخيرة ليس مجرد مؤسسات وتشريعات بل ثقافة أيضا، ثقافة اجتماعية وسياسية على مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية بدءا من البيت والمدرسة الى الأحزاب ووسائل الاعلام، وللأسف هذه المؤسسات بقيت تقليدية إلى حد كبير ولم تؤثر على سلوكيات الناس إلا على طبقة محدودة من المثقفين والمتعلمين.

4- بسبب غياب ثقافة الديمقراطية واستمرار الانتماءات الطائفية والقبلية فإن الحكام الذين يصلون للحكم عبر صناديق الانتخابات لا يتنازلون عن السلطة بعد نهاية المدة المحددة دستوريا لحكمهم بل يلجؤون إما لتغيير الدستور وتمديد فترة الولاية إلى مالا نهاية أو التشكيك بنتائج الانتخابات في حالة فوز رئيس من المعارضة.

5-    استمرار الهيمنة الغربية على البلاد وفي بعض الدول الافريقية استمر التواجد العسكري الفرنسي والغربي وهو تواجد كان هدفه استغلال ونهب ثروات البلاد وحتى يتم تحقيق ذلك ساعد على تنصيب حكام موالين له بغض النظر إن كانوا ديمقراطيين أو غير ديمقراطيين كما كان الأمر في جمهورية الغابون.

6-  لم يرافق الانتقال نحو الديمقراطية نهضة وتنمية اقتصادية بل في بعض البلدان التي شهدت انتقالا ديمقراطيا تزايدت حالات الفقر وانقسم المجتمع الى طبقة شعبية واسعة فقيرة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة وطبقة صغيرة فاسدة وفاحشة الغنى مشكلة من تحالف الحكام المنتخبين ديمقراطيا وكبار الرأسماليين والإقطاعيين والتجار المرتبطين بالدول الاستعمارية.

7- حالة الفقر والديمقراطية المزيفة خلقت تشوهات اجتماعية أفسحت المجال لظهور جماعات الإسلام السياسي المتطرفة المناهضة للديمقراطية.

8-   بسبب خيرات افريقيا وموقعها وقعت ضحية الصراع بين القوى العظمى للسيطرة على العالم، وخصوصا بين واشنطن والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وهو صراع يفتقر لكل الأخلاقيات الإنسانية والسياسية، وفي خضم هذا الصراع لم تتورع هذه الدول على استقطاب أكبر عدد من الدول الافريقية بغض النظر إن كانت ديمقراطية أم لا بل ساعد بعضها على انقلابات ضد حكام منتخبين ديمقراطيا.

9- ما يجري في افريقيا ودول الجنوب بشكل عام يكشف زيف دعاوى وخطاب الغرب حول الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث لاحظنا دعمه لأنظمة دكتاتورية أو تقليدية محافظة لا تؤمن بالديمقراطية ما دامت مصالحه مع هذه الأنظمة وفي نفس الوقت يعادي أنظمة ديمقراطية وحكومات منتخبة إن تعارضت مصالحها معه.

10- ومع ذلك فأفريقيا تسير بخطوات ملموسة وإن كانت بطيئة نحو ديمقراطية وطنية متحررة من الإملاءات الخارجية ومن النفوذ الغربي.

***

ا. د. إبراهيم ابراش

لو عَرف المؤرخ العربي معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر، وما تجمع له على السنين من اراء وأنظار، وما أستخرجه بنفسه من ملاحظات، وهو يقلب صفحات التاريخ على الارض ويثمن احداثه بصدق، لما كتب تاريخ الاسلام مزوراً،

التاريخ والحضارة، مرتبطان احدهما بالاخر أشد الارتباط، ولا يستطيع أحد منا ان يتحدث عن الحضارة حديثا معقولاً، الا اذا عرف ما هية التاريخ، ويبقى العقل الانساني هو محور الروابط بينهما لفتح ابواب السيادة له على هذا الكوكب الكبير، فالعقل هو القدرة على ربط الظواهر بعضها ببعض ليكون لنا البداية الاولى في طريق الحضارة والتقدم وأزالة ظلم الظالمين كما عرفته الشعوب الاخرى. ومن هنا يقول العلماء ان العقل نفسه والأيمان به هو اول مخترعات الانسان لقدرته على عقل الاشياء والسيطرة عليها، وليس الدين، فعقيدة الدين احدى كوارث البشر احياناً خاصة اذا كانت متناحرة فلسفياً بين معتقديها كما عند المسلمين اليوم.

حضارات العقل القديم المعمقة عند المصريين والعراقيين انتهت بنهايات بقيت سائبة وأثارها شاخصة للعيان لعراقتها في التأسيس، الحضارة المصرية انتجت الاهرامات التي عرف عنها سر الوجود، وانتجت الدواء لأول مرة في التاريخ عندما مرض الانسان وأصبح بحاجة للشفاء من المرض، والتحنيط لجثث الموتى عندما آمن بالخلود، والذي لازال الى اليوم يلف أسراره الغموض،مجهول الهوية دون معرفة سر الابتكار والخلود، والغرف المغلقة في الاهرامات التي لم تفتح بعد، ولم يعرفها العلم الحديث حتى الآن، وشرائع كتبت في برديات لا زالت تنتظر من يكشف سرها للوجود، لربما تحدثت عن خالق ودين ووجود، لا اعتقد لان لو كان لها دين يفرق بين معتقديه، لما اثبتت وحدتها الاجتماعية في الوجود. لكن التقدم تحقق لهم لأنهم كانوا بلا دين يفرق بينهم.

وحدائق بابل المعلقة لم يعرف اسرارها العلم الحديث، والكتابة والقلم والقوانين والزقورات والعجلة التي تجرها الثيران مبتكراتهم دون معرفة مبتكريها من العراقيين وغيرهم لا زالت رمز الوجود، بالمقابل انتجت حضارة المسلمين الفلسفة والطب والصيدلة والرباضيات فكان الفارابي والخوازمي وابن سينا اعلام في الوجود، لكن التوجه الديني المتعصب متمثلاً  بالغزوات والنهب والسلب والجنس ومعاداة العلم والعلماء والمرأة نصف الوجود، والردة والرجم اللذين لا اصل لهما في نص الاعتقاد، واتهام المرأة انها ناقصة عقل ودين، لكنها للجنس ملكة تدمر في الوجود، كلها متطلبات القادة التي لوثت حضارة اسلام الوجود، وقادتهم الى التخلف واللا وجود.

وأحتكار السلطة والمال والسيف المسلط على الرافضين، لذوي الامر، دون حقوق الاخرين قد أوقفت تقدم الوجود، والحكومات الظالمة تتحكم بالمظلومين منذ عهد الوجود، بحجج اللون والدين واختراعات مؤسسة الدين المخترعة منها، كوجود، في الأمر غموض، فالنص المقدس جاء لتكريم الانسان كل الانسان دون تمييز "وكرمنا بني آدم"، وتكريم العلم والقلم والاستقامة والعدالة وحفظ الحقوق، "أقرأ باسم ربك "فلماذا كان التطبيق معكوسا عند المسلمين، في الوجود؟ هذا ما يجب ان يُعرف بوضوح، والذي لا زال مجهولا يلفه الغموض عند المؤرخين،وفي مناهجنا الدراسية يجب ان يكون منفتحا على المساوىء والمحاسن دون تفريق، لعلنا نزيل بعض الاتهامات عن اسلام المسلمين المزيف الذي ثيت فشله في التطبيق،والا سنبقى في مؤخرة الركب متخلفين نندب اصلاح الوجود، ولا وجود.

نعم، بالتعقل والتفكر في علاقتنا بمن حولنا وبانساننا من حولنا تتكون الاخلاق ،وبعكسه يكون التشتت والتخلف، ففي نداءات السماء نقطة الشروع،وفي مسارها تتحقق التقوى في الوجود، فيتحقق التزكي ويسود الفلاح، فلمَ السيف وكراهية الاخر في الوجود، هو حيَ على الفلاح"، ولمَ التناقض بين العقل والظلم والدين في الوجود "أعدلوا ولو كان ذا قربى،نص لم تطرحه اقدم الحضارات "، ولكن ما زالوا هم الذين اوقفوا حقيقة العقل الحضاري والقانون عند اصحاب الحضارات وابتكارات القديم في الوجود،،كفاية مدحاً بالماضي وذماً بالحاضر الجديد، علينا ان نعرف، حقيقة الوجود وسر الخلود، ولا نبقى مع المقدس دون تحقيق ؟ لننبه لمنهج دراسي جديد، عسى ان ينفتح لنا باب العقل في التجديد؟ ونبعد اعداء الفلسفة عن التعليم بعد ان علمونا ان مناهجهم كل تخريف. لن نتمكن من التجديد الا بفصل ما ادخلوه من تخلف وانقسام في الدين وفي العلم والسياسة في التطبيق.

من هنا البداية ليكون الوعي الفكري وعيا تاريخيا مستوعبا ومتناميا ومتسعا ومتجاوزا ومتسما بالاستيعاب والشمولية ومتجاوزا لكل الما ورائيات، فالعقل الانساني مدركا لما يعرض عليه، لانه مضطر لقبول الحق، فلا تحشروا القرآن في كل صغيرة وكبيرة كما تريدون، فهو كلمة السماء الخاتمة فلا تزوروها يا أئمة جهلة الدين. فالقرآن هو بحث في ظاهرة بناء مجتمع جديد قائم على العدل بقناعة المنطق لا بسيف الفاتحين وظلم الحاكمين، لا، أنه كمال لرسالة السماء لكل الناس دون الاخرين، فالانبياء والرسل واتباعهما من المخلصين كلهم مثل بعض رسلا للحق والاستقامة لا للاستعلاء وظلم الاخرين. والقرآن يعلم محمد(ص) ماورد عند الاخرين: يقول الحق: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل،آل عمران 48".مات محمد (ص)وقال ما بُلغ به من رب العامين فعلام الانكار لتلك القوانين ؟

من هنا فواجب المؤرخ اليوم ان يُفهم الناس حقائق مقومات نظرية المعرفة في التاريخ بينهم باعتبار ان العقل الانساني هو اول مخترعات الانسان التي مهدت له مفاهيم الحضارة والتي ارتقت به الى القدرة على عقل الاشياء والقبض عليها مما سمى بالانسان الى المكانة الحضارية الرفيعة قبل مجيء دولة الدين التي مزقت انسان الله في العالمين، دولة الأغتصاب والتخريب، دولة المسلمين الظالمة بعد عصر الرسالة المجيد. فهل يعقل ان الله انزل الدين ليفرق بين البشر في العقيدة والحقوق بحجة التشريع، أم ان من رافقوا الدعوة لم يكونوا مؤمنين، او لم يفهموا ما جاء قي النص المقدس من قوانين ؟ وهو الذي يقول "اعدلوا ولو كان ذا قربى؟ نريد جوابا من مؤسسة الدين، الصامتة صمت القبور والمستحوذة على كل حقوق المسلمين بدون وجه حق بأسم أهل المعرفة والعرفان وهم جهلة الانسان والدين ؟، ومن يعترض فليقل لي ماذا أنتج الاسلام بعد محمد(ص) للعالمين سوى الاستبداد والفرقة والسيف وتدمير المرأة والتخلف ونكران الحقوق ؟

مع الاسف الشديد ان نظرية المعرفة عند المسلمين لا زالت قاصرة عن ادراك المحرك الحضاري للمنتج الانساني، كونها غير مصاغة صياغة حديثة، لابل قاصرة وغير مستنبطة حصرا من النص المقدس الكريم الذي طالما تحدثنا عنه دون علم صحيح، وما دمنا بهذا التوجه القاصر، لن نستطع ان نصل الى مفهوم المنهج العلمي في التفكير، ليمنحنا ثقة بالنفس وجرأة على التعامل مع اي انتاج فكري حديث ومعاصر، نتيجة التفكك الفكري والتعصب المذهبي البغيض، واللجوء الى مواقف فكرية او سياسية تراثية مضى عليها مئات السنين دون تغيير، لدرجة اننا الى اليوم لم نعطِ تعريفا علميا للاسلام،

كل هذه التوجهات القاصرة في نظرية المعرفة عندنا قادتنا الى كيل الاتهامات عليها بالكفر والالحاد والزندقة والهرطقة والجبرية والقدرية من اجل لا تحديث لنظرية التحديث والمعاصرة حتى وقعنا في مرحلة تصور اعداء الاسلام لما انتجه الاخر، فبقي المنهج العلمي عند غالبية مفكرينا يواجه التشنج والسذاجة وضيق الافق، فاصبحنا بحاجة ماسة الى جدلية الفكر المعاصرفي مشكلة الفلسفة الكبرى في تحديد العلاقة بين الوجودالازلي ومرحلة التطور العقلي دون ان نستطيع ان نقف على الارضية المعرفية العلمية للقرن الواحد والعشرين، التي تحاول به الصين انتاج حتى المطر للمزارعين.

هذا التصور الناقص لن نستطيع ردمه الا بأفكار علماء التخصص لا بقادة جهلة مزورين، وبوزراء تعليم أميين يعادون الفلسفة ام العلوم حتى اصبحنا نعيش ازمة فقهية وفكرية حادة متخذين من قدسية النص وسيلة لمحاربة أفكار الاخرين بالتهديد والوعيد وقل علماء الفكر في التجديد "هشام الهاشمي مثالاً"، اذن، ما لم ننتج فقه فلسفي جديد معاصر مستندا الى تأويل النص لاتفسيره المتعدد الناقص والمتضارب، لانعطي البديل في انتاج نظرية أصيلة في المعرفة الانسانية، منطلقة علمياً من النص المقدس لكي يكون المنطلق الفلسفي الذي ينتج عنه الحل الفقهي الفكري السليم. سنبقى نهرول في غياهب التاريخ، معتقدين ان كل فكر مضاد لنا هو عدو لنا بالضرورة دون تثبيت، وهنا هو موتنا الأكيد.

اذن ما الحل لنجتاز المرحلة السوداوية اليوم، الحل يكمن بالدرجة الأولى في أكتشاف محتوى النص المقدس الحقيقي التأويلي لا التفسيري كما جاء في الآية 7 من سورة آل عمران، "وما يعلمُ تأويلهُ الا الله والراسخون في العلم " اي المتخصصين في العلم وليس جهلة الفقهاء والمعممين في التفسير، والتخلص من تفسير النص القديم بعد ان كان التلازم بين اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال لم تُستكمل بعد عند المفسرين منذ القرن الثاني الهجري بدايات التفسير، فضل الترادف اللغوي لا يعبر عن التفكير القائم على ادراك المشخص، ولم تكن فيها التسميات قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات، من هنا نستطيع ان نقول بضرورة ربط التوجهات القرآنية بالمنطلقات التطبيقية لتحديد مسار الدولة في الحقوق بين السلطة والمواطن التي فقدناها منذ عصر قيام الدولة بعد الرسول(ًص)، حين دخلت الدولة في فراغ السلطة عند المتحكمين، من اعداء عدالة الدين، حتى اصبح الدين قرينا للظلم عند المسلمين.

فالرسول جاء بدين حق وليس في مخيلته تكوين دولة بل تكوين أمة" هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فأعبدون الانبياء 92" لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات دون تحديد تحكمها مؤسسة العدل لا الطامعين، ساعتها سنتمكن من نشر الوعي التاريخي الحقيقي لواقع التغيير الذي نادت به الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام في الوصايا العشر،وهي واحدة والتمسك بمحتوياتها دون تفريق، وان اختلفت صيغتها الواحدة عن الاخرى قليلا، وقد حث القرآن الكريم الرسول (ص) على ضرورة التواصل والمحبة بين الديانات الثلاث كما ذكرنا آنفاً.،من هنا تبدأ مرحلة التغيير، فعلام العداء بين اصحاب الدين.

بعدهذا الجهد سنتجه نحو قبول النظريات العقلية في المعرفة الانسانية ورفض النظرية الدينية القاصرة على التفسير العلمي، لنتقدم بخطوة جريئة باعلان انتهاء نظام النبوة والرسالة والايذان بان الانسانية قد بلغت سن الرشد وعليها تحمل مرحلة الاعباء لتقليص الفكر الديني المقوقع وتوجهاته المصيرية الجامدة بغية التقدم خطوة جريئة نحو معرفة التحرر من جبرية الاوهام، واقوال فقهاء السلطة اللئام، والانتقال لمفهوم الحرية، كما فهمتها الشعوب الاخرى ونادت "بالحرية والاخاء والمساواة" لا بمذهبية الدين.

بعد هذا التوجه الكبير سنتخلص من الفكر الديني التقليدي والمرجع الميت الحي وعقل التخريف، ونتجه نحوالعلمانية العلمية لتحرير الانسان من الخضوع للطبيعة والتحرر من سيطرة الطبقات التي أحلت لنفسها أحتكار المعرفة وما سموه بأهل المعرفة والعرفان الذين استغلوا الثروة والسلطة لهم دون الاخرين، حتى تجرأوا على القول "ان واردات الدولة ملك سائب لهم دون الاخرين" ضاربين عرض الحائط ومتجاهلين الحقوق والقانون والمساواة بين الناس وبين الرجل والمرأة معاً ليعلو الحق على النقص، لتصبح الحياة شراكة بين الناس، كل الناس دون تفريق، والا لماذا جاء الدين، والقانون؟، فهل جاء ليخدم شلة الحاكمين، ؟

والمرحلة الاخرى والهامة جدا هي تفسير النص القرآني "أطيعوا الله والرسول وآولي الامر منكم "تفسيرا علميا بعيدا عن القدسية، فآلوا جمعاً لا مفرد، وهي ليست جمعا لولي، وهم المقدمون من الجماعة، وليسوا على الجماعة كما فهمت خطئاً تفسيريا عند الخلفاء الأولين، لذا لابد من تأويل النص تأويلا معرفيا  للخلاص من مشكلة احتكار أداة الحكم التي رفضها الدين والتي نواجهها اليوم بتعصب مقرف ضد حقوق المواطنين. وبهذا التوجه الصحيح نتخلص من احتكار السلطة والثروة والمعرفة والسلاح المحتكر بايديهم وحصرها في الأمة، هنا نصل وبكل تأكيد الى جدلية الانسان والبناء الحضاري املا في ايجاد ولادة حضارية جديدة غابت عنا منذ مئات السنين.لا كما فهموها حكام الدين والمذاهب المزيفة البارحة واليوم.

اذا استكملنا هذه الخطوات الصعبة والمهمة ونجحنا فيها ننتقل الى محور الزمن لنجدد الشهادة في القرآن دون تدخل الفقه الميت عليها الذي فرق الامة الى مذاهب ومراجع دينية وولاية الفقيه والمهدي المنتظر الوهمية التي لا وجود لها في القرآن قط، والتي اوجدتها السلطة للبقاء في حكم الناس دون القانون.بعدها ننهي نظرية الجرح والتعديل، والخلاص من نظرية الناسخ والمنسوخ الباطلة التي فسرت خطئاً، تمهيدا لاعتماد نظرية الأعتدال للخلاص من نظرية الخوارج والحاكمية الدينية المتمثلة بالمرجعيات الوهمية وولاية الفقيه المخترعة منهم ليكونوا هم سادة الناس بالباطل دون نص مقدس مكتوب،

هنا تصبح نظرية المعرفة الاساس لتحديد حقوق الانسان وتحديد المسارات الانسانية لتتحول النظرية الى دستور ثابت على طريقة وثيقة الما كناكارتا البريطانية والثورة الفرنسية في الحرية والاخاء والمساواة والدستور الامريكي دستور القوانين، التي انشأت امة وشعب مهما اختلفوا فيما بينهم يكون القانون المدني هو الاساس في الحقوق.

علينا ان نعترف بالتقصير والندم حين اخذتنا العاطفة وابتعدنا عن العقل وصدقنا ما قاله المؤرخون والفقهاء ورجال الدين من اكاذيب التاريخ منذ عهد الخلافة الاولى مرورا بالامويين والعباسيين، حين نقلنا النص للقارىء دون تحقيق فكتبنا على خلاف الحقيقة والمعقول.فأذا لم ننحِِ النص القديم المنقول منهم ونبدأ بكتابة التاريخ وترك البخاري الوهم وبحار الانوار المزيف، وفق قراءة تأويلية جديدة سنبقى ندور في متاهات الحدس والتخمين، وهذه هي أخطاء المورخين.

حكومة تحكم المسلمين منذ اكثر من 1400 سنة ،بلا دين صحيح ولا قانون ولا عدل ولا حقوق،بينما رجال المكنا كارتا كونوا دولة وحقوق بالقانون وهم بلا دين، كما نعتقد ونقول، فترى كيف كونوا دولة الحضارة والقانون، كتبنا مئات الاطاريح الانشائية ولم نقف على القانون، كما كتبنا في دول الوهم مثل المهدية والفاطمية والبويهية والسلجوقية ولم نسئال انفسنا لماذا كان التغييرفي بلادنا المنهوبة اليوم، كان من اجل الخيانة والسرقة والسلطة وحكم بيعه للاخرين، ام من اجل الحقوق،والحاكم يعترف على نفسه بالفشل والتقصير لكنه لا يقبل التغيير، أنظر اعترافات المالكي والعامري ومشعان الجبوري والفتلاوي في الفضائيات، وثلة لصوص التغيير. أهذا هو الدين.

فبقينا نؤمن بالنص (اطيعوا الله والرسول وأولوا الامر منكم) هذا النص بقراءته الخطأ تحولنا الى داعش والقاعدة وطالبان ومليشيات القتل والتدمير والمرجعيات الفقهية الامرة في التنفيذ، فمالم نتخلص من هذا التخريف في نظرية الكبائر، والاحاديث المزورة، ونظريات الخوارج والحاكمية، ولن نبني دولة الاعتدال والقانون، سنبقى في مناهج التاريخ الديني، ولادين، بعد ان اعترف غالبية من يحكمون اليوم بالفشل واختراق حقوق الشعب والوطن دون خوف من الله والقانون ودون تخلي عن الخطأ في التطبيق، نعم ان لم يصحى المؤرخ المثقف سيبقى هو الاسرع في الخيانة الوطنية، لأنه الاقدر على تبريرها، احترموا شجاعة من يقول الحقيقة أو بعضها، ايها المقصرون،

وأخيراً أقول وبحسرة: نحن المؤرخون شاركنا في الوهميات، وصفقنا لسفلة عصابات المعارضة الخائنين ومن كان يحتضنهم من الخائنين، في محاضرات حقيرة ضانين انهم من المؤمنين بالله والشعب والوطن، وما كنا نعلم بأقلامنا المتخلفة، اننا نساهم في الجريمة بقتل الوطن والشعب لتسليمه للاعداء الاخرين، فساهمنا في الجريمة كما ساهم بوش وبلير وشلة السفلة من المعارضة العراقية من المعممين والمدنيين في التدمير، كان علينا ان نفكر، كما فكر الاخر في التغيير، نعم، نعم، نعم.

نحن نعتذر للوطن والشعب والتاريخ، وان فات المعاد وبقينا بعاد، منك الغفران والصفح يا رب العالمين.

***

د. عبد الجبار العبيدي

ظلت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، متذبذبة وغير مستقرة، على مدى تاريخ البشرية، فمثلما تمر الحياة الانسانية، بفترات ينعم فيها الانسان بالعدل والاطمئنان والحياة السعيد، تمر حياة الانسان، بفترات مظلمة يسودها التعسف والقهر والظلم والاستبداد. لقد مرّ المجتمع الاسلامي بفترة عدل ورخاء وسلام، منذ ان هاجر النبي محمد (ص)، من مكة الى المدينة في عام 14 بعد البعثة الشريفة، وهو يحكم المجتمع المسلم، فشاعت بين الناس روح الايمان والمحبة والتعاون، والسلام والاطمئنان. فاستطاع رسول الله (ص) وضع الأسس السليمة لبناء الدولة المدنيّة في تلك الفترة، لكن هذه الحالة لم تدم، فقد اختلف الصحابة يوم وفاة الرسول (ص) على طريقة الحكم، ولم يلتزموا بوصايا الرسول (ص) في هذا الموضوع، وقد صور ابن عباس (رض) هذا الحدث وعرفة (برزية الخميس).  

(عن ابن عباس، قال: لما احتضر رسول الله (ص)، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي (ص):

(هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده)، فقال عمر: إن رسول الله (ص) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله (ص) كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله (ص)، قال رسول الله: (قوموا)، قال عبيد الله: فكان ابن عباس، يقول: (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(صحيح مسلم (حديث رقم: 4234 )).

و بهذه الحادثة ظهرت نظرية حكم جديدة، ابتكرها (عمر بن الخطاب)(رض)، وفحواها (حسبنا كتاب الله)، فآل الحكم الى (ابي بكر) (رض)، ومن ثم وصية (ابو بكر) بتسلم (عمر) (رض)، مقاليد الأمور من بعده، ومن ثم اقتراح (عمر) مبدأ الشورى بين سنة اشخاص، ليكون (عثمان) (رض)، ولي امر المسلمين، وبعد ذلك آل الأمر الى الإمام علي (ع) عن طريق اختيار المسلمين له.

و بعد استشهاد الامام علي (ع) عام 40 ه، تحول الحكم الى معاوية بن ابي سفيان، بعد صلح الامام الحسن (ع) عام 41 ه، حيث خذل الامام الحسن (ع) بعض قادة الجيش، وبعض الاشخاص المؤثرين، وقبلوا الأموال من معاوية، فتم توقيع الصلح بين معاوية والامام الحسن (ع).

في فترة حكم بني أمية ظهرت نظريّة (القضاء والقدر)، وتم توظيفها لخدمة الجانب السياسي، فالقضاء هو كلمة الله، والقدر هو تنفيذ وتطبيق كلمة الله على الواقع، والحاكم ما هو إلاّ أمر قد قضاه الله وقدّره، وطاعة الحاكم هو قدر الأمة في الطاعة والولاء.

(روى المدائني (132هـ - 225 هـ)) قال: خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن، فأرسل معاوية إلى الحسن يسأله أن يخرج، فيقاتل الخوارج، فقال الحسن: سبحان الله! تركت قتالك وهو لي حلال، لصلاح الأمة وألفتهم، أَفتراني أقاتل معك؟. فخطب معاوية أهل الكوفة فقال:

(يا أهل الكوفة، أتراني، قاتلتُكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون)). (شرح ابن أبي الحديد م٤ ص٦).

وعندما اراد معاوية تولية ابنه يزيد، واجه رفضاً ومعاضة في ذلك، فخطب بالناس قائلاً:

(إنـي قائم بمقاله، فأقسم با الله لئن رد علي أحدكم كلمةً في مقـامي هـذا، لا ترجع إليه كلمة غيرها، حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يُبقِيَّنَ رجل إلا على نفسه).

أما عبد المللك بن مروان فقد وطّأ حكمه بالسيف وارهاب الناس. والنصّ التالي يبين سياسة الخليفة الجديد:

 (قال ابن جريج (80-150هـ) عن أبيه: حج علينا عبد الملك سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين ، فخطبنا فقال : أما بعد ... وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف .... هذا عمرو بن سعيد ، حقه حقه، وقرابته قرابته، فان قال برأسه هكذا، قلنا بسيفنا هكذا، وإنَّ الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهدا، أَنْ لا أَضعها في رأس أحد، إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب.).

هذه نماذج نصيّة تبيّن مقدار التعسف والظلم والجور، التي مارسها حكام بني أُمية مع الأُمّة. وجاء بنو العباس بعد الامويين، وقد جرّعوا الناس غُصص الأَلم والظلم والتعسف، فاعتمدوا نظرية الحكم الأموية (القضاء والقدر)، واضافوا اليها أن المصادر الاسلاميّة المقدسة؛ هي (الكتاب والسنة والاجماع).

و لعمري كم هي المزيفات التي دُسَّت في السنة النبويّة زوراً وبهتاناً ؟، وكم من المظالم أُقرّت تحت ستار، اجماع أهل الحل والعقد ؟.

قال الجويني ( 419-478هـ / 1028-1085م): (إنّ عقد الإمامة هو اختيار أهل الحلّ والعقد... وهم الأَفاضل المستقلّون الذين حنّكتهم التجارب، وهذّبتهم المذاهب وعرفوا الصفات المرعيّة، فيمن يناط به أَمر الرعيّة).

فقد ورد في كتاب الاحكام السلطانية للماوردي (364 – 450 هـ /974 - 1058م) ص17 ما نصّه:

(فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْإِمَامَةِ فَفَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا سَقَطَ فَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْتَارُوا إمَامًا لِلْأُمَّةِ.

وَالثَّانِي: أَهْلُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لِلْإِمَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي تَأْخِيرِ الْإِمَامَةِ حَرَجٌ وَلَا مَأْثَمٌ، وَإِذَا تَمَيَّزَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فَرْضِ الْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ.).

واستمر الحال على هذا المنوال، حتى تولي العثمانيون زمام أُمور الأُمَّة، ولم يكن الحال احسن من ذي قبل، وبعد اندثار الحكم العثماني، سلطت سلطات الاستعمار الغربي، الملوك الموالين للسياسات الاستعمارية، على رقاب الشعوب الاسلامية، تحت ذريعة التحرر من الاستعمار التركي، وتطبيق مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة. لقد عانت الكثير من الشعوب الاسلامية من ظلم واستغلال حكام الاستعمار الأمريكي، والبريطاني والفرنسي، والايطالي، منذ بواكير القرن السابع عشر الى الآن.

ان الشعوب الاسلاميّة، بحاجة الى نهضة تغيير كبيرة، تشمل تغيير أَنظمة الحكم، والقوانين القضائية، والقوانين الاقتصادية، لتطوي كل صفحات الجور والظلم والقهر، وتنتقل بشعوبها من مرحلة التبعية للغرب، الى مرحلة الاعتماد الذاتي، على القدرات البشرية والمادية لأوطانهم، وبذلك يحذوا حَذوَ اندونيسيا، وماليزيا، وسنغافوره، لرسم معالم مستقبل شعوبهم واوطانهم، في سجلات التقدم حاضراً ومستقبلاً. 

***

محمد جواد سنبه

يقولون ان التاريخ يُعيد نفسه، لكن بالحقيقة ان هناك احداث تتكرر، ولكن تتكرر بالياتها واهدافها، وليس بشخوصها، في حين بعضها يجري بشكل عفوي عندما تجتمع لها نفس الظروف والاسباب فتتكر مرةً اخرى، ولكن كما قلنا بشخوص اخرين وبتاريخ وارض مختلفة، لان حتى التاريخ والحركة الاجتماعية للبشر تحكمهم قوانين وان تكن ليست بصرامة قوانين الفيزياء والكيمياء، اي المادية، وهناك احداث مرسوم لها، وتجري احداثها بتخطيط من يرعاها، ومن هذه الاحداث التي مرت على العراق والتي اخذت طابع الغير عفوي، والمرسوم من قِبل المخططين لها، من ذلك الهجمات التي تعرض لها العراق من قِبل الوهابيين، وعندما نمعن النظر في هذه الهجمات نرى انها جرت على ايدي نفس الجهات، وبتوجيه نفس المخططين، فالطرف الاول كان من قِبل الجار الجنوبي للعراق، المملكة العربية السعودية، وعلى يد طائفة لها نفوذها القوي فيها، اما الطرف المخطط والداعم لها فهو الغرب الامبريالي .

في ليلة تشرين الثاني 1927م هجم الوهابيين على احد مخافر الحدود العراقية بقيادة فيصل الدويش، وقد قتل اكثر من عشرين شخص ما بين رجل وامراة وطفل وعامل وشرطي، وقد ذكر ذلك السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه (العراق بين دوري الانتداب والاحتلال)، وينقل السيد الحسني ان ماحدث كان له علاقة مباشرة بالازمة السياسية بين الحكومة العراقية انذاك برئاسة جعفر العسكري والحكومة البريطانية، وهذه الازمه سببها اعتراض البرلمان العراقي على قبول الاتفاقية العراقية – البريطانية عام 1927م واعتبرها العراقيين بانها تكريس للانتداب البريطاني على العراق، وقد حدد مدتها البريطانيون ب25 سنه، هذا الاعتراض ازعج الحكومة البريطانية، لان بريطانيا قدمت لاحتلال العراق للبقاء فيه، وقد قامت بحملة عسكرية كبيرة لطرد الاتراك من العراق الذين احتلوا العراق لمدة 400 عام، وهي عملية ليست بالسهلة، قدمت خلالها بريطانيا كثير من الخسائر، فمن المنطقي انها تنوي البقاء فيه والسيطرة على مقدراته، ولها اهداف استراتيجية بعيدة المدى، ازاء ذلك يكون من المستبعد تسليم البلد لابنائه، وكانت تلك الفترة من التاريخ زمن استعمار الشعوب من قِبل الاوربيين الذين سعوا لاقتسام العالم، في حين ان العراقيين من الشعوب ذات المزاج الحار، وممن لايقبل ان تستعبدهم قوة اجنبية، وعدم قبولهم هذا يرجع لعدة اسباب، منها ماله علاقة بالارومة العربية ذات الانفه والعزة والكبرياء، ومنها ما له علاقة بانهم ينتمون الى دين يابى ذلك وخاصة الجنوبيون الذين ينتمون الى ثقافة وانتماء حُسيني رَبى فيهم روح المعارضة والتضحية والثورة، فما كان من الانكليز الا ان حركوا الوهابيين، وهم الضد النوعي للشيعة سكان الجنوب العراقي، لغرض اقلاق الوضع في بلد تقوده حكومة جديدة، ولا تمتلك امكانيات قوية تستطيع دفع الاذى عن شعبها في حالة حدوث هجوم خارجي عليها، وانها حكومة جديدة العهد بالحكم، ومازالت ادواتها الدفاعية ضعيفه جدا وبالتالي حصلت بريطانيا من خلال هذا الضغط على ما ارادت ووافقت الحكومة العراقية على مصادقة المعاهدة العراقية- البريطانية على مضض، وقد اكدت صحيفة (وستمنسر غازيت) هذا الاعتقاد بتحريك البريطانيين للقبائل الوهابية، حيث نشرت في 22 كانون الاول 1927م ( ان السبب الاكبر في امضاء المعاهدة العراقية الجديدة في اخر لحظة يرجع حسب اعتقاد بعض الدوائر الى ازدياد قوة الوهابيين على حدود العراق الجنوبية)، وهي بلا شك محاولة للتقليل من غلواء العراقيين في موقفهم من المعاهدة، وكسر تصلبهم في موقفهم التفاوضي، وهذا امر ليس بعجيب لان نفس السيناريو قامت به بريطانيا اتجاه الامير عبد الله حاكم الاردن انذاك، حيث تردد في توقيع المعاهدة الاردنية –البريطانية، فحركوا الوهابيون على حدود الاردن الجنوبية مما ارغم الامير عبد الله على القبول بتوقيع معاهدة بين الاردن وبريطانيا، وفق ما ارادت بريطانيا.

ان ما حدث قبل قرن من الزمان تقريبا هو ذات السيناريو الذي جرى على العراق والاردن لارغامهما على توقيع معاهدات على الضد من ارادتهما، وقد جرت على ايدي نفس المحتلين، فقد اعيد سيناريو تكريس الاحتلال الامريكي في العراق عن طريق عقد معاهدة استراتيجية بين العراق وامريكا، يكون للقوات الامريكية وجود عسكري، الغرض منها ظاهريا هو تحقيق الامن والسلام على الاراضي العراقية وحماية العملية السياسية من اعداءها، وحين بدا البلد يتجه نحو الاستقرار طلبت الحكومة العراقية والتي كانت برئاسة السيد نوري المالكي عام 2014م اجلاء القوات المسلحة الامريكية من الاراضي العراقية لانتفاء الحاجة منها، هنا ثارت ثائرة امريكا، واستشاطت غضبا من حكومة المالكي من هذا الطلب بانسحابهم من الاراضي العراقية، والتي جاءت بالتها العسكرية لتبقى فيه، ولاهداف استراتيجية بعيدة المدى، هذا الطلب الذي يُريد اخراج هذه القوات من الباب، خططت لولايات المتحدة الامريكية وبمساعدة حليفتها بريطانيا، صاحبة الخبرة الطويلة بشؤون العراق، بان تعود هذه القوات من الشباك، وان تكون عبرة لحكومة المالكي ولغيرها من الحكومات العراقية التالية، ولحكام المنطقة عامة، وهنا استخدمت امريكا وبتوصية من بريطانيا ورقة داعش، واستثمار ظرف العراق القلق، والحكام الجدد ذوي الخبرة القليلة في ادارة حكم الدولة . داعش كانت من اقوى واخطر الاوراق ضد النظام الجديد باعتبار ان نسبه كبيرة من اعضاء الطاقم الحكومي، هم من الطائفة الشيعية، كما ان البعث مستعد للتحالف مع الشيطان لاسقاط هذا النظام الجديد، بالاضافة الى فرقاء سياسيون غير منسجمون مع بعضهم، بل ومتامرون على بعضهم البعض، وخاصة السياسيون السنة والكرد، الذين يمتلكون اجندات مختلفة تماما عن سياسيوالشيعة، كما ان السياسيون الشيعة منقسمون على انفسهم، مما وفر فرصة ذهبية للامريكان من لعب ورقة داعش، وهكذا دخلت طلائع داعش عابرة للحدود العراقية من غرب الموصل، وحدث ما حدث من قتل وترويع للاهالي الابرياء، وما رافقه من قتل وتدمير لقوات الجيش العراق، واحتلال للمدن العراقية الواحدة تلو الاخرى، حتى وصلت قوات داعش الى اطراف بغداد، واصبح البلد على حافة الانهيار . هذا الضغط والموقف الخطير جعل الحكومة العراقية في موقف حرج ومضطرة الى ابقاء القوات الاجنبية على الاراضي العراقية وخاصة الامريكية، وكما اعترفت جريدة (وستمنستر غازيت) البريطانية باستخدام بريطانيا للقوة العشائرية الوهابية عام 1927م، كذلك اقرت وزيرة خارجية امريكا هنري كلنتون في تصريح تلفزيوني لها بانهم اي الامركان، هم من صنعوا داعش كاداة استخدموها في سياستهم الخارجية. حقا كانت ورقة داعش، ورقة ابتزاز وضغط بوجه الحكومة العراقية من اجل قبولها بابقاء القوات الامريكية على اراضيها، وتحقق لها هذا، وبذلك، ومن خلال هذه المعطيات الواقعية يتبين زيف الادعاءات التي ساقتها امريكا وبعض دول الجوار العراقي، وبعض الاعلام المحلي المرتبط بدول تناصب العراق العداء، بان داعش هي ردة فعل طبيعية للسياسة الطائفية للنظام الجديد في العراق . ان لداعش ما كان لها ان تكون، ولا كان للامريكان من فرصة للاستغلالها في تكريس وجوده المحتل لاراضي العراق، وتركيع الانظمة السياسية في المنطقة لولا حالة التشرذم، وحالة عدم الوعي السياسي للاحزاب السيسية، والنفس الطائفي عند بعض الاطراف العراقية، كما لعب النفس الانفصالي عند بعض الاحزاب الكردية من دور كبير في صناعة ارض رخوة غير صالحة لاقامة نظام سياسي قادر على التصدعي لكل الاخطار التي يتعرض لها البلد . ان التاريخ يكون عبرة لاولي الالباب من السياسين، ودرس للشعوب ان تجنب بلدها الفوضى، وان لا تكون مطية سهلة للمخططات الاجنبية، فيكونوا ادوات فاعلة في تدمير بلدانهم لصالح قوى خارجية لا تكن لهم الخير والسلام.

***

اياد الزهيري

ما نعيشه اليوم في هذا الزمن من تراجع عاطفي نتيجة الازمات المفتعلة وانتشار آفة المخدرات وتجارة الدين والفساد وقتل عشرات المغدورين كبارا وصغارا مما ارهق نفوس اغلبية المجتمع العراقي.. فاصبحت عبارة توفى او قتل مغدورا فلان تمر على مسامع الكثير منا مرور الكرام وأصبح التفاعل معها معدوم ولا حتى عبارة (رحمه الله) بعد ان كان سماع مثل هذه الاخبار تمثل صعقة لنا سيما ان كان الميت او المقتول شاباً مغدورا او طفلا صغيراً في العمر مغدورا ايضا وبات الكثير من الناس يسخر من ذكر الميت يأكلون ويشربون ويقهقهون في المقابر من دون ادنى تأثر او وجل كما صار بمقدورنا اليوم تناول الطعام والتهامه أمام نشرات الأخبار وهي تبث عملية الكشف عن مغدورين اطفال دون أن تبدو على ملامحنا اية مشاعر او تأثر وإذا حدث وأن تحركت مشاعرنا فإن مدة التـأثر تكون قصيرة جدا لا تتعدى الثواني.. فقد اصبح الهم والالم وازمة الثقة بين حتى افراد العائلة الواحده وباتت الهموم والالام لا تغادرنا فاصبحنا معدومين المشاعر لما يحدث حولنا.. انها الصدمات النفسية المتعاقبة وتجارة المخدرات فتعددت الاضطرابات النفسية التي افرزتها الاحداث والازمات فاصبح المجتمع يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمات واضطراب ذوي الوجهين وادمان المخدرات كل هذا وغيرها التي سببتها ادارة البلد الفاشلة والقيادات السياسية والدينية المعدوم الثقة بها وهي من تسببت بكل ما تم ذكره انفا وباتت المشاعر والاحاسيس مفقودة.. فالنفس البشرية عبارة عن منظومة معقدة من المشاعر والاحاسيس والافكار. ومنذ القدم يسعى البشر على اختلاف ثقافاتهم ومستوياتهم التعليمية والمعرفية على فهم الاخر ولتحليل ما يشعر به الاخرين نظرا لأهميتة واثره الايجابي في بناء العلاقات الانسانية وتوطيدها بين افراد المجتمع والتلاحم بشكل عام.. فالتعبير عن المشاعر الصادقة لا يحتاج إلى دروس في اللغة بل إلى أحاسيس بالغة. وإنّ آداب السلوك هي فن التعبير عن احترامنا لمشاعر الآخرين. فالنوايا الطيّبة والمشاعر النقيّة تدل على الطريق الصحيح في بعض الأحيان.. ولكنها في أحيانٍ أخرى تعمي البصر. فما اروع العيش بمشاعرنا والاروع تقدير مشاعر من هم حولنا.. فالفضيلة والطهر لا يختلفان كثيراً عن الرذيلة إذا لم يكونا منزّهين عن المشاعر الشريرة.. .وفي علم النفس يعرف تبلد المشاعر على انه حالة مرضية تتسم بغياب الشعور والانفعال حيث يبدأ الإنسان بالتصرف بشيء من عدم الاكتراث واللامبالاة وعادة ما يكون هذا الإحساس نتيجة فشل الإنسان في حل المشاكل التي يتعرض لها فيتجه إلى الاستسلام والرضوخ للواقع فيرفض مواجهة مشاكله وصعوبات الحياة ويفقد الرغبة في بذل أي مجهود لحل أو حتى فهم المشكلة فيصاب بحالة من التبلد وعدم الاهتمام فلا يبدي أي ردة فعل لإن المخاوف الغامضة والمشاعرالسلبية او المتبلدة تتعارض مع التفكير الايجابي المعرفي الواضح ومايسمى بتبلد المشاعر وتبلد الاحساس هما اللذان نعبرعنهما بالتراجع العاطفي.. فتبلد المشاعر هو واحد من الاعراض المصاحبة او الناتجة عن الاضطرابات النفسية مثال ذالك كرب مابعد الصدمة او الفصام العقلي او الإكتئآب او الناتج عن ادمان المخدرات او تعاطي منشطات الجهاز العصبي اوغيرها من العقاقير المضادة للاكتئاب ذات الجرعات العالية.. اما تبلد الاحساس فهو عدم تاثر الفرد بما يدور حوله وهذا مؤشر لحالة غير طبيعية لان الطبيعي يكون للانسان ردة فعل على مايحيط به.. والغير طبيعي متبلد المشاعر والاحاسيس يكون ذات سلوك يتسم باللامبالات وعدم الاهتمام وغياب المشاعر والانفعالات.. اما الآلام هي التي تجعل المشاعر الإنسانية رقيقة صادقة مهذبة. ومن أصدق المشاعر الإنسانية الحاجة إلى الله والصدق مع الله بحروف وعاء المشاعر التي لا يسعها وعاء.. فمشاعرالاخرين لا يمكن توقعها او فهمها بسهولة من خلال لغة الجسد رغم ان البعض يتقن هذا الفن بدون ان يحرك شفتيه.. وهناك اخرين لا يهتم وليس لديه فكرة عما يدور في داخل الشخص الاخر الذي امامه ولا حتى يشعر به. ومن هنا فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن للاشخاص ان يفهمون مايشعر به الاخرين ويعيشونه. وهذا هو الذي يدفع المتخصصين في علم النفس للبحث من خلال الاختبارات النفسية للشخصية بالمباشرة وغير المباشرة للافراد ومن ثم الوصول الى مهارات فهم الاخرين.. فكم هو صعب ان نؤذي مشاعر الاخرين بلا مبالات دون ان نؤذي انفسنا فالذي يكبت مشاعره المؤلمة منذ طفولته يبقى يحس بمذاقها الجارح الحاد والمؤلم مهما بلغ من العمر وتبقى مشاعر الخيبة والخذلان غير قادرين على حملهما بذواتنا وتبقى مكبوتاتنا في قلوبنا وهكذا هو فن تعلم الانسان من الانسانية حيث يمكن ايقاض المشاعرالراقدة التي تضعنا في حضرة اهتمامات الروح الحقيقية ولا شيئ يعلم الانسان اكثر من الصدمات النفسية التي تولد اهتزاز المشاعر والاحاسيس وقد تولد الخيبة والخذلان.. فاذا كنت ممن يتقن فهم المشاعر فعليك بمراقبة سلوك الاخرين فلو رايت شخص يتعثر ويسقط ارضا فانك تحس وبدون وعي منك تقول شيئا ما يعبر عن ألمك علية.. مثل تلفظ اسم (الله) او(آخ)كما لو انك انت الذي تعثرت وسقطت ارضا. فنحن كبشر نملك توجهات فطرية لمشاعرنا بما يحس به الاخرون من خلال مشاهدتهم فقط.. فاذا كنا نريد فهم الاخرين بصورة افضل فعلينا محاولة ان نراقب سلوكهم عن قرب من خلال تعزيز مهارات قوة الملاحظة في ذواتنا وعلينا ان ننتبة لتعابير الاشخاص ولغة جسدهم في اي تجمع او اي مكان يعج بالناس. فحياتنا مع الناس ليس بعدد السنين بل بعدد المشاعر والحياة ليست شيئا اخر غير شعور الانسان بالحياة.. والمشاعر والاحاسيس هي عقل الانسان لمواجهة الصعوبات اكثر والانتقال من مرحلة التفكير الى مرحلة المشاعر.. والمشاعر عند الانسان قد تكون كبيرة ولا يمكن عدها فهي كعدد حبات رمال الصحراء وبقدر مياه البحار والمحيطات قد يعجز الزمن عن تسكينها.فكبت المشاعر السلبية كثيرا ما قد تؤذي الانسان. فاذا كان القلب والذات نقيان انسابت منهما المشاعر بصدق ونية صافية كما هو صفاء صوت الة العود الموسيقية وخلو جوفها فعندما اصابعك تلاعب اوتارها ليخرج نغمها من الجوف الصافي للعود لتحرك مشاعر هكذا هي المشاعر المكبوتة من الماضي في العقل الباطن قد تقتل صاحبها وقد توصله الى العذاب والالم اذا لم تخرج.. لذا فيجب على الانسان ان لا يكون انسان بلا منطق كي يكون انسانا بلا مشاعر بل عليه ان يتعلم كيف نعزز في المشاعر والاحاسيس. ومن الواجب علينا ان نوقض في الاخرين ذات المشاعر التي نكنها لهم. فلا يوجد ما يسمى بمشاعر التوتر في عالم اليوم بل يوجد بشر يفكرون في امور تدفعهم للاصابة بالتوتر.. فلو نظرنا لبعض الاشخاص وحاولنا التركيز عليهم نحس ما يشعر به هؤلاء الاشخاص بناء على تعابير وجوههم او لغة جسدهم او ما يفعلونه فالطالب الذي يمسك كتابا قد يكون مشغولا بالتحضير لامتحان ما فهل يبدو عليه التوتر نتيجة التفكير بالامتحان ام انه واثق من نفسه او ماذا عن شاب اخر جالس على كرسي ويغمض عينيه قليلا هل هو يشعر بالراحة ام بالتعب ام بالاستياء؟؟ وهكذا مع التمرين المتواصل سيصبح قادرا على التمييز وملاحظة التغيرات التي تطرأ من خلال لغة الجسد وتعابير الوجه وبالتالي يمكن تغير مشاعر الاخرين وفهمها بشكل افضل. كل ماتم ذكره انفا هو مختصر لدراسة اجريناها الهدف منها هو انتشارغياب الانسانية وتبلد المشاعر والاحساس بمشاعر مجتمعنا لان الطمع بملذات الدنيا ليس لهما مشاعر بل تعمي الابصار والكبت وتولد فقدان صوت العقل.. فتتولد المشاعر اللا عقلانية التي تدفع افراد المجتمع الى مالا تحمد عقباه.

***

د. قاسم محمد الياسري

أجمعت جميع التحاليل الاستراتيجية العالمية، الى ان رياح نتائج قمة العشرين التي عقدت في الهند مؤخرا لم تأتي بما لا تشتهي المخططات الامريكية والغربية، خصوصا وان روسيا وشركاؤها نجحت بحسب وزارة الخارجية الروسية من "منع محاولات الغرب من أوكرنة القمة "، وانه تم التأكيد على كثرة النزاعات المسلحة في الكوكب والدعوة لتسويتها عن طريق الحوار والجهود الدبلوماسية على أساس أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأن روسيا التي ترأس وفدها رجل السياسة " المحنك " وزير الخارجية سيرغي لافروف، أكدت خلال القمة نيتها أن تواصل ضمان توريدات الأغذية والأسمدة وموارد الطاقة، وزيادة التعاون الاقتصادي مع الشركاء من دول الأغلبية في العالم، وخصوصا من المجموعة الاقتصادية الأوراسية و"بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون و"آسيان".

وبالطبع مثل هذه التطورات أخرجت أوكرانيا عن طورها، وبدأت بكيل سيلا من الإهانات لبعض الدول الكبرى والعديد من المنظمات الدولية الرئيسية، فقد اعتبر ميخائيل بودولياك مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الأمم المتحدة، بأن الأمم المتحدة في الواقع منظمة غائبة تماما، وهي عبارة عن مكتب لجماعات الضغط (لوبي) لكسب المال من أجل شيخوخة جيدة للأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية هناك، وان الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، كلها "منظمات وهمية تلوث وعينا بتقييمات تافهة كالقمامة".

وفي حديث مع مجلة "الطبعة الجديدة" الأوكرانية، أشار بودولياك إلى أن الهند والصين تتمتعان بإمكانات ذهنية ضعيفة، لأن هاتين الدولتين، على حد تعبيره، "لا تقومان بتحليل عواقب خطواتها"، وقال: "ما هي مشكلة الهند والصين؟ مشكلة مثل هذه الدول هي أنها لا تحلل العواقب المترتبة على خطواتها، وللأسف إمكانياتها الفكرية متدنية جدا، فهذه الدول اليوم تجني الأموال من هذه الحرب، وتجني الأموال بشكل فعال، تماما مثل الجمهورية التركية، وهذا من حيث المبدأ -مصالح وطنية، ولهذه العبارة وقع جميل – وقال "ونحن نلتزم باحتياجات مصالحنا الوطنية"، مع الإشارة إلى أن هذه الدول تستثمر بشكل فعال في العلوم، فالهند، على سبيل المثال، "تمشي بالفعل على سطح القمر، ولكن هذا لا يعني أن هذا البلد يفهم بالضبط ما هو العالم الحديث" .

وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤولون أوكرانيون بتصريحات فاضحة ووقحة، ففي أكتوبر 2022، أقال فلاديمير زيلينسكي سفير أوكرانيا لدى كازاخستان بيوتر فروبلفسكي، الذي أدلى ببيان حول ضرورة قتل الروس، وتمت إقالة أندريه ميلنيك من منصب سفير أوكرانيا في برلين، بسبب تصريحاته اللاذعة غير المحتشمة، ففي الربيع الماضي قام بتشبيه المستشار الألماني أولاف شولتس بـ"المرتديلا السيئة"، وفي أكتوبر، شتم إيلون ماسك ردا على خطته المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا.

كما اتهم زيلينسكي، الأمم المتحدة بعدم الرغبة في الضغط على روسيا، والاشارة لى أن الدول الأعضاء في المنظمة تهتم بالعلاقات الاقتصادية أكثر من اهتمامها بـ"القيم"، وقال "العالم متحد في الأمم المتحدة، لكنه غير متحد في بعض القرارات المتعلقة بممارسة المزيد من الضغوط القوية على روسيا"، وانتقد أيضا دول الاتحاد الأوروبي التي يُزعم أنها تساعد روسيا على التحايل على العقوبات من أجل "حل قضاياها الاقتصادية" أو الطاقة الرخيصة، ودعا الرئيس الاوكراني، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى عدم جعل المنظمة العالمية كبش فداء للوضع في أوكرانيا.

تصريحات المسئولين الأوكران وزيلينسكي بعد انتهاء قمة مجموعة العشرين، بحسب تعبير صحيفة "ريبيليون" بأن الرئيس الأوكراني، يدرك أنه سيفقد جميع حلفائه قريبا، وان أوكرانيا بدأت تعترف بالعزلة المتزايدة، على خلفية الدعوات لبدء المفاوضات ووقف العمليات العسكرية التي ليس للقوات الأوكرانية أي فرصة للنجاح فيها، ومن هنا جاءت هستيريا زيلينسكي، الذي في غضون أيام قليلة سجل على حائط الأعداء البابا والصين والآن جميع دول مجموعة العشرين وبولندا وهنغاريا والتشيك وبلغاريا، كما لم يذكر البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين دعم أوكرانيا، كما كانت الحال في وثيقة العام الماضي، وأن هذا تسبب في رد فعل غاضب من نظام كييف.، بالإضافة الى ان "الناتو"، ولم يعد قادرا على الاستمرار في مساعدة الجيش الأوكراني الضعيف بالمال والمستشارين والمرتزقة والأسلحة، واعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، أن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين كان بمثابة صفعة على وجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

وقد يكون الهجوم المضاد قد بدأ من ألمانيا، التي صرحت وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك، في تعليقها حول احتمال انضمام كييف للاتحاد الأوروبي، بأن الاتحاد لا يستطيع تخفيف معايير قبول المرشحين ولن تكون هناك تسهيلات بشأن ذلك، وكذلك تعليقها حول احتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بالقول، انه مع التوسع، وبغض النظر عن مدى أهميته من وجهة نظر جيوسياسية، يجب ألا تكون هناك تسهيلات عندما يتعلق الأمر بسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعلان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن بلاده لن تزود أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" المجنحة البعيدة المدى "تلقائيا"، و أفادت صحيفة "دي تسايت" بسبب ما وصفته بسلوك وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا " الوقح "، مع نظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، التي أعلنت رفض برلين إرسال صواريخ Taurus بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وقال كوليبا: "ستفعلون ذلك على كل حال.. لا أفهم لماذا نضيع الوقت".

وبالنسبة لبولندا، فقد وصل الهجوم البولندي المضاد الى مرحلة تصريح رئيس الوزراء البولندي، بان بلاده لن تقوم بعد بتزويد أوكرانيا بالسلاح، في حين أكد الرئيس البولندي، أندجيه دودا، أنه لا يمكن أن يكون هناك أي حديث حول انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو" في الوقت الحالي، ولم يختلف الحال بما صرح به الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا، بأن رؤية ناخبي الدول المانحة فضائح فساد خطيرة بأوكرانيا تمثل "ضربة قاصمة" لسمعتها، مؤكدا في الوقت نفسه أن مظاهر الفساد بين ممثلي السلطات الأوكرانية "لها تأثير سلبي على توريد الأسلحة، وتقديم المساعدات الأخرى إلى كييف".

وفي الوقت الذي تحاول المفوضية الاوربية التستر على الخلاف الكبير بين عدد من دول الاتحاد ( بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا ) وغير من الدول على خلفية الحبوب الأوكرانية التي باتت تغزو اسواقهم، واضرت بشكل كبير في الأوضاع الاجتماعية لشعوبهم، ورغم الإعلان عن حظر استيراد القمح والشعير وبذور اللفت وعباد الشمس والذرة من أوكرانيا إلى هذه البلدان في الفترة من 15 مارس إلى 15 سبتمبر 2023، لم تلتزم السلطات الأوروبية والأوكرانية والوطنية بذلك، كما يتضح من الإحصائيات المرفقة بهذه الرسالة المفتوح،  واقر وزير الزراعة البولندي روبرت تيلوش، إن سلطات بلاده أقرت قرارا يحظر دخول الحبوب من أوكرانيا إلى بولندا بعد 15 سبتمبر،، ومن جانبه أعلن وزير الزراعة الهنغاري إستيفان ناجي بعد مفاوضات في بوخارست مع نظيره الروماني فلورين باربو، أن الدولتين ستمددان حتى نهاية العام الحظر المفروض على واردات الحبوب من أوكرانيا، وذلك بغض النظر عن القرار الذي اتخذته المفوضية الأوروبية بشأن هذه القضية.

وفي المقابل هدد الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي هذه الدول، بالعقوبات " الحضارية " دون ان يكشف عن فحوى هذه العقوبات، وأنه سيلجأ للتحكيم وللمؤسسات والمنظمات الدولية، إذا تطلب ذلك "النضال من أجل أوكرانيا ومن أجل أوروبا المشتركة"، رغم عدم وجود الرغبة في ذلك لديه، وخاطب زيلينسكي "بشكل منفصل" المفوضية الأوروبية، قائلا إن "أساس أوروبا" هو المنافسة الحرة و"الوفاء بالوعود"، ووفقا له، لا يعيق نظام كييف المنافسة، لكنه لن "يتقبل بهدوء انتهاك هذه الوعود"، بما في ذلك اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، الامر الذي اعتبرته بعض الدول الاوربية، بانه تصرف " سخيف " من الرئيس الاوكراني، بالإضافة الى اعلان كوريا الجنوبية انها لم تسلم أوكرانيا أي أسلحة عسكرية .

وفي الداخل الاوكراني، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة المبادرات الديمقراطية الأوكرانية "إيلك كوتشيريف"، أن ما يقرب من 80% من الأوكرانيين يعتبرون رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، مسؤولا عن الفساد في البلاد، وقالت المؤسسة، "في أوائل يوليو 2023، يعتبر 78% من المشاركين أن رئيس أوكرانيا مسؤول بشكل مباشر عن الفساد في الحكومة والإدارات العسكرية، ورفض ذلك 18% فقط من المشاركين على هذا البيان".

الرحلة الأخيرة للرئيس " المهرج " زيلينسكي، الى الولايات المتحدة الامريكية، للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، وحضور اجتماعات الأمم المتحدة، كانت خير دليل عن الاستياء العالمي من أوكرانيا ورئيسها، فعند كلمته في الأمم المتحدة خرج الكثير من الرؤساء وممثلين الدول، في إشارة واضحة عن تغيير مواقفها تجاه الازمة الأوكرانية، ما دفع الرئيس الأوكراني الى اتهام الدول الأوروبية التي لم ترفع الحظر عن استيراد المنتجات الزراعية الأوكرانية بأنها "تساعد روسيا"، وقال "من المقلق أن نرى في الوقت ذاته أن بعض أصدقائنا في أوروبا يقوضون التضامن وينظمون مسرحية سياسية، ويجعلون من موضوع توريدات الحبوب فيلماً من أفلام الرعب"، وقالت وكالة بلومبيرغ، إن رئيس نظام كييف فلاديمير زيلينسكي، أصيب بنوبة غضب وهيستيريا خلال وجوده في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويرى المستشار الأمريكي الدولي إيرل راسموسن، إن زيارة فلاديمير زيلينسكي الأخيرة للولايات المتحدة، كانت مخيبة للآمال بالنسبة له، وبدت خطاباته وكأنها ترتكز على واقع بديل، وكذلك رفض رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي، إعطاء رئيس أوكرانيا، فلاديمير زيلينسكي، فرصة إلقاء خطاب في جلسة مشتركة بالكونغرس بسبب انشغال المشرعين الأمريكيين، وكانت بمثابة " القشة التي قصمت ظهر زيلينسكي "، فقد كانت رحلة زيلينسكي هذه تفتقر إلى الأبهة وحسن الضيافة كما كان متوقعا، ولم يتم تحقيق العديد من الأهداف خلال هذه الزيارة، ومحاولة عزل روسيا في مجلس الأمن الدولي، والحصول على دعم دولي أكبر، وإلقاء كلمة أمام الكونغرس والحصول على منظومات صاروخية بعيدة المدى.

اليوم بدأ زيلينسكي شعور الخسارة يسري في بدنه، وأن الوقت ليس في صفه، وتبين أن الأسلحة الغربية الموعودة، هي ليست تل الأسلحة المعجزة بأي حال من الأحوال، تماماً كما لم تتحقق آمال الألمان في أن تتمكن صواريخ V-2 مثلا من قلب مجرى الحرب العالمية الثانية، أو الباتريوت الامريكية، والقيصر الفرنسي، ولم تحدث معجزة - لا في ذلك الوقت ولا الآن، وبالتالي يحتاج زيلينسكي على الأقل إلى طلب الأموال من الغرب، ومن هنا الابتزاز.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

يتحدث بعض الناس عن فترة ازدهار اقتصادي في العراق ويستشهدون بقيمة الدينار التي كانت تساوي اكثر من ثلاثة دولارات.

بالمقابل يجب ان نتذكر ان الدولار الواحد يساوي حوالي ١٤٧ ين ياباني. واليابان ثالث اكبر اقتصاد في العالم والين ثالث اكبر العملات تداولاً في سوق العملات وفي بناء الاحتياطيات الدولية بعد الدولار واليورو.

لكنا نتذكر باعتزاز وحزن على العصر الذهبي للدينار عندما كان يساوي اكثر من ثلاث دولارات.

في تلك الفترة في الاربعينيات والخمسينيات وصولاً الى السبعينيات، لم يكن سعر الصرف المرتفع للدينار يعني شيئاً لمعظم افراد المجتمع لانهم لايستطيعون شراء المواد المستوردة (التي يؤثر عليها سعر الصرف) بسبب تواضع قوتهم الشرائية ويعيشون على المواد الغذائية المنتجة محلياً.

سعر الصرف ينعكس على الاستيراد والتصدير ولايعني اي شيء بالنسبة للفرد البسيط اذا لم يكن يستهلك سلع مستوردة  ( كما يحصل الآن في العراق الذي يستورد كل شيء)..

الازدهار الاقتصادي، هو مستوى معيشة مرتفع واجور كافية توفر حياة لائقة مصحوبة بانتاجية عالية..

يستخدم البعض صورة لبناية جميلة في الثلاثينيات ويقول

هكذا كان وضع العراق متناسياً العشوائيات والبيوت القديمة التي تملأ المدن وحواشي المدن..الى الوقت الحاضر!!

ويستخدم صورة تظهر فيها عدة سيارات امريكية حديثة يمتلكها عدد من الاغنياء والاقطاعيين ، ليقول لنا هكذا كان وضع العراق..

الازدهار ليس وجود مجموعة من الاغنياء وسط محيط من الفقر والكفاف..

العملة ومقدار سعر صرفها تجاه العملات الأخرى، هي مجرد وسيلة لتنظيم التبادل التجاري بين الدول وتحديد اسعار السلع المستوردة عندما تُحوّل اقيامها الى العملة المحلية، وليست دليلاً على قوة الاقتصاد (الدينار الكويتي يساوي حوالي اربعة دولارات في حين ان الدولار يساوي حوالي اربعة دراهم اماراتية وحوالي اربعة ريالات سعودية ، فهل يعني ذلك ان الاقتصاد الكويتي اقوى من نظيره الاماراتي والسعودي؟)...

يتم تغيير صرف العملة الوطنية تجاه الدولار او غيره من العملات القيادية ، لاغراض تتعلق بوضع ميزان المدفوعات وتكاليف الاستيراد والتصدير (تحفيز التصدير  وتقليص الاستيراد من خلال جعل اسعار السلع المستوردة اعلى بالعملة المحلية)..

كلما ازداد اعتماد الافراد على سلع مستوردة، زادت تأثيرات التقلبات في سعر الصرف عليهم

***

د. صلاح حزام

سرديتان لحدث تأريخي واحد: ثمة سرديتان حول حدث تحرير العراق خلال حروب الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي؛ السردية الأولى، وهي السائدة والمعروفة، وتذهب إلى أن العراق كان بلداً محتلاً وخاضعاً للدولة الفارسية الساسانية التي اتخذت من طيسفون – المدائن جنوبي بغداد عاصمة لها، وكان سكانه خليطاً من بقايا الشعوب الرافدانية القديمة الناطقين بالنبطية غالباً، وقد اجتاحه العرب المسلمون القادمون من الجزيرة العربية ودحروا الفرس واستوطنوا العراق الذي صار لا حقا مستقرا لدولة العرب المسلمين في طورهم العباسي وفيه قامت بغداد عاصمتهم.

إن هذه السردية تعبر عنها ضمنا نسختها المبالَغ بها الفكرة التي يكررها البعض السياسي هذه الأيام بإلحاح مريب يشكك بعروبة العراق وشعبه وحتى لهجته العامية، هذا الجهد الذي يجد هوىً في نفوس الطائفيين الانعزاليين من الساسة الشيعة والكرد العراقيين والقوميين الفرس في إيران وجماعات العدميين الليبراليين واليساريين من أتباع واشنطن وتوابعها، والتي تصور الفتح العربي الإسلامي للعراق وكأنه غزو خارجي أجنبي اجتاح العراق فجعله بلداً عربياً في بضع سنين بعد أن كان محتلاً من قبل الفرس، هي فكرة واهية وواهمة تتناقض مع إحداثيات الجغرافيا ووقائع التاريخ المُعَتَّم عليها والتي سنحاول هنا أن نضيء على جوانب منها.

أما السردية الثانية، المختلفة والمُعَتَّم عليها، والتي سنحاول أن نلمَّ شتاتها وأشلائها من بطون كتب التراث التي سجلتها، فتقول إنَّ القبائل العربية استوطنت وسط وجنوب العراق، ومنها بكر بن وائل وفرعها بنو شيبان، وربيعة وتغلب والنمر وبنو أسد وبنو ذبيان وطيء ومضر وإياد وغيرها، منذ بضعة قرون (تتراوح بين ثلاثة وخمسة قرون) قبل الإسلام، كان لها دور حاسم في تحرير العراق من الاحتلال الفارسي، وإن هذه القوى القبلية نجحت فعلا في تحريره معظم أراضيه أن تقع معركة القادسية (16-19 تشرين الثاني 636 م) والتي كرست هذا التحرير وقضت أيضاً على الدولة الفارسية الساسانية إلى الأبد بعد هزيمة الفرس في معركة نهاوند (640 م) وفرار الإمبراطور كسرى يزدجرد الثالث والذي سيقتله خنقاً بعد سنوات قليلة مجيروه الفرس طمعا بتاجه الذهبي.

إن السردية الثانية تستند منهجياً على نوعين من المعطيات والسياقات الأول تأريخي سنتعرض له بشيء من التفصيل بعد قليل، والثاني جغرافي ويمكن أن نقول حوله الخلاصات المكثفة التالية:

إنَّ الجغرافيا العراقية مفتوحة تماماً من جهة الغرب ومن أدنى العراق إلى أقصاه شمالا على الجزيرة العربية وبلاد الشام فلا عوائق أو عوارض طبيعية؛ وهناك تداخل وتشابه كبير بين صفات الإقليمين. ويمكن للمسافر، قديماً وحديثاً، أن ينطلق من وسط وجنوب العراق إلى أعالي نجد ثم الحجاز وبالعكس متى شاء، ويصل إلى مبتغاه بيسر وسرعة تفوق سرعة الخط الغربي بين الحجاز وفلسطين الشام (عبر غزة فدمشق) بمحاذاة البحر الأحمر. وحتى اليوم ماتزال قوافل الحجيج العراقيين تنطلق من بغداد والمدن العراقية الأخرى عبر طريق ومنفذ عرعر فالمدينة المنورة فمكة المكرمة دون توقف وخلال بضعة أيام.

كل ما تقدم يشكل الأرضية الجغرافية التي سيعزف التاريخ عليها موسيقى الأحداث الكبيرة التي هزَّت تاريخ المنطقة ورسمت جغرافيتها وإناسيتها بعد القرن السابع الميلادي وحتى سقوط دولة بني العباس في 1258م. أما في البعد التأريخي فيمكن أن ندلي بالخلاصات المكثفة التالية ضمن استعراض نبدأه بالقول:

العرب في العراق قبل الإسلام

لقد استوطن العرب جنوب ووسط العراق وأقاموا دولة لهم هي دولة المناذرة (268م-633م). ودولة أخرى في شماله هي مملكة الحضر "عربايا" في القرن الثالث الميلادي، وخاضوا حرباً مديدة ضد الدولة الفارسية وانتصروا عليها في موقعة ذي قار (في الربع الأول من القرن السابع الميلادي) على اختلاف الروايات وأكثرها ترجيحا سنة 610 م، أي قبل ربع قرن من القادسية، وبمشاركة قيادية من قبيلة بني شيبان وزعيمها المثنى بن حارثة.

وحتى قبل هذا التاريخ، فلم يكن وجود العرب موضع شك أو جدال، فهم كانوا موجودين في وادي الرافدين وبلاد الشام القديمة "بلاد آرام" منذ القرن التاسع قبل الميلاد كما كشفت عن ذلك الأدلة الأركيولوجية المعتمدة والموثقة ومن أهمها نصب شلمانصر الثالث وتفاصيل معركة قرقرة (853 ق.م)، صعوداً حتى نشوء وتوسع ممالك عربية، وعربية آرامية (نبطية وسريانية) مختلطة، في الحضر والرُّها وتدمر وسَلْع "بترا"، وعربية خالصة في المناذرة والغساسنة. ولكننا لن نتوقف عند تلك العهود القصية بل سنعود إلى فترة ظهور الإسلام:

عرب العراق في العصر الإسلامي

كان النبي العربي الكريم قد عرض الإسلام، على شيوخ وقادة القبائل العربية العراقية وفي طليعتهم شيخ قبيلة بني شيبان المثنى بن حارثة خلال موسم الحج بمكة قبل الهجرة، ولكنهم اعتذروا بوجود عهود ومواثيق تخص تحالفاتهم القديمة مع الدولة الفارسية التي تحتل العراق، ولأن إسلامهم ستترتب عليه التزامات قد تتعارض مع تلك العهود والمواثيق وهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة التمكين والوقوف بوجه الفرس، وقَبِلَ النبي عذرهم. وبعد سنوات قليلة وَفَدَوا وبينهم المثنى على المدينة قبل وفاة النبي وأعلنوا إسلامهم، وبعد وفاته وبدء العهد الراشدي بدأ هؤلاء العرب العراقيون حربهم ضد الوجود الفارسي الاحتلالي.

في التفاصيل، نعلم أن قائد بني شيبان المثنى بن حارثة طلب من الخليفة أبي بكر أن يأذن له بقتال الفرس، فأذن له فشنَّ هو القبائل المتحالفة معه ما نسميه في عصرنا "حرب عصابات" ضد الوجود الفارسي وأوقع فيهم خسائر معتبرة. واستمرت الحرب سجالا حتى تمكنت هذه القبائل وبدعم بدأ محدوداً من عرب الحجاز المسلمين من السيطرة على أراضي العراق كلها من الموصل شمالا حتى مياه الخليج جنوبا ومن تكريت شرقاً حتى صفين قرب الرقة غربا قبل أن تقع موقعة القادسية. لقد كانت "القادسية" من الناحية الاستراتيجية معركة دفاعية، صدّ العرب المسلمون فيها هجوماً مضاداً شاملا قام به الفرس بهدف استعادة سيطرتهم على العراق فهزموا فيها شر هزيمة وكان الدور الحاسم هذه المرة لعرب الجزيرة. أي إنها لم تكن عملياً معركة هجومية قام بها العرب ضد الجيوش الفارسية؛ فهذه الجيوش كانت قد هزمت في عدة معارك أهمها معركة بويب وتراجعت إلى الداخل الفارسي وراحت تستعد لشن هجوم مضاد.

مَن بدأ حرب الفتح؟

يذهب بعض الباحثين إلى أن الحرب ضد الفرس في العراق بدأها العرب العراقيون أنفسهم قبل أن يأتيهم المدد من الحجاز. لنقرأ بهذا الخصوص ما ورد في كتاب الباحث العراقي الراحل مهدي المخزومي: "وبنو شيبان هم الذين هم الذين سهلوا مهمة العرب في فتح العراق وفارس بعدما عجموا عود الفرس وجربوا القتال ضدهم، فقد طلب المثنى بن حارثة الشيباني إلى أبي بكر الصديق أن يُنْجِدَهُ لمحاربة الفرس الذين أصبحوا في ذلك العهد في حال من الانحلال بحيث لا يصبرون معه على الضربات القوية يسددها لهم خصوم أقوياء فقد أدركهم الضعف ودبَّ في حكمهم الفساد/ ص 4 -الفراهيدي؛ أعماله ومنهجه". ينبئ كلام المثنى عن عقليته استراتيجية نافذة واستشرافية، والواقع فإن أستاذنا المخزومي يضع الدور العربي العراقي في مرتبة المساعد والمُسَهِّل خلال أحداث فتح العراق، وفي رأيي هو دور أكبر من ذلك كما سنحاول أن نبيِّن.

حرب عصابات عراقية ضد الفرس

نعلم أيضاً من كتب التاريخ القديمة أن المثنى كان قد أسلم هو وقومه في أواخر عهد النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله، وزار المدينة ثانيةً بعد وفاة النبي وتسنم أبي بكر الصديق الخلافة، وطلب من الخليفة أن يأذن له بقتال الفرس فأذن له فعاد إلى العراق وبدأ بشن الغارات على جيوش الفرس. وثمة رواية مشهورة أخرى في كتب التراث تقول إن الشيباني بدأ بقتال الفرس وشنِّ الغارات عليهم في جنوب العراق ووسطه قبل وفوده الثاني على المدينة، وأن أبا بكر الصديق حين بلغه خبر انتصاراته على الفرس قال لمن حوله من الصحابة "مَن هذا الذي تأتينا أخبار وقائعه قبل أنَّ نعرف نسبه؟"، فأجابه قيس بن عَاصِم: "هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد، إنه المثنى بن حارثة الشيباني"، وبعد ذلك ورد المثنى بنفسه إلى المدينة يستأذن الخليفة بحرب الفرس بمن معه من أفراد قبيلته وحلفائها، فإذن له.

ظلَّ القتال يدور سجالا، وفق التقاليد الحربية العربية الموروثة والمعبر عنها بعبارة " الكر والفر"، بين عرب العراق والفرس حتى وصلهم أول مدد من الحجاز قوامه ألف مقتل بقيادة أبو عبيد بن مسعود الثقفي (وهو والد المختار الثقفي المعروف بالمطالب بدم الإمام الحسين بن علي وقاتل قاتليه)، واجتمعت قوات الثقفي بقوات قبائل عرب العراق وقوامها أكثر من ألف مقاتل ومنها بكر بن وائل بفرعها بنو شيبان، وبنو أسد وبنو ذبيان وطيء بقيادة عدي بن حاتم الطائي، ثم وقعت معركة الجسر (تسمى أيضا معركة قس الناطف) قرب الكوفة في تشرين الثاني - نوفمبر سنة 634 م، وهُزم فيها العرب المسلمون واستُشْهِد قائدهم الثقفي واستشهد معه ابنه جبر الثقفي، وعدد كبير من المقاتلة العرب، ثم وصل المدد الثاني من الحجاز وكان محدودا يقوده جرير بن عبد الله في سبعمائة مقاتل، ولكنه لم يلتحق بقوات المثنى بل آثر البقاء بعيدا عنها.

وحدث خلاف وجفاء بين القائدين جرير والمثنى ودارت بينهما مكاتبات متشنجة نفهم منها أنَّ جريرا رفض أن يلتحق بقوات قبيلة شيبان وحلفائها ويصير تحت إمرة المثنى، واستمر الخلاف واشتد حتى تدخل الخليفة عمر بن الخطاب وحل الخلاف جذريا بأن أرسل جيشا جديدا قوامه ستة آلاف مقاتل بقيادة سعد بن أبي وقاص قائدا وأميرا على جميع الجيوش العربية في العراق.

ومن التفاصيل المهمة دلالات في هذه المراسلات التي دارت بين جرير والمثنى قبل وصول سعد بن أبي وقاص بقواته، والتي لا تخلو من الدوافع الانتمائية "القُطرية" قول جرير في رسالة له إلى المثنى الشيباني (وأما قولك: إن المهاجرين والأنصار لحقوا ببلدهم - بعد موقعة الجسر -  فإنه لما قُتِلَ أميرهم لحقوا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وأما ما ذكرت أنك أقمت في نحر العدو فإنك أقمت في بلدك، وبلدك أحبُّ إليك من غيره). والإشارة واضحة إلى عراقية المثنى وقبيلته والقبائل الحليفة له ومنها قبيلة تغلب التي شاركت في القتال ضد الفرس، وكلُّ هؤلاء ظلوا في العراق ولم ينسحبوا مع المنسحبين من عرب الحجاز إلى بلادهم بعد الجسر.

عرب العراق المسيحيون ينقسمون

من الجدير بالذكر والتدبر هنا أن قبيلة تغلب بقيادة ابن مردي الفهر التغلبي وغيرها من قبائل عرب العراق كالنمر وربيعة ومضر وإياد، قاتلت الفرس دون أن تكون قد أسلمت، بل بقيت على دينها المسيحي. وتقول إحدى الروايات إنَّ قاتل مهران، قائد جيوش الفرس في معركة بويب، هو شاب تغلبي نصراني. ففي تاريخ الطبري (2/649) نقرأ: "جلب فتية من بنى تغلب أفراساً، فلما التقى الزحفان يوم البويب قالوا: نقاتل العجم مع العرب، فأصاب أحدهم مهران يومئذ". ويتكرر المعنى نفسه في قول الطبري موضع آخر (2/653): "وقتل غلامٌ من التغلبيين نصراني مهرانَ، واستوى على فرسه". غير أن ذلك لا يعني أن جميع العرب النصارى قاتلوا في صفوف العرب المسلمين بل أن منهم من قاتل أو طلب الدعم من الفرس فهزموا كما حدث في معركة أليس (سنة 633 م) والتي قاتلت فيها قبائل عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة إلى جانب القوات الفارسية. وقد عاقب خالد بن الوليد هذه القبائل بعد الهزيمة عقابا قاسياً ودمويا بقتل الأسرى، وكان ذلك موضع انتقاد وتحفظ من عدد من الصحابة بل أن هناك من المؤرخين من يجمع بين فعلة ابن الوليد هذه وعزله عن "إمرة الأمراء" أي قيادة جيوش الشام بقرار من الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب بمجرد مبايعته بالخلافة، وتكرر الأمر مع بعض أفخاذ قبيلة ربيعة من النصارى الذين قاتلوا مع الفرس في معركة الحصيد وتكبدوا فيها خسائر فادحة.

كان المثنى قد أصيب بجرح في معركة الجسر، والتي هُزِمَ فيها العرب المسلمون - كما أسلفنا - وقُتل قائدهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وقاد المثنى عملية انسحاب منظم لينقذ ما تبقى من القوات العربية، ولم يثنه جرحه عن المشاركة في معركة بويب بعدها، ولكنه توفي لاحقا بعد أن انتقضت جراحاته عليه، إنما بعد أن انتصر في معركة بويب، وثأر فيها للعرب من هزيمة الجسر، رغم مقتل أخيه مسعود بن حارثة الشيباني في هذه المعركة، وكانت وفاة المثنى قبل معركة القادسية بعام أو بعض عام كما قلنا.

ونفهم مما قيل في هذا القائد الفذ بعض الدلالات؛ فالإخباري أبو عبيدة التيمي قال "المثنى بن حارثة افتتح السواد، ساد في الجاهلية والإسلام". أما المؤرخ هشام بن محمد ابن الكلبي فقال معرِّفا به وناسبا له قتل مهران: "المثنى بن حارثة صاحب يوم النخيلة الذي قتل مهران" ثم فتحَ جميع أرض سواد العراق.

إنجاز تحرير العراق عملياً قبل القادسية

يذكر بعض المؤرخين العرب المسلمين القدماء أنَّ العراق كان قد تم تحريره حتى شواطئ دجلة شرقاً من قبل مقاتلي قبائل العرب العراقيين ومعهم مقاتلي الدعم العربي الحجازي حتى قبل موقعة القادسية ووصول قوات المدد الكبير بقيادة سعد بن أبي وقاص؛ فابن خلدون مثلا يقول في تاريخه (2 ق2/90) عما حدث بعد انتصار العرب في معركة بويب: "وأرسل المثنى الشيباني في آثار الفرس فبلغوا ساباط (قرب المدائن – طيسفون)، وسخَّروا السواد بينهم وبين دجلة، لا يلقون مانعاً". ونقل الطبري (2/653): «عن عطية بن الحارث قال: لما أهلك الله مهران استمكن المسلمون من الغارة على السّواد "العراق" فيما بينهم وبين دجلة، فمخروها لا يخافون كيداً ولا يلقون فيها مانعاً. وانتقضت مسالح العجم فرجعت إليهم، واعتصموا بساباط، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة". وأما شمالا فنقرأ في "الأخبار الطوال" لأبي حنيفة الدينوري الآتي: "فسرَّح المثنى في أدبارهم - أدبار الفرس - حذيفة، وأتبعه، فأدركوهم بتكريت دوينها من حيث طلبوهم يخوضون الماء، فأصابوا ما شاؤوا من النعم، حتى أغاروا على صفين وبها النمر وتغلب متساندين - ممن لم ينحازوا مع قبائلهم إلى العرب المسلمين - فأغاروا عليهم حتى رموا بطائفة منهم في الماء/ ص 114/ وردت هذه المقتبسات عن الطبري وابن خلدون والدينوري في مبحث لعلي الكوراني العاملي بعنوان " قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية"، وهذا يعني ان القوات العربية بلغت تكريت شمالا ثم انعطفت غربا حتى بادية صفين قرب مدينة الرقة على الحدود العراقية السورية اليوم، فيما بلغت شرقاً شواطئ دجلة الشرقية وهي الحدود الطبيعية بينها وبين بلاد فارس! وقد حدث كل هذا قبل موقعة القادسية الكبرى، والتي جاءت رداً ساحقا على محاولة الفرس استعادة العراق من العرب بهجوم مضاد واسع النطاق قاده الفارسي رستم فرخزاد فكانت فيه نهايته ونهاية إمبراطوريتهم إلى الأبد وعودة العراق إلى حاضنته الإناسية والجغرافية الجزيرية "السامية" بعد أن تغرب عنها خلال الاحتلال الفارسي منذ سقوط بابل بأيدي قورش الفارسي الأخميني سنة 539 ق.م، ولتنقلب الصورة الجيوسياسية فتصبح بلاد فارس ذاتها خاضعة لدولة العرب المسلمين وعاصمتها بغداد.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

كان «المُنَاخ» حاضراً في «المنتدى الدُّوليّ للاتصال الحكوميّ» بالشَّارقة (يومي 13 و14 سبتمبر الجاري)، تزامناً مع إعصار «دانيال»، الضَّارب «درنة» اللّيبيّة، بقسوة الزَّلازل والبراكين، مخلفاً خراباً على السُّكان والعُمران.

اختلطت في مأساة درنة كارثة الطَّبيعة بكارثة السّياسة. كان «دانيال» المارد الشَّاهد الحيّ، عندما بَحث المنتدى مخاطر المُنَاخ. تخضع البلدان كافة لمفاجآت المُنَاخ، أعاصير وزلازل ومجاعات، لكنّ ماذا عن الحصون المنيعة؟!

فالبشريّة تتزايد باطراد، وموارد اليوم ستنضب غداً، لهذا جاء شعار المنتدى «موارد اليوم ثروات الغد». بينما أنظمة تستخرج النّفط، وتوزعه رواتبَ وأجوراً، وفساد لا يترك أخضرَ ولا يابساً. تتصرف بـ«انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»(المالكيّ، النُّخبة البهيَّة)! طرح المنتدى أفكاراً وأساليبَ، لمواجهة المفاجآت الكارثيَّة، مثل: التّحالف مِن أجل المُنَاخ، حماية الكوكب، الأمن الغذائي، وقُرئت «رسالةٌ مِن الأرض»، التي أخذت تضيق بسكانها، وتشح بمواردها.

كانت شجرة «القرم» (مخزون الكربون)، ومُحسنة للبيئة، التي لا تُكلف مياهاً عذبةً، حاضرةً في المنتدى. كذلك للعدالة حضورها بشخص القاضي الرَّحيم (فرانك كابريو)، فشغلت ذهني مقابلة محكمته بالمحاكم الثّوريّة، وشخصه بالقضاة المرتهنين للسياسة لا للعدالة. إلى جانب ذلك، أسترعى التفاتي، مِن المنتدى، الآتي: ما يستعان بالنَّص القرآني، خارج الحاكميّة الإلهيَّة، وما يتعلق بتفوق المرأة.

لا يتصور القارئ اللَّبيب أنّ أفكاراً تخص المرأة والمفهوم القرآني قد بُحثت، فالمنتدى لم يختص بالدراسات الدّينيّة ولا الاجتماعيّة، لكن ما رأيته غلب على تفكيري، عندما ألقت وزيرة التَّغير المُنَاخي والبيئة الإماراتيَّة مداخلتها، التي استهلتها مرحبةً بالقاضي الرّحيم، متحدثةً عمَّا سيتحقق العام القادم، وما عليه بلادُها مِن حاصلٍ ومؤمل، لمواجهة المخاطر المُنَاخيّة حتّى العام 2050، وما هو التَّناسب بين عدد البشر، وما يحتاجون إليه مِن غذاء، يوم ذاك.

دعت الثّقة والمعرفة، التي تكلمت بها، التّفكير بأصحاب عقيدة نقص العقل والدِّين، و«ولاية المرأة»، وفق الحديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (ابن الأثير، جامع الأُصول)، مِن دون النَّظر إلى إصلاحات الملكة (بوران)، المقصودة في الحديث حسب شروحهم، معمرة القناطر، مُصلحة الأرض، ومخففة الضّرائب (الطَّبريّ، تاريخ الأُمم والملوك).

 وأردفُ بمثال النُّسوة، القادمات مِن مدغشقر، اللّواتي أنتجن الطّاقة الشّمسيّة لبلدتهنَّ، وقُدمن، في المنتدى، بعنوان «الطَّاقة مِن يد امرأة». الأمر الثّاني: ليس أكثر مِن الجماعات الإسلاميَّة استشهاداً بالآيات، اختاروا نصوص القتال والمواجهات، تاركين الصَّالحات لكلَّ زمان ومكان، تلك التي نسخوها بآية السّيف (البغدادي، النّاسخ والمنسوخ). كان عنوان مشروع القمح بالشَّارقة «سبع سنابل»، عبارة قرآنيَّة تنتصر للأمن الغذائي المطروح في المنتدى، «كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ» (البقرة: 261). لا يمنع أن تكون مرتبطاً بالقرآن، وتوظف المفردات الدَّاعمة لإسعاد النَّاس بالتّنمية، دون اختراع لنظريات يحاولون إطلاق مسميات دينية عليها، فالمعنى لا يقبل تنظيراً وتأويلاً، إنما تكفي دلالة اللّفظ «سبع سنابل»، ليكون عنواناً لحقلٍ، لا لحزب وصاروخ وكتائب، المشروع الذي أعلنت الشّارقة به الاكتفاء الذاتي مِن القمح: تزرعه وتحصده وتطحنه وتخبزه. أقول: كم بلادٍ، أرضها اشتاقت إلى اليابسة لغزارة الماء (رحلة ابن بطوطة)، وتجدها تستورد الطَّماطم، ويباع فيها غير تمرها، وهي أم النَّخيل، وكم بلادٍ قدمت المرأة، في إدارة ووزارة، لكنْ بجهادها الحزبيّ ضد حقوق بنات جنسها.

لا شأن لهم بالحقول والسّنابل، وما يُعمر الأوطان، كأنهم «مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ/ ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا» (الجواهريّ، الوتري 1947). أقدم السُّؤال للمستأجرين المتنمرين على ثروات بلدانهم، ماذا أعددتم لمواجهة تحديات مثل إعصار «دانيال»، و«الاحتباس الحراريّ»، و«الجفاف»؟! أم أنّ نظريتكم الاقتصاديَّة: «انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»؟!

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

زرت الهند فيما زرت من بلدان.. حدث هذا منذ نحو 20 عاماً فى أجواء مختلفة وفى ذاكرتى لها أطياف ناصر ونهرو وتيتو وشعار عدم الانحياز وطاغور ومحمد إقبال..اليوم تغير كل هذا وباتت الهند بل والعالم فى مفترق طرق..

علاقة مصر بالهند قديمة لكنها للأسف لم تتوطد إلا مؤخرا ..الآن ثمة فرصة مؤكدة أننا نستطيع الاستفادة من توطيد علاقتنا بالهند أشد استفادة، لاسيما وقد حققت الهند فى مضمار الفضاء منذ أسابيع  ما تفوقت به على رواد الفضاء الروس أنفسهم! انضمام مصر للبريكس سوف يمنحنا فرص أعظم لتنمية علاقتنا الاقتصادية بمختلف دول البريكس ومنها الهند..والسؤال الآن: لماذا الهند؟

الهند تطير نحو الشمس والقمر

لم يكد يمر أسبوع واحد على نجاح هبوط المركبة الفضائية الهندية على القمر عند قطبه الجنوبي، حتى قررت إرسال مسبار فضائى يتجه رأساً نحو الشمس!هكذا أطلقت وكالة الفضاء الهندية مسبار "أديتيال1"يوم السبت (الثاني من سبتمبر 2023) لدراسة الشمس في أول مهمة من نوعها للوكالة بعد نجاح الهبوط على القمر بمركبة "تشاندرايان-3" غير المأهولة.

لم تسبق الهند فى الأبحاث الخاصة بدراسة الشمس سوى ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، وفى حالة نجاح المهمة الهندية سوف تسبق الهند كل آسيا كونها أول مهمة آسيوية تتمكن من بلوغ المدار حول الشمس.

هذا الحدث المهم تابعه الآلاف من الهنود سواء فى صالة العرض أو على الشاشات..وهو ليس مجرد فعالية غرضها التفاخر والزهو، بل إن المركبة معدة خصيصاً لدراسة الكتلة الإكليلية المتسببة فى انبعاثات البلازما والطاقة الكهرومغناطيسية من الشمس والتى تؤثر بدورها على المجال المغناطيسي الأرضى وعلى سائر الأنشطة الإنسانية والصناعية المرتبطة بهذه الطاقة..هناك اضطرابات تنتاب كوكب الأرض بفعل الانفجارات الشمسية وألسنة اللهب الناجمة عن هذه الانفجارات والتى قد تصل إلى حد تثبيط طاقة المجال الأرضى فى بعض نقاطه..كما تظهر تلك التأثيرات بجلاء من خلال ظاهرة الشفق القطبي..

تأتى البعثة المتجهة نحو الشمس لتؤكد على تفوق الهند على روسيا أواخر الشهر الماضي لتصبح أول دولة تهبط على القطب الجنوبي للقمر، فرغم أن روسيا لديها مركبة أكثر قوة، فقد تفوقت مركبة تشاندرايان-3 الهندية على لونا-25 الروسية ونفذت هبوطاً نموذجياً.

لقد تم تصميم المسبار الهندى أديتيال المأخوذ اسمه من كلمة هندية تعنى الشمس ليتمكن من قطع مسافة تصل إلى 1,5 كم خلال أربعة أشهر من أجل الوصول لنقطة مدارية تشبه ساحة انتظار فضائية تميل فيها الأجسام للبقاء فى مدارها بسبب توازن قوى الجاذبية، ما يقلل من الحاجة للوقود، وتسمى تلك المناطق نقاط لاغرانج نسبة إلى عالم الرياضيات الإيطالي الفرنسي جوزيف لوي لاغرانج.

الغريب أن الهند حققت هذا الإنجاز بميزانية منخفضة بالنسبة لسائر وكالات الفضاء، وأن المهندسين المهرة من الهنود قنعوا بمرتبات ضئيلة نوعاً بالمقارنة لنظرائهم من الأجانب. وسوف تقوم الهند بالاشتراك مع اليابان فى إطلاق مسبار ثان إلى القمر عام 2025، ومسبار آخر إلى كوكب الزهرة خلال العامين القادمين..كل هذا من شأنه أن يشير إلى مدى ما وصلت إليه الهند من تقدم وتطور فى شتى المجالات.

النموذج الهندى فى التقدم

حتى خمسينيات القرن الماضى لم تكن الهند إلا دولة نامية معدمة يعانى سكانها من البطالة وضيق الحال، وتبلغ نسب الفقر فيها معدلات ضخمة..فما الذى حدث خلال سبعين عاماً لتصل إلى مثل هذا المستوى من التقدم والنمو؟!

مرة أخرى يمكننا أن نعزو كل الأسباب إلى سبب جوهرى وحيد هو القدرة على حسن استغلال الموارد البشرية،فقط ليس إلا..لأن الهند تتمتع بكونها ثانى أكبر بلدان العالم من حيث تعداد السكان، فبدلاً من أن يتسبب التضخم السكانى فى الاكتظاظ والازدحام والتردى، تحول إلى السبب الأول لإحداث طفرة اقتصادية شملت سائر المجالات لدرجة أن يصل الناتج المحلى للهند ما يفوق 13تريليون دولار، وباتت الهند مميزة فى عدة مجالات تصديرية على رأسها مجال التقنية وتكنولوجيا المعلومات..فهل كان انضمام الهند للبريكس أحد أسباب هذا التسارع فى نموها اقتصادياً ؟ السبب الأكبر أن القوة العاملة فى الهند يبلغ تعدادها 514 مليون عامل كثانى أكبر قوة عاملة فى العالم، بخلاف 25 مليون عامل هندى منتشرين فى دول أجنبية ويساهمون بطريق غير مباشر فى دعم اقتصاد بلدهم..

هناك فائض لدى الهند فى الزراعات الأساسية كالأرز والقمح والشاى والبذور الزيتية وغيرها، ما يشير إلى تحقيقها لنوع من الاكتفاء الذاتى فى عدة محاصيل. وقد استطاعت الهند الوصول لدرجة راقية من التفوق الصناعى فى مجال المنسوجات والاتصالات والأدوية والأغذية والتكنولوجيا الحيوية والبرمجيات لترتفع حصة الهند من التجارة العالمية من 1% عام 1985 إلى 24% عام 2006. لهذا تؤكد المؤشرات أن معدل النمو الاقتصادى فى الهند بلغ 7,5% كأحد أسرع الاقتصاديات نمواً فى العالم.. تلك التجربة شبيهة بما حدث فى الصين وإن كان بمستويات أقل من حيث الكم وحجم النمو..وعلينا أن نبحث عن نقاط التماس بيننا وبين الهند والصين لنتمكن من تحقيق ما حققوه أو بعضه.

المشتركات ونقاط التماس

بالتأكيد للهند خصوصية ثقافية وعقائدية واجتماعية..حتى أنها لا تحب كرة القدم ولم نسمع أن لها فريق كرة قدم مشهور بين فرق العالم، ورياضة الكريكيت هى الرياضة الأولى فيها، ويقال إن الشطرنج نشأ فى الهند تحت اسم "شطورانجا" وهناك الكثير من أساتذة الشطرنج الهنود..والهند لها خصوصية فى فنونها وثقافتها وموسيقاها وأكلاتها التى اشتهر منها البريانى كأحد أشهر وأغلى أكلاتها، والملابس التى اشتهر منها السارى ، ورقصاتها الكلاسيكية التى تم تسجيل ثمانية منها كرقصات عالمية معتمدة.. ونحن نعلم أن السينما الهندية"بوليود" تحتل مركزاً تالياً من حيث المشاهدة عالمياً بعد هوليود الأمريكية..تلك خصوصيات للحالة الهندية كثقافة ومجتمع..لكن هناك مشتركات كثيرة تجمعها بمصر..

العمق التاريخى أول هذه المشتركات.. وآثار الحضارة فى كلا البلدين شاهد على ما نالهما من تمدن ورقى على مدى العصور التاريخية المتعاقبة. ويذكر التاريخ أن أول علاقة دبلوماسية تمت بين البلدين حدثت على عهد بطليموس الثانى فيلادلفوس، عندما أرسل له الإمبراطور الهندى أشوكا مبعوثاً رسمياً محملاً بالهدايا وقوبلت البعثة بالترحاب وتم تبادل الزيارات بين سفراء الدولتين منذ ذلك الحين الضارب فى أعماق التاريخ..

تنوع الموارد والأهمية الديموجرافية والاعتماد على الزراعة والتعدين كلها تمثل مشتركات ونقاط تماس أخرى..لكن المتغير الأخير قد يكون الأهم، وهو أننا صرنا على مقعد قريب من الهند فى منظمة البريكس.

فرصة علينا أن نستغلها

الحق أن خطوة انضمام مصر للبريكس والمشاركة في قمة العشرين فتح الباب على مصراعيه لكثير من الفرص الكبري..

أحد هذه الفرص وأهمها توطيد العلاقة مع الهند فى مختلف المجالات..لاسيما أننا نقف على أرض مشتركة فى اهتمام كلينا بالاستثمار فى المجالات الواعدة كالتكنولوجيا والتقنيات والهيدروجين الأخضر والاستثمارات السياحية..وآفاق التعاون تمتد لتشمل مجالات أخرى مهمة للغاية كالتعاون السياسي والأمنى والدفاعى والأمن الغذائى والأدوية وغيرها..ولا ننسي أن الهند لديها فائض من سلع غذائية استراتيجية قد تصلح لسد الفجوة الناشئة من أزمة الحرب الروسية الأوكرانية..إن الأرقام تقول إن التجارة الثنائية بين البلدين وصلت لمعدلات غير مسبوقة حيث قفزت إلى ما يربو على 7 مليار دولار عام 2022، وكان الهدف أن تزيد عن 10 مليار..الآن يمكن اقتناص الفرصة لرفع حجم التعاون الاقتصادى أضعاف ما سبق فى ظل شراكة البريكس.. وهو ما نأمل أن يتحقق على المدى القريب.

***

عبد السلام فاروق

ما علاقة الآشوريين المعاصرين بالقدماء؟

قراءة في مقالة بقلمه: الآثوريون الحاليون وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القدماء: قراءة في الإثنية التاريخية وسط حقل ألغام الهويات في العراق.. مع رسالة شخصية بقلم العلامة طه باقر حول الموضوع.

 تمر اليوم ذكرى رحيل المؤرخ والآثاري العراقي البارز بهنام ناصر نعمان أبو الصوف الموصلي، الذي رحل عن عالمنا بتاريخ 19 أيلول 2012، وتحية لذكراه ولإنجازاته الكبيرة، ولوقفته العلمية الشجاعة ضد الزيف والتزوير والانتحالات العرقية أقدم هذه المقالة والتي هي عبارة عن حوارية أجراها معه عبد السلام صبحي طه حول موضوع انتساب جماعات معاصرة إلى الآشوريين والكلدانيين القدماء المنقرضين، و سأخصصُ بدوري دراسة وافية موثقة أستعرض فيها مختلف أوجه هذه الانتحالات وكيف نشأت ولماذا وأين، وآمل أن أتفرغ لهذه الدراسة بمجرد الانهاء من بعض المشاغل الكتابية الراهنة وفي مقدمتها إنجاز "معجم اللهجة العراقية". لقد انحاز الراحل أبو الصوف إلى العِلْم ومقولاته، ووقف ضد هذه الانتحالات غير العلمية رغم أنه هو شخصياً محسوب من حيث الهوية القومية والدينية على هذه الجماعات المنتحلة، ولكنه ثبت عند موقفه ورأيه العلمي فوُجِّهَت له شتى الاتهامات الظالمة وشنت ضده حملة إعلامية تشنيعية قاسية بدلاً من أن يرد أصحابها على حججه وأسبابه التي طرحها، غير أن تلك الحملة لم تنجح في ثنيه عن قول الحقيقة والدفاع عن وجهات نظره العلمية المشفوعة بالأدلة والمعطيات التأريخية اللغوية والآثارية.

* في هذه المناسبة التي أحيي فيها ذكرى الراحل أبو الصوف أغتنم الفرصة لأسجل التحفظ الآتي: إنَّ أغلب الباحثين العراقيين في شؤون التاريخ والآثار والإناسة وعلم الاجتماع العراقيين وخاصة من العرب - باستثناء الراحل طه باقر - يلتزمون الصمت حيال هذا الموضوع، إنْ لم يكونوا من المصفقين والمروجين لتلك الانتحالات، ولا يجرأون على مواصلة الدرب الذي سار عليه الشجاع بهنام وزملاء آخرون له من أمثال موفق نيسكو الذي كتب الكثير من الدراسات والمقالات حول هذا الانتحال وأطلق على المنتحلين اسم "المتأشورين"، لقد سكت البعض وصفق البعض الآخر وقفز على معطيات التأريخ واللغة ولجغرافيا ربما طمعاً بما توفره الجماعات والشخصيات تنتحل الانتساب الى الآشوريين والكلدانيين القدماء والمقيمة في دول غربية عديدة، من ترويج إعلامي واسع وإمكانيات فنية في إصدار الكتب والمجلات وتنظيم الندوات والاستعراضات الثقافية لهؤلاء الصامتين.

إنَّ من حق جميع الناس والجماعات الدفاع عن ثقافاتهم ولغاتهم وأصولهم والاحتفال بمناسباتهم الشعبية، وليس من حق أحد قمعهم ومنعهم من ذلك كمبدأ عام، ولكن ليس على حساب الحقيقة العلمية أو لتحقيق أهداف نفعية ومصلحية ولتضليل الناس. وإذا كان من الممكن التفهم والتعاطف مع محاولات اختلاق هوية إثنية مجازية باسم "الآثوريين" قبل قرن من الآن، لتفادي الظلم والقهر القومي والطائفي الديني المسلط على المسيحيين العراقيين وغير العراقيين من أبناء الطوائف والأقليات من قبل السلطنة العثمانية وللحفاظ على الكينونة المجتمعية، وهو ما عبر الراحل أبو الصوف بتأسيس "نوع الهوية تحفظ لهم كينونتهم، بعد أن اشتد الضغط على الاقليات العرقية والدينية بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى والمذابح التي ارتكبت ضد الأرمن"، فإنَّ هذا النوع من انتحالات النسب القومي والديني والطائفي والعشائري تفاقم وصار عملاً أيديولوجياً ودعائياً سياسياً ضمن مناخات ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، وتأسيسه منظومة حكم طائفية عرقية التي أوجدت العديد من الدكاكين السياسية والعرقية والطائفية المسلحة والتي يبقى انتماؤها نفعياً وتكسبياً لا علاقة له بالعلم وشروطه. هنا، بالضبط، يقع المحذور وقد يتحول العلم إلى شاهد زور وبطاقة مرور سياسية يستعملها المنتحلون والمتكسبون باسم الحقوق الثقافية؛ ولذلك بات من واجب العلم أن يقول كلمته بهذا الخصوص ويقارب الحقيقة بطريقة منهجية علمية محايدة على لسان الباحثين النزهاء الشجعان وفي مقدمتهم بهنام أبو الصوف حول انتساب هذه الجماعات إلى أقوام وشعوب قديمة.

إنَّ نص المقالة الذي أنشره أدناه مأخوذ من نسختين لها تختلفان بعض الشيء، فبعض العبارات والجمل نجده في واحدة منهما ولا نجده في الأخرى، ولذلك نشرت النص الكامل بلا حذوفات تقريبا، ومعه نشرت رابطي النسختين كلتيهما ليتمكن من العودة إليهما من يريد العودة للمراجعة والتوثيق، وينتهي نص المقالة بنص الرسالة الشخصية التي أرسلها الراحل طه باقر إلى أحد الباحثين حول موضوع انتساب الآشوريين والكلدان المعاصرين والتي وردت في إحدى النسختين. وقبل المقالة أقول الآتي على سبيل التمهيد لها:

 خلاصة المقالة:

* يرى الباحث بهنام أبو الصوف أن الآشوريين والكلدان القدماء شعوب رافدانية انقرضت وزالت من الوجود هي ولغاتها واندمجت بقاياها في جماعات أخرى، والجماعات التي تنسب اليوم نفسها إلى هذين الشعبين هم من الآراميين النساطرة، فهم لا يتكلمون اللغة الآشورية أو الكلدية البابلية إطلاقاً، ولغتهم الحالية هي السريانية، وهي لهجة من اللهجات الآرامية الشرقية. أما تسمية الكلدان والكلدانيين فقد أطلقت في القرن الخامس عشر حين (قامت الكنيسة الكاثوليكية - في روما - بجهد كبير لغرض تحويا أتباع الطائفة النسطورية الشرقية الى المذهب الكاثوليكي وقد نجحت جزئيا بذلك وحينما أرادوا إطلاق تسمية على معتنقي الكاثوليكية في العراق أسموهم بـ (الكلدان) وذلك باعتبارهم من أرض بابل (الكلدية) وليس لأنهم من سلالة الكلديين المنقرضين، إذن هي لا تعدو كونها مجرد تسمية للتعريف جغرافيا).

* أما بخصوص تسمية الآشوريين والآثوريين فيقول الراحل أبو الصوف ما خلاصته (أما عن جذور الاسم آثور من أشور فأنه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ظهر مطران مسيحي (كلداني - كاثوليكي) واسمه المطران أدي شير ومؤلفه القيم الموسوم (كلدو - أثور)، من عندها ابتدأت هذه الأقوام تتداول مصطلح (آثور) كنوع من التأسيس لهوية تحفظ لهم كينونتهم، حيث اشتد الضغط على الاقليات العرقية والدينية واضطهاد الترك والكرد للأقليات بسبب اندلاع الحرب العالمية الاولى وحصول واقعة مذابح الأرمن بعد 1915 بسبب موقفهم المناوئ للدولة العثمانية حينها و مساندتهم لروسيا القيصرية مما عدَّ حينها صراع عسكري- ديني..وانسحب الأمر على جميع المكونات المعتنقة للديانة المسيحية في العراق حينها وأخذ كل مذهب يحاول تأسيس هوية معينة للتعريف والتميز والحفاظ على كينوته من الضياع والانقراض ووجد النساطرة ضالتهم بالتسمية التي أطلقها المطران (أدي شير) عليهم "الآثوريون").

نص المقالة: الآثوريون الحاليون وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القدماء... قراءة في الإثنية التاريخية وسط حقل الغام الهويات في العراق. بهنام أبو الصوف

"المقال أدناه من حوارية اجراها الباحث عبد السلام صبحي طه مع د. بهنام أبو الصوف - عمان في 18 ايلول 2011 – وقد تمت اضافة مصادر خارجية ذات صلة مهمة في نهاية المقال من قبل الباحث. وقد ورد فصل خاص بنفس الموضوع في كتاب مذكرات د. بهنام ابو الصوف الموسوم) رحلتي مع آثار العراق - دار المدى، 2014 – بقلمه":

بعد سقوط الامبراطوريتين الاشورية والكلدية (البابلية الثانية) في 612 ق.م و 539 ق.م على التوالي، انتهت تقريبا اللغتين الاشورية والبابلية من التداول في بلاد الرافدين والاقطار المحيطة، والتي كانت في فلك هاتين الدولتين ماعدا استمرار الخط المسماري في بعض المدونات الكهنوتية والتراثية, واخرها وجد في مدينة الوركاء في الزمن السلوقي بعد الاسكندر بسنوات (حوالي 200 ق.م)، وهكذا حّل محل اللغتين أعلاه في التداول وفي المكاتبات الخط واللغة الآرامية، واصحابها كانوا يتغلغلون الى بلاد الرافدين واقسام من ايران والخليج العربي خلال النصف الثاني من الالف الثاني ق.م, قادمين في الغالب من بلاد الشام، حيث كانوا قد استقروا في اواسط الالف الثاني ق.م مهاجرين اليها من شبه الجزيرة العربية كسابقيهم من الهجرات الأكدية والأمورية في الالف الثالث ق.م.

حلت اللغة الآرامية والخط الارامي في معظم بلاد الرافدين غربي دجلة وفي الشمال وكل بلاد اشور وهذا كما اسلفت اعلاه بعد سقوط الاشوريين والكلديين، تجاورهم الى الشرق من دجلة وفي كل بلاد إيران اللغة البهلوية والخط البهلوي (لغة وخط الدولة الأخمينية المنتصرة التي احتلت بابل في 539 ق.م).

انقراض اللغتين الآشورية والكلدية:

وبسبب هذه الاحداث لم يتبق في بلاد الرافدين اية لغة اشورية أو كلدية (بابلية) ما عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المعابد والمراكز الدينية المحافظة، وهذه كانت ايضا في طريقها الى الانقراض، كما انقرضت قبل هذا بأكثر من ألف سنة اللغة السومرية من المعابد بعد سقوط آخر كيان سومري في اواخر الالف الثالث ومطلع الالف الثاني ق.م بعد سقوط دولة أور الثالثة في أور في 2006 ق.م.

إن آخر كيان سياسي للأشوريين بعد خروجهم من نينوى واشور كان في حرّان حيث قضى عليه نبوخذ نصّر (العاهل الكلدي البالبلي قبل 605 ق.م)، وعاد الى بابل لاستلام الحكم بعد وفاة والده نبوبلاصر، مؤسس السلالة الكلدية البابلية الأخيرة.

وتأسيسا على هذا نجد ان من كان يتكلم ويتعامل باللغة الاشورية لغة الحاكمين في الامبراطورية الاشورية وفي كل بلاد الرافدين واطرافها الشمالية والجبال وشمالي سوريا قد انقرضوا تماما في مطلع القرنين الخامس والرابع ق.م وما بعدهما حتى مجيء المسيحية الى هذه البلاد بعد انتشارها في بلاد الشام اولا.

في القرن الاول الميلادي كانت اللغتين السائدتين هما الآرامية في بلاد الشام مع اليونانية (لغة المنتصرين في اليونان - بعد الاسكندر) والفارسية (البهلوية) في شرقي بلاد الرافدين وبلاد ايران (وهي لغة المنتصرين الأخمينيين والبارثيين والساسانيين) وحتى مجيء الفتح العربي الاسلامي في مطلع القرن السادس الميلادي (بعد 537 م) وبدأت اللغة العربية ومن ثم خطها يحل محل الفارسية في شرق العراق كما صار يزاحم الآرامية، (التي صارت تدعى الآن السريانية - من سورث أي سوريا) بعد ان تبنى المسيحيون الجدد هذه اللغة وأطلقوا عليها السيريانية لأنهم اعتبروا الآرامية هي لغة الوثنيين فصارت معظم مدن بلاد الرافدين وبلاد الشام تتكلم العربية (لغة الفاتحين الجدد)، وقد استمرت السريانية (وريثة الآرامية) في الكنائس ولدى بعض القطاعات المحافظة في بلاد الرافدين وبلاد الشام, الا انها أستمرت كلغة التداول خارج المدن وفي قرى وقطاعات منعزلة في كل بلاد الرافدين وبلاد الشام ولا زالت. حتى مسيحيو الجبال في الهكاري وجزيرة ابن عمر وشرقي بلاد الأناضول وقرى شمال العراق وشمال شرقه وأطراف بحيرة (وان) استمرت هذه الاقوام تتحدث بالآرامية ووريثتها السيريانية.

كثلكة النساطرة الآراميين:

 اعتنق سكان جبال وقرى ومدن الجزء الشمالي الشرقي من العراق وامتداداتها في بلاد إيران والاناضول الديانة المسيحية بمذهب يدعى (النسطورية) نسبة الى الاسقف (نسطوريوس) أُسقف القسطنطينية والذي أسس، المذهب في 431 م. بعد حرمانه وطرده من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، ويطلق على كنيسة النساطرة - الكنيسة الشرقية.

في الحقيقة أن أتباع هذا المذهب وجلهم من سكان الجبال والقرى الشمالية للعراق وشمالي غرب إيران وشرق الاناضول هم بقايا الاقوام والقبائل الآرامية القديمة (كما تم تبيانه أعلاه).

في القرن الخامس عشر قامت الكنيسة الكاثوليكية بجهد كبير لغرض تحويا اتباع الطائفة النسطورية الشرقية الى المذهب الكاثوليكي وقد نجحت جزئيا بذلك وحينما ارادوا إطلاق تسمية على معتنقي الكاثوليكية في العراق اسموهم بـ (الكلدان) وذلك باعتبار انهم من أرض بابل (الكلدية) وليس لأنهم من سلالة الكلديين المنقرضين، إذن هي لا تعدو كونها مجرد تسمية للتعريف جغرافيا.

أما عن جذور الاسم (آثور من أشور) فأنه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ظهر مطران مسيحي (كلداني - كاثوليكي) واسمه (المطران أدي شير) ومؤلفه القيم الموسوم (كلدو - اثور)، من عندها ابتدأت هذه الاقوام تداول المصطلح (آثور) كنوع من تأسيس لهوية تحفظ لهم كينونتهم، اشتد الضغط على الاقليات العرقية والدينية واضطهاد الترك والكرد للأقليات بسبب اندلاع الحرب العالمية الاولى وحصول واقعة مذابح الارمن بعد 1915 بسبب موقفهم المناوئ للدولة العثمانية حينها و مساندتهم لروسيا القيصرية مما عد حينها صراع عسكري- ديني.

انسحب الأمر على جميع المكونات المعتنقة للديانة المسيحية في العراق حينها واخذ كل مذهب يحاول تأسيس هوية معينة للتعريف والتميز والحفاظ على كينوته من الضياع والانقراض ووجد النساطرة ضالتهم بالتسمية التي أطلقها المطران (أدي شير) عليهم (الاثوريون).

الخبث البريطاني وزراعة المليشيات الطائفية:

حين حل الاحتلال البريطاني في المنطقة عقب خسارة الحلفاء الحرب وسقوط الامبراطورية العثمانية بعد 1918 وجد في المكون الآثوري عنصر حليف ومخلص بسبب عقدة الاضطهاد الديني والعرقي التي عانوا منها الامرين ابان الدولة العثمانية، شكل الانكليز فوجا عسكريا من الآثوريين باسم (قوات الليفي اي الموالين) ومنح بعض منهم الرتب العسكرية المختلفة، وبقي هذا التشكيل حتى مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم واخذت هذه القوات تحرس القواعد والمطارات البريطانية في الموصل والحبانية والبصرة وربما كركوك.

وقد أجاد المحتل البريطاني المشهود له بدهائه وخبثه أن يوظف الموروثات والتسميات ويرقع منها ما يناسب كسب الاقليات بالعزف على اوتار التفرقة بنغمة تروق لكل منها (شيعة وسنة ومسيحيين ...الخ)، فأخذ يدفع باتجاه استخدام مطلح اشوري بدلا من اثوري وان جنود فوج الليفي من سكنة القرى والجبال من النساطرة هم ورثة واحفاد الاشوريين المقاتلين الاشداء، وحينها تمت عملية التجيير الرسمي لمصطلح المطران (أدي شير) الآثوريين الى الاشوريين وتمسك الاخوة النساطرة بهذه التسمية الى حد الساعة.

إذن المحصلة النهائية التي نخرج بها ان الاخوة (الآثوريين) بحسب مصطلح المطران (أدي شير) هم اراميون - سريان - من اتباع الكنيسة النسطورية (الشرقية) ولا يوجد اي سند مؤيد من جهة علمية تاريخية أو انثروبولوجية او عسكرية بريطانية او هيئة كنسية فاتيكانية تؤيد بالإثبات التأصيل التاريخي انهم احفاد الاشوريون (سكان العراق القديم). اتذكر حينما أخذت النقاشات والحلقات الدراسية في مراكز البحوث والمجاميع اللغوية تُعقد بتوجيه من الحكومة العراقية ممثلة بوزارة الثقافة وديوان الرئاسة (حينها) خلال التسعينيات من القرن المنصرم (لإبداء الرأي في موضوعة الجذور التاريخية للقومية الآثورية في العراق وهل هي سليلة الشعب الآشوري في العراق القديم، كما كانت بعض دوائر المعارضة في خارج العراق تسويقه حينها، كنا نجتمع د. فوزي رشيد، بهيجة خليل، د. عامر سليمان، ود. طارق مظلوم وأنا لإبداء الرأي العلمي بهذا الموضوع بسبب كم الدعاية والاستثمار الذي تم ضخه في الموضوع من قبل دوائر الاستخبارات والإعلام الأجنبية، وظهور فريق معارض تحت لواء الأكراد العراقيين أطلقوا على أنفسهم اسم الحركة الآشورية. ولقد أبدينا الرأي حينها بأن هؤلاء الإخوة يرتدون في أصولهم الى الآراميين الذين يمكن اعتبارهم ربما أولاد عم للكثير من القوميات والشعوب المجاورة كالفينيقيين والآشوريين والكلديين سكان العراق القدماء، وهم من الموجات الأولى التي دخلت بلاد الشام والعراق من اواسط الألف الثاني ق.م، وكونوا دويلات مدن وهم أصحاب حضارة عظيمة ولكن لغتهم و كتاباتهم سادت كل منطقة الشرق الأدنى القديم بعد سقوط الدولة الآشورية وحتى مجيء المسيح الذي كان يتحدث بالآرامية، والأناجيل الأولى و التوراة العبرية في نسخه الأولى كانت بالآرامية"

رسالة شخصية من العلامة طه باقر:

* ملاحق ومصادر: ملاحق متعلقة بالموضوع وقد تمت اضافتها من قبل الباحث ملحق)

1- رأي العلامة طه باقر في المسألة الآثورية واختلاف التسميات في رسالة جوابية للباحث السيد رياض رشيد ناجي الحيدري بتاريخ 10 نيسان 1973 وقد وردت في مقدمة رسالة ماجستير السيد الحيدري الموسومة "الآثوريون في العراق 1936- 1918":

* رسالة جوابية من طه باقر إلى مؤلف كتاب "الآثوريون في العراق":

"إن كلمة آشوريين على ما هو معروف كانت تطلق في تأريخ العراق القديم على القوم المعروفين بهذا الاسم، الذين كونوا دولة كبرى في شمالي العراق وهم من الأقوام السامية ومن أقرباء البابليين وغيرهم من الأقوام السامية المعروفة". وإن هذه التسمية، على ما هو واضح، مأخوذة من النسبة إلى آشور التي أطلقت على أقدم مراكز الآشوريين أو عاصمتهم المسماة آشور (قلعة الشرقاط الآن). ولا يُعْلَم بوجه التأكيد أيهما أصل للآخر، على انه يجوز الوجهان. كما لا يُعلم معنى الكلمة "آشور". وكانت تكتب إما بهيئة آشور (ASHUR) أو آشّور (بتشديد الشين). وجاء اسم الآشوريين في المصادر الآرامية والعربية أيضاً على هيئة "آثور" و"أفور" و"آثوريون" و"آفوريون". والإبدال بين الشين والثاء معروف في اللغات السامية. أما التسمية الحديثة التي يطلقها على أنفسهم الآثوريون الآن فإنها استعيرت من الكلمة القديمة مفترضين أنهم من أحفاد الآشوريين القدماء؛ على أن نقطة الضعف فيه هي أن اللغة التي يتكلم بها الآثوريون الآن ليست لغة آشورية ولا هي منحدرة من الآشورية القديمة، وإنما هي إحدى اللهجات الآرامية من الفرع الشرقي منها مثل لهجة الصابئة (المندائيين) في العراق، أي السريانية الشرقية. طه باقر – رسالة جوابية في 10/ 04/ 1973- هامش 1 في ص 9 – كتاب "الآثوريون في العراق" تأليف رياض رشيد الحيدري/ أطروحة ماجستير".

***

علاء اللامي

........................

مراجع:

- د بهنام ابو الصوف، جدل الهويات ما بين سكان العراق القديم (الاشوريون والكلديون) وسكان العراق الحديث (الآثوريون والكلدان).

- د. طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات، الاشوريين واصولهم

- يوسف ملك خوشابا حقيقة الاحداث الآثورية المعاصر

1- رابط أول يحيل إلى مقالة "الآثوريون الحاليون وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القدماء: قراءة في الإثنية التاريخية وسط حقل الغام الهويات في العراق" وإلى العديد من المداخلات الإذاعية والتلفزيونية للراحل أبو الصوف أسفل الصفحة.

https://www.iraqinhistory.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA- %D8%A7%D8%A8%D9%88- %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81/current- allathurion- aramean- nestorians

2- رابط ثان يحيل إلى نسخة أخرى مختلفة قليلا من المقالة "الآثوريون الحاليون وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القدماء: قراءة في الإثنية التاريخية وسط حقل الغام الهويات في العراق".

https://docs.google.com/document/d/1WMtKpTD7mf6DDxe- _T9iGmCMG5n0myLYXG3IaqvnQ7Y/edit?pli=1

لم يكن الكرد طيلة تاريخهم المعاصر معارضة سياسية في كل انتفاضاتهم وثوراتهم في الأجزاء الأربعة من وطنهم كردستان الذي تم تجزئته وتقسيمه على اربع دول، ولعل السبب الأهم في عدم كونهم معارضة رغم تصديهم لأكثر الأنظمة شوفينية ودكتاتورية ان أهدافهم لم تكن الوصول الى السلطة في أي جزء من تلك الأجزاء، خاصة وانهم أي الكرد لم يكن لهم سابقا كيان سياسي مستقل او شبه مستقل كي تتبلور لديهم معارضة سياسية على نمط المعارضات المعروفة في النظام السياسي الديمقراطي او الشمولي، وكانت كل احزابهم وجمعياتهم وحركاتهم انما تعمل من اجل تحقيق الهدف المشترك لشعب كوردستان المجزئ في أربع دول ضمت إليهم هذه باتفاقيات استعمارية بحتة وتم حرمانهم من إقامة كيانهم السياسي حالهم حال بقية الشعوب والأمم في العالم، رغم ان تجربة الاقليم الفيدرالي في العراق منذ 1992 حققت كثير من النجاحات لكنها لم تنجح في بلورة معارضة وطنية محلية لكون الإقليم ما يزال جزء من دولة ضمن نظام اتحادي، وكانت الصيغة الانجح هي ائتلاف القوى الرئيسية في الإقليم.

ودون الخوض المفصل في دهاليز التاريخ وصفحاته المكتظة، فان شعب كوردستان عبر تاريخه المعاصر شهد عشرات الانتفاضات والثورات ضد الأنظمة التي حكمته بعد تقسيم وطنه وتوزيعه على اربع دول هي تركيا وايران والعراق وسوريا، ولكل جزء تاريخ حافل بالانتفاضات والثورات التي نجحت احداهم في النصف الثاني من القرن الماضي وتحديدا في 1946 من إقامة اول جمهورية في شرق كوردستان (ايران) وعاصمتها مهاباد، ولم تمض سنة واحدة حتى تم اسقاطها بتعاون النظام الإيراني مع دول الجوار حوله، وتحولت تلك الجمهورية الفتية الى حركة تحررية فيما بعد امتدت الى بقية الأجزاء حتى تبلورت الى ثورة عارمة قادها الزعيم مصطفى البرزاني في أيلول 1961م حيث استمرت حتى توقيع اتفاقية السلام في 11 اذار 1970 مع الدولة العراقية بعد ان حققت اول اعتراف حكومي بحق شعب كوردستان في إقامة كيان سياسي مستقل ذاتيا، ورغم ما شاب التجربة من انتكاس وانقلاب من قبل الدولة العراقية على الاتفاقية لكنها كانت اول اعتراف رسمي بالكيان السياسي الكردستاني.

وفي كثير من المؤتمرات او أجهزة الاعلام تنتقد قوى المعارضة السياسية القيادات الكُردية  في الدول التي ضُمت اليها كردستان لتعاملها مع الأنظمة الحاكمة دون أن تدرك بانها ليست معارضة من اجل السلطة او الإصلاح، بل كانت وما تزال تحمل قضية وطن وثورة شعب من اجل الانعتاق والحرية ولآجل هذه الهدف كانت تتعامل مع الجميع حينما تتوفر فرصة للسلام والحوار، والدليل على ذلك تعاملها مع كل الأنظمة التي حكمت العراق منذ تأسيس مملكته على ايدي البريطانيين عام 1921م كحركة ثورية تمثل قضية شعب ووطن تمت مصادرة ارضه لحسابات استعمارية بحتة بصرف النظر عن طبيعة ذلك النظام وشكله وليس كمعارضة سياسية من اجل السلطة او الإصلاح.

ويتذكر الجميع وخاصة الذين عاصروا تلك الحقبة ان قيادة الحركة الكردية كانت في صراع دموي حاد مع أي نظام من تلك الأنظمة وخاصة في العراق، لكنها حينما تتوفر فرصة للتباحث والحوار كانت تعلن وقف عملياتها والتفاوض معها، حيث أوقفت عملياتها مع النظام العراقي بعد انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم وذلك لمنحهم فرصة للتفاوض، وكذلك فعلت مع عبد السلام عارف واخيه، ثم بعد ذلك مع البكر وصدام حتى 1975 وما تلاها من سنوات مريرة خاض فيها شعب كوردستان حرب إبادة همجية بكافة الأسلحة المتاحة للنظام بما فيها المحرمة دوليا، ناهيك عن القتل الجماعي لعشرات الالاف من المدنيين في جينوسايد الانفال، ورغم ذلك حينما توفرت فرصة للسلام والتفاوض في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ذهب البارزاني وبقية القيادات الكردية الى بغداد عبر بحر من دماء الشهداء لكي تتفاوض على مستقبل كوردستان ووضعها السياسي والدستوري.

وخلاصة القول فان الحركة التحررية الكردستانية وقياداتها وفعالياتها السياسية لم تناضل من اجل مقاعد في السلطة التنفيذية او البرلمانية التي تهيمن على أجزاء كردستان، بل كانت تعمل من اجل اهداف أخرى لا علاقة لها بما تفعله المعارضة في بقية البلدان، هذه الأهداف التي ترتبط بحق تقرير المصير للشعب وتحرره وتمتعه بالاستقلال حاله حال بقية الشعوب والأمم سواء كان هذا الاستقلال فيدراليا او كونفدراليا او تام، وحتى يتحقق ذلك ستبقى القضية الكردية في بلدان التجزئة من أهم أسباب عدم الاستقرار والتقدم لتلك الدول.

***

كفاح محمود

لم يعد أحد يشكك فى أن ما يحدث من ظواهر كونية وكوارث طبيعية خارق للنواميس. كنا فيما سبق نثق فيما تخرج علينا به هيئات الأرصاد من توقعات حول الرياح والأمطار والزلازل والأعاصير..أما الآن فلا. حتى فى أمريكا نفسها، تقف المؤسسات هناك عاجزة أمام حرائق تباغت السكان، وأعاصير تخالف التنبؤات فى اتجاهاتها وحجم الدمار الناتج عنها..لتفيق الشعوب على مشاهد غير مسبوقة تشى بأن القادم مخيف.

بالأمس القريب فوجئ الشمال الإفريقي بكارثتين طبيعيتين نجم عنهما دمار هائل وسقط جراء زلزال المغرب وفيضان ليبيا ضحايا بالآلاف..المفزع فى الأمر أن ما حدث مجافى للمعتاد، فلا التوقيت ولا المكان ولا حجم الكارثة مسبوقين فى أية سجلات قديمة لهيئات الأرصاد أو أرشيف الإعلام، معنى هذا أن ما اعتدناه من ثبات مناخى طبقاً لنواميس كونية وسنن ربانية تغير للأبد، وبات من الممكن أن تحدث أية ظاهرة مناخية فى أى مكان أو وقت!

انتهى زمن الحتمية الجغرافية!

علماء المناخ والجيولوجيا فى القرن التاسع عشر تحدثوا عما أسموه "الحتمية الجفرافية" وهى تعنى أن الأوضاع المناخية والجيولوجية تفرض على الناس فى كل بقعة من بقاع العالم نمطاً محدداً من الحياة الاقتصادية والسلوكيات وأسلوب المعيشة..وأن التكيف البشرى يأتى تالياً لمثل هذه الحتمية؛ بمعنى أن المجتمعات تضبط حركتها الحياتية على بوصلة الثبات المناخى والقانون الأزلى الذى يحقق مثل هذا الثبات..أما وقد اختلت المنظومة كلها، وبات الثبات نفسه مهدداً بالاختلال فيما أسماه البعض "الانقلاب المناخى" حيث لا قاعدة تحكم زمن أو موقع حدوث الكارثة..هنا ينتهى الأمن ويبدأ القلق..

زلزال المغرب فاجأ الجميع بما فاق أى توقع..بدءاً من قوة الزلزال التى أكد بعض الخبراء أنها تعادل قوة 25 قنبلة نووية!! وأن التأثير المضاعف لهذا الزلزال جاء بسبب قربه من سطح الأرض. ولولا أن جبال الأطلس حالت دون تغلغل موجات الزلزال لتضاعف تأثيره عشرات المرات..هكذا لم يصل مراكش من قوة الموجات الزلزالية إلا أقلها! وبالرغم من هذا سقط آلاف الضحايا وتدمرت عشرات المبانى..إن   بعض المناطق فى المغرب اختفت نهائياً وتدمرت بنيتها التحتية تدميراً شاملاً ..وما تم حصره من ضحايا تجاوز الألفين ضحية ومثلهم من المصابين..لكن المفقودين أكثر؛ حيث تم عزل بعض المناطق جراء الدمار وتعذر الوصول إليها..والتحذيرات من موجات تسونامى على ساحل المغرب جعلت الجميع يضع يده على قلبه مخافة القادم..

ليبيا كانت على موعد مع كارثة أعنف وأقوى بعد ساعات من زلزال المغرب..صحيح أن الأرصاد حذرت من قدوم إعصار دانيال، وأن قوته هذه المرة تنذر بالأسوأ.. لكن الذى حدث فاق أى توقع..إن حجم الفيضانات الناجمة عن الإعصار كانت تعادل ثلثى حجم أمطار عام كامل فى ليبيا، وقوة اندفاع المياه قصفت فى طريقها ثلاثة سدود كاملة، لتنجرف فى طريق الفيضانات قرى بأكملها، ويصل الفيضان البر بالبحر ويغرق الآلاف من البشر ويبتلعهم اليم ثم يعيد لفظ بعضهم للشواطئ عقب هدوء العاصفة!

مدينة درنة الليبية نُكبت فى سكانها وبنيتها التحتية التى تدمر أغلبها جراء الإعصار، واكتشف المصريون أن من بين الضحايا عشرات من المصريين المقيمين فى ليبيا، ومنهم نحو سبعين من قرية واحدة من مدينة بنى سويف. رحم الله الضحايا والشهداء فى المغرب وليبيا، وحفظ الله أوطاننا من كل سوء..

علامات الاستفهام والتعجب!

الجميع يتساءل عن سر الخلل البيئي الحادث فى الكون، وهل هو بداية لأحداث قادمة؟ ما أسبابه؟ ولماذا لا يستطيع أحد توقعه أو تحجيم آثاره؟ وهل ستثمر المجهودات الدولية لمكافحة التغيرات البيئية عن أية نتائج حقيقية ملموسة؟ وهل تولد لدى المجتمع الدولى اليوم ضمير بيئي لإنقاذ العالم من مصير مجهول ومخيف جراء ما اقترفه الإنسان ضد الطبيعة؟

الضمير البيئى لم يتولد لدى المنظمات الدولية إلا عام 1972 عندما انعقد المؤتمر البيئي العالمى الأول فى استوكهولم كاستجابة لجهات الضغط والعلماء..والحق أن ما اقترفته الدول الصناعية عظيم وخطير..

الرعونة التى تعامل بها هؤلاء مع البيئة تسببت فى خلق عاهة مستديمة للنظام البيئى وتوازنه..عوادم مصانع ومخلفات نووية وصيد جائر للحيوانات وقطع جائر للغابات وتفتيت الجبال الراسيات بحثاً عن الذهب والألماس وتلويث لمياه البحار ومبيدات مسرطنة وملوثات كيماوية وحروب بيولوجية وجرثومية .. كلها أفرزت خللاً عظيماً فى حالة التوازن البيئى الكونى..

ولكى ندرك الفارق الجوهرى بين الحالتين، دعونا نعود القهقرى سنوات قليلة للوراء أيام حظر التجوال عالمياً أثناء جائحة كورونا..مجرد شهور قليلة حدث فيها ما لم يشهد العالم مثله منذ مئات السنين.. اختفت الشبورة من مدن العتمة والضباب، وتحولت أجواء الشتاء إلى أجواء رائقة سجلتها كاميرات المغامرين بكسر حظر التجوال ونشرتها على صفحات التواصل، وتواترت الأنباء أن ثقب الأوزون يتقلص حتى اختفى تماماً!! وتحدث السائرون فى الشوارع الخالية ممن خالفوا الحظر عن أجواء غير مسبوقة من الجمال البكر الصافى الخالى من الضوضاء والصخب والعوادم والأدخنة والأتربة . ولم نسمع خلال عام الجائحة عن أضرار ضخمة للكوارث البيئية كما كان سابقاً، أو كما يحدث الآن..فما الذى تغير بعد انقضاء الجائحة؟! لقد عادت المصانع لتعمل بضعف طاقتها التشغيلية، وانهمر الناس فى كل مكان فعادت معهم حرائق الغابات المدمرة والأدخنة الخانقة والعوادم والضباب والدمار..

تلك هى الصورة واضحة جلية تحدد الفروق بين حالتين على طرفى نقيض.. الإنسان وقد كف يده عن الطبيعة كما فى كورونا، ثم حالنا اليوم وقد جعلنا الطبيعة كأنها العدو الأول، وما كوارثها إلا ردة فعل طبيعية لما أحدثناه بها من ضرر!

المستقبل المجهول!

تفسير ما يحدث جعل العلماء يضربون فى كل باب ضرب التخبط وانعدام اليقين..

علماء ربطوا بين التغيرات الحادة التى تحدث فى المجال المغناطيسي لمركز الأرض وبين التغيرات المناخية، وأكدوا أن ثمة ما يشبه التطابق بين الرسوم البيانية لقوة طاقة الأرض وبين درجة التغير المناخى..وأن هناك علاقة كبيرة بين ما يحدث فى باطن الأرض وبين ما يجرى على سطحها..هذا أحد التفاسير..

تفسير آخر يتحدث عن علاقة الكواكب والأجرام المحيطة بالأرض وبين مناخها..والدليل أن القمر له تأثير يومى على الكوكب فى ظاهرة المد والجزر وغيرها من الظواهر..هذا الاتجاه لتفسير التغيرات المناخى ربط بين حركة المذنب هالى ومدى اقترابه من الأرض أثناء رحلته المدارية كل مائة عام، وكيف أن اقترابه من الأرض يتزامن دائماً مع ارتفاع معدلات الكوارث الطبيعية..

أما أغلب الخبراء فيحذرون من مغبة استمرار الإنسان فى هدم بيئته بيده، وأن الاحتباس الحرارى هو الأصل وراء كل الشرور، والاحتباس لم يتحقق إلا بسبب العوادم والأبخرة والغازات الصادرة من المصانع والمركبات والآلات أى أنها من صنع الإنسان وبسبب نشاطه المخل بالتوازن البيئي..

إن مستقبل البشرية بات رهناً باختياراتنا وسلوكياتنا..وإذا ظل البشر على ما هم فيه من إفساد للبيئة وانتهاك للطبيعة وخروج على المنهج فقل على الدنيا السلام.

***

د.عبد السلام فاروق

دائما ما يقال أن الفرق بين الإعصار والعاصفة يعود إلى سرعة الرياح، حيث نجد سرعة رياح الإعصار أكثر من 118 كم في الساعة، فإذا انخفضت في أقل 70 كم في الساعة، يصبح الإعصار عاصفة، واليوم أتحدث عن إعصار دانييل الذي ضرب دولة ليبيا الشقيقة، فمنذ ليلة العاشر من سبتمبر الجاري، يعيش الشرق الليبي أياما عصيبة، فقد وصل الإعصار دانييل إليه قادما من اليونان، بعد أن ضربها وخطف الكثير من الضحايا، حيث شاهدنا سيول جارفة سحبت معها الأخضر واليابس، وأزالت قرى ومدنا للأبد، وأحياء سكنية اختفت بالكامل، وتطاير الحطام، وحاصرت مياه السيول المواطنين، وغمرت المياه البيوت، وانهارت الطرق، وقطعت المواصلات .

نعم هنا في شرق ليبيا الذي خرجت منه نداءات الاستغاثة والنجدة بعد أن فعل الإعصار دانييل فعلته في أراضي الليبيين .. ألفان قتيل وآلاف المفقودين، والعدد في ارتفاع مستمر، ولهذا رأينا ليبيا تعلن الحداد، وذلك بعد أن شاهدت رعب السماء.

مدن وقري في شرق ليبيا عاشت ساعات من الرعب، لاتزال مستمرة حتى اليوم، فقد غمرت المياه مناطق كاملة، وحاصرت المدنيين فيها، وسط عجز بتوجيه نداءات الاستغاثة .. الأضرار الكبرى تركزت في " درنة" و" مناطق الجبل الأخضر" و" ضواحي المرج"، وخلفت وراءها أضرارا مادية ضخمة، حيث دمرت الممتلكات العامة والخاصة، وقالت مصادر في وزارة النقط الليبية أن مواني " رأس لانوف"، " زيليتين"، " البريقة"، " السدرة "، قد أغلقت منذ ثلاثة أيام تخوفا من الإعصار الذي قد يؤدي لأضرار أكبر في حال كانت تعمل.

وعلى ضوء الكارثة، أعلنت الحكومة الليبية الحداد التام لمدة ثلاثة أيام، فيما قال نائب رئيس الحكومة الليبية " إن ما حدث في مدينة درنة في الشرق بالتحديد، لا يعد نكبة، بل هو كارثة بكل معنى الكلمة، إذ أكد أن آلاف المفقودين، لم يُعثر عليهم في المدينة، مع انتشار الجثث في الشوارع، تزامنا مع استمرار السيول الجارفة ما يصعب عملية سحب الجثث، أو إنقاذ المفقودين .

ومع خروج استغاثة من مدينة" درنة" تطالب بالتدخل الدولي، مساعدة في انقاذ من تبقى من السكان، وبوضع أقل كارثية، كان المشهد في مدينة سوسة التي غمرتها المياه هي الأخرى وأخفت مناطق كاملة، حيث ظهر السكان، وهم يحاولون توحيه نداءات الاستغاثة من على السيارات، وعلى ضوء الكارثة .

ومع تصاعد المطالب بالعون، أعلنت عددا من الدول العربية تضامنها مع ليبيا، حيث وجه رئيس دولة الإمارات العربية " الشيح محمد بن زايد" بإرسال مساعدات إغاثية عاجلة، وفرق بحث وإنقاذ إلى ليبيا للوقوف بجانب الشعب الليبي والمساعدة بمواجهة آثار الإعصار، كما أعلن الرئيس المصري " عبد الفتاح السيسي" تضامن بلاده مع ليبيا، ووجه بتقديم كل الدعم اللازم لهم، وعلى ذات الطريقة وجه " تميم بن حمد" – أمير قطر – بإرسال المساعدات العاجلة للمناطق المتأثرة من الإعصار، ثم لحقت الأردن بركب الملبين للنجدة لترسل المزيد من الدعم لليبيا .

الحصيلة النهائية حتى لحظة كتابة هذا المقال ـشارت لوجود أكثر من ألفي قتيل، إضافة إلى ستة آلاف مفقودا أغلبهم من مدينة " درنة" التي أعلنتها الحكومة الليبية منطقة منكوبة، وفتحت المجال للتدخل الدولي فيها.

وبالتزامن مع استنفار ليبيا في الشرق جراء إعصار دانييل الذي، التي ضربها، وصلت العاصفة دانييل إلى مصر يوم الإثنين، وضربت محافظتين في شمال البلاد هما: مرسى مطروح والإسكندرية، فقد غطت العاصفة مناطق الحدود المصرية غرب البلاد، وشملت مدن السلوم وسيوة ومطروح، والاسكندرية، وبينت القنوات المختلفة من صور الأقمار الصناعية شكل العاصفة التي طرقت الأبواب المصرية، وأظهرت طبقات من السحب المختلفة والأتربة المصاحبة لها، كما أظهرت تأثر غرب البلاد، ولكن في هيئة منخفض متعمق يصاحبه نشاط رياح مثير للرمال والأتربة في شمال البلاد، حتى شمال الصعيد، فضلا عن سقوط الأمطار على مناطق السلوم ومطروح وسيوة لتمتد إلى الاسكندرية مساء .

كما أوضحت هيئة الأرصاد الجوية ببيان يوم الاثنين أنه من المتوقع أن تتقدم الرمال المثارة لتؤثر على مناطق من شمال الصعيد والوجه البحري والقاهرة الكبرى مع تقدم الوقت، وذكرت أن السحب ستبدأ بدخول البلاد، حيث يصاحبها سقوط الأمطار، التي قد تكون غزيرة ورعدية على أقصى مناطق الغرب، مضيفا أن العاصفة فقدت معظم قوتها بعد وصولها لليابسة في ليبيا، ولذلك يكون تأثيرها مختلف تماما على الأراضي المصرية، كما حذرت من تعرض البلاد ولمدة 72 ساعة قادمة في حالة عدم الاستقرار في الأحوال الجوية على مناطق من غرب البلاد إلى شمالها، وكانت السلطات المصرية نبهت يوم الأحد الماضي من مخاطر العاصفة دانييل إلى البلاد، بعدما وصلت السواحل الليبية، قادمة من اليوم مؤكدة أن العاصفة التي بدأت تخوض وضع الدوران حول مركز منخفض لتشكل عينا مغلقة، ولتكون بذلك قد فقدت الكثير من قوتها.

والإعصار دانييل قد ضرب الأسبوع الماضي كل من اليونان، وتركيا، وبلغاريا، وكانت أضراره الكبرى في اليوم، حيث قتل 15 شخصا فيها، جراء أشد عاصفة ممطرة تشهدها البلاد منذ عام 1930، كما أدى الانهيار منازل وجسور كثر في اليونان، ودمر معها عددا من المدارس والطرق وأعمدة الكهرباء تحديدا في سهل " فيساليا " الخصب تحديدا والتي ماتت فيه الكثير من المحاصيل، وأعلنت السلطات اليونانية حينها أنها أجلت  4150 شخصا.

والإعصار دانييل لم يتم التمكن من تحديد قوته بعد، لكنه يُصنف من الأعاصير الأقوى في العالم، ويتراوح قطره بين 250 كم ويسبب أمطارا غزيرة على شكل دائري تؤدي بعد ذلك لفيضانات كبيرة، وقد ظهر للمرة الأولى في عام 2006 قبالة سواحل المكسيك، ويعتبر إعصارا نادر الحدوث، كونه يتشكل من استوائية مدارية .

وخبراء المناخ قالوا إن سبب الإعصار هو ظاهرة الاحتباس الحراري مؤكدين أن العالم مقبل المزيد من الأعاصير بسبب تلك الظاهرة، حيث تتبخر المياه بشكل أكبر خلال فصل الصيف بسبب ارتقاع درجات الحرارة بشكل جنوني، ما يؤدي لعواصف شديدة تضرب العالم مع نهاية الصيف، وقد شهد العالم في الأسابيع الأخيرة، ظواهر مناخية، وُصفت بالمتطرفة، منها فيضانات في الدول الاسكندنافية، وجنوبي شرقي أوروبا، على الرغم من تسجيل أغسطس كأكثر الشهور شفافا في الهند، وكارثة ليبيا تأتي بدع أيام قليلة من زلزال المغرب الذي خطف الكثير من الضحايا وأودى بالكثير من الدمار .

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

......................

المراجع:

1- قناة ستيب نيوز:  ليبيا تحت رحمة السماء... إعصار دانيال يترك الشرق منكوباً.. فيديو.

2- مونت كارلو: "دانيال"... مسار عاصفة استوائية تحولت إلى إعصار فخلفت مأساة إنسانية ... كيف تشكلت؟ وأين ذهبت؟.

راقب العالم بأهتمام كبير اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والذي استمر خمس ساعات في قاعدة فوستوشني الفضائية، و أيد فيه رئيس كوريا الشمالية، موقف موسكو في أوكرانيا، وأعرب أيضا عن أمله في تعزيز العلاقات الثنائية، والسؤال ماذا يعني بالنسبة لروسيا تكثيف التعاون مع كوريا الديمقراطي؟

وخلال زيارته لروسيا، والتي من المفترض ان يزور فيها أون، أيضا المدن الروسية فلاديفوستوك وكومسومولسك و أمور، قال الزعيم الكوري الشمالي، إن موسكو صعدت إلى صراع " مقدس "ضد قوى الهيمنة من أجل حماية سيادتها وأمنها، وأعرب عن أمله في أن يقاتل البلدان دائما معا ضد الإمبريالية، وبناء دول ذات سيادة، واعرب أيضا عن ثقته من انتصار الجيش وشعب روسيا على "تجمع الشر"، الذي يحمل أوهاما حول الهيمنة على العالم، والاعراب عن استعداده لبناء علاقات مستقرة وموجهة نحو المستقبل مع موسكو.

والرئيس الروسي الذي عبر عن ارتياحه للزيارة، اكد إن المحادثات كانت مثمرة وصريحة، والتشديد على أن الحوار الثنائي تضرر بشكل كبير بسبب جائحة الفيروس التاجي، "عندما كانت كوريا الديمقراطية مغلقة بالفعل عن العالم الخارجي"، ومع ذلك، بعد مثل هذا الوضع الوبائي الصعب، سيتعين على التفاعل بين موسكو وبيونغ يانغ تحقيق اختراق آخر.

وكشف بوتين أيضا إن رئيس كوريا الشمالية الذي سيزور فلاديفوستوك بعد المحادثات، حيث يتواجد فيها وحدة عسكرية تحت إشراف وزارة الدفاع، ووجودها مرتبط في إظهار قدرات أسطول المحيط الهادئ، وبعض القضايا المتعلقة بالبيئة والتعليم، في غضون ذلك يعتقد مجتمع الخبراء، أن المفاوضات كانت بمثابة أساس متين لمواصلة تطوير الحوار بين موسكو وبيونغ يانغ، خصوصا وأن الطرفين يتفقان على العديد من القضايا الملحة، وأن تعزيز تفاعل روسيا مع الحلفاء الآسيويين سيسمح ببناء خط كامل من الرد المضاد للشركاء الغربيين في المنطقة.

وبنتائج المباحثات بين بوتين واون، فان موسكو ستواصل بناء علاقات متبادلة المنفعة مع بيونغ يانغ، على أساس مبدأ الفوائد للجانبين، على الرغم من أي صيحات وتصريحات خارجية، بالإضافة إلى ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن المباحثات التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون كانت غنية المحتوى، وانه وبشكل عام، كانت المباحثات مهمة للغاية، ولا شك في أن وصول كيم جونغ أون إلى روسيا يعتبر من الأحداث المهمة جدا من وجهة نظر العلاقات الثنائية، و إن القادة ناقشوا إمكانية إرسال ممثل لكوريا الديمقراطية إلى الفضاء.

ويرى الخبراء انه من المفيد للغاية بالنسبة لكوريا الشمالية أن تكون إلى جانب روسيا الآن، وقال ستانيسلاف تكاشينكو، أستاذ قسم الدراسات الأوروبية في كلية العلاقات الدولية بجامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، وهو خبير في نادي فالداي، لصحيفة " فزغلياد"، " إذا اضطرت موسكو في وقت سابق إلى دعم العقوبات ضد بيونغ يانغ، فمع بدايتها، فقدت كل معانيها"، وعلى ما يبدو، سيتم الآن التعاون مع كوريا الديمقراطية في عدة اتجاهات في وقت واحد، الأول دبلوماسي، حيث ستدعم كوريا الشمالية موقف روسيا على المستوى الدولي، و المجال الثاني عسكري، فبيونغ يانغ هي أكبر منتج للأسلحة.

وستبدأ الدولتان أيضا في إقامة علاقات اقتصادية، على سبيل المثال، يمكن لروسيا توفير الإمدادات الغذائية لكوريا الديمقراطية، وهذه المسألة مهمة جدا في الوقت الحالي، وقد تمنح موسكو أيضا العمال الكوريين الشماليين الفرصة للعمل في الشرق الأقصى، بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تساهم روسيا في برنامج الفضاء الخاص بكوريا، وهذا هو المجال الرابع، وليس من قبيل المصادفة أن الاجتماع عقد في قاعدة فوستوشني الفضائية.

ومن المهم أيضا أن تدعم روسيا سرد كوريا الديمقراطية حول المكون الأيديولوجي للصراع مع الدول الغربية، وبالنسبة لنظام التدابير التقييدية للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تعد روسيا جزءا منها، فإن كل شيء سيعتمد على الاتجاهات التي سيتطور فيها التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية، وإن مثل هذه البادرة الدبلوماسية ستكون بلا شك موضع تقدير في كوريا الديمقراطية، وقد اكد وزير الخارجية الروسي، في لقاء تلفزيوني، إنه تم تبني العقوبات الدولية السابقة ضد كوريا الشمالية في بيئة جيوسياسية مختلفة تماما عن الوضع الحالي، لذلك فإن روسيا لن تسمح بعد الآن بفرض عقوبات على كوريا الشمالية.

وتؤكد روسيا ان الدول الغربية كانت قد وعدت بأن يتم بالتوازي مع مسار العقوبات، تنفيذ المسار السياسي وحل القضايا الإنسانية في كوريا الشمالية، لكن تبين أن هذه الضمانات والوعود كاذبة، وهذا التنصل من الوعود يؤدي إلى إفشال محاولاتها لإصدار قرار ضد كوريا الشمالية عبر مجلس الأمن الدولي، وأشار لافروف، الى أن الولايات المتحدة رغبت في مايو 2022 بتمرير قرار دوري لمجلس الأمن الدولي حول العقوبات ضد كوريا الشمالية، لكن روسيا لم تسمح بذلك.

وبشكل عام، كان الاجتماع بين بوتين وكيم جونغ أون ناجحا، فقد أعرب الطرفان وبوضوح عن اهتمامهما بالعمل معا ودعم كل منهما الآخر، بالإضافة إلى ذلك، تسببت هذه الزيارة في الغرب بالفعل في مخاوف حقيقية بشأن آفاق التقارب بين الدول، وهو أيضا مؤشر مهم، وإن التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية يجعل المرء يتساءل عما إذا كانت موجة من القيود الاقتصادية الجديدة من الولايات المتحدة ستتبع ذلك، واذا كان الحديث عن الإمدادات الغذائية، فمن الممكن تماما أن تحول روسيا تركيز الانتباه إلى حقيقة أن هذه إمدادات إنسانية تحل مشاكل الأمن الغذائي لكوريا الديمقراطية وتلبي المصالح الإنسانية، وبشكل عام، قد لا يكون هناك تناقض جذري مع نظام عقوبات الأمم المتحدة في هذا الشأن .

وبشكل عام، يمكن وصف زيارة كيم جونغ أون لروسيا بأنها ناجحة للغاية، والمفاوضات التي جرت هي واحدة من تلك الحالات النادرة في السياسة الدولية عندما يمكن بالفعل اعتبار حقيقة الاجتماع مهمة للغاية، فعلى الرغم من مصاعب العالم الخارجي، تمكن قادة الدولتين من إيجاد وقت في جدول مزدحم للتحدث وجها لوجه، وهذا يؤكد ان العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ تزداد قوة كل يوم، ويمكن اعتبار ذروة هذه العملية تحقيق اتفاقيات بشأن إطلاق الأقمار الصناعية الكورية وشركات الطيران الروسية، وهذا يدل على أعلى مستوى من الثقة بين الطرفين، ويجلب رمزية خاصة للاجتماع في قاعدة فوستوشني الفضائية، بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه المبادرات للدبلوماسية الروسية، تعطي زخما لزيادة التعاون في إطار مثلث روسيا والصين وكوريا الشمالية، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة، إنشاء ما يسمى بحلف شمال الأطلسي الآسيوي، يصبح هذا مهما بشكل خاص وسيؤثر على توازن القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ .

الزيارة برمتها، نسفت جميع التحليلات الغربية، والقصص والخرافات التي ساغها الاعلام والمسئولين الغربيين، والتهديدات الامريكية في حال التعاون العسكري بين البلدين، وبهذا تعتزم روسيا تطوير العلاقات مع كوريا الديمقراطية في جميع الاتجاهات الممكنة، ومع ذلك، لا تزال القيود قائمة، ويمكن استخلاص مثل هذا الاستنتاج من المحادثات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حيث تعتزم روسيا الامتثال لعقوبات الأمم المتحدة المفروضة على التعاون العسكري التقني مع كوريا الديمقراطية، على ما يبدو، فإن الجيش الكوري الشمالي لن يذهب إلى منطقة الصراع الروسي الأوكراني، وباختصار، سوف يتعاون البلدان، ولكن بطريقة لا تضر باتصالاتهما الدولية المتبقية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

حدثان مهمان في روسيا، جلبتا انتباه العالم، الأول هو القلق الكبير الذي احدثه وصول الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بقطاره المدرع الى روسيا، والترقب لما ستؤول اليه نتائج لقاءه مع الرئيس فلاديمير بوتين، المتواجد في الشرق الروسي، والتهديدات الامريكية بفرض العقوبات اذا أرسلت كوريا الشمالية أي أسلحة إلى روسيا، باعتباره انتهاكا مباشرا لقرارات مجلس الأمن الدولي، الامر الذي سخر منه المتحدث باسم الكريملين الذي قال " إن ما يهم الدولتين هو مصالحهما وليس تحذيرات واشنطن"، والاشارة الى ان روسيا ستواصل تعزيز علاقات الصداقة مع كوريا الشمالية.

القطار المدرع الخاص بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بعرباته الخضراء مع الخطوط الصفراء، غادر بيونغ يانغ عصر الأحد، وصل إلى روسيا عبر جسر فوق نهر رازدولنايا في إقليم بريموريه، لم يقلق الولايات المتحدة وحدها، بل ان ذلك القلق قد دب في قلوب اليابانيين أيضا، والجارة الكورية الجنوبية، خصوصا وأن وزير الدفاع، سيرغي شويغو، سيشارك في محادثات الرئيس بوتين مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، لكن من غير المخطط عقد اجتماع منفصل بين وزيري الدفاع الروسي والكوري الشمالي.

وفي اليابان وبعد ان عبر أمين الحكومة اليابانية هيروكازو ماتسونو، عن قلق طوكيو من هذه الزيارة بما ذلك تأثيرها المحتمل على الوضع في أوكرانيا، فقد أكد وزير الخارجية الياباني، يوشيماسا هاياشي، ان حكومة بلاده تواصل جمع وتحليل المعلومات بدرجة عالية من الاهتمام، والخاصة بزيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا، وعلق على زيارة كيم جونغ أون إلى روسيا لبحث التعاون العسكري المزعوم، أما بالنسبة لتفاصيل أو نتائج القمة بين زعيمي كوريا الشمالية وروسيا، "فنحن كحكومة يابانية لسنا في وضع يسمح لنا بإعطاء أي إجابة في هذا الشأن"، وبالرغم من ذلك، فإن أي نقل للأسلحة من كوريا الشمالية يتعارض مع أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي، وتنوي بلاده متابعة التطورات عن كثب لمعرفة ما إذا كانت هناك أي انتهاكات في هذا المجال.

أما في كوريا الجنوبية والتي لازالت تحتفظ باتصالات مع روسيا، بالرغم من أنضمامها إلى العقوبات، فإن موسكو بحسب تعبير نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، تبقي سيئول شريكا تجاريا لها، ولدى الروس والجنوبيون مصالح مشتركة من وجهة نظر استقرار الوضع في شمال شرق آسيا وشبه الجزيرة الكورية، أما بشأن القلق الذي عبرت عنه كوريا الجنوبية، فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، أن روسيا مستعدة لإبلاغ سيئول بنتائج زيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا في حال تلقي طلب بذلك منها، وقال "لديهم سفارة في موسكو، وإذا أرادوا، يمكننا تقديم المعلومات المتوفرة لدينا".

والحدث المهم الآخر هو كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي المنعقد الآن في فلاديفوستوك، والتي وجه خلالها رسالتان مهمتان، الأولى الى أوكرانيا، اكد فيها إن روسيا تعمل على تطوير أسلحة تعتمد على مبادئ فيزيائية جديدة، وقال " ان الأسلحة المبنية على مبادئ فيزيائية جديدة ستضمن أمن أي دولة في المستقبل التاريخي القريب”، ودعا كييف الى الاحتكام الى لغة العقل والجنح الى السلام، خصوصا في الوقت الراهن، في ظل خسائرها الجسيمة في الهجوم المضاد، والذي كلفها مقتل اكثر من 70 ألف عسكري حتى الان، دون تحقيق أي نتائج وأن الأسلحة الغربية، ولن تغير في مسار العملية العسكرية الروسية، وحتى اذا حصلت على الطائرات الامريكية أف 16، فإنها لن تغير من واقع الإنجازات العسكرية الروسية على طوال مواقع القتال .

وغالبًا ما يعني هذا النوع من الأسلحة تطوير تقنيات جديدة نوعيًا لم تكن مستخدمة من قبل، وتشمل هذه الأسلحة الليزر والأشعة فوق الصوتية والترددات الراديوية وأنواع أخرى من الأسلحة، وفي السابق، استخدمت روسيا الأسلحة التي وفرت ميزة على القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة المنطقة العسكرية الشمالية، وتم اختبار مكرر السحابة للطائرات بدون طيار بنجاح، وتتمثل ميزتها في أنه أثناء التطوير، تحول المتخصصون إلى ترددات أخرى، مما سيحمي سلامة مشغلي الطائرات بدون طيار.

وخاطب الرئيس الروسي الولايات المتحدة الامريكية، بالكف عن المطالبة في وقف اطلاق النار، فالأجدر بواشنطن مطالبة زيلينسكي أولا، الغاء القرار الذي أصدره من قبل بمنع التفاوض مع روسيا حول السلام، ومن ثم البدأ بمفاوضات جدية حول وقف العمليات العسكرية، ولكن على ما يبدو من وجهة نظر الرئيس الروسي ان القيادة الأوكرانية لا تهتم بمصير شعبها، والا كيف يطلب من موسكو بوقف العمليات العسكرية، في الوقت الذي يشن العدو هجومه المضاد، كما أن الولايات المتحدة تفعل كل شيء من أجل مصالحها دون أي اعتبارات أخرى، يوفرون القنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم المنضب ويضربون بعرض الحائط كل المبادئ، وان إدارة البيت الأبيض أعلنت من قبل أن استخدام القنابل العنقودية تعد جريمة حرب، والآن يوفرون هذه القنابل لأوكرانيا.

وجاءت دعوة الرئيس الروسي القيادة الأوكرانية للسلام، جاءت متزامنة مع خروج أوكرانيا عن طورها، وبدأت بكيل سيلا من الإهانات لبعض الدول الكبرى والعديد من المنظمات الدولية الرئيسية، واعتبر ميخائيل بودولياك مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الأمم المتحدة، بأن الأمم المتحدة في الواقع منظمة غائبة تماما، وهي عبارة عن مكتب لجماعات الضغط (لوبي) لكسب المال، من أجل شيخوخة جيدة للأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية هناك، وان الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، كلها "منظمات وهمية تلوث وعينا بتقييمات تافهة كالقمامة".

وفي حديث مع مجلة "الطبعة الجديدة" الأوكرانية، أشار بودولياك إلى أن الهند والصين تتمتعان بإمكانات ذهنية ضعيفة، لأن هاتين الدولتين، على حد تعبيره، "لا تقومان بتحليل عواقب خطواتها"، وقال: "ما هي مشكلة الهند والصين؟ مشكلة مثل هذه الدول هي أنها لا تحلل العواقب المترتبة على خطواتها، وللأسف إمكانياتها الفكرية متدنية جدا، فهذه الدول اليوم تجني الأموال من هذه الحرب، تجني الأموال بشكل فعال، تماما مثل الجمهورية التركية، وهذا من حيث المبدأ -مصالح وطنية، ولهذه العبارة وقع جميل – "ونحن نلتزم باحتياجات مصالحنا الوطنية"، وأشار إلى أن هذه الدول تستثمر بشكل فعال في العلوم، فالهند، على سبيل المثال، "تمشي بالفعل على سطح القمر، ولكن هذا لا يعني أن هذا البلد يفهم بالضبط ما هو العالم الحديث" .

وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤولون أوكرانيون بتصريحات فاضحة ووقحة، ففي أكتوبر 2022، أقال فلاديمير زيلينسكي سفير أوكرانيا لدى كازاخستان بيوتر فروبلفسكي، الذي أدلى ببيان حول ضرورة قتل الروس، وتمت إقالة أندريه ميلنيك من منصب سفير أوكرانيا في برلين، بسبب تصريحاته اللاذعة غير المحتشمة، ففي الربيع الماضي قام بتشبيه المستشار الألماني أولاف شولتس بـ"المرتديلا السيئة"، وفي أكتوبر، شتم إيلون ماسك ردا على خطته المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا.

والرسالة الثانية التي وجهها الرئيس الروسي في تصريحاته، كانت موجهة للغرب بشكل مباشر، والعالم بشكل عام، لفتح اعينهم امام "الاستثمار في روسيا باعتباره الأفضل والأكثر أمانا"،وقال ان تجميد الموارد الروسية، لم تكن مشكلة بحد ذاتها، فقد تمكنت روسيا من صنع ضعف ما قاموا بتجميده، وإنما المشكلة في حدوث شرخ في الثقة، والتشديد على انه لن يكون هناك أي تأميم أو أي إلغاء للخصخصة في روسيا، ويجب ألا يخاف رجال الأعمال من أي إجراءات من جانب الدولة، ولكن يجب عليهم الالتزام بقوانين الدولة، وهناك امتيازات على مستوى الجمارك والضرائب داخل روسيا لمساعدة أوساط الأعمال في الشرق الأقصى، وأشار الى عودة سلاسل الإنتاج للعمل بطبيعية، وعودة العملة الوطنية للارتفاع، وانه يجب على روسيا أن تتفق مع أوساط الأعمال باعتبار ان العمل داخل روسيا أكثر أمانا، حتى "لا نقع في نفس الجحر مرتين".

وخصصت روسيا وفقا للرئيس بوتين،  2.3 تريليون روبل (حوالي 24.4 مليار دولار) لمشاريع تطوير المناطق في الشرق الأقصى، وارتفع حجم التجارة بين روسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 13.7% على مدى العام الماضي، وبنسبة 18.3% خلال النصف الأول من العام الجاري، وان ديناميكيات الاستثمار في الشرق الأقصى أسرع بـ 3 مرات من ديناميكيات الاستثمار في عموم روسيا، لذلك ان الشرق الأقصى اليوم هو أولوية استراتيجية لروسيا خلال القرن الحادي والعشرين،بالإضافة الى ان روسيا تقوم بمد الغاز إلى المناطق الشرقية ونعمل على تأمين الطاقة النظيفة لهذه المناطق، وان مشروع "أركتيك للغاز المسال-2" يعتمد على تكنولوجيا روسية، وليس له مثيل في العالم، وبفضله سيتضاعف إنتاج الغاز المسال في روسيا بفضله بنحو ثلاث مرات ما سيعزز القدرة الصناعية والإنتاجية لروسيا، ومن المتوقع أن يزاد إنتاج الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي 3 أضعاف ليصل إلى مستوى 64 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

تنويه: اعلن رئيس هيئة النزاهة عن دعوة رئيس الوزراء بان يكون للمواطن دور بمحاربة الفساد.. ويأتي هذا المشروع تلبية لهذه الدعوة آملين أن تصل الى دولة رئيس مجلس الوزراء، منوهين الى أن اشرس المعارك التي تواجه العراق هي معركته مع الفساد، وهي مخيفة! بدليل ان رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي اعترف علنا بأنه لا يستطيع مكافحة الفساد لأنه لو كشف ملفاته لأنقلب عاليها سافلها. وحين تلاه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وعد بأصرار بانه سيضرب الفساد بيد من حديد ثم اعترف علنا في (27 /11/ 2017) بأنه غير قادر، لأن الفساد (مافيا.. يملكون المال، فضائيات، قدرات، يستطيعون ان يثبتوا انهم الحريصون على المجتمع، وهم الذي يحاربون الفساد، ولكنهم آباء الفساد وزعماء الفساد). ختمها رئيس هيئة النزاهة السيد حيدر حنون بتصريح في (3 /5 / 2023) بان الفاسدين (قادة، وجنود، ومشجعين يدافعون عنهم، وانهم يتسابقون على سرقة أموال الدولة)، ليؤكدوا حقيقة ان الفاسدين اصبحوا دولة داخل دولة.. تخيف أي رئيس وزراء يحاول التحرش بهم، وآخرهم السيد مصطفى الكاظمي، الذي حصلت في زمانه سرقة القرن بمليارات الدولارات! وتكتم عن كشف الحقيقة كاملة.. ما يعني ان محاربة الفساد تحتاج الى متخذ قرار شجاع وحازم وذكي واستثنائي يعتمد مشروعا علميا، وهذا ما يتمناه العراقيون للسيد محمد شياع السوداني.

تشخيص الأسباب.. الخطوة الأولى

في العلم، لا يمكن معالجة أية ظاهرة دون معرفة أسبابها، وتعد أستطلاعات الرأي أحد اهم أساليب البحث العلمي في التشخيص، ولهذا استطلعنا الرأي عن اسباب شيوع الفساد في العراق، نوجزها بالآتي:

* المحاصصة (وقد ادانها السيد السوداني في خطابه بتاريخ 7 آب 2023)،

* غياب الرقابة المالية،

* عدم تطبيق القانون وضعف استقلالية القضاء،

* عدم وجود موقف حازم للمرجعية الدينية.

والشرط الثاني لنجاح المشاريع العلمية لمعالجة ظواهر خطيرة.. الأستفادة من تجارب عالمية مماثلة ناجحة. ويعد كتاب: (الفساد.. مبادرات تحسين اﻟﻨـﺰاهة في البلدان النامية) الصادر عن الأمم المتحدة بعنوان (برنامح الأمم المتحدة الأنمائ ومركز التنمية الأقتصادي في منظمة التعاون الأقتصادي والتنمية) افضل مصدر عن التجارب الناجحة في مكافحة الفساد ومنها:الهند، المكسيك، الولايات المتحدة. ومع ان تجربة ماليزيا تعد الأنجح في (الدور التنموي للدولة في مكافحة الفساد)، فأننا اخترنا تجربة سنغافورة لكونها انجح هذه التجارب، والأنسب للأستفادة منها في العراق.

عوامل نجاح تجربة سنغافوره

عزا رئيس وزراء سنغافورة الأسبق «لي كوان يو» هذا النجاح إلى ثلاثة:

- إصدار قانون متكامل لمحاربة الفساد،

- انشاء "مكتب التحقيق في ممارسة الفساد" وقيامه بمهامه على الوجه الأمثل،

- وتعاون المواطنين في الإبلاغ عن حالات الفساد.

وكان السبب الرئيس الذي ابهر العالم في نجاح التجربة هو الأجراءات الذكية التي اعتمدت في تنفيذ التشريعات التي تضمنها "قانون مكافحة الفساد".. نوجز اهمها بالآتي:

- توفر إرادة سياسية جادة وصادقة وحازمة في اقرار قانون فعاّل وعملي لمكافحة الفساد،

- تأمين نظام قضائي كفوء ونزيه وسريع،

- تأمين جهاز اداري مهني لتنفيذ قرارات القضاء،

- واشاعة الوعي بين المواطنين بان مكافحة الفساد واجب وطني وديني واخلاقي.

وبهدف الوقاية من الفساد، شخّص رئيس الوزراء بذكاء وجرأة بقراره في ان تكون لدينا «إدارة نظيفة clean administration " لأننا أصبنا بالاعتلال والمرض بالجشع والفساد وانحطاط كثير من الزعماء الأسيويين، فلقد أصبح المقاتلون من أجل الحرية لشعبهم ناهبين لثرواته، واكدنا أن كل دولار من الإيرادات سوف يتم المحاسبة والمساءلة عنه على نحو ملائم، ويتم توصيله إلى المستفيدين على نحو حقيقي».

وكان اهم درس بتجربة سنغافورة، أنها قامت بتشكيل هيئة تتبع رئيس الوزراء ويعين أعضاؤها بقرار منه بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، تتولى دون غيرها جمع الاستدلالات والتحقيق في إعطاء سلطات واسعة لأعضاء هيئة مكافحة الفساد في الكشف عن الجرائم. ولا يحق لأي مسئول بالدولة أن يعيق أو يتداخل أو يؤثر على عملية اتخاذ القرار أو التحريات أو التحقيقات التي يقوم بها مكتب التحقيقات (Corrupt practices Investigation Bureau) الذي منحت له كامل الصلاحيات في استدعاء اي فرد مهما كان منصبه في الدولة او ثقله السياسي للمثول امامه والأجابة على اية اسئلة او استفسارات.مثال ذلك.. إذا كان أحد الأفراد مسئولاً مدنيـًا راتبه الشهري 500 دولارا ولديه سيارة BMW ولدى زوجته سيارة مرسيدس، ويمتلك منزلاً بقيمة 5 مليون دولار، فان عليه ان يمثل امام مكتب التحقيقات ويجيب عن سؤال: من أين لك هذا؟. فان ثبت ان ما لديه كان مالا غير مشروعا، فانه تتم مصادرته وتطبق بحقه قوانين صارمة تعتبر الفساد ليس فقط مجرد جريمة ارتكبها ذلك الشخص، وانما ضد من اعطاه تلك الأموال ايضا.

والجميل، ان مكتب التحقيق حدد اجراءات مكافحة الفساد بعشرة، تصدرها اجراء فيه بعد سيكولوجي كان بالنص: (عدم السماح للمفسدين بالتمتع بما حصلوا عليه من مكاسب غير مشروعة، وفضحهم بجعل الناس تنظر لهم بوصفهم عارا على المجتمع).

ان تجربة سنغافورة تعدّ انموذجا بمكافحة الفساد، غير انه لا يصح نقلها كما حدثت، فظروف العراق وحجم الفساد وتنوع قواه السياسية وتعدد الفصائل المقاتلة وظروفه الأمنية وتدخلات دول الجوار وقوى عالمية ومتغيرات اخرى، تحول دون تطبيقها كما حدثت، فضلا عن ان سنغافورة بلد صغير نسبيا ونفوسها بقدر نفوس بغداد!. غير ان هنالك مباديء رئيسة ينبغي الألتزام بها يتصدرها مطلب اساسي يتمثل بأن تكون هنالك نية صادقة ونزاهة كاملة وحزم صارم.. واستراتجية علمية لمن يتصدى لأخطر ظاهرة واعقدها في تاريخ العراق الساسي.

اجراءات المشروع

يعتمد المشروع العلمي ، كهذا، على استراتيجية تطبق على مراحل.. نوجز اهم اجراءاتها بالآتي:

ـ تشريع قانون خاص بمكافحة الفساد والوقاية منه، يتضمن عقوبات مشددة، يشارك في صياغته قضاة مستقلون يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة.

ـ اصلاح النظام القضائي بما يولّد الثقة عند العراقيين بانه قد اتخذ الاجراء العملي لمكافحة الفساد، تبدأ بتعديل المادة 136 من قانون المحاكمات الجزائية التي منحت الوزير صلاحية ايقاف الاجراءات القضائية بحق من يشغل منصبا ادنى من الوزير، والتي تعني عدم امكانية استدعاء وكيل الوزير او المدير العام حتى لو كانت عليه قضية فساد مالي. اذ وصف تقرير دولي مؤلف من (82) صفحة النظام القضائي العراقي بأنه " ضعيف ومرعب وعرضة للضغط السياسي"، ويحدد بالارقام حالات الفساد في الوزارات بينها، أن "من بين 169 شكوى في وزارة الدفاع، أحيلت ثمان منها فقط إلى المحكمة ولم تتم إدانة إلا شخص واحد فقط، وأنه من مجموع 154 حالة فساد تم التحقيق فيها بوزارة النفط أحيلت 19 قضية فقط إلى المحاكم، تم اتهام اثنين فقط في حين تمتع خمسة آخرون بالحصانة الممنوحة لهم " ما أكسب الوزارة سمعة كونها أكثر الوزارات فساداً. "

ـ إنشاء مكتب تحقيقات خاص بعمليات الفساد من شخصيات كفوءة ومستقلة سياسيا تابع لرئيس مجلس الوزراء، يتمتع بصلاحيات مطلقة باستدعاء أي مسؤول او شخصية سياسية او شخصية عامة عليها شبهة او تهمة فساد، والتحقيق معه واتخاذ القرار المناسب بحقه باحالته الى المحاكم المختصة لتحديد العقوبة.

ـ الزام المحاكم المختصة بأن لا تزيد مدة التحقيقات وتحديد العقوبات على الفاسدين أياً كانت مناصبهم عن عام واحد كحد اقصى، لأن طول فترة التقاضى تمنح الفرصة لكبار الفاسدين بالتحايل والتأثير على القضاء، وتشيع بين المواطنين ان الحال لا يختلف عن سابقه.

ـ اعتماد مبدأ (من أين لك هذا) بالزام المسئولين الكشف عن ممتلكاتهم واموالهم هم وأسرهم، في داخل العراق وخارجه.

ـ التعاون والتنسيق مع الجهات الدولية المختصة بعمليات الفساد في الكشف عن العراقيين الذين يمتلكون ارصدة في المصارف والبنوك الدولية، مسجلة باسمائهم او اسماء ابنائهم او اقاربهم او باسماء اشخاص اجانب. فبحسب تقرير لمحقق امريكي فانه تم تهريب ثلاثين مليار دولارا خارج العراق، توزعت بين شراء جزر وفنادق ومطاعم ومعارض سيارات ومكاتب تحويل العملة وملاهي ليلية.. وشراء 150 عقارا في ثلاث دول اوربية سجلت باسماء أقارب الفاسدين.

ـ توجيه هيئة مكافحة الفساد باستخدام وسائل تقنية حديثة بما فيها جهاز كشف الكذب، لضمان فاعلية ادائها، والتاكيد على مراقبتها لطريقة معيشة الموظفين ما اذا كانت تناسب دخلهم، ومساءلة من كان يمتلك مالا او عقارا او سيارات تثير الشبهات.

ـ اعتماد هيئة مكافحة الفساد استراتيجية تضمن الوقاية من الفساد تشمل الجوانب الأرشادية والضبط الأداري الوقائي واللامركزية في التنفيذ، ومواصلة تحشيد الرأي العام سيكولوجيا ضد الفساد والفاسدين.

ـ تشكيل لجنة من مستشارين سيكولوجيين وتربويين وقضاة واعلاميين مستقلين سياسيا، تكون مهمتها فضح الفساد والفاسدين أخلاقيا باعتماد استراتيجية تستقطب رجال دين وخبراء اقتصاديين تستهدف توجيه الرأى العام نحو المشاركة في مكافحة الفساد، واحياء الشعور بالمواطنة و الشعور بالذمّة التي تعني العهد والكفالة حين يكون الشخص مسؤولا عن الرعية.

ختاما

ان العقل العراقي قادر على ان يقدم تجربة نوعية جديدة في مكافحة الفساد تضاف لتجارب عالمية، وان نجاحه يكون بتبني هذا المشروع وانضاجه ليقدم انموذجا جديدا في احتواء الفساد والوقاية منه، وبهذا نكون نحن الاكاديميين والمفكرين قد ابرأنا ذمتنا امام التاريخ والاجيال بتقديمنا هذا المشروع. اما الحاكم الذي سيتبنى هذا المشروع وينضجه، وينقل العراق من ثالث افسد دولة في العالم الى مصاف سنغافورة.. فأن التاريخ سيخلده ويكتب تحت نصب يقام له: هذا الذي قضى على فاسدين افقروا اغنى بلد في المنطقة وضمن للعراقيين ان يعيشوا برفاهية وكرامة.. حاضرا ومستقبلا.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

بينما يستعد المصريون للاحتفال بنصر أكتوبر المجيد بعد نحو شهر من اليوم، إذا بالإعلام العبرى يفاجئهم بما لم يكن يخطر على بال.. فقد كشف إعلامهم الخداع أن السلطات الإسرائيلية أفرجت عن مئات الوثائق السرية الخاصة بحرب أكتوبر بدون سابق إنذار! فلماذا الآن؟!

الغريب فى الأمر أنه برغم الحجم المعلن الهائل لتلك الوثائق، فإننا لم نعلم مما تحويه شيئاً، اللهم إلا فقرات مجتزأة مما أرادوا هم أن تختطفه وسائل الإعلام وتدور به الألسنة.. وهو ما يعنى أن لهم هدفاً أبعد مما أعلنوه وصرحوا به!

التوقيت المغرِض

لاريب أن توقيت الإعلان عن تلك الوثائق مرسوم ومقصود وله مغزى..

وكالات الأنباء تناولت الخبر بشئ من الدهشة والتشفى، فقالوا إن إسرائيل تعترف بالفشل الاستخباراتى الذريع، ثم أنها بررت لهذا الفشل.. قالوا أيضاً إن إسرائيل قررت رفع السرية عن جميع ملفات حرب أكتوبر بعد مرور خمسين عاماً عليها، وأن تلك الوثائق أبرزت حالة كبيرة من التخبط لدى صناع القرار قبل أيام من بدء الهجوم المصري، وأن من بين الوثائق المنشورة ما يتعلق باللحظات الأخيرة ما قبل الحرب، ومن بينها صورة لجنود إسرائيليين يحملون قاربا يقل زميلهم وفتاة للاحتفال بزواجهما قبل لحظات من بدء الهجوم المصري! أى أن الجيش الإسرائيلى كله كان فى حالة استرخاء تام!

الدكتور محمد عبود أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس أوضح لموقع RT الروسي: أن إسرائيل ما زالت تحجب الكثير من الوثائق الهامة والخطيرة بشأن حرب أكتوبر ولم تفرج عنها حتى اللحظة برغم أن القانون الإسرائيلي لا يسمح بمد فترة الحظر للوثائق السرية أكثر من خمسين عاماً ..  لكن الذى يبدو أن الوثائق المنشورة ليست إلا قليلاً من كثير، وأن أغلب تلك الوثائق المنشورة كانت تتعلق بتقرير "أجرانات" الذى تم إعداده بعد حرب أكتوبر تحت ضغط من الشعب الصهيونى للتحقيق فى أسباب الهزيمة الإسرائيلية.. أكثر من هذا أن هناك عمليات حذف لمقاطع معينة بالوثائق،وحتى عمليات الترجمة للمقاطع المعلنة جاءت مزيفة وغير معبرة عن فحوى المقاطع الأصلية.. ما يعنى أننا أمام عملية ممنهجة لبث رسائل محددة ولها أهداف..

ومهما كانت تلك الوثائق تؤكد على الفشل الإسرائيلي الذريع، وأن هناك مجموعة محددة من القادة الصهاينة أخطأوا التقدير.. إلا أننا يجب ألا نغفل ضرورة فهم مسألة توقيت نشر الوثائق لأنها مسألة جوهرية ومثيرة للقلق.. ولكى ندرك مدى أهمية تلك المسألة علينا أن نعود بالأحداث إلى ما قبل حرب أكتوبر.. هناك فى إسرائيل حيث كان الإعلام العبري يحرص على تصوير الجيش الإسرائيلي أنه الجيش الذى لا يُقهر، وأن العرب قد استسلموا للواقع المرير، وأن الحرب المزعومة ضدهم لن تأتى أبداً!! هكذا تم عمل غسيل مخ مركز للشعب الإسرائيلى. لهذا فإن هذا الشعب المغرر به كان أول المصدومين بما حدث فى الحرب، وتحت الضغط الكبير على قادة إسرائيل تم تشكيل لجنة للتحقيق فى أحداث الحرب وأسباب الهزيمة اشتهر باسم تقرير "أجرانات"..

معنى هذا أن الإعلام العبري كان يعمل دائماً لخدمة مصالح الجيش الإسرائيلى، وهذا لم يتوقف حتى الآن.. وهو ما يعنى أن الوثائق المسربة اليوم لها رسالة محددة يبثها قادة إسرائيليون.حتى وإن كانت وسيلتهم لهذا دس السم فى العسل، وتمرير رسائل ملغومة داخل رسالة شكلية لا تضيف جديداً.. فما هى الرسائل التى تريد إسرائيل بثها اليوم؟ ولماذا علينا أن نقلق ونتخذ حذرنا؟

خطة خداع إعلامية

اللواء سمير فرج تعليقاً على ما تم نشره من وثائق بثتها وسائل الإعلام العبرية، قال:"للأسف لم يصدر حتى الآن التقرير النهائي، وكل ما صدر عبارة عن عناوين لم تخرج فيها إدانه لأي أحد، وكل ما صدر هو عزل رئيس الأركان الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر".

أى أن كل الذى يصدر عن الإعلام العبري مجرد تحصيل حاصل، وتبريرات للهزيمة الفادحة للجيش الإسرائيلي، وهو ما يؤكد أن اللجنة أثبتت خطأ رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي لعدم توقعه أو إعطائه لرأي يجزم بأن هناك حربا قادمة من مصر وسوريا ضد إسرائيل.ولهذا السبب لم تعلن لجنة اجرانات تقريرها النهائي حول الحرب حتى الآن، لأنه يؤكد خطأ جولدا مائير وموشيه ديان لاقتناعهما بعدم شن مصر وسوريا أي هجوم، ولم يقوما بإعلان التعبئة العامة.

وفى محاولة لفهم دوافع الإعلام العبري لنشر هذه الوثائق التى وصفت بأنها سرية، تعالوا أولاً نتذكر ما حدث بإسرائيل خلال الشهور القليلة الماضية، بسبب ضغط نتنياهو لتمرير تعديلات قوانين لتحقيق مصالح شخصية من خلال البرلمان، وهو ما تسبب فى مظاهرات عارمة وصلت إلى أبواب منزل نتنياهو نفسه.. ثم هدأت الأمور قليلاً أو بدا أنها هدأت بينما السخط الشعبي ضد السلطة الإسرائيلية ما زال مشتعلاً كالنار تحت الرماد.. ثم هناك العمليات الفدائية المتتالية فى حى جنين والتى كبدت الإسرائيليين خسائر بشرية، وأهم منها ما حدث من هزيمة نفسية على المستويين الشعبي والقيادى..

هكذا وجدت السلطة الإسرائيلية نفسها بين شقى رحى.. وأن الأمر يستدعى إعادة تهيئة الرأى العام الإسرئيلي، وإعادة توجيه بوصلة الرأى العام العربي.. والرسالة الكامنة فى تقرير أجرانات المفرج عنه، وفى الرسائل الصغرى المزروعة فى ثناياه، أن أخطاء إسرائيل كانت فى الأصل بسبب فئة محدودة من القادة أخطأوا أو أهملوا أو تهاونوا بعض الشئ. لا بسبب أن الإعداد المستمر للجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف وصولاً إلى حرب أكتوبر، وخطة الخداع الاستراتيجى المصرية.. كانتا من أسباب انتصار مصر على إسرائيل.. إن التقرير يعود ليدور فى فلك التبرير والبحث عن الذرائع..

لكن الخطير فى نشر تلك الوثائق الآن، ليس فى فحواها، ولا فى تلك الرسائل السامة المدسوسة فى طواياها..  لكن أخشى ما أخشاه أن تكون إسرائيل لها أهداف أبعد من مجرد نشر تقارير وأوراق وصور ومقاطع فيديو.. وأنها تعد العدة لخطوة قادمة أشد خطورة؛ لأن الإعلام العبري ليس إلا فرقة من فرق الاستطلاع لجيش الاحتلال الإسرائيلى.

ساعات ما قبل الحرب

لقد أكد موقع"تايمز أوف إسرائيل" أن أرشيف إسرائيل الرسمى نشر ملفات زعم أنها تشمل مجموعة من آلاف الوثائق والصور والتسجيلات ومقاطع الفيديو توفر نظرة شاملة حول الطريقة التى تعامل بها الكيان الصهيونى خلال فترة حرب أكتوبر، وهى مزاعم خادعة أو ناقصة فى أفضل الأحوال.. وقالت المسئولة عن الأرشيف روتى أبراموفيتش: "هذه نظرة شاملة على قصة الحرب، التي أثرت على جميع مناحي الحياة في إسرائيل..  هذا هو أكبر كشف قام به أرشيف الدولة على الإطلاق".. والذى يؤكد كذب هذه المزاعم، أن التقرير ذاته يشير إلى أن كل الوثائق الصادرة خاصة فقط بسويعات ما قبل الحرب! أى أن أحداث الحرب ذاتها تظل سراً يحتفظ به الكيان لنفسه ولا يعلن من فحواها شيئاً!

الموقع الذى قيل إنه بث الوثائق السرية اكتفى بنشرها باللغة العبرية فقط، وشملت حوالى 3500 ملف أرشيف تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية، و1000 صورة، و750 تسجيلا، و150 دقيقة من المداولات الحكومية، وثمانية مقاطع فيديو، باستثناء عدد قليل من الملفات التي لا تزال سرية، وقد استغرق تحميل المواد عامين ونصف العام من العمل.. أغلب تلك الوثائق هى سجلات للمداولات بين القادة الإسرائيلين فيما يخص الاستعداد للحرب، وأكثرها من باب تحصيل الحاصل ولا تضيف جديداً لمشهد الهزيمة الإسرائيلية..

لكن أخطر ما فى تلك الوثائق أنها تدس السم فى العسل، وتبث خلالها رسائل مطوية فى ثناياها تخلط الحق بالباطل.. فعلينا أن ننتبه ونحذر مما تنطوى عليه تلك الوثائق.. نقرأها نعم، لكن نقارنها بما لدينا من حقائق دامغة، حتى نعلم على وجه اليقين ما تريده إسرائيل من نشر تلك الوثائق ونحتاط لما تدبره.

***

د. عبد السلام فاروق

قال الشاعر نزار قباني ـ قولاـ بليغا ذات يوم:

وإذا أصبح المفكـّـرُ بوقا ً

يستوي الفكر عندها والحذاء ُ

وقال جان جاك روسو: " الإستقامة معيار للعظمة الإنسانية" وهذه الكلمة أعظم من مكتبة ستندال بما حوته من حكمة وجمال".

قال أبو ذر عامر الداغستاني فقيد الفكر التقدمي وخريج أكاديمية السجون العراقية  "على السلوك أن يجاري الفكر في مختلف الظروف والأحوال!"، وعلى مدى عقود الدولة العراقية الحديثة واجه المثقفون سؤالاً بسيطاً ولكنه كان وما يزال غاية في التعقيد: كيف يفترض أن تكون علاقة المثقفين بالسلطة؟

فقد كانت إجابة غالبية المثقفات والمثقفين واضحة وسريعة: مع إرادة ومصالح الشعب وضد اغتصاب السلطة لتلك الإرادة والمصالح. ورأينا هنا كيف التحم المثقفون بالشعب ونضاله على مدى عقود الحكم الملكي بشكل خاص. ولكن تواصل هذا الموقف فيما بعد أيضاً، ولللآسف كانت هناك وباستمرار مجموعة من المثقفات والمثقفين، وأن كانوا من الأقلية، الذين اختاروا طريقاً آخر، طريق الوقوف مع السلطة وضد الشعب، والبعض الآخر حاول مسايرة الجانبين. ولم يكن الموقف مع السلطة في غالب الأحيان خال من القسر والقهر، بل كان نتيجة النهج الاستبدادي للسلطة. وكانت هناك قلة قليلة حقاً هي التي اصطفت كلية إلى جانب السلطة فكراً وممارسة. وقد سجل العهود السابقة حالة فريدة بالنسبة لجمهرة واسعة من العراقيات والعراقيين المثقفين الذين رفضوا الخضوع والخنوع لقسر النظام السياسي، فكان أمامهم واحداً من ثلاثة خيارات: إما الهجرة إن سنحت الفرصة، وإما السكوت أو استخدام لغة كليلة ودمنة في الكتابة، وإما القبول بالمعارضة المكشوفة ودخول السجن أو حتى القبول بالموت على أيدي جلاوزة النظام.

وبعد الاحتلال أصبح المهجر القسري والشتات العراقي داراً آمنة عموماً لعدد هائل من المثقفات والمثقفين المبدعين الذين رفعوا مع إخوتهم في الداخل راية نضال الشعب العراقي عالياً وواصلوا المسيرة. في حين اضطر البعض الآخر ممن هم في الداخل، وهو الأقل على مسايرة النظام والبعض الآخر غاص في الدفاع عنه ونماذج من هؤلاء البشر قلة،، فكم فقدنا من الادباء والفنانين والصحفيين خارج العراق يتمنون شربة ماء من النهرين الخالدين!!

السلطة السياسية ومجمل مكونات النظام السياسي التي حلت مكان النظام السابق بعد الاحتلال، والتي ناضل الناس من اجل أن تكون دولة حرة وديمقراطية ويتمتع شعبها بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والعدالة الاجتماعية، لم تصبح كما كان مقدراً لها، وقد ساهمت الإدارة الأمريكية وسلطة الاحتلال المباشرة وسياسيو الصدفة والاحزاب الاسلامي، دفع الأمور من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى وجهة غير إنسانية وغير عقلانية ومنمية للصراعات الطائفية، وجهة تقوم على التمييز بين المواطنين على أساس الدين والطائفة على نحو خاص، وكرست بذلك نظاماً سياسياً يستند إلى قاعدة المحاصصة الطائفية اللعينة بين سكان البلاد.

 ولكن المهم في الأمر أن المثقفات والمثقفين (الديمقراطيين)، سواء أكانوا في داخل العراق أم خارجه ابتعدوا عن الطائفية والسياسية، وعملوا لأن تكون لهم مواقف مستقلة عن الحكم وعن القوى الطائفية السياسية وتحكيم ضمائرهم ورؤيتهم للأحداث في اتخاذ المواقف المناسبة، وبقيت فئة قليلة منهم تدافع عن السلطة السياسية القائمة في العراق من منطلق لا يمكن أن يكون إلا طائفياً ويهاجم من ينتقد السلطة السياسية ويدعي الحكمة في دفاعه عن السلطة لإبعاد القوى الديمقراطية عن التطرف الذي ساد سلوكها عبر عقود.

نعم هناك ثله ممن تحولوا صوب الدفاع عن مواقف سلطة تحولت شيئاً فشيئاً إلى سلطة غارقة بالانتماء الطائفي والفساد، وكم أتمنى أن يعيد هؤلاء الكتاب دراسة مواقفهم الجديدة بدلاً من تحشيد جيوش الكترونية والهجوم على من يتبنى موقف الناقد للحكومة بعد كل الذي حصل ويحصل في العراق.

***

نهاد الحديثي

أجل إنها أطول ليلة بيضاء في تاريخ المغرب الحديث.. حيث اهتزت الأرض ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023 على الساعة 11 ليلا و11 دقيقة على وقع أقوى زلزال عرفه المغرب الحديث إذ بلغت قوته 7 درجات في سلم ريختر مما خلف آلاف الشهداء والجرحى والخسائر المادية الجسيمة . وقد تمركزت الضربة القوية لهذه الهزة العنيفة في منطقة "إيليغ" ضواحي مدينة أكادير وامتدت ارتداداتها لمئات الكيلومترات إلى مدن الشمال من المملكة .

طبعا لابد أن عديدا من الأسئلة العالقة ستتفجر حول أسباب الزلازل هل هي طبيعية أو من صناعة الإنسان عن طريق السلاح التكتوني أو الزلزالي وإلى أي حد يمكن إدراجها في خانة المؤامرة ..إلخ

في هذا المقال سنحاول الإجابة عن سؤال المؤامرة أو الصناعة كما حددها الخبراء المختصون في مجال الجيوفيزياء والزلازل ولا ندعي إطلاقا أن ما حصل في "زلزال الحوز" بالمغرب يندرج في باب المؤامرة بل هو نتيجة اهتزازات تكتونية طبيعية قد تقع في أية دولة من كوكب الأرض . ولا حول ولا قوة إلا بالله ورحم الله الشهداء .

فما هو جهاز السلاح التكتوني أو الزلزالي؟

هو جهاز أو نظام افتراضي يمكن أن يؤدي إلى حدوث زلازل أو ثورات بركانية أو أحداث زلزالية أخرى في مواقع محددة عن طريق التدخل في العمليات الجيولوجية الطبيعية للأرض. تم تعريفه في عام 1992 من قبل عالم عضو في الأكاديمية الروسية للعلوم : "السلاح التكتوني أو الزلزالي هو استخدام الطاقة التكتونية المتراكمة للطبقات العميقة للأرض لإحداث زلزال مدمر". وأضاف "أن تحديد هدف إحداث زلزال أمر مشكوك فيه للغاية". على الرغم من أنه لم يتم تصنيع مثل هذا الجهاز، إلا أن الأسلحة التكتونية قد ظهرت أحيانًا كأدوات حبكة فنية في بعض الأعمال الخيالية.

من الناحية النظرية، يعمل السلاح التكتوني الزلزالي عن طريق خلق شحنة قوية من الطاقة المرنة على شكل حجم مشوه من القشرة الأرضية في منطقة النشاط التكتوني. ويصبح هذا بعد ذلك زلزالًا ناجمًا عن انفجار نووي في مركز الزلزال أو عن نبضة كهربائية هائلة. أما فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان انفجار نووي يمكن أن يؤدي إلى حدوث زلزال، فقد كان هناك تحليل للتسجيلات الزلزالية المحلية على بعد بضعة أميال من التجارب النووية في ستينيات القرن العشرين في نيفادا والتي أظهرت أن الانفجارات النووية تسببت في بعض الإجهاد التكتوني. كما تسببت التجربة النووية الخالية من العيوب تحت الأرض عام 1968 في انزلاق الصدوع لمسافة تصل إلى 40 كيلومترًا.

هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية من جانبها ذكرت أنها أحدثت صدعًا جديدًا يبلغ طوله حوالي 1200 متر. هناك أيضًا نظرية مفادها أن زلزال عام 1998 في أفغانستان كان ناجمًا عن اختبارات نووية حرارية أجريت في مواقع التجارب الهندية والباكستانية قبل يومين إلى 20 يومًا.

ومثل هذه الأسلحة، سواء كانت موجودة أو غير ممكن وجودها، تشكل مصدر قلق في كل الأوساط الرسمية. على سبيل المثال، قال وزير الدفاع الأمريكي ويليام س. كوهين في 28 أبريل 1997 في مؤتمر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والاستراتيجية الأمريكية بجامعة جورجيا ، أثناء مناقشة مخاطر التهديدات الكاذبة، "إن البعض ينخرطون حتى في نوع بيئي من الإرهاب حيث يمكنهم تغيير المناخ وإثارة الزلازل والبراكين عن بعد من خلال استخدام الموجات الكهرومغناطيسية.

اتفاقية عام 1978 بشأن حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات التغيير البيئي هي معاهدة دولية صادقت عليها 75 دولة، ووقعتها 17 دولة أخرى، والتي تحظر استخدام تقنيات التعديل البيئي للتسبب في الزلازل والتسونامي وظواهر أخرى غير محددة.

بعد الظواهر التكتونية الطبيعية مثل زلزال هايتي 2010 ، غالبًا ما نشأت عنه نظريات المؤامرة ، التي تتعلق عادةً بالقوات المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق ، على الرغم من عدم تقديم أي دليل على هذا الادعاء . بعد زلزال هايتي، ترددت أنباء على نطاق واسع أن الرئيس الفنزويلي السابق هوجو شافيز أطلق مزاعم غير مدعومة بالأدلة مفادها أن الزلزال كان نتيجة لاختبار سلاح تكتوني أمريكي .

صحيفة برافدا الصادرة في موسكو ذكرت في الصفحة 1 بتاريخ 30 مايو 1992 أن "سلاحًا جيوفيزيائيًا أو تكتونيًا قد تم تطويره بالفعل في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية على الرغم من اتفاقية الأمم المتحدة"، لكن كبير علماء الزلازل اللواء بوشروف من وزارة الدفاع في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية رفض بشكل قاطع أي تلميحات حول وجود الأسلحة التكتونية.

في حين تمت تسمية قنابل تول بوي و غراند سلام  البريطانية في الحرب العالمية الثانية بقنابل الزلازل ، فقد جاء الاسم من طريقتهم في تدمير الأهداف شديدة الصلابة عن طريق هز أساساتها كما يفعل الزلزال؛ لم يكن القصد منها أبدًا التسبب في زلزال فعلي.

***

عبده حقي

"فليقلْ خيراً أو يصمت/ حديث نبوي"!

 لما كنتَ تعرف كغيرك أن قضية كركوك والصراع القومي الطائفي بين زعامات مكوناتها موضوع حرج وحساس، وأن هذا الصراع والذي قد يحرق العراق كله هو نتيجة مباشرة لدستور المكونات ومنظومة حكم المحاصصة الطائفية الذي جاء به الاحتلال بدفع عن زعماء الطوائف والعرقيات، وأن أي انحياز لأي طرف فيها سيكون مثيرا لغضب الأطراف الأخرى، وأن حزبك محاصر ومقيد ومحاط بأجواء أيديولوجية وسياسية معادية ضمن أجواء حكم كلبتوقراطي "لصوصي" مليشياوي تابع بالتمام والكمال للأجنبي وتسيِّرُهُ السفارات الأجنبية، لما كنتَ تعرف هذا كله وتسكت عنه، فلماذا لم تسكت هذه المرة بل رفعت صوتك عاليا مطالبا بتنفيذ المادة (140 كركوك)؟ أحقا لا تعلم أن هذا التطبيق للمادة 140 لا يعني سوى تسليم المحافظة ونفطها إلى الطرف السياسي الكردي وضمها إلى الإقليم المستقل فعليا عن الدولة العراقية؟ وهل لديك أو لدى أي طرف آخر أي ضمانات بأن الطرف البارزاني أو الطالباني لن يلجأ إلى إجراء استفتاء جديد آخر على الانفصال عن العراق وإقامة دولة كردية مليشياوية مستقلة بضمنها كركوك مثلما أجرى استفتاء الاستقلال في 25 أيلول 2017، والعراق لما يزل ينزف الدماء ويدفن قتلاه بعد التمرد الداعشي التكفيري؟

إذا لم تكن قادرا على قول الحقيقة المرة، والتي سيكون ثمنها مقاطعة الإقطاع السياسي الكردي لك ولحزبك ألا وهي أن الحل في كركوك يكمن في بقاء كركوك عراقية لأنها عراق صغير ولا يحق لأي طرف أو مكون ان يستولي عليها؛ إذا لم تكن قادرا على قول هذه الحقيقة البسيطة، فعلى الأقل وكحد أدنى وخدمة لمصالح حزبك وشعبك تكلم في العموميات أو لا تتكلم أصلا، وواصل صمتك مثلما تصمت على الكثير من القضايا الملتهبة؛ هل تريد أن أذكرك ببعضها؟

هل قلت شيئا عن قضية فقدان السيادة والاستقلال الوطني وتحكم السفارة الأجنبية ودول الجوار بالقرار السيادي لبلدك؟ هل أصدر حزبك بيانا عن قضية المنفذ البحري الوحيد ومنه خور عبد الله والذي تريد الكويت الاستيلاء عليه، وقتل ميناء الفاو والقناة العراقية الجافة من خلال الربط السككي مع إيران؟ هل ذكرت يوما أن العراق هو بلد منزوع السلاح وتمنعه الولايات المتحدة وإسرائيل من التزود بوسائل الدفاع عن نفسه؟ هل قام حزبك بفعالية أو نشاط جماهيري دفاعا عن الرافدين ورفض علنا قطع تركيا وإيران مياه النهرين عنه وضرورة مقاومة هذا العدوان الكارثي؟

ثم، كيف يمكن أن يصدق العراقيون - وخاصة أهالي كركوك - قولك إن المادة 140 من الدستور "هي لمصلحة حقوق المواطن وترفع الظلم وعادلة وتعتمد مطالب الناس وليس مصممة لمكون محدد"؟ هل أن إجراء الاستفتاء وإلحاق محافظة كركوك بإقليم الكردي هو لمصلحة جميع مكونات كركوك، أم إنه إنهاء لعراقية المحافظة وبدء الحرب الأهلية الطاحنة بين مكوناتها ستنتهي بتهجير الطرف المهزوم؟ ألم ترَ بعينيك، وقد كنت أنت شخصيا رئيس لجنة تطبيع الأوضاع في كركوك وأشرفت بنفسك على منح مئات الملايين من الدولارات كتعويضات وعلى حملة تكريد المحافظة بحجة إزالة التعريب الذي قام به النظام السابق، ألم ترى ما حدث من صراع واستقطاب قومي وطائفي في المحافظة وعمليات تنكيل واغتيالات وتصفيات وتطهير عرقي بين سنة 2005 وانتهى باحتلال المحافظة بعد هجوم عصابات داعش وهزيمة الجيش العراقي الأميركي وانسحابه منها؟

كيف تريد أن تضمن العدالة والمساواة وأحد هذه الأطراف، وهو الطرف الحزبي والمليشياوي الكردي مسلح حتى الأسنان بأحدث الأسلحة ومدعوم خارجياً وداخلياً سياسيا وإعلاميا، فيما الأطراف الأخرى العربية والتركمانية والمسيحية عزلاء تماما ولا قدرة لها على الدفاع عن نفسها والسلطات التنفيذية والتشريعية يهمن عليها ويقودها التحالف المصلحي بين الساسة الشيعة والأكراد، كيف يمكن أن تكون هناك عدالة وإنصاف وحياد في هذه القضية الحساسة والخطرة؟

لقد قلت جملة صحيحة وإيجابية وهي (إن الحل في كركوك ينبغي أن يحظى بقبول كل الأطراف وليس مكوناً واحداً، إضافة إلى تمتعه بالعدالة والإنصاف)، فهل المادة 140 والتي تنص على إجراء استفتاء بعد أن تم تكريد المحافظة وتهجير أعداد غير قليلة من غير الأكراد منها، وعلى أن ينتهي الاستفتاء بضم المحافظة إلى الإقليم، هل سيحظى حل كهذا بقبول الأطراف الأخرى؟ هل يضمن حل كهذا العدالة والانصاف لجميع الأطراف والمكونات؟

من سيصدق كلامك من أهالي كركوك وانت تقول (أن المادة 140 من الدستور "هي لمصلحة حقوق المواطن وترفع الظلم وعادلة وتعتمد مطالب الناس وليس مصممة لمكون محدد... لافتاً إلى ضرورة طمأنة المجتمع في كركوك أن المادة 140 ليست ضدهم)؟

أليس هذا كلام شخص منفصل عن الواقع تماما؟ إذا كان من حقك أن تعبث بوجود حزبك وسمعته المتلاشية بعد سلسلة الحماقات التي ارتكبها منذ احتلال العراق ومشاركته في مجلس الحكم ولجنة كتابة الدستور وحكومات الاحتلال المحلية برئاسة إياد علاوي بهذا الكلام، فليس من حقك أن تعبث بوجود العراق وكيانه التأريخي!

لقد اخترت طرفا في هذا الصراع الضاري والحساس وكررت كلام الإعلام الاقطاعي الكردي حرفياً، بل بالغت كثيرا وبلغت درجة التهديد والتطرف بقولك (إن احتواء الأحداث الأخيرة في كركوك "ليس حلاً بل تهدئة"، داعياً "إلى معالجة جوهر المشكلة وهو يشكل تحدياً للجميع"، فأنت ترفض إذن حتى منطق التهدئة وحقن الدماء وترى معالجة جوهر المشكلة في تطبيق المادة 140 التي فرضت فرضا في سنوات الاحتلال الأولى ومن خلال صفقة شيعية كردية تحت ضغط أميركية، أليس هذا الكلام منتهى التطرف والانحياز إلى الاقطاع السياسي الكردي وتدمير شامل لحزبك وتاريخه العتيد ولما تبقى منه في أيامنا؟ ألا يدل كلامك هذا على أن الجماعة التي تقود حزبك لم تخرج أبدا من التبعية والذيلية العتيقة للقيادات الاقطاعية الكردية القومية وأن "حرامي الحزب" المليونير فخري كريم وأمثاله ما يزالون يتحكمون في مواقف وقرارات هذا الحزب حتى وإنْ خرجوا منه تنظيميا؟!

أما صرختك الاحتجاجية التي قلت فيها "إن المادة 140 قد ماتت ونسفت عمليا" فأرجو ان تكون بِشارة خيرٍ نأمل أن تكتمل بموت ونسف منظومة حكم المحاصصة الطائفية والعرقية ككل وبزوغ شمس العراق الديموقراطي الوطني المستقل والسيد!

***

علاء اللامي

....................

* رابط تقرير إخباري حول تصريحات سكرتير الحزب الشيوعي العراقي:

https://iraqtoday.com/news/75635/%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%83%D8%B1%D9%83%D9%88%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9

كل علمٍ أو قانونٍ أواتفاقٍ بين أثنين، لا يقوم على الضبط والدقة والأمانة وتحري الصدق في التطبيق، مصيره الفشل واشكاليات كثيرة تلاحقه لا تحقق له النجاح ابداً، بل التخلف والتدمير، نعم من حكم العدل وصل، ومن عايش الخُرافة والباطل ضعف وأندثر. لم تنجح الرسالة الدينية الاسلامية في البداية الا لأنها طبقت هذه المبادىء بصدق التطبيق، لذا فشلت الدعوة وفشل الاسلام كدولة عندما تحول الى اتفاق بين أثنين او اكثر على غير القانون وحقوق الناس والتاريخ، واليوم نشهد فشل دولة المغييرين لانهم خانوا امانة التطبيق، فالعدالة والقانون ليست اتفاقات بين الحاكمين بل نظرية ايمانٍ وتطبيق.

فالقانون هو وقائع الزمان من حيثية التعيين والتطبيق، لذا فشلت نظريات التاريخ القديمة في غالبيتها لانها كانت تروي سجلاته على علاتها دون ضبط وتدقيق، مما مهد للطامعين واصحاب السلطة من ان يبتكروا كل جديد من اجل مصالحهم خلافا للضبط والدقة والقانون.فالتاريخ ليس اسطورة خيالية كما يعتقد البعض، بل هو علم ثابت الاركان والقواعد، له موضوعه ومناهجه ودوره بين فروع المعرفة الانسانية حتى تطور واصبح يتناول التجربة الانسانية على الارض كلها، فهل يدركون،؟

صحيح ان بعض المؤرخين العرب اتخذوا منه وسيلة لقلب الحقائق لخدمة الحاكم او السلطة، لكن نظريات النقد التاريخي كشفت الزيف حتى رمتهم فاصبحوا خارج التاريخ.لان التاريخ لم يعد مترجما لحياة رئيس او حاكم او حتى نبي، انما اصبح راصدا لمسيرة الجماعة البشرية، مهتما بكل صغائر الامور وكبائرها، اي اصبح ضمير الانسان الواعي، سواءً كان قائدا او نبياً او صاحب سلطة، فهو من يهتم بدائرة الاحوال المدنية للجماعة الانسانية، حتى قيل فيه هو دراسة التجربة الانسانية بصدق الخبر ونقله للمعرفة والتطبيق، فمن أين نأتي بالضمير عند فاقديه،

زمان مضى وانقضى بعجره وبجره حمل معه الفشل الدائم لانه خالف صيرورة التاريخ، فكيف نريد منه النجاح وكل عوامل الفشل اليوم ترافقه في التطبيق، عقيدة دينية توقفت، وتفسير قرآني قديم لا يتوافق ولغة العصر الحديث، ومذاهب دينية شتت معنى الدين، ومرجعيات دينية مخترعة عاجزةعن تقديم الحلول، وقادة تخلوا عني ايمان وتطبيق، فكيف يصح لها ان تستمر لتخدم اجيالا تخالفها في العقيدة والتطبيق، بعد ان انهار التعليم واصبحت الفلسفة محرمة التلقين لتدرس محلها العقيدة ولا ندري اية عقيدة يقصدون، عقيدة الدين ام عقيدة المذهب ام عقيدة الفساد في التطبيق، اما يكفينا كل هذا الفشل والتمزق ونحن لا زلنا نلطم على عقيدة ماتت واندثرت قبل 1400 سنة، والموتى لا يعودون، بهذه العقليات تُحكم دول تريد ان تصنع حضارة للحاضرين، مستحيل؟،

مع الاسف ان اصحاب السلطة والرئاسة في مجتمعنا العربي الاسلامي بعد الرسول(ص) مباشرة اتخذوا من النص التاريخي وسيلة هدم لا بناء، وانما سيطرة سلطوية لا شورى ولا رأي اخر فيها سوى السيف، واعوان حكام لشعوب لا رأي لها في العدالة والقانون.هنا كان سبب فشلنا في التطبيق.,واستطيع ان اقول ان، لا خليفة ولا حاكم بعد عهد النبوة تنطبق عليه ما قلناه في البداية من الدقة والامانة وتحري الصدق في التطبيق.لذا فشلت الامة منذ البداية بتكوين دولة القانون،. ولا

زالت الى اليوم فاشلة في التطبيق، فعلى من تلطمون ايها الفاشلون،؟

أن من يبرر لنا قيام الدولة الاسلامية وتوسعها في العهدين الاموي والعباسي فقد أخطأ التقدير، واغفل العداوة والحقد الدفين.ولم يكتب لناما حصل في تاريخ الامويين والعباسيين من ظلم الظالمين،، لقد كان ذلك فيضان جارف يشبه فيضان نوح وان اختلف معه بالسيف بدلا من الطوفان المغرق للجميع، لكن سرعان ما جف وأنحسر الى الشاطىء كحركة المغول التي احتلت اكثر من نصف العالم حتى غدت اليوم دولة بلا تاريخ، لكن المغول اليوم وعوا الاشكالية فراحوا يعتذرون للتاريخ وبناء الوطن من جديد.فأين نحن من مجازر مكة والمدينة الاموية وابوالعباس السفاح والمنصور وهارون الرشيد وشلة الحكام الفاسدين، لماذا لا نعتذر للتاريخ،؟

الشعوب المصابة بالنكسة الحضارية ادركت التاريخ وقدراته المتعددة لتجعله قادرا على تحديث الفكر واكتشاف الاسرار التي تمكنه من اختراق الصعاب، حتى استطاعوا تصحيح العملية التربوية وتقويمها ليصبح انسان العصر مدربا على التفكير المنظم، لانه بدونها لا يمكن للعقل الانساني ان يصل الى القدرة الكاملة على استعمال العقل في ربط الظواهر ليصبح تفكيره منظما وعمليا ليعمم التحديث الفكري على الجميع، فكانت لميزانية التعليم والصحة الاولوية عندهم، ولم يصل الى وظائفها الا من تمكن فلسفيا من قيادة الصحة والتعليم بعكس ما نحن فيه البارحة واليوم مادامت شهادات الجامعة الاسلامية اللبنانية المزورة حاضرة في الشراء والتطبيق، حتى أنشئوا مجتمعات صحية ومتعلمة لها قدرة التغيير.لأن التنمية والتدريب العلمي ساعد على تمية العقول القادرة على النمو والتفكير المنظم المنطقي العلمي الصحيح، وهكذا خرجت الشعوب من دائرة تبلد الذهن والانتقال الى حركة التدريب والتغيير، وبقينا نحن في مؤخرة التحديث.

من هنا استطاع العلماء المساهمة في الاكتشافات العلمية الهامة مثل اكتشاف الزراعة الحديثة وتطوير الحبوب، فانتقل من طور جمع الغذاء الى الزراعة ثم تحديث طرقها، وكذلك اكتشفوا طرق تطوير النار واختراق الكهرباء والتكنولوجيا التي قلبت المجتمع رأسا على عقب فأخذت المجتمعات تتكامل في النمو، فاحتاج الانسان المتطور الى القانون الذي ينظم علاقاته بالاخر فكانت حضارة المتقدمين يكفلها القانون، قوانين الثورة الفرنسية والامريكية والدستورية الاوربية، وحتى البابوية النصية، فهل أنتجت لنا المرجعيات الدينية سوى قوانين التخريف، والمال السائب، واحتقار المرأة، وعصبية قرابة التزييف،

اما نحن في عالم الاسلام المتخلف ما كان همنا الا المال والسطة والجنس والسيف الذي به نقطع رؤوس المخالفين، فكانوا هم المتقدمون ونحن المتأخرون، ولا زلنا لا علم ولا قانون ابتكرنا فاصبحنا نلهث من ورائهم دون ان نصل الى ما وصلوا اليه من تقدم، وشبابنا يتمنى العيش معهم والهرب من بلاد المسلمين (افغانستان مثالا) ولا زلنا على المنوال الفاسد سائرون ندعي الدين والقيامة والجنة والنار وهي ونحن للمغفلين، لكننا نلهث من ورائهم نتمنى العيش في ديارهم، وهكذا اصبحنا وهم اصبحوا والفرق بيننا القانون.وقد استلزم وصولهم الى هذه الدرجة المتقدمة عشرات السنين، فمتى نحن المتخلفون سنلحق بهم؟، مستحيل.

اما المسلمون فلم يقصروا، فغالبية مفكريهم اعتقدوا ان الله اعطى الانسان العقل والفكر والحكمة وبها اهتدوا الى الحضارة لكننا حاربناهم بسلطة عقل متخلف ومستبد من الكراهية والحسد والحقد لا بل مطاردتهم وقتلهم كما في حركة2003 العراقية التي اعتمدت السطة الانفرادية وقتل العلماء والمفكرين وابعاد القوة العسكرية المنظمةحامية البلاد والاعتماد على مليشيات القتل والتدمير تديرها عقول دينية فاسدة هي والتقدم الحضاري على طرفي نقيض. ليتمكنوا من الاستحواذ على الدولة والانسان معا، فكانت الخيبة الكبرى كما نحن اليوم.فأين دينهم واسلامهم الذي به يتفاخرون، لابل اصبحوا يعتمدون على الخطف والنهب والاعتداء في حياة السيادة الخاصة بهم، لا القانون.

فمتى يعي الانسان المسلم نفسه او ميلاد ما يسمى بالضمير ليبدأ مع تاريخ الحضارة الجديد، لن يكون مالم يجمع بين العلم والزمن والقانون والاخلاق وبدونها مجتمعة فلاعلم ولا تاريخ. وليعلم اساتذة الجامعات الذين يوظفون عشرات الاطاريح للعشوائية والتراث انهم لن يستطيعوا تحريك الزمن بقيد انملة دون، تحديث.

الشعوب العربية والاسلامية بحاجة اليوم الى تحديث مناهجها التعليمية والصحية وطرق العلاج والاهتمام بصحة الانسان وتوجيه الثروة لخدمته لينشأ عند الانسان المسلم المتخلف اللاهث خلف الخُرافة وما يسمسه بالمقدس الى الاحساس بضرورة حمايىة الخير ومقاومة الشر والاشرار، والأطمئنان والكفاية العدل وهذه التوجهات كلها تجدها في أسس نشوء القوانين والتشريعات لا عند عمائم الدين المعادية لمنطق الحقيقة والمساندة لنظريات الوهم، لا، لكل توجيه صحيح.

لا ياحكام العرب ويا اباطرة الدين اصحوا على زمانكم بعد ان ادركتم ان العيش في الماضي وَهمَ، وأنتم في الدرك الاسفل من خرافة التخلف في التحديث، فالحب الذي يتغذى على الهدايا يبقى جائعا على الدوام، بعيدا عن حكم العدالة والدين.

فمن التوثيق حفظ التجربة،؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

يكاد صيف هذا العام يلفظ آخر أنفاسه الملتهبة تاركاً العالم فى دهشة وترقب.. حرائق فى كندا وشمال أمريكا وجزيرة هاواى ثم فى اليونان والجزائر احترقت أثناءها آلاف الهكتارات من الغابات والأشجار التى هى رئة الأرض. ولأول مرة تشهد منطقة الشرق الأوسط موجة حر هى الأعنف والأشد التهاباً على الإطلاق؛ بفعل اجتماع ظاهرتى القبة الحرارية والنانو معاً للمرة الأولى فى المنطقة!

تلك الظواهر وغيرها دفعت الأمين العام للأمم المتحدة للخروج بتصريح يعبر عن هلع عالمى تجاه ما يحدث من ظواهر مناخية استثنائية، فيقول: إن الانهيار المناخى قد بدأ! فما مغزى هذا التصريح الخطير؟

غوتيريش يدق ناقوس الخطر!

فى السادس من شهر سبتمبر الحالى أعلن مرصد كوبرنيكوس أن صيف نصف الكرة الشمالى لهذا العام كان الأكثر حراً على الإطلاق.. وقد سبق أن كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت أعلى معدلات درجة حرارة تم تسجيلها على الأرض منذ بدء تسجيل الحرارة عالمياً حتى الآن، وهو الأمر الذى دفع الأمين العام للأمم المتحدة لتحذير العالم من القادم قائلاً: ""المناخ ينفجر بوتيرة أسرع من قدرتنا على المواجهة مع ظواهر جوية قصوى تضرب كل أصقاع الأرض".. فما معنى قوله إن المناخ ينهار؟! وإلام يشير مثل هذا التصريح؟

الحق أن اشتداد الحر هذا الصيف لم يكن إلا القشة التى قصمت ظهر البعير! فعلى مر الأعوام القليلة الماضية شهدت الأرض عدداً من الظواهر التى أثارت رعب الخاصة والعامة.. كثرة الزلازل وموجات تسونامى، ووصول الأعاصير لدرجات غير مسبوقة من العنف، وفيضانات فى أماكن ومناطق لم تشهد مثل تلك الفيضانات من قبل قط، وجفاف أنهار كبري وبحيرات.. ناهيك عن ظواهر لم تجد من العلماء تفسيراً شافياً كظاهرة دوران الحيوانات، وصراصير المورمون فى نيفادا، والجراد فى جزيرة العرب، وانفجار ينابيع المياه فى صحراء الربع الخالى.. سلسلة من الظواهر المنذرة بتغيرات كونية جذرية تحدث على مرأى ومسمع من خبراء الأرصاد وعلماء الفلك والجيولوجيا تدفعهم جميعاً للتأكيد بأنها مجرد مقدمات لأمور أخرى ستأتى وأن على العالم أن ينتبه جيداً لما سيحدث ويستعد له.

إن تتابع تلك الظواهر وانتشارها بين ربوع الأرض، ثم ديمومتها وارتفاع وتيرتها وشدتها، هو السبب وراء تصريح غوتريتش المرتعب بأن الانهيار المناخى قد بدأ.. وهو تصريح يشمل لفظين مثيرين للتساؤل: لفظ "الانهيار" وأنه قد "بدأ".. إن مدلول كلمة الانهيار يستتبع أن تؤثر الحرارة على غيرها من عوامل المناخ كحركة الرياح وهطول الوابل والانهيارات الثلجية وحرائق الغابات وغيرها من العوامل.. وكلمة "بدأ" تعنى أن كل ما سبق لم يكن سوى الأبسط والأخف والأيسر وأن الأسوأ لم يأتى بعد.. هكذا يمكننا أن نفسر تصريح غوتريتش، وأزعم أنه التصريح الأخطر؛كونه صادر عن منظمة كبري لديها كل المعلومات الكافية لإعلان مثل هذا التصريح المخيف!

كيف يؤثر المناخ على مصر؟

كان لابد أن يكون لمصر بادرة بالتحرك الإيجابى نحو الاستعداد لتداعيات التغير المناخى، ولهذا تم إنشاء المجلس الوطنى للتغيرات المناخية عام 2015، يتمثل دوره فى رسم وصياغة الاستراتيجيات والسياسات العامة للدولة فيما يخص التكيف مع هذه التغيرات فى ضوء الاتفاقيات الدولية والمصلحة الوطنية.. وهكذا أثمر عمل المجلس إلى صياغة "الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050" لتعزيز حوكمة وإدارة العمل الخاص بالتكيف مع التغيرات المناخية فى مصر فى المستقبل..

إن مصر من أكثر الدول الإفريقية تأثراً بالتغيرات المناخية، وبخاصةً تهديدات الجفاف بسبب ارتفاع الحرارة.. وكان المفترض أن المساعدات الدولية ستتوافر للمساهمة فى مكافحة بعض تأثيرات التغير المناخى بعد أن استضافت مصر النسخة الأخيرة من مؤتمر التغيرات المناخية.. لكن الذى حدث أن تلك المساعدات تأجلت أو تراجعت، ربما بسبب الصراع الدائر بين حلف الناتو وروسيا على أراضى أوكرانيا..

وزارتا البيئة والتعاون الدولى تلقتا بعض المساعدات من البنك الدولى للقيام ببعض المشروعات البيئية، لكن هذا لم يستمر ولم يكن بالحجم المأمول لتحقيق تسارع لإنجاز العمل بما يواكب تسارع وتيرة حدوث تلك التغيرات.. الأمر الذى قد يستلزم ضغطاً خلال مؤتمرات المناخ القادمة لحث الدول المانحة على القيام بالتزاماتها تجاه الدول الأكثر تضرراً بالتغيرات ومن بينها مصر..

إن بناء منظومة الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة بات أمرا أساسياً فى اتجاهات وسياسات الدولة المصرية للسنوات القادمة.. لكن هناك مخاطر تتهدد عملية البناء تلك.. أهمها ما يتهدد الرقعة الزراعية كنتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة والجفاف ونقص المياه والعواصف الترابية.. ما يتسبب فى انخفاض مستوى خصوبة التربة، وقلة حجم الإنتاج الزراعى ، بل وضعف جودة ذلك الإنتاج.. المسألة مصيرية تتعلق بغذاء المصريين وتلبية حاجاتهم المعيشية، وليس الأمر ترفاً زائداً عن الضرورة.

هل يمكن التكيف مع تغيرات المناخ؟

أساليب التكيف مع تغيرات المناخ تختلف وتتراوح بين الإجراءات البسيطة قليلة التكلفة إلى حد الإجراءات الحادة المكلفة مثل إجراء الانتقال الجماعى من منطقة إلى أخرى احترازاً لكارثة متوقعة..

وفى بعض الحالات تأتى التوقعات أضعف من حجم الكارثة كما حدث فى هاواى، وهو ما أدى لارتفاع عدد الضحايا الناجم عن الانتشار الكبير للحرائق، والتى أدت لمحو البنية التحتية فى مناطق بأكملها بإحدى الجزر الكبيرة بهاواى.. هذا بالضبط هو السبب فى أن الإنفاق المسبق على الإجراءات الاحترازية مهما ارتفع أقل تكلفة بكثير من التدمير الحادث بعد الكوارث البيئية.. إن الإنفاق الآن يجنب البلدان مخاطر سقوط الضحايا وانهيار البنى التحتية تحت تأثير الأعاصير والحرائق والزلازل والفيضانات فى المستقبل القريب والبعيد..

هناك فئات عمرية ومجتمعية هم الأكثر عرضة لتأثيرات الكوارث البيئية وتداعيات التغيرات المناخية، كالأطفال والكهول والمرضى والمعاقين والفقراء، والبلدان النامية هم الأكثر احتياجاً لبرامج الدعم الموجهة من قِبل المنظمات الإغاثية والدول المانحة، لأن انتشار الفئات الأكثر ضعفاً واحتياجاً للمساعدات بالدول النامية والفقيرة يجعلها الأولى بالدعم ومد يد العون.

زرعوا الشر وحصدنا المصائب

الدول الصناعية كانت هى الأكثر إسهاماً فيما نجنيه الآن من تغيرات مناخية خطيرة مدمرة.. فالانبعاثات الكربونية تنطلق من مصانعهم، والغابات الشاسعة لديهم تقلصت بفضل التدمير الممنهج لها، ومخلفات سفنهم وأساطيلهم البحرية أفسدت الحياة البحرية،ناهيك عن المخلفات النووية المدفونة بطرق احتيالية فى صحارى البلدان النامية.. كل هذا دفعهم لأكثر من مجرد الاعتراف بتلك الجرائم البيئية الضخمة.. إذ أن اتفاق باريس وميثاق جلاكسو للمناخ ألزم الدول الصناعية الكبري بمضاعفة التمويلات اللازمة لدعم الدول النامية من أجل التكيف مع آثار التغيرات المناخية.. ومثل هذا الالتزام ليس من باب التفضل أو المنحة غير المرتبطة بجدول زمنى، بل إن تسارع وتيرة التغيرات المناخية يلزم تلك الدول الغنية بتقديم كل الدعم العاجل حتى يمكن سباق الزمن لتحاشى الأضرار القادمة المدمرة للتغيرات المناخية فى الصيف والشتاء القادمين..

إن رؤية الأمم المتحدة تتمثل فى كون الجهود البيئية لا يمكن أن تسير منفردة، بحيث أن ما تبنيه دولة فى شأن مكافحة تأثيرات التغير المناخى تدمره دولة أخرى بجهالة أو غفلة أو قلة حيلة.. لهذا جاءت الدعوة لتكاتف الجميع من أجل إنقاذ الكوكب من مصير مجهول مخيف إذا تفاقمت آثار التغير المناخى إلى الحد الذى يصعب علاجه وتدراكه أو بعد فوات الأوان.. الإجراءات الاستباقية والاحترازية فى الشأن البيئى هى الأفضل لتحاشى كوارث طبيعية قد تكلف العالم أضراراً بشرية ومادية يمكن تجنب أكثرها بقليل من الاهتمام والجدية والسرعة فى اتخاذ القرارات وتحقيقها على أرض الواقع.

***

د. عبد السلام فاروق

قرار المحكمة الاتحادية ببطلان اتفاقية خور عبد الله.. ينبغي ان يتحول الى هبة شعبية لمواجهة الاستخذاء والتفريط بحقوق العراق...

- المادة 61 رابعاً من الدستور العراقي تنص على الآتي: "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب".

- أصدر مجلس النواب قانون رقم (42) لسنة 2013 بتصديق الاتفاقية بين العراق  والكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.

- تم الطعن أمام المحكمة الاتحادية بالقانون المذكور كونه جاء بالأغلبية البسيطة خلافاً للدستور الذي ينص على وجوب حصوله على ثلثي أعضاء مجلس النواب.

- لكن المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها بتاريخ 18\12\2014 برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور جميع أعضائها وأصدرت قرار برد الطعن وأكدت أن التصويت عليه داخل مجلس النواب كان وفقاً للشروط الدستورية. وإن "قرار رد الدعوى استند إلى أن التصويت على الاتفاقية داخل البرلمان جاء وفق الدستور بالأغلبية البسيطة"...!

- ولأن قرارات المحكمة الاتحادية باته وملزمة فقد أذعنت الناس على طريقة "إذا قالت حذام فصدقوها ، فإن القَول مَا قَالت حَذَامِ"...

- حذام تقاعدت وحل محلها قاضٍ آخر وطاقم قضاة آخرين وقدم الطعن للمحكمة الاتحادية بنفس الصيغة ولنفس السبب فأصدرت المحكة قرارها القاضي ببطلان القانون المذكور وذكرت المحكمة في بيان لها أنها "قررت في جلستها المنعقدة في يوم الاثنين الموافق 4 /9 / 2023 في الدعوى المرقمة (105 وموحدتها 194/ اتحادية /2023) الحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله رقم (42) لسنة 2013 ".وأضافت أن "المحكمة أصدرت قرارها لمخالفة احكام المادة (61 / رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب" .

المسؤولون في الكويت بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية ببطلان اتفاقية خور عبد الله يعولون على تراجع المحكمة الاتحادية عن قرارها وهذا لن يحصل لأن الموجود على رأس المحكمة الاتحادية وطاقمها لا ينتمون الى مفهوم قضاة السلاطين ، ولكن قد يلجأ السلاطين للالتفاف على قرار المحكمة الاتحادية من خلال تشريع جديد وبنفس المحتوى والمضمون يقدم لمجلس النواب ويحشدون له أغلبية برلمانية تحقق شرط الثلثين فتقف المحكمة الاتحادية في هذه الحالة عاجزة ...

خصوصاً وانه وعلى ذمة بعض الفضائيات فإن الكويتيين باتوا يهددون بفضح المسؤولين العراقيين الذين تسلموا منها رشاوى مقابل بيع خور عبدالله مالم يتراجع القضاء العراقي عن قراره ببطلان قانون اتفاقية الملاحة في خور عبدالله.  

الأمر الذي يتطلب من الفعاليات الشعبية ووسائل الإعلام كافة حشد جهودها للوقوف بوجه ساسة المحاصصة والفساد للتصدي لثقافة الأستخذاء والتفريط بحقوق العراق تلك الثقافة التي طبعت منهج حكام العراق منذ عام 1963 عندما تنازلت حكومة البعث الأولى عن حقول الرميلة وأراضي واسعة للكويت مقابل رشوة للمسؤولين مقدارها 30 مليون دولار كما أشيع في حينه، مروراً بمنح صدام لأراضي تفوق مساحتها مساحة الكويت كاملة للسعودية والأردن، وتنازله عن نصف شط العرب لرفسنجاني بعد انتهاء حرب الثمان سنوات بين العراق وايران واقراره بمعاهدة الجزائر لعام 1975 وليس انتهاءً بالتفريط بحقوق العراق البحرية في خور الزبير الى جانب الربط السككي مع ايران والذي يهمش الجدوى الستراتجية لميناء الفاو الكبير...

***

د. موسى فرج

"هذا استفتاء على ما يعتقده الناس عنا" الكاتبة والمؤلفة جاكي هوجينز من السكان الاصليين

في 14 أكتوبر 2023، سنذهب لنصوت في الاستفتاء التاريخي حيث سيكون لدينا سؤال من جزأين في الجزأ الاول سيُطلب منا الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين في إطار الدستور، والجزأ الثاني التفويض بإنشاء صوت للسكان الأصليين لينقل قضاياهم للبرلمان والحكومة وفي حال نجاح الاستفتاء سوف يتم تثبيت الصوت في الدستور ولا يبقى خاضعاً لمزاج الحكومات.

من أين جاءت فكرة الصوت، في العام 2017 إجتمع قرابة 250 من قادة السكان الأصليين في اولورو واصدروا بيان عرف ببيان اولورو من القلب وطالبوا بالاعتراف بالسكان الأصليين في الدستور واقرار صوت لهم لنقل معاناتهم ومقترحاتهم للبرلمان والحكومة ومن اجل المصالحة الوطنية الشاملة.

هناك مؤيدون لهذا الأقتراح وهناك معارضون له ويعرف فريق المؤيدين بحملة (نعم) وفريق المعارضين يعرف بفريق حملة (لا) ولكل فريق اراءهم التي تدعم مواقفهم وقد قامت الحكومة الاسترالية بتوزيع كتيب على كل المنازل في أستراليا يشرح وجهتي نظر الفريقين.

شعارفريق نعم يقول: ان التصويت بنعم هو من أجل الوحدة، والأمل لأحداث فرق إيجابي ومستقبل افضل للسكان الأصليين (الابوريجينال) وسكان جزر مضيق تورر وكل الاستراليين.

وبالنسبة لهم التصويت بنعم يعني الاعتراف بحضارة عمرها 65 الف سنة واحترامها، الاستماع للسكان الأصليين، إحراز تقدم عملي في قضايا الصحة والتعليم والتوظيف والاسكان.

ويشرح فريق "نعم" ما هو الصوت ويقول: هو لجنة مشكلة من السكان الأصليين ستقدم النصائح للبرلمان والحكومة في القضايا التي تتعلق بهم وسوف يتمثل في هذه اللجنة السكان الاصليين من كل الولايات وسيتم أختيارهم من قبل السكان الأصليين أنفسهم.

الهدف من الصوت اتخاذ قرارات أفضل، الحصول على نتائج افضل، وتقديم خدمات بدون هدر الاموال.

وحسب فريق "نعم" فإن 80% من السكان الأصليين يدعمون الاقتراح.

نشير الى أن السكان الأصليين يشكلون 3% فقط من مجموع سكان استراليا البالغ عدده حوالي 27 مليون نسمة.

شعار فريق "لا" يقول: إذا كنت لا تعرف فصوت بلا،  ويعتبرون ان هذه الخطوة تشكل خطرا على النظام الحكومي المعمول بهً في البلاد، وهناك مخاطر كبيرة في ما يتعلق بالتحديات القانونية التي قد تنتج عن إقرار الصوت، ويقولون انهم يجهلون ما هو هذا الصوت ويريدون معرفة المزيد من التفاصيل، ويعتقدون انه عامل فرقة بين المواطنين، ويقولون ان العديد من السكان الاصليين ضد هذا الاقتراح، ويعتبرون ان تثبيته في الدستور عامل له تداعيات سلبية في المستقبل، وينظرون الى هذا التغيير على أنه اكبر تغيير على الديمقراطية الاسترالية في تاريخها. ورغم ذلك يزعمون اننا جميعاً نريد مساعدة السكان الأصليين المحبطين!

هناك خيار آخر تقترحه المعارضة لدعم الاعتراف بالسكان الأصلين وهو تعديل السؤال وحذف اقتراح الصوت من أسئلة الأستفتاء  وإجراء استفتاء الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين بالدستور كأول شعوب هذه القارة معتبرة أي المعارضة ان هذا الامر سهل وهو صحيح.

المعارضون للصوت اصيبوا بهستيريا وقد لجاوا الى خطاب تضليلي ولأسباب سياسية بحته حتى ان زعيم المعارضة الفيدرالية قد ذهب الى حد القول الى انه على استعداد لإجراء إستفتاء جديد للإعتراف بالسكان الأصليين في حال فوز حزبه في الانتخابات القادمة وتشريع الصوت بقرار حكومي غير مثبت بالدستور وتشكيل لجان من السكان الاصليين على مستوى البلديات.

وكأن المعارضين يقولون بتكريس الجهل  في الوقت الذي يعيبون على الحكومة عدم إعطاء التفاصيل الكافية حول الصوت، حيث يتسالون ماذا  سياتي بعد الصوت الذي يعتبرونه خطوة اولى قبل المطالبة بمعاهدة وقول الحقيقة عن معاناة السكان الاصليين على يد المستوطنين الاوائل.

وصل الامر بفريق حملة "لا" الى حد التخويف من ان هناك من يطالب بالغاء يوم أستراليا الوطني الذي يصادف 26 كانون ثاني من كل عام والذي يعتبره السكان الاصليين يوم الغزو بالإضافة الى المطالبة بتغيير العلم وغيرها من المؤسسات والرموز وإعادة كتابة تاريخ أستراليا الى جانب المطالبة بتعويضات مالية.

كذلك انتقد فريق "لا" المطرب جون فانهم الذي قدم أغنيته انت الصوت لفريق "نعم" ليستخدمونها في الترويج للتوصيت بنعم ولم تنجو الشركات الكبرى من نقد  فريق "لا" بعدما اعلن معظمها تأييد الصوت علماً ان الشركات وفريق المعارضة ينامون في نفس السرير عندما يتعلق الامر بحقوق العمال!

مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء الأسبق (أحرار) قال ان حكومته عارضت الإقتراح عام 2017 لكنه سوف يصوت بنعم لصالح الاقتراح، وأضاف ان التصويت بنعم من اجل تقديم الاحترام للسكان الأصليين حيث يمكننا معاً ان نطوي صفحة من التاريخ نحو العدالة وتابع علينا أن لا نسمح للمثالي والكمال بان يكون عدواً للخير.

محرر الشؤون السياسية في صحيفة سدني مورننغ هيرالد بيتر هارتشر كتب مقالة في 2/9/2023 بعنوان: هل الصوت للبرلمان خطر؟ دعونا نحصي المؤسسات الأخرى المشابه تمامًا

وعدد أكثر من عشرة هيئات إستشارية تقدم استشارتها للحكومة في كافة المجالات من الصحة الى التعليم والدفاع والضمان الإجتماعي والمالية والبنك المركزي… إنهم موجودون في كل مكان، ويقدمون المشورة بشأن كل شيء تقريبًا.

وختم مقالته بالقول: إذا كان أجدادنا يستطيعون أن يقولوا نعم في عام 1967، وإذا كان آباؤنا يستطيعون أن يقولوا نعم لحقوق الأرض، فإن هذا الجيل قادر على أن يقول نعم للجنة استشارية.

من الآن حتى 14 تشرين اول سوف نسمع المزيد والمزيد من حملات التضليل والهستريا السلبية من قبل حملة "لا" ولن يكون آخرها التهديد بالقتل والذي تحدثت عنه  إحدى زعماء السكان الأصليين البروفسورة مارسيا لانغتون التي زعمت في كلمة لها في نادي الصحافة الوطني في كانبرا (5/9/2023) أن التهديدات بالقتل والإساءات تستهدف المدافعين الرئيسيين عن التصويت بنعم في استفتاء 14 أكتوب.

في دعوة عاطفية للناخبين لإنقاذ الأرواح من خلال التصويت من أجل التغيير قالت لانغتون إنه "ليس هناك ما يدعو للخوف" من "صوت السكان الأصليين" وحذرت الناخبين من"خداع" نشطاء حملة "لا" الذين زعموا أن النتيجة ستقسم البلاد على أساس العرق.

أخيراً نشير الى ان إستطلاعات الرأي الاخيرة جاءت بنسبة %54 لفريق "لا" و46 لفريق نعم.

لكن رغم هذا الفارق فإن الاستطلاع الذي يعتد به هو يوم الاستفتاء والذي يحتاج الى أكثرية الاصوات على مستوى أستراليا واكثرية اربع ولايات من أصل الولايات الست حتى يعتبر ناجحاً

في الختام أعتقد ان الشعب الأسترالي سوف يضع خلف ظهره الماضي وينظر بعين الامل الى مستقبل أفضل وأكثر ازدهاراً لنا ولأجيال المستقبل…

ولذلك سوف أصوت بنعم

***

عباس علي مراد - سدني

واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملية التحول للنظام الديمقراطي في معظم دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها الشمولية بمساعدة خارجية مفصلية، هي كيفية التعاطي مع قوى المعارضة الجديدة، خاصة وأن غالبية الحاكمين بعد تغيير أنظمة دولهم كانوا معارضين سواء في الداخل وهم القلة أو في الخارج وهم الغالبية وتعرضوا لظروف قاسية سواء من كان منهم يعمل في الجبهة الداخلية او الذين غادروا البلاد ولجأوا الى دول الجوار وانطلقوا منها للعمل، وقسم ثالث لجـأ الى أوروبا او أمريكا للعمل السياسي والإعلامي الذي يتعلق بالرأي العام ومراكز القرارات الدولية، والصورة جلية في كل من العراق وايران وسوريا وليبيا وغيرهم من مناطق أخرى في العالم.

هذه التحديات توزعت على مجموعة عوامل او مؤثرات أهمها ما يتعلق بعدم تبلور ثقافة المواطنة التي تصدعت وتشوهت بل وتلاشت في كثير من البلدان ذات التنوع الاثني والديني والمذهبي، ناهيك عن التكلسات الشعورية التي أصيب بها غالبية المعارضين من الظلم والاضطهاد والاغتراب من قبل النظم المستبدة والتي تحولت هي الأخرى أي تلك المشاعر لدى العديد ممن اعتلوا دفة الحكم بعد التغيير الى شعور بالانتقام مستخدمين ذات الأساليب في التعامل مع من يخالفهم الرأي الى الحد الذي أصبح الانتقام المنظم ديدنهم بحجة انهم من اتباع النظام السابق!

وقد تجلى ذلك في سلوك الحاكمين بالعراق وليبيا وايران حيث تعرض اتباع النظم السابقة والمحسوبين عليهم حتى من أقاربهم او أصدقائهم الى عمليات اقصاء وابعاد واضطهاد وظلم كبير وصل الى درجات تجاوزت مستويات ظلم النظم السابقة، واعادت ذكريات بائسة من سلوكيات الأنظمة الشمولية بما أعاق عملية التحول الى النظام الديمقراطي، بل حصل العكس وبدلاً من إقامة دولة مؤسسات وقانون تحولت البلاد الى محكوميات ميليشياوية ممغنطة بفكر شمولي طائفي ضيق وعقلية قومية أو دينية متطرفة، حولت هذه البلدان إلى مراكز تكثف فيها الظلام ففقدت البصر والبصيرة وغمرت البلاد بكم هائل من الدكتاتورية البديلة والفساد!

ولعل أبشع ما يُمثل التعاطي مع المعارضة بعد تغيير الأنظمة الشمولية تتجلى في العراق وإيران وتركيا حيث مارست الميليشيات العراقية عمليات تصفية لعشرات الآلاف من المشتبه بهم فقط كونهم إما بعثيين أو متعاونين أو متعايشين مع منظمات الإرهاب أبان احتلالها للمدن والقرى، وغدت هذه التهمة حجة كافية لإعدام آلاف من الرجال وتغييب عشرين ألف شخص نسبة عالية منهم دون الثامنة عشر من العمر، ناهيك عما تقوم به إيران في إبادة المعارضين لها في الداخل بل ولم تكتف بذلك فقامت قواتها الجوية والمدفعية والصاروخية بقصف مخيمات اللاجئين من مواطنيها في إقليم كوردستان، وذات الفعل تقوم به تركيا في ملاحقتها لمعارضيها في العراق، أما ليبيا فحدث ولا حرج من الاقتتال والتصفيات على حساب السلم والأمن الاجتماعيين.

إنها إشكالية معقدة تعود في الأساس إلى فقدان بوصلة التربية والتعليم وأسس بناء الدول والمجتمعات، والفشل في معالجة مخرجات وتداعيات تلك الأنظمة الشمولية وما خلفته بعد انهيارها بعقلية معاصرة وبروح وطنية خالصة، لكن الذي حصل للأسف هو هيمنة العقلية الدينية والقبلية والمذهبية العنصرية المتشددة والمتطرفة في معظم مفاصل الدولة ومؤسساتها التي استخدمت كل هذه الوسائل والأدوات لإنتاج سلطة تشريعية بذات المواصفات، وقد نجحت فعلا في تعطيل القوانين والدساتير لصالح اغلبية أصحاب تلك الادوات وأعرافها البالية وتفسيراتها وتأويلاتها المنحرفة، والتي كانت وما تزال سبباً مهماً لعدم تقدم هذه البلدان ذات الإرث التاريخي والحضاري والثروات الهائلة، حيث التقهقر والبطالة والفساد وانتشار الميليشيات والسلاح والمخدرات.

***

كفاح محمود

عين حزبية برموش إقليمية ومسكارا أمريكية

كان حي دوميز في كركوك، عود الثقاب الذي أشعل بنزين أحداث كركوك الأخيرة. دوميز اشتعل في الـ 3 من أوغست الماضي بمصرع اثنين من العراقيين الأكراد بنيران قوَّات العراق الأمنيَّة. حصيلة الضحايا المدنيين  بدءً من دوميز ولحدِّ كتابة هذه السطور أربعة، ومن المتوقع منطقياً وللأسف ارتفاع هذهِ الحصيلة في الأيام القادمة، ما دام الاتفاق السياسي بين بغداد و"البارتي" الحزب الديموقراطي الكردستاني فيما يخص عودة الأخير للمدينة، يُشبه عُلبة كبريت كامِلة خرج منها عود دوميز لأجل التحمية في هواء العراق السياسي.

الزَّعم لكل من رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني و"البارتي" بأنَّ العودة هي لأغراضٍ انتخابيَّة، لا يتفق مع تطنيش الأول والمقذوفات الإعلامية المُنخفضة الشِّدَة للثاني عن دوميز، والأحداث التي تراكمت في كركوك منذ بداية أوغست الماضي، مؤدية إلى المزيد من الأحداث المؤسفة في نهاية هذا الشهر الساخن. "البارتي" اختار بدايات سبتمبر الحالي، لاستخدام مدافع الشاشات الفضائية ومنصات السوشيال ميديا، لقصف الرافضين لعودته إلى المدينة.

 تطنيش رئيس الحكومة، انتهى في الـ 3 من سبتمبر، بإصدارِ مروحة قرارات، لتبريد هذه المحافظة الساخِنة بالقوميات والنفط. كان منها اقتراح تسليم هذا الحزب الكبير مقراً آخر غير "المقر المتقدم"؛ الذي يقع على طريق كركوك – أربيل، وبقاء هذا المقر السابق لـ "البارتي" تحت سيطرة قيادة القوات العراقية المشتركة. كذلك صبَّ رئيس الحكومة بعدها مزيداً من الاسمنت المُسلَّح على اقتراحه، بالإعلان  عن منح 500 مليار دينار شهرياً لحكومة كردستان العراق التي يُديرها "البارتي" حالياً، ورشِّ المحكمة الاتحادية الماء على هذا الاسمنت، بقرار إيقاف تسليم المقر المتقدم "حِفاظاً على السلم الأهلي".

ادعاء "البارتي"  بأنَّه يبحث عن عودة سياسيَّة لا أظافر أمنية فيها، لا يتفق مع وقائع الزمن القريب. مثلاً تقرير "هيومن ووتش" في 2014، أشار إلى قيام الحزب  بعد مضي شهور من الصراع مع داعش، بتفريغ القُرى العربية المحيطة بكركوك من السكان، مستعيراً أسلوب كهرمانة.. وضع إشارات على البيوت العربية بدل الجِرار، لتخليلهم كنازحين، واعتقال آخرين في سجون كردستان العراق. طبعاً، هذا إذا أردنا تناسي حضور يده الأمنية والمخابراتية الثقيلة.. الأسايش والباراستن. الحزب يتهمُ الرافضين لعودة قوات البيشمركة الخاصَّة به إلى كركوك، بأنهم ليسوا من أبناء المدينة وإنَّما ميليشيات إيرانية تحديداً ميليشيا عصائب أهل الحق.

عودة "البارتي" إلى كركوك، تأتي لضمان دعاية حزبية ذات أجراسٍ قوميَّة له، بأنَّه لم يخسر كركوك، وبالتالي تمزيق حظوظ منافسه "اليكتي" الاتحاد الوطني الكردستاني التي تسير في عربة حلفائه من "الإطار التنسيقي". النتيجة، ما حققهُ منافسنا بخيانة استرددناهُ بكرامة. تهمة الخيانة هي الذيل الإعلامي الذي يلصقهُ " البارتي" بمؤخرة كُل سياسات "اليكتي" مع بغداد.

جمال هذا التفسير مملوء بالسليكون الإعلامي رغم جانب الصواب فيه. لكن هذا السيليكون كما يبدو غير قادر على مجاراة حاسة الشم الحادة لأنف "البارتي"  فيما يتعلق بمطابخ القرار الإقليمية والدولية. هذا الأنف التقط في الـ 16 من يوليو الماضي، ممكنات زيارة السوداني إلى دمشق، والتي كان منها الاتفاق بشكلٍ مبدئي على تفعيل انبوب كركوك - بانياس النفطي، كبديلٍ محتمل لأنبوب النفط الواصل بين كركوك – جيهان، وتفكير بغداد أيضاً ببديلين آخرين هما كركوك – العقبة وتفعيل الممر الاستراتيجي بين البصرة – كركوك. عليه فإنَّ الضغط على بغداد سيتحوَّل إلى زرزور لا بد من اتفاقه مع عصفور المصالح التركية للطيران بعيداً عن قفص "البارتي".

بارود الرصاص التحذيري الذي انطلق من بندقية البيان المشترك لوزيَّريْ خارجية تركيا وإيران في الـ 4 من سبتمبر فيما يخصُّ كركوك " ندعم التمثيل المتساوي لجميع مكونات المجتمع في المدينة"، ساهم أيضاً في إطالة ساعات عمل أنف "البارتي". أمّا تحذير الوزير التركي هاكان فيدان من تصاعد "نشاط البككة في كركوك"؛ فقد دفع الحزب للتلويح بكركوك كـ " قنبلة موقوتة".

"البارتي" وفي نفس اليوم.. أي الـ 4 من سبتمبر، استخدم ضابطاً رفيعاً متقاعداً من البيشمركة كرسالةٍ زاجِلة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للإعلان عن إمكانية زيادة عدد ألوية البيشمركة إلى 28 لواءً، والاستعداد بشكلٍ حقيقي هذه المرَّة لتوحيد قيادة هذه الفصائل بعيداً عن تدخلات "البارتي واليكتي". وبالتالي المُطالبة بحلِّ قضية كركوك فيما بين سطور هذه الرسالة الزاجِلة.

الحزب يعاني سورياً أيضاً من موقف واشنطن الذي بدا وسطاً، في النزاع الأخير ما بين العشائر العربية في دير الزور وقوات سوريا الديمقراطية "قسد". الاقتتال قد يؤدي إلى قطع ذراعه السياسي هناك.. تحديداً المجلس الوطني الكردي، والمُسيطر عليه من قبل نُسختيه السوريتين اللتين تحملان نفس الاسم "الحزب الديمقراطي الكردي"، لكن الثاني يُشير إلى نفسه اختصاراً بـ "البارتي". سببُ وجود هاتين النُسختين إن الأولى ترى ضرورة الاتفاق مع الحكومة السورية، أمّا الثانية فهي بالضد من الاتفاق مع دمشق!

موقف واشنطن الوسطي، يبدو تجربة ميدان؛ فـ "قسد" ليست مقبولة من جميع الأطراف المُنافِسة للولايات المتحدة في سوريا. العشائر العربية في مشهد شرق الفرات وغربه تبدو خياراً أفضل، وتركيباً أكثر مرونة لاستخدامها كخطوط حمراء مع أنقرة، طهران، ومع لاعبين محليين مثل كردستان العراق. أمّا بالنسبة إلى نزع سلاح المعارضة الإيرانية الذي تُطالب به طهران ويتردد "البارتي" بتنفيذه فهو يُحتِّمُ علينا الاستعانة بالتاريخ. السكرتير العام الأسبق للحزب الديمقراطي الكردي في لبنان جميل محو زَعَمَ في مُذكَّراته " إنَّ معظم المقاتلين في صفوف بيشمركة العراق هم من أكراد إيران". محو كان يتحدث عن  السنوات التي امتدت من 1961 إلى 1975، والتي تسميها الأدبيات العراقية الكردية بـ "الثورة". المؤكَّد أنَّ التاريخ لا يُعيد نفسه كردياً.. والله أعلم.

المُفارقة إنَّ دخول "البارتي" إلى كركوك حدث بعد استلامه الضوء الأخضر من قبل النائب وصفي العاصي، رئيس تحالف "العروبة" المُشكِّل من تحالف الجبهة العربية الموحدة وتحالف "العزم" الذي ترعاه ميليشيا العصائب، مما دفع رئيس الجبهة التركمانية حسن توران إلى التلويح بمقاضاته. ما حصل يؤكد إنَّ "البارتي" خسر ثمن جهود تلميع النظام في واشنطن، من خلال فُرشاة كلمات عضوه البارز ووزير خارجية العراق الحالي فؤاد حسين في فبراير الماضي. كلمات الوزير كانت مؤثِّرة والدليل كركوك.

جماعة "الإخوان المسلمون" في العراق حاولت مع نائبٍ سابق في البرلمان العراقي ومحلِّل سياسي حالياً، التذكير بدور مسعود بارزاني المُشرِّف في استقبال العراقيين النازحين من مناطق البلاد الغربية، والفارين من "داعش" بعد أن قيَّدتهم بغداد بسياسة "الكفيل" على جسر بزيبز. لكن القول "لولا بارزاني ثُمَّ عون الباري لما بقي سُّنة في العراق" كان أسلوباً راقياً جدَّاً ولا يتناسب مع أخلاق التحالف مع طهران، ولم يُقدِّم خدمة سياسية رفيعة لرئيس حزب "تقدم"، تعوِّضُ موقفه نصف الجالس ونصف الواقف من رجوع "البارتي" إلى كركوك "نحن مع عودة الحزب لكن بطريقة قانونية وبدون صدامات سياسية".

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب  وصحافي وباحث عراقي

سمعنا صوت ابنة عالم الاجتماع عليّ الوّرديّ(1913-1995)، تناشد مَن ينصرها لاسترجاع دار أبيها، لتكون مُتحفاً لتركته الفِكريّة، فالعلامة ليس لديه سوى راتبه من التّدريس، وما درت عليه كتبه، وهي أكثر المنهوبات، فقد ظهر وكلاء متعددون، كلٌّ أعلن أنه صاحب التّخويل بطبعها، واستنسخت بغزارة، بل استلت فصول منها، ونُشرت في كتب.

أقول: لو عاد ريع كتب الوَرديّ على أسرته، لشيدوا منازلَ بها، ذكرتُ ذلك لأن كتبه سارت بها الرُّكبان. صرف الوردي جُل ما استلمه لتأسيس مكتبة يُنتظر أنها ستكون جزءاً مِن متحفه الموعود: «لا أملك مِن حِطام الدُّنيا سوى مكتبتي، وداري التي أسكنها»(المطبعيّ، عليّ الوردي يدافع عن نفسه). استباح أدعياء التخويل الكتب، أمّا الدَّار فمرهونةٌ عند العشيرة، لأنها «أصدق أنباءً مِن الكتبِ».

كان للورديّ فضلُه في عضد المدنيّة العراقيّة، فكيف يلوذ بعشيرةٍ أو مذهبٍ، فلم يعترف إلا بالدَّولة، ولذا ظلّ لقبه «الوّرديّ»، مِن دكان لبيع «ماء الورد». احتفظ العراقيون بألقاب المهن، التي يشتركون بها، على مدى العصور، ومنها بيع الورد ومائه، فقديماً عُرف قاضي القضاة عليّ بن محمَّد بالماورديّ(ت: 450هج)، عهدي البويهيّة والسُّلجوقيَّة، صاحب «الأحكام السّلطانيَّة»، لكن آل الوردي رفعوا الماء وأبقوا الورد.

جاء في المناشدة: «مثلما تعرفون أن عليّ الورديّ يدعو إلى المدنيَّة، إلى التّحضر، إلى الإيمان والعمل بالقوانين، فنحن طلعنا مثله، ما عندنا عشيرة»(فيديو المناشدة). جاءت المناشدة بعد تهديد عشيرة السّاكن في منزلهم، منذ أربعين سنةً، ويرفض تطبيق قانون الإخلاء، قالت العشيرة: «هذا البيت لا نُخليه، لو قاتل، لو مقتول».

لا يريد آل الوردي تبديل العشيرة أو المذهب المدنيَّة التي سهر والدهم على دعمها، في مؤلفاته وحواراته. عندما تضعف الدّولة تستشرس الفرعيات، ويبدو أنَّ الذين نُهبت أرضهم بالجادريّة مؤخراً، تعاملوا مع واقع الحال، فلجأوا إلى المرجعيات، وبذا قدموها بديلاً عن الدَّولة. هذا ما لا يستوعبه ورثة الورديّ، وكتب والدهم وأفكاره ما زالت مفتوحة أمامهم، ناطقةً. يُخيل لي أنَّ العشائريَّة، بعد تمكنها، أرادت الثّأر، فالوَرديّ لم يدخر انتقادها، «دراسة في طبيعة المجتمع العِراقيّ»(1965) «تكوين الشَّخصية في الرِّيف»، انتقدها عندما كان «قانون العشائر» سارياً.

كان رئيس العشيرة يحكم عشيرته، والعراقي، في ظل القانون المذكور، استغنى عن الدّولة، لأنّها لا تتجاوز العشيرة، ومع ذلك كان للدولة حضورها آنذاك، فتمكنت حكومات إضعاف العشائريَّة، ثم عادت ودعمتها لحاجة، فظهر مصطلح «شيوخ التِّسعينيات»، غير الأُصلاء. فإذا كانت العشيرة تلاحظ الدّولة وتحذرها، فالآن صارت تقول: أنا الدَّولة، الدَّولة أنا، وكل حزب يريد العشيرة رافعةً له، فماذا عن عشائر «الإسناد» مثلاً؟

مازالت أسرة الورديّ، مع جبروت العشائريَّة وأسلحتها الثَّقيلة، تحلم بعون دولة، التي تحولت إلى فرع والفرعيات إلى دولة، فعند مَن ناشدتهم لا قيمة لمنزل يُراد له أن يفتتح مُتحفاً لتخليد عالم اجتماع، مقابل تهديد العشيرة «لو قاتل لو مقتول»، ونحن في زمن الحقّ ما قاله أبي تمام(ت: 231هج):«السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ/ في حدِّهِ الحدُّ بين الجدِ واللَّعبِ»(الصُّوليّ، أدب الكاتب). فماذا تعني كتب الوردي مقابل سيف العشيرة، وفي ظل احتجاب الدَّولة؟!

نعم، قامت الدّاخليّة (يوم 28 أغسطس 2023) بإخلاء البيت، ويُنتظر تسليمه لأسرة آل الورديّ، لكن المُغتصَبات مِن البيوت لا تُعد ولا تُحصى ببغداد، ولو كان الوضع سليماً، هل يحتاج إخراج مستأجر إلى أرتال عسكريّة! هذا، وعندما يتكاثر المتنفذون تبرز للظُلمِ رؤوسٌ، ولأبي الطّيب (اغتيل: 354هج): «ظُلمٌ لذا اليوم وَصفٌ قبل رؤيته/ لا يصْدق الوَصْف حتّى يصدقُ النّظرُ»(العُرف الطّيب في شرح ديوان أبي الطَّيب). نعم، كان ظلماً مسموعاً ومرئياً، أنّ العشيرة والميليشيا اليوم أَصْدَقُ أَنْبَاءً.

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

تشكلت معظم الاحزاب السياسية العراقية، العربية والكوردية والتركمانية وغيرها، المشاركة في الحكم في ادارة الدولة العراقية ما بعد 2003 والتي يرجع تاريخ تأسيس البعض منها الى النصف الأول من القرن العشرين، والأخرى حديثة العهد والنشأة، تشكلت وفق أصول فكرية وعقائدية وأديولوجية مؤسسة لكينونتها وبنيتها ونظامها الداخلي والخارجي، السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذا ما نلمسه لدى الأحزاب الدينية الاسلامية والعلمانية على حد سواء، فلكل منهما أصول وأسس فكرية ونظرية تستند عليها للعمل السياسي والجماهيري، واقناع كل حزب لجماعته ومتبعيه بما يملك من أفكار تغذي الزخم الفكري والعاطفي لديها لتحقيق الكسب والجذب المادي والمعنوي في تحركها نحو أكبر قطاع ممكن من الناس، ويتضح ذلك من خلال ما نجده من أدبيات وخطابات وكتابات فكرية وأيديولوجية منتشرة ومبثوثة بين جماهير كل قطاع يعمل المؤسسين لها على نشرها وتقديمها لقطف ثمارها، وتعمل الجماهير المتبعة لها على تبنيها والدفاع عنها بصورة مقدسة كما لو أنها شيء مقدس لا يمكن مناقشته، وتبذل الغالي والنفيس في الدفاع عنها، لما تحويه من أفكار وتوجهات منسجمة مع التوجه الفكري والاعتقادي لكل جماعة تسير خلف ذلك الحزب أو ذاك، مؤمنة ايمان العجائز بقدرة هذه الاحزاب على امتلاك الحل السحري للخروج بها من الانفاق المظلمة الى بر الامان، سياسياً واجتماعياً وروحياً، وهذا ما نلاحظه ونلمسه في واقع الشعوب والمجتمعات العربية عامة، وواقع المجتمع العراقي على وجه الخصوص، ولا بأس أن تؤمن الجماهير بذلك لو تم لها تحقيق ما تصبوا اليه من حقوق وحريات وامكانات وثروات ورفاه وتقدم، وتطابق العمل السياسي مع ما تنادي به تلك الاحزاب من خطابات وشعارات وأهداف، ولكن الكارثة العظمى ان الجماهير تسير خلف احزابها دون نظر أو تمحيص وغارقة في فقرها وبؤسها حد النخاع، وهي متلذذة بهذا المسير وتلك الطاعة العمياء لمن يقودها.

فيما يخص الاحزاب السياسية الدينية الاسلامية الحاكمة في الدولة العراقية فأن لديها مرجعيات ونظريات وأدبيات دينية اسلامية أشتقت اصولها وأسسها وفق مرجعياتها التأسيسية الدينية التي آمنت بها، وفق الشريعة الاسلامية، وعلى هذا الأساس بنت أفكارها ونظرياتها وقدمت برامج سياسية واجتماعية واقتصادية دينية وفق ذلك المنظور، وهذا ما نجده في أدبيات وكتابات الاحزاب السياسية الشيعية والسنية على حد سواء، فقد طرحت تلك الاحزاب رؤاها ومبادئها وفق المشروع الاسلامي المثالي، الذي يتمنى الجميع تحقيقه وتطبيقه بين الناس، لما يحمل من أفكار ونظريات انسانية ذات سحر عميق، تُمني الفرد والمجتمع بتحقيق الكمال والسعادة والرفاه والحرية والانسانية بين الناس، وهذه أمنية ما بعدها أمنية، ولكن واقع الحال بعيد عن ذلك تماماً.

خرقت الاحزاب السياسية الاسلامية دستورها ونظامها وخانت مرجعياتها وأصولها بعد أن تسنمت الحكم وشاركت في ادارة الدولة فعلياً، وتحولت كل افكارها وطروحاتها الى خطابات وشعارات فارغة لا قيمة لها على أرض الواقع، وتمرغت تلك الاحزاب في وحل السياسة والحكم ونزعت ثوبها القديم لتواكب العصر والواقع الجديد الذي تمثلته وتفاعلت معه، ونسيت كل وعودها الساحرة التي وعدت به جماهيرها ان تسنمت مقاليد الحكم، وتلك هي المصيبة الكبرى على ارض الواقع، فقد تحولت تلك الاحزاب المناضلة والمجاهدة الى أحزاب دكتاتورية طاغية تعمل عمل الطغاة والحكام الذين ناضلوا وجاهدوا وجدوا واجتهدوا في محاربتهم، فهم اليوم يسكنون مساكنهم ويحيون حياتهم ويسيرون سيرتهم، وما أشبه اليوم بالأمس، وكأن عقارب الساعة تعود الى الوراء من جديد.!!

الملاحظ تاريخياً وواقعياً ان أغلب الاحزاب السياسية تقدم طروحاتها وأفكارها وفق أجواء ساحرة ومثالية طوباوية تسحر به أتباعها ومريديها وتعمل على كسب وجذب عقولهم وعواطفهم، ولكنهم حين يمكنون من رقاب الناس ويستلمون دفة الحكم تتغير مسارات التفكير والتنظير وتتهافت كل المبادىء والاهداف التي طرحت في ساعتها الأولى، وهذا ما يلاحظ من خلال الرجوع لتاريخ هذه الاحزاب قبل استلام الحكم وبعده، فهناك بون شاسع بين لحظة التنظير والتأسيس ولحظة الممارسة والحكم، وتلك مشكلة كبرى تعاني منها الشعوب على مر التاريخ، وهذا شرخ كبير وازداوجية وخيانة عظمى ما لها من علاج، وهي مصداق لقول الله تعالى في القرآن الكريم : "كلما دخلت أمة لعنت أختها"، و " كل حزب بما لديهم فرحون"، وتلك هي الكارثة المهلكة، أن تنظر بعيونك الرمداء ولا تبالي لمن هم يبصرون.!!

ومن الجدير بالذكر أن مبادىء وأهداف وطروحات وتنظيرات الكثير من الأحزاب السياسية ليست خاطئة، بل سليمة وناجعة، ولكن الخلل والفشل في التطبيق، فحين نقرأ أدبيات وطروحات بعض الاحزاب السياسية الحاكمة نجدها ذات أفق وعمق كبيرين، ومنها من يتشكل وفق مرجعيات وأسس دينية تارة، وتارة فلسفية، وتارة أخرى علمانية أو قومية أو علمية، ولا ضير في ذلك، فكلها تنشد العدالة والحرية والمساواة وتحقيق الرفاه واسعاد الناس على مستوى التنظير، ولكنها على أرض الواقع تخفق في تحقيق ذلك وتسعى لتلبية طموحاتها الحزبية الضيقة، وتكون تلك الخطابات والشعارات جسر للعبور  وتحقيق مكاسبها الذاتية، وهذا ما نلاحظه في سيرة ومسيرة الكثير من الجماعات والاحزاب، فخيانة الاهداف هو خرق كبير تمارسه الاحزاب بعد تسلمها ادارة الحكم وتمكنها من رقاب الناس، وتخليها عن تنظيراتها المثالية الساحرة التي ضحت الجماهير من أجلها، وقد تقدم تلك الجماهير قرابين من الشهداء والدماء والتضحيات ساعة كانت معارضة لحاكم أو سياسة ما، وتعود صفر اليدين بعدما تتسلم الأحزاب المعارضة دفة الحكم حين تقضي على الحزب أو القائد الحاكم السابق، وفي الحالتين تعود الجماهير خائبة خاسرة، لأنها وقود المحرقة، وجسر العبور الذي يصعد على أكتافه من يجيدون قواعد اللعبة.

لعلّ سائل يسأل ما هو سبب تسليط الضوء على خيانة الاحزاب السياسية الاسلامية العراقية لجمهورها واهدافها ومرجعياتها، ما دام الأمر ينطبق أيضاً على معظم الأحزاب السياسية الحاكمة بمختلف توجهاتها ومسمياتها وكياناتها، فنحن أمام طبيعة بشرية وظاهرة سياسية ومجتمعية عامة لا تخص حزب دون آخر، وانما تشمل جميع من في الحكم، ولعلك تشوه بهذا التفسير والفهم الصورة لحركة الاحزاب السياسية الاسلامية ذات التاريخ النضالي الكبير، وبذلك تقدم هدية ثمينة على طبق من ذهب للأحزاب الأخرى المعارضة للتوجهات الاسلامية أن تصعد وتتصدر المشهد السياسي وادارة الدولة العراقية، وهناك الكثير مما يثير علامات الاستفهام والتعجب من قبل جماهير تلك الاحزاب الدينية الذين يثيرهم أو يزعجهم مثل هذا المقال.!!

ولكنني أجيب عن ذلك التساؤل والاستفهام بأن شعبية الأحزاب الدينية الاسلامية في العراق كبيرة جداً، فضلاً عن تاريخها الجهادي والنضالي وتقديمها للشهداء والتضحية في مقارعة السياسات والحكام الظالمين هذا من جهة، ومن جهة أخرى وهو الأساس فأنها ترجع في أصولها وفكرها وتنظيرها الى الشريعة الاسلامية التي تسعى نحو احقاق الحق وتنظيم حياة الفرد والمجتمع وبناء دولة انسانية عادلة يعيش فيها الناس بخير وسلام، وهذا ما يدعو له الاسلام في نصوصه المقدسة، والتي جندتها تلك الاحزاب وضمنتها في أجنداتها الحزبية وأدبياتها الأيديولوجية في تحقيق نزعة انقاذية خلاصية كمالية مقدسة تجذب الجماهير نحوها. ولكن للأسف كانت تلك الدعوات شعارات وخطابات طوباوية ساحرة فارغة مات مفعولها منذ وصول تلك الأحزاب للسلطة واستلامها دفة الحكم، وتبخرت كل الاحلام السعيدة، وأصبح ذلك التنظير والتفكير الحزبي المعسول قارب النجاة للوصول للسلطة والحكم من قبل المتحزبين، وجنت الجماهير منه البؤس والشقاء والحرمان، وتلك هي الخيانة الكبرى التي قدمتها الاحزاب السياسية الاسلامية على طبق من ذهب لأتباعها وجماهيرها المخلصة والمعذبة على مر التاريخ، وللأسف فأننا نلدغ مرات ومرات من ذلك السلوك المأساوي المشين، ونعود مرة أخرى نصفق ونزمر ونطبل لتلك الأحزاب كما لو أننا في سكرة غافلين، وما هذا المقال النقدي الا لتصحيح المسار ودعوة للصحوة وأنقاذ ما تبقى من وطن نحلم فيه بالبقاء والنهوض به وحمياته ممن يتزيون بزي الدين والاسلام والوطنية، واالسعي لأستعادة ثقة الجماهير بأحزابها ومن يمثلها، وحماية التاريخ المضرج بالدماء والشهداء لهذه الأحزاب الحاكمة الحالمة بالأصلاح والتغيير وبناء الدولة الديمقراطية الجديدة قبل أن نخسرها ونفقد ما تبقى منها وتزول التجربة السياسية ما بعد التغيير برمتها وعودة عقارب الساعة الى الوراء لا سمح الله.  

***

ا. د. رائد جبار كاظم – أستاذ فلسفة / الجامعة المستنصرية

ان القصد من كتابة هذه الحلقات هوتقديم قراءة معاصرة ونظرة جديدة للدين الذي ضاع بين عمائمه منذ البداية فلا خلفاء أولون حفظوه ولا دولة اسلامية طبقته، له قرآن واحد لا يختلف فيه مختلفون، لكن فقهاء التخريف فسروه قبل ان تكتمل اللغة العربية وتتركز في تجريداتها الاساس لذا ظهرت فيه نظرية الترادف اللغوي التي مزقت المعنى الواحد وحولته الى معانٍ مختلفة، حتى اصبح ناقوس خطرٍ يدق للتنبيه في عالم شغل عن كل شيء الا عما تربطه بالملهيات والمغريات ونصوص الدين التي تحولت الى احاديث كاذبة، وشرائع فاسدة، وادعية واساطير الاولين، ليحكمنا بها التاريخ حتى وصلنا الى مرحلة الانحطاط والظلم الكبير،

ولتحكمنا هي بالاخرة والمقدس الوهمي والاموات المقدسة التي تجاوزها الزمن في التفكير، ولا زلنا نهرول خلفها ونقيم لها الاحزان بالملايين من الجهلة والمخرفين، والا لماذا يحولون مناسبات الاحزان الى غلو سياسي يخربون فيه البيئة وعقول الناس اجمعين زيادة على تخريب المغيرين السياسيين الفاسدين.

، ما هكذا كان الدين واهل البيت يُقدسون، فما هي سوى اصنام للكافرين، التي حطمها ابراهيم "انها لا تنطق ولا تعي"، اصحوا يا عراقيون فالله عرف قبل محمد عند عرب الجاهليين واحترم اكثر من عرب المسلمين، فبلدكم اصبح في مهب الريح سكناً للخائنين.ز. بعد ان اهملوا الوطن والمواطنين، وحقوق الناس اجمعين ولاهمَ لهم الا السلطة والمال، فهل كان ومازال الدين خُرافة تلعب به عمائم الدين، انا واثق لو اننا بلا دين لكنا اليوم مثل اليابان والصين.

نحن لا نريد اخرتكم لنعيش في دنياكم مذلولين خذوا الجنة وحور العين والولدان المخلدون وما ملكت ايمانكم يا سُراق الآدميين، نحن نريد حقوقنا الحياتية قبل الأخروية الوهمية التي بها تدعون، والتي أكلتموها بدون وجه حق ايها الفاسدون، وفرقتم بين المواطنين في الحقوق يساندكم الاعلام الفاسد في التثبيت والتخريف، بينما من يعيش منا في بلاد الكافرين له كل الحقوق في الأمن والامان والكفاية والعدل واولادكم وذراريكم واموالكم المحوله اليهم يشهدون، كفاية في ازدواجية الشخصية عندكم وانتم تدعون الدين واسلام المسلمين الذي شوهتموه عمدا ترضية للاخرين، وفي بلدانكم القتل والتغيب والتفريق، فلاندري عن اي دين تتكلمون وبأي شريعة فاسدة تحكمون، ؟

علينا ان لا نبقى نصدق ما كتبه المؤرخون والفقهاء الكاذبون كالطبري واليعقوبي وابن الأثير، لنا بروح التعصب الديني ونكران الحقيقة، حتى اصبحنا نحن والاسلام في غياهب الجب من الاسلام الصحيح، نريد اسلام الله الصحيح لا اسلام الفقهاء المزوربالاحاديث الكاذبة والمذهبية المفرقة للصفوف، والنصوص المزورة من الغريب.من امثال البخاري ومسلم وبحار الانوار وغيرهم من البويهيين من ناقلي كذب الفاسدين.

ان ما حصل ويحصل اليوم تحت سمع وبصر المسئولين في اربعينية الحسين (ع) واضحاً انه غلو سياسي القصد منه تفرقة العراقيين ليسهل عليهم بلع الوطن ومافيه من موارد المواطنين اضافة الى افساد الافكار وتحويلها الى خرافات لينتقل الشعب الى ما كان عليه في عهد البويهيين والسلاجقة ليظهر لنا من جديد الشيخ المفيد والماوردي وكيف هم يتناحرون ويختلفون حتى تركزت سياسة التفرقة واصبحت دينا وشريعة بين المواطنين، لا ما هكذا كانت اهداف التغيير ايها الكافرون بالوطن والدين.

فهل فقدنا الامل في وجود من يستطيع القيام منا بالبحث والتدقيق في اصول التاريخ والدين، وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة، وسوق التفسير للنص والخبر التاريخي على عواهنها مما اساء الى الامة والدين معا، خاصة وسط ضجيج الاعلام الفاسد الذي همه الوحيد مركزية الحكم ومن يديرها من الفاسدين واللصوص الذين ضحكوا على الناس بأسم الوطن والاموات الصالحين والدين،

الكتابة اليوم يجب ان تبتعد عن الشعر والنثر والقصص وأخبار الآولين والدين، يجب ان تخضع للمقياس الحضاري، اي لمعايير التحكيم المادية والمعنوية وقيام المجتمعات العربية والاسلامية على التفاهم والتعاون والمحبة ورفض الاحتكار الديني والمذهبي والقومي الذي علمنا على التحايل والانانية والقانون الذي تنفذه قوة غالبة. يجب حرق كتب المذاهب وشروحها الباطلة واتلاف كل ما كتبه رجال الحديث امثال مسلم والبخاري وبحار الانوار وغيرهم من الدجالين لنتجه لكتابة حقيقة الدين لا اوهام مرجعياته الصنمية الجالسة على الحصير، لا تهش ولا تنش سوى تمتمة المقادير.زيجب الانتقال الى مرحلة الوعي الفكري المتجدد الذي صعدت به الشعوب لما ترغب وتريد.

لا انغلاقية مؤسسة الدين

كفاية ياشعب تخضع لهذه الشلل الفاسدة التي ضيعتك باسم الدين وحجج والدك والطم والاربعينيات التي مضت عليها القرون والمزارات الوهمية التي صبغوا شوارعها بالدم الاحمر ومنائر الاولين حتى بدى الوطن وكانه ستالين غراد بين المحاربين غلفتها بالمقدس الديني الوهمي بغية الحصول على الاموال وتغليف فكرك بالوهميات دون تاصيل.

لم تعد الحكومات العربية والاسلامية تمثل الشعوب الا ما ندر بعد ان انفصلت الطبقة الحاكمةعن جماهير الامة في عالم الاسلام حتى انحصر فسادها على افرادها، وبقيت كتلة الشعوب سليمة البنيان رغم الفقر الشديد لذا تراها بين الحين والحين تثور على الفاسدين فتجابه بقوة الحديد والنار لكنها لن تموت" ثوار تشرين 19 نموذجا".لكن هذا التدهور قد انحصر يوما بعد يوم في اخلاقيات نظم حكم الفاسدين.

وستبقى نظم الحكم الفاسدة والخائنة تلتحف بلحاف الدين وتحت سيطرة كهانه المتخلفين المستبدين الذين لا قيمة للانسان في نظرهم، ولا معنى للعدالة عندهم، وهم يدعون الدين.يخربون المدن وافكار الناس ويعتبرونهم عبيدا ليضحوا بهم في سبيل مصالحهم الباطلة ويتحصنون بمدن مسورة يصعب الدخول اليها ليمارسوا قوانين الظلم والفساد والجنس "المنطقة الخضراء الكريهة نموذجا".بينما يجب الغاء هذه المنطقة العفنة التي يتحصن فيها اعداء الشعب واسكان المسئولين بين الشعب ليعرفوا مدى قيمتهم بين المواطنين.

ان كل ما يُقال من عظمة القانون وتنظيماته عندهم فهو وَهم لا تصدقون، فهم يعيشون بلا قانون بعد ان اعتقدوا ان طبقاتهم فوق القانون.وان موارد الدولة ملك سائب لهم دون رقيب، حكام العراق برئاساته الاربعة التنفيذية والتشريعية والقضائية ومعهم الرئاسة العليا التي صاحبها اصبح ديكورا لا يهش ولا ينش، .زنموذجا لاختراق القانون، أغبياء ان كنتم تصدقون، ؟؟

الشعوب تحررت بالفكر النير لا بتوصيات وصراخ رجال الدين، كفاية فقد حان الوقت للتخلي عن التعصب، يجب الاعتراف ان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور، وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر.فأين قياداتكم الدينية التي تؤمن بدين التحرر من الفساد والخيانة واكل اموال الشعوب، ؟ تدعون انكم ثوار، فالثورات اساليب يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة والاهداف الواضحة والبناء السليم، فاين انتم منها ايها الفاسدون من اكلة اموال الشعب وقتلته ايها المجرمون.

على الشعوب ان تحرر نفسها بأيديها ولا تنتظر ما يقوله المتعصبون الكافرون بالانسان والقيم وما قال به الله رب العالمين، ان الحاكمين الاغبياء نسوا شيئا واحدا هو ان الثروة المفرطة لن تستطيع شراء الصادقين، تنبهوا يا منحرفين يا نهابة الشعوب فمن حكم العدل وصل، ومن حكم الباطل مات واندثر.لكم الخزي والعار ايها الفاسدون، حكام الوطن المجرمون، يا ايها الذين بعتم حتى الذي لا يباع من اجل نفوسكم الخسيسة الفاسدة لتبقون تتعايشون مع مفاسد الزمن والسنون،

ان اخطر ما يريدون تحقيقه هو تحويل الشعب الى دمى فاسدة تهرول خلف المفاسد وتنزع القيم والاخلاق، هكذا يريدون، نأمل ان لا يساق العراقي نحوكم، ولو ان بعضٍ منه تحقق اليوم في ظل حكمكم الاسود اللامعقول.

انتم الطغاة، لا تستحقون الحياة لانكم تسعدون بسرقة حياة الناس.ز قاتلكم الله انا تؤفكون.

***

د.عبد الجبار العبيدي

هي معركة (عين جالوت) التي قضت على الهجمات الهولاكية، وأنقذت البشرية من صولات الإبادات الجماعية المؤيَّدة بأوهام وهذيانات إعتقادية مروِّعة.

وهي من الإنجازات البطولية الحقيقية المغيّرة لمسيرة التأريخ، والمستعيدة لهيبة وعزة الأمة، والمنطلقة بها إلى مواطن جوهرها، والمؤكدة لإرادتها الأبية المؤيدة بنصر عظيم ومقيم.

وهي دليل على أن الأمة لا تتحطم، وإن إنكسرت وتمكن منها الغدر والتعاون مع أعدائها والطامعين بوجودها.

فالأمة تبقى طودا شامخا، معبرا عن مسيرة الإنسان بما فيه، وما يمر به ويبدر منه، وهي المطواعة المتحملة المقتدرة الكانزة لطاقة القوة والإقتدار، وعلى أجيالها أن تفعّلها، وتنطلق من جذور منبتها الأصيل.

ولابد من الإشارة إلى أن فردا مؤمنا بجوهر أمته وإرادة صيرورتها الأبدية العلية، يستطيع إستنهاضها وتأمين مقامها الحضاري الرفيع.

ولنا أن نتعلم من سلوك (قطز)، الذي بعث الحياة في أمةٍ حسبت أنها ماتت ولن تقوم لها قائمة!!

أولا: كيف هزم قطز هولاكو؟!!

سؤال لم يتم البحث في الإجابة عليه، إذ كيف لرجل أن يتحدى، ويؤمن بأنه سينتصر على عدوه، وهو أقل منه عدة وعددا، ودولته كانت تعيش إضطرابات وإنشقاقات داخلية، وقواته مشتتة.

من أين أتته تلك الإرادة والثقة لينطلق لمواجهة هولاكو ولا ينتظره ليأتي إليه؟

وكيف تجرأ على قتل مبعوثيه، وتعليق رؤوسهم في ميادين القاهرة ؟

إرادة فرد واحد هزمت جيشا، يُشاع عنه أنه من أعتى الجيوش وأكثرها توحشا وفتكا ودمارا.

لكي نعرف منبع هذه الإرادة الإنسانية المطلقة المشرقة، التي حطمت وجود إمبراطورية كانت تطمح بسيادة العالم، لابد من التعرف على صاحبها.

قطز إسم أطلقه عليه المغول، وإسمه غير ذلك، وهو من عائلة ذات شأن، وتربى على أنه أمير،  لكن المغول إجتاحوا بلاده وقتلوا أهله وأسروه صبيا، وباعوه عدة مرات حتى إنتهى به الأمر في مصر، بعد أن إشتراه مَن إشتراه، فهو إنسان ذو ثقافة حضارية ودينية، ومن عائلة قيادية، وفيه موروثات القيادة ومهاراتها وعزيمتها.

وبسبب ما فيه من الطاقات والقدرات، تمكن أن يتقدم في دولة المماليك بمصر، ويتسنم زمام القيادة فيها.

ولا ننسى أن تجربته مع المغول لسنوات أطلعته على طبيعتهم ومصادر ضعفهم وقوتهم، وأكدت له بأنهم ضعفاء مهزومون، لكنهم يعتمدون على الإشاعات المرعبة، وما يجندونه  من أبناء القبائل وهم يزحفون نحو أهدافهم.

ولهذا لم تخيفه تهديدات هولاكو، وحربه النفسية ضده، بل جابهها بسلوك غير مسبوق، وإرادة لا تخطر على بال؟

وكان صادقا في تقديراته وفهمه لهذا الجيش الواهم بأنه لا يُقهر، خصوصا بعد أن دمر بغداد وما تبعها من حواضر الدول العباسية.

فإنطلق بإرادة واثقة وعزم شديد، مع مَن إستطاع أن يحشدهم معه لإنجاز مهمته، وتمكن في معركة  "عين جالوت" أن يهزم المغول شر هزيمة ما قامت لهم قائمة بعدها مهما حاولوا.

وقُتِلَ أثناء عودته من إنتصاره، بسبب الخيانة والتنافس على الكرسي، لكنه أنقذ البشرية من خطر عظيم، كان يتهددها، بل حمى أوربا من المارد السفاح.

وهذا يعطينا درسا عمليا على أن الإرادة هي الأساس، فعندما تتحطم الإرادة تقع الهزيمة، فالشعوب تنتصر بإرادتها لا بسلاحها وقوتها وحسب!!

ثانيا: إنبثاق الأمة بإرادة قطز!!

سقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو لا تزال لغزا محيرا، لأن الدولة العباسية كانت قوية عدة وعددا، ولم تكن ضعيفة ماديا وعسكريا كما يُشاع ويُدّعى، فهي دولة ذات خبرات طويلة متوارثة متراكمة وقادة أشداء محنكين وذوي قدرات عسكرية فذة، ولم تكن الدولة سهلة على المعتدين، ولا بغداد بيسيرة السقوط والدخول والإحتراق.

لكن المشكلة أن الخليفة العباسي لم يكن صاحب إرادة بحجم الدولة والمسؤولية الملقاة على عاتقه، فتخاذل وتهاون وتكاسل، وما إحتاط ولا عزم ولا تحدى ولا إستبسل، وتوهم الصلح والسلام وتجنيب البلاد والعباد الحرب، وكان قد إرتكب خطيئة مروعة وإتخذ قرارا إنتحاريا، فحصل الذي حصل، رغم كل ما يُقال ويأتي به المبررون والمحللون والمعللون.

فالعيب كان في الخليفة لا بغيره، وقد عكس ضعفه وخذلانه على الناس من حوله، فما أشاع في نفوسهم غير مشاعر الهزيمة والخوف والرعب والإستسلام، وما إمتشق سيف التحدي والمبارزة والعمل بإرادة الإيمان والذود عن الحياض بصولة همام.

إذ كانت قوة وعدة الخليفة في بغداد أعظم بمرات من قدرات "قطز" في مصر، الذي كان يواجه صعوبات وتحديات متنوعة، لكن إرادته وبسالته وروحه المؤمنة كانت أعظم وأحزم وأعزم، فما إستسلم وإنما تحدى وأقدم.

وهولاكو خان، (1217-1265)، وفترة حكمه (1256-1265)، تحت قيادته إجتاح المغول بغداد عاصمة الخلافة العباسية، بعد حصارها وقتل المستعصم بالله آخر خليفة عباسي في يوم الثامن من شهر شباط عام 1258، فسقطت عاصمة الدنيا على مدى خمسة قرون.

وما كان هولاكو قويا كما يُشاع أيضا وإنما طائشا ومندفعا ومتوهما بالقوة والإقتدار، ومعه الكثير من الخونة العرب أو الذين يجيدون العربية، وحرروا له رسائل لتفتيت الإرادة وزعزعة روح المقاومة والإستبسال، فكان ينتصر برسائله وإشاعاته وحروبه النفسية التي تسبقه كالعواصف والأعاصير، فينخدع الناس ويصيبهم الذعر فيتمكن منهم ويفتك بهم.

وهذه الأساليب مت إنطلت على ملك مصر آنذاك، وإنما قوبلت بقوة نفسية ظافرة وإرادة قاهرة، وطاقة إيمان عامرة وعزيمة وافرة وحنكة قيادية ماهرة، ولهذا في معركة (عين جالوت) تحقق الإنتصار وهزيمة التتار وإبادتهم عن بكرة أبيهم،  بقيادة الملك المظفر (سيف الدين قطز المعزي)، الذي تم إغتياله في (23-10-1260)، بعد خمسين يوما من إنتصاره المبين، وقد حكم لأقل من سنة، أنجز فيها إنتصارا غيّر مسيرة تأريخ البشرية، وكان نداؤه " وا إسلاماه...يا ألله يا جبار أنصر عبدك قطز على التتار".

وهذه ظاهرة غريبة أن يقتل الناس قادتهم الأفذاذ ويرعون قادتهم الضعفاء الممعنين باللذائذ والفساد، ربما لأنهم أفيد للحاشية من القادة العظماء.

وصرخة "وا إسلاماه" المعبَّر عنها بالفعل الواعي والإدراك الحضاري السامي، إنتصرت على الإرادة الهولاكية، ودحرت أحلامها وشتتها فتداعت وإنهزمت، وتحوّل إبن هولاكو إلى الإسلام بعد وفاة أبيه، وحُمِلت رايات الإسلام إلى أرجاء الأرض الشاسعة.

والهولاكية تبدو وكأنها ظاهرة تتكرر في هذا الزمان وفقا لمعطياته، وما فيه من مفردات تقنية وإتصالية ومعلوماتية.

وما يجري في المنطقة بأسرها ما هو إلا توجهات هولاكية تدميرية إنتحارية، بقيادة الهولاكيين القادمين من كل حدب وصوب، والممولين بقدرات الشر وضلالات النفوس الأمارة بالسوء ، التي إنطلقت فأسقطت بغداد، وأحرقتها وأحالتها إلى خراب.

وكما هزم قطز بإرادته وإبائه الهولاكية القديمة، فأن قدَرَنا أن نهزم الهولاكية الجديدة، التي تريد إجتياح المنطقة بأكملها، وأمتنا لقادرة حتما على القضاء على هولاكية الزمن المدلهم بالويلات.

هذه الهولاكية الجديدة ذات نهج عقائدي أعمى خطير يسعى إلى إبادة الدين بالدين، والإنتقام لموروثات أحقاد سحيقة غائرة في متاهات العصور.

فالزمن العنيف صار يحتشد بالهولاكيين، الذين إذا قارنتَ بهم الطغاة والمستبدين، لتبين بأنهم كالمَلاك الرحيم!

وثقة الأمة قوية وراسخة بأن الهولاكية المعاصرة سيتم هزيمتها بقائد ستنجبه وسينطلق بها ، وتمضي تحت رايته في إعلاء صوت الحق لدحر إرادة الباطل والفساد، وهذا القائد عليه أن ينادي "وا أمّتاه"، لكي يعيد للأمة كرامتها ويضعها على سكة الطريق الحضاري المنير.

فاستحضروا إرادة "وا" وكونوا ببعضكم أفذاذا لا أندادا!!

ثالثا: القِطْزيّة!!

القطزية نسبة إلى "قطز" الذي حكم مصر لأقل من سنة واحدة (1259 - 1260)، الملقب بالملك المظفر سيف الدين، إسمه قطز محمود بن ممدود بن خوارزمشاه.

ولد في (2\11\1221)  ببلاد ما وراء النهرين، وأغتيل بالصالحية في مصر في (24\10\1260) من قبل الظاهر بيبرس، بعد خمسين يوما من نصره الذي غيّرَ مسار التأريخ.

والقطزية إرادة أمة تتجمع في فرد مؤمن مغوار ينقذها من رقدة العدم.

وقد تجسدت هذه الإرادة الملحمية الإيمانية المطلقة في شخص السلطان "قطز"، وبموجبها إنتصر على التتار في معركة "عين جالوت" (3\9\1260) أي بعد أقل من سنتين من سقوط بغداد.

إذ خرج بجيش لا يمكن مقارنته بجيوش التتار، لكنه مسلح بإيمان مطلق بالله، وبأن الله سينصر عبده، ولا ينقض عهده، فكان له نصرا مبينا، وفتحا أمينا، وهزيمة نكراء لهولاكو وجنده، لم يتحمل هوانها فمات بقهره وذله بعدها!!

تلك المعركة الأسطورية التي لم يفها التأريخ حقها، لأنها نور وأنوار، وإرادة أمة تجلت بصيحات أللهم أنصر عبدك وجندك على المارقين.

إنها معركة إنتصار حق على باطل، ومؤمن على غادر، وتعبير عن صوت الله الإيماني الهادر.

القطزية حالة تتكرر في الأمة، وأظنها قد إقتربت من ظهور قطزها الذي سيعيد لها جوهر ما فيها من الإقتدار.

وإن النصر من عند الله، للذين عاهدوا الله وصدقوا، والله صادق وعده!!

فلماذا لا يوجد في الأمة ما يشير إلى "قطز"؟!!

ولماذا لا تستلهم الأجيال روح "قطز"؟!!

وفي الختام هذا البطل الهُمام المقدام تجلت فيه إرادة أمة لا تُستضام، فكان مستوعبا لجوهرها وعزيمتها، وما تكنزه من طاقة إقدام، وبفعل نشأته وتجربته، إنبثقت في أعماقه عزتها وكرامتها، ومقامات أمجادها ورفعتها وسموها وشأنها العظيم، فأبى إلا أن يترجم صوتها ويخمد أنفاس الطامعين بها، بصولة روح مطلق مدجج بالإيمان بنصر من الله وفتح قريب!!

***

د. صادق السامرائي

......................

* بمناسبة ذكرى معركة عين جالوت في (3\9\1260)، أي قبل 763 سنة.

توطئة: يحظى الطبيب في كل دول العالم بالاحترام والتقدير، لأنه هو المصدر الرئيس للوصول الى مجتمع سليم صحيا، ولأن كل فرد في المجتمع يحتاج الطبيب ليجعله يعيش حياته مستمتعا بصحته.. بل أن الأطباء يعتبرون جزءا من السياسة العامة لدفع الحكومات من أجل توفير سياسات الرعاية الصحية لأفراد المجتمع.. وأن لهم دورا حتى في تقليل الفجوة الصحية بين الأغنياء والفقراء.

ويتميز الطبيب العراقي بتصدره مكانة مرموقة في دول المنطقة، لأنه بني على أساس علمي رصين يعود الى عام 1927 يوم تأسست الكلية الطبية الملكية العراقية التي سُميت لاحقاً كلية الطب في جامعة بغداد، بجهود نخبة من الأطباء الدارسين والعائدين من كلية الطب في إسطنبول بينهم كبار معروفون: سامي شوكت، هاشم الوتري، فائق شاكر، وصائب شوكت.. مع اطباء إنجليز برئاسة هاري سندرسن. ولهذا حظي الأطباء العراقيون بمكانة محترمة في داخل العراق ودول الخليج ودول العالم .. في مقدمتها بريطانيا التي لو قرر الأطباء العراقيون فيها العودة الآن الى العراق لأختلت الخدمات الطبية فيها.والمخجل، أن هذه المكانة المحترمة التي تمتع بها الطبيب العراقي من عام 1927.. اطيح بها الآن .. فمن كان السبب: الدولة؟ الطبيب نفسه؟ المريض؟ ام العشيرة؟

توثيق ما حصل

مع ان الأعتداء على الأطباء العراقيين موثق ب(فديوهات) وصار حديث الأعلام والشارع، فاننا نستزيد هنا بما وثقته وكالات وجهات مختصة من ان الاطباء العراقيين تعرضوا في السنوات العشرين الاخيرة الى حوادث اعتداءات مستمرة استهدفت العشرات منهم داخل المستشفيات، وتعرّض كثيرين منهم الى ضرب مبرح من قبل افراد عشيرة المريض . وتوثق شفق نيوز في تقريرها 6 / 8/ 2021 (ان 85% من الاطباء يتعرضون يوميا الى الاساءة اللفظية والبعض يتعرضون للضرب).

ولقد استطلعنا الرأي بخصوص هذه الظاهرة المخجلة والخطيرة وغير المسبوقة، فكانت النتائج ان 37% عزوا السبب الى خطأ غير مقصود يرتكبه الطبيب، فيما رأى اكثر من 60% ان السبب يعود الى قوة العشيرة وضعف الدولة.

شيوع الرذيلة.. سبب!

ان اوجع وافجع ما حصل للشعب العراقي حدث بعد تشكيل اول حكومة دستورية عام 2006 والحكومات التي تلتها، لأنها اشاعت ما كان يعد خزيا (الفساد) الى شطارة وانتهاز فرصة، وكان هو السبب في تهرؤ الأخلاق وانتهاك القيم الذي ادى الى انتشار كل الرذائل في المجتمع، بما فيها الطائفية والتعصب العشائري .. في مفارقة ان خيمة النظام الديمقراطي جمعت الدولة و العشيرة معا، وما دروا ان العشيرة تبتلع الدولة في النظام القائم على الطائفية والمحاصصة.

وبدءا من تلك السنة(2006) ازداد استهدف الأطباء.فوفقا لوكالة الرأي في ( 4/7/2006) ثم قتل 224 طبيبا وجرح 150 آخرين ونزوح اكثر من الف طبيب خارج العراق. واستمر الحال الى الآن .. تؤكده وسائل اعلام عراقية وعربية بينها الجزيرة بتقريرها في (25/2/2023) الذي استهلته بقولها:

(شهد العراق خلال الفترة القليلة الماضية العديد من عمليات الاستهداف لعدد من الكفاءات العلمية المعروفة بين اغتيال أو خطف..). ووثقت روايتها بان (مدينة بعقوبة شهدت عملية اغتيال طالت طبيبا معروفا متخصصا بجراحة القلب يدعى أحمد المدفعي)، وأن نقابة اطباء العراق أبدت (قلقها على وضع الأطباء في المحافظة، في حين قررت نقابة صيادلة ديالى تعليق العمل في الصيدليات إلى إشعار آخر، منددة بهذا العمل الذي وصفته بـ"الإجرامي" الذي بات يستهدف الكوادر الطبية والكفاءات).

شيوخ العشائر

شغلني سلوك شيوخ العشائر فرحت ابحث في تاريخهم عن علاقتهم بالحاكم تحديدا، فوجدت انهم كانوا يقفون مع الأقوى. ففي التقرير الذي أعدته دائرة الاستخبارات البريطانية في العراق عن مشايخ ولاية بغداد سنة 1917، يذكر مترجمه الدكتور عبد الجليل الطاهر أن بعض شيوخ العشائر كانوا متعاونين مع الإنكليز، وأنهم كانوا يحصلون منهم على الرشوات، وأن الإنكليز استعملوا أساليب الإغراء وتلويث الضمائر واستطاعوا شراء ذمم بعض شيوخ العشائر.

وكان الحكم الملكي هو العصر الذهبي لشيوخ العشائر، اذ صاروا فيه أصحاب ثراء فاحش وجاه عظيم واعتبار اجتماعي كبير وسلطة يستعان بها في إدارة البلاد وضرب المعارضة السياسية. وكان دورهم في البرلمان مثار سخرية الناس وإطلاق النكات عليهم، من قبيل التصويت داخل البرلمان على قرار برفع الأيدي، وكان أحدهم نائما في المجلس ولما أيقظوه رفع يده وقال"موافج.. يعني موافق" دون أن يعرف ما هي القصة!

وفي زمن النظام الدكتاتوري، عمد صدام إلى تشكيل ما أطلق عليه (شيوخ أم المعارك).. اشترى ذممهم بدفع هدايا مالية ومسدسات وامتيازات أخرى، لقاء قيامهم بالسيطرة على أفراد عشائرهم وأن يكونوا عيونا للسلطة في مناطقهم، واستجاب عدد منهم طمعا بـ(التكريم) أو دفعا لشرّ طاغية لا يرحم. ومثل هذا حدث أيضا في النظام الديمقراطي، إذ التقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) بعدد من الشيوخ بقصد كسب أصوات أتباعهم في الانتخابات وتأييدهم لشخصه حصلوا فيها على (مسدسات) تبدو في ظاهرها تكريما فيما هي في حقيقتها شراء موقف. وفي (20 نوفمبر 2019) التقى رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي عددا من شيوخ العشائر ليستعين بهم في قمع انتفاضة اكتوبر/ تشرين. وهذا حال كل الحكومات العراقية.. إنها تستميل إليها شيوخ العشائر حين تشعر بخطر يتهددها، وإنها تجزل العطاء لمن يتعاون معها، وإن عددا من الشيوخ يستجيبون لذلك حتى لو كانوا يعلمون أن الحكومة على باطل.

ومع ان قادة الأحزاب والكتل السياسية يستخدمون نفس نصيحة (المس بيل) لأسيادها، بكسب رؤساء العشائر بالرشا و(المسدسات)، فانهم (رؤساء العشائر) وجدوا انفسهم بعد 2006 انهم اقوى من الدولة الذين يستجدى قادتها ودهم، فوضعوا الدولة في جيوبهم وداسوا على القانون باقدامهم، وياويل الطبيب الما عنده عشيرة قوية اذا مات مريض ادخلوه غرفة الأنعاش وهو معه.. فهو اما مهان او مقتول او دافع لتعويض (يكسر الرقبه).واذا كان الطبيب من عشيرة، والمريض (المتضرر) من عشيرة اخرى، فان عشيرة المريض (تنفض كوامه) على عشيرة الطبيب تطلب فصلا (نسوان!) و تعويضا (ملايين)!.

ما المطلوب؟

أمران: الأول، تفعيل القانون يحدد بالصريح بان اي اعتداء على طبيب يعتبر جريمة يعاقب عليها بالحبس او الغرامة او بكليهما. ويوضح لأهل المريض المتضرر بأنهم اذا كانوا يرون ان الطبيب ارتكب فعلا خطئا، وان كان غير مقصود.. فان عليهم تقديم دعوة لأجراء التحقيق يصل الى تحديد ما اذا كان ما حصل خطئا او تقصيرا من الطبيب أم مضاعفات طبية.

والثاني، عقد مؤتمر لكبار شيوخ العشائر يتوصل فيها الى اصدار وثيقة شرف تمنع الاعتداء على اي طبيب او اخذ تعويض منه، واعتماد القانون بوصفه القاضي الذي يحكم بالعدل.

بهذين الأجرائين .. تعاد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللأطباء كرامتهم وشعورهم بالأمن والحد من هجرتهم.

بقي ان نقول ان كلامنا نرجو ان لا يفهم بصيغة التعميم على شيوخ العشائر، فهناك عدد كبير منهم ادانوا هذه الظاهرة المخجلة، وهناك عدد آخر اقاموا خيما بساحة التحرير مع شباب انتفاضة تشرين، وآخرون شاركوا في تظاهرات شعبية وهزجوا مع المتظاهرين ( نواب الشعب كلهم حراميه).. وعلى هؤلاء الشيوخ الأجلاء يكون رهاننا في القضاء على ظاهرة مخجلة وغير مسبوقة في تاريخ الطب في العراق، تعيد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللطبيب مكانته التي كان يتمتع بها عبر مائة سنة.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

هل ستعود إفريقيا للأفارقة بعد التحرر من النفوذ الغربي عامة، والفرنسي خاصة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام والشهور والسنوات القادمة، إثر الانقلابات التي قادها العسكريّون في مالي وبوركينافوسو وتشاد والنيجر والغا بون، ويبدو أنّ الحبل مازال على الجرار.

لقد مرت بالقارة الإفريقيّة، منذ بداية الكشوفات الجغرافيّة، جحافل من الغزاة القادمين من القارة العجوز، وقد أزجت سفنهم وقوافلهم البريّة والجويّة الأطماع الاقتصاديّة، المتمثّلة في الثروات الظاهرة والباطنة، والمعادن الثمينة التي تزخر بها القارة السمراء. إنّه الربيع الإفريقي، بعد الربيع العربي، لكنّ يبدو أنّ الربيع الإفريقي أكثر وعيا ونضجا من الربيع العربي الذي بدأ في الشارع سلميّا، ثم ما لبث أن تحوّل إلى خريف من العنف و الدمار والخراب والحرب الأهليّة التي أحرقت الأخضر واليابس، وكان الخاسر الأكبر فيه المواطن العربي المطحون برحى سلطة الاستبداد . أمّا الربيع الإفريقي، فإن أكبر الخاسرين جرّاءه هو فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي.

إفريقيا الحاليّة في حاجة إلى العلم والعمل والحريّة بعيدا عن الديمقراطيّة الغربيّة الزائفة. ديمقراطيّة العالم الغربي حمّالة أوجه، فهي في المجتمعات الغربيّة حريصة على حريّة المواطن وكرامته وحقوقه المدنيّة والسياسيّة، ولكنّها عندما تحط رحالها بإفريقيا تغيّر أثوابها، من خادمة للرعيّة إلى خادمة للراعي الخائن لرعيّته. ومن وسيلة للتنميّة المستدامة إلى وسيلة لنهب ثروات الشعوب وإلى مجرّد شعارات فارغة، تكرّسها انتخابات مزوّرة وأحزاب تابعة تنشر الفرقة والعداوة بين الشعب الواحد ليسود الحاكم المستبدّ، وبرلمانات تشبه دور الحضانة، ودساتير تتحكّم فيها أهواء السياسيين وحكومات تتصرّف في ثروات الشعب دون وازع قانوني أو أخلاقي، وكأنّها تلك

الثروات ملك لزيد أو عمرو، وعدالة عاجزة عن تمكين العدل والمساواة، تسيّرها الأهواء عن قرب وعن بعد. إنّ التخلّف والديمقراطيّة ضدّان، لا تماثل بينهما. وإنّه لمن العور السياسي والعقلي السعي إلى بناء مجتمع ديمقراطي في كنف الجهل والتخلّف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. بل إنّ الديمقراطيّة الحقيقية هي التي تصون حريّة التفكير والتعبير وتحقّق التنميّة الشاملة، وليست ديمقراطية العربة الفارغة.

و على هذا الأساس، فإن مصير إفريقيا، لم يكن أبدا في أيدي الأفارقة. لقد خرج الغزاة من الحقول، ولكنّ سياستهم وأطماعهم بقيت معشّشة في عقول بعض النخب التي غرفت ثقافتها من المدرسة الكولونيالية الاستعماريّة. اكتشف الشعب بعد نفاد صبره حقيقة تلك النخب الخائنة لتطلّعات شعوبها، الموالية لمحتل الأمس قولا وفعلا. إنّ بكائيات تماسيح أوروبا على النظام الدستوري في النيجر والغابون، وعلى مصير ابتنهم المدلّلة، وأعني بها الديمقراطيّة العرجاء والعمياء في إفريقيا. إنّها مثل بكائيات وصيّ خائن على أيتام بلغوا رشدهم، وأدركوا ما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات.

آن الأوان لكي تعود إفريقيا الغنيّة للأفارقة. ففي إفريقيا كلّ مقوّمات التنميّة؛ إفريقيا غنيّة بشبابها وثرواتها وعبقريّة نخبها الوفيّة لأوطانها، اللصيقة بشعوبها. تحتاج إفريقيا إلى قادة وسياسيين أمناء على المال العام، يقدّمون المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة، ويؤمنون بأن السلطة شرف للمواطن والمواطنة الأمينة، ومنبر للعطاء والتضحيّة بالنفس والنفيس، لا مخفرا لسرقة المال العام ونهبه وتهريبه إلى بنوك الأعداء والأصدقاء.

إن إفريقيا قادرة على تحرير نفسها من كل الأوبئة السياسيّة والجوائح الاقتصاديّة والعلل الاجتماعيّة، وهي ليست في حاجة إلى تدخّلات أجنبيّة من الغرب أو الشرق، إذا تضافرت جهود أبنائها المخلصين وصدقت نواياهم واشرأبت أحلامهم.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

شهد العالم بصورة عامة موجة تحرر واسعة ليس فقط على صعيد واحد وإنما على مختلف الأصعدة منها الإجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولعل الإقتصاد العالمي كان الأكثر تأثراً وذلك من خلال انفتاح الأسواق على العالم أجمع فتكثفت الحركة عبر الحدود للسلع والخدمات والتقنيات ورأس المال. ومن محاسن تلك الموجة أنها هيأت الفرص للنمو الإقتصادي على جميع المستويات المحلية والعالمية وكان لها الأثر في الإنتعاش الإقتصادي العالمي وتحرير الأسواق التجارية. ان هذا الانفتاح والتحرر من القيود المفروضة على تبادل السلع يمكن أن نطلق عليه العولمة الإقتصادية، التي يمكن اعتبارها ثورة كبرى على إحتكار الأسواق التجارية ورأس المال، فقد كان للعولمة الإقتصادية أثر كبير في دمج التجارة والاقتصاد المتقدم مع التجارة والاقتصاد الأقل نمواً وكذلك لها الأثر الكبير في تقليل التعريفة الجمركية وفتح الحواجز التجارية بالإضافة إلى فتح الإستثمار للشركات الأجنبية وعدم حصر الإستثمار بجهة واحدة بحيث تسيطر على جميع الموارد كالسيطرة الحكومية فأصبح من السهل استقدام الشركات الأجنبية من جميع أنحاء العالم للعمل والإنتاج .

وبالرغم من هذا الانفتاح الكبير الذي شهده العالم فقد كان التأثير عكسي على أغلب الدول النامية وقد زادت المشكلة أضعاف ما كانت عليه وذلك من خلال ذهاب الاستثمارات المالية الكبيرة للدول المتقدمة فبقيت الدول النامية والفقيرة على حالها وازدياد نسبة الفقر نتيجة لتلك الفجوة التي حصلت من العولمة الإقتصادية، ولعل لتقلبات الأسعار ورأس المال أثر واضح على تلك البلدان إذ تسببت في تعرض البنوك للأزمات فيؤدي بالتالي إلى هروب المتملكين لرأس المال بأموالهم إلى خارج البلاد، وبالإضافة إلى ما يحدث من غسيل الأموال التي تكون نتيجتها خسائر كبيرة لهذه البلدان من خلال تفشي الفساد وتلاعب بموارد الشعوب في هذه البلدان. ووفق الأبحاث والدراسات لعلماء الإقتصاد فقد وضعوا بعض الحلول التي تعتبر مهمة لنهوض الدول النامية حتى تصل إلى صفوف الدول المتقدمة ومنها.. زيادة التنمية وخفض الإنتاج الحكومي، إعادة التوزيع والخدمات الحكومية فمن خلال إعادة التوزيع يولد فرص كبيرة للعمل والاستثمار، تشجيع الاستثمارات الأجنبية من خلال تسهيل المعاملات وتوفير الأمن لها، المساهمة في إقامة مشاريع كبيرة وكذلك توفير القروض، وتسهيل عمل القطاع الخاص من خلال إعطاء موافقات لعمل شركات خاصة والعمل على دعم المشاريع التنموية للقطاع الخاص . ورغم كل تلك المقترحات تبقى الإرادة من قبل الحكومات في تطوير بلدانها هي الأساس للوصول إلى الأهداف المنشودة وتقدم البلدان النامية مع صفوف البلدان المتقدمة.

***

سراب سعدي

في المثقف اليوم