آراء

آراء

بعدما خصصت كتابا كاملا تحت عنوان "عبد الرحمان اليوسفي، زعيم سياسي بحجم وطن"، الصادر عن مطبعة القلم بالرباط في شهر أبريل 2023، للوقوف على أهم المحطات السياسية التي ميزت مسار المغرب المستقبل، والتي لعب فيها زعيم حزب الوردة أدوارا ريادية من الصبا إلى النهاية المحتومة، أعود هذه المرة لإبراز انشغال هذا الرجل الاستثنائي بمصير الطفولة المغربية وهو يقود الجهاز التنفيذي المغربي. فقبل مغادرته كرسي الوزير الأول، وقع بالعطف عن الظهير الشريف رقم 1.02.172 الصادر في فاتح ربيع الآخر 1423 الموافق ليوم 13 يونيو لسنة 2002 بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين. لقد جعل من تقنين الكفالة آلية قانونية لتوسيع مفهوم الأسرة ليشمل، إضافة إلى الوالدين والأبناء الشرعيين، الأطفال المكفولين. حماية للحمة الاجتماعية وتقوية التحامها بالوطن والعرش، تمت صياغة هذا القانون بمنظور امتداد الحماية الاجتماعية والنفسية لتشمل كل الأطفال من يوم ولادتهم إلى بلوغهم سن ثمان عشرة سنة شمسية كاملة. أكثر من ذلك، لقد ربط هذا القانون الحق في الكفالة بالالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده الشرعي.

لقد استحضر اليوسفي بقانونه هذا كل فئات الطفولة في وضعية صعبة بدءا من مجهولي الأبوين أو المولودين من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها، والأيتام، وأبناء الأسر الشرعية العاجزة عن رعاية أبنائهم بسبب عوزهم وجهلهم وفقرهم المدقع، وحتى أبناء الأبوين المنحرفين اللذين لا يقومان بواجبهما في الرعاية والتوجيه من أجل اكتساب سلوك حسن. لقد فكرت حكومة التناوب التوافقي حتى في ظاهرة سقوط الولاية الشرعية، وإخلال أحد الأبوين بواجبه بعد فقد الآخر.

تعبيرا على ضمان الدقة في الإجراءات الحامية لهذه الفئة من الأطفال مع الأخذ بعين الاعتبار لمصلحتهم الفضلى، ربطت حكومة التناوب التوافقي بين العثور على الطفل وتأكيد حالة إهماله ورعايته مؤقتا من جهة أولى، وتفصيل شروط الكفالة ومسطرة إقرارها وتتبعها والتأكد من بداية الرعاية واستمرارها من جهة ثانية، وتسجيل بيان الكفالة في رسم ولادة المكفول(ة) والتدخل القضائي السريع لإنهاء وضعية الكفالة في حالة انتفاء شروط استمرارها من جهة ثالثة.

الإثبات القضائي للإهمال والولاية وحماية الطفل صحيا واجتماعيا

لقد ألزم المشرع كل مغربي عثر على طفل مهمل بأن يقدم له المساعدة والعناية التي تتطلبها حالته، وأن يبلغ على الفور مصالح الشرطة أو الدرك أو السلطات المحلية لمكان العثور عليه. كما أقر نفس القانون معاقبة كل من امتنع عن أن يقدم لطفل وليد مهمل المساعدة أو العناية السالفة الذكر أو عن إخبار الجهات المختصة. مباشرة بعد هذا الإبلاغ، يتدخل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر إقامة الطفل، أو مكان العثور عليه، بإيداع الطفل مؤقتا بإحدى المؤسسات أو المراكز الرسمية المختصة. تعمق هذه المؤسسة القضائية المحورية في النسق المؤسساتي المغربي البحث خلال فترة زمنية محددة، وتعجل بتقديم طلب التصريح بأن الطفل مهمل إلى المحكمة المعنية مدلية بعناصر البحث الذي أجرته، ثم تقوم بالإجراءات الرامية لتسجيله بنظام الحالة المدنية.

لإتمام مسطرة إثبات حالة الإهمال، خاصة في حالة الأطفال مجهولي الأبوين، يتم استصدار حكم تمهيدي يتضمن كافة البيانات اللازمة للتعريف بالطفل وكذا أوصافه ومكان العثور عليه. يعلق الحكم في كل الأماكن الهامة لمدة ثلاث أشهر لإتاحة الفرصة لأبوي الطفل، في حالة ندمهما أو تفاهمهما أو ضياعه منهما لسبب من الأسباب، أن يتعرفا بنفسهما عليه ويطالبا باسترداده. الحكم بالإهمال لا يتم إلا بعد انصرام المدة السالفة الذكر. عندئذ، توجه نسخة من الحكم، بطلب من وكيل الملك أو من الشخص الذي يطلب كفالة الطفل، إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين. هذا الأخير يباشر على الفور مهام الولاية طبقا لأحكام النيابة الشرعية والنيابة القانونية المنصوص عليهما في مدونة الأسرة وفي قانون المسطرة المدنية. إنها الإجراءات التي تخول لوكيل الملك من إيداع الطفل مؤقتا بإحدى المؤسسات الصحية أو بأحد مراكز أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية الرسمية المهتمة بالطفولة أو لدى أسرة أو امرأة تتوفر فيها شروط المطلوبة وترغب في كفالته أو في رعايته فقط.

تفصيل شروط الكفالة ومسطرة إقرارها وتتبعها والتأكد من بداية الرعاية واستمرارها

بعد إثبات حالة الإهمال لا يمكن تسليم الطفل بمقتضى كفالة قانونية إلا للزوجين المسلمين البالغين سن الرشد والصالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا وماديا، ولم يسبق الحكم عليهما معا أو على أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال، وأن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع لتحمل مسؤوليتهما، وأن لا يكون بينهما وبين الطفل الذي يرغبان في كفالته أو بينهما وبين والديه نزاع قضائي أو خلاف عائلي. كما يحق للمرأة المسلمة التي توفرت فيها الشروط الأربعة أعلاه أن تكون كافلة.

رعاية الطفولة إلى حين استصدار أحكام الكفالة من مسؤولية الدولة. يسلم الطفل في حالة التنافس على كفالته للزوجين اللذين ليس لهما أطفال، أو للقادرين على توفير أفضل ظروف الحياة له (توفر الزوجان على أطفال تحت شرط تحقيق المساواة لا يصنف في خانة الموانع). درءا لتشرد الأطفال ومنعا لتحويلهم إلى أطفال شوارع، ممارسة الطفل لحقه في الموافقة على كفالته بعد تجاوزه اثنى عشرة سنة شمسية كاملة تلغى إذا كان طالب الكفالة مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الأطفال، أو هيئة أو منظمة أو جمعية ذات طابع اجتماعي معترف لها بصفة المنفعة العامة.

هكذا، إسناد الكفالة لا يتم إلا بعد أن يجري القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص بحثا مفصلا مدعما بالوثائق المثبتة لاستيفاء الشروط المبينة في المادة التاسعة من القانون أعلاه، وبنسخة من رسم ولادة الطفل المراد كفالته. باستصدار حكم قضائي في هذا الشأن يعين الكافل مقدما عن المكفول.

مزيدا من الحرص على ضمان حقوق الطفل، أقر المشرع إمكانية استئناف حكم كفالة. لقد حدد مهلة خمسة عشر يوما قبل وضع طابع الصيغة التنفيذية عليه والأمر بتسليم الطفل رسميا إلى الكافل. يحرر محضر بهذا الشأن ويسلم الطفل بحضور ممثل النيابة العامة والسلطة المحلية والمساعدة الاجتماعية المعنية عند الاقتضاء. يحرر المحضر في ثلاث نظائر، يوجه أحدهما إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين، ويسلم الثاني إلى الكافل، ويحتفظ بالثالث في ملف التنفيذ.

تسجيل بيان الكفالة في رسم ولادة المكفول(ة) والتدخل القضائي السريع لإنهاء وضعية الكفالة في حالة انتفاء شروط استمرارها

بعد التأكد من عملية التسلم النهائي، يسهر القاضي المكلف بشؤون القاصرين، بعد انقضاء أجل شهر من تاريخ إصدار حكم الكفالة، على ترسيم الوضعية الجديدة للطفل في رسم ولادته. يرسل وجوبا الأمر بإسناد الكفالة أو بإلغائها أو باستمرارها إلى ضابط الحالة المدنية الماسك لرسم ولادته. يقوم هذا الأخير بتنفيذ الأمر الوارد عليه عبر القنوات الرسمية المعروفة بتحرير البيان الهامشي في طرته طبقا للمقتضيات المتعلقة بالحالة المدنية. ابتداء من تاريخ التسليم الرسمي، يسهر القاضي المختص على تتبع أوضاع الطفل وظروف تنشئته طبقا للمقتضيات القانونية الواردة بمدونة الأسرة المتعلقة بحضانة ونفقة الأولاد. تستمر الرعاية إلى أن يبلغ الذكر سن الرشد وإلى أن تتزوج الأنثى. يستفيد الكافل من التعويضات والمساعدات الاجتماعية المخولة للوالدين عن أولادهم من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية أو الخصوصية أو الجماعات المحلية وهيئاتها. بالموازاة أتاح المشرع للكافل إمكانية تخصيص هبة أو وصيه أو تنزيل أو صدقة للمكفول(ة) بعقد قانوني يسهر على إعداده القاضي المختص.

أكثر من ذلك، أحاطت حكومة عبد الرحمان اليوسفي تنفيذ هذا القانون بكل الضمانات الممكنة الحامية للطفولة المهملة، بحيث تطرقت إلى كل الجوانب والخيارات الممكنة المتعلقة بهذا الموضوع، والتي نذكر منها:

- التتبع يستمر داخل المغرب وخارجه: لقد ربط المشرع إمكانية السفر بالطفل المكفول للإقامة الدائمة خارج المملكة المغربية بالحصول على إذن يسلمه القاضي المكلف بشؤون القاصرين. ترسل نسخة منه بعد صدوره إلى المصالح القنصلية المغربية لمحل إقامة الكافل للقيام بدور تتبع وضعية الطفل المعني ومراقبة مدى وفاء كافله بالالتزامات القانونية مع ضمان التواصل بين المؤسسات القضائية المختصة داخل البلاد والهيئات القنصلية المعنية في شأن الحفاظ على مصلحة الطفل. يمكن للقاضي، بتنسيق مع القنصلية المختصة، اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لإلغاء الكفالة وحماية الطفل من أي ضرر محتمل.

- لا تلغى الكفالة بأمر قضائي إلا بشروط : عدم التزام الكافل بمسؤولياته المتعلقة بالرعاية، بلوغ المكفول سن الرشد وزواج البنت المكفولة (لا تسري هذه المقتضيات على الولد المعاق أو العاجز عن الكسب أو البنت غير المتزوجة)، موت المكفول، موت الزوجين الكافلين مع أو المرأة الكافلة، فقدان الزوجين الكافلين لأهليتهما معا، فقدان المرأة الكافلة لأهليتها، حل المؤسسة أو الهيئة أو المنظمة أو الجمعية الكافلة.

- في حالة انفصام عرى الزوجية بين الزوجين الكافلين، يتدخل القاضي المختص رسميا إما بالأمر باستمرار الكفالة لأحدهما أو باتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات في صالح الطفل المعني. لقد نظم هذا القانون حق الزيارة بالاستماع إلى الطفل إذا أدرك سن التمييز. إذا ارتفعت أسباب الإهمال، يمكن لأحد الوالدين أو كليهما استرجاع الولاية على طفليهما بمقتضى حكم.

- كل ممارسة تمس مبادئ التربية والرعاية والكرامة تعرض المعتدي لعقوبات زجرية (الحفاظ على حقوق وواجبات الوالدين والأولاد).

بالعودة إلى تفاصيل هذا القانون يتضح للقارئ بجلاء سعة رؤية حكومة التناوب التوافقي ونظرتها الشمولية المنهجية والمعرفية لتفصيل كل الحالات المفترضة وطرق معالجتها. لقد أحاط هذا القانون بكل الجوانب المتعقلة بموضوع الكفالة وحماية الطفولة المهملة. عبد الرحمان اليوسفي كان على بينة كون إهمال الأطفال وتحويلهم إلى أطفال شوارع يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار المجتمع والدولة. البالغون يغضون الطرف ويعطفون على أطفال الشوارع، لكنهم يستاؤون من وجودهم كمنحرفين بعد بلوغهم سن الرشد. والحالة هاته، ونتيجة لتراكمات المصاعب في حياتهم الطفولية والشبابية، يصبح الأطفال المهملون بعد تجاوز سن الرشد عرضة للاستقطاب من طرف عصابات الإجرام والسرقة والمخدرات. الإهمال ظاهرة خطيرة ومستشرية في المجتمع المغربي وتشمل حتى الأسر الشرعية بأبوين متزوجين. تشديد المراقبة وتتبع أحوال الأطفال يتطلب يقظة عالية وموارد هامة وأرضية مؤسساتية وقانونية لإعادة الإدماج ومنظومة تربوية واضحة المعالم والمرامي.

***

الحسين بوخرطة

مستقبل الحرب الروسية - الأوكرانية مع الوساطة الجزائرية العربية

بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى دولة روسيا الاتحادية وقبول الرئيس الروسي بوتين طلب الرئيس الجزائري تبون للسعي إلى وساطة توقف الحرب مع أوكرانيا وتبحث عن وجود حل سلمي ودائم يرضي الطرفين ويخدم مصلحة الدولتين الجارتين، ومن هذا المنظور يتضح لنا أن مهمة الوساطة الجزائرية ليست بالسهلة، لا من حيث صعوبة الموقف بين الطرفين الذي يوجب على وفد الصلح الجزائري بقيادة رئيس الدولة الحذر والحيطة، سواء من جهة الإطلاع على تاريخ العلاقات الدبلوماسية والجيوسياسية والتعاون فيما بين الدولتين وكذا التوتر الناتج بينهما بعد انفصال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي إراديا، ثم العمل الجاد على وجود حل مؤقت هو ما أسميه حل فترة التفاوض والاتفاق بين الطرفين الذي يجب أن يسير في ظروف هادئة، بدون أحداث توتر الموقف أن تزعج أحد الطرفين عند التفاوض، ثم مرحلة الاتفاق سواء بتلاقي الآراء والمصالح أو تنافرها والبحث عن الحلول الوسطى، يتنازل فيها طرف هنا والطرف الآخر هناك حتى يستقيم الحل ويتقاسم الطرفان المصلحة بالتساوي والتراضي، والأمر الأخير الذي يعيق وفد الصلح هو تدخل أطراف خارجية في سعيها لإفشال مسعى الجزائر ونيتها في ترك الوضع متوترا بين الجارتين الذي يخدم مصالح معادية لروسيا كقوة استراتيجية عالمية، بفضلها يحافظ العالم على توازن القوى التي تصد القطب الوحيد ولو كان في يد مجموعة من الدول مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي وغيره.

القدرة الجزائرية على قيام الصلح:

للجزائر خبرة معقولة ومقبولة في مباشرة الصلح بين دولتين وترك بصمة طيبة وإيجابية في كل ما قامت به سابقا وما تسعى إليه في المستقبل، فبعد مفاوضات إيفيان التي أنجبت استقلال الجزائر والتي أصبحت تدرس في الثانويات والجامعات الجزائرية وبالأخص في تخصصي التاريخ والسياسة، ثم تلتها المالحة الوطنية التي قادها أطراف من الجيش الوطني الشعبي، والتي تكللت بنجاح باهر أنهى خطة إرهابية دولية كانت تستهدف استقرار الجزائر والتي صدرتها لدول تعيش نفس الأزمة، إلى جانب الموقف الجزائري والحنكة السياسية التي اتسم بها النظام في الآونة الأخير في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ومسايرة الحوار بين الأطراف المتنازعة إلى أن يصلا إلى اتفاق ووئام يخدم الوطن، وقد شهد العالم بموقف الجزائر وهو موقف دولة لا نظام حكم ثم يزول معه، في قضايا عربية مثل ما جاء مع ليبيا واليمن وسوريا وفلسطين.

إن الجزائر صديقة الجميع، وكما هي صديقة روسيا وحليفة لها فهي أيضا صديقة أوكرانيا في تعاملها الاقتصادي والصناعي، كذلك أصبحت تتعامل دوليا مع الكل بالتساوي والمصلحة المتبادلة سواء سياسيا أو اقتصاديا أو تجاريا، وإن كانت تقترب من مصف الدول الكبرى فهي تعمل مع دول إفريقيا الند للند وبقانون رابح رابح، وبرهنت على ذلك في شراكة عربية وتركية، مع شركات إماراتية وقطرية ناجحة وشركات البناء التركية، كما لديها خبرة ليست بعيدة عن الأزمة الروسية – الأوكرانية في تهديد الحدود من طرف دولة جارة شقيقة، عندما تركت المنافس إن لم نقل العدو في بسط قوته بالسلاح والعسكر بالقرب من حدودها، والعمل السياسي مع طرف يتنافى مع سياسة والدولة ومبادئها وقد تعود النتائج وخيمة على الدولة الجارة، التي يراها بعض العسكريين خيانة العظمى حين تفتح أرضك وعرضك لعدو بعد أن ينال مراده يشمت فيك وتبقى دونه وتابعا له ذليلا ومحتقرا، فمن لا يصون جاره ويصونه جاره فلا قوة له ولا سند يحميه، وكل دخيل على مجموعة يبقى كالربيب بين الأشقاء.

الحلف الأطلسي أساس الحرب الروسية – الأوكرانية:

الكل يعلم أنه مع تفكك النظام الشرقي الإشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي في سنة 1991، وخروج أوكرانيا مع بعض الجمهوريات من الإتحاد، بقيت العلاقات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا كما كانت عليه سابقا وذلك بفضل تعهد كييف على التخلي عن جميع الأسلحة الثقيلة والنووية لروسيا والتعاون في الصناعة العسكرية والمدنية ذات التكنولوجيا الدقيقة والعالية، لكن الحلف الأطلسي صار يعمل في السر والخفاء مع الدول المستقلة ونزعها من تحت وصاية روسيا والشرق وضمها تحت جناحه، ويظهر ذلك جليا في انضمام الكثير من الدول للحلف الأطلسي ومن ثمة إلى الاتحاد الأوروبي، منها المجر وبولندا بلغاريا وسلوفاكيا وتشيك ورومانيا وغيرها، ولم يعد يحمي جانبي روسيا سوى أوكرانيا وبلاروسيا، واليوم ترى الناتو في تمدد مستمر إلى الشرق واختياره أكثر لدول قريبة من روسيا وأكثرها مسيحية.

لهذا صارت روسيا ترى أن الخطر وشيك وأنها أراضيها أصبحت عرضة لاعتداء من القوى العظمى وأنه من حقها أن تقلق على أمنها وسلامة ترابها، وكما يقول المثل عندما تحس الأسود بالخطر والقلق على أمنها فهي تهاجم الذئاب، لذا فالمشكلة الكبرى والمعضلة ليست أوكرانيا بحد ذاتها، وإنما الخطر الذي تجلبه إلى حدود روسيا، وهذا النظام الحاكم الذي لا يحسب لأمن المنطقة ولا لمصلحة الشعب الأوكراني الذي له ميول روسية في تفكيره وانتماءه للشرق، وعليه يعتبره النظام الروسي هذا التصرف طيشا من الطرف الأوكراني وخرقا سافرا وانتهاكا من الناتو لمبادئ النظام العالمي والأعراف الدولية في الأمن والسلم الذي صار يهدد روسيا التي تصدت له بالقوة العسكرية، والتي كانت تطلب السيطرة على كييف وتنحية الحكومة والرئيس المعاديين لروسيا واستبدالهم باطراف متعاونة وتحترم كل العهود والمعاهدات بين الدولتين.

بعد أن اتجهت السياسة العسكرية الأمريكية إلى التدريب في البحر الأسود وبحر إيجا سواء مع تركيا واليونان ورومانيا منذ 2021، وتوسيع القواعد العسكرية في بلدان شرق أوروبا، أصبحت روسيا في خطر داهم، لذا عمدت سياسة التصدي لإستراتيجية الناتو واستعمال السياسة القمعية داخليا وخارجيا، كما تفعل ذلك في بيلاروسيا وكازاخستان.

وقد بدأت الأزمة بانطلاق الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 بدعوى الدفاع عن الحدود الجديدة لروسيا وحلفائها، وقد تعرضت الدولتين لخسائر كبيرة من حيث عناصر الجيش والمعدات العسكرية والاقتصاد ولكن روسيا ترى أنها الطرف الوحيد الرابح في هذه المعركة، بما أنها قامت بتجارب واقعية وعلى الميدان في مشاركة كافة عناصر الجيش في الحرب واستعمال الأسلحة العادية في المعارك، سواء الدبابات والصواريخ والبوارج الحربية والجنود والضباط وتعبئة الشعب مع تدابير الاستنفار واللجوء إلى المخابئ، ولما نرى عدم تدخل الحلف الأطلسي مباشرة وحماية حليفته بالقوة العسكرية نعرف أن روسيا هي الرابح في الأزمة، وعليه فإن أوكرانيا وأوروبا هما الخاسران الكبيرين، مع تدمير الكثير من المباني والعتاد الحربي وهروب الشعب الذي لجأ إلى أوروبا الغربية، لأكثر من أربعة ملايين لاجئ ونفقة تصل إلى ثلاثين مليون يورو سنويا إذا استمر الأمر.

بين الناتو ومجلس الأمن، من المسئول عن السلم في العالم؟

ترى رروسيا أن الحلف الأطلسي NATO أصبح خطرا كبيرا خاصة بوجود مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم الكتحدة، الذي يضطلع بمسئولية حماية الدول الضعيفة من الاعتداء على حدودها والحفاظ على السلم في العالم، وهو اليوم يحاول التوسع شرقا لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فهكذا تكتل عسكرية سوف يأدي حتما لحرب عالمية جديدة لصالح أعضائه، فهذا الحلف شارك مع الجيش الفرنسي في حربها ضد الجزائر المستعمرة والتي حصلت على استقلالها رغم مشاركة دول الناتو معها، وبهذا فالجزائر لا تؤمن بتكتل يدعو الاحتلال والاستعباد ويحمي مصالح دول قوية تهيمن على الاقتصاد العالمي وصناعة الأسلحة الفتاكة والمدمرة كما فعلت فرنسا بتجاربها النووية في الجزائر قبل وبعد الاستقلال.

لا زال الناتو متخوفا من دول الشرق مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، ونسي أن لهذه الدول الحق أيضا للدفاع عن حدودها واسترجاع ما نهب منها في أوقات الضعف والسيطرة الاستيطانية، كما لأوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد أي إعتداء سواء من روسيا أو غيرها، ولروسيا أن توقف أي تهديد لحدودها الجغرافية ومن دخول قوة معادية إلى المنطقة التي تعتبرها محظورة.

ترى دول الناتو أن هجوم روسيا على أوكرانيا غير مبرر كما ترى ذلك أمريكا أيضا، وترى السياسة عكس ذلك فماذا لو تحالفت روسيا مع كندا وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية للتدريب والتجسس، فما موقف أمريكا من هذا العدوان الصارخ في هذه الحالة، وماذا لو دعت روسيا كل من الصين وكوريا الشمالية والهند وإيران ومنغوليا وغيرها إلى تكتل يعدو إلى السلم في العالم وحماية مصالحها العسكرية المشتركة ومنطقتها من كل إعتداء.

ترى روسيا أن الاستراتيجية الحربية الروسية لا تريد احتلال أوكرانيا ولا إخضاعها بالقوة لهيمنتها، وربما أرادت فقط حماية نفسها وحدودها من تهور الرئيس الأوكراني الذي يتلاعب بمصير بلده رغم علمه بالعواقب مسبقا.

روسيا حاولت الوصول إلى العاصمة كييف وفرض تغيير الرئيس الحالي، وعندما رأت أنها لا تمتلك دعم الشعب الذي فر إلى أوروبا الغربية لاجئا،غيرت من خطتها واتجهت شرقا لحماية الجمهوريتين والسيطرة على البحر الأسود وميناء القرم بالسيطرة عليه وعلى مدينة ماريوبول.

إن العقوبات التي فرضتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي تكشف عن ضلوع الناتو، كونها غير مبنية على تهديد الأمن في إحدى مناطق العالم، بل لا تخدم سوى مصالح دول الناتو بالدرجة الأولى، والتي بدأت دعوة الصين إلى الانضمام إلى دعم هيئة الأمم المتحدة والنظام الدولي في مبادئه المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين والسلامة الإقليمية.

مخطط الصالح الجزائري:

تنتهج الجزائر الصلح في موضوعين هامين، أولها هدوء ساحة التفاوض وهذا ما نسميه بالهدنة المشروطة، والتي تستجيب لبعض مطالب الدولتين قبل الاتفاق النهائي، وتتمحور في:

- الاتفاق على وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقتة بين الطرفين دون الحديث عن انسحاب الجيش الروسي.

- وقف العقوبات على روسيا أو التقليص منها إلى الحد المقبول.

- تعهد أوكرانيا بعدم اللجوء إلى أي تكل أو مجموعة أوربية لجلب مساعدات عسكرية أو استخباراتية روسيا.

- تعهد الحلف الأطلسي بعدم التدخل في أمور البلدان المجاورة لها في فترة التفاوض، سواء أوكرانيا أو بيلاروسيا أو البحر الأسود.

- يدخل الطرفين في تفاوض مستمر إلى حين الوصول إلى إتفاق نهائي، يمكن لأي اتفاق جزئي أن يطبق إذا رأى الطرفان أن ذلك يخدم مصلحتيهما، ويبقى باقي وفود الدول الأطراف في مهمة التفاوض على حياد ما لم يطلب منهم التدخل حسب القواعد الدولية.

إن من أهم النقاط التي يجب أن تبرمج لطرحها أمام الطرفين وليست بالإجبارية أو وصاية من الوفد الجزائري بل تكون حسب طلبات الطرفين لوقف الحرب نهائيا والعمل سويا على أمن المنطقة، ويمكن ذكر ما تيسر منها:

- التعاون العسكري والسياسي الروسي – الأوكراني والعمل على حماية المنطقة من أي خطر أو اعتداء أجنبي أو من دولة على دولة أخرى هي صديقة.

- عودة العمل الصناعي العسكري بتكنولوجياته وخصائصه مع التعاون بين خبراء عسكريين بجيوش الدولتين.

- عدم انضمام أي طرف إلى حلف غربي أو شرقي أو أي تكتل اقتصادي يمكن أن يضر بالدولة الثانية أو قد ترى هي ذلك.

- التعاون الجاد مع حسن النية في إيجاد حلول ملائمة للأزمات السياسية مثل أزمة الجمهوريتين اللتين تطالب بعض الأطراف بها عن الاستقلال عن أوكرانيا، ولا تتدخل روسيا في الموضوع كوصي أو كقوة رادعة ما لم تكن لصالح أوكرانيا.

- وجود حل ملائم ومنطقي وقانوني لمشكلة جزيرة القرم.

- العمل على التآخي بين الشعبين وعودة العلاقات القديمة ما قبل الاتحاد السوفييتي والتعاون في مجالات عدة منها الثقافية والسياحية والعادات والتقاليد لكلتا الدولتين وفي مجال الأدب والعلوم والرياضة.

***

سليمان عميرات - الجزائر

تُعتبر منطقة الشرق الأوسط الكبير الممتد غربا حتي افغانستان وتركيا وشمال إفريقيا. ساحة الاختبار على المستوى الدولي في ما يتعلق بفعالية المساعدة الأمنية. التي تُقدمها القوى العالمية والإقليمية. التي ساهمت تلك المساعدة الأمنية في شدة وتكرار الحروب بالوكالة – مثل تلك القائمة الآن في ليبيا واليمن وسوريا والعراق – وفي عسكرة الجهات الفاعلة الحكومية وشبه الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ففي ثمانينيات القرن المنصرم،وفي نهاية الحرب الباردة كانت المساعدة الأمنية هي جوهر التنافس على التفوّق العسكري والاستراتيجي والأيديولوجي وحتى الاقتصادي في الشرق الأوسط، لكن على الرغم من الأهمية الواسعة والمتنامية للمساعدة الأمنية للمنطقة،وللمنافسة داخلها بين الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية، كانت المساعدة الأمنية موضع قدر قليل نسبيًا من التحليل المقارن، وبالمثل فالجهود المبذولة لتقييم العلاقات بين الأهداف الاستراتيجية وبين الأساليب التشغيلية لمزودي المساعدة الأمنية وتأثيراتها النسبية على المستفيدين، حاولت الولايات المتحدة وبكل الأساليب التنافس بطرد الوجود السوفيتي السابق في الشرق الأوسط.وكانت البداية من مصر والقرن الأفريقي،وجاء عام 1979م.تنقلب موازين القوة والتنافس مع ظهور النواة الأولي لتنظيم القاعدة.من رحم الأحداث إقتحام الحرم المكي فجر أول يوم في السنة الهجرية 1400.وقيام الثورة الإيرانية.وتوقيع اتفاقية السلام بين ( مصر وإسرائيل) وطرد الوجود السوفيتي من مصر.وتولي صدام حسين مقاليد الحكم في العراق،والحرب الأهلية في لبنان.واشتعال حرب افغانستان الاهلية،.كل ذلك ساعد علي صراع لصالح الأمريكان وحليفة الاستراتيجي إسرائيل.ومع انهيار حائط برلين وانهيار وتفكك حلف" وارسو"،كانت المنافسة آحادية لصالح الأمريكان،ظهر منافس أخر من رحم الثورة الأسلامية في إيران (ولاية الفقية) ضد الهيمنة الأمريكية.وظهور قوة جديدة مع تولي الرئيس بوتين الحكم،

فمن المعروف أن منافسيها الرئيسيين في المنطقة في تقديم المساعدة الأمنية – أي روسيا وإيران – ساعدا وكلائهما على تحقيق نجاحات ملحوظة في ميدان المعركة. فالمنافس الأول، روسيا ساعد في سوريا وبشكل مطرد في ليبيا؛ والمنافس الثاني "إيران" ساعد في سوريا وكذلك في لبنان من زرع وكيل لة من ( حزب اللة) كذلك فصائل في العراق تنتمي الي المذهب الشيعي ، وإلى حد أقل في اليمن من جماعة الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن روسيا أنجزت، بدرجات متفاوتة، عددًا من أهداف المساعدة الأمنية التي حددتها وكالة أبحاث الكونجرس. فدورها المحوري المتزايد في المنطقة، والذي يعتمد إلى حد كبير على قدرتها الظاهرة كمزود للمساعدة الأمنية، إلى جانب الدبلوماسية المُحنكة، مكناها من إدارة التحديات الأمنية الإقليمية في المشرق والمغرب الكبير، مثل تلك التحديات التي تنطوي عليها العلاقات (التركية العربية) من خلافات مع تداعيات ثورات الربيع العربي، وبناء روابط مؤسسية وشخصية مع النخب العسكرية والسياسية ليس في سوريا وحدها ولكن أيضًا في مصر والسودان والجزائر. وهذا إلى جانب نجاحات مماثلة في بلدان أخرى، من الممكن لهذه الروابط في المستقبل أن تمكنّ روسيا من إقامة تحالفات غير رسمية تمارس عليها على الأقل نفوذًا كبيرًا.

من الواضح أن الولايات المتحدة وروسيا وإيران اختارت مناهج مختلفة للمساعدة الأمنية في الشرق الأوسط لها تبعات هائلة على بناء الدول والاستقرار ولكم مازالت الأوضاع في مناطق غير مستقرة..

على الجانب الآخر، فيما يتعلق بالدولة المنافسة للولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو في مناطق الصراع الساخنة في أوروبا، فإن لروسيا توجهات تحكمها أوضاعها الداخلية، وطموحات الرئيس بوتين، وما تملكه من قدرات على تحقيق ما تريده لتواجدها خارج حدودها. وتستند سياسات روسيا تجاه منطقة الشرق الأوسط إلى كون هذه السياسات، جزءاً من معادلة علاقتها بالولايات المتحدة، - قرباً أو تباعداً - وارتباط ذلك بحرص روسيا على أن تستعيد وضع القوة العظمى الذي كان لها في فترة وجود الاتحاد السوفيتي. وإن كانت عودة روسيا إلى المنطقة تسير في مسار مختلف عن المسار السوفيتي السابق، وبمبادرات تختلف عن سياسات الولايات المتحدة، والغرب عامة. وإلى جانب هذا الهدف، فإنها تريد التوسع في العلاقات مع دول المنطقة، خاصة ما يعود عليها بمنافع اقتصادية.

في هذا الإطار كان تدخلها عسكرياً في سوريا، والذي استغلت فيه حالة السلبية التي سادت الموقف الأمريكي خاصة تجاه توسع شبكات الإرهاب الخارجية في الأراضي السورية.

ولكن الكثير من المراقبين يرون أن التدخل العسكري الروسي في سوريا، يمثل حالة استثنائية، ولا يتوقعون أن يتكرر في حالات أخرى في المنطقة، وهي تدرك أنها لن تكون في وضع المنافسة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولا شك في أن الأبواب المفتوحة أمام روسيا في المنطقة، لخلق علاقات سياسية واقتصادية، يساعد عليها ما كان قد انتاب الولايات المتحدة من تردد في الوفاء بالتزاماتها التاريخية تجاه أمن بعض دول المنطقة، وإنتاجها سياسات تمثل إغراقاً في التحيز ل«إسرائيل» على حساب القضايا العربية، وتزايد لهجة المطالبة بأن تتحمل دول المنطقة أعباء ما تقوم به الولايات المتحدة من تحركات ومواقف، كانت تقوم بها في الماضي وهي تعلم أنها إذا كانت تحمي مصالح دول المنطقة، فإنها تدعم مصالح الأمن القومي الأمريكي في الوقت ذاته.

في هذه الأدبيات السياسة الخارجية الأمريكية، باعتباره تسهيلاً للعلاقات الفعالة بين المسؤول الرئيسي والوكيل، وبالتالي تسهيلاً للمساعدة الأمنية، يمتاز بأهمية خاصة في الشرق الأوسط، وهو وجود "مؤسسة حكم شرعية وفعالة نسبيًا". تشير وكالة أبحاث الكونجرس إلى أن "الجهود الأقل فعالية التي أجراها بناء قدرة الشريك كانت تتم إما أثناء النزاعات والحروب (المواقف التي تتنافس فيها أطراف معارضة على الحكم) أو في البلدان التي يكون فيها الحكم الشرعي ناشئًا نسبيًا. " وهذا ظهر في سمال العراق في دعم الأكراد ومحاربة الدولة الاسلامية (داعش) في نفس الوقت تساعد بالدعم اللوجستي فصائل جهادية شمال سوريا. ففي فترة حكم الرئيس أوباما طالبت الدول العربية بفتح مجال الحريات والانتخابات الحرة وملفات حقوق الانسان شرط المساعدات الامنية. لذلك كانت الخارجية الأمريكية في حالة تخبط من اندلاع الثورات العربية. من الاكتفاء بتصريحات فقط بضبط النفس. وكان يقلق الجانب الامريكي أن "الفساد والكسب غير المشروع لدى الشريك يمكن أن يعوقا فعالية بناء قدرة الشريك بشكل كبير. توجد أدلة قليلة تفيد بأن فعالية بناء قدرة الشريك يمكن أن تكون فعالة من دون وجود شريك راغب وقادر على أرض الواقع. ومع الأحداث الجارية في شرق اوروبا من الحرب الدائرة في اوكورانيا والتقارب الصيني مز لعب دور في التقارب السعودي الإيراني.وظهور شخصية الامير محمد بن سلمان في محاولات التخلص من الهيمنة الغربية.والتقارب السعودي - الصيني والروسي - سوف يخلق نظام جديد للمنطقة .هل صعود الصين وقوي اقليمية أخري في العالم...؟ سيخلق وضع أخرمن حرب عالمية باردة وصراع في الشرق الأوسط من أطراف أقليمية..!!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية

المستقلون في العراق.. أصيص اصطناعي للأحزاب التقليدية

هذا المقال كان من المفترض أن يُنشر بشكلٍ مشترك، مع أمينٍ عام لإحدى الأحزاب، ذات السُمعة المستقلَّة. لكن يبدو إنَّ الخشيَّة من ردَّة الفعل، دفعته للتنصُّل بكل "أدب". كان الله في عون الناخب العراقي، إن انتخب مثل هكذا حزب، يقودهُ شخصٌ جبان ونفَّاج.

هناك من يروِّج، إلى أن دور الأحزاب الناشئة والمستقلين، في الانتخابات القادمة؛ سيكون عبارة عن روحٍ "كاشانيَّة" – نسبةً إلى سجادة الكاشان الإيرانيَّة – تُجدِّد فُرص ما تُسمَّى بالأحزاب التقليديَّة، والتي هي في الحقيقة، تمديدات إقليمية ودولية، استعرضت نفسها وما زالت، ومنذُ عشرين عاماً، بثيابٍ سياسيَّة، من القومية العرقيَّة، الطائفيَّة، والمناطقيَّة.

لا يمكن التحالف بحسب فهمِنا، لرواية إحدى الأحزاب الناشئة، مع من شبَّ إقليمياً، واستوى عوده دولياً، وشاخت سياسته الداخليَّة، بأسلوبه الفاسد والمحاصصاتي. الناشئون  يعتبرون هؤلاء التقليديين، عارِضاً انتقالياً في إدارة البلاد، يحاول التيمم بالصندوق الانتخابي. عليه فإنَّ المستقلين لا يمكن أن يتيمَّموا وبحجة الصندوق الانتخابي، بأيَّة علاقات مع تلك الأحزاب.

المستقلون.. تفاح المُدن الفاضلة

السؤال إذاً: كيف تستطيع الأحزاب الناشئة أن تُغيَّر المعادلة السياسيَّة بشكلٍ حقيقي؟

إحدى الأحزاب الناشئة لخَّصت رؤيتها؛ التي اتكأت على جِدار الوقائع المنطقيَّة، بأنَّ الناشئين والمستقلين، مُجبرون، إذا ما أرادوا قلب المعادلة السياسيَّة، على "التوحُّد في قائمة انتخابيَّة، للذهاب إلى الصندوق الانتخابي، بتحالفٍ جامع. غير ذلك؛ فإنَّ النتيجة ستكون تبعثر حظوظهم الانتخابية، ولن يحصلوا على ما اتاحهُ لهم، قانون الدوائر المُتعدِّدَة".

هذه القوَّة الحزبيَّة الناشئة، سعت منذُ عامٍ ونيَّف، على تنضيج بديل سياسي مع شركائها، في تحالف " قوى التغيير الديموقراطية". هذا التحالف الذي استطاع جمع (11) أحد عشر حزباً، حركة، وتجمعاً للمستقلين في المحافظات العراقيَّة، للذهاب مجتمعين، إلى الانتخابات القادمة.

الأحزاب التقليدية، تقوم الآن بحربٍ نفسيَّة، ضدَّ الناخب العراقي، عندما قررت استعادة قانون الانتخابات الجديد، لحدبة نظام سانت ليغو الرياضي، لحساب الأصوات. هي تُريد تحديداً، الإيحاء بأن الأمور عادت إلى المُربَّع الأول، وبأنَّها ذبحت القطة على المحراب "الكاشاني"، وبأن المستقلين وإن هربوا من فخ هذا النظام الرياضي؛ فإنَّ القطة (المستقلون) ستموء على السجَّادة وهي شاكِرة.

نحنُ نجد إنَّ هذا التفسير مغلوط بالكامل. نظام سانت ليغو الرياضي لاحتساب الأصوات، ورغم عيوبه، إلَّا إنَّهُ وضِعَ أساساً، ليضمن للأحزاب الصغيرة، تمثيلاً برلمانياً عادلاً، باحتساب ما حصلت عليه من أصوات انتخابية. العيوب في هذا النظام، صنَّعتها سُلطة الأحزاب التقليدية،  حيثُ عمدت إلى تعديله وتشويهه، من خلال التلاعب في الرقم الذي يُقسِّم الأصوات الانتخابيَّة، وبالتالي تحديد عدد المقاعد النيابية التي يفوز بها كُل حزب. تحديداً، هم حرَّفوا رقم (1.4) الذي يُتيح منافسة انتخابية، شريفة سياسياً وغير لائقة بهم، إلى منافسة شريفة لهم، بالذهاب إلى الرقم (1.7) فما فوق؛ كي يسلم شرفهم الرفيع من أذى الأصوات الانتخابيَّة.

بعضُ المراقبين والواقعيين السياسيين، قد يرون فيما تُريد القوى الجديدة الذهاب إليه، من نبذ التعاون مع الأحزاب التقليدية، في عملِها السياسي، نوعاً من العُذريَّة، المتولِّدة من خيالات المُدن الفاضلة. نحنُ نُعطيهم الحق فيما ذهبوا إليه، ولكن هل هم مستعدون، لأكل التفاح الفاسد ولا شيء غيره، ما داموا ينظرون إلى تفاحات سليمة.. أليست تلك الصورة أكثر عُذريَّة وطوباوية!؟

الأحزاب الناشئة، تزعم بأنها تمتلك المبدأ، وجُرعات من الفهم الواقعي للبيئة السياسيَّة. هي تؤكِّد إنَّها لن ترضخ لِحراكٍ "كاشاني"، ولن تضع نفسها، في الانتخابات القادمة، في سلَّة واحدة، مع التفاح التقليدي. ظاهريَّاً، هناك اختلاف إيديولوجي، وخلاف جذري فيما يخصُّ المعايير السياسيَّة، والنزاهة. كما إنَّ القوى الجديدة، ليس لديها أسنان طائفية، ولا معدة مُحاصصاتية، مثل القوى التقليدية. الانتخابات الماضية في أكتوبر 2021م، كشفت شيئاً آخر. لم يتوزع المستقلون الفائزون، على كامل الطيف الاجتماعي العراقي، بل كانوا زائدة "شيعية وكردية".

الآن، هناك حاجة، إلى توضيح الآلية التي ستتعامل بها القوى الجديدة مع المجتمع الدولي، والتي يمكن اختصارُها بطرح هذا السؤال ذو الروح الشعبيَّة: هل سيكونون "أبناء السفارات" كما تفعل الآن القوى التقليدية التي اتهمت غيرها بذلك سابقاً، غيرةً منها على الوالد ذو العيون الزرقاء واللحية "الكاشانيَّة"؟

النظام يحتاج إلى أصيص اصطناعي مستقل

التعامل مع المجتمع الدولي، وبحسب بعض المستقلين؛ سيكون من "خلال البعثة الأممية في العراق"، رغم كُل العيوب التي يشوب عملها. تحاول "يونامي"، المشهورة بانحيازها للوضع الراهن، التوفيق بين الجميع في البلاد، والحفاظ على استقرارها السياسي، ولو بالدرجة الدُنيا. أيضاً، تحسين البيئة السياسية، بتوافق جميع اللاعبين. هي وبحسب الواقعيَّة الدولية، تُعامل الجميع أنداداً، لكنها لا تصنعُ ندَّاً من الفراغ، كحال بعضٍ، صنعتهُم ألعاب التوازنات الإقليمية والدولية. باختصار هي تستخدم سُلطة الأمم المتحدة كمسامير، لتثبيت ألواح التوازنات المتفق عليها، خارج الحدود العراقيَّة.

 العمل مع الدول المُمثِّلة للمجتمع الدولي؛ سيكون بـ "الطُرق المُتفق على معاييرها وطنياً ودولياً". لا نفهم كيف سيقوم المستقلون بذلك. أو ما هي الخطوة الأولى.. كيفية جس النبض الدبلوماسي لتلك الدول (سفاراتها) في البلاد. تُراهن الأحزاب الناشئة، بأنها لن تستخدم سمَّاعاتِها الحزبيَّة، للإصغاء إلى أمنياتٍ طائفيَّة، أو صوت صُفَّارات الانتماء، إلى هذا المحور الإقليمي أو ذاك الدولي. شِعارُهم البارز: "لن نستطيع العمل مع دولٍ، تتدخل بالشأن العراقي، وتُسيء للمبادئ الدولية".

دول الجوار التي لعبت بالداخل العراقي، وأضعفت موقف العراق خارجياً، لن "يكون لها نصيبٌ في المستقلين"، بحسب الأحزاب الناشئة. نحنُ ما زلنا نرى هذه الدول ولحدِّ الآن، تُدمِنُ على ربح الطارئين – الأحزاب التقليدية - وتخسر العراق، بحجَّة السياسة الواقعيَّة.

تُريد القوى الجديدة، الدعوة إلى سياسة خارجية، ذات منهج مختلف. إذ ليس هناك حزبٌ عراقي، حمَّل الدول التي تتعامل مع البلاد، ثمناً دبلوماسياً، تزدادُ فداحته، بشكلٍ يتناسبُ طرديَّاً، مع خسارة تلك الدول للعراق، ومراكمتها للأرباح الطارئة!

الأحزاب الناشئة كحالها من الأحزاب التقليدية، إعلاميَّاً، تُريد أن يكون "العراق سيداً لقراره، وأن يتعامل وفقاً لمصالحه، والمصالح المشتركة مع الدول والعالم الخارجي، لا وفقاً للأهواء الإقليمية والمصالح الدولية". يراهِن المستقلون، بأنهم لن يتبعوا القاعدة؛ التي افصح عنها واحدٌ من سياسيَّ الجوار: "نحن من أجل مصلحة النظام ندخل إلى الجحيم ونحاور الشيطان".

أعود إلى الانتخابات القادمة، المزمع انطلاقُها في ديسمبر القادم، والتي ستكون ذات طبيعة مصيريَّة. تعليل الأهمية المُطلقة لها، يبدأ من السخط الشعبي الكبير والواسع، حيال النظام السياسي، والذي يُعبِّرُ عنه هذا السؤال المُتكرِّر: ما هي الجدوى من المشاركة في عملية انتخابية لا يُعمل بنتائجها؟

نتائج الانتخابات السابقة في أكتوبر 2021، كانت مُختلِطة ومشوشة. السبب الأول، وصول نسبة المقاطعين إلى ثمانين في المائة. أمّا الثاني فكان ظهور بديل سياسي، اختلف بالنهج عن الاحزاب التقليدية، مثَّلته القوى الجديدة، لكن سعرها الشعبي انخفض. بعضُها شُري من قبل الأحزاب التقليدية، وفضَّل بعضهم الآخر، الاحتماء بيافطة حزبية، أو ميليشيا مًسلَّحة، مع مواقف أُخرى لا نعلم عنها شيئاً. إذ أن الناشئين كما يبدو، يفضِّلون العمل في غُرفٍ نصف مُغلقة، حيثُ النصف المفتوح تُحدِّدُه آمال الجمهور حصراً! وربّما لأنَّ كثير منهم الآن: صحافيون، ناشطون، ومنظمات مجتمع مدني، يظنون السياسة فُرصة للتنافس الشخصي.

الثالث والأخير كان دراماتيكياً، لكنه كشف ببغائيَّة الأحزاب التقليدية التي خسرت الانتخابات الماضية. دعت فوراً، وعبر قنواتها الفضائية، إلى استعارة التجربة اللبنانية. تحديداً، هُراء "الثُلث الضامن"، لتئد التغييرات السياسية؛ التي عبَّرت عنها النتائج الانتخابية.

 العملية الانتخابية القادمة، إن لم تتوفَّر فيها "تطمينات واقعيَّة، بأنها ستكون نزيهة، وقابلة للفحص بالمجهر الأممي، وراضِخة للديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة؛ سيكون من الأفضل، توفير ما سيصرفُ عليها، من أموال وآمال". هكذا رأى المستقلون.

الاتجاه إلى المجهول أو إلى التغيير الحقيقي؛ سيكون واضحاً من خلال تطبيق قانون الانتخابات، والذي يمنع مشاركة من يحمل السلاح، ويخفيه تحت هراء يافطة "الثلث الضامن". تطبيق القانون لا الهُراءات الضامِنة والمُسلَّحة، سوف يُحفِّز نسبة أوسع من المشاركة الجماهيرية، أمّا بقاء الوضع على ما هو عليه، وعمل المفوضية المستقلة للانتخابات، كمفوضية للأحزاب التقليدية؛ فسيكون معناه خسارة العراق وربح الطارئين. باختصار، ما يحدث في العراق ولحد الآن، نكتة سمجة، مفادُها: أخسر الصندوق الانتخابي، ألتقط حكومة بالسلاح وبالصلافة الطائفية، وزيَّنها بأصيصٍ من المستقلين الاصطناعيين. 

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

سيتحدث العالم كثيرًا وطويلًا عن مسرحية فاجنر التي أخرجها بحنكة واحترافية استخباراتية عالية الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وأوهم فيها العالم بتمرد كتيبة فاجنر عليه وعلى الجيش الروسي، واحتلالها لمدينة رستوف الروسية المحاذية للحدود الأوكرانية والتي تبعد عن موسكو العاصمة الروسية حوالي 400 كلم فقط، الأمر الذي أسال لعاب وألسنة المُحللين الغربيين بسقوط موسكو في يد قوة فاجنر المُتمردة، وسقوط بوتين معها وهروبه من موسكو! ونهاية الحرب وانتصار أوكرانيا، ومن خلفها الحلفاء والمراهنين عليها في الغرب؛ خاصة وأنَّ التمرد المزعوم من قبل "قوة فاجنر" تزامن مع هجوم عسكري أوكراني مضاد على القوات الروسية راهن الغرب على تغييره لقواعد المعركة على الأرض لصالح أوكرانيا وداعميها الغرب.

في 11 فبراير من عام 1986، سقطت مدينة الفاو (الساحلية العراقية) بكاملها بيد القوات الإيرانية في عملية أسمتها "فجر 8"، وتمكنت خلالها من أسر 60 ألف جندي عراقي دفعة واحدة وبدون مُقاومة تُذكر. ومعركة الفاو لم تكن بتخطيط عسكري بحت فقط؛ بل رافقها تكتيك سياسي إيراني قبلها بأيام قليلة؛ حيث وافق وزير النفط الإيراني حينها على طلب العراق بزيادة حصته من إنتاج النفط عبر منظمة أوبك، والذي فُسر من القيادة السياسية بالعراق حينها ومن المراقبين والمتابعين للشأن النفطي ومجريات يوميات الحرب، أنها إشارة ضعف واستسلام والرغبة في وقف إطلاق النار من قبل إيران، بينما كانت الحشود العسكرية الإيرانية تتأهب للسيطرة الشاملة على الفاو، وقد تحقق لها ذلك.

المُراد من هذا المثل من الحرب العراقية الإيرانية- وهو من جملة أمثلة كثيرة في الحروب ومفاصلها الحرجة- التدليل على أن الخداع والعمليات النوعية وتمثيل الانقسامات والتمردات وخلافه، تعد من أدبيات الحروب، ونتاج تفتق العقول العسكرية والأمنية والسياسية لتحقيق مكاسب وازنة على الأرض.

كثيرون ممن يعلمون- ولكنهم لا يُدركون- ما تعنيه أوكرانيا لروسيا البوتينية وأمنها القومي وحالتها الوجودية، لا يدركون حجم الاستعداد الروسي لهذه الحرب منذ إطاحة الغرب بالحكومة الوطنية في كييف عام 2014، والتي كانت بمثابة إعلان حرب صريح على روسيا من قبل النظام الأوكراني الجديد ورعاته وداعميه في الغرب.

لم يُبيِّن بوتين ويكشف عن عدوانية الغرب وهشاشته وحلف الناتو من بعده في حرب أوكرانيا؛ بل أسقط ورقة التوت التي تواري بها أمريكا عورتها كنمرٍ من ورق ما زال يقاتل العالم ويفرض سطوته على الخانعين بأثر رجعي.

بالعقل والمفاهيم العسكرية، لو فرضنا جدلًا وصدقنا تمرُّد فرقة فاجنر الروسية على الجيش الروسي وسيطرتها على مدينة رستوف، لا يُعقل أن تقف القيادة الروسية مكتوفة الأيدي بجحافل وحداتها العسكرية وعتادها النوعي الخارق وتترقب زحف فاجنر على موسكو، وهي تمتلك خيار تدمير عدتهم وعتادهم بالكامل ومحوهم في رستوف بسلاح نووي تكتيكي واحد. كما لا يُعقل أن يُقارِن عاقلٌ واحد بين التفوق الكمي والعددي للجيش الروسي مُقارنة مع فرقة فاجنر.

الاستراتيجية الروسية في حرب أوكرانيا اعتمدت على عنصرين أرهقا النظام الأوكراني ومن يقف معه وخلفه، وتمثلت في محاربة النظام بمعزلٍ عن الدولة الأوكرانية؛ لأن أوكرانيا تمثل النشأة الأولى للإمبراطورية الروسية. وعملت الاستراتيجية الروسية على إظهار حقيقة أن الحرب والاستهداف لروسيا وأمنها وتاريخها ومكانتها، وليست حربا ضد بوتين، كما يروج الغرب وإعلامه، وهي نبرة عادةً ما يستخدمها الإعلام الغربي في حروبه مع الخصوم والخارجين عن إرادته، وقد سمعناها ضد الرئيس صدام حسين والقائد معمر القذافي، وكأن خلاف الغرب مع الأشخاص، ولا يطمع لاحتلال البلدان والتنكيل بها.

قبل اللقاء.. أمريكا والغرب لا يمكنهم تحقيق أي انتصار نهائي وحقيقي في حروب سلاحها الإرادة أولًا، والتاريخ يكشف لنا كم من شعوب انتصرت بإرادتها على قوى نووية. وبالشكر تدوم النعم.

***

علي بن مسعود المعشني

لا بدَ من تغيير جذري، لكي ينهض الاسلام الصحيح، وتتجدد قيمه، وتستمر مجتمعاته الجديدة، ولا يتم ذلك الا في ظل تطبيق عدالة القانون، بين الناس دون تفريق بعد ان فقدت في اسلام فقهاء التجديد، فهل بمقدور مؤسسة الدين الساكتة على الخطأ عبرالزمن الطويل، وقادة التغييرالمستغلين للوطن والدين اليوم من اصلاح حال المواطنين في نظام أنشأ على الطائفية والاكراه الفكري والتعسف الاجتماعي "المرفوض بالدستور العراقي الجديد، بموجب الفقرتين 07 ، ،10 "، أشك في ذلك،

كفاية تغليس وتدليس، لقد حان الوقت للتخلي عن التعصب، عليكم الاعتراف علناً بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور ، وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر، فالثورات والتغيرات المجتمعية يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة ، والاهداف الواضحة والبناء السليم والانصياع لنظريتي التغيير والتطويرالعلمي حسب ، يقول النص الديني:"قل سيروا في الارض فأنظروا كيف بدأ الخلق،العنكبوت 20"، أي كيف بدأ وكيف يتطور، هنا صيرورة التاريخ التي اهملها فقهاء الدين طمعاً في السلطة والمال والجنس، بل ، هي ليست ملكهم كما يعتقدون اليوم اصحاب نظريات التخريف، حتى اصبحوا امام انهيار القيَم المقدسة وجهاً لوجه لكنهم لا يتعضون ولا يقبلون الرأي الاخر، لأنهم يعتقدون ان رأيهم هو الدين المزيف لا الصحيح لارتباطهم بالسلطة وهم مخطئون، فأين الدين، واين القيَم ؟، التي كانوا يتحدثون بها أمامنا قبل التغييرفي 2003؟، وهم اليوم قاتلي الشعب وسارقيه والدين معاً.

نقول لشياع السوداني: لا تكن عبدا لغير الله، فالحق القديم للشعب لا يبطله شيء، والعقل مضطر لقبول الحق، ففي العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق، وطن العراقيين اليوم في محنة تكاد تنطق بصوت الكارثة القادمة من وراء حجب الغيب الرهيب، انت مكلف من الأطار الذي لا يعترف بحقوق الله والشعب وآديت القسم واليمين،عليك ان تعمل بأمانة واخلاص وعدل العادلين، فلا تفهم نظرية الحكم سلباً، لان ذلك يؤدي الى نفي صورتك الصادقة التي تدعيها، وسيؤدي هذا الموقف السلبي ، الى الجمع بين نقيضين، الادعاء والنقيض، في حين ان العقل يحكم ان لا يجتمع على صدقٍ نقيضان.

لم يأتِ حكم الأديان للناس من اجل عبادة الخلق للخالق بلا حقوق، ودون تحقيق مصلحة الخلق،فالخالق والخلق عنصران متلازمان بعضهم من بعض،فلولا الخلق ما عُبد الخالق ولما اصبحت الحياة لها من معنى (وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون،الذاريات 56). ويُقصد بالعبادة هنا هي علاقة الحقوق والواجبات الصميمية بين الخالق والمخلوق.،حتى قال بعض الفلاسفة: "لولا وجود الخلق لانتفت الحاجة للخالق".لذا نلاحظ ان المعايير الاساسية التي جاءت بها الاديان كانت وسيلة لدروب الهداية الحياتية للانسان، وليست للعبودية وسيطرة الحاكم وأعوانه على المحكومين ، كما يدعي آولوا الأمر منهم اليوم،

ايها الحاكم الجدبد، انت عربي وحولك من يكره العرب كراهية التحريم حتى لو كنت منهم، فينبغي عليك الأنتباه لموازين الحق والعدل وفق معايير انسانية الانسان، فمعايير حكم الناس لا يستوي الا على الصراط المستقيم، حكما ايجابياً بعيداً عن خلفيات الذات وتصوراتها الخاصة، لتتخلص من ترسبات التاريخ المناهضة لروح العصر، ولتدرك نظام الحكم ادراكاً واقعياً دون تأثير.فالزرادشتية والمانوية همُهم الوحيد تحطيم العرب والدين معاً، منذ القديم والى اليوم، وغداً.

ان حكم الدولة اليوم هو ثورة فكرية اجتماعية معاصرة في مناهجها وخططها وليست افكارا متخلفة مبنية على اراء مؤسسة الدين، فأبتعد عن السلبيات التي ينادي بها المنتفعون من الفاسدين ، فهم لا دين لهم ولا يمثلون امام الشعب الا انفسهم الخائفة من المستقبل القريب، فلا يخيفك ظلهم المرتجف من طلاب التزوير ، فهؤلاء ما هم الا امعات بيد هذا او ذاك من مضللي حكم التاريخ وسارقيه، ومع كل محاولاتهم البائسة وبيعهم الوطن للاعداء المجاورين.فالحاكم القوي المؤمن يبقى اقوى عوداً من كل المزورين، فهو في اخلاصه للوطن والانسان يبقى ينبع من عين صافية لا عشوة فيها ولا ظلام، كما كان محمدا (ص) في تصميمه على الصلاح والفلاح دون الخوف من اعدائه الاخرين.

اتبع اخي الحاكم، وصايا الخالق التي تعتبر بمثابة حجر الاساس في بناء الحياة الانسانية للبشرية جمعاء،حين منحهم وسيلة المعرفة والتوجه الصحيح لدروب الصلاح والفلاح بوصاياها السرمدية "الوصايا العشر 151-153 الانعام"التي يجب ان لا تخرق ابدا ،وهي كل ما جاءت به الكتب السماوية المنزلة واترك اهل الحديث المنافقين، لانها قوانين الحياة الاصلاحية التي لا تخيب، المسلمون أول من خرقها، والحاكمون اليوم أول من داسها، لذا هم الفاشلون، فلا تثق بهم من اجل ان تكون، اعدل واصلح وكن وفيا، فلا تكن مزهوا بالمنصب حتى لا تكن ضياعا بين المحكومين.

ابعد عن اشكاليتهم المتولدة من باطلهم وفسادهم في العنصرية والطائفية والمناطقية ان كنت تريد للوطن الاصلاح الاكيد.

انت اليوم بحاجة لمراجعة معايير الحقوق والواجبات والتفكير، ولكن كيف؟ وهم يستندون للقوة لا للقانون. فالفكر الفقهي القديم الجامد لم يعد يستوعب عملية التجديد،لابل هالهُ ما يرى وما كان يحسبه سرمديا لايناقش،وفق معايرهم الشرعية المتخلفة التي يعتقدون ، فواردات الدولة بلا مالك شرعي لها سوى هُم.، - جماعة رفحاء الظالمين مثالاً - فظلوا يكافحون وينافحون من اجل ابقاء القديم على قدمه دون تغيير،متخذين من النص الديني المفسرترادفياً. وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة سندا لهم في تطبيق العادات والتقاليد البالية حتى ولو تضاربت مع النص، متخذين من المفسرين التقليديين تخريجا بعيدا عن الواقع والحقيقة المستجدة ،وخلافا لسنة الطبيعة ومقادير الحياة، لا بل قل انها لنا جميعا، فتنبه لنظريات التطور للعلم الحديث؟

ثم جاءت مرحلة الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام مستمدة من دين واحد هو الاسلام الصحيح وليس اسلامهم اسلام الفقهاء البغيض، يقول الحق:"اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" فالكل مسلمين: "ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر لاخوف عليهم ولاهم يحزنون، " اذن لماذا التفريق الفقهي الكريه ، ألم يكن هذا خروجا على النص في الدين. فلا تمنحهم فرصة اضعاف جوانب حقوق الانسان في الدولة باعتبارهم مشاركين. كن ندا للفاسدين. واترك اراء الولائيين المجرمين، والا وجودك يصبح عدماً عند المواطنين.

أين هي وصايا القرآن الكريم والتي منها اخذ الرسول (ص) دستوره الذي عرف بدستور المدينة المغيب البارحة واليوم، من هنا غابت الشورى وحين طالبت الناس بها اعتبروهم مرتدين فكان السيف لجز الرقاب بديلا للقانون فقتل مالك بن نويرة التميمي واستبيحت زوجته ليلى العامرية لرفضه مبايعة الحاكمين ،وقتل ابوعبيدة وقالوا عنه قتله الجن، كما قتلوا المفكر هشام الهاشمي وقالوا عنه قتله الارهاب، والاثنان كذبوا برب العالمين.فتبع ذلك الانفراد بسلطة الحكم وحقوق المسلمين دون قانون، الخلافة شورى بين المسلمين بقانون آلهي لا يخرق ابدا وهذا لم يحصل بالمطلق عند المسلمين، هذا الاسلام العظيم الذي زيفته سلطة المتجبرين، حين زيف رئيس مجلسهم النيابي ارادة نواب الحاكمين بشاكوشه الباطل(تمت الموافقة) فاين دولة النص عند المسلمين، ؟.

، فهل من احد يستطيع ان يطبق هذه العدالة الموصى بها من القرآن على كل البشر وعلى مدى عصور الزمان، بعد ان عجزوا عن القانون في التطبيق، هنا تكمن مشكلة الاسلام من عدمه.؟ وهنا تكمن ازمتنا الحالية في الحقوق وحكم الناس، فقانون الاسلام ليس شماعة تخريف في تطبيق عدالة القانون، عند الملتحين.

الوصية في الاسلام مشروعا اسلاميا بكل قسماته الحضارية. لذا جاءت آيات الوصايا كلها حدية واجبة التنفيذ ،لخلق مشروع حضاري اسلامي ترتبط توجهاته بمنطلقاته لتحديد المسار الرباني دون تحريف.،قابلا للتطبيق ، لجعل الترابط بين المنطلقات والتوجهات ،ترابطا وثيقا لتحديد المسار بمشروعية قانونية لا تُخترق بجعل الانسان هو المحور المحرك بعد اعطائه مكانة التكريم والتقوى والوقاية من اي انحراف ، فالشريعة منطلقا تعطي امتداد الزمان،واتساع أفاق المكان ،ليكون الالتزام والوعي وعيا تاريخيا مستوعبا ومتناميا ومتسعا ومتجاوزا كل خطأ محتمل بالعقل والادراك ،وان كان الخطأ يدركه العقل الانساني متى عرض عليه،فالعقل مضطر لقبول الحق على ما قاله الامام الشافعي حقا وصدقاً.وكل هذا هم عنه بعيدون، ولا زالوا هم يمارسون فساد المال والقتل والتخريب." منذ عهد سبايا الفتوحات التي عدوها دين.".وحتى الارث محكوم بالوصية أنظر الاية180 من سورة البقرة لذا فهي ملزمة التطبيق، وهم خانوها، بالاحاديث المزورة التي هي بل اصل ولا تثبيت.

اما الزواج والطلاق فقد ربطهما بمثاق قوي غليظ،وليس بمتعة عمائم الدين ولا ندري من اين جاؤا بالطلاق المتهور بالثلاث ووصايا اخرى كثيرة يطول شرحا الان.واليوم يأتونا بزواج المسيار ورضاعة الكبير، واللقاء بالمرأة الميتة اللقاء الاخير.ولا ندري ماذا يخبون لنا غدا من موبقات جنسهم الرخيص الذي به يعتقدون.؟ فأين مرجعيات الدين.ثلاث مرجعيات انحرفت بالدين وأودت به الى التدمير هي:مؤسسة الازهر في مصر، والزيتونة في تونس، والحوزات الفقهية في النجف وقم.فماذا غداً ينتظرنا من مصير.

علينا ان نعرف هذه القوانين التي جاءت بنصوص الخالق العظيم هي : "لايصلح السلطان الابالتقوى،ولا تعمر البلدان بغير العدل "فاين نحن من الاسلام في التطبيق، ؟وهذا هو الاسلام الصحيح، وليس اسلام الفقيه الميت خادم سلطة السارقين، وهذه هي وصاياه التي لاتخرق.فالاسلام ليس فوضى المعممين ومرجعيات الدين الصامتة صمت القبور في التحقيق.

ان الخطيئة القاتلة التي يرتكبها المسلمون اليوم انهم لا يفرقون بين قواعد السلوك وحقيقة الوجود ،لان حجر الاساس في القرآن هو علاقة الانسان بربه ليتحرر من كل عبودية فلا ظلم ولا دكتاتورية بل عدل ومساواة واحترام لحقوق الله والاخرين كما يقول الامام علي (ع): "لا تكن عبدا لغيرالحق، فان الحق حر"وهو اول من طبق النظرية عندما اتهمه اليهودي بسرقة السيف حين اصر على المحاكمة لاعلان البراءة حتى ظهرت امام الله والناس. فلماذا يرفض الخائن اليوم محاكمته امام القانون؟

فأين نحن اليوم من حكام التدمير المحروسين من مليشيات قتل العلماء والمفكرين فهل من حاكم اليوم يستطيع ان يقدم للمحاكمة واحدا من الفاسدين الكبار الهوامير، كلا والف كلا لان الحكم مؤمن من مليشيات التدمير، المسلمون لم يطبقوا ابدا هذه الوصايا بل انحرفوا نحو الضد منها، ،هذه هي نتيجتهم اليوم، فلا تظلموا من يتنحى عن الاسلام بعد ان اوصله الفقهاء الى هذا الدرك من قبول ظلم الاخرين.

ان من ينظر الى قوانين الشعوب وتطبيفها على المواطنين بعدالة القانون، ليُذهل كيف تطبق عندنا نحن المسلمون، انه عار التاريخ لكن حكوماتنا لا تؤمن بدين ولا تستحي من العار والخطأ امام الله والمواطنين، فأين نحن من وصايا القرآن والرسول. كفاية تبجحا بالدين والحديث المزيف وشعارات داعش والقاعدة وطالبان والمتزمتين، انتم اعداء لهما باليقين.

نحن نحترم شجاعة، من يقول الحقيقة او بعضها، يافقهاء الدين، اعداء الدين، كفاية بعد ان أصبحتم مهزلة التاريخ، ان كانت لديكم الحجة فردوا على المحاورين.

***

د.عبد الجبار العبيدي

إن التبعية هي ظاهرة مركبة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحضاريا، بدأ ترسيخها بالاستعمار المباشر وتوطدت بتواصل الهيمنة عبرالاستعمار غير المباشر بتجلياته المتعددة، إنها استقلال ناقص على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والحضارية والثقافية، وذلك على الرغم من تحقق الإستقلال الرسمي قبل حقب وعقود، حيث يشعر التابع بتفوق التابع له، وينتابه إحساس بالعجز عن مجاراة المتفوق عليه، هي نتاج وحصاد حملات  غزوات عسكرية أعقبها إحتلال ثم إستعمار، وترافق ذلك مع غزو فكري ثم إحتلال ثم إستعمار ثقافي، وحتى بعد أن توارى الجنود والأدوات العسكرية والإستعمار الفعلي، بقيت الأفكار الغازية بأدواتها الثقافية المدججة بالإيديولوجيا، مع محاولات الابقاء على طبقة سياسية تدين بالولاء للمستعمر المغادر لتعزيز التبعية، حتى أنتجت الحقب الإستعمارية المتعاقبة نموذج التفوق الغربي الرأسمالي الليبرالي الامبريالي، والذي يعتمد على ثلاثة ركائز أساسية:

1- ترسيخ التفوق العسكري.

2- تعزيز الهيمنة الحضارية والثقافية.

3- تجذير التفوق الاقتصادي .

حيث يتم التحكم في صناعة السلاح وتسويقه، والتحكم الصارم في أسرار هذه الصناعة، وتسويقه عبر تهيئة بؤر التوتر لترويجه وتجريبه، وكذلك تأسيس الأحلاف العسكرية بهدف الحماية والإحتواء والردع، ولإحكام الهيمنة على مناطق النفوذ ومحاولة التمدد كلما أمكن ذلك.

أيضاً يعتبر تعزيز الهيمنة الثقافية، عن طريق التسويق عبر كل الوسائط والوسائل الإعلامية الحديثة ركيزة إستراتيجية، لإعلاء شأن الثقافة الرأسمالية، وتبخيس كل ثقافة الحضارات الأخرى،  والتركيز على أن الثقافة والمنظور الرأسمالي الليبرالي في السياسة والاقتصاد والثقافة، هو نهاية التاريخ وافضل ماأنتجه الفكر البشري من حلول لكل المشاكل السياسية والاقتصادية والثقافية.

كذلك فإن الهدف الأكبر هو تجذير التفوق الاقتصادي لانه يعزز الهيمنة الغربية الرأسمالية المطلقة، عبر كل الأدوات الممكنة بدءا من صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والشركات متعددة الجنسيات، والاتفاقيات الاقتصادية غير المتكافئة مع الدولة النامية، وتحديد معايير التنمية والتحديث وفق المنظور الغربي الرأسمالي الذي لايراعي خصوصية البلدان والدول وخلفياتها الثقافيةوالحضارية.

ولتحقيق وتجسيد كل هذه الأهداف دأبت قوى الغرب الرأسمالي الليبرالي الإمبريالي منذ حقب وعقود على المضي قدماً في الخطوات التالية :

أولا/ محاربة كل القوى المناوئة ومحاولة إرباك وعرقلة كل الكيانات الاقتصادية الناشئة، وبشكل أساسي محاولة إيقاف المارد الصيني بكل الوسائل الممكنة، عن طريق خلق الأزمات، وشيطنة هذا الكيان الصيني، حتى أن كورونا هذا الوباء الكوني الفتاك، هناك من يرى بأنه إحدى المحاولات القذرة من طرف قوى الغرب الرأسمالي الليبرالي، لوصم الصين بالتآمر عن طريق إتهمامها بإطلاق هذا الفيروس والذي حصد أرواح مئات الآلاف من البشر.

ثانياً/ إختراق كل الحركات الثورية، بل ومحاولة التدخل في صنع الثورات وتهيئة قادة الثورات بمواصفات معينة، ولم تخلو أغلب الحركات الاحتجاجية والثورية من تغلغل قوى الغرب الرأسمالي الليبرالي، فتدخلاتهم تكاد تشمل كل ثورات العالم الثالث بغرض إحتواء عواصف التغيير للتحكم في مساراتها ومآلاتها ؛والعالم العربي ليس إستثناءا باعتباره ينضوي تحت مظلة العالم الثالث والنامي،هذه الثورات التي ترتب عليها الإستقلال الهش لأغلب دول العالم الثالث، وصولا إلى شبهة تورطه وتدخله في مايسمى بثورات "الربيع العربي" بموجتيه الاولى والثانية، لأن الغرب الرأسمالي الليبرالي والإمبريالي ليست له مصلحة في وصول حكومات ديمقراطية حرة ومستقلة ومنتخبة في دول العالم الثالث، ولابد من الابقاء على التبعية عبر الشركات متعددة الجنسيات، والدور المطلوب كذلك من سفراء الدول الكبرى لإدارة أمور الحكم والقوة في الدول التابعة، والتحكم في السياقات السياسية فيها، وما نلاحظه في دولة مثل ليبيا لهو خير شاهد ودليل.

ثالثاً/ السعي الدؤوب للسيطرة على اقتصاديات الدول التابعة، ومنعها من إحداث نقلة نوعية تتيح لها الاستقلال الاقتصادي الحقيقي، عن طريق محاولة الهيمنة بطرق مختلفة على المقدرات الاقتصادية للدول التابعة، خصوصاً عبر محاولات تطويق المؤسسات السيادية والمصارف المركزية والمؤسسات الوطنية المشرفة على إدارة الموارد الاستراتيجية كالنفط، والسعي نحو جرها إلى خطط صندوق النقد الدولي والذي هو أحد أدوات الهيمنة الرأسمالية على الاقتصاد العالمي.

رابعاً/ محاولة فرض رؤية التفوق الحضاري والثقافي على دول العالم بحضاراته المختلفة وحضارات الدول التابعة خصوصاً، وإظهارها بمظهر الحضارات المتخلفة والعاجزة عن ملاحقة تطور وتقدم الحضارة الرأسمالية الغربية، والترويج بأن علة تخلفها وعجزها عن إدراك التقدم والتنمية إنما تكمن فيها، كل ذلك يتم عبر كل الوسائط والوسائل المتعددة منذ عقود وحتى اليوم، عبر مراكز البحث والفلاسفة والمفكرين التابعين لدول الغرب الرأسمالي، مثل أطروحة صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي لصامويل هنتنغتون والتي تشيطن الحضارات الأخرى، وتصف الإسلام مثلا بأن حدوده دموية، ونهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما والتي ينظر فيها للانتصار النهائي لقيم الديمقراطية الليبرالية.. وكذلك العمل على تدمير  العقائد المتماسكة كالدين الإسلامي،والتي يرى كثير من مفكري الغرب أنها تهدد عرش هيمنة الحضارة الغربية على المدى البعيد،  لذلك هم مستمرون منذ أمد بعيد في طريق السعي إلى إختراقها ومحاولة تمزيقها فرقا وأحزابا.

فأين نحن من كل مايحاك لنا؟ لاشك أنه لا حل لنا إلا المقاومة، فكرياً: عن طريق تشبثنا بحضارتنا وثقافتنا وابراز مكامن قوتها، وليس بمسخها عبر محاولة التمثل والمجاراة للحضارة الغربية الرأسمالية المسيطرة، واقتصادياً: عبر محاول تأسيس كيانات إقتصادية على أسس علمية نجمع فيها نقط قوة دولنا الاقتصادية، ونضع إستراتيجيات عميقة للتنمية الحقيقية والقضاء على التخلف. ودينيا: عبر محاولة تنقية ديننا من عوامل التفرقة والتشرذم، وفضح وتعرية الخطط المشبوهة القديمة والحديثة لشيطنة عقيدتنا، واستخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق ذلك.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب راي وباحث وأكاديمي ليبي

 

دائما ما سببت المواقف الأمريكية تجاه الوضع في العراق حالات من الفوضى والإرباك والقلق بين أوساط الشعب العراقي.فهي وفي العموم  تتفاوت بين الشدة واللين، بين الجد والإهمال، بين التغاضي والتضييق،بين التهديد والوعيد مقابل الرضا والقبول. ومع هذه الربكة في التعامل تنهار العقلانية عند الكثير من الناس وتحجب الرؤية الواقعية لديهم وتشل القدرات وتضطرب معها الحياة اليومية بجميع تفاصيلها، ويفقد الناس حياة الطمأنينة ويعيشون القلق والتوتر بانتظار تلك اللحظات المرتقبة الممزوجة بالخوف المشروع من ما تضمره طبيعتها ومآلاتها.

 فالعراقي يتلقى يوميا كما هائلا من الأخبار المتضاربة، ومشاكله ومشاغله اليومية تجعله يفقد القدرة على تدقيقها والوقوف على حقيقتها، لتتحول لديهم لوظيفة نفسية اجتماعية ذات قدرة على تنشيط وإثارة التفاعل والاضطراب، وفي نفس الوقت تشيع الفزع والريبة والشكوك، وتنتعش معها قريحة البعض من السياسيين صناع الخوف وزعزعة القناعات ومروجي الشرور، وتبدأ مرحلة حياكة الروايات والسيناريوهات على طريقة ضاربات الودع وقراء الطالع، ومثال على ذلك  الأخبار المتداولة والمتكررة في جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، عن تغيير قادم لا يبقي ولايذر، يكتسح أمامه كل شيء، ولا تقدر على مقاومته أية قوة. جبروت مدمر لا تستطيع صده أي متاريس وموانع .

ولكون الإنسان العراقي يعاني من أزمات حادة ومزمنة سببتها له السلطات الحاكمة على مر عقود طويلة من عمر الدولة العراقية ولحد الآن، فان هذه الأنباء تجعله يعيش بتوتر انفعالي دائم، لذا نراه يدخل في هوس التحليل وتفاصيل سياسية شائكة ومرهقة وبالذات ما يتعلق بالموقف الأمريكي وسباق التصريحات المربكة التي يتلقاها والتي لا يجد فيها ما يساعده على الاستقرار وضبط إيقاع حياته اليومية.

نهاية عام 2022 أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إنهاء الولايات المتحدة لمهامها القتالية في العراق ، وأشار في ذات المرسوم الرئاسي لاستمرار بقاء عدد من القوات الأمريكية بمهام تدريب الجيش العراقي. ولكننا فوجئنا لاحقا وفي هذه السنة 2023، بمرسوم آخر مدد الرئيس بايدن بموجبه حالة الطوارئ الوطنية، المتعلقة بالأوضاع في العراق، وجاء في المرسوم الجديد: لا تزال هناك عقبات تعترض إعادة الأعمار المنظم للعراق، ولضرورة استعادة السلام والأمن في البلاد والحفاظ عليهما، يحتاج العراق تطوير مؤسساته السياسية والإدارية والاقتصادية ، لذا تمدد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق. مع التأكيد على أن هذه العقبات تشكل أيضا تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق للولايات المتحدة الأميركية.

عندها أثيرت تساؤلات جادة وحيوية تتعلق بطبيعة وتوقيت هذا الإعلان، وما انطوت عليه هذه الرسالة التحذيرية المقلقة. فما هي غايات الرئيس بايدن مما جاء بمرسومه هذا، هل يعني وضع نوع من الوصاية على العراق،  يتقدمها حفظ وحماية الأصول المالية العراقية الموجودة في الخارج، أم اتخاذ تدابير محددة تفرض من خلالها قيود على تحركات الحكومة العراقية لإعادة ترتيب تشكيلاتها الإدارية ونسق عملها، بما يوائم مصالح العراق وقبلها المصالح الدولية تتقدمها المصالح الأمريكية، أو أن الغرض من حالة الطوارئ إعلان عقوبات صارمة وصادمة ضد شخصيات أو قوى وجهات سياسية بعينها تعدها الولايات المتحدة عقبات تعترض تطوير مؤسسات الدولة السياسية والإدارية والاقتصادية، وتقف بالضد من استعادة وصون السلام والأمن، وبات وجودها يشكل تهديدا غير عاديا للأمن

القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، وأصبح العراق جراء أعمال وتحركات هذه الأطراف، منطقة غير آمنة وخطرة على المصالح الأمريكية وهذا يستدعي إعادة وضع العراق تحت نوع من أنوع الوصاية أو الحماية القسرية.

دائما ما مثلت سياسة وزارة الخزانة الأمريكية تجاه السلطة في العراق نوعا من أنواع التهديد العلني والصريح بإمكانية غلق العديد من المنافذ التي تتنفس عبرها مؤسسات الدولة العراقية وبالذات الاقتصادية منها. حيث من المعروف قدرة وزارة الخزانة على فرض قيود مالية تشمل مراقبة صارمة لتداول العملة في البنوك العراقية، وفرض قيود تعارض تعاملات البنك الدولي وباقي المؤسسات المالية الدولية مع العراق. وتستطيع أيضا مخاطبة وزارات ومديريات عديدة في أمريكا لتقييد التعامل مع العراق، من مثل وزارات الخارجية والأمن القومي والعدل والطاقة والدفاع والتجارة، ومديرية مراقبة التجارة ومكتب مراقبة الأصول المالية الأجنبية وهيئات الكمارك، وإعطائها الإشارة بتقييد التعامل وفرض جزاءات على المؤسسات العراقية والبعض من السياسيين، ومراقبة حركة الممتلكات العامة ولأشخاص محدودين وشركات ومؤسسات بعينها، ومن ثم التهديد بتجميد كافة الأصول المالية للحكومة العراقية الموجودة في الولايات المتحدة، وهذه التهديدات لوحت بها الإدارة الأمريكية خلال بداية أزمة الدولار في العراق، ولكنها وعند منتصف الطريق خففت من حدة تهديداتها وتغاضت عن الكثير من السياسات الاقتصادية المعطوبة للحكومة والبنك المركزي العراقي.

 في جميع الاحتمالات فان مستقبل العراق مهم ، ليس فقط للعراقيين بل للمنطقة والمجتمع الدولي بأجمعه، وما تقوم به الولايات المتحدة أو لا تقوم به، سيكون له تأثير كبير على مستقبل المنطقة.وهذا ما دفع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي السيد ادم هودج للقول بأنهم يؤيدون سيادة واستقلال العراق بشكل كامل، ورحب بزيارة أمير قطر للعراق، وهذا الترحيب تلميح لأهمية ومحورية علاقة العراق بمحيطه العربي بعيدا عن المحاور الأخرى.ومثلت زيارات السفيرة الأمريكية السيدة  آلينا رومانوسكي وتطوير علاقتها ببعض أطراف العملية السياسية وبالذات ممن لهم علاقة وطيدة بالجانب الإيراني وسبق لهم أن أدلوا ولمرات عديدة بتصريحات متشنجة عن امتناعهم إجراء أي لقاء أو مقابلات مع الجانب الأمريكي، والإصرار باعتبارها أي أمريكا بلدا محتلا للعراق وعليها الخروج منه. وكان تصريح السفيرة بالقول إن الإدارة الأمريكية لن تعود إلى لعبة تغيير أنظمة الحكم،مثال حيوي لحسن نوايا وعملية تطمين قدمت كعربون للأصدقاء الجدد.

بعد انقضاء كل تلك السنوات ومنذ خروج العساكر الأمريكان عام 2011 ومن ثم إعادة تواجدهم وفق تخريجه دبلوماسية ـ عسكرية، سميت بقوة التحالف الدولي للحرب ضد الإرهاب، وانتشار عسكري تحت مسمى تدريب الجيش العراقي.عادت للتفكير بلعب دور جديد وحيوي يختلف عن سابقته. يبدو السبب في هذه العودة القوية والاهتمام الجدي وكذلك تفعيل الدبلوماسية النشطة من خلال التحركات الدؤوبة والمحورية للسفيرة السيدة آلينا رومانوسكي،التي قالت وهي تخرج من اجتماع ضمها وبعض رجال عشائر، بأن العراقيين لايرغبون بوجود مليشيات.كل هذه التخريجات والتحركات جاءت بعد أن أدركت الولايات المتحدة الفجوة الكبيرة التي أحدثها تضارب الأفعال والرؤية القاصرة التي شابت الأداء العسكري والدبلوماسي غير المقنع، للطاقم الذي كلف بإدارة العمل في العراق خلال السنوات العشر الماضية.وكذلك ما تمخضت عنه الوقائع على الأرض قبل وبعد انتهاء سيطرة داعش على المدن العراقية. وليترافق كل هذا مع احتدام التجاذبات والمشاحنات غير العقلانية والتشوهات السياسية والاقتصادية وعدم الثقة التي تشوب علاقات وسلوك الكثير من السياسيين العراقيين، مما سبب ويسبب خللا كبيرا في إدارة المؤسسات وإضاعة أموال الدولة. لذا باتت الأوضاع في العراق تحتاج العودة إلى مشروع يعزز وجود الولايات المتحدة قبل أي شيء أخر، ويعطي انطباعا حيويا لطبيعة مهامها وحتمية بقائها كفاعل محوري، يتقدمه بالأهمية  الحفاظ على مصالحها الحيوية، ولذا عليها استحداث أطر عمل جديدة لطبيعة العلاقة مع العراق، وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية بالعودة لقراءة الحدث العراقي بتفاصيل جديدة قديمة يجعلها أكثر مكنة ودراية وفهما للمشكلة العراقية. مما اضطر الرئيس لإعلان مرسومه الأخير استنادا للأمر التنفيذي المرقم 13303 الصادر عام 2003 أي بعد أيام من احتلال العراق وعلى عهد الرئيس جورج بوش الابن.ويقضي هذا المرسوم بحضر تصدير بعض السلع الخاصة بالإضافة لمعاقبة شخصيات وكيانات تضع العراقيل وتعترض تطوير مؤسسات الدولة وتمارس أعمالا تهدد السلام والأمن.

تجزم الإدارة الأمريكية أن العراق لازال يواجه معضلات جمة ليس من الممكن حلها على المدى القريب دون تقديم تضحيات على المستوى السياسي والعام، وهذا يجعله يحتاج إلى شريك فعال ومتعاون وقوي. ولكن ولحد الآن فالكثير من الساسة العراقيين يجدون أن إيران لازالت تمثل وعلى أرض الواقع، الشريك الأقرب اقتصاديا وسياسيا، وليست للعراق القدرة على فك الارتباط بهذا الشريك دون مواجهة تبعات كبرى لا طائل منها. كذلك فالوجود الأمريكي يجد أمامه عقبات كأداء تبعد حسم الأمور لصالحه، ربما أولها يتمثل بهشاشة إجراءات الحكومة العراقية و ترددها أمام سلطة الأحزاب والكتل السياسية ذات العلاقة بإيران،وعدم قدرتها على فرض القانون،والوقوف بحزم أمام النزاعات العشائرية وانتشار السلاح وتحركات البعض من الفصائل المسلحة خارج سيطرة الدولة. يضاف لذلك انتشار جنوني وعميق للفساد الإداري وسرقة المال العام في عموم مؤسسات الدولة وبأشكال عديدة ومرعبة طال آذاه  شرائح واسعة من المجتمع العراقي وأنهك الاقتصاد وأعاق عمليات التنمية والبناء وأشاع الجريمة وقوض سلطة القانون.

من الجائز أن البعض من الساسة في الولايات المتحدة أدركوا بأن هناك حاجة فعلية لإعادة ترتيب علاقة ذات طابع خاص تستطيع الولايات المتحدة عبرها إمساك ما تستطيع إمساكه واكتشاف التعرجات المربكة داخل العملية السياسية الجارية في العراق والإقدام على معالجتها. لذا وجدت ما كانت تنتظره لحسم خيار تمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق لوضع قواعد عمل لكسر حلقات سلسلة الروابط السياسية والاقتصادية للعراق مع الجانب الإيراني عبر زج الخليج ومصر والأردن في صلب معركة إعادة البناء وعودة العراق لحضنه العربي. لذا حددت لهذا اتجاهات ذات طابع تكاملي سياسيا واقتصاديا، لا يشمل تأثيرها الجانب العراقي فقط ، وإنما معني بعموم الإقليم. وكذلك الوقوف بوجه جميع من يحاول الإخلال بأمن العراق وقبله بطبيعة العلاقة بين الطرفين الأمريكي والعراقي.

وفي سياق العمل هذا وضعت الإدارة الأمريكية أولويات بعينها لبنية السلطة العراقية وتركيبتها، والتي تكفل من خلالها تشكيل ائتلاف واسع يعمل على ضمان المصالح الوطنية للجميع، وهذا الأمر وحسب اعتقاد الأمريكان هو الخيار الأفضل في الوقت الراهن والذي تشجع على ديمومته، فهذا الموديل يقدم تسهيلات جمة بعد أن يطمئن الاستقرار المجتمعي والسياسي عبر شراكة الأضداد، ويكون شرط رسوخ عملية المحاصصة في تقاسم السلطة. على أن يكون الهدف هذا مقرون بتعزيز المصالح الأمريكية ليصبح لها الأثر الفاعل في مسيرة توطين العملية كطريق لمستقبل العراق.

 وأهم ما تؤكد عليه النقلة الجديدة، حقل العلاقات الاقتصادية حيث  يضمن العمل سهولة وانسيابية تصدير النفط العراقي الذي يقع ضمن أولويات الولايات المتحدة وبرامجها وأنشطتها الدولية، ويبقى واحدا من أهم العوامل المحركة للنمو الاقتصادي الإقليمي والعالمي.

***

فرات المحسن

صباح عيد الأضحى، أقامت الشرطة السويدية خطاً أمنياً أمام المسجد الكبير في العاصمة استوكهولم، لحماية سلوان موميكا، الذي أعلن أنه سيحرق نسخة من المصحف ويدوسه بقدميه؛ تأكيداً على انضمامه إلى تيار اليمين المتشدد. ومعروف أن الرجل لاجئ من العراق، يسعى لإقناع الطيف المعادي للمسلمين بدعم محاولاته للدخول مبكراً في الحياة السياسية.

بعد هذا بساعات كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور الجامع الكبير بمدينة دربند، على ساحل بحر قزوين، حيث ظهر أمام كاميرات التلفزيون وهو يضم نسخة من مصحف قديم إلى صدره، ويحيطه بيديه، بينما يحدّث مستقبليه عن احترام الدولة الروسية للقرآن والكتب المقدسة كافة، ورفضها أي إهانة أو جرح لمشاعر أتباعها «خلافاً لما يجري في دول أخرى، حيث يهان الكتاب المقدس، ولا تفعل الدولة أي شيء للتعبير عن احترام معتقدات سكانها».

جريمة حرق المصحف، قد تتحول إلى حجر زاوية في السياسات الأوروبية الخاصة بالتعدد الثقافي والهجرة والاندماج. نعلم أن هذا ليس الحادث الأول من نوعه. فقد جرى بالتفاصيل نفسها تقريباً في أبريل (نيسان) 2020، ثم في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. وفي المرة الأولى أثمرت الحادثة عن صدامات واسعة بين الشرطة ومهاجرين محتجين، وسجّلت إصابات وأُحرقت سيارات، واعتُقل أشخاص عدة.

الجديد في الحادث الأخير، هو تزامنه مع الصدامات الواسعة التي شهدتها فرنسا بعد مقتل الشاب الجزائري، نائل المرزوقي على يد الشرطة يوم 27 يونيو (حزيران) المنصرم. لكن هناك ايضاً حوادث عدة تساهم كلها في تحويل هذا الحادث إلى قضية متشعبة الانعكاسات، ونشير خصوصاً إلى موقف الرئيس الروسي، الذي سيجيّر من دون شك للصراع السياسي الموازي للحرب في أوكرانيا، وهو - كما نعتقد - حلقة من حلقات الصراع الأوسع نطاقاً، الذي يدور حول عودة نظام القطبية الثنائية (روسيا والصين من جهة والدول الصناعية الأخرى في الجهة المقابلة).

ويظهر أن رسالة بوتين قد وصلت فعلاً، حيث تحدث بيان للجامع الأزهر بامتنان، عن موقف الرئيس الروسي، بينما ندد بما يمكن عدّه موقفاً سلبياً من جانب الحكومة السويدية. لا أعتقد أن روسيا قد كسبت - بشكل نهائي - تعاطف العالم الإسلامي، فلديها - هي الأخرى - مشكلاتها. لكن كلمة الرئيس بوتين في الجامع القديم، قدمت جواباً للسؤال الذي يدور في أذهان الكثير من المسلمين، سؤال: من يقف معنا إذا تعرضت هويتنا أو مقدساتنا للتهديد أو الإهانة.

جواب كهذا لا بد أن يزعج التحالف الغربي؛ لأنه ببساطة يمهد الطريق لعودة التحالفات القديمة بين موسكو والعالم الثالث. وهو يشي بتحول جوهري في نظام العلاقات الدولية.

الحوادث التي تزامنت مع حرق المصحف، تشكل في مجموعها إطاراً تحليلياً جديداً، لا بد أن يؤخذ في الحسبان في الدوائر الأوروبية. ومن المحتمل أن نقاشاتهم التالية لن تتمحور حول حرية التعبير أو احترام المقدسات، كما حصل في المرة السابقة، بل حول الانعكاسات التي يمكن أن يقود إليها حادث من هذا النوع، نظير اضطرابات باريس، أو استثمار سياسي عالمي النطاق، كما يظهر من توجهات الرئيس الروسي.

هذه إذن لحظة مواتية للمسلمين في أوروبا. ومن المحتمل أن الخطاب السياسي للنخبة الحاكمة، لن ينشغل في الأيام المقبلة بمفهوم الدمج الثقافي الجبري، كما جرت العادة في الأشهر الماضية، بل سيدور غالباً حول الاستيعاب السياسي في إطار تعددي، كما فعلت بريطانيا والولايات المتحدة من قبل.

إنها فرصة لمن استوعب معناها. وأظن أن على المسلمين المسارعة في اغتنامها، بالانخراط الواسع في الحياة السياسية والمشاركة الفاعلة في الانتخابات العامة والمحلية؛ لأنها الطريق الوحيدة للحصول على ما يطالبون به، في إطار القانون.

***

د. توفيق السيف

بعد مرور مئة وإحدى عشرة سنةً، مِن كارثة السّفينة «تايتانيك» 14 أبريل 1912، حصلت بسببها كارثة الغواصة «تايتن» أو «تيتان» 18 يونيو 2023. هذا، ولولا اكتشاف حطام تايتانيك (1985)، بعد سنوات طويلة، ما حصلت الضَّجة حولها، وأخذت القصص تنسج عنها وعن ركابها، وأُحييت القصائد التي رثتها ورثت المسافرين عليها، وثلاثة منهم كانوا مِن شعراء العِراق، وفي شهر وعام غرقها، حتى قرن الشّيخ محمد رضا الشّبيبي(تـ: 1965) أسطورتها بفعل «شياطين بابل»: «يا بابل البحر الخضم سَحرتنا/ سحراً أرى هاروت في تيتنيك»(لغة العرب 1912).

جرى جدلٌ على منصات التَّواصل الاجتماعي، عن كارثة الغواصة، والتي قضى فيها خمسة مِن أغنياء العالم، فالسفر في بطنها كلفت تذكرته الواحدة ربع مليون دولار، ومِن الجدل: هل كان هذا غروراً بالمال، وطلباً للشهرة، فالمال وحده قد لا يكفي سبباً للاشتهار؟ أم أنّ هناك مشروعاً حقيقياً غير إشباع الفضول، يدخل ضمن دراسة، واستكشاف البحار مثلاً، وهذا لم يُعلن عنه، أو أنّ الكارثة قد غطت عليه.

كان مِن المؤكد أنَّ المغامرين الخمسة ليس لديهم شكٌ بنجاح مغامرتهم؛ وسيعودون شاغلين الإعلام والرأي العام بأخبارهم، ولم يحسبوا لظلمة المحيط حسابها، وما يولده مِن الضغط الهائل تحت الماء.

بطبيعة الحال لا تستحق النظرة لحطام سفينة، في أعماق البحار، خطورة المغامرة، وصرف هذا المال، لولا الأساطير التي أحيطت بتايتانيك الأُمّ، والفيلم الذي هزّ عالم السّينما، وإلا كم سفينةٍ غرقت وغطى الماء الهائل حطامها؟ وكم غواصة رقدت بطاقمها تحت الماء، ولم يُشد الرّحال لرؤية أو استكشاف آثارها، مثلما حصل لتايتانيك. ما يجمع ركاب «تايتن» الغنى وحبّ المغامرة، مع أنّ حطام تايتانيك قد اكتشف وانتهت المفاجأة في حينها، فماذا يريد المغامرون اكتشافه وتقديمه للبشريّة؟!

وهم: رجل الأعمال البريطاني هامش هاردينغ، ورجل الأعمال الباكستاني شاهزاده داود وولده سليمان، الذي عمره تسعة عشر ربيعاً، ورجل الأعمال الأميركي ستوكشون راش، والمستكشف الفرنسيّ بول هنري نارجوليه، ويغلب على الظّن أن الأخير مثل جانب الاطمئنان لعودة الغواصة سالمة، لأنّ هذه الرّحلة السابعة، التي انتهى فيها، إلى المكان نفسه، فلو كان شاهزاده داود لديه شعرة مِن الشّك ما حمل معه وريثه سليمان.

أتيت أثناء الجدل، مع مَن اعتبر المغامرة ترف أهل المال، بمثال مغامرة عباس بن فرناس التَّاكرنيّ (تـ: 274هج)، لم يكن صاحب مالٍ، لكنه كان صاحب هدفٍ، الحلم الذي كلفه الاتهام بالزَّندقة والجنون، لكثرة فنونه والأدوات التي ابتدعها، فقد اخترع صناعة الزجاج مِن الحِجارة، وأداة تضبط له أوقات الصَّلاة، ثم الطيران «عمل له جناحين، وكسا جسمه بالرِّيش»(القُرطبيّ، المُقتبس مِن أبناء أهل الأندلس)، ولما سقط قيل: «يَطمُ على العنقاء في طيرانها/ إذا ما كسا جثمانه ريشُ قَشعمِ»(ابن سعيد، المُغرب في حلى المغرب)، والقشعم مِن أسماء النّسور. غير أن جنون ابن فرناس كان فنوناً، ورغبةً في تحقيق ما كان قد بلغه عقله، لكنّ الزَّمن ليس زمن اختراع الطَّائرة، فتأجل تحقيق الحلم إلى أكثر مِن ألف عام.

أقول: ماذا كان الفن الذي أراد بلوغه ضحايا «تاتين»، ولم يحسبوا للمغامرة هولها، وهم يدخلون في عماء الماء المظلم؟ هل هناك ما يريدون اكتشافه، أو الوصول إلى اختراع شيء لم يُخترع بعد، مثل الذين يتوقون السّفر إلى الكواكب، للنفاذ خارج الأرض إذا ما ضاقت بالبشر مثلاً! أما ركوب الأهوال لمجرد النّظر لحطام سفينة، فهذا ما أشعل الجدل. وجدت تايتانيك وضحاياها مِن يرثيها ويرثيهم، مع قلة الاتصال بين بقاع الأرض آنذاك، ولم تجد «تاتين» سوى الذُّهول بالمغامرة، وكأنها كانت خُرافةً.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

هل تعيد الأحداث الجارية في فرنسا البلاد إلى روح تجربة الثورة الفرنسية من خلال ثورة جديدة أخذت تتجلى في الوقت الراهن، كردة فعل ضد إجراءات وقوانين جائرة أصدرتها دولة يحكمها اليبراليون الجدد، الذين خالفوا مبادئ الثورة الفرنسة، وذلك من خلال سن قوانين هجينة تتجاوز مضمون تلك المبادئ حتى تبرر لقيم العنصرية بذريعة مقاومة الإرهاب وإعادة تفسير الظلم وحقوق الإنسان والحريات.. ناهيك عن التلاعب بمستحقات الشعب الفرنسي وخفص مستواه المعيشي لمواجهة التضخم والتعامل مع الأقليات العرقية والدينية كمجاميع طارئة، رغم دورها الأساسي في التنمية الفرنسية المستدامة من باب المواطنة والانتماء.

من هنا يمكن القول بأن فرنسا في أزمة تشريعية فكرية واقتصادية من الصعب تجاوزها بارتجال القوانين دون معالجة الأسباب الحقيقة والتعامل معها بشجاعة وموضوعية.

وكان الأولى بفرنسا الاعتراف بأن للأزمة الراهنة في فرنسا جذور تاريخية من خلال ممارسة التهميش للفرنسيين من أصول أفريقية، وخاصة حاملي الهوية الدينية الإسلامية، والتعامل معهم وفق مفهوم "الإسلامفوبيا" المرتبط جوهرياً بقانون الإرهاب، خلافاً لقوانين معاداة السامية وحماية المثليين.

فالتاريخ البعيد القريب يقرّ دون مجال للشك بالدور الفرنسي الاستعماري في نهب ثروات مستعمراتها في أفريقيا، التي تُعَدُّ منبعاً للهجرات غير الشرعية إليها، وما نجم عن ذلك من ظلم وفقر واضطهاد.. على نحو ما حصل إبان ثورة تحرير الجزائر (1954-1962) التي لقبت من جرّائها ببلد المليون شهيد.

مع أن فرنسا لا تنكر احياناً دور أولئك المهاجرين في الدفاع عن فرنسا إبان الغزو النازي وإسهاماتهم المشهودة في البناء؛ لكنهم ظلوا في عين اليمين الفرنسي فئة غير أصيلة لا بد من اجتثتثها.

وهذا يفسر ما يجري الان في فرنسا من أحداث عصيبة واحتجاجات تجاوزت في اسبابها مقتل الشاب الفرنسي نائل وهو من أصول جزائرية، على يد شرطي فرنسي، بعد تنبيهه لمرتين، أعقبهما إطلاق النار عليه بدم بارد، متذرعاً بتطبيق القانون.

حدث ذلك في مشهد انتشر كالنار في الهشيم عبر الفضاء الرقمي واضعاً الدولة الفرنسية برمتها على المحك.

ما يحدث الآن في فرنسا أحرج موقفها في مجال حقوق الإنسان.

إذ حث مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الحكومة الفرنسية يوم الجمعة الماضية، على "معالجة جدية للمشاكل العميقة للعنصرية والتمييز في إنفاذ القانون".

وقالت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، دنيا مياتوفيتش، إن أعمال العنف المتفرقة لبعض المتظاهرين أو أفعالا أخرى مُدانة ارتكبها آخرون خلال التظاهرات، لا تبرر الاستخدام المفرط للقوة من قبل عناصر تابعة للدولة.

وقد أدينت فرنسا من قبل رئيس رابطة حقوق الإنسان باتريك بودوان، ومنظمة هيومن رايتس ووتش وهذا من شانه أن يضر بسمعة فرنسا التي ارتبط اسمها بحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق مبادئ الثورة الفرنسية.

والغريب في الأمر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجاوز عمق الأزمة المدمرة للبلاد وما رافقها من عنف شبابي لافت، معزياً أسبابها- فقط- إلى إدمان الشباب على ألعاب الفيديو التي ساهمت في ترسيخ العنف في العقول والتحريض على ممارسته، دون وعيٍّ منهم لمخاطره على النفس والمجتمع.

كما درج ماكرون -وفق ما يرى مراقبون على مدار أعوام خلت- على الاستخفاف بالقضايا التي دأبت على تثوير الشارع الفرنسي، على نحو ارتفاع معدل المعيشة بسبب التضخم الناجم عن توريط البلاد في الحرب الأوكرانية، وقوانين الضمان الاجتماعي الجديدة التي رفعت من عمر التقاعد، وأزمة البطالة التي عزاها ماكرون إلى تكاسل الشباب في البحث عن فرص العمل التي قال بأنها متوفرة، ما ثوّر اليسار الفرنسي عليه.

وفي سياق ذلك قالت ماتيلد بانو النائبة عن حزب فرنسا الأبية اليساري المتشدد، إن "ماكرون أصبح صورة كاريكاتورية لماكرون".

وكأنها تشير إلى عجزه عن اجتراح الحلول، والدوران نمطياً حول نفسه دون أن يفكر خارج الصندوق.

لا بل اعتبرت النائبة بانو أنه "بإظهار ماكرون هذا الازدراء للناس، فإن الشخص الوحيد الذي نأمل أن يكون عاطلاً عن العمل هو إيمانويل ماكرون نفسه".

وهذه دعوة مبطنة ساخرة لإسقاطه في الانتخابات المقبلة.

وفي وقت سابق هذا العام، اتهم وزير الداخلية جيرالد دارمانان اليسار المتشدد بالرغبة في "مجتمع من دون جهد" والدفاع عن "الحق في الكسل".

وهذا استخفاف من قبل الحكومة الفرنسية بأسباب الأزمة المستفحلة في فرنسا، مما سيصعب على أصحاب القرار اتخاذ ما يلزم بشانها، لا بل من شأن ذلك أيضاً تسجيل بعض النقاط لصالح اليسار الذي يسعى لتجيير الأزمة لصالحة، مزاحماً في ذلك اليمين الفرنسي الذي يُحَمّلُ سياسة ماكرون تبعاتها.

ولكن الطامة الكبرى تتمثل بتحذيرات وزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي للفرنسيين مهدداً:

"أقول للمحرضين في مواقع التواصل الاجتماعي إننا سنصل إليكم".

محذراً الأسر الفرنسية من مغبة سماحها لأبنائها بالخروج ليلاً من البيوت؛ بغية التفاعل مع الأحداث، منذراً باعتقال كل من يقبض عليه بالجرم المشهود من المشاركين في الأحداث وأولياء أمورهم، في سابقة فرنسية غير مشهودة، وتخالف مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكأن فرنسا باتت من جمهوريات الموز التي اغرقت البحر الكاريبي بالدماء.

فكيف تقوم الأسرة بالدور المنوط بها في ظل قوانين جائرة تهمش دورها التربوي!

بحيث يعتمد هذا التهميش على إعادة تفسير معنى "الأسرة" بمضمونها التربوي ودورها في التكاثر الطبيعي، واستهدافها بالتفكيك المبرمج ومن ثم إغراقها بالأزمات التي تساعد على ذلك، على نحو سن قوانين حداثية تنتهك الظروف المعيشية المتميزة للمواطن الفرنسي تحت شعار مواجهة التضخم، الذي بات كما يبدو مزمناً، ما أثر سلبياُ على تماسك الأسرة، وقد رافق ذلك ما نجم من أزمات أسرية تجاوزتها القوانين بغية بناء إنسان فرنسي مبرمج على الطاعة العمياء والسطحية الخالية من الأسئلة العاصفة البناءة، وكأن المجتمع بات يحتوي على تقاسم نوعي بشريِّ جديد تتراوح عناصره الأربعة ما بين: الذكر، والأنثى، والمثليّ، والإنسان(الريبوت) الآلي.

فيقوم هذا التقاسم غير الطبيعي على إعادة تعريف مفهوم الحريات العامة من خلال التحرر من كل القيود الاجتماعية والدينية وتسطيح العقل الفرنسي، لا بل والغربي برمته! بالانقلاب على الثوابت العلمية والدينية التي تغذي الإسرة بمعطيات البقاء والتأثير الإيجابي والتي تستكمل المؤسسات التعليمية التربوية رسالتَها؛ لتقبل المتغيرات الشاذة التي حولتها السياسات التربوية الغربية إلى واقع مستدام فصار من الطبيعي قيام جامعة عريقة بريطانية، مثل أوكسفورد التي تضاهي السوربون في المكانة، باستقبال نجمة الأفلام الإباحية مايا خليفة لتلقي محاضرة في الطلاب من نفس المنبر الذي شهد محاضرات قدمها أشهر خريجيها من امثال: ماريغريت تاتشر، وليستر بيرسون، وديفيد كميرون، وتوني بلير، ووليان جوندينغ.. وغيرهم من رجال العلم والسياسة!

نعم الأسرة التي يُحَمِّلُها وزير العدل الفرنسي تبعات الأزمة هي نفسها المستهدفة أيضاً من خلال دعم القوانين الفرنسية -كسائر الدول الغربية- دعم المثلية والتزاوج الشاذ لبناء أسر فارغة المحتوى، بهدف ضرب الأسرة التقليدية الطبيعية التي تعتبر نواة المجتمع المستهدف من قبل الليبراليين الجدد.

فهل يستقيم العتب والتجني على أسرة مكبلة بالقيود؟

لذلك فقبل تحميل أولياء الأمور مسؤولية الاحتجاجات الأخيرة وما نجم عنها، لا بد من إجراءات إصلاحية جذرية تساعد على بناء الأسرة لا هدمها.. ما يعني بأن الكرة باتت في ملعب وزير العدل الذي خاطب الجماهير الفرنسية كقائد عسكري تحركه الشهوة إلى الانتقام.. في تصعيد يتوافق مع العقلية الأمنية الفرنسية التي تتصدى للاحتجاجات بالحديد والنار ما جعلها تستفحل وتمعن تخريباً في البلاد.

لذلك لجأت قوات الأمن الفرنسي إلى الاستعانة بخبرات أعتى أنظمة الفصل العنصري في العالم، "إسرائيل" التي اكتسبت خبرتها من خلال الاحتلال وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين منذ ثمانية وأربعين حتى هجوم جنين الأخير دون رادع أممي.

وما بين الاستخفاف الرئاسي بالأزمة ومحاولة التصغير من دوائرها المنداحة، إلى جانب تلك العقلية الأمنية التصعيدية، تقف فرنسا وتاريخها على المحك في أحوال تذكر الفرنسيين بالأسباب التي فجرت الثورة الفرنسية الكبرى أواخر القرن 18، التي غيرت العقل الأوروبي عبر قرون خلت، وما زالت مبادئها تتفاعل في العقل الغربي إلى أن جاء من يسعى لطيّ صفحتا إلى الأبد! من خلال الليبرالية الجديدة وتمدد نتائجها تدريجياً في عموم القارة العجوز.

***

بقلم: بكر السباتين

4 يوليو 2023

هل أصبح ملف المصالحة في ليبيا مجرد ذريعة للتدخل في ليبيا؟ وأن التأكيد من بعض الأطراف الدولية المتدخلة في ليبيا على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة قبل كل شي،محض مبالغة في تهويل الأزمة في ليبيا لأغراض متعددة؟ وان قضية المصالحة على أرض الواقع لم تعد بتلك الأهمية؟ حيث أن أغلب واهم شروط هذه المصالحة قد تحقق على أرض الواقع.. فقضية تاورغاء واهلها شبه محلولة، لأن أهل تاورغاء رجعوا إلى منطقتهم، وأصبحت العلاقة شبه طبيعية بين المدينتين الجارتين مصراتة وتاورغاء، وهاهي مصراتة اليوم تنخرط بقوة في إعمار تاورغاء ومساعدتها على النهوض، وكذلك الحال فإن العلاقة بين بني وليد ومصرتة. أصبحت شبه طبيعية، وعاد التواصل بين سكان المدينتين الجارتين على مختلف المستويات بشكل ملحوظ، وكذلك حلت الكثير من الأزمات العالقة بين الزنتان والمشاشية، ورجع أهل مدينة العوينية إلى منطقتهم وهاهي عجلة البناءوالحياة تدور هناك، وأيضا فقد حل الكثير من الوئام بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة في الجنوب الليبي،فقط فإن الأزمة في مرزق مازالت عالقة، رغم رجوع بعض السكان، وبالرغم من بوادر الحلول، حيث أنه حسب ماوردنا، فإن أغلب عقلاء التبو ليست لديهم مشكلة في عودة مهجري مرزق، وأن بعض التدخلات الخارجية والداخلية مازالت تنفخ في رماد هذه القضية،ومن بعض الأشخاص المستفيدين ولمصلحتهم الخاصة في بقاء الأمر على ماهو عليه، خاصة وأن الكثير من أهل التبو عانوا من نزوح أهل مرزق، من حيث مسألة تعليم أبنائهم، خاصةً  وأن أغلب كوادر التعليم هم من أهالي مرزق، أما عن مهجري بنغازي فالكثير منهم أعادوا إكتشاف أنفسهم، من حيث أن أغلبهم يمارسون التجارة وريادة الأعمال في مناطق غرب البلاد وغيرها، وازدهرت أحوالهم، ويساهمون في تحريك عجلة الاقتصاد في غرب البلاد خصوصاً، رغم أنه لاشئ يغني عن مسقط الراس من الناحية الاجتماعية على الأقل، والحال كذلك فإنالمتبقي فقط من المصالحة الوطنية الليبية المتحققة بشكل كبير على الأرض هو؛ شرط واحد يتمثل في تجسيد العدالة الانتقالية وجبر الضرر ... بناءاً على كل هذه المجريات نستخلص التالي:

اولا/ إن قضية المصالحة في ليبيا هي بشكل أساسي تتعلق بالجانب الاجتماعي والصدوع التي أحدثتها مجريات مابعد عام 2011فيه، هذه الصدوع والشروخ التي بدأت تلتئم تباعا، ولقد أثبتت أحداث التاريخ الليبي، أن الليبيون على مر تاريخهم قادرون على تجاوز صراعاتهم ونزاعاتهم مهما إشتدت وإحتدت، بفضل مرجعياتهم المتمثلة في كبارهم وحكمائهم وشيوخهم وأعيانهم، وهو ماظل مستمراً حتى اليوم، حيث لم تفلح المحن والفتن في تمزيق هذا الرباط الاجتماعي رغم ضراوة دورات العنف المتعاقبة في العشرية الماضية.

ثانياً/ إن هذه القبلية النشطة في العقود الأربعة الماضية رغم أنها تعطل مايسمى بالمجتمع المدني المتحرر من الولاءات الاجتماعية الضيقة، ومفاهيم دولة المواطنة والتزاماتها وحقوقها العادلة، أظهرت هذه القبلية أن لها جانباً إيجابيا أيضاً، وهو أنها زادت من مناعة هذا الرباط الاجتماعي القوي، حيث أنها أوقفت تمدد الإرهاب وساهمت في إسقاط مشروعه في ليبيا، كذلك ساهمت اليوم في التاسيس للمصالحة.

ثالثا/ كذلك فإن الليبيون تخلصوا من ذلك التنابز والتنازع الحدي والصارم بين من يؤيد التغيير ومن يعارضه، وأصبح هناك نوع من التعايش بين أنصار الراية الخضراء وأنصار راية الإستقلال في أغلب مناطق ليبيا، ووصل الأمر إلى تحويل الأمر إلى مادة للطرافة والتندر، إلى جانب أن الكثير من الليبيين أدركوا أن المستهدف الأكبر من الاحداث كلها هو، ليبيا وثرواتها وليس مجرد نظام سابق أو نظام يأتي على أنقاضه.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب راي وباحث وأكاديمي ليبي

تصريحات نائب وزير الخارجية البريطاني، ليو دوكرتي، بأن بلاده وحلفاءها الغربيين عاجزون حتى اللحظة عن إيجاد وسيلة قانونية لمصادرة الأصول الروسية المجمدة بشكل دائم لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا، يعكس حالة الحرج واليأس لدى بريطانيا والغرب والولايات المتحدة في إيجاد حتى الآن حلا قانونيا موثوقا لتنفيذ الالتزام باستخدام الأصول الروسية لصالح أوكرانيا على المستوى المناسب، بالرغم من تقديمهم عددا من مشاريع القوانين للنظر فيها، وحتى تم اعتماد بعضها، فالهدف كما يقول دوكرتي " هو العثور على مسار قانوني عملي لإعادة توجيه الأصول الروسية إلى أوكرانيا"، حيث تلفت بريطانيا الى انها تدرس "جميع السبل الممكنة" لمصادرة الأصول الروسية المجمدة، وأن هذه العملية تتطلب إبداعا ونهجا مبتكرا لتحقيق المراد .

فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أدرجت بريطانيا أكثر من 1500 فرد ومؤسسة ومنظمة روسية ضمن قائمتها السوداء، كما جمدت أكثر من 18 مليار جنيه استرليني (23 مليار دولار) من أصولهم، وفي 19 يونيو، قدمت وزارة الخارجية البريطانية مشروع قانون جديد يسمح بالإبقاء على العقوبات ضد روسيا حتى تدفع موسكو تعويضات إلى كييف، في حين بحث مجلس العموم البريطاني، مبادرة مقدمة من قبل حزب العمال المعارض، باستخدام الأصول الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا عقب انتهاء الصراع، حيث ترفض بريطانيا وكما ذكرت صحيفة "ذا غارديان" تحمل التزامات بشأن مصادرة أموال البنك المركزي الروسي الموجودة في بريطانيا، خشية إنشاء سابقة تعطل النظام المالي الدولي وتثير إجراءات ردع بحق بريطانيا، وتشير الصحيفة، إلى أن الاستراتيجية التي تصبح أكثر شعبية في الغرب تقضي بأن الدول الغربية ستحتجز الأصول الروسية حتى توافق موسكو على تعويض أوكرانيا بدلا من مصادرتها نهائيا.

بدورها فإن دول في الاتحاد الأوروبي ، طالبت المفوضية الأوروبية بتأجيل مقترحاتها لسبل التصرّف بالأصول الروسية المجمدة في دول الاتحاد بموجب العقوبات الغربية، وأفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن عددا من الدول الأوروبية تقترح أن تنتظر المفوضية الأوروبية، لتقديم مقترحاتها بشأن استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة، لما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مشكلات قانونية ومالية، فضلا عن تقويض ثقة الدول الأجنبية في سلامة الأصول المخزنة في أوروبا، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في وقت سابق إن المفوضية ستقدم اقتراحا، قبل العطلة الصيفية، بشأن استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.

ووعدت المفوضية الأوروبية على مدار أسابيع بمقترحات مفصلة حول كيفية إعادة توجيه الإيرادات لدعم تعافي أوكرانيا، إلا أن هذه الخطوة تحمل في طياتها مشكلات قانونية ومالية، فيما تضغط بعض العواصم بشكل خاص على المفوضية لتعليق مقترحاتها، ونقل عن مصادر مطلعة، أن البنك المركزي الأوروبي حذر المفوضية الأوروبية ، من إعادة توجيه المدفوعات على سندات البنك المركزي الروسي لمساعدة أوكرانيا، لأن هذا سوف يقوض الثقة في اليورو كعملة عالمية، وتشير صحيفة " الفايننشال تايمز " إلى أن دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشدة حول هذه القضية، حيث يخشون من أن الاقتراح الجذري يمكن أن يقوض ثقة الدول الأجنبية في أمن الأصول الموجودة في أوروبا، وصرح مسؤول ألماني بأن بعض الدول الأجنبية يمكن أن تخفض احتياطياتها باليورو خوفا من العقوبات، كما نقل عن مسؤول أوروبي لم يذكر اسمه قوله إن "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لإقناع الدول الأعضاء".

من جانبه، يرى الكرملين بأن تبني مثل هذه القرارات "سيكون خطوة أخرى على طريق انتهاك كافة قواعد وأعراف القانون الدولي"، وأن موسكو "ستبحث في السبل لمحاربة ذلك"، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة من قبل المفوضية الأوروبية حول إمكانية استخدام الأصول الروسية المجمدة لاحتياجات إعادة إعمار أوكرانيا، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي أساس تشريعي لمثل هذه الإجراءات في الاتحاد الأوروبي، في حين وصفت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تجميد الأصول الروسية في أوروبا بـ "السرقة"، مشيرة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لا تستهدف الأموال الخاصة فحسب، وإنما أصول الدولة الروسية أيضا ، وحذرت بالفعل من اتخاذ إجراءات انتقامية في حالة مصادرة الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي.

وكما هو معروف فقد تم الاستيلاء على حوالي 300 مليار دولار منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، ة في أوروبا القديمة، بعد ذلك، قرر الغرب معرفة كيفية سحبها "قانونياً" ونقلها إلى نظام زيلينسكي، حتى لا تتأثر ضمانات حرمة الودائع، والآن استمرت قصة احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية المجمدة، لدى روسيا ما تجيب عليه، " على الغرب أن يدفع ، فإذا سلبت أموالهم من الروس، فلن يخاطر الشركاء الرئيسيون الآخرون بالاستمرار في تخزين الأصول في الغرب، مدركين أنه يمكنهم فعل الشيء نفسه معهم، وهكذا أبلغ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك العالم بالخطة التي يمكن من خلالها سرقة الأموال الروسية بطريقة "حضارية "، بانه يجب على روسيا أن تدفع ثمن تدمير أوكرانيا، لذلك " نحن نعمل على مشروع يسمح باستخدام الأصول الروسية المجمدة.

وبهذه الكلمات من البريطاني، كانت "النخبة المدعومة" الأوكرانية، التي اعتادت التجول حول العالم بأيدي ممدودة، سعيدة للغاية، فقد قال المستشار الاقتصادي لزيلينسكي أوليغ أوستينكو ، ودون تردد أن كييف ستكون المستفيدة من السرقة الغربية، وأضاف "نحن لا ندفع قروضنا الآن، لكن لا تنسوا أن 350 مليار دولار من احتياطياتهم (الروس) من الذهب والعملات الأجنبية و 150 مليار من أموال تسمياتهم قد تم حجزها من روسيا " وان لدى أوكرانيا ديون أقل بعشرة أضعاف، ويمكن استخدام بعضها، وبالتالي سينمو الاقتصاد الأوكراني ، وسيأتي المستثمرون، وتغطية الديون بجزء مما يأخذ من روسيا.

رجال الأعمال الغربيين، ليسوا راضين عن تلاعبات ساستهم، فبعد كل شيء، ردت روسيا بشكل متناسب على مثل هذا الفوضى الإجرامية بـ "شكل بمليارات الدولارات"، فقد منع البنك المركزي المستثمرين الأجانب من سحب الأموال من نظام روسيا المالي، وبحسب بعض التقديرات فإن الحديث يدور عن أكثر من 500 مليار دولار، وأعرب المحلل المالي ألكسندر رازوفاييف عن رأي مفاده أن مصير احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية لم يتحدد بشكل نهائي، وتجري مفاوضات سرية بشأنها، وان المعلومات الواردة من الغرب متناقضة، على سبيل المثال، قالت بلومبيرغ، إنه لا توجد أسس قانونية لتحويل الأموال إلى روسيا إلى أوكرانيا.

وبالطبع، قد تكون بعض هذه الأموال لغير المقيمين روسية، ولكن حتى في هذه الحالة، فإن التقدير التقريبي للأموال المحجوبة لغير المقيمين من الدول غير الصديقة سيكون في حدود 300 مليار دولار، لكن هناك أيضًا اعتبارات أكثر جرأة، ووفقًا لخبراء الاقتصاد، يبلغ إجمالي أصول المستثمرين الأجانب في مختلف الأدوات المالية أكثر من 1 تريليون دولار، وقد جمدت الحكومة الروسية حوالي 300 مليار دولار من أصول الدول غير الصديقة، ردًا على إجراءات مماثلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، ويتذكر ألكسندر أرسكي، الأستاذ المشارك في كلية الاقتصاد بجامعة RUDN. "حاليا، يجري النظر في مسألة التبادل المتبادل للأصول المجمدة، الأمر الذي سيستغرق وقتا طويل .

لذا فإن لدى روسيا بالتأكيد شيئًا للرد على الأعداء بمصادرة أصولها ، لكن ما إذا كانت القيادة السياسية ستتصرف بهذه الطريقة هو سؤال كبير، فما هو على المحك هو ثقة المستثمرين الأجانب من البلدان الصديقة والمحايدة الذين يستثمرون في الاقتصاد الروسي ويراقبون عن كثب مسار الصراع، وبشكل عام، في حالة التحويل الحقيقي للأموال الروسية إلى الجانب الأوكراني، ستواجه السلطة الروسية خيارًا صعبًا للغاية.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

حول قراءة جديدة لمفهوم الحرية في الإعلان العالمي لحقوق الانسان

السيد انطونيو غوتيريش - الامين العام للأمم المتحدة - المحترم

في وقت تتعرض فيه البشرية حول العالم الى مشاكل ومخاطر بسبب الحروب والسياسات والأوبئة والأزمات الإقتصادية والمخاوف التي تنتظر مستقبل الحياة على الارض المتعلقة بالمناخ والبيئة على وفق رؤى مستقبلية لمعنيين بهذا الشأن، فإن من حق الإنسانية علينا جميعاً ان نتحرك ونعمل معاً من أجل حماية استقرار واستمرار الحياة على الأرض، وان من اهم شروط هذا الإستقرار والإستمرار هو حفظ حالة التوازن في شخصية المواطن حول العالم في جوانبها الأخلاقية والنفسية والعقلية والسلوكية، وحيث ان المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتيح حرية الرأي والتعبير في نصّها :" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أي تدخل، وإستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية "، فقد استخدمت هذه الصيغة لمفهوم الحرية من قبل البعض بشكل الحق أذى كبيراً في نفوس أعداد كبيرة من الناس حول العالم كان ابرزها الإساءات المتكررة لشخص نبي الله الخاتم محمد صلى الله عليه وآله، وللكتاب المقدس "القرآن"، فإنني ادعوكم من منطلق النزعة الإنسانية المتأصلة في طبيعة التكوين البشري والمسؤولة عن تحفيز رغبة التواصل والإتحاد بين الناس ولكي تؤدي هذا الغرض فإنها تحتاج الى إظهار قيمة الإنسان وكرامته، لذلك ادعوكم الى إعادة قراءة المادة (19) قراءة جديدة تأخذ بعين الإعتبار طبيعة المجتمعات الإنسانية في ظروف النظام العالمي اليوم للعمل على إنقاذ النزعة الإنسانية من محاولات جرّها الى الأنانية التي تبعد الإنسان عن مركزيته في الأرض وحقه في حرية التعبير والرأي من دون اعتداء أو استهزاء أو استخفاف أو طعن أو تشويه في آراء وأفكار ومعتقدات الآخرين ..

***

د. عدي عدنان البلداوي

أكتب هذه السطور استدراكاً على فكرة لصديقي الأستاذ عثمان العمير، فكرة هي أشبه بالنبوءة عند بعض الناس، وهي ترتيب منطقي للحوادث عند آخرين. في أوائل مايو (أيار) المنصرم كتب العمير معلقاً على تصريحات قائد ميليشيا فاغنر، يفغيني بريغوجين، التي انتقد فيها وزارة الدفاع الروسية. وتساءل: هل يفضي هذا إلى مشهد شبيه بما جرى في السودان، أي تمرد الميليشيا على حكومة موسكو؟.

وهو ما جرى فعلاً في الأسبوع الماضي، وفاجأ الجميع.

المحللون الذين تابعوا الحدثين الروسي والسوداني، ركزوا على ثنائية القوة العسكرية. فهم يعتقدون أن وجود قوى مسلحة خارج إطار الجيش، سيفضي - طال الزمن أم قصر - إلى صراع بين القوتين. هذا تحليل يسنده تنظير علمي متين، فضلاً عن التجارب الواقعية المتكررة.

لكنني أود النظر إلى زاوية أخرى، هي حاجة كل بلد لما يسمى في الفلسفة السياسية «المجال العام» الذي يسهم في تحييد القوى المسلحة ومنعها من القفز على السلطة، أو الانخراط في الصراعات السياسية الأهلية.

لا بد من القول ابتداء إن نقاشاً كهذا، يفترض توافر سياق اجتماعي وثقافة سياسية ونظام علاقات، لا تتوافر عادة في المجتمعات التقليدية. ولهذا فقد يكون النقاش غير ذي صلة بالأوضاع التي نناقشها. لكنني مع ذلك أرى أن طرح الموضوع سيستثير السؤال البديهي: لماذا نجح الآخرون في الوصول إلى هذه النقطة، ولماذا أخفقنا في ذلك؟. إن تفكيرنا في هذا السؤال سيحملنا خطوة إلى الأمام. وهذا بذاته جزء من عملية التطور التي نتمناها في مجتمعاتنا.

المجال العام هو الفضاء الذي يتيح للناس مواجهة بعضهم، ليتشاركوا في الرأي أو يختلفوا من دون جبر ولا خديعة. إن السمة الأولى التي تسمح بقيام هذا الفضاء المشترك وانسياب التعاملات فيه، هي عدم انفراد أي جهة أهلية بقوة فائقة أو سلطة مادية أو معنوية، تمكنها من إقصاء الأطراف التي تتبنى رأياً أو مصلحة مخالفة للبقية.

وفقاً لرأي الفيلسوف المعاصر يورغن هابرماس، فإن المجال العام هو الرحم الطبيعي لما نسميه اليوم «الرأي العام» الذي ينمو ويتبلور في سياق التبادل المتواصل للأفكار والآراء بين المواطنين، حول القضايا العامة، بما فيها تلك القضايا الخاصة التي يرى بعضهم أن لها بعداً عاماً، أو أنها تؤثر على المصالح المشتركة. لا يستطيع المواطنون جميعاً ممارسة السلطة.

وليس من الحكمة أن يفعلوا. لكن من المهم أن يشاركوا بالرأي في القضايا التي تؤثر عليهم، أو التي يكون أشخاصهم أو مصالحهم جزءا من موضوعها.

دعنا نتخيل أن هذا المجال كان موجوداً في روسيا، فهل كان بوسع الرئيس بوتين أن يشن الحرب على أوكرانيا، من دون أن تسمع مليون صوت محتج؟. أو لنذهب إلى الجنوب، إلى الخرطوم التي انتفضت فمهدت الطريق للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

أما كانت تستطيع فعل الشيء نفسه مع الذين أمسكوا بالزمام بعده؟ ولو حصل هذا فهل كانت البلاد تنزلق إلى الحرب الأهلية التي نقترب منها اليوم؟. بل لو ذهبنا مسافة أبعد زمنياً: هل كان صدام حسين سيغزو إيران ثم الكويت، لو كان المجتمع قادراً على الاعتراض العلني على قرار كارثي كهذا؟.

هذه الأمثلة كلها تشير إلى مواقف ضرورية من حروب كارثية. لكنني أريد الإشارة أيضاً إلى أن كل مجتمع يحوي العديد من أصحاب الأفكار والكفاءات والأشخاص الذين لديهم رؤية مستقبلية، يمكن أن يكون أحدها أو بعضها مفتاح الباب نحو التحولات التاريخية الكبرى في مجال العلم أو الاقتصاد أو غيرهما.

لا يمكن لهذه الرؤى العظيمة أن تظهر أو تتبلور ما لم يكن ثمة فضاء آمن وسليم يمنح الاحترام اللازم والقيمة المناسبة لكل رأي أو فكرة، سواء كانت عظيمة حقاً أو كانت بسيطة.

***

توفيق السيف – كاتب وباحث سعودي

"أوروبات" جديدة ونظام عالمي قديم

لم تُفلِح زهور اللوتوس؛ التي توسطت طاولة الاجتماعات، بين الرئيس الصيني، ووزير الخارجية الأمريكي، في رأب الصدع، بين واشنطن وبكين. أيضاً، لم يكُن الاختيار الرمزي لوقت الظهيرة؛ يوم الاثنين الماضي، التاسع عشر من يونيو 2023، والذي جمع بين الرئيس شي جين بينغ، والوزير بلينكن، حظ، في إعادة الذاكرة الأمريكية، إلى لقاء الظهيرة السابق، في الرابع عشر من نوفمبر السنة الماضيَّة، بين الرئيسين، شي جين بينغ وبايدن، في بالي الإندونيسيَّة.

الرمزيات التي سيطرت على لقاء بكين وبالي – هنالك المزيد - نجحت فقط، في إقناع الرئيس بايدن، بتوجيه كلمة غير مُحتشِمة دبلوماسياً، باتجاه صدر الرئيس شي جين بينغ: الدكتاتور .

الاتكاء على اللوتوس، الظهيرة، والدكتاتور، لا تصلح لتقدير درجة "فقر الدم" الدبلوماسي؛ الذي أصاب جسد العلاقة الخارجية، بين العاصمتين. الحديث كذلك عن رؤية مُتضاربة بين البلدين؛ فيما يخصُّ النظام العالمي، والتي ما يزال يُعبَّر عنها، باستخدام العلكة الإعلامية الأشهر: نظام أحادي القطُب ومتعدد الأقطاب، لا تعدو كونها رمزيَّة أُخرى، "خالية من المعنى"، على حدِّ تعبير فريدريش ميرز، أحد رؤساء أحزاب المعارضة الألمانية، والتي استخدمها لوصف العقيدة الاستراتيجية لبلاده، المُعلن عنها في الرابع عشر من يونيو 2023، والغارِقة في بحر الصين والمحيط الأطلنطي.

بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، ربّما هي نُقطة الشروع المناسبة، لكي نُقدِّر حجم الرعب الدولي، في حال بقاء بكين وواشنطن، بعيدتين عن "المسؤولية التاريخية"، على حد تعبير الرئيس الصيني، المُلقاة على عاتقهما، في هذه اللحظة من التاريخ الإنساني. ولنبدأ السؤال بدون تأخير: لماذا تُصِّرُ واشنطن على أن تُغلِق بروكسل أبوابها بوجهِ بكين؟

أوروبا، هي الخزنة التاريخيَّة الأشهر لنظام توازن القوى العالمي. هانز. جي. مورغنثاو، العالم السياسي الأمريكي، يرى أن سبك هذه الخزينة، بدأ تأريخُه في القرن التاسع عشر: " شهد القرن الذي بدأ بعام 1815م وانتهى بنشوب الحرب العالمية الأولى، توسعاً متدرجاً للتوازن الأوروبي، متحولاً بذلك إلى نظام عالمي شامل". هكذا عندما نود تفسير المصطلحات اللغوية الجديدة؛ التي سيطرت على فم بروكسل وواشنطن، في تقييم وتحديد دور بكين عالمياً، مثل جُمُل "التخلص من المخاطر" و"فك الارتباط" مع الصين، نجِد أن تلك الجُمُل الصغيرة والبخيلة في التفسير، تُدافِع وببذخٍ مبالغٍ فيه، عن نُسخة نظام توازن القوى (النظام الدولي، أو العالمي، أو سمِّه ما شئت) كما تُريدُه واشنطن وبروكسل بالضرورة الأمريكيَّة.

توازن القوى هذا، كما افترض، دائماً ما كان مصمماً، ولكي يعمل بطريقةٍ مُثلى، على استبعاد أنظمة توازن فرعيَّة، في مناطق أخرى من العالم، كأمريكا الجنوبيَّة. لهذا لم يكُن من الغريب، أن تجاهل الرئيس زيلينسكي، مبادرة الرئيس البرازيلي، لولا دي سيلفا، لحل الأزمة الأوكرانية، على هامش قمة السبع الماضية، في هيروشيما اليابانيَّة، أواخر مايو 2023. أساساً لم يلتقِ به.

هذا النظام، بدأ يميل، منذُ خمسينيات القرن الماضي، وبحسب رؤية مورغنثاو إلى العمل بالشكل التالي: استهلاك التوازنات الداخلية للدول لصالحه، وميلان القوى الكُبرى فيه نحو استغلال الأنظمة المحلية للدول، وعدم قُدرة الدول غير الأوروبية بشكلٍ متزايد، على إصلاح اضطراب توازن القوى في أوروبا.

بكين هنا، تُمثِّلُ "ماهية" آسيا، وهذه "الماهية" باستعارة رؤية الإيديولوجية الماركسيَّة، لا يُمكن الإمساك بطبيعتها، كما نُمسِك بكرسيّ مثلاً. ولا يُمكِن تفسيرُها بـ "الحسابات الرياضيَّة" لواشنطن، في سياساتها الخارجيَّة، على حدِّ تعبير محمد حسنين هيكل، في كتابه (أحاديث في آسيا). لذلك فإنَّ ما قاله الرئيس الصيني، عن النظام الدولي، عند لقاءه الرئيس الأمريكي، في بالي، يستحق ذكرهُ هنا وباختصار: " حماية النظام الدولي الذي تُمثِّلُه الأمم المتحدة في جوهرها والمدعوم بالقانون الدولي. ولا نيَّة لدينا بتغييره".

التفاوت التفسيري لكلام الرئيس الصيني، حتمي، حالما نضعه في سياقات السياسة الدوليَّة، إلَّا إنَّهُ لا يقترح، بحسب المُعطيات المتوفرة، تغيير التوازنات العالميَّة، أو على الأقل، المُساهمة في تسريع عملية التغيير. لكن درهم الوقاية التاريخي، يُعلِّمُنا: إنَّ القوى الصاعِدة دائماً ما تعِدُنا بعدم سقوطِها الحُر، أمام جاذبيَّة مصالحِها!؟

بات علينا إذاً أن نسأل: ما هو الدور الذي تلعبهُ بكين حقيقةً في السياسات الدولية الآن؟

الإجابة المقترحة، تخرجُ من أوروبا أيضاً، برلين تحديداً. كان لافتاً إنَّ الألمان، اختاروا قبل أربعة أيام تقريباً، من زيارة الوزير بلينكن، للعاصمة بكين، وبأربعة أيَّام تقريباً، الإعلان ولأول مرَّة، عن امتلاك عقيدة استراتيجية، ذهبت، إلى أنهم سيركزون أكثر، من الآن فصاعداً، على السياسة الخارجية.

لم تكُن هناك أي رمزيَّة، في اختيار هذا التوقيت، بل شعور ضرورة، مُرتبط بتغيُّر المشهد العالمي، ومصيريَّة الاتفاق مع كُل اللاعبين المؤثرين في المشهد العالمي. بكين التقطت الكرة بسرعة، وقام رئيس وزرائها بزيارة برلين، بالتزامن مع وجود الوزير بلينكن.

المستشار الألماني اولاف شولتز، لم يتواضع مُطلقاً ولم يكُن متقشِفاً في التوضيح، كسياسات بلاده الاقتصادية، في عهد المستشارة السابقة، انجيلا ميركل؛ بل بيَّن وبكامل الأبهة، إنَّ العقيدة الاستراتيجية لبلاده، غيَّرت أوروبا القديمة: "تصميم الأمن الأوروبي قد تغيَّر بشكلٍ جذري". المستشار شولتز، أكَّد أيضاً إنَّ أوروبا المُتغيَّرة هذه، لن تُخرِج رأسها من خيمة الشراكة مع واشنطن. وهكذا يبدو إننا بتنا أمام "أوروبات" بدل أوروبا واحدة!

أعود هنا للاستعانة بمورغنثاو، وإشارته إلى إنَّ توازن القوى الأوروبي، والذي أصبح يمثل نظام توازن القوى في العالم، كان يحتاج أحياناً، إلى توازنات فرعية داخله، عبَّر عنها بـ "أوروبا صغرى داخل أوروبا الكبيرة".

واشنطن وكمثال، تحاول في صراعها مع موسكو بواسطة كييف، أن تخلق أوروبا أمريكية، مكوَّنة من أوروبا الشرقيَّة. هيكل أوروبا الأمريكية هذه، كُنت قد كتبت عنه مقالاً، بعنوان (مصير أوكرانيا بين الانتصار الروسي وولادة "مثلث فايمار" أمريكي)، يُغيَّر الطبيعة الجوهرية للسياسة الألمانية، المُتعلِّقة بروسيا وشرق أوروبا عموماً، وبالتالي كامل التوازنات الأوروبية، الكبيرة منها والصغيرة.

الصين، تحاول حقن النظام العالمي، بمزيد من أنظمة توازن القوى اللاأوروبية، بشكلٍ أساس، والمهجورة من قبل التصميم الأساس لتوازن القوى العالمي. مِثالُ ذلك، ما فعلته بكين دبلوماسياً، في إعادة العلاقات، بين الرياض وطهران. للطرافة التاريخية؛ فإن الانفراج بين البلدين اليوم، كان في الأمس، عقيدة أمريكية، رأت إنَّ قلب التوازن في الشرق الأوسط، يعتمد على الرياض وطهران، لتُستبدل الرياض فيما بعد، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، بـ "إسرائيل".

رؤية بكين العريضة، إنَّ النظام العالمي، ولكي يعمل توازنُه، بشكلٍ صحيح، بات مُحتاجاً لأنظمة ثانويَّة، سواء أكانت إقليمية، أم توازنات صغرى داخل كُل أكبر. ولهذا تُعلن بكين مراراً وتكراراً، بأن أسلوب سياساتها الخارجيَّة، غير معني بالتحالفات والمحاور، إنّما بالشراكات مع الدول، وقد وضعت تَدَرُّجاً لهذه الشراكات، يبدأ من "علاقة استراتيجية" إلى "علاقة استراتيجية شاملة"، ليخرج الجميع فائزاً، بدون الفوز بكل شيء.

الصدام بين واشنطن وبكين، قد يكون حتمياً، بحسب عالم السياسة، جون ميرشايمر، وهو أمريكي الجنسية أيضاً. الغير حتمي إذا لطَّفنا مفردة الجنون، أن تدعم دول العالم صراعاً، لاختيار شكلٍ قديم من السياسات العالمية!

***

مسار عبد المحسن راضي - كاتب، صحافي وباحث عراقي

تُرى! هل كان انقلاباً فاشلاً خطط له بريغوجين، أم مجرد نقلة موفقة حركها بوتين على رقعة الشطرنج كان من شأنها أن تضع التفسيرات الغربية للموقف في حيص بيص؟

ولفهم ذلك ينبغي الولوج إلى تفاصيل اللعبة البوتينية من خلال حقيقة أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين يعتمد في إدارته للحرب الأوكرانية على ثلاثة بيادق خارج إطار المؤسسة العسكرية الروسية وجهازها الاستخباري (جي آر يو) يحركها وفق المطلوب فتؤدي دورها الوظيفي باقتدار، حتى تمثل أذرع بوتين المساندة في الداخل والخارج، وذلك من منطلق تكتيكي ضمن إستراتيجية الحرب الشاملة مع الناتو التي تخوضها أوكرانيا بالوكالة كرأس حربة.

دعونا نتعرف على هذه البيادق، وهي:

أولاً: البيدق الشيشاني متمثلاً برئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (فتى بوتين المدللل) العضو في اللجنة الاستشارية لمجلس الدولة في الاتحاد الروسي الذي يضم جمهورية الشيشان، وهو من المقربين إلى الرئيس فلاديمير بوتين ويعتبر واحداً من أكثر الشخصيات تفاعلاً مع الكرملين والأشد ولاءً لبوتين.. ويجير له أن في عهده شهدت بلاده ازدهاراً استثنائياً بدعم روسي.

ولشدة ثقة بوتين بقديروف فقد أوعز إليه بأن تحلَّ قواتُهُ مكان جماعة فاغنر التي طُلِبَ منها الانسحاب من خارسون رغم جهودها الملحمية في تحريرها.

لا بل أن قديروف استجاب طائعاً لطلب بوتين في تأمين أهم المرافق العامة في موسكو بثلاثة آلاف مقاتل شيشاني لمواجهة قوات فاغنر بعد إعلان رئيسها الانقلاب على القيصر، فيما سيطرت تلك القوات على جميع المواقع العسكرية الروسية في مدينة روستوف؛ لا بل توجهت أرتال عسكرية مكشوفة من قوات فاغنر نحو العاصمة موسكو دون أن تتعرض لقصف الطيران الروسي، رغم ما قيل بأنه قصف روسي مفتعل تعرضت له بعض مواقع قوات فاغنر دون أن يُحْدِثَ أضراراً بشرية، ناهيك عن الادعاء بسقوط بعض المسيرات الروسية، وهو ما أنكرته موسكو فيما وصف الخصوم المشهدً بالمسرحية الباهتة.

ثانياً: البيدق الحليف متمثلاً برئيس بللاروسيا (روسيا البيضاء) اليكساندر لوكاشينكو الذي قدم فروض الطاعة لبوتين إلى درجة أنه سمح بنشر الأسلحة الروسية النووية التكتيكية على أراضي بلاده.

ولفهم سر العالقة الاستثنائية بين موسكو ومنسك، تجدر الإشارة إلى الوضع الذي أخذ يتغير بشكل ملموس إثر فرض عقوبات من قبل الدول الغربية على بيلاروسيا بسبب أحداث عام 2020، عندما اندلعت احتجاجات في البلاد بعد الانتخابات الرئاسية، دعمت خلالها موسكو -دون تحفظ- الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.

وتحسنت العلاقات بين مينسك وموسكو بشكل أكبر بعد بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، فقدمت بيلاروسيا أراضيها للجيش الروسي، وتشاركت مع روسيا في التعرض للضغوط والعقوبات الغربية، على الرغم من أنها لم تشارك بشكل مباشر في الحرب.

ويبدو أن بللاروسيا مرشحة بقوة لستشهد انطلاق عملية عسكرية روسية محتملة باتجاه العاصمة الأوكرانية، كييف، ما يفسر المهمة التي أنيطت بلوكاشينكو من قبل بوتين بإقناع بريغوجين لإيقاف حركته الانقلابية مقابل ضمان أمنه الشخصي وقبوله كلاجئ سياسي في منسك.. ما دعا البعض لوصف الانقلاب بالخدعة الكبرى كون الشركاء فيها من أشد البيادق ولاءً لبوتين، إذن كيف يستقيم الأمر بالنسبة لبوتين في ظل تعرضه لانقلاب من قبل بريغوجين بإبرام عقد مع الجيش البللاروسي لإعادة بناء قوات فاغنر هناك، مقابل اسقاط الكرملين كافة التهم الجنائية عن بريغوجين!. الأمر الذي أثار زوبعة من الأسئلة المبهمة إزاء ما يدور علناً بين بوتين وطباخه الوفي!

ثالثاً: رئيس قوات شركة فاغنر للأمن، بريغوجين.. الذي كان من أشد البيادق إخلاصاً لبوتين حتى أنه لقب بطباخ الرئيس، وذراعه الخارجي الذي نفذ الأجندة الروسية في سوريا وليبيا ومالي والسودان للسيطرة على موارد الطاقة والذهب دون أن تدان موسكو من قبل مجلس الأمن بذريعة أن فاغنر مجرد شركة أمن عابرة للقارات لا سلطة لموسكو عليها.

وما بين مؤيدي فكرة أنّ الانقلابَ جادُ أو أنها مسرحيةٌ مكشوفة، لا بد من تقدير الدوافع التي ذهبت ببريغوجين نحو إعلانه الانقلاب على بوتين، وذلك على النحو التالي:

- دوافع تكتيكية في حالة الانقلاب المخادع وفق رؤية بوتين لاستغلال خبرات بريغوجين في حرب المدن من خلال إعادة تموضعها في بيلاروسيا، بموجب تعاقد أمني مع الجيش هناك، والمساهمة في أي هجوم روسي محتمل إنطلاقاً من بيلاروسيا باتجاه العاصمة الأوكرانية كييف.. وبالتالي تحويل قوات فاغنر إلى حصان طروادة بعد إعادة بنائها في منسك واستغلالها كرأس حربة في مقدمة أي هجوم روسي منتظر انطلاقاً من الأراضي البيلاروسية.

- دوافع نفسية في حالة جدية الانقلاب، لتحقيق أهداف شخصية بدوافع ثأرية ضد قادة الجيش الروسي الذين جيروا الانتصار الروسي في خارسون لأنفسهم دون منح قوات فاغنر حقها المعنوي والتعامل مع بريغوجين كسجين سابق غير موثوق به.

وذلك راجع كما يبدو لعدة أسباب أولها طبيعة شخصيته وأهدافه الطموحة المتمثلة في الوصول إلى مراكز قرار جد مهمة في هرم السلطة بروسيا، ثم رغبته الكبيرة في رد الاعتبار لنفسه نظرا لأنه كان سجيناً سابقاً ينظر إليه من قبل النخبة بهذا الشكل كما أشرنا غلى ذلك.

وهذا يعزز تفسيرات المراقبين الذين تبنوا فكرة أن الانقلاب الفاشل كان جاداً وقد أخمدته حكمة بوتين وقدرته على ضبط الساعة وفق الرؤية البوتينية وخاصة ما توفر من أسباب عززت من هذا التوجه.

ومن الطبيعي أن هذه البيادق الثلاثة لا تتحرك على هواها بل مضبوطة على ساعة بوتين الذي يتمتع بعقل استخباراتي فذ وقدرة على ضبط النفس وانتاج الخيارات المناسبة في الوقت المناسب.

وكانت مكاسب بوتين جمَّة في كل الأحوال سواء كان الانقلاب مفتعلاً أو جاداً وعلى كافة الصعد، لأنه استطاع توظيف المخرجات لتحقيق أهداف أمنية من خلال تفعيل قانون مقاومة الإرهاب.. ناهيك عن استقدام القوات الشيشانية لحماية العاصمة موسكو بذريعةٍ أمنيةٍ مقنعة.. فيما اختبر بوتين من خلال ذلك ولاءات قادته العسكريين.. كما وهيأ لهجوم محتمل ربما سيأتي من الشمال الأوكراني لاحتلال كييف كما هو متوقع بمساعدة قوات فاغنر فيما لو كان الانقلاب تكتيكاً مخادعاً.. لا بل أن فشل الانقلاب أثبت للخصوم في الداخل والخارج بان بوتين رئيس متوازن يمتلك القوة إلى جانب الحنكة السياسية والقدرة على ضبط النفس، إلا أن ذلك -من جهة أخرى- قد يثير المخاوف الغربية من كونه يمتلك حق الضغط على أزرار الحقيبة النووية فيما لو تعرض الاتحاد الروسي للتفكك القسري.

هكذا حرك بوتين البيادق الثلاثة لحماية خطوته الغامضة نحو ما يعتقد بأنه هجوم روسي محتمل وكبير قد يبدأ في الشتاء القادم.. وإلا فإن الخطوة المقبلة ستكون استخبارية لو صح ما قيل في أن الانقلاب كان جاداً؛ وذلك بوضع حد لحياة رجل ظن بأنه سيهزم القيصر بسهولة!

***

بقلم: بكر السباتين

27 يونيو 2023

كعادتهم فإن اللبنانيين يختلفون على كل شيء فعملية تضخيم أعداد اللبنايين المقيمين في الخارج واحدة من القضايا التي لم ترسوا على بر معين.

البعض يقول أن العدد يتجاوز 14 مليون والبعض الآخر يقول ان العدد حوالي 12 مليون وغيرهم يقول ان العدد حوالي 8 مليون وقس على ذلك حتى تبقى "الطاسة ضائعة".

اللبنانيون المقيمون أنفسهم لا يصارحون ذواتهم بعدد اللبنانيين المقيمين، ولا غرابة بذلك حسب مقولة وقفنا العد الشهيرة،

طبعاً، العد توقف رسمياً منذ آخر إحصاء للسكان في العام 1932، مع أن ذلك لا ينفي معرفة عدد الولادات والوفيات المسجلة في دوائر النفوس وحسب السجل الطائفي الذي يحرص عليه اهل السلطة الدينية والدنيوية لمنع قيام الدولة المدنية والعلمانية، لانها تأتي على مصالحهم وعلى حساب المواطن البائس الذي لا حول ولا قوة له في تقرير مسيرة حياته ومماته إلا من خلال ذلك النظام الذي تحتكره الطوائف والمذاهب.

علماً ان الدول تقوم باحصاء أعداد سكانها من اجل بناء البنى التحتية والمؤسسات التي تؤمن الخدمة العامة للمواطنين وتحسين أوضاعهم..  ولكن على ما يبدو أن لبنان يشذ عن هذه القاعدة.

مناسبة هذا الكلام هو الشق المتعلق بتأثير ودور المغترب في الحياة السياسية اللبنانية وقبل ذلك في بلاد الأغتراب،

في ما يتعلق بالشق الأول تحتفظ الطوائف والاحزاب في بلاد الاغتراب بكل الأرث اللبناني ولا بل تغالي في التطرف في طروحاتها ( بدون تعميم) لان هناك قلة على مستوى الافراد نعم قلة لديها رؤية مختلفة وتحاول الارتقاء بالعمل الى مستويات أفضل.

عند كل مناسبة انتخابية تحرك الأحزاب اللبنانية ماكيناتها الانتخابية باتجاه الأغتراب خصوصاً بعد أن أصبح بإمكان المغتربين الإنتخاب في بلدان الاغتراب بعد آخر تعديل لقانون الانتخاب، والذي ينص على الانتخاب بموجب سجل القيد في القرية أو البلدة أو المدينة التي ولد فيها المغترب أو آباءه أو أجداده إذا كان قد سجل تلك الولادات في البعثات اللبنانية في الخارج.

المؤسف والمضحك في الأمر ان من لا يمارس حقه الانتخابي حيث يقيم يريد ان يقرر من يتولى زمام السلطة التشريعية للمواطنين المقيمين الموزعين أصلاً على إقطاعيات طائفية ومذهبية ومناطقية وعائلية وغيرها.

هنا نأتي على الشق الثاني من الموضوع أي دور المغتربين خصوصاً الدور السياسي في المجتمعات التي يعيشون فيها وسنأخذ أستراليا نموذجاً ولا أعرف إن كان يمكن إسقاط التجربة على باقي المغتربات 100 بالمئة.

في أستراليا تراجع عدد الأشخاص التي تنتمي الى الاحزاب الأسترالية بشكل كبير فعدد المنتمين لحزب العمال عام 2020 كان 60.085 عضواً بينما بلغ أعضاء حزب الاحرار ما بين 50 الى 60 الف من أصل 26 مليون مواطن.

هنا نعود الى موضوعنا كم تبلغ نسبة المنتسبين للأحزاب الاسترالية من أبناء الجالية اللبنانية وما هو دورهم في الحياة السياسية الأسترالية؟

لا يوجد إحصاء يقول بإعداد المنتسبين الى الاحزاب من الخلفيات الأثنية، المعروف انه في أستراليا وحسب نظام وست مينستر الحزبان الكبيران الاحرار والعمال يتناوبان على السلطة، ويتحالف حزب الاحرار مع الحزب الوطني (المعروف بالتحالف) ويعتبر حزب الخضر الاكثر حضوراً في مجلس الشيوخ أقرب الى حزب العمال منه الى التحالف، بالاضافة الى وجود احزاب صغيرة والمستقلين الذين ترتفع وتنخفض اعدادهم في الانتخابات التي تجري كل ثلاث سنوات على المستوى الفيدرالي.

ان تأثير السياسيين والحزبين من الخلفية اللبنانية محدود جداً رغم تضخيم التغطية الاعلامية لمن يصل كأنه يمثل الجالية سواء في الحكومة المحلية او الولاية او الحكومة الفيدرالية، والسبب يعود إلى أن الأعضاء عليهم الإلتزام بالخط الحزبي وعدم الخروج عنه خصوصا في حزب العمال مع وجود هامش صغير عند الاحرار في بعض القضايا، ولكن بشكل عام من لا يريد ان يلتزم بسياسة الحزب عليه او عليها ان يستقيل/ تستقيل من المراكز التنفيذية سواء كان الحزب بالحكم او بالمعارضة.

الملفات للانتباه أن هؤلاء الأشخاص يمثلون أحزابهم في الجالية وليس العكس، حيث تستثمر الاحزاب فيهم لكسب أصوات ابناء الجالية وجمع التبرعات، وهناك الكثير من الأدلة وقد عمدت الاحزاب الى تأسيس ما يعرف بأصدقاء حزب العمال من الجاليات الاثنية ومنها العربية، وأخيرا بدأ حزب الاحرار يتبع نفس النهج، ويعمد الحزبان الى وضع شخص حزبي من تلك الخلفية لتولي قيادة هذه المجموعات ذات النشاطات الفلكورية وحفلات الشواء والتبولة.

أخيراً، قد تبدو الصورة من بعيد براقة لكن الواقع عكس ذلك، ولكن ومما لا شك فيه ان هذه المشاركة ضرورية في حال كانت في الأتجاه الصحيح، وقد تساعد ابناء الجالية في حال المشاركة بالحياة السياسية وفي صنع القرار، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا التي تهم الجالية كجزء من المجتمع الأسترالي العام لأن مشاكلنا في المغتربات لا تنفصل عن مشاكل المجتمع الذي نعيش فيه سواء كانت إقتصادية، إجتماعية، ثقافية وسياسية وغيرها، والباقي لا يقدم اذا لم يؤخر ويدع أبناء الجالية على الهامش، طبعا الا المستفيدين على المستوى الشخصي.

***

عباس علي مراد

أبلغ تعبير قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال خطابه للشعب الروسي ومناشدته المواطنين، وأفراد القوات المسلحة، ووكالات إنفاذ القانون والخدمات الخاصة، والجنود الذين يصدون اليوم هجمات العدو، الى الوحدة والتكاتف والوقوف صفا واحدا تجاه أي خطوة، تهدف الى زعزعة الامن والاستقرار في البلاد، ووصف ما قام به قائد ميليشيا " فاغنر " يفغيني بريغوزين، ولمصالح شخصية قام بالخيانة والتمرد المسلح، والسيطرة على مدينة رستوف (جنوب موسكو 1000 كلم )، بأنها " طعنة في الظهر "، وقارن الوضع الحالي بعام 1917 - عندما شاركت روسيا في الحرب العالمية الأولى، ثم "سرق" النصر من البلاد، وتحولت المؤامرات والمشاجرات "وراء ظهور الجيش والشعب إلى أكبر صدمة"، وتدمير الجيش وانهيار الدولة، وخسارة مساحات شاسعة، و نتيجة لذلك - الحرب الأهلية،، وشدد بوتين دعوته بالقول " لن ندع هذا يحدث مرة أخرى " .

الرئيس الروسي أكد في خطابه أن بلاده تخوض اليوم معركة شرسة من أجل مستقبلها، وصد عدوان النازيين الجدد وأسيادهم، عملياً، يتم توجيه الآلة العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية بأكملها في الغرب ضدها، وقال " نحن نناضل من أجل حياة وسلامة شعبنا، من أجل سيادتنا واستقلالنا. من أجل الحق في أن تكون روسيا وأن تظل دولة لها تاريخ يمتد إلى ألف عام"، مشددا في الوقت نفسه عل إن هذه المعركة التي يتقرر فيها مصير الشعب الروسي تتطلب توحيد جميع القوى والوحدة والتماسك والمسؤولية، وضرورة التخلص من كل ما يضعفه، فإن أي صراع يمكن أن يستخدمه الأعداء الخارجيون لتقويض الشعب من الداخل.

وتلقت القوات المسلحة والوكالات الحكومية الأخرى الأوامر اللازمة، ويجري الآن اتخاذ تدابير إضافية لمكافحة الإرهاب في موسكو ومنطقة موسكو وعدد من المناطق الأخرى، كما سيتم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق الاستقرار في روستوف-نا-دونو، " حيث لا يزال الوضع، بحسب رئيس الدولة، صعبًا، وعمل السلطات المدنية والعسكرية معطل في المدينة، " وبصفتي رئيسًا لروسيا والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كمواطن روسي، سأفعل كل شيء للدفاع عن البلاد وحماية النظام الدستوري وحياة المواطنين وأمنهم وحريتهم" بحسب تعبير الرئيس بوتين .

اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب (NAC)، أكدت بدورها أن مكتب الأمن الفيدرالي (FSB) فتح قضية جنائية ضد بريغوزين، وفق المادة 279 من القانون الجنائي للاتحاد الروسي ("التمرد المسلح")، ووفقًا لمكتب المدعي العام، يمكن أن يواجه من 12 إلى 20 عامًا، ودعا جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، من جانبه في بيان نشره، مقاتلي شركة فاغنر العسكرية الخاصة إلى عدم ارتكاب خطأ لا يمكن إصلاحه، ووقف أي أعمال عنيفة ضد الشعب الروسي، وعدم تنفيذ أوامر بريغوزين الإجرامية والغادرة، واتخاذ إجراءات لاعتقاله، ووصف الجهاز تصريحات وأفعال بريغوجين بأنها تدعو إلى بدء نزاع أهلي مسلح و "طعنة في ظهر الجيش الروسي".

وفي القانون الجنائي للاتحاد الروسي وفي المادة 279 "تمرد مسلح"، تنص على العقوبة من 12 إلى 20 سنة في السجن، ويمكن اتهام مثل هذه المادة بتنظيم تمرد مسلح، أو المشاركة النشطة فيه من أجل الإطاحة بالنظام الدستوري للاتحاد الروسي، أو تغييره بالقوة أو انتهاك السلامة الإقليمية لروسيا، وفي تاريخ روسيا الحديثة، أدين بهذه المادة فقط العقيد المتقاعد من المخابرات العسكرية الروسية فلاديمير كفاتشكوف في 2005.

ونفت وزارة الدفاع الروسية صحة الادعاءات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، والمنسوبة لمؤسس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة، وأشارت الى ان جميع الرسائل ولقطات الفيديو التي انتشرت على الشبكات الاجتماعية والمنسوبة ليفغيني بريغوجين حول "ضربة شنتها وزارة الدفاع الروسية" على المعسكرات الخلفية للشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" لا تتوافق مع الواقع وهي استفزاز إعلامي"، و أكدت وزارة الدفاع، أن القوات الروسية تواصل القيام بمهام قتالية على خط التماس مع الجيش الأوكراني في منطقة العملية الخاصة.

وأهابت الدفاع الروسية بمقاتلي مجموعة "فاغنر"، عدم الانخراط في مغامرة مؤسس "فاغنر" الإجرامية والاتصال بالأجهزة الأمنية فورا، متعهدة بضمان سلامتهم، وتعهدت الوزارة بضمان أمن وسلامة كل من يتصل بها من مقاتلي المجموعة ويرفض الانخراط في هذه المغامرة الإجرامية، وقالت انها قدمت المساعدة لعدد من عناصر المجموعة لضمان عودتهم إلى نقاط تمركزهم بسلام، وكشفت وزارة الدفاع الروسية عن استغلال نظام كييف لاستفزاز مؤسس شركة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، وتركيز نشاط وحداته الهجومية التكتيكية على أطراف مدينة باخموت.

في غضون ذلك، أعلنت حكومات مناطق ليبيتسك وروستوف وتولا في فورونيج تعزيز الإجراءات الأمنية، وأعلن عمدة موسكو سيرغي سوبيانين وحاكم منطقة موسكو أندريه فوروبيوف عن إدخال نظام عمليات مكافحة الإرهاب في منطقتهما، بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لوكالة ريا نوفوستي، طوقت قوات الأمن مبنى مركز واغنر PMC في شارع زولوتايا في سانت بطرسبرغ، ودعا رئيس أوسيتيا الشمالية، سيرجي مينيايلو، مقاتلي الجمهورية الذين يخدمون في Wagner PMC إلى عدم الانصياع لأوامر بريغوزين الجنائية، ووصف رئيس الشيشان رمضان قاديروف تصرفات بريغوجين بأنها خيانة وتمرد وقال إن مقاتلي وزارة الدفاع والحرس الروسي في جمهورية الشيشان قد غادروا بالفعل إلى مناطق التوتر، وأكد ضرورة قمع التمرد المسلح، وأعلن عن جاهزيته لاتخاذ إجراءت صارمة إذا تطلب الأمر ذلك.

وفي موسكو أعلن عمدتها سيرغي سوبيانين عبر قناته على Telegram، أنه تم تعزيز الإجراءات الأمنية في المدينة، وقال إنه أدخل سيطرة إضافية على طرق المدينة. قال سوبيانين: "من الممكن الحد من تنظيم التظاهرات الجماهيرية"، ومن أجل منع الهجمات الإرهابية المحتملة على أراضي موسكو ومنطقة موسكو، تم إدخال نظام عمليات مكافحة الإرهاب .

وحث قادة عسكريون بارزون في الجيش الروسي، مجموعة "فاغنر" على الكف عن الإساءة لسمعة روسيا وجيشها، والامتثال لإرادة الرئيس فلاديمير بوتين، ودعوا الى إيقاف القوافل، وأعادتها إلى نقاط انتشارها الدائمة ومناطق تركيزها، وحل جميع المشاكل "سلميا فقط، تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية .

وقال قائد قوات العملية العسكرية الخاصة الجنرال سيرغي سوروفكين في تسجيل فيديو نشره المراسل العسكري أندري رودينكو على "تلغرام": "أناشد قيادة وقياديي ومقاتلي شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة. لقد عبرنا طريقا صعبا ومعقدا معا. قاتلنا معا، وخاطرنا، وعانينا من الخسائر، وانتصرنا، نحن من نفس الدم، نحن محاربون. أنا أحثكم على التوقف، فالعدو ينتظر فقط تفاقم الوضع السياسي الداخلي في بلدنا. لا يمكنكم أن تخدموا مصالح العدو في هذا الوقت الصعب على البلاد" .

ومن جانبه حذر نائب رئيس هيئة الأركان الروسية، الفريق فلاديمير أليكسييف، مجموعة "فاغنر"، من توجيه ضربة لسمعة روسيا والقوات المسلحة الروسية، وقال أليكسييف في تسجيل فيديو نشره على تطبيق تلغرام، "مهما كانت نواياكم، فهذه طعنة في ظهر البلاد والرئيس"، مؤكدا أن الرئيس وحده له الحق في تعيين أعلى أركان قيادة القوات المسلحة وأنتم تحاولون التعدي على سلطته، وهذا انقلاب، أطلب منكم التعقل".

وأعلن رؤساء مناطق روسيا دعمهم الوطني للرئيس فلاديمير بوتين، واكدوا في رسائلهم التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي و " تلغرام"، ان أفضل شيء يمكن القيام به لبلده الآن هو الحفاظ على هدوء العقل، وعدم الاستسلام للاستفزازات، وذكروا قوات البلاد بالوحدة، فقد كانت لوحدة الشعب الروسي وبطولاته التي لا مثيل لها هي التي جعلت من الممكن كسب الحرب الوطنية العظمى، وما يواجهونه اليوم من تحديات لا تقل خطورة، لذلك يجب تذكر وحدة ومسؤولية كل واحد منهم عن مصير روسيا.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

لأسباب تاريخية واقتصادية وسياسية وجغرافية، يشكل الشرق الأوسط منذ زمن بعيد منطقة محورية في العلاقة بين الشرق والغرب ولهذا تجده دائماً في قلب اهتمام القوى المختلفة، منذ ان بدء بكثرة تداوله طرح مفهوم"الشرق الأوسط" السياسي والفكري في اواسط القرن العشرين الماضي، بدأت المخططات الإسرائيلية ترسم ملامح ومعالم هذا الشرق وفق خطط وضعت بشكلٍ محكمٍة وتبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وسعت إلى تطبيقها على أرض الواقع من خلال رعايتها لاتفاقيات عديدة بين العرب والإسرائيليين جاءت تحت مسمّيات "اتفاقيات سلام" كان الهدف منها هو فرض هوية جديدة على أبناء الأمة العربية تتلاشى فيها أو تضيع المرجعية العربية لصالح وعاء فضفاض تمت تسميته بـ "الشرق أوسط الكبير" أحياناً وبـ "الشرق الأوسط الجديد" والذي لم يكن فهمه إلاعلى أنه تمهيد لحوادث قادمة واتفاقيات جديدة تشير بوضوح إلى أن انها مصممة على إعادة تشكيل الخريطة الجغرافية لدول الشرق الأوسط بشكل يقيم قواعد جديدة، ويعيد تشكيل المنطقة بالشكل الذي ينسجم مع الأهداف الأميركية والإسرائيلية لحماية كيانها الهزيل ويكون بديلاًعن الخريطة التي وضعت في بداية القرن الماضي، والذي ظهر علائم فشله في الآونة الأخيرة بسبب التحولات والتقلبات الكبيرة التي حدثت في المنطقة والذي كانت "ترمي إلى تقسيم البلاد العربية، وفق العرق والدين والمذهب، متستراً بستار الديمقراطية وحقوقالإنسان، ونشر ثقافة السلام، وحفظ حقوق الأقليات، في إطار من مبادئ العولمة التي تتستر أيضاً بالمحافظة على الهويات الوطنية، ولا تفصح عن مراميها الاقتصادية وسيطرة الشركات العابرة للقارات. والمشروعان كانا مرتبطين متداخلان يهدفان إلى الإبقاء على دول العالم الثالث أسواقاً للرأسمالية الغربية، وهذا كان يتطلب إعاقة عجلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وإلهاء الشعوب بقضايا جانبية، تحارب بعضها بعضاً باسم الدين والعرق والمذهب، وهذا ما حدث في الفترة الماضية على ان لا تنتهي إلا بانتهاء قدراتها وإمكانياتها وثرواتها ومواردها الطبيعية والبشرية فيها"وأصبح ربما أكثر حساسية وتأثراً بأي تطورات عالمية أو إقليمية أو دولية؛ إلا أن سلسلة الأحداث والقضايا التي فرضت، في الآونة الأخيرة، نفسها على الشرق الأوسط استدعت مزيداً من التحولات الاستراتيجية والتكتيكية في إدراك الشرق الأوسط ذاته للفاعلين الدوليين، وإدراك هؤلاء الفاعلين لأهمية هذه المنطقة وسعيهم إلى تعزيز النفوذ والاستئثار بموطئ قدم فيها يمكنهم من الإسهام في اللعبة الدولية بين مختلف أطراف النظام الدولي الجديد يفرضوا أنفسهم فيها، وجعلت الاقتراب منه والتنافس عليه أمراً جديراً بالاهتمام وخاصة بعد التطورات الأخيرة والمتمثلة في صعود التنافس الصيني الروسي على أجندة المنطقة؛ بالإضافة إلى ما نتج عن التراجع الأمريكي على المستوى العسكري؛ وأخيراً ظهور فواعل دولية جديدة، كما أن الهدف النهائي للورقة هو الوصول إلى رؤية مستقبلية للشرق الأوسط في ظل الصراعات الدائرة حوله.

لاشك أن لتراجع اكثر الانظمة في أرجاءالشرق الأوسط عن سياساتها السابقة التي كانت تعتمد الانكفاء للولايات المتحدة الامريكية المتواصل في المنطقة و التحولات الجيوسياسية الناجمة عن ذلك كانت من الأسباب المباشرة لفشل مخطط " الشرق الاوسط الجديد " ومن هنا سعت الإدارات الأميركية ولا سيما إدارتَي ترامب وبايدن، الى التراجع عن الكثير من موارد عملها لانه اخذت ترتطم بجدران ارادات شعوب المنطقة اولاً وأدت الى خفض الالتزامات العسكرية الأميركية بسبب الضغط الشعبي الداخلي ثانياً بعد فشلها في العراق وافغانستان وسورية من ارضاخ الشعوب كما فشلت سابقا في فيتنام و في كثير من البلدان الاخرى ولكن احتفظت بقضية مكافحة الإرهاب كذباً باعتبارها من الأولويات الأميركية الراسخة في المنطقة، ونتيجةً لذلك، تراجع النفوذ الأميركي في الشرقالأوسط، وأصبحت الولايات المتحدة أكثر نعومة وتقبّلًا لوجود هؤلاء الشركاء الجدد من خلال التحركات المكثفة و المكوكية المستمرة لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن السعودية والصين وبلدان أخرى للتقرب إليهم، طالما أنهم يدعمون أولوياتها الأساسية. لكن ذلك أفسح المجال أمام دول كبرى مثل الصين وروسيا، وقوى إقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية وسائر دول الخليج لتعزيز نفوذها في المنطقة، انطلاقًا من قناعتها الراسخة بأن مصالحها القومية تمتدّ أبعد من حدودها الوطنية.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

لو سألني أحد عن أكثر العرب ميلاً للتسالم وأبعدهم عن التنازع لَمَا اخترت غير السودان. لا أقصد بطبيعة الحال كل فرد في هذا البلد، ولا كل فرد في غيره. إنما أشير الى السمة العامة التي نطلقها على البلد كمجموع، من دون خشية الاتهام بالمبالغة او التفريط. أظن أن كثيراً من القراء يوافقني في هذا.

مع ذلك، فإن هذا البلد ينزلق الآن نحو حرب أهلية، لا سمح الله.

هل الميل للتسالم مجرد صبغة خارجية؟ هل الذي أمامنا واقع لا نعرف تفاصيله: مجتمعات كثيرة بعضها خشن وبعضها لين، بعضها ظاهر وبعضها مجهول؟

هذا سؤال يتعلق بطبائع المجتمعات. وهي -كما نعرف- ليست صفات تنتقل عبر الجينات، من الآباء إلى الأبناء، كما اعتقد كتاب الأزمنة القديمة، بل هي انعكاس للعقل الجمعي أو الذهنية العامة، أي محصلة التفاعل المتواصل بين مستخلصات التجربة التاريخية والتوجيه الثقافي أو الديني، إضافةً إلى تأثيرات الواقع المعيش، لا سيما الوضع الاقتصادي والسياسي.

حسنٌ... لو افترضنا أن الذهنية العامة تتشكل بتأثير عوامل كثيرة، فما هذه العوامل، وما نصيب كل منها في تكوينها النهائي؟ هذا السؤال ضروري كي نفكر في أهداف المعالجة وكيفيتها.

أعلم أن بعضنا سيبادر بتوجيه اللوم إلى التراث ورواته ودعاته. ولعله يندد بتقصيرهم في حث الناس على التسالم ونبذ العنف. وفقاً لهذا الرأي، فالميل إلى المسالمة أو العنف حالة ذهنية، واعية أو عفوية، قابلة للتعديل بواسطة التوجيه والإرشاد. البعض الآخر سيختار الاتجاه المعاكس، فيكرر القول المنسوب لأبي ذر الغفاري «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج في الناس شاهراً سيفه». وهذا يربط الميول العنفية بالتوتر النفسي المتصل بالفقر المدقع. أي إن الميل إلى العنف تعبيرٌ عن ضعف سيطرة العقل على المشاعر. ثمة فريق سيربط التوتر بالانقسام الطبقي، لا سيما جمود الحراك الطبقي وفشل الشريحة المتعلمة في إنهاء التصنيف القسري ضمن الطبقة الدنيا.

والحق أن هذه جميعاً احتمالات واردة. لكن يصعب تحديد أي منها كمؤثر تام. إن السوداني مشهور بالميل إلى المسالمة واللين. لكنّ دراسات اجتماعية تُظهر أن السودانيين يختزنون -على المستوى الفردي– ميلاً قوياً للمنازعة. في نهاية 2017 مثلاً أظهرت إحدى الدراسات أن 60 في المائة من السودانيين يفكرون في الهجرة، وهي نسبة تتجاوز حتى البلدان المنخرطة فعلياً في نزاع داخلي، مثل اليمن والأراضي الفلسطينية وليبيا. ولاحظت الدراسة أن نحو نصف الذين يفكرون في الهجرة، لا يمانعون من السفر من دون وثائق رسمية، بعبارة أخرى فهم غير متحفظين إزاء مغامرة ربما تؤدي بهم الى السجن أو الموت، كما حصل تكراراً لقوارب المهاجرين عبر البحر المتوسط، والمتسللين عبر الحدود الشمالية الغربية إلى ليبيا.

هذا النوع من التفكير لا يعبّر عن «عقل جمعي» بل عن شعور فردي بالإحباط واليأس. لكنَّ المشكلة أن هذا الشعور ينتشر بين مئات الآلاف، لا سيما الشباب، بحيث يتحول تدريجياً إلى ظاهرة عامة، يمكن أن تغيّر الصورة اللينة التي ذكرتها سابقاً، أو على الأقل تشكل ظاهرة فرعية موازية لها.

ما يحدث اليوم في السودان من عنف متصاعد، قد يكون ثمرة لتفاقم الشعور الفردي بالإحباط. وإذا صح هذا الاحتمال، فإن البلد مقبل على انهيار تام للأمن الداخلي، وتفاقم الاعتداءات على الأملاك الشخصية والعامة، بشكل غير مسبوق.

الفارق بين التحولات النفسية العامة والفردية، أن المجتمع يحافظ في الحالة الأولى على قدر من التضامن بين الجميع، بحيث لا يعتدي أحد على الأملاك الخاصة للآخرين. أما في الحالة الثانية فإن الانفلات الأخلاقي يجعل الفرد متجرداً من أي قيد، لا يردعه سوى الخوف من السلاح المقابل.

***

د. توفيق السيف – كاتب وباحث سعودي

(اسباب الانتشار النووي: سياسة احكام النفوذ والسيطرة على ثروات ومقدرات العالم)

عندما انقسم العالم في الحرب الباردة الى كتلتين ايديولوجيتين متصارعتين على سطح كوكب الارض، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ بسنوات قليلة؛ كان هم الاتحاد السوفيتي هو امتلاك السلاح النووي في اسرع وقت، وكان له ما اراد. السؤال المهم هنا؛ هو ما الاسباب التي جعلت الاتحاد السوفيتي يهتم جدا، في تسريع عملية امتلاك السلاح النووي؟؛ هو تخليق حالة من توازن الرعب المتبادل. في السنوات التالية اهتمت الدول الكبرى الاخرى؛ بريطانيا وفرنسا بتسريع ايضا عملية امتلاكها للسلاح النووي؛ وايضا كان لهما ما ارادا. في التالي اي في السنوات التالية صار العالم فيه ما كان والى الآن؛ يسمى النادي النووي المكون من الاتحاد السوفيتي وامريكا وفرنسا وبريطانيا والصين، اي القوى الدولية العظمى والكبرى. بعد سنوات قليلة انضم لهم الكيان الاسرائيلي، من دون ان يعلن او تعلن انها دولة نووية. في العقد الاخير من القرن العشرين صارتا؛ كل من الهند وباكستان دولتين نوويتين. بالنسبة الى الدول الثلاث الاخيرة؛ كان سعيها الى امتلاك السلاح النووي؛ هو حصولها اي الدول الثلاث الاخيرة؛ على التفوق الكاسح عسكريا؛ باستخدامه في هز هراوة التهديد الكارثي عندما تتعرض الى تهديد وجودي. أما بالنسبة الى الدول العظمى والكبرى في  آن واحد؛ هو بسط السيطرة والنفوذ؛ كطريق للنهب وسلب إرادات دول وشعوب العالم الثالث. الاتحاد السوفيتي في السنوات التي اعقبت الحرب الكونية العظمى؛ سيطر سياسيا وعسكريا وايديولوجيا على شرق اوروبا، عبر ما كان حينها يسمى المنظومة الاشتراكية، ودرعها حلف وارسو، في مواجهة مع حلف شمال الاطلسي؛ عبر او من خلال منظومة المعسكر الرأسمالي، أو معسكر العالم الحر كما كان حينها والى الآن يسمي هذا المعسكر ذاتها واهدافه. الحلف الأخير ظل قائما الى الآن، على الرغم من انتهاء التهديد الوجودي الذي كان حينها يمثله وجود الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشرقية، وجدار صدها؛ حلف وارسوا. بدءا ان السعي بامتلاك السلاح النووي الفتاك والكارثي من قبل الولايات المتحدة الامريكية؛ هو التفرد به؛ كي تسيطر على اي مخارج تتقاطع معها من قبل المنافسين لها على ساحات النفود ومصادرة إرادات الغير، وليس الدفاع عن جغرافيتها وسيادتها. عندما استخدمت امريكا او جربت سلاحها الكارثي هذا على اليابان بحجة العمل على تسريع او وضع نهاية سريعة لهذه الحرب، هذه الحجة او الفرية دحضها تماما الواقع على الارض، فاليابان كانت في الطريق الى توقيع اتفاق انهاء الحرب؛ إنما امريكا ارادت ان تجرب هذا السلاح هذا اولا وثانيا اجبار اليابان على توقيع وثيقة الاستسلام، التي حتما كانت تختلف في بنودها عن وثيقة اتفاق انهاء الحرب. اعتقد جازما ان سعي القوى العظمى بدءا الى حيازة او امتلاك السلاح النووي كان والى الآن؛ الغاية منه؛ ان يكون لها اي القوى العظمى؛ مقعد رصين وثابت، ومستقر ومهاب ومرعب على منصة القيادة العالمية للشؤون الدولية، اي ان يكون لها صوتا مسموعا في صناعة القرارات الدولية على حساب إرادات بقية الشعوب على ظهر هذه المعمورة. ان هذا الصراع اي صراع القوى العظمى استمر حتى هذه اللحظات من تاريخ الكون الذي يشهد الآن ومنذ سنوات قليلة تحولا كونيا ربما سيغير وجه العالم وشكل الشراكات والتعاون، ومراكز القوى التي سوف تساهم في صناعة هيكل جديد للعالم. في الحرب في اوكرانيا التي تشتعل اوراها من اكثر من سنة؛ كانت حجة المسؤولون الروس التي اعلنوها او ساقوها الى العالم؛ هو ان اوكرانيا صارت قاعدة للولايات المتحدة الامريكية، وبالنتيجة هي قاعدة للناتو؛ مما يعني ان حلف الناتو او للحقيقة الواقعية هي قاعدة لأمريكا، اي قاعدة للسلاح النووي الضارب والاستراتيجي؛ مما يهدد بالسلاح النووي العاصمة الروسية وبقية اراضي روسيا؛ لذا، قامت روسيا بالغزو والاحتلال لأراضي اوكرانيا؛ لمنع هذا التهديد المستقبلي. أما حجة امريكا والاتحاد الاوروبي هو منع روسيا بوتين من اعادة الى الوجود؛ امجاد روسيا القيصرية. أما الحقيقة الواقعية والموضوعية؛ هي اي الحرب في اوكرانيا؛ صراع نفوذ ليس الا. الاتحاد الروسي ومعها او معه الصين ولو بطريقة خفية ومستترة؛ تريدان وضع نهاية لتحكم الغرب والولايات المتحدة حصريا على مقدرا ت دول العالم او على النظام الدولي طبقا للقواعد الامريكية ومعايرها؛ حتى يتم لهما او يتم فسح الطريق واسعا لهما او لنفوذهما. من الجهة الثانية امريكا ودول الاتحاد الاوربي المعقب لها، اي لأمريكا، اجبارا وليس طوعا؛ بحكم شبكة معقدة جدا، من العلاقات العسكرية والاقتصادية وما إليهما، تقع في الصدارة من هذه العلاقات هي المظلة النووية الامريكية لحماية دول اوروبا من اي هجوم نووي روسي، لأن دول الاتحاد الاوروبي مع انها دول تمتلك السلاح النووي لكن ليس بقدرة روسيا لناحية حجمها وقوتها التدميرية وادوات نقلها. هذا الصراع على النفوذ بين القوى الدولية المتنافسة او المتحاربة بالإنابة وبالوكلاء؛ ما الذي نتج عنها اي عن هذا الصراع؟ نتج عنه حكما واقعيا وموضوعيا؛ هو تعبيد الطريق للانتشار النووي في المنطقة العربية وفي جوارها وفي بقية مناطق العالم التي لم تكن حتى هذه اللحظة دول نووية او انها لم تفكر حتى الآن بامتلاك ناصية التطور النووي وليس بالضرورة امتلاك السلاح النووي، إنما امتلاك العتبة النووية؛ يمنحها القدرة تماما وفي اي ظرف وفي اي زمان، أذا ارادت او ان الظروف تغيرت؛ بامتلاك السلاح النووي. الحرب في اوكرانيا، والتي هي في الاول والأخير؛ صراع او حرب نفوذ على ارض اوكرانيا ووقودها الشعب الاوكراني، بينما الحقيقة هي حرب بين روسيا وامريكا، وليس بين روسيا وحلف الناتو، لأن الكثير من دول حلف الناتو، والمقصود هنا هم الاوربيون الذين يريدون حلا لهذه الحرب من خلال طاولة المفاوضات، لو تركوا يتصرفون طبقا لمصالحهم من دون المطرقة الامريكية المسلطة على رؤوسهم، طبقا لمصالح امريكا، التي تتركز على الابقاء على سيطرتها ونفوذها على العالم، التي يهددها الثنائي الروسي الصيني. في هذه الحرب يعلن كلا الطرفين المتصارعين امريكا وروسيا؛ استعراضا وتموضعا وانتشارا ومناورات في الاماكن المرشحة للحرب، ان تم الانزلاق إليها؛ قوة اسلحتهم النووية وقوة وسرعة ايصالها الى جغرافية الخصم؛ وهو تهديد او للكبح المتبادل من الدولتين النوويتين، واللتان تمتلكان لوحدهما 90% من مخزون السلاح النووي في العالم. كان من نتيجة انشغال امريكا في الحرب في اوكرانيا؛ تغير قواعد اللعبة في الساحة الدولية تغيرا حادا، وفي المقدمة من الساحة الدولية؛ هو اللعبة في ساحة دول المنطقة العربية وجوارها. ايران استثمرت هذه الحرب استثمارا منتجا بالكامل؛ لذا، اصرت على ان الاتفاق النووي الذي تم ابرامه بينها وبين الدول العظمى زاد المانيا لم يعد قائما او لم يعد له وجود؛ لأن التطورات الاقليمية والدولية، قد عبرت ضفته الى الضفة الاخرى، بالإضافة الى ان زمنه، اصبح قريبا تقريبا من انتهائه، واكدت انه من الضروري التفاوض على اتفاق جديد؛ طبقا لشروطها، التي تتركز على اولا ان يكون مرحليا وجزئيا بعد ان كانت قد رفضته في السابق عندما طرحته امريكا، وثانيا ان تحتفظ بكل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وثالثا ان يكون او تكون برامجها العسكرية الاخرى خارج هذا الاتفاق الذي يجري الحديث عن قرب توقيعه بين ايران وامريكا. اسرائيل تهدد ايران بضرب او بالقضاء على برنامج ايران النووي. من وجهة نظري المتواضعة ان اسرائيل لن تنفذ ما تهدد به على الاطلاق.. في خضم هذه التطورات والتغييرات والتحولات، صار لزاما على الدول العربية، وفي اول هذه الدول العربية، هي السعودية؛ التي او ان قيادتها تدرك تماما ماذا يعني ان تمتلك ايران دورة الوقود النووي، يعني وفي اهم ما يعني؛ هو قدرتها ان ارادت ذات يوم ان تصنع وبسرعة السلاح النووي.. طبقا لهذه المخرجات؛ سعت السعودية وهي تسعى الى الآن وبقوة على امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية. من المعروف وكما يقول اصحاب الاختصاص ان امتلاك دورة وقود نووي لتشغيل او لتوليد الطاقة الكهربائية؛ مقدمة او طريق سهل وسالك الى صناعة السلاح النووي ان ارادت الدولة التي امتلكت دورة الوقود النووي. السؤال المهم هنا في الذي يخص البرنامج السعودي او ما تخطط السعودية على امتلاكه، كاملا وتاما سعوديا خالصا، ومن الطبيعي بمساعدة دولة تمتلك هذه التقنية، بنقلها او توطينها على الارض السعودية. اعتقد ان امريكا سوف تماطل في هذا الموضوع، او انها لن تساعد في النهاية السعودية في اقامة برنامجها هذا؛ مما يدفع السعودية الى الاستعانة بالصين، وان هذا الامر سوف لن يطول كثيرا. ان هذا الانتشار النووي لا ينحصر فقط بالسعودية، بل هناك دول اخرى في الجوار الاسلامي. في اول او في مقدمة هذه الدول؛ تركيا التي قال رئيسها قبل سنوات قليلة؛ ان تركيا عازمة على اقامة برنامج نووي تركي لتوليد الطاقة الكهربائية، وتركيا ليس بحاجة الى طلب الاذن من احد. وفعلا تم او يجري العمل على بناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بمساعدة روسيا، بالإضافة الى مصر وايضا بمساعدة روسيا. انه امرا طبيعيا ان تسعى الدول على امتلاك محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. لكن طبيعة الاوضاع الدولية سواء في المنطقة العربية او في جوارها، او في بقية اصقاع الكرة الارضية، في الوقت الحاضر او في العالم المتعدد الاقطاب المستقبلي، وما اقصده هنا هو المستقبل الرقيب وليس البعيد؛ سيكون هناك صراع تنافسي، اقتصاديا وسياسيا وتجاريا وعسكريا، والأخير لجهة حيازة عوامل القوة للمحافظة على المصالح وردع من يتجاوز عليها؛ في ظل التسارع او المسابقة على انضمام هذه الدولة لبرنامج هذه الدولة العظمى او الى تلك الدولة العظمى. في الختام اقول ان الانتشار النووي ليس سببه هو سعي دول العلم الثالث على حيازته، او حيازة العتبة إليه، بل هو الدول العظمى والكبرى هي السبب في الانتشار النووي بدءا وتاليا والى الآن. جميع الدول العظمى والكبرى، تحرص على زيادة ترسانتها النووية او العمل على الاكتفاء بما لديها كروسيا وامريكا، إنما تطوير قدراتها اي الاسلحة النووية التدميرية ودقتها وادوات ايصالها والى اراضي الخصوم. الصين تسعى او تسابق الزمن للوصول بترسانتها النووية الى ما هو موجود في ترسانة امريكا وروسيا؛ حتى تكون قادرة على الردع او الكبح في اي صراع او حرب مستقبلية. في هذه الحالة لا توجد اي ضمانة او اي وسائل او موانع اخلاقية او اعتبارية او انسانية او دينية؛ لعدم اقدام دول العتبة النووية على صناعة السلاح النووي ان احتاجت إليه، او صارت الظروف ملائمة لامتلاكه، لمنحها القوة والجبروت في اقليمها وفي الساحة الدولية.. من نافلة القول ان اذكر هنا؛ امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي والاصرار على الاحتفاظ به، كوسيلة ردع للتهديد الامريكي لها او لنظامها.

***

مزهر جبر الساعدي

هي الأولى من بعد 15 سنة، أختتم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى روسيا، زيارة له بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغرقت ثلاثة أيام، وكانت، حضر خلالها منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي 23، والمشاركة في منتدى الأعمال الروسي الجزائري، والتقى بكامل قادة روسيا - رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، ورئيس مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو ورئيس مجلس دوما الدولة فياتشيسلاف فولودين، ودشن الرئيس الجزائري، نصبا تذكاريا لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، في مدينة موسكو الروسية.

واهمية اللقاء بين الرئيسين، انعكست بشكل كبير على حفاوة الاستقبال التي أقيمت للرئيس الجزائري، والتي أقامها الرئيس الروسي في واحدة من اهم قاعات الكريملين، وهي قاعة سان جورج، وتأكيد بوتين خلال الجزء الأول من المحادثات بشكل ضيق، أهمية تلك الزيارة، ووصف الجزائر بأنها أحد شركاء روسيا الرئيسيين في العالم العربي، بعدها عقد أيضا اجتماع في شكل موسع، بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أيضًا، ما ترك انطباعا لدى المراقبين، الى ما يشير أن هذا اللقاء لم يكن بعيدًا عن مجرد مناقشة التعاون الاقتصادي، بل ان الامر يتعلق بالتعاون العسكري بشكل خاص بين البلدين.

وبعد محادثات ضيقة وممتدة، وقع بوتين وتبون إعلانًا بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتتحدث الوثيقة عن أشياء كثيرة: من مكافحة تزوير التاريخ إلى التعاون في مجال التكنولوجيا النووية، ووقعت وزارتا الخارجية اتفاقية تعاون في مجال الاتصال الجماهيري، وزارة الثقافة - بشأن الشراكة للسنوات المقبلة، وتم اعتماد مذكرات تفاهم وتعاون بين وزارة البيئة الروسية، ووزارة الهيدروليكا في الجزائر، وبين وزارتي العدل في كلا البلدين.

والنتيجة الرئيسية للزيارة الحالية هي إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة الذي وقعه الرؤساء، والذي، بحسب ميخائيل ميشوستين، سيمثل انتقال التعاون الروسي الجزائري إلى مستوى نوعي جديد، حيث تغطي الوثيقة 16 مجالاً، بما في ذلك السياسة والتجارة والاقتصاد والجمارك والمالية والمصرفية والطاقة واستخدام باطن الأرض والتعاون العسكري التقني ومكافحة الإرهاب والجريمة، كما واتفقت روسيا والجزائر على عدم الصداقة ضد بعضهما البعض، واتفق رئيسا روسيا والجزائر على رفع مستوى العلاقات إلى شراكة إستراتيجية متعمقة في الاقتصاد، والتركيز على توسيع التعاون في جميع المجالات، وليس فقط في المجال العسكري.

وخلال المفاوضات أعربت موسكو عن استعدادها للمشاركة في مشاريع مشتركة في الجزائر، "بما في ذلك تلك المتعلقة بالاستخدام غير الطاقي للتقنيات النووية - على سبيل المثال، في مجال الطب أو في مجال الزراعة"، وقال الرئيس بوتين " ناقشنا أيضا التعاون في المجال العسكري التقني "، كما تنفتح آفاق جيدة للتعاون التجاري في صناعة السيارات والنقل والهندسة الزراعية، وأضاف الرئيس الروسي ان "الجانب الروسي مستعد ليس فقط لتوريد المعدات وتنظيم خدمات ما بعد البيع، ولكن أيضا لتوطين الإنتاج في الجزائر وتدريب المتخصصين الجزائريين المتخصصين".

أما الرئيس الجزائري، فهو الاخر اكد أهمية الزيارة، التي تأتي كرسالة " استمرارا لدعم الجزائر لروسيا "، رغم الضغوط الدولية التي تمارس عليها، فان العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وموسكو على مدى 60 عاما، كفيلة بان تصد هذه الضغوط، وقال تبون ان هذه الضغوط " لا يمكن أن تؤثر أبدًا على علاقاتنا"، وانه من بين الأولويات، خص تبون دخول الجمهورية إلى البريكس (قدمت طلبًا في نوفمبر 2022)، والتسويات بالعملات الوطنية والوضع في ليبيا - "إنها صديقة لروسيا والجزائر، لذلك نريد دائمًا الاستقرار في هذا" دولة"، ووعد تبون بتعزيز التعاون متبادل المنفعة في جميع المجالات، وطلب من المستثمرين الروس الأنتباه للجزائر، حيث تم خلق مناخ ملائم للعلاقات التجارية، وحسب قوله، كانت المحادثات في الكرملين صريحة وودية، وتتطابق وجهات نظر البلدين في جميع القضايا تقريبًا.

وفي المجال الاقتصادي فان الجانبين عبرا عن اهتمامهما الكبير بتعزيز التعاون، وقال وزير التنمية الاقتصادية مكسيم ريشيتنيكوف في المنتدى "نحن مهتمون للغاية بإبرام اتفاقية للتجارة الحرة للسلع مع الجزائر"، كالصناعة والطاقة والجيولوجيا واستخدام باطن الأرض والنقل والخدمات اللوجستية، وحدد المجالات الممكنة لتوسيع التعاون، وأكد الوزير أهمية الارتقاء بالتفاعل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وللقيام بذلك، تحتاج إلى "إعداد مدفوعات متبادلة" و"تجارة آمنة من قرارات دول ثالثة".

ووفقا للمحللين إن مثل هذا الحجم من الأسلحة المشتراة، يجعل الجزائر الشريك العسكري الرئيسي لموسكو في القارة الأفريقية، ويعمل بوتين على تعزيز هذا التعاون، واجتماع رئيسي الدولتين عزز نفوذ روسيا ليس فقط في إفريقيا، ولكن أيضًا في جامعة الدول العربية وحتى في البحر الأبيض المتوسط، كما يعتقد ليونيد ريشيتنيكوف، اللفتنانت جنرال جهاز المخابرات الخارجية في الاتحاد الروسي، كما وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة بعد مصر والمغرب، من بين الشركاء التجاريين الرائدين لروسيا في إفريقيا، كما تعد الجزائر ثالث مستورد للأسلحة الروسية بعد الصين والهند، وبعد بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، تعرضت البلاد لضغط دبلوماسي من الغرب، يطالبها بقطع العلاقات مع روسيا، لكن الجزائر لم تفعل ذلك، وتقدمت أيضًا بطلب للانضمام إلى البريكس في نوفمبر 2022.

واتفق معه ستانيسلاف ميتراخوفيتش، الخبير البارز في الصندوق الوطني لأمن الطاقة، والمحاضر في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، الذي أشار إلى أن أوروبا تحاول بنشاط التزود من الجزائر بالغاز كبديل للغاز الروسي، ومع ذلك، يعمل بوتين على توسيع قدرة روسيا على التأثير في سوق الطاقة، فالجزائر هي واحدة من أكبر موردي الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، والسياسيون الأوروبيون يحاولون إقناعها بزيادة إمدادات الغاز، ومع ذلك، يمكن لروسيا، بالتعاون مع هذا البلد العربي، الدفاع عن أفكارها حول "لعبة الغاز"، والتأثير على تكلفة الموارد، " ودولنا تتعاون في أوبك بلس ومنتدى ناقلات الغاز، وهناك أيضا خطط لبناء منشآت نووية في الجزائر".

وأكد أليكسي زودين، كبير المحاضرين في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي، أن بوتين التقى رئيس الجزائر في سياق انضمام البلاد المرتقب إلى البريكس، وعلى حد قوله، فإن الرئيس الروسي وجه ضربة حساسة لدول غير صديقة، فهذا الاجتماع له سياق سياسي عالمي، حيث يتزايد أعين أمام الجميع، دور دول البريكس في الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، وتسعى الجزائر إلى اتباع طريق التنمية السيادية، وهذا المسار غير مقبول للغرب والولايات المتحدة، ولكن على الرغم من الضغوط، فإن العلاقات بين موسكو والجزائر تزداد قوة .

بسبب تقليص الجزائر للإمدادات إلى السوق الإسبانية، لموقفها الداعم للمغرب حول قضية الصحراء الغربية، نقلت الجزائر هذه الكميات إلى إيطاليا، مما سمح للأخيرة أن تعلن في عام 2022 أنها اتفقت مع الجزائر على "استبدال الغاز الروسي"، لكن لا توجد زيادة في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من الجزائر إلى السوق الأوروبية ككل، أما بالنسبة للغاز الطبيعي المسال الجزائري، فستعتمد آفاقه طويلة المدى أيضًا على بيئة الأسعار في أوروبا والأسواق البديلة، وربما على الاتفاقيات بين روسيا والجزائر في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز.

وفي ظل الظروف الحالية، يمكن لروسيا في المستقبل أن تعرض على الجزائر، إن لم يكن تقسيمًا كاملًا للأسواق، التنسيق في مسائل اتجاهات التصدير ذات الأولوية، والتصدي لمحاولات الدول الغربية لإدخال آليات للحد من أسعار الغاز، ومكافحة التمييز ضد الغاز، من قبل السياسيين الأوروبيين كمصدر للطاقة، كما ان روسيا لديها مقترحات للجزائر بشأن الطاقة النووية والزراعة، بالإضافة إلى ذلك، دعمت روسيا والاتحاد السوفيتي في وقت سابق الجزائر في القضية الحساسة المتعلقة بالصحراء الغربية، لذلك الزيارة جاءت أيضا لتأكيد الموقف الروسي تجاه هذه القضية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

بعد قطيعة استمرت لأكثر من اثني عشر عاما،  وبعد صمود الدولة السورية في وجه ما كان يخطط لها من إثارة فتنة وحرب أهلية و تدمير الدولة والمجتمع، وبالرغم مما لحق بها من خراب ودمار، وبالرغم من مشاركة دول عربية في الحرب والعدوان بشكل مباشر أو من خلال تمويل الجماعات الإرهابية المعادية للنظام -اعترافات حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق – بدأت الدولة السورية باستعادة توازنها وعلاقاتها مع دول الجوار كما عادت الشهر الماضي لجامعة الدول العربية وهي التي كانت من مؤسسي الجامعة عام 1945 و أهم اقطابها، وهو عود أحمد لأن صمودها كشف مؤامرة ما يسمى الربيع العربي وقطع الطريق على تنفيذ كامل أهدافها بإسقاط الدولة السورية وتجزئتها.

سيقول قائل كيف تتحدث عن الدولة السورية بهذه اللغة وهي التي يحكمها نظام دكتاتوري طائفي معاد للديمقراطية وللحريات وواجه التحركات الشعبية في بداياتها بالقوة والعنف دون استجابة لمطالبها، وكيف تتجاهل آلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين بسبب هذه الحرب، وهل تنسى مواقفها المعادية للثورة الفلسطينية ورئيسها أبو عمار منذ الحرب الأهلية في لبنان ووقوفها إلى جانب القوات المسيحية التي ارتكبت مجزرة تل الزعتر وتحالفت مع إسرائيل في مواجهة قوات الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية، وهل تنسى دور سوريا في الانشقاق داخل حركة فتح عام 1983 وقصف مخيمي البداوي ونهر البارد بالمدفعية، وهل تنسى وقوفها إلى جانب قوات التحالف بقيادة أمريكا في عدوانه على العراق عام 1991 ثم صمتها على احتلال العراق 2003، وكيف نغفر لسوريا تحالفها مع إيران المعادية للعرب الخ.

الذاكرة ما زالت تختزن كل ما سبق ولكن، تصدي الدولة السورية لأخطر مؤامرة على الأمة العربية وعلى القضية الفلسطينية وعدم استسلامها للجماعات الإسلاموية الإرهابية وللتدخلات التركية والأمريكية تسجل كوقفة صمود تستحق الاحترام حتى وإن كان صمود الدولة لصالح النظام والرئيس الأسد.

كشف صمود سوريا كل الأكاذيب التي روج لها عرابو فوضى الربيع العربي والتي تزعم أن ما جرى في سوريا ثورة شعبية للمطالبة بالديمقراطية والحريات، فكيف تكون ثورة من أجل الديمقراطية وقد ركب موجتها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الدينية المتطرفة كتنظيم داعش والنصرة وغيرها؟ وكيف يمكن أن نصدق أن دولا خليجية تدعم الثورة السورية وتعادي النظام من منطلق معاداتها للدكتاتورية والاستبداد كما صرح مؤخرا وزير خارجية قطر قبيل عودة سوريا للجامعة العربية؟ وهل دول الخليج وتركيا وأمريكا وإسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة أنظمة ديمقراطية أو حريصة عليها وتدخلت لهذا السبب؟

نعم نحترم ونقدر القوى السورية الديمقراطية التي كانت تطالب بالديمقراطية وترفض سلطة الطائفة الواحدة، ونترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا في الأيام الأولى للثورة، ولكن هل كانت الأمور ستستقر في سوريا لو تجاوب الأسد مع مطالبهم؟

لو رجعنا إلى الأيام الأولى لاندلاع فوضى ما يسمى الربيع العربي ورأينا كيف تم سرقة ثورة الشباب من طرف قوى إسلاموية وأخرى غير وطنية ذات ارتباطات خارجية هدفها الرئيس هو تدمير الدولة ونشر الفوضى، وحتى عندما تنازل بعض الزعماء عن السلطة لم يتوقف هذا المخطط التأمري.

فبعد أيام من بداية الحراك الشعبي في تونس هرب الرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ولكن استمرت الفوضى وما زالت مستمرة حتى الآن، وبعد فترة عصيبة من الحراك الشعبي في مصر أو ثورة 25 يناير 2011 تنازل الرئيس حسني مبارك عن السلطة  يوم 11 فبراير ولكن استمرت الفوضى والعنف المسلح بين الجيش وجماعات دينية، حتى بعد الانتخابات التي فاز فيها جماعة الإخوان المسلمين لم يستقر لهم الأمر إلا لعام واحد حيث خرج الشعب مجددا للشارع في ثورة 30 يونيو 2013وعزلت القوات المسلحة الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يونيو، واستقر الأمر نسبيا.

أما ما جرى في ليبيا فهو أكثر مأساوية ففي 15 فبراير 2011 انطلقت الثورة من مدينة بنغازي، وامتدت لتصل إلى طرابلس وفي 20 أكتوبر تم قتل الرئيس معمر القذافي بغارة من حلف الأطلسي، وما بعد ذلك استمر الصراع والحرب الأهلية إلى اليوم وتم تقسيم ليبيا. ونفس الفوضى والحرب الأهلية جرت في اليمن.

انطلاقا مما سبق فلا يمكن لأي رئيس أو ملك وهو يتابع ما يجري في البلدان المجاورة أن يتخلى عن السلطة ويترك الأمر للجماعات والدول التي تقف خلف فوضى (الربيع العربي). مع تعاطفنا مع قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية إلا أنها كانت الطرف الأضعف في المعسكر المعادي للنظام وكثير من قادة هذه المعارضة انسحبوا من تحالف المعارضة السورية عندما اكتشفوا ما يحاك لسوريا من خراب وفوضى.

وأخيرا، وحتى مع افتراض صحة التسريبات التي تقول بأن المملكة السعودية كانت وراء عودة سوريا للجامعة العربية وقبل ذلك عودة العلاقات السعودية الإيرانية وذلك بموافقة ضمنية أمريكية يكون مقابلها تطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل، بالغم من ذلك فإن   عودة سوريا للجامعة العربية وتحسين علاقاتها مع الدول العربية وحتى مع تركيا يعتبر خطوة في طريق طويل لاستعادة سوريا لكل أراضيها حيث تتواجد على أراضيها قوات تركية وأمريكية وإيرانية وروسية، كما أنه خطوة نحو استعادة النظام الإقليمي العربي لعافيته والتفرغ لمواجهة التحديات الكبيرة التي ما زالت تواجه الأمة العربية سواء من طرف إسرائيل أو دول الجوار كإيران وتركيا وإثيوبيا، أيضا مواجهة تبعات ما يجري في السودان.

***

د. إبراهيم ابراش

قال سيرجي دروبيشيفسكي، مدير الأبحاث في معهد غيدار - موسكو(-Moscow Gaidar Institute)، إن الوضع المستقر الحالي في الاقتصاد الروسي كان نتيجة لسياسة روسيا الإتحادية الٍطويلة الأجل المتمثلة في تقليل الاعتماد على العمليات الخارجية وخلق الدعم من الموارد الداخلية.

في 4 مايو/ مايس 2023، عقد اجتماع عمل بين رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزارة التنمية الاقتصادية مكسيم ريشيتنيكوف. أبلغ رئيس وزارة التنمية الاقتصادية عن الوضع المستقر للاقتصاد الروسي، مؤكدا أن المؤشرات الاقتصادية للاتحاد الروسي تبين أنها أفضل من مؤشرات الدول الغربية. وهكذا، أظهر العام 2022 التكيف الناجح للأعمال الروسية مع الظروف المتغيرة.

وقال سيرجي دروبيشيفسكي: «بعد أن نجا الاقتصاد الروسي في  العام 2022، استعد لمزيد من التطوير من خلال استخدام العوامل الداخلية، فضلا عن الاستفادة القصوى من الفرصة لتوسيع وجوده في الأسواق الخارجية في البلدان الصديقة والمحايدة، على الرغم من كل الجهود التي يبذلها عدد من الدول لعزل وطرد البضائع الروسية من السوق العالمية».

وتابع الخبير أن النتائج الأولية للربع الأول من العام 2023 متفائلة لبلدنا. يقدر الانخفاض بنقطة مئوية واحدة فقط، وبالتالي، إذا نجحت في جميع الأرباع الأخرى من هذا العام، فقد تصل القيم النهائية لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1-1.5٪، كما تنبأت وزارة التنمية الاقتصادية في الاتحاد الروسي.

"يتأثر التضخم السنوي الحالي (2.6٪) إلى حد كبير بفترة الانكماش الطويلة في العام الماضي، لذلك بحلول نهاية العام من المتوقع زيادة قيم التضخم السنوي إلى 6-6.5٪، ولكن على أي حال هذا انخفاض بأكثر من مرتين مقارنة بالعام الماضي"، يعتقد سيرجي دروبيشيفسكي.

وشدد على أنه لا ينبغي لنا أن ننسى الاتجاهات التضخمية العالمية، وبالتالي فإن مستوى 6٪ هو مستوى «طبيعي» لنمو الأسعار للعديد من الاقتصادات المتقدمة في العام 2023. ولأول مرة في التاريخ، من المرجح أن تكون روسيا دولة ذات تضخم أقل من المتوسط العالمي مقارنة بمجموعة من البلدان ذات معدلات التضخم المرتفعة.

***

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

الأكاديمية العربية في الدنمارك

تشاندران نير Chandran Nair

المدير التنفيذي ومؤسس المعهد العالمي من أجل الغد [GIFT]

ترجمها عن الأنكليزية: يحيى علوان

***

ثمةَ مؤشراتٌ رئيسة 5 توضحُ كيف يتغير العالم، وأنه يجب على الغرب أن يتعامل مع حقيقة أنه لم يعد قادرًا على فرض "قيادته" على العالم كما كان يفعل سابقاً.

إن النظام الدولي ما بعد الغربي متعدد الأقطاب في أُفولٍ، آخذ إلى زوال، في حين يكافح العالم مع الآثار المترتبة على هذا التحول في السلطة، وتتشكل أسس تقديراتٍ لتحوُّلٍ هائلٍ. سوف يتحدى هذا التحوّل المعتقدات والهياكل الراسخة التي حافظت على الهيمنة الغربية على العالم على مدى مئات من السنين الماضية، وكشف على طول الخط طبيعة استحقاق الغرب المتصور لقيادة نظام التراتب العالمي. ستكون النتيجة النهائية إعادة تقييم مهمة للعلاقات الدولية كما عرفناها حتى الآن.

هذا التحول الهائل سيكون محمولاً بخمس مؤشرات رئيسة، ستُجبر الدول الغربية على مواجهة المستقبل والتكيف معه حيث تَجب مشاركة "القوة" مع البقية في عالم متعدد الأقطاب. إن الفشل في التعرف على هذه المؤشرات أو محاولة مقاومتها بقوة، قد يشكل خطراً كبيراً ليس فقط على الغرب نفسه، ولكن أيضًا على الاستقرار العالمي. ومع ذلك، يمكن تجنب النزاعات المستقبلية إذا تم النظر إلى فترة التغيير هذه على أنها فرصة لبناء عالم أكثر إنصافًا، وليس أزمة تهدد الامتيازات المتطاولة على حقوق الآخرين وسيادتهم، والراسخة في ذهنية "الغرب".

خمسة مؤشرات تستدعي التأمل

إن المستقبل الذي ينتظر الغرب - الانتقال السلس نحو التعددية القطبية أو فترة عدم الاستقرار والصراع المحتمل - سيعتمد إلى حد كبير على كيفية استجابة صُنّاع السياسة للمؤشرات الخمسة التالية:

الأول: هو تفكك رواية التاريخ حتى الآن. لقد مارس الغرب، عبر تاريخه الاستعماري، وأتقن التفسير الانتقائي وسرد الأحداث، واختار تصوير نفسه على أنه مُنشئ الحضارة الحديثة وقوة إرشادية خيّرة. هذا يتغير الآن. لقد كسرت تقنيات المعلومات، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، احتكار المعلومات والتاريخ الذي كانت تملكه في السابق مؤسسات حراسة البوابات الغربية (شركات الإعلام والجامعات ودور النشر... وغير ذلك). نتيجة لذلك، يدرك الناس في جميع أنحاء العالم أن التاريخ لم يعد مقصورًا على التفسير الغربي - بما في ذلك إستهجان أعماله "الخيرية"!

فقد كان أحد المكونات المهمة في ذلك هو فشل الغرب المتكرر في الاعتراف بماضيه المشين. على الرغم من تضخيم الأخطاء المتصورة للآخرين . فقد إلتزم الغرب الصمت بشأن تأريخه البغيض، مثل تدمير الرواد الأمريكيين الأوائل لثقافات السكان المحليين الأصليين، أو الاستغلال الأوروبي للقارة الأفريقية، أو معاملة أستراليا للشعوب الأصلية- الأبروجينز-. إن معالجة هذه الأحداث التاريخية مهمة بشكل خاص لأنها تؤثر على السلوك الحالي.أنَّ الدول الغربية تواجه أيضًا مشاكل في الاعتراف بالأخطاء والنوايا المعاصرة.

المؤشر الثاني: هو إعادة تقييم النظام الدولي "المستند إلى القواعد". قد لا يحب صانعو السياسة في واشنطن سماعه، لكن هذا المفهوم غدا موضع الكثير من السخرية في جميع أنحاء العالم ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أداة يستخدمها الغرب للسيطرة على الشؤون العالمية والحفاظ على هيمنته. هناك استياء كبير يتنامى ضد الدول الغربية نظرًا للانتهاك المتكرر لقواعدها الخاصة، مما يعني أن شرعية هذا النظام أصبحت موضع تساؤل على الرغم من جوانبه الإيجابية.

وتتزامن مع هذا الإحباط المتزايد حقيقة أن توزيع القوة عبر المزيد من الدول يغير النظام العالمي الحالي ويخلق فرصًا وتحديات جديدة. لقد احتلت الصين مكانة أكثر بروزًا، حيث قدمت المنافع العامة العالمية مثل صنع السلام ومعالجة تغير المناخ بطريقة لا ترغب الدول الغربية أو لا تستطيع القيام بها. وبالمثل، بدأت الهند في التأكيد على حقوقها، شأنها في ذلك شأن الدول الصغيرة الأخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا...

ومع تحديد المزيد من الدول لمساراتها في القرن الحادي والعشرين، يجب على الغرب أن يدرك أن ميزان القوى الدولي قد تغير! ولا يمكنه الاستمرار في فرض إرادته على الآخرين - إن صعود الصين ودول أخرى دليل على ذلك-. على الغرب أن يتصالح مع هذا الواقع الجديد وأن يدرك أن هناك حاجة إلى نهج جديد وأكثر براغماتية ومتعدد الأقطاب، حيث تنتهج الدول سياسات خارجية ملتزمة بالتعايش، تحدوها مصالحها الخاصة بدلاً من الانحياز إلى "جانب واحد" "أو الآخر.

ثالثًا: سقط القناع عن عمليات "حفظ السلام" الغربية، على الرغم من تصوير نفسها على أنها الضامن للأمن العالمي، فإن الكثير من دول العالم ينظر الآن إلى الولايات المتحدة - وأوروبا إلى حد أقل-، على أنهما يستفيدان من الحروب، بدلاً من الاهتمام بتعزيز السلام الحقيقي. إن المجمع الصناعي العسكري الغربي – وخاصة في الولايات المتحدة - قوي للغاية لدرجة أنه باتَ معروفًا الآن أنه يقود السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى الحد الذي يؤدي إلى استمرار الصراعات للاستفادة بالتالي من الحروب.

تقود الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو، حالياً زيادة هائلة في الإنفاق العسكري العالمي، حيث تنفق أمريكا على "الدفاع" أكثر مما تنفقه الدول العشر التالية في الناتو مجتمعة. كما أنه من المعروف أيضًا أن ما يقرب من نصف ميزانية البنتاغون يذهب إلى متعاقدين من القطاع الخاص كل عام، ويتبرع المجمع الصناعي العسكري بملايين الدولارات للتنافس داخل الكونجرس الأمريكي، مما أدى إلى الاستيلاء على الدولة وزيادة كبيرة في ميزانيات الدفاع.

لقد أدركت بقية العالم أنه لا يمكن الوثوق بالغرب وحده لقيادة جهود السلام العالمية، خاصة إذا كان جزء كبير من اقتصاداته موجهًا للاستفادة من الصراعات والحروب. مقابل ذلك، يحدث تغيير إيجابي، إذ توسطت الصين في اتفاقيات سلام رائدة - بين المملكة العربية السعودية وإيران، على سبيل المثال – إضافة إلى أن زعماء العالم مثل إندونيسيا جوكو ويدودو، وناريندرا مودي في الهند، والبرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، يساهمون في السعي لفض النزاعات الحديثة بصورة سلمية مُرْضِيَة.

المؤشر الرابع: يجري حالياً سعيٌ حثيثٌ للإطاحة بالبنية المالية الغربية الفوقية. إن استخدام الغرب لقوته المالية على نطاق واسع لتحقيق مكاسب وأغراض جيو- سياسية ليس سرًا كبيرًا - يتحدث صانعو السياسة والخبراء علنًا عن "تسليح التمويل" وفرض عقوبات على الدول التي لا تمتثل للنوايا الغربية. وبالمثل، فإن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تجميد وحتى مصادرة احتياطيات الدول ذات السيادة - أفغانستان وفنزويلا وروسيا - تسببت في حدوث موجات من الصدمة في جميع أنحاء العالم.

نظراً لذلك ولسجل الغرب الخاص من الجشع المالي وسوء التصرف - الذي أدى إلى أزمات مدمرة مثل الأزمة المالية 2007-2008 والانهيار الأخير لبنك "وادي السيليكون"Silicon valley Bank، الذي كانت له أصداء عالمية – مما أدى إلى عدم الثقة في الغرب ورفضه للهياكل والبنى المالية وهو ما يتنامى من جديد، عبر جهود تجري الآن لتفكيك الامتياز الباهظ الممنوح للولايات المتحدة من خلال عملتها.

إن إلغاء "الدولرة"- نسبة إلى الدولار الأمريكي – يحدث بصورة متزايدة، إذ انخفضت حصة العملة من الاحتياطيات العالمية إلى 47 في المائة العام الماضي، مقابل 73 في المائة في عام 2001. يضاف إلى ذلك، تبحث البلدان عن بدائل لنظام سويفتSWFT، والذي تم استخدامه أيضًا لصالح الدول الغربية، على أساس العقوبات، وبالتالي أزعج غالبية دول العالم. ومع إكتساب البلدان ذات العملات المستقرة تأثيرًا، يظهر نظام اقتصادي متعدد الأقطاب يعيد تشكيل التحالفات الجيو - سياسية والدبلوماسية الاقتصادية وتوازن القوى داخل المؤسسات الدولية، قد يمنح هذا التغيير الدول النامية مرونة أكبر في إدارة عملاتها وسياساتها النقدية ويحدُّ من قدرة الغرب على فرض عقوبات من جانب واحد. علاوة على ذلك، تجاوزت دول البريكس مؤخرًا مجموعة الدول السبع من حيث الناتج الإجمالي المحلي، مما يشير إلى إعادة توزيع القوة الاقتصادية ويشيرُ إلى مستقبل من التعاون في التجارة والاستثمار والبنية التحتية والمساعدة التنموية.

خامساً: وأخيراً، هناك الانهيار الملحوظ في مصداقية الصحافة الغربية. يأتي هذا في منعطف حرج، حيث أدت أوجه القصور المتكررة في السنوات القليلة الماضية إلى زيادة الوعي العالمي بدور الإعلام الغربي في إدامة الجوانب المفضلة للغرب في النظام العالمي الحالي - غالبًا على حساب الدول الأخرى.

على سبيل المثال، أدى تقريع الصين المستمر في عناوين الأخبار الغربية إلى تكريس رواية سلبية، بل مثيرة للخوف عن بكين باعتبارها تهديدًا لمواطنيها والعالم بأسره. لقد تم حشد السياقات الجيو- سياسية لهونج كونج و تايوان، على الرغم من تعقيدها، بشكل خاص وانتقائي لدفع رواية "نحن ضدهم"، بدلاً من تشجيع التفاهم بين الغرب والصين.

كذلك، فإن التغطية الأحادية الجانب بشكل كبير للنزاع الأوكراني تتجاهل بانتظام التعقيدات الجيو - سياسية الوطنية والإقليمية في العلاقة الروسية - الأوكرانية، طويلة الأمد وتاريخ توسع الناتو في أوروبا.كما يعد الإفتقار إلى التقارير الواقعية حول تفجير نورد ستريم، الذي يعتقد الكثيرون أنَّ منْ ارتكبه هو "الغرب" - مع تقارير لدعم هذا الادعاء – كل ذلك أحدث فجوة صارخة ساهمت في انعدام الثقة بوسائل الإعلام الغربية في كل من الغرب والقراء على حد سواء. فبعد أشهر فقط، اعترفت الصحافة الغربية بهدوء بالذنب الغربي المحتمل، أو على الأقل المعرفة به!

علاوة على ذلك، أدت التغطية غير الكافية والمتحيزة للنزاعات غير الغربية، مثل تلك الموجودة في اليمن وميانمار وفلسطين، إلى اتهامات عالمية بالإهمال والتحيز وحتى العنصرية.

فِكرةٌ للتأمُّل

تحتاج الحكومات الغربية، التي تواصل حتى الآن، إنكار صدى للتواصل مع أصدقائها في جميع أنحاء العالم وإدراك ما هو واضح للجميع باستثناء أنفسهم: أن تُدرك بأن العالم ليس كما كان في حقبة ما بعد الحرب الباردة. لقد انتهت الطرق القديمة، والغرب ببساطة لا يملك القوة السياسية والمالية، ناهيك عن الشرعية الدولية، كما فعل في السابق! إذ يجب عليها - الدول الغربية - أن تتكيف مع هذه البيئة الدولية المتغيرة، بدلاً من الإصرار بعناد على العمل كـ"المعتاد"! إن عدم القيام بذلك سيجعل العالم مكانًا أكثر خطورة ويقوض مصداقية وتأثير الغرب أكثر.

***

قال الرئيس الصيني انه من الواجب دوليا الاعتراف الكامل في دولة فلسطين ك "عضو" كامل الاهلية والصلاحية في الأمم المتحدة، وهذا الموقف يختلف ويتعارض مع الموقف الأوروبي والأمريكي وبقية حلفاء النظام الطاغوتي الربوي العالمي في التعامل مع قضية فلسطين المحتلة.

نستطيع ان نربط ذلك مع الالتزام الشعبي العربي وأيضا الشعوب الصينية في رفض الشذوذ الجنسي وموجة نشر اللوطية وهدم الاسرة والغاء دور الأب وخلط الانساب والأعراق والأفكار النيوليبرالية الحديثة الهادمة لكل الأديان السماوية والقيم الشرقية.

بينما الصهاينة وحركتهم الدولية المرتبطة بهم ومن ورائهم النظام الطاغوتي الربوي يقومون بالترويج ونشر هذه الانحرافات وذلك السقوط ويفرضونها ضمن موجة عالمية قذرة عفنة في كل الدول التي تكون تحت سيطرتهم وهذه المسألة فيها تناقض وديالكتيك صيني صهيوني نستطيع نحن العرب الانطلاق منه لصناعة تحالف اكبر قوة وارتباط مصلحي مستحكم واشد يفيدنا قوميا والتجربة السورية العربية خير مثال حيث دعم القطب الامبراطوري الصيني القادم الدولة السورية في صراعها مع حلف الناتو والصهاينة واتباعهم ومن وظفوهم واستخدموهم اثناء الازمة السورية , حيث لم يكن هناك "غدر" صيني ولا "طعن" في الظهر ولا "تخلى" ولا "استغناء" كما يفعل ذلك الامريكان والاوربيين مع ما يسمون انفسهم "حلفاء الغرب" الذي يرميهم كالأحذية القديمة المستهلكة بعد ان يستخدمهم.

علينا ان نعرف ان ما بين الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية أكبر مما يتخيله المتصهينين العرب الذين هم ليسوا فقط خونة للعروبة ومتآمرين ضد الاسلام بل هم يعيشون الجهل المعرفي ولا يقدمون قراءة حقيقية للواقع من باب السذاجة الفكرية التي يعيشونها او من باب العمالة المأجورة والوضع الخياني الذي يمارسونه حيث يردحون بما يتم برمجتهم عليه ك "جواسيس" و"خدم" للأجنبي.

ان الاعلام الغربي المملوك صهيونيا يتحرك في الترويج بأن لا فائدة من أي حالة انتقال امبراطورية من قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب !؟ وهناك تقليل وتسخيف متعمد لما تقوم به الصين وكذلك روسيا في العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وهذا الاعلام الغوبلزي الدعائي المملوك صهيونيا يقوم بذلك لصناعة استمرار لحالة عقلية الهزيمة والاستسلام والتي أيضا يقوم المتصهينين العرب الخونة بأعادة تقديم مثل هذا الخطاب الإعلامي الدعائي المزيف لكي يستهلكه السذج والحمقى بدون دراسة وتدقيق واستعمال العقل في معرفة ما وراء اللعبة.

علينا نحن العرب ان نعلم: ان رأس المال والاعلام في الامبراطوريات القادمة للسيطرة مثل الصين وروسيا يتحكم بهما العنصر الوطني هناك، وليسوا من الذين يأخذون اوامرهم وتوجيهاتهم من عصابات الكيان العنصري الصهيوني.

وأيضا نحن لا" نقول ان الصين وروسيا هم حالة ملائكية قادمة لتخدم قضايانا العربية والإسلامية كجمعية خيرية بدون مقابل طلبا للأجر والثواب !؟ ، ولكن هم لديهم مصالح وأيضا علاقات مع الصهاينة تحكمها الاستفادة وماذا سيترتب عليها من أمور، وهذه علاقة مد وجزر ومرتبطة مع تطورات المنطقة وتقلباتها وأيضا بمن يملك الحصة الأقوى من النفوذ والسيطرة ومن لديه مشروع نهضوي تنموي اداري أعمق وأكبر مرتبط بالصعود الحضاري الفردي والمجتمعي ضمن مؤسسات الدولة، هنا قد يتخلى الروس والصينيين عن علاقاتهم المصلحية مع الصهاينة لصالح المشروع العربي.

اذن ما نريد ان نؤكد عليه ان الحالة الصينية والروسية مختلفة عن الغرب الذي ارتباطه مع الكيان الصهيوني وحركتهم الدولية هو ارتباط ك "تشابك شرايين الدم" وك "الهواء في رئة الانسان" حيث ان المصلحة الانتفاعية ليست هي الوحيدة المرتبطة بالرغبة في استمرار وجود الكيان الصهيوني العنصري في الحياة السرطانية على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

ان العلاقة التجارية بين روسيا والصين وما بين الصهاينة هي علاقة مالية بحتة ليس لها علاقة بالدين او القومية او مختصة ب "الالتزام الفكري الأيديولوجي" اذا صح التعبير وعلينا ان نقر ونعترف ان مشكلتنا ك "عرب" اننا لم نقدم مشروع كامل متكامل له ابعاد مصلحية تجعلنا اكثر أهمية واقوي نفوذا في العالم بل اننا تخلينا عن أي دور الا الاستسلام والقبول في الهزيمة , والنظام العربي الرسمي اصبح غارقا في عبادة الشخصيات او في الهوس في البقاء في السلطة وسرقة موارد الدولة ومعه غرق الشعب العربي في مشاكله المعيشية واحباطه العميق مع ما يشاهده من فقدان مشروع للنهضة وأيضا جزء من الشعب العربي مع هذه المشاكل المعيشية لم يرتقي معرفيا وثقافيا لحالة من الوعي والبصيرة تخرجه من حالة الاستحمار الذاتي التي يعيشها والتي تجعله لقمة سهلة امام أي اثارات إعلامية او ترويج دعائي موجه وهذا الامر لا نلوم عليه شعبنا العربي فقط لأن تلك المسألة منتوج عدة عوامل ومنها الحكم القومي الطوراني التركي ومنها دخول الاستشراق الأوروبي لصناعة حالة استعبادية ترث ما بعد سقوط الدولة العثمانية وجاء بعد الاستعباد الأوروبي انشاء الكيان الصهيوني والذي اخذ يلعب على مشاكل المجتمع العربي بنجاح من خلال اختراقه لنقاط الضعف وأيضا من خلال سياسة النفس الطويل ولنا في تخطيطه لفصل السودان وصناعة الأرضية لذلك المثال وأيضا تأسيسيه لحرب المياه والسيطرة على الواقع العربي وإركاعه من خلال التعطيش ومنها انطلقت مشاريع سدود وادي النيل وأيضا مشارع جنوب شرق الاناضول التي تقوم بها الدولة العنصرية الطورانية التركية حليفة الصهاينة.

وايضا للأسف الشديد ان هناك حالة عربية تم تشكيلها في الوعي الروسي والصيني في إدارات وزارات الخارجية ومراكز التفكير وأيضا في الجامعات ومواقع الدبلوماسية عندهم، نحن نقول ان هناك قناعة لديهم تقول التالي: ان هناك تابعية عربية للحلف الطاغوتي الربوي العالمي وليس هناك استقلال في القرار واتخاذه، وهذا ما يخلق "قلق" لديهم وقناعة ان العرب "ملعب" بدون شخصية استقلالية وليس لديهم شيئا ليقدموهن الا ما يؤمرهم به الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

ان علينا الاقرار ان خوف ك "هذا" يعيشه الروس والصينيون هو خوف " "مشروع" ونحن نتفهمه بكل بساطة لأنهم كما ذكرنا يتحركون مصلحيا بما يفيدهم وطنيا وبما يخدم مشاريعهم التنموية الحضارية الخاصة بهم، ونحن العرب عندما فقدنا مشروعنا القومي المستقل فلذلك ضعنا خارج التاريخ، فلم يعد لدينا شيء لنقدمه للعالم من حولنا وأيضا للأقطاب الإمبراطورية القادمة للسيطرة والدخول في وأقع التحكم الدولي وسط تراجع منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

فلنتحرك في تفصيل المسألة علميا إذا صح التعبير ولنأخذ الفرق بين الارتباطات المختلفة ضمن قراءة ساعية للكشف ولصناعة قناعة تؤكد ما قلناه وسنأخذ الجمهورية الشعبية الصينية ك "مثال" وسنحاول اثبات ان هناك فرق بين الصين والحلف الطبقي الربوي العالمي بما يتعلق بعلاقتهم مع الصهاينة، وهذا ضمن ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول:

هو ان الحركة الصهيونية تتحكم في الاقتصاد في الغرب لذلك هذا التحكم والسيطرة الاقتصادية مرتبطة مع استمرار الضخ المالي والدعم للكيان العنصري السرطاني المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة، لأن رأس المال الغربي واقع تحت السيطرة والتحكم اليهودي، على العكس من "رأس المال الصيني"

المحور الثاني:

هو ان الديانة المسيحية وهي الأكثر انتشارا داخل الولايات المتحدة الامريكية حيث هناك اعتقاد واسع انه ضمن واجبهم الديني هو مساعدة الكيان الصهيوني واستمرار وجوده، وان استمرار وجود العالم مرتبط مع استمرار بقاء هذا الكيان الأمني الإداري العسكري في الحياة على ارض دولة فلسطين المحتلة، لذلك هناك اعتقاد عند هؤلاء الطائفة من اتباع الديانة المسيحية انهم ملزمين "دينيا" بهذا الدعم، اذن ليست المصلحة والمنفعة هي فقط الحاكمة في العلاقة مع الصين.

يعرف الباحث الدكتور يوسف الحسن «المسيحية الصهيونية» في كتابه «البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي» بأنها «مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين مسيحيين، بخاصة بين قيادات وأتباع كنائس بروتستانتية، تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقاً تاريخياً ودينياً لليهود، ودعمها بشكل مباشر وغير مباشر باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة - فلسطين - هي برهان على صدق التوراة، وعلى اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية، وحجر الزاوية في الدعم الشديد لهؤلاء المسيحيين لإسرائيل هو الصلة بين «دولة إسرائيل» المعاصرة وإسرائيل التوراة، لذلك أُطلق على هذه الاتجاهات الصهيونية في الحركة الأصولية اسم الصهيونية المسيحية».

يقول الأب ديفيد نويهاوس اليسوعى في ندوة عقدت في كنيسة السريان الأرثوذكس في العاصمة الأردنية عمان: «المصطلح حديث نسبيًا، لكنه يشير إلى نوع من الفكر المسيحي الذي هو أقدم من الصهيونية، ويمكن أن يوجد خاصة في عدة كنائس غير تقليدية، بالتحديد في المناطق الانجلوساكسونية «أمريكا وبريطانيا» والعالم الأوروبي الشمالي «هولندا وإسكندنافيا»، وانتشرت في القرن التاسع عشر، وبينما تطورت الصهيونية بشكلها العام كأيديولوجية سياسية اجتماعية في الأساس، فإن المسيحية الصهيونية هي أيديولوجية دينية بحتة».

ويذكر الأستاذ مدحت صفوت في دراسة له حول هذا الموضوع التالي:

"تتعدد أسماء ومصطلحات «المسيحية الصهيونية»، منها: الأُصولية اليمينية، والألفية التدبيرية، والإنجيلية المتشددة، ويتبعها كنائس وفرق عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها، أبرزها شهود يهوا، والطائفة البيوريتانية، والحركة المونتانية، ومؤتمر القيادة المسيحية الوطنية من أجل إسرائيل، وفرقة المجيئيين، والسبتيون، والخمسينية، ومؤسسة جبل المعبد، والميثوديست «الميثودية»، جماعة ميجا، فرسان الهيكل «المعبد»، واللوبى اليهودي الصهيوني، والمائدة المستديرة الدينية، والرابطة الأممية لمكافحة العنصرية، والائتلاف الأمريكي للقيم الأخلاقية، والحركة المونتانية التي ترجع إلى الكاهن مونتانوس الذى أعلن عن معمدانيته، مدعيًا أنه صوت الروح القدس، وحصوله تدبيرًا خاصًا، وتنبأ برجوع المسيح إلى الأرض خلال وقت قريب.

وتتعدد أيضا الشخصيات العامة الدينية والسياسية الداعمة أو المتبينة للرؤية المسيحية الصهيونية، في مقدمتهم القس جون مكدونالد، الذى طالما ردد «يا سفراء أمريكا انهضوا، واستعدوا لإسماع بشرى السعادة والخلاص لأبناء شعب منقذكم، الذين يعانون من الظلم، أرسلوا أبناءهم واستخدموا أموالهم في سبيل تحقيق الرسالة الإلهية»، قاصدًا نبوءة النبي يشعياهو، بعودة اليهود!

وتؤمن الشخصيات السياسية الصهيونية في الولايات المتحدة، أنها تساعد الله في مخططاته التوراتية الإنجيلية المقررة سلفاً لنهاية العالم!، كما ينتمى أغلبهم إلى «الطائفة التدبيرية»، التي ترى أن كل شيء من تدبير الله ومقدر سلفًا، وما على الإنسان إلا السعي لتنفيذ هذا المقدور، وأشهر قساوستها جيري فولويل، وجيمي سواجارت، والقس الشهر بات روبرتسون، وجيمي بيكر، وأورال روبرتس، كنيت كوبلاند، وريكس همبرد.

ويعتقد السياسيون الأمريكيون المتصهينون أن المسيح يأخذ بأيدهم، وأنهم يقودون معركة هرمجدون، التي ستقع في منطقة الشرق الأوسط!! ويصرح كثيرون منهم بالسبب الديني لدعم إسرائيل، الأمر الذي سبق أن ردده مثلا الرئيس الأمريكي ليندون جونسون «1963 -1973»، قائلًا أمام جمعية «أبناء العهد»: «إنني مستعد للدفاع عن إسرائيل تماماً كما يدافع جنودنا عن فيتنام. وإن بعضكم، إن لم يكن كلكم، لديكم روابط عميقة بأرض إسرائيل مثلى تمامًا، لأن إيماني المسيحي ينبع منكم، وقصص التوراة منقوشة في ذاكرتي، تماماً مثل قصص الكفاح البطولي ليهود العصر الحديث، من أجل الخلاص من القهر والاضطهاد».

ويرى كثير من الباحثين أن عددًا من رؤساء الولايات المتحدة ينتمون عقائديًا وإيديولوجيًا إلى المسيحية الصهيونية، من بينهم: وودرو ويلسون «1913 - 1921»، وهاري ترومان «1945 - 1953» صاحب جريمة القنبلة النووية، ودوايت أيزنهاور «1953 - 1961»، وليندون جونسون «1963 - 1973»، وريتشارد نيكسون «1969 - 1974»، جيمي كارتر «1977 - 1981»، رونالد ريجان «1981 - 1988»، وعائلة بوش الأب والابن، وكذلك وزير الخارجية الأمريكي الحالي جون كيري، اليهودي الأصل، الذى كان يعد المكافح الأول عن أمن إسرائيل خلال العشرين عام التي قضاها في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأكد مرارًا أنه لن يتنازل عن حق إسرائيل في العيش الآمن، وكتبت عنه جريدة جيروزلم بوست الصهيونية، أنه يظهر كل المعايير والاستطلاعات دعمًا مطلقًا للكيان. "

"تختلط المرامي والأهداف التي يسعى إليها «المسيحيون الصهاينة» بين دينية وسياسية، تتمثل الأخيرة في استمرار السياسات الاستعمارية ونهب ثروات الشرق وإبقاء الدول العربية دومًا تحت نيران المشكلات السياسية والعسكرية، واستنزاف طاقاتها في معارك بدلًا من التفرغ لبناء ذاتها، ودينيًا تعمل على تثبيت شرعية الكيان الإسرائيلي على أساس أنه تحقيق للنبوءات التوراتية، ودعم إعادة بناء الهيكل، والتعجيل بعودة المسيح!!

وتتفق الصهيونية مع اليمين الأمريكي في عدد من التقاطعات، منها: «أن كل مسيحي يجب أن يؤمن بالعودة الثانية للمسيح، وأن قيام إسرائيل واحتلال القدس هما إشارتان إلهيتان بقرب العودة الثانية للمسيح، وبناءً على ذلك، فإن جميع أشكال الدعم لإسرائيل ليس أمرًا اختيارًا، وإنما قضاء إلهى لأنه يؤيد ويُسرع قدوم المسيح، وبالتالي فإن كل من يقف ضد إسرائيل يعتبر عدوًا للمسيحية وعدوا لله بالذات»."

المحور الثالث:

هو استمرار الظاهرة البكائية اليهودية على ما يسمونه "مذابح الهولوكوست"، وعلى " الحلب المستمر المتواصل" لعقدة الذنب الاوربية الامريكية وتقصيرهم مع اليهود ؟! ويذكر الأستاذ حسني محلى بهذا المسألة التالي: "في 27 كانون الثاني/يناير من كلّ عام، يحيي العالم المتعاطف مع اليهود و"دولتهم" العنصرية "إسرائيل"، العنصرية وفق لجنة العفو الدولية في بيانها الذي أصدرته 2 شباط/فبراير 2022، اليوم العالمي لما يُسمى "الهولوكوست"، أي المحرقة النازية ضد اليهود.

كالعادة، وتحت الضغوط النفسية التي يتعرض لها كلّ من ينكر هذه المحرقة أو يشكّك فيها، استغلَّت الصهيونية العالمية هذه المناسبة لكسب المزيد من التأييد السياسي والتضامن العاطفي مع مقولاتها، وبالتالي مشاريعها الاستيطانية في فلسطين، كأنّ الذين "أحرقوا اليهود في غرف الغاز" هم الفلسطينيون، وليسوا الألمان، كما يقولون.

ولو تجاهلنا ما قامت به النازية الهتلرية ضد الغجر والشيوعيين وأصحاب العاهات الجسدية والنفسية، ومواطني بولندا من السلاف أيضاً، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن مليون منهم، فما علينا إلا أن نعترف للصّهيونية العالمية بنجاحها الباهر في قصة المحرقة منذ بدايتها، وهي طرف فيها أساساً، إذ حقّقت من خلال قصّة المحرقة مكاسب مادية وسياسية وأيديولوجية ساعدتها على تحقيق الحلم اليهودي لإقامة "الدولة اليهودية" في "أرض الميعاد" فلسطين، "بعد أن خيّرت يهود أوروبا" بين البقاء في أوطانهم والموت في غرف الغاز النازية أو الهجرة فوراً إلى فلسطين والعيش في نعيم بين أشقائهم اليهود من جميع أنحاء العالم قرب حائط المبكى".

وهذا ما تؤكده الباحثة لميس اندوني حيث تكتب الاتي:" احتكار الألم كمفهوم عنصري يلتحف بادّعاء إنسانيٍّ مزيف سلوك توظفه كل الأنظمة الاستعمارية والعنصرية، وإلا، كيف يمكن تبرير ارتكاب المجازر ونهب الشعوب؟ لا عجب أنه في صلب تكوين المشروع الصهيوني والممارسات الإسرائيلية، فالمستوطن أحق بالأرض، لأنه يعشق الخضرة، والمستوطن أحقّ بالمياه لأنه يفهم ضرورة الاستحمام ولا بأس من سحب مياه القرى الفلسطينية إلى المستوطنات لإقامة برك السباحة، ولا مساواة في الاحتياجات ولا في الفرح ولا في الألم.

احتكار الألم من أهم أسلحة المشروع الصهيوني وإسرائيل. صحيحٌ أن ردّة الفعل على جريمة المحرقة تستدعي ضمان عدم تكرارها، وهو الشعار الذي جرى رفعه بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المنظمات الصهيونية تبنّته لتبرير كل الجرائم التي ارتُكبت لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولضمان استمرار توسّعها، وأصبح شعارا لضمان صمت العالم."

اذن هذه الثلاثية من المحاور ليس لها وجود داخل القطب الإمبراطوري الصيني إذا صح التعبير حيث ينظرون لمنطقتنا من باب مصالح تجارية واستفادة مالية وموقع ضمن خطتهم لأعادة رسم طرق التجارة البحرية والبرية للتجارة الدولية والتي منطقتنا جزء أساسي منها، وأيضا هذه الطرق التجارية الجديدة تضرب الخطوط التجارية القديمة المرسومة ضمن المصالح الانجلوساكسونية الاطلسية إذا صح التعبير مع مواقع التحكم والسيطرة البريطانية الامريكية القديمة والتي تم تجديدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ان الإمبراطورية الصينية تبحث عن "شريك" أفضل لهم ومن يقدم لها عروض خدمية مريحة تلبى مصالحهم وخطط امبراطوريتهم الناهضة للتواجد والوجد في عالم متعدد الأقطاب وهي ليست لديها أي من المحاور الثلاثة الموجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، الذي لا يستطيع الفكاك والهروب من الحركة الصهيونية العالمية او تجاهلها حتى لو كان هناك ضرر مباشر عليهم ك "بلدان " ودول" و"مجتمعات.

ويؤكد ذلك الباحث توفيق سلام حيث يقول: " يقدّم نهج الصين الآخذ في التطور لمحة عن الأسلوب الذي تنتهجه لتعزيز مصالحها مع بلدان العالم المختلفة. فهي تعتمد في علاقاتها الخارجية على عدد من الأبعاد المترابطة أهمها: أولاً، إعطاء الأولوية للمصالح الصينية المباشرة والمحددة بدقة وتأمينها، وثانيًا محاولة تسهيل حل النزاعات، وثالثًا السعي لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى.

فالصين تركز على تأمين مصالحها الخاصة، أي الحماية المادية لاستثماراتها، وهي في ذلك تتوقع تعاون شركائها ودعمهم للمصالح الأمنية الصينية"

" وتوظف سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الداخلية المتمثلة في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتقدم العلمي والتكنولوجي وحماية الأمن القومي. وتنظر إلى احتدام الصراع والهيمنة الأمريكية على العالم بالأخطار المهددة لها، التي تقوض مصالحها في ظل سياسة القطب الواحد، في مواجهة المنافسين، من خلال فرض قراراتها على حلفائها بمهاجمة الخصم أو فرض شروط على منتجاته الاقتصادية، أو تقنياته"

"تهتم الصين بمنطقة الخليج بشقيه العربي والإيراني، حيث تستورد ما يقرب من 60 في المائة من إمدادات الطاقة وتحتاج إلى الاطمئنان لحضور ترتيبات أمنية تحول دون تهديد شبكات النفط والغاز الطبيعي ودون تهديد تجارتهما. كما أن اهتمام السياسة الخارجية الصينية بعموم الشرق الأوسط وبالقارة الإفريقية يعود إلى أولوية التبادل التجاري والاستثمارات والمساعدات التنموية بين الصين وبين المنطقتين اللتين فيهما أسواق واسعة، ومواد خام هائلة ونقص بالغ في البنى التحتية الأساسية وشبكات المواصلات والنقل والاتصالات، ولا تحصلان على الكثير من الاستثمارات الغربية.

فالصين لا تنظر إلى في سياستها الخارجية كمجال لفرض انحيازها الأيديولوجية على الآخرين بتصنيفات الصديق والعدو، أو بالربط بين التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات التنموية، وبين الاستجابة إلى شروط سياسية أو اقتصادية بعينها، أو برهن العلاقات الجيدة مع دول إقليم معين بحضور علاقات سلام وتعاون بين تلك الدول وبعضها البعض. وتقدم منطقة الخليج على وجه خاص ومنطقة الشرق الأوسط في العموم أمثلة واضحة على غياب المشروطية عن السياسات الصينية.

فالأولوية الكبرى هي تحفيز النمو الاقتصادي في الداخل من خلال زيادة التبادل التجاري مع جميع دول العالم وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى البنى التحتية في دول الجنوب. ذلك أن الصين صارت الشريك التجاري الأول لجميع دول المنطقتين، وتستورد احتياجاتها من الطاقة من إيران والسعودية وروسيا ودول إفريقية. ولها اتفاقات تعاون استراتيجي وشراكات واسعة مع إيران والسعودية، وكذلك مع إسرائيل وتركيا دون أن تلتفت إلى طبيعة العلاقات بين تلك الدول وبعضها البعض. وسياستها هي أقرب ما تكون إلى ما يشار إليه أحيانًا في أدبيات العلاقات الدولية بسياسة "الخيمة الكبيرة" التي تعني بناء التحالفات وزيادة التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات مع دول الجوار، والدول في المناطق الهامة لمصالحها دون النظر لانحيازات ايديولوجية، أو لاعتبارات سياسية. وفيما يخص الشرق الأوسط، فإن الصين لم تأت إلى المنطقة كقوة غزو واحتلال على عكس ما فعلت القوى الاستعمارية الأوروبية في الماضي البعيد"

ولا يعني ذلك غياب العلاقة بين الكيان الصهيوني والصين؟ فهم تجار وامبراطورية مصلحية فهم من بنوا ميناء حيفا في فلسطين المحتلة وأيضا كما تذكر الباحثة تمارا حداد "الصين واسرائيل العلاقة بينهما قوية بالتحديد في المنحى الاقتصادية وتصدير البضائع الصينية وغيرها لمناطق السلطة الفلسطينية أو ادخالها لغزة كون اسرائيل المسيطر الوحيد على المعابر التجارية ناهيك عن تصديرها لمنطقة الشرق الاوسط، وكما ان الصين غير معنية بتضييق العلاقة مع اسرائيل حيث يتواجد داخل الكيان الصهيوني قواعد استخباراتية لتجميع المعلومات عن منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد منطقة البحر الاحمر وأفريقيا والصين معنية تماماً في تلك المعلومات وبالتحديد أن الصين تملك قواعد عسكرية في البحر الاحمر قبالة الصومال وغيرها الأمر الذي بحاجة لتنسيق أمني وعسكري واقتصادي بين الصين واسرائيل."

ولكن نحن نقول ان شكل العلاقة مختلف وليس ذوو ارتباط عضوي دموي إذا صح التعبير وليست مصارين وامعاء الصهاينة متداخلة مع مصارين وامعاء الصينين كما هو حاصل مع الغرب.

اذن علينا نحن العرب ان نتحرك ب "مشروعنا العربي النهضوي" الذي يؤمن بالوحدة العربية المبنية على أساس علمي واقعي يرتبط بتعزيز الإدارات والنظام وحكم القانون وأيضا التنسيق العربي المشترك والتضامن بين الدول بما يخدم الأنظمة الرسمية والشعوب العربية التي تعيش حاليا في هذه الأقطار المنقسمة حسب تفصال مصالح بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية لما بعد الحرب العالمية الاولي وهذه المصالح حاليا ستختلف وتتعارض مع الأقطاب الدولية القادمة للتحكم في المشهد الدولي , فاذا لم يسبق "عرب سايس بيكو" اذا صح التعبير انفسهم فأن خارطة جديدة مبنية على مصالح الأقطاب الدوليين الجدد ستعيد انشاء دول جديدة ومواقع حكم مستحدثة نفس ما حصل بعد انهيار الدولة العثمانية, فالأفضل ان يستبق النظام الرسمي العربي ذلك قبل ان لا يطبر طيره كما يقول المثل الكويتي الشعبي , لذلك الوحدة العربية هي قدر "مصلحي" وليست اختيار "عاطفي".

وضمن هذه الاجواء علينا ان نعيد التذكير في نشاطات مركز دراسات الوحدة العربية المكثفة بقيادة المرحوم الدكتور خير الدين حسيب والذي اجتمعت معه بالعام 2010 ومرة أخرى في العام 2011 وكان ضمن نقاشاتنا هذا الموضوع بالذات وما قام به المركز من نشاطات.

وذكر لي الدكتور خير الدين حسيب انه المركز يعمل على هذه المسالة بشكل مكثف وهنا اجد من المناسب ان اقتبس فقرات مهمة من المشروع النهضوي العربي كما جاء في الكتيب المهم الذي اهداني إياه المرحوم الدكتور خير الدين حسيب لكي اطلع عليه وابدي ملاحظاتي عليه والنصوص التالية من هذا الكتيب المعنون ب "المشروع النهضوي العربي نداء المستقبل" حيث يذكر الاتي : "عقد المركز هذه الندوة في فاس في عام 2001، وشارك فيها ما يزيد على المئة باحث من التيارات الفكرية كافة، تناولت بحوثُها ومناقشاتُها – على مدار أربعة أيام – القضايا النهضوية الست التي تشكل أهداف المشروع وهي: الوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدُّد الحضاري."

"وشكَّل المركز، عقب الندوة مباشرة، لجنة صياغة مخطط المشروع " و"لقد حرص مركز دراسات الوحدة العربية، منذ بداية عمله على هذا المشروع، على مشاركة التيارات الفكرية كافة في إنجازه (من قوميين وإسلاميين ويساريين وليبراليين) حتى يأتي ممثِّلاً لنظرةَ الأطياف الفكرية والسياسية كافة بحسبانه مشروعاً للأمة جمعاء لا لفريقٍ منها دون آخر. ولقد كان الجميع مشاركاً في المراحل كافة: من إعداد المقترحات والتصورات، إلى فرق العمل التي ناقشت المخطط وأقرَّته، إلى الباحثين والمشاركين في ندوة فاس، إلى أعضاء لجنة الصياغة وفريق التحرير. وها هو المركز يطرح “المشروع النهضوي العربي” في صورته النهائية على الأمة، واثقاً من أنه سوف يكون دافعاً قوياً لنضالها من أجل تجسيد أهدافه الستة في الواقع العربي، وناظماً فعّالاً لهذا النضال."

هذا المشروع المكتوب امر جيد ومجهود مهم يمثل خارطة طريق "ابتدائية" يستطيع النظام الرسمي العربي ان يستخدمها وان يتحرك على الأقل بأي نقطة من النقاط التي اثارها والتي تمثل مساحة مشتركة اتفق عليها مجموعة مهمة من الكتاب والمثقفين العرب من مختلف الاتجاهات والتيارات الذين ادوا ما عليهم من "رسالة الكلمة" اذا صح التعبير , ولكن هي صرخة في الوادي لن تكون الا رسالة منسية في التاريخ ما لم تتحرك في خط التطبيق والحركة الواقعية في التنفيذ وهذا دور من لديهم مواقع السلطة والحكم والقرار في النظام الرسمي العربي الذين اذا لم يصحوا من غفلتهم فأن سايس بيكو الجديد القادم مع "تعدد الأقطاب" لن يتركهم نائمين بل سيوقظهم مع ما سيتم تأسيسه من دول ومواقع للحكم جديدة على كل منطقتنا العربية , فالأفضل لهم كما ذكرنا بالأعلى ان يتغدوا قبل ان يتعشى بهم الأقطاب الدولية الجديدة.

ان علينا ك "عرب" ان ننطلق من مواقع قوتنا لكي ننهض ونعيش دورنا الحضاري المطلوب منا في هذا العالم , اما الاستسلام وثقافة الهزيمة والانغلاق , فأنها لم تنفعنا بشيء منذ وفاة المرحوم جمال عبد الناصر "الشخص" , والانقلاب على مشروعه التغييري في الواقع العربي , ان على النظام الرسمي العربي ان يصحى من نومه وغيبوبته قبل ان يتم إخراجه بحكم الواقع من معادلات الحكم والسيطرة والقرار ,و هذا الخروج حتمي مع عالم متعدد الأقطاب القادم لكل العالم لكي يغير ما فيه من قواعد اللعبة , وعلي شعبنا العربي ان يغير ما في نفسه لكي يغير المجتمع من حوله وان يتحرك في صناعة شخصيته العربية القومية من خلال ثقافة قرأنية حركية عاقلة تصنع له شخصيته الثقافية والمعرفية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ومن القران الكريم يستلهم التجربة والقدوة والنموذج الذي يعطيه الدافع الذاتي لكي يخرج من الاستحمار الشيطاني ليعيش النباهة القرأنية الاصيلة لما تقدمه الآيات من إعادة صناعة الانسان العربي المسلم , وليس هناك مستحيل ما دام لنا عقل يفكر وجسد ينبض بالحياة وأيضا الرغبة في التغيير وإعادة الساعة الى التوقيت العربي الإسلامي بعيدا عن الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبعيدا عن أي اقطاب دولية أخرى , فليكن لنا مشروعنا العربي المستقل وليكن لنا قرارنا النابع من مصالحنا وعند ذلك فأننا سنكون احرار "مستقلين" في الموقف وأصحاب رأي وقيمة معرفية ننطلق كالسيل الجارف لأعادة صناعة حضارتنا العربية الإسلامية من جديد.

***

د.عادل رضا

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب في الشئوون العربية والاسلامية

معركة وادي المقطع 17 جوان 1835 فيها أطاح الأمير عبد القادر بالجنرال تريزل

لم يكن الهدف المركزي للأمير عبد القادر هو المجد العسكري، وإنما كان بناء دولة جديدة على أطلال البايلك العثماني، دولة جزائرية حديثة برؤية معاصرة متفتحة، لم يكن الأمير عبد القادر بالرجل العادي، بل كان يفكر بعمق ويطلق العنان لفكره إلى الأعلى فكان مفكرا تنويريا، إلا أن خصومه وأعداؤه لم يستوعبوا تقدم فكره التنويري المرحلة التي كانت تعيشها الجزائر آنذاك رسم فيها طريقا لمن يأتي بعده، فراحوا يطعنون فيه ويوجهون له تهمة الانتماء للماسونية بغية إجهاض مشروعه في بناء الدولة الجزائرية

المتتبع لمسيرة الأمير عبد القادر الجزائر يقف على أن الرجل أول من وضع الأسس الأولى لدولة جزائرية حديثة، فتحت تأثير القوى التهديمية القوية التي كانت تهز المجتمع الجزائري ومقاومة بعض الأرستقراطيات القبلية والطرق الدينية لمنطق المركزية الحكومية التي بادر بها الأمير، وكذلك بسبب تخلي سلطات المغرب عنه، رغم ذلك تحقق المشروع، كانت دولة الأمير عبد القادر لها إسلاميتها وأسسها القانونية ومظاهرها الأخلاقية وعصريتها، تقول الكتابات أن بيعة العروش والقبائل للأمير عبد القادر تمت في الثالث عشر من رمضان سنة ثمان وأربعين ومائتي وألف (1248)، وجرت بوثائق صدرت من زعماء غريس، فقبل الأمير عبد القادر بيعتهم، ونهض لجمع كلمتهم نهوض الزعيم، وقد ركز الأمير عبد القادر على مؤسسة الجيش، من خلال صناعة الأسلحة والمعدات الحربية، ولم يهدا له بال حتى يطرد الاستعمار من أرضه، كما أسس في تلمسان مصنعا للمدافع، وكان له مصنعا للسلاح في مليانة، فكان القائد الأعلى في مقاومة المستعمر، وفي تنوير الجيل من الشباب المسلم، وغرس فيه ثقافة المرابطة، وإعداده الإعداد الجيد لتحمل المسؤوليات الجسام.

من قال ان الرجل الذي ينتهي نسبه إلى شجرة أهل البيت يتخلى عن دينه وينتمي إلى الماسونية، فالأمير عبد القادر يرجع نسبه إلى محمد بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجة الإمام علي بن أبي طالب بن عمّ الرسول، كان أجداده يقطنون المدينة المنورة وأول من هاجر منهم هو إدريس الأكبر الذي صار سلطان المغرب وشيد مدينة فاس، فتطور نسله وتفرق ابناؤه، إلى أن وصلت عائلته في غريس قرب مدينة معسكر، ولكونه كان جديرا بالثقة والتقدير اتجهت إليه كلمة العلماء والأعيان لتحمله مسؤولية الجهاد، حيث وتمت مبايعته في يوم 27 من نوفمبر عام 1832 ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، واستمرت هده المقاومة حتى عام 1847، ظهر فيها الأمير عبد القادر رجل حرب وسياسة وحكمة ورجل ثقافة وأدب ورجل دين، واجه الاستعمار وجيشه بصبر وثبات رغم خيانة بعض الأنظمة العربية خشية على عروشها من بطش فرنسا .

أعد الأمير عبد القادر في إطار مواجهته الاستعمار الفرنسي، جيشا شبه منظم من متطوعي القبائل ومن أتباعه تجاوز 50 ألف رجل من المشاة، وأكثر من 2000 من الفرسان وبعض قطع المدفعية، ونجح في العديد من المعارك، في حنق النطاح الأولى والثانية وبرج العين عام 1832 في الغرب الجزائري، كان لها صدى كبير على الرأي العام الفرنسي، وأجبر العدو على إبرام اتفاقية مع الأمير عبد القادر اعترف فيها الفرنسيون بسيادة دولة الأمير عبد القادر في إقليمها، مما سمحت للأمير من تنظيم جيشه وتعيين عدة ولاة له على الولايات الداخلية، ولكن سلطته وصلت إلى أقصى الجنوب الأغواط وأقصى الشرق سطيف، لم تمر سنة الهدنة بسلام، حيث وصلت جيوش عسكرية من وراء البحر يقودها جنرالات، وبدأوا في تحريض شيوخ القبائل بالمال للتمرد على دولة الأمير عبد القادر، الأمر الذي أرغم الأمير على العودة إلى الحرب على الفرنسيين، فانتصر في عدة معارك منها معركة وادي المقطع قرب سيق في 17 جوان 1835، ألحق فيها بالجنرال تريزل trezil، شرّ هزيمة، وأصاب من قواته ما يفوق 700 عسكري، ثم كانت واقعة " التافنة" التي انهزم فيها الجنرال بيجو وجيوشه، لم تقبل فرنسا بهذه الهزيمة، حيث شكلت قوة عسكرية كبيرة قصد القضاء على دولة الأمير وطرده إلى المغرب، وإتمام غزو الجنوب الجزائري، بعد أن دخلت جيوشها قسنطينة عام 1937 وسيطرت على أغلب مناطق الشرق الجزائري، وعرف ما سمي بممارسة الأرض المحروقة، واستمر تكالب الاستعمار على دولة الأمير ووضع نهاية له، حيث هاجمت التخوم التي كان يقوم عليها جيشه، فانسحب إلى الونشريس وأنشا عاصمة “الزمالة” عام 1841 ثم هاجمته في 16 ماي 1843 بتاغيت جنوب بوغار، استشهد كثير من المجاهدين.

يؤكد المؤرخون أن إمارة الأمير عبد القادر بن محي الدين كانت شرعية ومعقولة، وقد بين الأمير عبد القادر في أكثر من مناسبة لأتباعه الذين بايعوه بالإمارة قائلا لهم: "إذا كنت قد رضيت بالإمارة، فإنما ليكون لي حق السير في الطليعة والسير بكم في المعارك في سبيل الله"، فقد قبل الأمير عبد القادر الإمارة في وقت الشدة والضيق قصد رفع الظلم على الجزائريين ودفعا للفساد وإرهاب الاستعمار الفرنسي، والإمارة عنده تعني الطاعة لله والجهاد من أجل إحياء راية الإسلام وهي مهمة ليست سهلة، ولكن إيمان الرجل بدينه ووطنه مكنه من توحيد القبائل في الغرب، وتأديب الخونة الذين تعاونوا مع الاستعمار، فزاد حقد فرنسا على الأمير عبد القادر وهو يؤسس جيشا قويا، حيث تراءى لها أن الإنتصار عليه بالسلاح أمر صعب وبعيد المنال، فلجأت إلى الدسّ والمؤامرات بمساعدة الخونة الذين تنكروا لوطنهم وأصبحوا يؤيدون فرنسا، وبواسطة الجنرال بيجو بدأت فرنسا تلاحق الأمير عبد القادر في مكان محصور من الصحراء حتى تجبره على الاستسلام، فأرسل بيجو فرقة خاصة بزيّ مناضلين جزائريين وأدخل فيها عدد من الخونة المؤيدين للحكام الفرنسيين والمناوئين للأمير عبد القادر، وتمكنوا من خداع الأمير الذي ظن أن الفرقة جاءت لمساعدته.

ولما انكشفت حقيقتهم كانت المقاومة غير مجدية لأن الأمير ومن معه لم يكونوا مسلحين وهم يستقبلون الإخوة المزيفون، وفي معركة "الزمالة" أحاط الفرنسيون بالمدينة واستولوا على ممتلكات الأمير ومن معه، كانت هذه المعركة بداية نهاية الأمير عبد القادر الذي اضطر للاستسلام بعدما رأى القبائل تتناحر وسط نيران فرنسا، ونار سلطان مراكش الذي خذله، سلم الأمير عبد القادر نفسه لفرنسا وفق شروط وهي أن يحمل متاعه وأسرته إلى عكة أو الإسكندرية، وألا تتعرض فرنسا لمن يريد السفر من الضباط والعساكر معه، وأن الذي يبقى بالوطن من الجزائريين يكون أمينا على نفسه وماله، وكان له ما أراد، وقد سلم الأمير عبد القادر سيفه هدية للدوق دومال قائلا: إني أحسب هذا شرفا قدم لفرنسا، ورغم ذلك وقع الأمير عبد القادر في فخ الخيانة من جديد، ففرنسا لم تعمل بما تم الإتفاق عليه، حيث كانت سنة 1848 السنة التي تقلص فيها ظل الأمير عبد القادر من وجهة نظر فرنسية.

رغم استسلام الأمير عبد القادر للجيش الفرنسي من أجل حقن دماء الجزائريين وإنقاذهم من الهلاك وإعلان نهاية معركته في 1847م، لم تتوقف "المسيرة" بل ظلت مستمرة، وخلفا لأبيهم، فقد حمل أبناء الأمير عبد القادر (عبد المالك وعبد الكريم) راية الجهاد ضد الإستعمار الفرنسي، انطلاقا من المغرب الأقصى، والأمير عبد المالك الجزائري هو الابن الثاني قبل الأخير للأمير عبد القادر الذي ولد بدمشق سنة 1285ه/ 1868م بعد تم نفي العائلة، فكان مستقرها بسوريا، وفيها وجهت له تهمة الانتماء إلى الماسونية، وتعريض صورته لحملات التشويه، لكن الأقلام التي دافعت عن الأمير عبد القادر ورفعت عنه التهمة كانت قليلة جدا، تشير بعض الكتابات أن الكولونيل وليام تشرشل صاحب كتاب "حياة عبد القادر"، هو من روج لهذه الدعاية، حيث انتشرت وأذاعها مفكرون عرب، كأمثال جرجي زيدا، فما كان على الحركة الماسونية إلا أن تستغل هذه الدعاية لصالحها، وتستثمر في الأحداث التي وقعت في سوريا عام 1860م على خلفية إنقاذه 15 ألف مسيحي في دمشق من أجل القضاء على الطائفية، فبثت سمومها بأن الأمير عبد القادر انتسب لمحافلها.

حدث ذلك بعد وفاة الأمير عبد القادر، ولو كان على قيد الحياة لكان رده عنيفا، لكن صوت ليبي أطلق العنان لقلمه ليرد على هذه الادعاءات الكاذبة، فلم ينصر الأمير عبد القادر وحده، بل نصر الشعب الجزائري كله، إنه المؤرخ والمفكر علي الصلابي الذي تحدث عن التجربة الماسونية في مقال مطول نشر بموقع الجزيرة، وقال أنها (اي التجربة الماسونية) لم تقف عند اتهام الأمير عبد القادر بالانتماء لها، بل هي جزء من الحركة الاستعمارية الفرنسية، كما ذكر بعض الأسماء التي تحدثت عن المؤامرة التي حيكت خيوطها ضد الأمير علد القادر الجزائري، ورغم تأسيس مؤسسة تحمل اسمه، تمنينا لو قامت هذه المؤسسة بمبادرة ترد فيها على فرنسا وحلفائها من الماسونيين والصهاينة وترفع التهمة عن الأمير عبد القادر وتفضح كل من اساء لهذا المقاوم سواء في الداخل او الخارج.

كانت لنا مساهمة يسيرة في ذكر خصال الأمير عبد القادر وعائلته في كتابنا الأخير الذي حمل عنوان: "أنثروبولوجيا الجزائر وصراع الهوية والوطنية" وخصّصنا له محورا كاملا تحت عنوان: " في دولة الأمير عبد القادر" (و تستمرّ المسيرة)، عندما قرر الأمير عبد القادر تنفيذ وصية والده محي الدين حين عقد له اللواء وأمره بأن يقاوم بكل ما أوتي من قوة، وقد كلفه أبوه أن يكون على رأس جيش عرمرم ليواجه العدو في واقعة برج رأس الطين، ودامت المعارك أياما وكان النصر حليفه، وحظي بمبايعة الجزائريين له، وفي مقدمتهم أعيان غريس وشرفائها وعلمائها، وهي القبيلة التي ينتسب إليها الأمير عبد القادر، كما بايعته القبائل المجاورة، وأفهموه أن الوطن بحاجة ماسة لمن يدافع عنه، واستجاب الأمير عبد القادر لدعوة أبيه وقال له: (أنا لها أنا لها)، وخيّم القوم عند شجرة "الدردرة" وهي شجرة عظيمة كان يجتمع إليها الأعيان للشورى كلما دعا الأمر إلى ذلك، وبايعوه ولقبه أبوه بناصر الدين.

كما تحدثنا عن علاقته بالمغرب عندما شيّد جدهم إدريس الأكبر مدينة فاس وأصبح سلطانا عليها وكيف انقلب عليه أحمد باي وأصبح يراه العدو اللدود إلى غاية استسلامه، كان ذلك في 27 ديسمبر 1847 وبحضور الدوق دومال الحاكم العام الجديد في الغزوات، وتم التوقيع على وثيقة التسليم بعد 17 عاما من المقاومة والمعاناة ضد أكبر دولة اوروبية مسيحية وصليبية، وحمل الأمير عبد القادر أسيرا إلى فرنسا حتى عام 1852 ثم إلى دمشق التي توفي بها، وقد عرف الأمير عبد القادر الجزائر بمواقفه النبيلة والمشرفة، فقد كان لا يعترف بقانون سوى القرآن الكريم ولن يكون مرشده غير القرآن الكريم إلى حد أنه صرح أن لو أن أخاه الشقيق قد أحل دمه بمخالفة القرآن لمات، لقد تفطن الأمير عبد القادر بذكائه وتجربته وإخلاصه لدينه ولوطنه في جهاد ضد الإستعمار الفرنسي الصليبي أن أهم عامل من عوامل فَلاحه في جهاده ضد العدوّ هو وحدة الشعب الجزائري ودعم الإخوة في الداخل والأشقاء العرب والمسلمين في الخارج، ثم ياتي قائل أو كاتب يشوّه مسيرة هذا المقاوم وينعته بالماسوني، وتلك هي قمة الخيانة للتاريخ.

***

علجية عيش

بلا شك ولا ريب ولا جدال أن ليبيا شأنها في ذلك شأن كل الدول التي مرت بحروب أهلية قاسية ونزاعات إجتماعية عميقة ودورات متعاقبة من العنف، ولم تستطع تجاوز سنوات الجمر والألام إلا عبر بناء جسر مصالحة حقيقية وعميقة تجب ما قبلها، مصالحة شجاعة تسمو على الضغائن ويتجمع فيها الكل بلا إستثناء تحت مظلة الوطن .إن تحقيق المصالحة الحقيقية والعميقة والوطنية الشاملة في ليبيا يتطلب جهودًا كبيرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات والمجتمع المدني والقيادات السياسية والعسكرية والدينية والاجتماعية. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا:

1- الحوار والتفاوض: يجب على جميع الأطراف المعنية الجلوس معًا للتفاوض على القضايا الحساسة والمتعلقة بالمصالحة الوطنية وتجاوز الخلافات التي تعيق السلام والاستقرار في البلاد. ويتطلب ذلك الاستماع لجميع  الأطراف ومحاولة فهم مواقفهم وتوجيههم نحو الحلول الوطنية.

2- العفو العام: يمكن تحقيق المصالحة الوطنية من خلال العفو العام، الذي يتيح للأطراف المتحاربة والمتنازعة فرصة لتجاوز الماضي والبدء من جديد في بناء مستقبل مشترك. ويجب أن يكون العفو العام مرتبطًا بتحقيق العدالة وتعويض الضحايا.

3- العدالة الانتقالية: يجب على الأطراف المعنية أن تعمل على إحداث تغيير جذري في نظام العدالة وتحقيق العدالة الانتقالية، والتي تهدف إلى معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في الماضي، وتحديد مسؤولية الجناة ومحاسبتهم.

4- التعويض والإعادة وعودة المهجرين والنازحين: يجب على الأطراف المعنية العمل على تعويض الضحايا وإعادة الممتلكات التي تمت سرقتها أو تدميرها خلال النزاعات السابقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الدعم المالي والموارد اللازمة للضحايا وتطبيق قوانين الإعادة والتعويض. أيضاً يجب العمل على إتاحة الظروف وتهيئة الأوضاع لعودة النازحين عن مدنهم وقراهم إلى ديارهم ، وكذلك ضرورة تسهيل عودة المهجرين خارج الوطن إلى ليبيا.

5- الإصلاحات السياسية: يجب على الأطراف المعنية العمل على إحداث إصلاحات سياسية جذرية، من خلال تحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد وإدارة البلاد بطريقة شفافة ومسؤولة، وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية لجميع المواطنين دون تمييز.

6- الدعم الدولي: يمكن للدول الأخرى أن تلعب دورًا مهمًا في تحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا، من خلال تقديم الدعم السياسي والمالي والتقني للأطراف المعنية والمساعدة في تسهيل الحوار والتفاوض. كما يمكن للدول الأخرى تقديم الدعم للعدالة الانتقالية والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تساعد في بناء مستقبل مشترك لليبيا، وذلك بعيداً عن التدخلات الخارجية غير العادلة وغير الحيادية والتي تنطوي على أغراض براغماتية ، والتي من بين أدواتها تأجيج النزاعات والحروب.

إن تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا يتطلب الصبر والتفاني والتعاون من جميع الأطراف المعنية، وكذلك فإن تحقيق هذه المصالحة الشاملة ليس بالأمر الصعب فهناك تجارب مصالحة عالمية جرت في ظروف أسوأ من ذلك ،وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلا تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بشكل كامل. والتي تتطلب أيضاً تضحيات وتنازلات، ولكن إذا تم تبني هذه الخطوات وإدراك الأهمية الحقيقية للمصالحة الشاملة، فإنه يمكن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في البلاد والحفاظ على وحدة الوطن وتعزيز النمو الاقتصادي والسلم الاجتماعي للشعب الليبي.

***

د.ابوبكر خليفة أبوبكر

كاتب راي وباحث وأكاديمي ليبي

الاجتماع أو المؤتمر بين دول الخليج العربي وأمريكا، الذي انتهى في الثامن من يونيو 2023؛ صدر عنه بيان مشترك خليجي أمريكي. في هذا البيان تمت دعوة إيران إلى التجاوب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والإشادة بإعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى ملفات أخرى تطرق لها البيان. المؤتمر في حد ذاته يؤكد أن العلاقات بين أمريكا ودول الخليج العربي، لم تزل تستند إلى قواعد قوية وراسخة وإن شابها في الفترة الأخيرة بعض الفتور وبالذات بين أمريكا بايدن والمملكة العربية السعودية.

كما أن ملف التطبيع مع إسرائيل، وإن لم يتطرق له البيان، إلا أنه كان في صلب هذه المؤتمر؛ استنادا إلى التصريحات الصحافية لوزيري خارجية السعودية وأمريكا. وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحافي مع نظيره الأمريكي؛ وصف التطبيع مع إسرائيل بأنه مهم ومفيد جدا لجميع دول المنطقة، لكن لا يمكن لهذا التطبيع أن يتحول إلى واقع، إلا بإيجاد طريق سلمي لحل قضية الشعب الفلسطيني، ومسار لحل الدولتين، ولم يقل إقامة دولة ذات سيادة للفلسطينيين، بل مسارا لحل الدولتين.. ولم يذكر الوزير السعودي؛ المبادرة العربية، وهي مبادرة سعودية وضعها المرحوم الملك عبدالله؛ كقاعدة وأساس لا حياد عنهما في وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي.

البيان الخليجي الأمريكي أشار إلى عملية التطبيع العربي مع النظام السوري؛ مبينا أن على النظام السوري أن يفي بالالتزامات التي تعهد بها، كشرط للتطبيع العربي معه وأضاف، خطوة مقابل خطوة. ما هي هذه الالتزامات؟ لم يقلها، أو لم يكشف عنها، ما يجعل المتابع العربي؛ يطرح الأسئلة عن هذه الالتزامات المطلوبة داخل ملف مغلق بإحكام. من الجانب الثاني وصف الوزير السعودي البرنامج النووي السلمي السعودي؛ بأنه ليس سرا، بل هو معروف للجميع، وأن السعودية ترغب بالعمل على هذا البرنامج مع الشركاء الأمريكيين. كما أن العلاقات الاقتصادية مع الصين ستشهد تطورا، إضافة إلى الشراكة مع الشريك الأمريكي، التي لم تزل قوية حتى الآن. وهي إشارة واضحة، وإن لم يفصح الوزير عنها بما فيه الكفاية؛ إلى أنها رهينة بتطورات المستقبل. المملكة العربية السعودية عازمة على تطوير برنامج نووي سلمي، بدورة وقود كاملة، أي أنها هي من تعمل على إنتاج دورة الوقود النووي، كي يكون في مستوى البرنامج النووي الإيراني، الذي تطور كثيرا مؤخرا، هنا نقطة الخلاف الأمريكي السعودي، حسبما تداولته مؤخرا الصحافة، سواء الروسية أو غيرها. الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتطوير برنامج نووي سعودي، أسوة بالبرنامج النووي الإماراتي، إنما بإشراف أمريكي، ودورة الوقود النووي أمريكية، وهذا ما ترفضه المملكة العربية السعودية. المسؤولون السعوديون يدركون جيدا؛ تأثير اللوبيات اليهودية على صناعة القرار في أمريكا، بالإضافة إلى دول أخرى في الغرب، وحتى في روسيا؛ لذلك تعمل السعودية على تهدئة مجموعات الضغط هذه، منظمة إيباك مثلا؛ بالتجسير بين حافتي؛ الاطمئنان الإسرائيلي إلى أمنها، الذي تريد له أن يكون مستداما، والخوف من المجهول وتقلبات الزمان؛ بالتطبيع في المستقبل القريب مع إسرائيل، إنما بشروط ومقايضات.. السعودية تريد من أمريكا بايدن التي تعمل كما يقول وزير خارجيتها؛ على التسريع بعملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل؛ إقامة أو العمل مع السعودية على تطوير برنامج نووي سلمي بدورة وقود كاملة مع الشريك الأمريكي، وإن امتنعت ستكون المملكة مضطرة إلى الاستعانة بالصين في هذا المجال، أو روسيا. كما أن الشرط الثاني لهذا التطبيع هو تزويد أو بيع السعودية طائرات أمريكية متطورة، أف 35. من السابق لأوانه التنبؤ بالاتفاق أو عدمه بينهما. ومن وجهة نظري أن أمريكا بايدن لن ترضخ للمطالب أو الشروط السعودية، إنما ستستمر بالضغط على الجانب السعودي، حتى يطبع مع إسرائيل. وزير خارجية أمريكا بعد انتهاء المؤتمر الأمريكي الخليجي، وبعد اجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان؛ اتصل بنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، حسب موقع أكسيوس الأمريكي، وأبلغ الاول الأخير ما دار بينه وبين الأمير محمد بن سلمان حول عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأن أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل. كما أن عملية التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة العربية، حسب الموقع أعلاه؛ ستفتح مجالات رحبة وواسعة أمام التطور الإسرائيلي والاندماج في المنطقة. الأمير محمد بن سلمان يتقن اللعبة تماما؛ باستخدام جميع أوراق الضغط التي هي في حوزة السعودية في مجال الطاقة وغيرها، وقد استخدمها فعلا في الأشهر الأخيرة؛ في كسر الإرادة الأمريكية الحالية، بالتعاون الفعال في حقل الطاقة، في سوق النفط، إنتاجا وتسعيرا مع روسيا؛ ونجح بدرجة كبيرة جدا. في النهاية ستكون هناك عملية تطبيع بين السعودية وإسرائيل. في الوقت ذاته وفي تزامن، ربما؛ ستتم الاستعانة بالصين لتطوير برنامج نووي سعودي، بدل الاستعانة بروسيا، وكذلك في تطوير القدرات السعودية في إنتاج الصواريخ وفي غيره. على الرغم من أن إسرائيل لا ترغب في أن تطور السعودية، أو اي دولة أخرى في الخليج العربي، أو في المنطقة العربية عموما؛ قدراتها العسكرية والعلمية، لكنها مع هذا ومع عملية التطبيع معها ستكون مضطرة إلى المجاراة أو الصمت، أو الاعتراض الخافت الخجول، في أكثر التوقعات حدوثا كردود فعل إسرائيلية على التوجه السعودي أو العربي بشكل عام في تطوير القدرات العسكرية والنووية والعلمية؛ لأنها تعلم أن التطبيع ينهي آفاق تهديد وجودها مستقبلا؛ ما يجعل خشيتها من تطورات المستقبل تتراجع بالكامل، أو في أعلى درجات الخوف؛ يكون اعتراضها ضعيفا، بما لا يشكل حاجزا أو مطبات على طريق التوجه العسكري والعلمي السعودي على جميع صعد التطور والتمكَين. إنها لعبة على حساب الشعب الفلسطيني، وإن قيل خلاف هذا، مهما كانت قوته، لا يغير من الواقع أمرا صار مقضيا، من وجهة نظر وتخطيط هؤلاء اللاعبين، وليس لجهة الواقع الموضوعي، الذي تتحكم في مخارجه ومداخله إرادة الشعب الفلسطيني، الذي لم يتخلَ عن ثوابت وطنيته، وتمسكه بأرضه، خلال أكثر من ثلاثة أرباع القرن وإلى الآن. الصحافة العربية والصحافة العبرية، نقلت في اليوم ذاته، الذي أعلن فيه البيان الأمريكي الخليجي؛ عن اجتماع بين الفصائل الفلسطينية، لتتدارس في القاهرة عمن يكون بديل السيد عباس رئيس السلطة الفلسطينية، والبديل كما نقلت هذه الصحافة هو محمد دحلان، رئيس التيار الإصلاحي داخل حركة فتح. لأن السيد عباس رئيس السلطة الفلسطينية، فقد شرعيته منذ عام 2009، فلم تجر انتخابات. حجتها في ترشيح السيد محمد دحلان هو انه يتمتع بعلاقات جيدة داخل فلسطين وفي المحيط العربي والخارجي، إضافة، كما تقول الصحافة إنه قادر على إدارة التفاوض مع إسرائيل، بسبب المقبولية التي يتمتع بها في إسرائيل؛ كشريك تفاوضي مقبول لديها. وكأن إسرائيل لم تتفاوض مع الفلسطينيين خلال أكثر من ثلاثة عقود منذ اتفاقات أوسلو، ولم يتم الاتفاق على إقامة دولة فلسطين، على العكس من هذا؛ تم ابتلاع القسم الأكبر من الضفة الغربية بالمستوطنات، في الحقيقة أن جميع اتفاقات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل؛ مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، كانت تتضمن التعهد أو الالتزام الإسرائيلي مقابل التطبيع معها؛ على التفاوض مع الفلسطينيين على الطريقة التي بها يتم أو تنتهي بإقامة دولة لهم، ولكنها لم تكن أكثر من عملية تخدير ليس إلا، هدف التخطيط الإسرائيلي منها؛ استثمار الزمن لصالح توسعها الاستيطاني، وأقصد هنا ابتلاع كل القدس، والجزء الاهم من الضفة الغربية الذي تتوافر فيه؛ المياه الجوفية. هذه التحركات تطرح الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة عن الذي يدور خلف الأكمة العربية، إن جاز لي هذا التوصيف لما تتعرض له المنطقة العربية، وقضية فلسطين تحديدا؛ من خطط مستقبلية يشوبها الغموض والضبابية، مع انها مغلفة بغلاف التطور والتنمية، الذي هو بانتظار الشعوب العربية؟! اعتقد جازما أن الصراع ليس صراعا فلسطينيا إسرائيليا، بل هو صراع عربي إسرائيلي، وهذا ما يؤكده جميع ما جرى ويجري حتى الآن في المنطقة العربية، وحتى في جوارها الإسلامي، لثلاثة ارباع القرن. إسرائيل أولا وأخيرا كيان إمبريالي في قلب المنطقة العربية؛ يتولى تنفيذ المهام الجيواستراتيجية للمصالح الأمريكية والغربية، التي يراد لها أن تكون مستدامة. مؤخرا في تصريح لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، أكد فيها أن وجود إسرائيل وامن إسرائيل مهم استراتيجيا للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط.

***

مزهر جبر الساعدي

هذه الجملة "موسكو تنتظر"، أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، والذي حضره أيضا رئيس دول الأمارات العربية المتحدة الشيخ محد بن زايد آل نهيان، والرئيس الجزائري المتواجد في روسيا في زيارة رسمية استغرقت أربعة أيام، والذي وصف نظيره الروسي، بأنه صديق للعالم كله مثل الجزائر، وتواجدهم أكد بأن كل الضغوطات الامريكية تجاه الدول العربية لم تثنيهم عن التواجد في روسيا، وهو ما كشف عنه أيضا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع قناة (RT العربية)، عن تعرض دول الخليج لضغوط غربية لمنع تطور علاقاتها مع روسيا، وأكد أن هذه الضغوط لم تثمر، وباءت بالفشل.

وبلهجة واثقة، اكد الرئيس الروسي في كلمته في المنتدى، ان روسيا كانت وستبقى لاعبا على الساحة الدولية، وأن الدول الغربية التي لم ترغب في حوار روسيا، لكنها ستفعل، وأن موسكو تنتظر متى، وحول ماذا ستتحدث معهم، وقال "فيما يتعلق بما إذا كنا بحاجة إلى الحوار معهم أم لا، أكرر مرة أخرى، أننا لم نرفض هذا الحوار، هم الذين قرروا مقاطعتنا"، مضيفا في الوقت نفسه "إذا كانوا لا يريدون التحدث فلا داعي لذلك، لكنهم سيريدون الحديث معنا، وستنظر روسيا في متى، وحول ماذا ستتحدث معهم".

ويرى بوتين ان " الشركاء " هم الذين تخلوا بشكل رسمي عن التسوية السلمية، وهم من وقعوا الاتفاقيات وصرحوا علنا بأنهم كانوا يخادعون، وان استخدام روسيا لقواتها المسلحة هو لوقف هذه الحرب، التي أخذ البريء فيها بجريرة المذنب، ورغم ان الغرب يبذل قصارى جهده لـإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة، لكن هذه محاولات محكوم عليها بالفشل، وقال " اننا وضعنا صوب أعيننا تدمير الآلة العسكرية الأوكرانية والقضاء على النازية " .

والتغيرات التي يشهدها كل أنحاء العالم وكافة القطاعات الأساسية، كما يراها الرئيس بوتين، هي عميقة وجذرية ولا رجعة فيها، وأضاف ان "النظام القبيح للاستعمار الجديد في جوهره قد زال وجوده، ونظام العالم متعدد الأقطاب يتعزز، معتبرا ذلك "عملية حتمية"، وأكد بوتين أن روسيا كانت وستبقى لاعبا على الساحة الدولية، وان لدى روسيا بعض الأعداء إلى جانب الأصدقاء، وهؤلاء تعودوا على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغبون في أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية ولا يرغبون بأي منافسة، ويكبحون مراكز التنمية والتطور، مشيرا إلى أن موسكو ستساعد في البرامج الغذائية للدول الإفريقية التي تعاني من الفقر.

وتفاخر الرئيس الروسي بما تقدمه الصناعة العسكرية في بلاده في ظل هذه الظروف الصعبة، وشدد انه على الرغم من ان الغرب بذل قصارى جهده لألحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة، لكن كل الأسلحة في أوكرانيا تأتيهم من الخارج، ولن يستمر هذا الأمر للأبد، ولكن " مصانعنا تعمل ليل نهار، ولدينا احتياطي كبير من الأسلحة والذخيرة "، وان خسائر الجانب الأوكراني للجانب الروسي تبلغ 1 إلى 10، ووزارة الدفاع الروسية ستكشف عن الأرقام، لكن الأكيد أنه لا يوجد أي نجاح للجانب الأوكراني .

وفي الجانب الاقتصادي، جاءت كلمات الرئيس الروسي "مخيبة " للآمال الغربية، الذي يحاول بكل صوره واعلامه " المزيف " بان يعطي الصورة الغير حقيقية عن الواقع الاقتصادي في روسيا، وكشف بوتين، ان شدة العقوبات الغربية كانت في الربع الثاني من العام الماضي 2022، والذي كان الأصعب بالنسبة لروسيا، بعدها تطورت الأمور بسرعة واليوم الناتج المحلي زاد بنسبة 3.3% في أبريل الماضي، ومؤشرات الصناعات التحويلية بلغ 2.9% والتضخم في روسيا الآن أقل بكثير من دول في الغرب، وهو عند 2.2% في سابقة تاريخية، وان التضخم في روسيا الآن أقل بكثير من دول عديدة في الغرب ودول الاتحاد الأوروبي، وهو عند 2.2% في سابقة تاريخية.

وحول تأثيرات " مغادرة " الشركات الغربية الأسواق الروسية، وبيع أصولها، اكد الرئيس الروسي، بان روسيا لم تطرد أحد من أسواقها، ولكن كان الاعتماد دائما على إتاحة الفرصة في الاختيار ودراسة الأسواق، وكل العلامات التجارية التي تبيع بضائعها هنا، هي بضائع روسية بعلامة تجارية أجنبية، لهذا لم يتوقف الإنتاج، ولكن تغيرت العلامة التجارية فحسب، وان هناك 90 ألف مبادرة للحصول على علامات تجارية، والطلب الآن هو عدم السماح بعودة الشركات الغربية .

واهتمت روسيا بشكل كبير في تطوير وسائل النقل، خصوصا وان السكك الحديدية سهلت من وجهة نظر الرئيس الروسي، الوصول إلى الشرق الأقصى، وقللت من أزمة السير، وسهلت الوصول إلى دول آسيا، كما وغيرت الحكومة من برنامج بناء السفن، حيث ضمن إطار هذا البرنامج في عام 2023-2027، يخطط بناء أكثر من 2600 سفينة جديدة، إضافة إلى بناء سفن للأسطول البحري الشمالي، وحوالي 34 مليون طن زادت في هذا العام، وسوف تزيد أضعافا في العام القادم، ما يدل على أهمية تطوير هذه الطرق من المواصلات، في غضون ذلك قامت روسيا أيضا بتطوير شبكات الاتصال، تم مد حوالي 300 ألف كيلومتر من خطوط الاتصالات، وتم توصيل الإنترنت لخمسة ملايين مستخدم إضافي العام الماضي .

وفي ظل هذه الظروف نشطت أيضا السياحة الداخلية، وزادت بشكل ملحوظ، ففي 2022 زادت إلى 16.7%، ما يمثل 10 ملايين شخص كانوا يقومون برحلات داخل البلاد، الامر الذي سيسهم حتما في تطوير قطاع السياحة، وكذلك ضرورة زيادة العمل عن بعد، لا سيما في الأقاليم التي يصعب الوصول إليه، وقد رفع حسب قول بوتين مؤشر القيمة المتوسطة للدخل ليصل إلى 6.3% ليصل إلى 18.5% في العام 2024 ليكون أعلى من نسبة التضخم في البلاد.

وشدد الرئيس الروسي أيضا على ان الدول الرائدة التي لا تخضع للضغوطات الغربية، فقد زاد حجم التعاملات معها، والآن أصبحت الأسواق الاقتصادية تعمل بشكل أكبر مقارنة بالتغيرات السياسية، وان النظام الاستعماري القديم بدأ يزول لصالح عالم متعدد القطبية، مشيرا الى ان لدى روسيا بعض الأعداء إلى جانب الأصدقاء، وهؤلاء تعودوا على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغبون في أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية ولا يرغبون بأي منافسة، ويكبحون مراكز التنمية والتطور، ولفت إلى أن السلطات الروسية تطور آليات جديدة للحسابات الحسابات العابرة للحدود، وفتح حسابات للشركات الأجنبية، وقال إن "التغيرات في العالم تحمل طبيعة جذرية لذلك يجب المضي قدما، نحتاج إلى سياسة اقتصادية استباقية"، وأن حوالي 90% من التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (روسيا، بيلاروس، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان) تتم بالعملة الروسية الروبل.

ان جني الأموال في روسيا وإيداعها في حسابات أجنبية بات أمر غير مقبول وفقا للرئيس الروسي، لأنه برأيه لم يكن أحد يفكر في أن انتهاكات قوانين الملكية في الغرب ستصل إلى هذا الحد، وهذا يعيدنا للقرون الوسطى، لأنها سرقة بعينها، ولا تفسر غير ذلك، وطالب بوتين مجلس الوزراء الروسي، بالإسراع بإعادة الأصول الروسية في الصناعات الرئيسية إلى الولاية القضائية المحلية، واقترح في الوقت نفسه عفوا عن الانتهاكات القسرية للعملة، والتي ارتكبت خلال فترة التجميد، لإن اقتصاد المبادرات يتطلب زيادة القدرات الصناعية وتعزيز البنى التحتية واستخدام التقنيات الحديثة، وبناء مجالات صناعية جديدة، وحتى تلك القطاعات التي لم تظهر سابقا فلديها الآن فرصة، وهو ما يتطلبه اقتصاد المبادرات، وضرورة تطوير وتحديث آليات التصدير لتكون أكثر مرونة وسهولة لقطاع الأعمال، وقال "نحن اليوم نخرج إلى أسواق صديقة، نحتاج أن نتكيف معها من خلال ضمان وتأمين البضائع، ودعم المنتجين والمصدرين، وإعطائهم مزيدا من الضمانات".

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

إيران تهدد أفغانستان بالحرب إذا لم تطلق مياه سد كجكي على نهر هلمند، أفغانستان ترد: صححوا معلوماتكم وحسنوا ألفاظكم! فما تفاصيل هذا الملف ولماذا ترفض إيران وتركيا الإقرار بحقوق العراق المائية فيما يلتزم العراق الصمت على تجاوزات تركيا وإيران الفادحة؟ قبل أسابيع هدد الرئيس الإيراني حكومة حركة طالبان في أفغانستان بقوله: "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقاً". الرد الأفغاني جاء سريعا على لسان رئاسة الحكومة ونصه: "على المسؤولين الإيرانيين تصحيح معلوماتهم حول مياه نهر هلمند والتعبير عن مواقفهم من خلال استخدام ألفاظ وتعابير مناسبة".

* إيران أكدت أنها "تحتفظ بحقها في اتخاذ التدابير اللازمة"، وشددت على أن "عدم تنفيذ أفغانستان للمعاهدة وعدم توفير حقّ ماء نهر هيرمند / هلمند وإصدار بيانات سياسية دون إجراء عملي أمر غير مقبول بأي حال من الأحوال" وفعلا وقعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين سقط فيها قتلى وجرحى يوم 27 أيار من العام الجاري.

* سفير إيران لدى كابول والمبعوث الإيراني الخاص في شؤون أفغانستان، حسن كاظمي قمي قال: "إذا ثبت أنه يوجد الماء في السد وحركة طالبان تمنع إطلاقه نحو إيران، بينما تعترف نفسها بهذا الحق وفقاً لمعاهدة الماء بين البلدين، فسيتوجب عليها تحملُ المسؤولية". ولكن ذبيح الله مجاهد الناطق باسم الحكومة الأفغانية قال إنَّ "سد كجَكي يقع على بعد 700 كيلومتر من الحدود الإيرانية، وعلى طول هذا الطريق هناك ثلاث ولايات، وحتى إذا تم إطلاق كل المياه الموجودة خلف سد كجكي، فلن يصل منها شيء إلى إيران".

* الخلاصة هي أن إيران دولة مستقلة وهي تدافع بقوة عن حقوق شعبها، وتطالب بتطبيق المعاهدة مع الطرف الآخر وهذا أمر يحسب لها ويؤكد وطنيتها، فحسب هذه المعاهدة التي وقّعتها أفغانستان وإيران لحل مشكلة المياه في عام 1973، تمنح أفغانستان لإيران 26 مترا مكعبا من المياه في الثانية الواحدة، وعلى هذا الأساس يتدفق إلى إيران سنويا 820 مليون متر مكعب من المياه. وتقول إيران إنها خسرت العام الماضي 4 ملايين متر مكعب من المياه. وهنا تبدو حكومة أفغانستان مستقلة أيضا وهي تدافع عن حقوق شعبها ومتقيدة بالاتفاقية مع إيران إنْ صح ما تقوله عن كمية المياه القليلة بسبب الجفاف خلف السد المذكور، وهي محقة في رفضها للتدخل الإيراني في شؤونها السيادية الداخلية إذا لم تكن الاتفاقية تص على عمليات مراقبة وكشف!

في تقرير آخر نقرأ أن الخلاف الحالي يعود إلى شروط تقنية يتضمنها الاتفاق الذي ينص على أن لإيران حقاً في الحصول على 850 مليون متر مكعب من نهر هلمند "في العام المائي الطبيعي"، أي تكون نسبة الأمطار فيه طبيعية وتملأ النهر الذي يسع لـ ستة مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه، فإذا امتلأ يصبح لإيران حق في الحصول على حصتها من النهر وإذا لم يمتلئ فلن يكون لها حق المطالبة في الحصة المتفق عليها. تتشبث حكومة طالبان بهذا الشرط، وتقول حالياً إن نسبة المياه في النهر لم تبلغ ستة مليارات متر مكعب ونصف، وتدعي أنه إن حصل هذا فسيلتزمون بحق إيران ولكن طهران تؤكد على ضرورة تأييد هذا الادعاء من قبل خبراء إيرانيين، وهذا ما لم توافق عليه طالبان حتى الآن وتعتبره تدخلا في شؤونها السيادية.

* مقارنة بالعراق وحكومة التابعة والمسيرة من قبل السفيرة الأميركية رومانوسكي والتي يقودها ويسيرها لصوص المال العام فالوضع مختلف تماما؛ فإيران حرمت العراق من سبعة مليارات متر مكعب من المياه سنويا باعتراف معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري. ومع العراق، قطعت إيران مياه أكثر من أربعين رافدا ونهرا تصب في نهري دجلة وشط العرب جنوبا وفقد الشط ثلث مياهه بعد أن قطعت السلطات الإيرانية مياه نهر الكارون عنه، وغيرت مجراه ومصبه، ونقلت جزءا كبيرا من مياهه إلى أصفهان عبر نهر "زايندة رود" وسط احتجاجات غاضبة من أهالي الأهواز لحرمانهم أيضا من مياه نهر يجري في أرضهم.

ومع العراق فإيران لا تنكر عدوانها المائي وتتحجج بالجفاف وقلة المياه فيها، وترفض حتى المفاوضات لتقاسم الضرر أو لتطبيق اتفاقية الجزائر 1975 والتي توجب عليها اقتسام مياه عدد من الأنهار المشتركة بالمناصفة مع العراق (حسب فيديو حديث وكيل وزارة الخارجية السابق محمد الحاج حمود الدقيقة 33 وما بعدها)، وهذه المعاهدة المجحفة بحقوق العراقيين والتي تنازل فيها النظام السابق عن نصف شط العرب لإيران وتتمسك بها إيران أشد التمسك، ولكنها لا تنفذ حقوق العراق الواردة فيها حول مياه الأنهار المشتركة!

أما مع تركيا فالعراق ليس له الحق حتى في مياه أنهاره المحتجزة خلف السدود التركية وهي بالمئات وليس بالعشرات، وفي المقابل فهو يضخ لتركيا سنويا عشرين مليار دولار تقريبا مقابل السلع والغذاء الذي يستورده لتغذية شعبه بعد أن تم تدمير الزراعة والصناعة العراقيتين وبدأت أنهار العراق بالزوال التدريجي إضافة الى ما تقبضه تركيا من عائدات النفط العراقي المار في أراضيها، ومع كل ذلك ترفض تركيا عقد اتفاقية دولية لتقاسم المياه مع العراق لأن فيه دولة فاقدة السيادة والاستقلال والقرار! إليكم هذا الدليل: قال محمد الحاج حمود وكيل وزير الخارجية العراقية السابق في المصدر الفيديو السابق الدقيقة 45: "سنة 2008 جرت مفاوضات مع الجانب الإيراني وتم تشكيل عدة لجان حول شط العرب وأخرى للحدود البرية وثالثة الانهار المشتركة وأخرى الزيارات.. ولكن لجنة المياه اجتمعت اجتماعين ثم توقف نشاطها لأن الجانب الإيراني رفض الاستمرار في الحضور حتى اليوم. لماذا؟ لأنه كما قيل دولة مستقلة وذات سيادة وأفعل ما أشاء "بكيفي"!

وما يزال موقف الحكومات العراقية على ما هو عليه منذ 2008 وحتى هذا اليوم فهل هي حقا حكومات عراقية أم معادية للعراق وشعبه؟ سؤال نافل لا يحتاج إلى إجابة بل إلى معجزة في زمن اللامعجزات!

* * *

علاء اللامي – كاتب عراقي

.......................

* رابط الفيديو الدقيقة 33 وما بعدها:

https://www.youtube.com/watch?v=adLP6R9u1Ts&ab_channel=AlsharqiyaTube

لا شك أن النظام السوري لجأ لقمع المظاهرات ضده بعنف ووحشية لكن مع هذا فإن خيار الذهاب إلى حرب أهلية لم يكن قرار النظام وحده، كانت هناك قوى لم تستسهل فقط اللجوء إلى السلاح بل دفعت باتجاه ذلك معتبرة أن العسكرة وما تلاها من حرب هي الطريق الأفضل "لتحقيق مصالحها" أي لفرض وصايتها وسلطتها.. كانت شهوة السلطة أقوى بكثير من أية مقاربة منطقية للواقع ففي الحروب لا يكفي أن تبادر خصمك بإطلاق النار أو بالهجوم، فليس من المنطقي أبدًا أن تبدأ حربا" ستخسرها بلا شك.. من المرعب أن نصادف قوة سياسية تفكر بهذه الطريقة أو لا تقيم أي وزن لخسائر الناس العاديين لتصل إلى أهدافها.. لا شك أن القوى التي دفعت أو ساهمت بالدفع نحو عسكرة الثورة وتحويلها من مظاهرات واحتجاجات مدنية إلى مواجهات مسلحة كانت لها حسابات متناقضة، البعض اعتقد أن الخارج سيسارع للتدخل والإطاحة بالنظام لصالحها ولم تر في العسكرة أكثر من محفز ومبرر لهذا التدخل، هؤلاء كانوا أساسًا من السياسيين الذين شكلوا مؤسسات المعارضة الرسمية، وآخرون رأوا في العسكرة الخطة الأمثل بل الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تحقيق أهدافهم أو الوصول إلى السلطة.. لكن وخلافًا لما وعد به قادة الفصائل المسلحة السوريين الثائرين على النظام لم يقم هؤلاء بحمايتهم بل ما حدث كان العكس، لقد احتمت الفصائل المسلحة بالسوريين من اقصف النظام ثم داعميه في وقت لاحق.. تعرضت المناطق المحررة أو الخارجة عن سيطرة النظام لعقوبات جماعية وقصف يومي افتقر للدقة على الأقل حتى التدخل الروسي المباشر في وقت متأخر وكان واضحًا منذ البداية أن القوى التي واجهت النظام بالسلاح لا تملك الرد على هذه الإجراءات العقابية الجماعية.. أكثر من ذلك، لم تفعل تلك القوى ومن كان يدعمها ما يلزم للإطاحة بالنظام الأمر الذي كان ممكنًا في لحظات عدة قبل إنقلاب ميزان القوى مع ذلك التدخل الروسي المباشر.. قبل ذلك لم يمكن لتدخل الآلاف من مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية التي دربتها ومولتها إيران ليقلب تلك الموازين أكثر من مجرد إنقاذ رأس النظام وتحقيق بعض الانتصارات المحلية التي ساهمت، مع غياب خطة حقيقية للإطاحة بالنظام إلى جانب الاقتتال والتنافس بين قادة الفصائل المسلحة في تثبيت مؤقت لسيطرة القوى على الأرض.. وخلافًا للمظاهرات وبقية أشكال الاحتجاج الجماهيري كانت العسكرة تعني فقط سيطرة أمراء الحرب في كل مكان وانفلات الهمجية وأيضًا تكلفة بشرية ومادية هائلة دفعت ثمنها أساسًا المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.. وأيضًا ليس صحيحًا أن العسكرة هي الرد الوحيد الممكن على القمع، لقد تعرض الثوار الايرانيون والعراقيون والبحرانيون والسودانيون، هذا في السنوات الأخيرة فقط عدا عن تجارب ثورية سابقة أخرى لا حصر لها، لقمع همجي وقتل المئات بل الآلاف منهم دون أن يلجئوا للسلاح للدفاع عن أنفسهم ومحاولة الإطاحة بالنظام الذي يقمعهم بكل تلك الهمجية، بكل الأحوال لم يكن من الممكن إسقاط تلك الأنظمة عبر اللجوء للسلاح أو حتى التقليل من خسائر الجماهير الثائرة.. رغم كل ذلك لا توجد أية رغبة حتى في الاعتراف والاعتذار للجماهير التي استخدمت وقودًا للمحرقة رغمًا عن أنفها، لا يرغب الإسلاميون بالاعتراف بأخطائهم ولا بمسؤوليتهم ولا بدورهم في هذه المحرقة، ويشاركهم في هذا من اعتقد أن هؤلاء سيقومون بتخليصهم من النظام بينما سيبقى من الممكن التحكم بهم وبأمراء الحرب عبر قوة ونفوذ الخارج المادية والعسكرية التي اعتقدوا أنها ستلعب لصالحهم في نهاية المطاف.. لا يقر هؤلاء بالطريقة الساذجة والاعتباطية ولا الاستبدادية التي اقتيدت فيها الجماهير خاصة الثائرة نحو تلك المحرقة التي لم يكن من الصعب التنبؤ بوقوعها دون تفكير أو تخطيط وبالتأكيد دون استشارتها وموافقتها، وكان تحويل السوريين خاصةً الثائرين منهم إلى لاجئين آخر خطوة في مسار طويل حولهم إلى منفعلين سلبيين وعاجزين عن أي فعل بعد أن صودر صوتهم وصودرت إرادتهم وبدلًا من أن يحرر السوريون أنفسهم بأنفسهم كما كان يفترض أصبحوا مضطرين للاعتماد على غيرهم من سادة العالم والإقليم وأغنيائه ليس فقط للتخلص من النظام وغيره من أمراء الحرب بل حتى في أبسط تفاصيل حياتهم ومعيشتهم..

***

مازن كم الماز

لتفسير ما يحدث في بريطانيا لا بد من الاسترشاد بمقولة نسبت لعمرو ابن العاص قالها في واقعة الصَّمْت: بأن "الأيام دول.. والحرب سجال" أي أن دورةَ التاريخِ قدرٌ محتومٌ ولا تخضعَ لإرادة الأقوى.

لذلك لا بد من العودة في عمق التاريخ حتى عام 1947 حينما أقدمت بريطانيا على تقسيم الهند في حرب الاستقلال الهندية الباكستانية وذلك وفق مصالحها كدولة استعمارية وامبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس، إذْ نهبت المستعمرات وحاولت تغطية الحقيقة الساطعة بغربال مُرَقَّع.

لكنّ دورة التاريخ كان لها أن تُدْخِلَ المشهدَ البريطانيّ المتخم بالمشاكل، في فنتازيات المقارنة ما بين الحاضر البريطاني المتأزم، وزمن الاستعمار البريطاني للهند، حيث كانت النتيجة وخيمة على الضحية المكبلة بالأصفاد، من حيث سرقة موارد الهند وهدرها والتنكيل بشعبها المغبون.

وحينما أوشكت ثورة غاندي أن تحقق أهدافها، أقدمت بريطانيا على غرس أسفين بين طوائف الهند بتقسيم البلاد طائفياً- مثلما فعلت في فلسطين عام ثمانية وأربعين حينما غرست الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي بعد أن حولته إلى أقطار متصارعة-.

إنها مقارنة بين المملكة المتحدة ما قبل الجلاء من مستعمراتها وخاصة الهند، وبعده، وصولاً إلى انحسار نفوذها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي منذ 16 أغسطس 2017، وذلك من خلال ما توالى عليها من أزمات متفاقمة، بسبب السياسة البريطانية الخاطئة بزج البلاد في أتون صراعات إقليمة عمياء. كالحرب الأوكرانية، إلى جانب الدعوات الأوسكتلندية الانفصالية التي لو شاءت لها الأقدار أن تنجح؛ لانفرطت وحدة المملكة المتحدة، ذات السيادة والتي تتكون من أربع دول فردية، هي: إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية.

فبعد 76 عاماً من حرب الاستقلال الهندية التي أدت إلى نتيجتين متعارضتين تجلت الأولى بإعلان استقلال الهند من نير الاستعمار البريطاني بموافقة بريطانية بموجب قانون برلمان المملكة المتحدة، أما الثانية فدور بريطانيا بتقسيم الهند الموحدة إلى الهند والباكستان.. وبالتالي تغيير جغرافية الهند وفق المصالح البريطانية التي كانت قد تضررت عقب الثورة.. معتمدة في ذلك على سياسة "فرق تسد".. ومن ثم إدامة الصراع الهندي الباكستاني البيني بإذكاء الصراع الجيوسياسي من خلال ترسيخ الخلاف الهندي الباكستاني حول كشمير، وشمول التقسيم مقاطعتين، وهما البنغال والبنجاب، على أساس الأغلبيتين الحاكمتين المسلمة وغير المسلمة.

وقد واجهه الزعيم الهندي الروحي المهانتا غاندي المشروع البريطاني ما تسبب باغتياله.

وعليه فقد تساءل كثيرون حول تورط المخابرات البريطانية حينذاك في اغتيال أيقونة الهند، غاندي على يد هندوسي متطرف ممن كانوا يعارضون إصراره على إرساء مبدأ احترام حقوق المسلمين والمنبوذين المنتهكة في الهند آنذاك.

فخسرت الهند والباكستان هذا الزعيم الذي قاد بحركته السلمية وطنه الهند نحو الاستقلال من الاستعمار البريطاني لوقوفه في وجه مشروع تقسيم الهند من خلال دفاعه عن الأقلية الإسلامية ومناصرته للمنبوذين، ليبدأ بعد ذلك في حركته التحررية التي مارس فيها جميع أساليب سياسة العصيان المدني أو اللاعنف؛ ليجبر في الأخير بريطانيا العظمى على إعلان الجلاء عن الهند في يونيو 1948.

واصطحب الإنجليز بمعيتهم أنصارهم من المهاجرين الهنود والباكستانيين إلى بريطانيا حماية لهم.

ومن بين أولئك كان أجداد بعض من يتحكم اليوم بمصير بريطانيا من خلال صلاحياتهم السياسية ومواقعهم الحزبية.

أنا أقصد هنا رئيس وزراء بريطانيا الحالي ريشي سوناك -من حزب المحافظين- وهو هندوسي من أصول هندية، وخصمه البريطاني المسلم حمزة يوسف رئيس وزراء أوسكتلندا الذي يناكفه من خلال الدعوة للاستفتاء في إقليم الشمال بغية الانفصال عن المملكة الأم بعد أن جفَّ ضرعها.

فما أشبه الماضي بالحاضر ولكن مع تبدل الأدوار.. إنها دورة التاريخ التي لا تنتظر من يغير عجلتها التي تديرها عاصفة السببية المحتومة.

مؤخراً قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إنه "يتطلع للعمل" مع حمزة يوسف، والذي تم انتخابه كوزير أول في اسكتلندا.

إلا أن سوناك رفض دعوة يوسف إلى إجراء استفتاء حول انفصال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة داعياً إلى تركيز الجهود في التنمية والتصدي للتضخم.

وكان الاستقلاليون الإسكتلنديون قد اختاروا حمزة يوسف لخلافة نيكولا ستورجن في زعامة الحزب وبالتالي رئاسة الوزراء يوم الأربعاء 29 مارس العام الجاري بعد تعيينه بأمر ملكي وأدائه اليمين أمام المحكمة العليا الاسكتلندية، حيث وعد أنصاره وفق برنامج الحزب الوطني الاسكتلندي (يسار)، بقيادة إسكتلندا لتحقيق الاستقلال "في هذا الجيل" دون أن يحقق شيئاً يذكر سوى ما طرأ من زيادة في نسبة المؤيدين لهذا الخيار.

فبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد يوغوف في 13مارس 2023 فانّ 46% من الذين استطلعت آراؤهم أبدوا تأييدهم للاستقلال، مقابل 50% الشهر الماضي.

اي أن النسبة تنامت حيث شهدت فرقاً إيجابياً مقداره 4% في غضون شهرين، بالإضافة إلى نسبة 5% قياساً إلى نتائج الاستفتاء الذي نظم في 2014، حيث صوت آنذاك 45% من الاسكتلنديين لصالح الاستقلال.

وقضية الاستقلال أعيد إطلاقها بسبب بريكست بشكل خاص لأن 62% من الاسكتلنديين عارضوا خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ورأى الحزب الوطني الاسكتلندي في قطيعته مع لندن وسيلةً للعودة الى الاتحاد الاوروبي.

هذا صراع يزداد احتداماً، فيما تترقب بقية الأقاليم وخاصة إيرلندا الشمالية نتائج أي استفتاء محتمل، يكون من شأنه لو كتب له النجاح، أن يرسخ لتوجهات إقليمية انفصالية قد تؤدي لكارثة تقسيم المملكة المتحدة.

من هنا يتساءل كثيرون عن جدوى تمسك بريطانيا برفض دعوات أسكتلندا الانفصالية في الوقت الذي تذكي فيه نيرانها في روسيا! وذلك من خلال دعمها المفتوح للطرف الأوكراني ضد روسيا الاتحادية في الحرب الأوكرانية الطاحنة.

أضف إلى ذلك الجدوى من رفض بريطانيا منذ مارس 2022 مناقشة أمن أوروبا مع روسيا على مبدأ "وحدة الأمن" حماية لوحدة الاتحاد الروسي، وفق رؤية بوتين، ما تسبب بنشوب الحرب الأوكرانية الطاحنة.

ناهيك عن دعم بريطانيا المستمر لتفتيت المجزأ في فلسطين من خلال دعمها لكيان الاحتلال الإسرائيلي، مع انها كانت صاحبة وعد بلفور المشؤوم. فالأيام دول. ودورة التاريخ لا تخضع لأمزجة الكبار إذا ما تعطلت مراكبهم في عرض البحر اللجي.

***

بقلم: بكر السباتين

14 يونيو 2023

ما يجري من تطورات في ساحة المعركة لعملية الروسية العسكرية الخاصة، هي إيجابية في مجملها بالنسبة للاتحاد الروسي، وهذه التطورات، فندت كل " التخرصات " التي يحاول الغرب، اللعب من خلالها لتشويه الانتصارات الروسية المتحققة على كافة المحاور، وبالطبع فإن الوضع العام وكما قال الرئيس الروسي خلال لقاءه بمراسلي الحرب، انه وفقًا لوزارة الدفاع، فإن روسيا لا تحتاج حاليًا إلى تعبئة إضافية، ومثل هذا القول يفند وبشكل قاطع الإدعاءت الغربية .

فمنذ كانون الثاني (يناير)، جددت القوات المسلحة للاتحاد الروسي مواردها، بأكثر من 150 ألف جندي بموجب العقد، وتطوع 6000 آخرين، واعترف بوتين "حتى بشكل غير متوقع بالنسبة لي: بعد كل شيء، تطوع 156 ألف شخص"، وفي حديثه عن التناوب المحتمل، أشار إلى أنه في يوم من الأيام سيكون من الضروري إعادة الأشخاص الذين تم حشدهم تدريجياً من منطقة العمليات الخاصة إلى ديارهم.

ويتردد عند الشخصيات العامة الكثير من الهمسات والحاجة الماسة إلى جمع مليون أو مليونين آخرين، لكن الرئيس بوتين أوضح ان ذلك طبعا يعتمد على ما تريده العملية الخاصة، ولكن اعتمادًا على الأهداف التي "وضعناها لأنفسنا"، يجب حل قضايا التعبئة، ولكن لا توجد مثل هذه الحاجة اليوم، في الوقت نفسه، القيادة العسكرية تؤكد أنهم لا يخططون لإرسال مجندين إلى منطقة NVO، لأن هذا ليس ضروريًا.

أن ما يحدث الآن في أوكرانيا لا يلائم روسيا أبدا، وأشار بوتين إلى أن الغرب يستخدم أوكرانيا في زعزعة الأوضاع في روسيا، وكذلك، فإن الغرب يحاول هز روسيا طوال الوقت، لأنه لا أحد يحتاج إلى دولة لديها مثل هذه الإمكانات، مؤكد في الوقت نفسه ا أن موسكو لم يكن لها أي ضلوع في الأحداث في دونباس عام 2014، ولكن "تم إجبارنا على الدفاع عن أنفسنا"، موضحا أن كل ما فعلوه كان من منطلق زعزعة الاستقرار في روسيا، ويواصلون أفعالهم، لماذا؟، لأنها (روسيا) دولة كبيرة جدا، ولا يريدون لدولة بهذا الحجم في أوروبا، في مثل هذا المكان، مع مثل هذه الإمكانات، وبالتدريج يحاول الجميع تقطيع" أوصالنا وتقسيمنا".

الرئيس الروسي قطع الشك باليقين، وهو يشير بكل ثقة إلى أن الهجوم المضاد للقوات المسلحة الأوكرانية، والذي بدأ في 4 يونيو ويستمر حتى يومنا هذا، قد فشل، وان الخسائر في صفوف الجيش الروسي أقل بعشر مرات من الخسائر في صفوف الجيش الأوكراني، ومن بين جميع الخسائر - وهم يقتربون من تقييم يمكن أن يسمى كارثيًا من حيث الأفراد - فإن هيكلهم لهذه الخسائر غير موات بالنسبة لهم، كما، إن دبابات "ليوبارد" الألمانية ومركبات "برادلي"أمريكية الصنع، التي تستخدمها أوكرانيا، تحترق بشكل ممتاز، وتنفجر ذخيرتها بداخلها، واكد بوتين حق بلاده واحتفاظها بحق استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، وقد تقوم بذلك ردا على استخدامها من طرف نظام كييف، وقال "لدينا الكثير من هذه الذخيرة، مع اليورانيوم المنضب، وإذا استخدمتها قوات نظام كييف، فإننا نحتفظ أيضا بالحق في استخدام نفس الذخيرة".

ووفقا للبيانات الروسية فان خسائر القوات الأوكرانية في إطار الهجوم المضاد تتراوح بين 25 و30% من حجم المعدات العسكرية التي تم تسليمها إليهم من الغرب، وقوات كييف كما أوضح الرئيس بوتين، فقدت 160 دبابة و360 مركبة مدرعة، ووصفها بانها تقترب من الكارثة، مشيرا إلى أن العدو لم يحرز أي نجاح في الهجوم المضاد، وانه من أجل إنهاء الصراع، وكما يشدد الرئيس الروسي، يجب على الغرب التوقف عن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، والاشارة إلى أنه لا أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة، يمكن أن ينتصر في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة، وعلى حد قوله، فإن الولايات المتحدة تتظاهر بأنها ليست خائفة من تصاعد الأزمة، ولكن في الواقع، لا يرغب الكثير من الأمريكيين في جلب الأشياء إلى صراع عالمي.

ان أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، في المنظور الروسي، تتغير وفقًا للوضع الحالي، لكنها تظل كما هي بشكل عام، ويؤكد بوتين، "لقد بدأوا هذه الحرب، ونحن نحاول وقفها، لكن علينا أن نفعل ذلك بمساعدة القوات المسلحة"، وتنبأ في الوقت نفسه، باختفاء وشيك للمجمع الصناعي العسكري في أوكرانيا، لأنه" لا ينتج أي شيء - "يتم إحضار كل شيء إليهم".

وحذر الرئيس الروسي، من أن روسيا، وفي حال استمرار قصف مناطقها، ستنظر في مسألة إنشاء "منطقة عازلة" على أراضي أوكرانيا، وعلى مسافة تجعل من المستحيل بلوغ "أراضينا منها"، وفي معرض أجابته عن سؤال حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا هذه المرة، قائلا، "سيعتمد ذلك على الوضع في نهاية الهجوم المضاد الأوكراني ن، ولدينا خططا ذات طبيعة مختلفة".

وطبعا أسئلة كثيرة لدى العديد من المراقبين وحتى الناس البسطاء، عن أسباب ترك الحدود الروسية مع أوكرانيا وتحديدا في مقاطعة بيلغورود، والتي تسمح " بالمخربين "، في تنظيم هجمات بين الفينة والأخرى، والتي أصبحت أكثر تكرارا في الآونة الأخيرة، اعترف الرئيس بوتين بصعوبتها في بعض الأحيان، لكنها برأيه مهمة قابلة للحل، وأوضح الرئيس أن الهجمات على المناطق الحدودية مرتبطة "بشكل أساسي بالرغبة في تحويل جزء من القوات الروسية ووسائلها إلى هذا الجانب، لسحب جزء من الوحدات من تلك المناطق التي تعتبر الأهم والأكثر أهمية، لتخفيف القبضة الروسية على المناطق التي تتواجد فيها القوات المسلحة الروسية .

والحديث عن العملية الروسية الخاصة لا يمكن ان يكون بمعزل عن الجريمة الإرهابية في محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، فقد أكد فلاديمير بوتين أن مسؤولية الانفجار تقع على عاتق كييف التي أصابت عمدا محطة الطاقة الكهرومائية بصواريخ HIMARS، واعرب في الوقت نفسه عن أسفه لأن تدمير محطة الطاقة الكهرومائية أحبط الهجوم المضاد الأوكراني في هذا المكان، وقال - لسوء الحظ - لماذا؟ لأنه سيكون من الأفضل لو كانوا يتقدمون هناك، وكان من الأفضل للروس، لأن الهجوم هناك سيكون سيئًا للغاية، ولكن منذ حدوث مثل هذا التسرب، وبناءً عليه، لم يحدث الهجوم، وتعمل الآن وزارة حالات الطوارئ الروسية، والسلطات العسكرية والمحلية بنشاط لإزالة عواقب الدمار .

والحديث عن القتال وتطوراته، لا يمنع من الحديث أيضا عن السلام، الذي تنشده روسيا، برأي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن بلاده لم ترفض أبدا إجراء أي مفاوضات قد تؤدي إلى تسوية سلمية للوضع في أوكرانيا، وقال "أولا، لم نرفض ذلك أبدا، لقد قلت هذا بالفعل ألف مرة، لم نرفض أبدا إجراء أي مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى تسوية سلمية للوضع، لطالما تحدثنا عن هذا مرارا وتكرارا"، وأشار إلى أنه خلال المحادثات بين روسيا وأوكرانيا في اسطنبول، تم بالفعل إعداد وثيقة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

نشر الكاتب أمير طاهري مقالاً في صحيفة «الشّرق الأوسط» الغراء تحت عنوان «العراق وطهران... أوهام»، (9/6/2023). تعرض فيه لتسمية العراق وبغداد، وجعلهما فارسيتين، بينما كان يتحدث عن الوضع الرَّاهن. ورد في مقاله الآتي، وأتوخى حسن النّية فيما طرح: «كلمة العراق، التي تعني الأراضي المنخفضة، هي نفسها من أصل فارسي. بغداد عطية الله، هي أيضاً كلمة فارسية، بينما كانت بابل وطيسفون، قرب بغداد اليوم، عاصمتين للإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة لأكثر من 1000 سنة». أقول: إذا كان الكاتب يُقدم نفسه كاتب رأي فهذه المعلومة ليست رأياً، إنما تاريخ يحتاج إلى بحث ودراسة.

نعم، اشتقّت المعاجم العربية تسمية العراق من عروق الشَّجر، أو لأنه يقع على شاطئي دجلة والفرات، وقيل: مِن إيراك، كان ذلك قبل أن تُكشف آثار العراق القديمة، ويظهر اسم أوروك أو الوركاء العاصمة الشّهيرة في ملحمة جلجامش، جنوب العِراق، ولا أظن أنَّ السيطرة الساسانية أو الفرثية، وكل مَن نطق بالفارسيَّة، قد أدرك الوركاء وجلجامش.

لذا شكّك المؤرخ الجغرافي البريطانيّ كي لسترنغ (ت: 1933)، ونبه إلى إشكالية استخدام تسمية «العراق»، قال: «كيف جرى استعمال هذا الاسم في العهود السَّالفة، فأمرٌ يعتريه الشَّك، فلعله يمثل اسماً قديماً ضاع الآن، أو أنه أُريد به في الأصل عن هذا المعنى. وكان العرب يسمون السهل الرُّسوبي بأرض السَّواد، واتسع مدلول كلمة السّواد حتى صارت هي العراق، لفظتين مترادفتين في الغالب» (بلدان الخلافة الشرقية).

وجد الباحثون هذا الاسم القديم منحوتاً من اسم أوروك أو الوركاء، مدينة جلجامش، وهذا ما ذهب إليه البحاثة الآثاريّ طه باقر (ت: 1984): «وإنه -أي العراق- مشتق من كلمة تعني المستوطن، ولفظها أوروك أو أنوك، وهي الكلمة التي سُميت بها المدينة الشَّهيرة الوركاء... وفي العهد الكشي، في منتصف الألف الثَّاني قبل الميلاد، وجاء فيها اسم إقليم على هيئة إيريقا، الذي صار الأصل العربي لبلاد بابل أو لكلمة العراق»، (الآلوسي، اسم العراق)، وسالم الآلوسي بحّاثة معروف، رد في كتابه «اسم العراق» على محاولات تجاهله. على أيّ حال، لماذا يُحار بأصل اسم العراق، والأرض كان اسمها (أوروك)، أو(إيريقا)، وليس هناك مانع من تبدل: الهمزة إلى عين، والقاف إلى كاف؟!

أما عن اسم بغداد، فأفاد الباحثان القديران بشير فرنسيس وكوركيس عواد بأنَّ أصل التَّسمية آرامي، وتعني مدينة الضأن أو الغنم. وأفادا أيضاً: ورد الاسم في العصر البابلي والآشوري «بغدادو» و«بغدادي» أو «خودادو». وأن مدينة قريبة من بغداد الحالية وإقليماً أيضاً كانا يُعرفان بمثل هذا الاسم في العصر البابلي (هامش بلدان الخلافة الإسلامية. أُصول أسماء الأمكنة العراقية، مجلة سومر 1952).

وفي اسمها أيضاً قال الخبير في اللغات القديمة يوسف متي: تسمية بغداد آرامية سريانية: باغ تعني البيت، وداد تعني الخيط، أو غنم، أو نسيج العنكبوت. فبغداد: (بيت الخيط)، أو (بيت الغنم)، أو (بيت العنكبوت). و(باغ) تعني أيضاً بالآرامية السِّريانية «جُنينة، بحر، بَطيحة، سعد». كان أبو جعفر المنصور(ت: 158هـ) قد شيَّد عاصمته الجديدة على موقع قرية تُعرف باسم بغداد منذ أيام حمورابي، وسماها «مدينة السَّلام» تيمناً بالجنة، كأنه فهم معنى اسمها في لغة أهل بابل، ألا وهي البستان أو الجُنينة (محاضرة في مقر اتحاد أدباء العراق).

إنّ تسمية المدن العراقيّة، والتي تبدأ بحرف الباء الآراميّة، وتعني البيث أو البيت، كثيرة، وما زالت «بعقوبا: بيت المفتش، وباعذرى: بيت العماد، وباعشيقا: بيت المظلومين، وباصيدا: بيت الصَّيد، والبصرة: بيت الجداول، وباخمرا، وباجسرا وغيرها»، فيا عجبي لماذا تكون بغداد وحدها فارسيَّة؟ طوال السيطرة الفارسيّة على العراق، والتي حسبها الكاتب بألف عام، ولستُ في محل مناقشة هذا الرقم، ظلت لغة العراق الآراميَّة، بدليل أن الفارسيَّة لم تكن لغة منافسة، كي تسمَّى الأمكنة بها.

أُعلن شديد أسفي أن يصل بنا الحال لنكون مدافعين عن تاريخ بلاد حكمت المشارق والمغارب ولم تحنّ إلى عصر الإمبراطوريات، وإلا ألم يكن اسم إيران نفسها «عراق العجم»، كي يكون اسما بغداد والعراق فارسيين، كأن الفرس عندما غزوا العراق لم تكن لمدن هذه الأرض أسماء، انتظرت حتَّى يأتي الفُرس ليسموها؟!

ما كان هذا النِّقاش مطروحاً بشدة إلا بعد (2003)، يومها ظهرت كتابات كثيرة، وليست لي تسميتها بالآراء، لأن الرَّأي عادةً يستند إلى دراية أو رواية، فماذا نقول لمَن كتب نافياً اسم العراق نفسه، حتَّى اضطررت إلى جمع ما قاله شعراء الجاهلية والإسلام فيه؟ حينها حسبتُ نفسي أُعيد اكتشاف المكتشَف، لكن فعلتُ ذلك على مضض. فالانهيار الذي حصل لم يعانِ منه العراقيّ في حياته، إنما عانى منه العراق نفسه مِن الطّعن بوجوده، وإلا ما حاجتنا إلى إثبات أنّ العراق كيان واسم قديم؟ وهل تحتاج بغداد إلى البحث في اسمها، وتأكيد عراقته وعراقيته، لولا إخضاعها، مدينةً واسماً، للجدل، البعيد عن الحقّ؟

***

د. رشيد الخيون

تستمر الحرب المختلطة ضد روسيا وبيلاروسيا التي اندلعت خلال العام الماضي في اكتساب الزخم، ولم تعد الدول الغربية تخجل من التحدث مباشرة عن رغبتها في "هزيمة" الاتحاد الروسي، على طول الطريق لفرض سيطرتها على شريكها في دولة الاتحاد، وللقيام بذلك، اليوم لا يتم استخدام الوضع في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية فحسب، بل يتم أيضًا استخدام أدوات أخرى مختلفة، بما في ذلك المعارضة البيلاروسية والروسية الهاربة.

وفي الأشهر الأخيرة، تحول الحلفاء الغربيون تمامًا، إلى تشجيع الأنشطة الإرهابية على أراضي البلدين، وبدأوا أيضًا يتحدثون عن غزو مباشر لبيلاروسيا، وكل هذا يجعل مينسك وموسكو تستجيبان بشكل أكثر نشاطًا لما يحدث حولهما، وتم الإعلان مرة أخرى عن خطورة الوضع حول دولة الاتحاد في اجتماعات أمناء مجالس الأمن للدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي عقدت في الفترة من 7 إلى 8 يونيو في مينسك، وكان هناك حدثان لهما أهمية خاصة في فهم ما يحدث اليوم والخطوات التي تخطط بيلاروسيا وروسيا لاتخاذها في المستقبل، هما  مفاوضات بين رئيسي مجلسي الأمن البيلاروسي والروسي ألكسندر فولفوفيتش ونيكولاي باتروشيف، وكذلك اجتماع ألكسندر لوكاشينكو مع مجلس الأمن، ورؤساء منظمات دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وفي العاصمة البيلاروسية بدأوا بالفعل في الاستعداد لعدوان خارجي محتمل من دول الناتو وأوكرانيا.

وأجمع باتروشيف وفولفوفيتش وعلى وجه الخصوص بالإجماع على أن الدول الغربية شنت حربًا هجينة حقيقية ضد روسيا وبيلاروسيا، والتي أصبحت أكثر وأكثر خطورة مع كل يوم جديد،  وكما أشار فولفوفيتش، فإن ما يحدث حول دولة الاتحاد "يتطلب خطوات فورية واتخاذ قرارات سريعة، ومينسك وموسكو "تستجيبان بالفعل لهذه التحديات، وكذلك تتوصلان إلى إجماع في المجال الأمني"، ويشارك الاتحاد الروسي، وفقًا لتصريحات باتروشيف، موقفًا مشابهًا، والذي يعتبر بيلاروسيا أقرب حليف وشريك استراتيجي لها، وأشار رئيس مجلس الأمن الروسي إلى أن السياسيين الغربيين يتحدثون بصراحة عن خططهم لمينسك وموسكو، لأنهم "لا يحتاجون إلى روسيا قوية"، ويريدون "إما تفكيك أو تصفيتها من أجل إدارة الأراضي الأوراسية، ضخ الموارد "، في الوقت نفسه، أشار إلى أن خطط الغرب لبيلاروسيا واضحة أيضًا اليوم، وهذا هو تنفيذ لثورة ملونة ، وجلب حكومة دمية مسيطر عليها إلى السلطة، فقد فشل الغرب في تنفيذ انقلاب في مينسك في عام 2020، لكن واشنطن وأتباعها لم تتخلوا عن خططهم "، شدد، مكررًا في الواقع كل ما تحدثت عنه السلطات البيلاروسية خلال السنوات الماضية.

وعقد اجتماع الرئيس  ألكسندر لوكاشينكو في 8 تموز / يوليو مع أمناء مجالس الأمن في الدول الأعضاء في UEC بنفس الروح تقريبًا، حيث لم يحد الزعيم البيلاروسي، على عكس فولفوفيتش، من اتهاماته المباشرة للغرب والنظام الحاكم في كييف، بالإضافة إلى الكلمات التقليدية بالفعل حول ضغوط العقوبات، ورغبة الدول الغربية في إسقاط اقتصادات روسيا وبيلاروسيا، واستخدام أوكرانيا كأداة لحرب مختلطة، وأشياء أخرى، أشار لوكاشينكا إلى تفاصيل مهمة أخرى، ووفقًا له، فإن كل ما يحدث اليوم في المنطقة يتم فقط لمصلحة الولايات المتحدة، التي تستخدم دمياتها، مثل بولندا، لإضعاف ليس فقط دولة الاتحاد، ولكن أيضًا الاتحاد الأوروبي، وهذا، وفقًا لرئيس بيلاروسيا، ليس سوى جزء من خطة واشنطن واسعة النطاق لمحاربة منافسيها الرئيسيين في مواجهة الصين وروسيا.

للوهلة الأولى، كانت الأحداث التي وقعت في مينسك تقليدية تمامًا، حيث كانت روسيا البيضاء وروسيا تتحدثان منذ سنوات عن العدوان الذي أطلقه الغرب ضدهما، والذي سينتشر عاجلاً أم آجلاً إلى الفضاء الأوراسي بأكمله، ومع ذلك، ينبغي للمرء أن يأخذ في الاعتبار حقيقة أن مثل هذه الحرب الهجينة المفتوحة ضد موسكو ومينسك لم يتم شنها من قبل، وفي هذه الحالة، لا نتحدث فقط عن الضخ المستمر لأوكرانيا بالأسلحة والمحاولات المستمرة لزعزعة الوضع حول كل من دولة الاتحاد وداخلها، ولكن أيضًا عن التشكيل المستمر لصورة المركز "العالمي للشر "من روسيا البيضاء وروسيا في الساحة الدولية،  كما تصور الغرب، يجب أن يقلل هذا من دعم مينسك وموسكو بين أعضاء المجتمع الدولي، وبالتالي، زيادة الضغط عليهم مع كل العواقب المترتبة على ذلك، حتى الموافقة على غزو عسكري، وإذا كان نشاط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد وصل تقريبًا إلى حدوده فيما يتعلق بالاتحاد الروسي، والتي تلوح بعدها الحرب العالمية الثالثة، فإن العدوان الهجين ضد بيلاروسيا بدأ يكتسب الزخم اليوم.

وعلى وجه الخصوص، أصبحت الدول أكثر نشاطًا على الساحة الدولية، تطالب بنفس المسؤولية تجاه مينسك مثل موسكو فيما يتعلق بإجراء عملية عسكرية خاصة (SVO) في أوكرانيا، وعلى سبيل المثال، في أوائل يونيو، أرسل وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس، رسالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، يطالبها بتقييم دور بيلاروسيا في مساعدة روسيا على تنفيذ JMD وتقديمها إلى العدالة،  في الوقت نفسه، حُرمت مينسك فجأة من فرصة أن تصبح عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، على الرغم من أنه كان أحد المتنافسين الرئيسيين، وبدلاً منها، تم اختيار سلوفينيا بأغلبية الأصوات لهذا المنصب، والتي حتى نهاية عام 2021 لم تكن ستقدم طلبها على الإطلاق، مع الأخذ في الاعتبار، حقيقة أن السلطات السلوفينية تعتمد اعتمادًا تامًا على بروكسل، وأن الدولة نفسها عضو في الناتو، فليس من الصعب تخمين سبب هذا "النشاط" لجمهورية البلقان هذه، ومن هو في الواقع وراء انتخابها لمجلس الأمن الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، يخطط الغرب اليوم لتوجيه ضربة كبيرة أخرى إلى بيلاروسيا على الساحة الدولية، ففي 6 يونيو، أصبح معروفا أن الاتحاد الأوروبي، في إطار عمل منظمة العمل الدولية (ILO)، أيد مشروع قرار ينص على تدابير للتأثير على مينسك، من أجل إجبارها على الامتثال لعدد من الشروط الموضوعة  إلى الأمام من قبل العالم الغربي، ومن بين أمور أخرى، في الوثيقة، تمت دعوة جميع الحكومات وممثلي أصحاب العمل والعمال في الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية، وهم 187 دولة في العالم، إلى إعادة النظر في العلاقات مع السلطات البيلاروسية،  بالإضافة إلى ذلك، يوصى المدير العام لمنظمة العمل الدولية، بإبلاغ المنظمات الدولية، بضرورة وقف التعاون مع مسؤول مينسك.

ويجب ألا ننسى أنه في الأشهر الأخيرة كان هناك المزيد والمزيد من الحديث عن الحاجة إلى تغيير السلطة في بيلاروسيا، وحتى تنظيم غزو عسكري لأراضيها، وهذا، على سبيل المثال، تم الإعلان عنه في نهاية شهر مايو من قبل نائب وزير الدفاع الوطني البولندي السابق، الجنرال فالديمار سكشيبتشاك، الذي قال إن وارسو تستعد بالفعل لانقلاب عسكري في بيلاروسيا، وستدعم العملية العسكرية لتغيير نظام الرئيس الكسندر لوكاشينكو، وكذلك التصريح الأخير للأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس راسموسن، بأنه في حالة أنه "إذا لم يتمكن الناتو من الاتفاق على مسار واضح لأوكرانيا، فهناك احتمال واضح بأن بعض الدول قد تتخذ إجراءات بشأن كل حالة على حدة على أساس الحالة "، بما في ذلك بما في ذلك إمكانية نشر القوات على الأرض، فإن الوضع في بيلاروسيا يصبح خطيرًا للغاية،  علاوة على ذلك، لم تعد وارسو اليوم تختبئ، وتستعد للعمليات الهجومية وتنتظر فقط اللحظة المناسبة لبدءها، وفي سياق الحرب المختلطة التي تتكشف ضد دولة الاتحاد، يمكن أن يحدث هذا في أي لحظة، وكواحدة من الذرائع، قد يستخدم الغرب تصرفات المعارضة البيلاروسية الهاربة، والمسلحين الذين يقاتلون الآن إلى جانب نظام كييف، علاوة على ذلك، فإن هؤلاء لا يخفون رغبتهم في "العودة" إلى بيلاروسيا على متن دبابات.

إن تكثيف الهجمات المختلطة على بيلاروسيا، والتي لم تصل بعد إلى غزو مباشر وما زالت تقتصر على تدابير التأثير السياسي والاقتصادي والإعلامي، هي التي أجبرت مينسك الرسمية على تكثيف إجراءاتها لضمان الأمن القومي،  ودعوة شركائها إلى توسيع التعاون في مجال الدفاع ومقاومة الضغط الخارجي، وتم الإعلان عن هذا الأخير، على وجه الخصوص، في مينسك خلال قمة رؤساء مجالس الأمن في دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

ووفقًا للوكاشينكو، مثل بيلاروسيا، أصبحت جميع دول المنطقة اليوم عرضة للمعلومات والعمليات النفسية من الخارج، وبالتالي يجب على الجميع إيلاء اهتمام خاص لهذه المشكلة،   كما حث الزعيم البيلاروسي، على تحسين نظام الاستجابة للأزمات في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والبدء في تطوير استراتيجية جديدة للأمن الجماعي للمنظمة للفترة حتى عام 2035، بالإضافة إلى كل شيء، يرى لوكاشينكا أنه من الضروري إجراء مراجعة شاملة للإطار التعاقدي والقانوني للمنظمة ودولة الاتحاد، وبدء العمل اليوم على "تنسيق النهج ووضع مقترحات مناسبة فيما يتعلق بالهيكل الأمني المستقبلي لقارة أوراسيا".

في الواقع الجيوسياسي الحالي، ومع الأخذ في الاعتبار التهديد المتزايد لأمن بيلاروسيا، لم تعد كلمات القيادة البيلاروسية،  تبدو وكأنها تحذير بسيط، ويشهدون على أن مينسك تستعد بقوة ، وبقوة لصد العدوان الخارجي، وتأمل في الحصول على مساعدة ليس فقط من روسيا، ولكن أيضًا من شركاء آخرين في التكامل الأوروبي الآسيوي، في الوقت نفسه، لا ينبغي للمرء أن يفترض أن السياسة العدائية للغرب لا تُعارض إلا على مستوى الكلمات والنداءات في العاصمة البيلاروسية، فسلطات الجمهورية تدرك  جيدًا أن التهديدات المختلطة قد تتطور إلى عدوان مفتوح،  إما من الناتو أو أوكرانيا أو كليهما في نفس الوقت،  لذلك، تواصل مينسك بذل كل ما في وسعها، إذا لزم الأمر، لصد أي معتد محتمل بشكل مستقل، وللقيام بذلك، تصل أسلحة روسية جديدة إلى البلاد، ويتم الحفاظ على وجود التجمع الإقليمي لقوات الأمن العام التي تم نشرها العام الماضي، ويتم إجراء العديد من التدريبات العسكرية والدورات التدريبية، بما في ذلك كجزء من تشكيل ميليشيا شعبية، والتشريع يتغير تدريجياً، ويجهز البلاد لأكثر التطورات سلبية، وكل هذا يشير إلى أن السلطات البيلاروسية تأخذ التهديد الخارجي على محمل الجد واليوم لا تعتبر الهجوم المختلط على البلاد إلا بمثابة "استطلاع ساري المفعول"، والذي قد يتبعه غزو حقيقي.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

مجلة فورين أفيرز شؤون خارجية

بقلم: مايكل نايتس

إعداد وترجمة د. جواد بشارة

***

مقاربة تشرح لماذا لا يكون العراق الهادئ عراقًا مستقرًا تلقائيًا. تقوم الميليشيات المدعومة من إيران بتجريد الدولة من أصولها وإفراغ الخزانة، وتخترق جميع الوكالات الرئيسية وتحاول إنهاء حرية التعبير. يمكننا القول إن وكلاء إيران المدججين بالسلاح أستولوا على السلطة في بغداد ودمروا الدولة القائمة قبل سنة 2003 وبمساعدة الغزو الأمريكي للعراق.

للوهلة الأولى، يبدو أن العراق قد حقق بعض الاستقرار. أخيرًا، أصبح للبلاد حكومة فاعلة بعد عام من الفراغ السياسي. انخفض العنف الإرهابي إلى أدنى مستوى له منذ الغزو الأمريكي عام 2003. حتى الميليشيات المدعومة من إيران - التي كانت مصدر توتر طويل مع واشنطن - قللت بشكل كبير من هجماتها على المواقع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية. في خطاب ألقاه في 4 مايو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أرجع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الانخفاض في الهجمات على المصالح الأمريكية إلى استراتيجية أمريكية قائمة على "الركيزتين التوأمين الردع والدبلوماسية".

كما أوضح خطاب سوليفان، بأن فريق الأمن القومي للرئيس جو بايدن يرى أن هدوء الشرق الأوسط هو غاية في حد ذاته، بما في ذلك العراق. على الرغم من أن سوليفان كان سريعًا في إضافة أنه "لم يكن يرفع علم النصر على العراق" وأن الولايات المتحدة لا يزال لديها "برنامج مكثف" لتعزيز استقلال بغداد عن هيمنة طهران، إلا أن المقياس الحقيقي لنجاحها كان واضحًا وهو تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران والتي تهيمن على الحكومة العراقية. يعتقد البيت الأبيض أن خفض التصعيد الإقليمي ضروري للسماح للولايات المتحدة بالتركيز على منافستها مع الصين. لكن في العراق، يعد هذا النهج بأن يكون له تكاليف طويلة الأجل: يستغل حلفاء طهران رغبة الولايات المتحدة في الهدوء لزعزعة استقرار سياستها.

قد يبدو العراق هادئاً، لكن المظاهر قد تكون خادعة. في الواقع، تدخل البلاد مرحلة خطيرة بشكل خاص: فقد اكتسب حلفاء إيران سيطرة غير مسبوقة على البرلمان العراقي والسلطة القضائية والتنفيذية، وهم يتلاعبون بسرعة بالنظام السياسي لصالحهم وينهبون الدولة من مواردها. موقف واشنطن المتهاون تجاه هذه الأحداث يهيئها للمشاركة المكلفة في وقت لاحق. العراق هو ثالث أكبر منتج للنفط في العالم وبلد يمكن أن يؤدي انهياره إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله من خلال انتشار اللاجئين والإرهاب. لم تكن المنافسة بين القوى العظمى أبدًا ذريعة لدرء التهديدات التي تواجه البلاد - ولا ينبغي أن تكون كذلك الآن.

انتصار الميليشيات:

لقد مر العراق بالعديد من الأوقات المظلمة منذ عام 2003، ولكن يمكن القول إن أياً منها لم يكن ميئوساً منه مثل الحاضر. نعم، لدى العراق حكومة يقودها رئيس الوزراء محمد السوداني تحت قيادة تحالف إدارة الدولة الذي يضم الأكراد والسنة والإطار التنسيقي، وهذا الأخير هو كتلة سياسية متحالفة بشكل وثيق مع إيران. لكن هذا فقط لأن الفائز الحقيقي في انتخابات أكتوبر 2021، الحركة الشعبوية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، أي التيار الصدري، غادر البرلمان في يونيو 2022. اتخذ الصدريون هذه الخطوة بعد مناورة القضاء، الذي يسيطر عليه قادة التيار المدعوم من إيران. وأحزاب. الميليشيات، التي غيرت قواعد تشكيل الحكومة لصالح حلفاء طهران بذريعة توفر الثلثين داخل البرلمان لكي يمكن اختيار رئيس الجمهورية وتعيين رئيس لملس الوزراء، وبالتالي خلق الظروف المناسبة لنشوء الثلث المُعطّل، الذي قاده نوري المالكي. وتبعاً لذلك، أصبحت نتيجة الانتخابات موضع نقاش وكوفيء الخاسرون بالنصر، حتى بعد قيامهم بأعمال شغب لإبطال النتائج وأطلقوا طائرات مسيرة على منزل رئيس الوزراء السابق الكاظمي.

إن احتكار الإطار التنسيقي اللاحق لجميع فروع الحكومة العراقية لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد بعد عام 2003. إنه يحكم بمستوى من السلطة المطلقة التي لم يشهدها العراق منذ أيام صدام حسين. فالسوداني في نظر الكثيرين مجرد دمية: في حين أن رئيس الوزراء هو ليس مدير قطاع عام متمرس وعامل مجتهد، فهو لا يقود العراق إلا بتأييد ودعم من شمال البلاد حيث يتمركز الأكراد، وغربه حيث يتواجد أغلبية السنة. ويتم إدانته علانية من قبل حلفاء طهران في بغداد. القوى الحقيقية هي ثلاثة أمراء حرب، كل منهم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بإيران، على رأس الإطار التنسيقي: الإرهابي حسب تصنيف الولايات المتحدة قيس الخزعلي، وهو قائد ميليشيا عصائب أهل الحق الذي دربته إيران. ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، رئيس حزب الدعوة وكتلة دولة القانون. وقائد منظمة بدر الإيرانية هادي العامري.

لسنوات عديدة، كان هؤلاء السياسيون الثلاثة مقيدين جزئياً من قبل خليط من المعارضين. خلال الاحتلال الأمريكي من عام 2003 إلى عام 2011 ومرة أخرى خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من 2014 إلى 2019، عملت واشنطن، ولكن ليس بجدية كافية، لمنع الميليشيات من الاستيلاء على الكثير من أدوات سلطة الدولة. كما عمل المتظاهرون العراقيون على ضبط قوة الجماعات المدعومة من إيران - أسقطت احتجاجاتهم الجماهيرية في عام 2019 رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي تسيطر عليه الميليشيات. وفي الانتخابات الأخيرة في العراق، حاول الصدر حشد أغلبية دينية ومتعددة الأعراق لتشكيل حكومة استبعدت الإطار التنسيقي لكنه فشل..

اليوم، انهارت جميع مصادر المعارضة هذه. حيث فشل رهان الصدر الانتخابي بسبب تدخل القضاء وانحيازه لخصومه في إلإطار التنسيقي وحركته الآن خارج السلطة وتداوي جراحها. كما أن الميليشيات المدعومة من إيران ليس لديها ما تخشاه من ضغط المتظاهرين الشباب وإحباطهم. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة مشتتة بسبب صراعها الجيوسياسي مع الصين وقد قلّصت أهدافها إلى مجرد تخفيف التوترات في الشرق الأوسط، بغض النظر عن التكلفة طويلة الأجل للمصالح الأمريكية في المنطقة.

تزوير النظام:

إن تداعيات سيطرة الإطار التنسيقي على الحكومة العراقية واضحة بالفعل. تتمتع الكتلة الآن بتفويض مطلق لتعزيز السيطرة المطلقة على البلاد، ونهب موارد الدولة العراقية وقمع الأصوات المعارضة. ولا يظهر صعوده أي علامات على التراجع: يهيمن الإطار التنسيقي الآن على مجلس الوزراء ويسيطر على البرلمان حتى الانتخابات المقبلة المقررة في أكتوبر 2025.

والأهم من ذلك أن التنظيم يوجه تصرفات القضاء إلى حد لم نشهده منذ سقوط صدام. القاضي فائق زيدان هو رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، وهو حليف مقرب لأمراء الحرب القائمين على رأس الإطار التنسيقي. تحت قيادته، تدخلت المحكمة العراقية العليا بشكل حاسم في سياسات البلاد لتكريس قوة الميليشيات. و عندما تم دعم الإطار التنسيقي لعرقلة فوز الصدر في انتخابات 2021، غيرت المحكمة قواعد تشكيل الحكومة، وحكمت بأن الصدر بحاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان، وليس الأغلبية البسيطة، لتشكيل الحكومة.

يستخدم الإطار التنسيقي أيضًا سلطته غير المقيدة لدمج نفسه في مؤسسات الدولة العراقية الأخرى. أصبح جهاز المخابرات الوطني العراقي ومطار بغداد وهيئات مكافحة الفساد والمراكز الجمركية جميعها تحت سيطرة الجماعة منذ أكتوبر / تشرين الأول 2022. كانت مؤسسات الدولة العراقية مثل هذه تتعثر بالفعل وتهدد هذه الإجراءات بمزيد من تآكلها.

تستخدم الجماعات المدعومة من إيران نفوذها المتزايد داخل هذه المؤسسات لتكثيف جهودها لإسكات خصومها المحليين. على سبيل المثال، بعد تولي السيطرة على هيئة تنظيم وسائل الإعلام العراقية، وهيئة الاتصالات والإعلام، في كانون الثاني (يناير)، وضعوا خططًا لإدخال لوائح صارمة للمحتوى الرقمي تعد بتضييق الخناق على حرية التعبير للعراقيين. اللوائح، التي تتطلب من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الانتقال إلى المجالات المملوكة للحكومة العراقية وتتضمن تعريفات غامضة للمحتوى غير المناسب أو غير اللائق الذي سيتم استخدامه لتبرير الرقابة، وهي الإجراءات التي أثارت انتقادات من المنظمات الدولية لانتهاكها الدستور العراقي.

أخيرًا، ينهب الإطار التنسيقي موارد الدولة العراقية لمصلحته السياسية. لقد أنشأت الجماعات المدعومة من إيران شركة مملوكة للدولة تعمل بنشاط على توحيد أصول الدولة، باستخدام نفس النهج الذي اتبعه فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. علاوة على ذلك، أشرفت هذه الجماعات على التوسع الهائل في ميزانية العراق في محاولة لشراء الدعم الشعبي أثناء تعزيز سلطتها.

قرية من الدولة:

لطالما سعى السياسيون من ميليشيات الإطار التنسيقي للسيطرة على شركة يمكنها تجميع الأراضي الحكومية وغيرها من الأصول العامة. ونموذجهم لهذا الجهد هو تكتل خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي اكتسب نفوذاً اقتصادياً وسياسياً واسعاً. في إيران من خلال الفوز بأكثر من 1200 عقد بناء، بقيمة تزيد عن 50 مليار دولار، منذ تشكيلها في عام 1990. تم إدراج خاتم الأنبياء من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كامتداد تجاري لـ الحرس الثوري الإيراني.

كلما حان الوقت لاختيار رئيس وزراء جديد في السنوات الأخيرة، سألت الميليشيات المدعومة من إيران كل من المرشحين المختارين عما إذا كانوا سيدعمون إنشاء شركة على هذا المنوال. في عام 2018، قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي نعم وحصل على دعم الميليشيات لترشيحه لرئاسة الوزراء، لكن الحكومة الأمريكية منعت الشركة من التشكيل. عندما تولى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منصب رئيس الوزراء البديل لمنتصف المدة في عام 2020، كان لديه الدعم السياسي لرفض السماح للشركة بالتشكل، ثم رفض مرة أخرى في عام 2022 عندما عرض حلفاء طهران عليه كجائزة ليحصل على تمديد. أربع سنوات فترة ولاية ثانية. أخيرًا، شقت الميليشيات المدعومة من إيران طريقها تحت قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلف الكاظمي، الذي أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 عن إنشاء "الشركة العامة للبناء والعقود الهندسية والميكانيكية والزراعية والصناعية". تم تسمية الشركة على اسم الإرهابي حسب التصنيف الأمريكي، أبو مهدي المهندس، الذي قُتل في غارة جوية أمريكية في يناير 2020 برفقة القائد الإيراني قاسم سليماني. لكن هذه المرة لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا.

لم تكن هناك منظمة مثل شركة المهندس العامة موجودة من قبل في العراق. كما ورد في نظامها الأساسي، فإن الشركة مملوكة رسميًا لقوات الحشد الشعبي، وهو جيش الاحتياط العراقي الذي ظهر أثناء القتال ضد داعش ويقوده هيئة التنسيق وغيرها. تفويضها غير محدود فعليًا: يمكنها العمل في أي قطاع، كما يوحي اسمها الكامل، وهي في الأساس حاوية فارغة يمكن للميليشيات المدعومة من إيران من خلالها تعزيز سيطرتها على الاقتصاد العراقي. يمكن للشركة الجديدة، الفريدة من نوعها بالنسبة للشركات العراقية المملوكة للدولة، الحصول على أراضٍ مجانية ورأس مال حكومي ومؤسسات مملوكة للدولة، ويمكنها القيام بأعمال البناء والهدم دون موافقة مجلس الوزراء أو البرلمان.

في ديسمبر 2022، بعد وقت قصير من إنشائها، حصلت شركة المهندس العامة على 1.2 مليون فدان من الأراضي الحكومية على طول الحدود العراقية السعودية مجانًا. تم الإعلان عن هذا الاستحواذ في وسائل الإعلام لكنه لم يمر بأي من الروتين المعتاد الذي يصاحب مثل هذه المشاريع. من المفترض أن يكون المشروع لغرس الأشجار والزراعة، ولكن لإعطاء فكرة عن الحجم، فإن المساحة التي يغطيها تبلغ نصف مساحة لبنان وأكثر من 50 مرة من أكبر مشروع زراعي مخطط له في تاريخ. العراق. تقع الأرض أيضًا في موقع استراتيجي في منطقة أطلقت منها الميليشيات العراقية طائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في عدة مناسبات منذ عام 2019. وفي ما قد يكون أول مثال على الاستيلاء على الأراضي الحضرية في العراق،

إن النمو المستمر لشركة المهندس العامة سيكون بمثابة ضربة للعراق. كما أنه سيحبط الآمال الأمريكية في المستقبل الاقتصادي للبلاد. في 31 أيار (مايو)، أبلغت السفيرة باربرا ليف، كبيرة مسؤولي وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن "الحيوية الاقتصادية تتجلى لأول مرة حقًا" في العراق اليوم. سيتم خنق هذه الإمكانات في مهدها إذا تمكنت الميليشيات القوية من استخدام قوتها الاقتصادية الجديدة للسيطرة على أي صناعة واعدة، وفرض عقود حكومية وإحالتها على نفسها وتخويف المستثمرين الأجانب.

سرقة البنك:

كما تستخدم الميليشيات المدعومة من إيران عائدات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة. تعتبر مسودة الموازنة الأولى للحكومة بقيادة الإطار التنسيقي الأكبر في تاريخ العراق، حيث تقترح أنفاق 152 مليار دولار، بزيادة حوالي 50٪ عن آخر موازنة عراقية مصرح بها لعام 2021. وتلتزم الحكومة بالحفاظ على هذا المستوى من الإنفاق لثلاثة أعوام. متتالية.، أي حتى انتخابات أكتوبر 2025.

هذا المستوى من الإنفاق غير المسؤول يتجاهل تحذيرات الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي دعت العراق إلى تقليص قطاعه العام المتضخم. يحاول الإطار التنسيقي شراء النوايا الحسنة للفصائل السياسية العراقية و إسكاتها من خلال الإنفاق غير المستدام، بما في ذلك خلق ما لا يقل عن 701 ألف وظيفة حكومية جديدة، وزيادة بنسبة 17٪ في عدد الموظفين الحكوميين في عام واحد. على سبيل المثال، من المتوقع أن ينمو الحشد الشعبي من 122،000 إلى 238،000 عضو مدفوع الأجر، بزيادة 95٪ في عدد الميليشيات التي تمولها الدولة في بلد يشهد أدنى مستويات العنف منذ عقدين.

من خلال إثقال كاهل الدولة بالتزامات الأجور، يضع الإطار التنسيقي الأساس لعدم الاستقرار في المستقبل. حتى بأسعار النفط الحالية، التي تدور حول 75 دولارًا للبرميل، فإن هذا المستوى من الإنفاق سيقضي على معظم احتياطيات العراق البالغة 115 مليار دولار في نصف عقد. إذا انخفضت أسعار النفط، فإن بغداد ستفلس بشكل أسرع. عندما وجدت بغداد نفسها في ضائقة مالية رهيبة في عام 2014، سارع العالم إلى حشد الدعم للعراق حيث كان البلد حيويًا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن الحكومة العراقية لا تستطيع الاعتماد على مثل هذا السخاء في المستقبل. في 31 مايو، أطلق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بتوقعه أن العراق سيواجه "مخاطر حرجة على استقرار الاقتصاد الكلي" في السنوات القادمة. ببساطة، هذا يعني التخلف عن السداد للمواطنين والمستثمرين، والتضخم والاحتجاجات وخدمة الديون الخارجية والداخلية الخ أي العمل وفق المثل القائل،افعل الكثير بالقليل.

بالنسبة للولايات المتحدة، قد يكون الهدوء الظاهر في العراق هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. ليست هذه هي المرة الأولى التي تعتقد فيها واشنطن أنها على طريق الاستقرار في العراق: فبعد انتخابات 2010 التي شهدت إعادة تعيين المالكي لولاية ثانية كارثية، حاولت الولايات المتحدة غسل يديها من البلاد. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، تمكنت الأحزاب المدعومة من إيران من التلاعب بعملية تشكيل الحكومة لصالحها، وبالتالي أضعفت سلطة بغداد من خلال الفساد ونفوذ الميليشيات والمحسوبية السياسية. بعد انسحاب الجيش الأمريكي في ديسمبر 2011، بدا العراق هادئًا، لكن أسسه السياسية والاجتماعية كانت متعفنة من الداخل. بعد عامين ونصف، عادت الولايات المتحدة إلى العراق لشن حرب دموية بعد سيطرة داعش على ثلث البلاد.

من غير المرجح أن يكون الحد المؤقت من وقوع الهجمات الوخيمة على المنشآت الدبلوماسية الأمريكية المدرعة هو المقياس الأساسي لنجاح واشنطن في العراق. تم تشييد المواقع الدبلوماسية الأمريكية شديدة التحصين بتكلفة كبيرة على وجه التحديد لتمكين الدبلوماسيين الأمريكيين من الدفاع عن المصالح والقيم الأمريكية بغض النظر عن مضايقات العدو.

لا تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسال قوات أو مليارات الدولارات للمساعدة في عكس الاتجاهات الخطيرة في العراق. لا يزال بإمكان القدرات المالية والاستخباراتية الأمريكية أن يكون لها تأثير كبير على تصرفات المسؤولين العراقيين، وكثير منهم لديهم طموحات ومصالح سياسية أعلى في التجارة والمصارف الدولية. على سبيل المثال، وفقًا لمصادر دبلوماسية أمريكية، شعر فائق زيدان بقلق عميق عندما أرسل ثلاثة أعضاء من الكونجرس الأمريكي خطابًا إلى بايدن في فبراير حددوا فيه فائق زيدان كهدف محتمل للعقوبات. يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذ مثل هذا - بشكل خاص أولاً - للإشارة إلى القلق بشأن حالة النظام القضائي العراقي وقادته الرئيسيين.

هناك خطر حقيقي من أن العراق سيصبح نوعًا من الديكتاتورية القضائية، حيث تأتي الحكومات وتذهب، لكن القضاء هو هراوة دائمة تمارسها الميليشيات المدعومة من إيران. لدى المسؤولين الأمريكيين معلومات استخباراتية لا مثيل لها حول الاتصالات والمصالح المالية للمسؤولين الفاسدين في العراق، وعليهم استخدام هذه المعلومات بشكل متكرر لإصدار تحذيرات خاصة موجّهة للمسؤولين في بغداد لتغيير سلوكهم.

قد يكون الهدوء الظاهر في العراق هو الهدوء الذي يسبق العاصفة:

يجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تفي بوعدها بدعم القيم الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق. في خطابه في مايو، أكد سوليفان أن دعم القيم الأمريكية هو أحد الركائز الخمس لسياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط. في العراق اليوم، يعني ذلك ضرورة التراجع عن القيود الصارمة التي فرضتها بغداد على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والصحافة الاستقصائية، والهجاء السياسي، وتهديد الصحفيين والإعلاميين بالقتل والخطف والتغييب القسري، فهذه كلها علامات مميزة لدكتاتورية في طور التكوين.

يجب على واشنطن دعم الصحافة الاستقصائية والمساعدة في حماية هذه الجهود بمساعيها الحميدة. يمكن للولايات المتحدة أيضًا استخدام قدراتها الاستخباراتية. تشكيل فرق بحث محترفة للعثور على الأموال المخبأة في الخارج من قبل المسؤولين الفاسدين وإعادة هذه الأموال إلى العراق. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد ذلك أيضًا السلطات العراقية على القبض على الجناة الحقيقيين وراء اختلاس 2.5 مليار دولار "سرقة القرن"، حيث أفرغ المسؤولون المرتبطون بالإطار التنسيقي حساب ضرائب للحكومة العراقية عن طريق سرقة مدبّرة ووثائق مزورة وكتابة مئات الشيكات والفواتير بأنفسهم. إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقًا دولة عراقية مستقلة وذات سيادة وعاملة اقتصاديًا، فيجب عليها أن تقود وتدعم التحقيقات للعثور على الأموال المسروقة واستعادتها للعراق - وليس مجرد معرفة مثل هذه الحالات عندما تتصدر عناوين الصحف..

على سبيل الاستعجال، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على عزل شركة المهندس العامة عن الاقتصاد العراقي قبل أن تلوث المشهد الاستثماري في البلاد. تمثل الشركة محاولة لتجريد أصول دولة صناعية كبرى من أجل المنفعة المالية للإرهابيين الذين حددتهم الولايات المتحدة ومنتهكي حقوق الإنسان، والذين هم المستفيدون الرئيسيون من الشركة. يُحسب للحكومة الأمريكية أن شركة المهندس العامة تخضع بالفعل للتدقيق من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية ومكتب المنسق العالمي لمكافحة الفساد في الولايات المتحدة، ولكن يجب أن ينعكس هذا في العقوبات المحددة.

يمكن للولايات المتحدة أن تضع نفسها على الجانب الصحيح من التاريخ في العراق إذا استمرت في التراجع بقوة ضد أسوأ تجاوزات الميليشيات التي تقف وراء الحكومة الحالية. حتى في خضم تنافسها مع الصين والحرب في أوكرانيا، لا يزال بإمكان واشنطن استخدام صوتها الفريد وقدراتها المالية والاستخباراتية لإضعاف القوى المناهضة للديمقراطية وإعطاء الشباب العراقيين والإصلاحيين ومحققو مكافحة الفساد فرصة للدفاع عن الديمقراطية الهشة التي لا تزال قائمة.أو موجودة - بالكاد - في العراق.

***

تراجع تام للأيديولوجيات لمصلحة اللعب والمناورة المرنيين في الساحة الدولية

مما لاشك فيه؛ ان البشرية عبر سفرها التاريخي؛ شهدت كما هائلا جدا، من التطورات والاحداث والحروب، والغزوات والاحتلالات بما يسود بالحبر آلاف الكتب. لاحقا بعد عدة قرون، تحديدا في القرنين التاسع عشر، والقرن العشرين، وبالذات في القرن العشرين؛ كان الاساس فيها، اي في هذه التطورات العميقة التي انتجتها او صنعتها الاحداث والحروب، صراع الأيديولوجيات التي رسمت للدول والشعوب ايضا؛ طريقها على الصعد كافة. من الطبيعي قبل عصر الأيديولوجيات كانت الاطماع بالاستيلاء على ارضي الدول او الشعوب التي ليس في قدرتها الدفاع عن نفسها وعن ارضها وعن شعوبها، من قبل الامبراطوريات المتصارعة فيما بينها على توسعة امبراطورياتها على حساب الأخيرين من الشعوب، او على حساب الامبراطوريات الأخرى المحادده لها. ان هذه الأيديولوجيات، سواء الوضعية بشقيها اليساري والقومي او الديني، جميعها لعبت، دورا كبيرا جدا في صناعة الاحداث التاريخية الكبرى، وايضا الحروب والنزاعات، والتي احدثت التحولات التاريخية الكبرى والعميقة، في اكثر من مكان في المعمورة. ان هذه الأيديولوجيات سواء ما كان منها، او ما هي تستند على الفكر اليساري، اي الافكار الماركسية كأداة للتحليل الاقتصادي والسياسي، او الافكار القومية او حتى غيرهما؛ التي تعتمد على الأيديولوجية كبوصلة عمل وخارطة طريق في عملها السياسي والاقتصادي والثقافي؛ هي التي رسمت شكل النظام العالمي الحالي، الذي يشهد موته السريري، بانتظار موته التام في المقبل من الزمن، حتى يفسح او يترك الساحة الدولية؛ لنظام حديث يحل محله. لقد وصل النظام العالمي الى شكله الحالي عبر حريين عالمتين مدمرتين، وبعدهما الحرب الباردة ومن ثم تاليا بعد سنوات؛ عالم القطب الواحد، اي التسييد الأمريكي على الكرة الارضية. هذا النظام الامريكي الذي جلس على كرسي قيادة العالم او النظام العالمي، طبقا للقواعد والمعايير الدولية التي وضعتها الولايات المتحدة، كبديل عن النظام العالمي الذي تعمل وفق معاييره وقواعده، الامم المتحدة ومجلس الامن التابع لها. خلال هذين الحربين العالميتين ومن ثم الحرب الباردة، وقبل عقدين؛ بروز عالم القطب الواحد، الذي فسح المجال واسعا من دون حسيب او رقيب الى التغول الامريكي، اي الي التفرد الامريكي بمصائر العالم لمدة اكثر من عقدين من الزمن الذي انقضى. كانت الامبراطورية الامريكية التي تفردت بمصير دول العالم في ذلك الوقت، قد غزت واحتلت دولتين هما افغانستان والعراق، وتركت في الدولتين الدمار والخراب، وآلاف القتلى، وآلاف اخرى تعاني حتى الساعة من تفشي امراض السرطان، بسبب ما كانت امريكا قد استخدمته من اسلحة محرمة دوليا في احتلال هاتين الدولتين، وبالذات لجهة التحديد الحصري؛ في احتلالها للعراق. لم يتم مساءلتها، لا من المجتمع الدولي ولا من ضحايا الشعبين؛ عن ما خربته ودمرته في حربيها، وهما، وبكل تأكيد حربين عبثيتين، أو انهما حربين اردتا امريكا بهما؛ ان ترسخ تجذر وتوسع هيمنتها على دول وشعوب الكرة الأرضية؛ إنما تداعياتهما ونتائجهما جاءت على القيض تماما، اي التأكل الواسع والعميق من جرف نفوذها وهيمنتها. أما لماذا لم يتم مساءلة الولايات المتحدة عن جرائمها في هذين الحربين من المجتمع الدولي؟ الجواب وبكل بساطة؛ انها دولة عظمى تمتلك ترسانة من السلاح النووي؛ لا احد في امكانه التوجه لها ولسمؤوليها بالسؤال عن ما فعلوا من خراب ودمار وهلاك للبشر والشجر والماء والارض. بالعودة الى الأيديولوجيات التي كانت، سواء الاشتراكية التي تراجعت بصورة جلية جدا خلال العقدين الماضيين، حتى اختفت الى حد ما من الخطابات السياسية والثقافية والأدبية اي جرى تهميشها الى حد كبير جدا، او الرأسمالية بشكلها الامبريالي العتيق، او بموجباتها الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية القديمة، التي تم تغييرها كليا وتحويل الخطابات عنها، السياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية الى خطابات تتبنى الليبرالية الحداثوية، والتي هي في جوهر خطاباتها تلك؛ هو تسويق للإمبريالية الحداثوية العابرة للحدود والجنسيات. أما الأيديولوجية القومية فقد تراجعت كثيرا هي الأخرى، حتى بات الحديث عنها او خطاباتها ضربا من ضروب الهرطقة. وبرز في المقابل؛ الاسلام السياسي في العقد الأخير او لجهة الواقع المتحرك على الارض خلال العقدين الماضيين، والذي يعاني الآن كثيرا، وانسداد جميع طرق النجاح له كمنظومة حكم في دول الربيع العربي. مما يؤذن بأفوله قريبا، وتراجعه كثيرا عن الفعل المنتج في المشهد السياسي. أن الليبرالية الحديثة التي تريد او يريد المروجون لها؛ ان تتحكم في حركة دول العالم على جميع الصعد. اعتقد او من وجهة نظري المتواضعة، الليبرالية الحداثوية، هي الأخرى سوف تتراجع في المقبل من الزمن، وهو اي هذا التراجع، على اي حال، ليس بعيدا من الآن. ان الليبرالية الحديثة هي بحد ذاتها؛ ايديولوجية مع انها ترفض العمل بالأيديولوجيات في تناقض صارخ على صعيد الطرح الفكري وعلى صعيد الاهداف، والنتائج، وسلم الاوليات. الغرب وفي المقدمة من هذا الغرب، الولايات المتحدة التي تعتبر واقعيا وعمليا وانتاجا هي رأس الحربة في هذه الأيديولوجية الليبرالية الحداثوية المؤطرة بأطر امبريالية، أو ان الاصح والادق، الامبريالية قاعدة انطلاقها، ومحتواها ومضمونها وخطاباتها السياسية والثقافية والاقتصادية ؛ لا يتورعون كثيرا، أو لجهة الدقة الموضوعية؛ الولايات المتحدة الأمريكية، لا تتورع كثيرا او لا تتأخر كثيرا في استخدام القوة سواء القوة الناعمة او الاقتصادية او الغزو والاحتلال او غير هذا من التدخلات؛ في احداث التغييرات في البلد الذي يريدون ان يغيروا او تريد امريكا، ان تغير؛ نظامه السياسي بنظام بديل موالي لها، وتاليا هذا النظام البديل، بحكم الضرورة الحتمية الناتجة عن صناعة قوة عوامل فعل التغيير ومفاعيله؛ يكون تابعا لها. وكي يتم استدامة هذه التبعية لها، اي لأمريكا؛  يتم اعادة صياغة النظام الاقتصادي والتجاري والمالي والثقافي والسياسي، وحتى الأدبي، والأخير بصورة غير مباشرة، بغسيل العقل والدماغ من خلال الاشهار والنشر المترجم، الواسع النطاق؛ لدوريات ثقافية وادبية، قصدية، وذات تأثير فعال على العواطف والنفوس بما تمتلك من قوة عاطفية وعقلية للأحداث والشخوص وبلاغة اللغة؛ في اختيارات منتخبة. (ان هذا لا يعني عدم التفاعل الادبي والثقافي بين شعوب المعمورة، بل ان العكس هو الصحيح تماما؛ إنما الرفض هنا للاستثمار التخادمي بين قوى النفوذ الدولية العظمى ومراكز فعلها ومفاعيلها الثقافية والادبية التي تصنعها وتمولها الشركات الامبريالية الكبرى؛ في التأثير على ثقافة الشعوب المستهدفة، بعزلها عن ارثها الثقافي والحضاري..) ان الولايات المتحدة؛ ترمي او تهدف من وراء ذلك، ان تجعل من هذا البلد ونظامه البديل الجديد، طبقا لنظامها اي النظام الاقتصادي الامريكي والسياسي والثقافي والمالي، وما يتبع كل هذا، أو ينتج عنه من توجهات.. حتى يتم بهذا الطريقة؛ التحكم المستقبلي بمخرجات هذا النظام الجديد الموالي لهم او لها، اي للأمريكيين او لأمريكا لا فرق. ان اعادة تشكيل النظام الدولي، او تبديل النظام الحالي بنظام دولي جديد؛ ما هو الا بنتيجة التطور التاريخي الذي تشهد البشرية؛ اولى او بدايات ارهاصاته، التي سوف لا محال تدفع باتجاه نظام عالمي ليس لأي دولة واحدة لوحدها سلطان عليه. كما ان الأيديولوجيات سوف لن تكون هي من تحدد افاق الشراكات والتحالفات والتعاون بين دول وشعوب كوكب الارض هذا، كما كان يجري في القرن العشرين وحتى الى حد ما العقدين الاوليين من القرن الحالي، بمعنى اكثر دقة وتحديدا؛ سوف يمنح إرادة شعوب الارض فرصة ذهبية في اختيار انظمتها السياسية، كما انه سوف يتيح فرص واسعة امام انظمة الدول حرية الاختيار او اختيار الشراكات او التعاون بينها وبين الدول الأخرى. ان النظم العالمية تقريبا، ربما جميع الانظمة السياسية في دول العالم، وايضا الشعوب على ظهر كوكبنا؛ لم تعد تأخذ في الاعتبار، الأيديولوجية التي يعتمد عليها النظام السياسي في بلد ما في العالم؛ المحددات الفكرية التي من الواجب الأيديولوجي ان تفرض على هذا النظام مساحات الشراكة او التحالف او التعاون مع الدول الأخرى وبالذات الدول العظمى والكبرى. ان هذا التوجه لا ينطبق فقط على دول العالم الثالث بل هو ينطبق تماما حتى على الدول العظمى والكبرى. ان دول العالم بدأت بشكل جلي وواضح ترسم سياساتها وشراكاتها وتحالفاتها على ما تمليه عليها مصالحها، التكتيكية والاستراتيجية، بصرف النظر عن ما تؤمن به من افكار حتى وان تقاطعت تقاطعا صارخا هذه الافكار مع افكار الدولة الأخرى التي تسعى الى بناء شراكات معها. في السنوات الأخيرة؛ صارت الأيديولوجيات ليس لها وجود او اي تأثير في رسم سياسة اغلب الانظمة السياسية في دول العالم، التي تؤمن بأيديولوجية ما اي انها تضعها على رف الاهمال في تعاملها مع الدول العالم وبالذات حين يكون التعامل او الشراكات او التحالفات او التعاون بين دولة من العالم الثالث ودولة عظمى او كبرى، وحتى فيما بين دول العالم الثالث. ان هذا النظام، اقصد اي نظام لدولة ما في العالم الذي يؤمن بتلك الافكار او بهذه الافكار التي يجعل منها بحكم الضرورة والحاجة الملزمة للبقاء على رأس الحكم والسلطة؛ مادة للتثقيف الداخلي ولكسب المريدين والموالين ليس الا، وليس لتحديد شكل العلاقة مع اي دولة اخرى، نظامها مبني على أيديولوجية، تتقاطع كليا لناحية الأيديولوجية التي حددت شكل هذا النظام. لقد قيل قديما؛ لا توجد صداقات دائمة بل مصالح دائمة. هذا امر مفروغ منه ومعروف في كل مراحل السفر التاريخي للبشرية. لكن في الوقت الحاضر، وما فرضته التطورات التاريخية، وما انتجه العقل البشري من ثورة معلوماتية، قاد الى ان لا توجد صداقات او شراكات او تعاون او تحالفات تحددها او ترسم الطريق إليها؛ الأيديولوجيات، بل ان من يحددها هي المصالح في الوقت الحاضر، بمعنى ان الأيديولوجية التي كانت في زمن ما هي من تحدد العلاقات بين الدول وربما حتى شعوب تلك الدول، لم يعد لها وجود في السياسة الدولية الحالية، استجابة للتطورات التاريخية، وتدفق ووصول المعلومة بالثانية الى ابعد ركن من الكرة الارضية؛ الذي لا يمكن لأي دولة مهما بلغت من القوة والقدرة على ايقاف حركته في التطور وانتاج الجديد. هذا من جانب اما من الجانب الثاني، وهذا الجانب لا يقل اهمية من تراجع الأيديولوجيات لصالح البرغماتية واللعب المرن والمناورة في تنظيم العلاقات بين الدول وايضا بين الشعوب؛ هي الثورة المعلوماتية التي انتجت او صنعت او عمقت الحس الانساني المرهف للعدالة في مقابل حجم الظلم الذي تعرضت له وتتعرض حتى الساعة؛ الكثير من الشعوب في اكثر من مكان في الكرة الارضية؛ سواء من أنظمة حكم مستبدة، او من الغزو والاحتلال. نلاحظ في السنوات الأخيرة ان هذه الأنظمة المستبدة، على الرغم من رسوخ سيطرتها على مقاليد الحكم، لكنها بدأت تواجه إرادة الشعوب، التي لم ينجح التغلغل الامريكي في نسيجها الثقافي والسياسي والادبي؛ في حرفها عن طريق مصالحها لصالح المصلحة والنفوذ الأمريكي الذي تريد له امريكا الاستدامة. لذا تستمر إرادة الشعوب بالرفض لأنظمة الاستبداد السائرة في فلك المستغل الامريكي لها ولثرواتها، والمعارضة لطبيعة حكمها؛ مما قاد وسوف يقود اكثر في المقبل من الزمن الى ان تهتز ركائز انظمتها؛ مما يفضي أما ان تقوم انظمة الاستبداد هذه الى التغيير بما يتناسب مع مستلزمات هذا العصر؛ من حرية وديمقراطية حقيقية، واستقلال وسيادة كاملة لا جرح فيها ولا نقص، وهذا هو الأمر البعيد الاحتمال لطبيعة هذه الأنظمة؛ او ان التطور التاريخي للبشرية سوف يتجاوزها كثيرا؛ عندها يصبح انهيارها وسقوطها امرا حتميا؛ بهبة جماهيرية وليس بالانقلابات العسكرية التي لم يعد لها وجود لناحية الفعل في احداث التغيير او بالسيطرة على الحكم، في ظل هذا التغير الكوني العميق والجذري الذي لعبت الآن وسوف تعلب إرادة الأنسان فيه؛ الدور المركزي في صناعة الرأي والاحداث.. بعيدا عن قيود الأيديولوجيات وشروطها ودروبها..

***

مزهر جبر الساعدي

لم يفاجأ أحد بردود الافعال الغربية كالعادة، فنباح الغرب وأوكرانيا، سمع في كل باب، يُزعم أن روسيا هي التي "فجرت سد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، مما تسبب في كارثة بيئية" - ، في وقت كل المعطيات والحقائق تشير إلى عكس ذلك، فالسؤال المهم بالتأكيد، لماذا تحتاج روسيا إلى تفجير سد لإغراق ضفاف نهر دنيبر (خاصة الجانب الأيسر، الذي يخضع لسيطرتها)، وهدم حقول الألغام والتحصينات المقامة هناك، على خط دفاع القوات الروسية مع مجرى مائي، ولكن حتى لو كان هناك فجأة رجل مجنون يأمر بالفيضان، فلماذا في هذه الحالة تدمير السد؟ يكفي فقط فتح البوابات إلى أقصى حد، بحيث يكون التأثير في النهاية هو نفسه، لكن كييف لم تتمكن من فتح الصمامات، لأن السد ومحطة الطاقة الكهرومائية كانا يتحكم فيهما الجانب الروسي، لهذا السبب لم يتبق لديه سوى خيار واحد، وهو تدمير السد، واحداث الفيضان .

روسيا حذرت مرارًا وتكرارًا ، من احتمال قيام الجانب الأوكراني بتدمير محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية، ووزعت وثيقة رسمية لمجلس الأمن الدولي، بمذكرة من البعثة الدائمة حول خطط نظام كييف لتدمير محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، علاوة على ذلك، بالعودة إلى عام 2022، أعلنت قيادة القوات المسلحة الأوكرانية صراحةً عن خطط لتدمير Kakhovskaya HPP، ثم قام الجيش الأوكراني بضربة تجريبية من MLRS HIMARS الأمريكية على أحد أقفال سد Kakhovka ، من أجل إحداث ثقب فيه ومعرفة مقدار ارتفاع المياه في نهر Dnieper ، ووفقا للمندوب الروسي في مجلس الامن فاسيلي نيبينزيا، فإن دعوات موسكو للأمين العام للأمم المتحدة لبذل كل ما في وسعه لمنع هذه الجريمة المروعة لم تؤخذ بعين الاعتبار بشكل صحيح.

وبعيدا عن التكهنات التي يجب ان نضعها جانبًا، هناك فرص، وهناك منطق لأفعال السبب والنتيجة، وهناك فائدة، ومن أي موقع لا يبدو ولا تحاول تحليل ما حدث، فإنه يشير بأي حال إلى الشخص الذي رتب هذه الكارثة، هي كييف، فلعدة أيام، زادت كييف بشكل كبير من تصريف المياه في DneproGES، مما تسبب في ارتفاع المياه في خزان Kakhovka، لكن في سد محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية، لم يتمكن الموظفين الروس من زيادة تصريف المياه من الخزان ، لأنهم كانوا يتعرضون باستمرار لإطلاق النار من الجانب الأوكراني، ليس ذلك فحسب، نتيجة لمثل هذه الإجراءات في أوكرانيا، زاد ضغط المياه بالقرب من نوفايا كاخوفكا على السد والسد، الأمر الذي قد يتسبب في حد ذاته في تدمير الانهيار الأرضي للسد، حتى بدون وصول MLRS فوق السد، وكان - الجانب الأوكراني، قد أطلق "ألدر" فوق السد، ويروج الأتراك الآن، بشكل عام، للنسخة القائلة، بأن السد قد تعرض لهجوم من قبل قوارب كاميكازي غير المأهولة.

وتشير القراءة الروسية للحدث، الى انه كان للتخريب هدفان على الأقل ن الأول، جذب أقصى قدر من الاهتمام لإعادة تجميع وحدات القوات المسلحة لأوكرانيا، فضلاً عن إلحاق أكبر قدر من الضرر الإنساني بسكان المناطق المتاخمة لـ HPP"، و لم تستبعد الدبلوماسية الروسية أن كييف في أفعالها يمكن أن تسترشد أيضًا بالرغبة في تنظيم استفزاز ضمنيًا ضد محطة زابوروجيه للطاقة النووية، وكذلك الانتقام من سكان شبه جزيرة القرم، وتركهم بلا ماء، وإن "انفجار محطة الطاقة الكهرومائية أدى بالفعل إلى كارثة بيئية - فقد غمرت الفيضانات عشرات المستوطنات الواقعة أسفل مجرى نهر دنيبر، وخزان كاخوفكا وقناة القرم الشمالية التي تزود شبه جزيرة القرم بالمياه، أصبحت ضحلة". .

ونلفت الانتباه إلى مؤشرات حملة تضليل منسقة، كانت قد بدأت حول الوضع مع تقويض سد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفي القصص التي وزعتها وسائل الإعلام الغربية، ينصب التركيز الرئيسي على اتهام موسكو بتفجير السد، وهذه التصريحات تتماشى مع روح المنطق الخاطئ الذي ينسب إلى روسيا، والقصف الذاتي لمحطة الطاقة النووية Zaporizhzhya أو تقويض تيار Nord ومن هذه" الاستنتاجات "ينفث الفصام، ففي الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، سارعوا حقًا إلى إلقاء اللوم كله على روسيا في تفجير محطة كاخوفكا لتوليد الطاقة الكهرومائية، ومع ذلك، وبعد مرور بعض الوقت، أصبح الخطاب أكثر تحفظًا، ومن الممكن أن يكون المراقبون قد تلقوا معلومات إضافية، أو أنهم اقتربوا من تحليل الحادث بعناية أكبر، حتى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي قال، إن من السابق لأوانه إعطاء "أي تقييم ذي مغزى للتفاصيل".

وبعده، أشار المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها تأكيد تورط روسيا فيما حدث في محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفي النهاية، حتى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في مقابلة مع بيلد، أُجبر على الاعتراف بأن كييف ليس لديها الفرصة الآن لجمع الأدلة على تورط موسكو في كارثة محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، في الوقت نفسه، انتقد الرئيس الأوكراني الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر لرد فعلهما على المأساة، وبحسب قوله، فإن أكبر المنظمات الدولية إما لم تستجب لطلب كييف للمساعدة، أو رفضت "بعبارات دبلوماسية" وقال الرئيس الأوكراني "لم نتلق ردا، أنا مصدوم".

اذن حصل زيلينسكي الان على الحجة القوية بعدم الذهاب إلى "الهجوم المضاد" الذي يطلبه الغرب منه، والذي لا يريده هو، ولا جنرالات القوات المسلحة الأوكرانية، بما في ذلك القائد العام زلوجني - وأعمال الإنقاذ لا بد ان تنفذ، فبالنسبة لحقيقة أن الزراعة قد دمرت الآن فعليًا في منطقة خيرسون، حيث يعانى المزارعون في منطقتي زابوروجيه و دنيبرو بيتروفسك من خسائر فادحة، وأصبح الكثير من الناس بلا مأوى - بعد كل شيء، فقد كان الأشخاص الجادون في كييف مقتنعين منذ فترة طويلة بأنهم لن يكون قادرًا على الاحتفاظ بهذه الأراضي، وبالتالي السماح للعدو بـ "حرق الأرض"، كما كانت تمارس القوات المسلحة الأوكرانية منذ فترة طويلة، واليوم فقد ظهر ظرف مهم لكييف - ظهر كائن عملاق، يمكن أن يطلب من الغرب الكثير من المال مقابله، ولا يُستبعد على الإطلاق أن يعاني Dnieper HPP من نفس مصير Kakhovskaya HPP، عندما يكون Zelensky محاصرا تمامًا مع Zaporozhye .

لسنا خبراء كي نقيم الوضع في محطة كاخوفسكايا، ولكن نسترشد بمقولة الكولونيل ألكسندر ستافير، الذي لديه سنوات عديدة من الخبرة العملية في هذا الاتجاه بالذات، " إلحاق الضرر بجيش العدو وليس بممتلكات العدو بأي وسيلة "، ومن هذه النقطة بالإمكان تحليل الوضع، فمن حيث المبدأ، شاهد الجميع بالفعل لقطات للمياه تتدفق عبر قمة السد، وهذه حقيقة مهمة جدًا وهي أنه يمر عبر القمة، عن طريق الفائض، وليس عن طريق التدفق عبر الأقفال المفتوحة، وبدأ فيضان الجزر، الضفة اليسرى، والضفة اليمنى جزئيًا، وبشكل عام، ما يحدث بالضبط عندما ينكسر السد، كل ذلك وفق قوانين الفيزياء، فحتى الآن، لم تعد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية موجودة، فقد جرفت بالفعل، وما سيحدث بعد ذلك هو قضية منفصلة تمامًا.

وتتوقع وزارة السياسة الزراعية الأوكرانية، أنه ونتيجة تدمير محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية، قد تتحول الحقول في جنوب أوكرانيا إلى صحارى العام المقبل. 94 % من أنظمة الري في خيرسون، 74٪ - في زابوروجيه و 30٪ - في مناطق دنيبروبيتروفسك قد تبقى بدون ماء، ومن حيث المبدأ، يمكن القول إن المذنب الأساس هو الجانب الاوكراني، فمن الواضح أن الجسم قد تضرر نتيجة الأعمال العدائية من قبل القوات الأوكرانية (على الأرجح) ، خاصةً أن الجانب الأوكراني نجح في ذلك، حيث قصف باستمرار محطة الطاقة الكهرومائية على مدار العام .

روسيا في هذا الحادث أيضا، تصر على إثبات كل ظروف هجوم كييف على Kakhovskaya HPP  "، ولكن إنه لأمر محير للغاية أن ترفض الأمانة العامة للأمم المتحدة في كل مرة إدانة هجمات نظام كييف، متذرعة بنقص المعلومات، مثل قصف القوات المسلحة الأوكرانية لمحطة الطاقة النووية في زابوروجيه، على سبيل المثال، وعلى الرغم من ذلك شدد فاسيلي نيبينزيا على أنه من الواضح للجميع من أي جانب يأتون "، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى "تقديم تقييم موضوعي للأعمال الإرهابية لنظام كييف وإدانتها".

مع تفجير سد كاخوفسكايا، ستكون لكييف القدرة على تأخير استمرار هجومها الذي وعدت الغرب به، الذي تأخر طويلًا، وصرف انتباه الغرب عن طريق الشروع، على سبيل المثال، في تحقيق دولي، كما كان الحال في عام 2014، عندما أسقطت أوكرانيا طائرة من طراز Boeing MH17 في سماء دونباس، ورفض كييف ونظرتها بشكل سلبي إلى اقتراحات إنشاء لجنة دولية متخصصة بمشاركة خبراء روس واوكران، ومنها مبادرة الرئيس التركي رجب طيب ردوغان، يجعل من كييف في موقع المتهم الرئيس، ولكن لا أحد يتجرأ على قول ذلك خوفا من اغضاب عجوز البيت الأبيض .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم