قضايا

الفوضى ضرورة وجودية

كاظم لفتة جبرلعل من غير المتألف علية الخوض في الفوضى في مجتمعنا بسبب برمجة العقول على النظام، الا اننا من خلال هذا المقال نحاول اخراج منطق جديد لفهم عالمنا بشكل أفضل استناداً على المتغيرات الوجودية للأشياء في هذا الكون، ألا ان مفهوم الفوضى اصبح يأخذ مجرى اخر في المجتمعات المتقدمة، من خلال اخضاع الانسان واحتياجاته لغرض التحليل النفسي والفلسفي للفوضى، فمن حيث ظهور المفهوم يرى الكثير انه سياسي مع بدء سيطرة السياسات الخارجية للولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط، الا ان جذرهُ الفلسفي نجده يبدأ مع الفيلسوف اليوناني هيرقليطس () بقوله ان أصل الوجود واستمراره يكمن في الصراع (التغير) فالفوضى صراع بين العناصر، او من خلال الانا الديكارتية في الفلسفة الحديثة وخلق التفكير في الاشياء من خلال بعثرتها و أعادة تنظيمها كما يجب ان تكون ، فهذه الفوضى يمكن ان نسميها الفوضى المنهجية هي الكفيلة في تنظيم الاشياء بعد بعثرتها فهذا هو المنطق الجديد التي اعتمدت علية اوروبا في تطورها العلميز

كما اثبتت الدراسات العلمية مؤخراً أن الاشخاص الاذكياء هم فوضويون ويحبون بعثرة أغراضهم والاشياء، واننا إذ استعرنا فهم أريك فروم في كتابة (فن الوجود) من ان الفوضى تولد الرغبة والحافز في يقظتنا نحو الاشياء فهو يناقشها من خلال الدوافع الذاتية والموضوعية للإنسان، ومن جوانب عده سوى كانت نفسية وعقلية ودينية واجتماعية وباقي مجالات الحياة 0

فنجد التطورات التكنولوجية التي توصل الانسان اليها قائمة على مفهوم خلق الفوضى لنقل عقل الانسان الى مراحل جديدة من التفكير الإنساني عبر عدم الالتزام بالنظام، لأن العمل على الفوضى والتفكر فيها محاولة في الفهم والتنظيم للأشياء، أذ ان هذا التفكير يحتاج فهم لفلسفته، ولا يكون الا من خلال التفلسف حول مجالاته الوجودية فيمكن ان تسميته (بالفوضى الخلاقة).

فبناء الذات يحتاج الى عمل دائم ومع النظام لا عمل يدوم، فالفوضى تحتاج الى عقل للتنظيم والترتيب، اما النظام لا يحتاج الى عقل بل الى عمل مما يجعل العقل نصف نائم بعبارة أريك فروم .

اذ ان تقدم العالم التكنولوجي وفر للإنسان العديد من امكانيات الراحة والتغلب على الطبيعة بسهولة مما جعل التقدم الانساني عكسياً، فكلما اكتُشف علماً جديداً اصبح العقل الانساني اكثر كسلاً واقل وعياً بالوصول الى الحقيقة وابتعاده عنها .

هذا ما يظن به المتعصبين للحقيقة او التابعين الى عيال الله كما يحلو لهم التسمية متناسين الفرق بين الحقيقة الدنيوية المعتمدة على التغير، والحقيقة المفارقة لنا المتسمة بالثبات،  فبناء العقل الانساني يحتاج الى التفكر في الذات، وما يطرأ عليها من تغيرات خارجية تسطيع الذات استيعابها، ومحاولة تهذيبها وتنقيحها لنخرج بحلة جديدة للمعرفة الموزونة من خلال الفوضى.

فمن ناحية الدين فهو مدعاة للنظام والترتيب القائم على الطقوس التي يؤديها الافراد وان من يخرق هذا النظام فهو كافر، النظام هو الذي جعلنا نصف نائمين بسبب العمل فيه دون التفكر في هذا الطقوس ومدى ارتباطها بالحقيقة الثابتة، او الحقيقة المتغيرة ويعيب على القائمين علية اتخاذ الحقيقة الثابتة (الله) واسطة للوصول الى الحقائق المتغيرة الماديات وليس جعل التفكر في الحقائق الجزئية المتغيرة الفوضوية للوصول الية، وان السبب يقع على القائمين لا في الدين نفسة فالدين دعوة في التفكر في الطبيعة والذات وايجاد فوضى منهجية للوصول الى الحق .

اما من الناحية الاجتماعية فان النظام الاجتماعي العربي القبلي يجعلنا نصف نائمين بسبب تشبثنا بالقانون، والعادات والتقاليد القبلية الوضعية التي دائما ما تكون ثابتة وغير قابلة للتغير، فتكون عائقا امام تقدمنا وتفكيرنا بسبب اعطاءها القدسية التي تجعلنا مقيدين بها، وعدم اكتشاف الاخر فالجماعة القبلية تمثل تقيداً لحرية الافراد وحركتهم الاجتماعية يكون النظام هو الحاكم لهذه العلاقة فالفوضى مطلوبة فما خلقتهُ التكنولوجيا التطورية من فوضى يدعوا للتقارب بين الجماعات الانسانية.

اما النظام في السياسة فيمثل تقيداً بوصفهٌ يحد من حريات الافراد، والجماعات، لذلك تجد الفوضى احدى سياسات الدول العظمى لتحريك الجماعات الانسانية لغرض فرض واقع جديد على الدول المعادية لها خارجياً، وعلى شعبها داخلياً فيكون الاعلام والافراد قوى الفوضى .كما ان الفوضى تكشف لنا زيف الاخرين ومدى اختلافهم معنا .

 

كاظم لفتة جبر

 

في المثقف اليوم