قراءة في كتاب

علي القاسمي ناقدا من خلال كتابه: النور والعتمة

1225 qasimiفي مقدمة كتابه: إشكالية الحرية في الآداب العربي، يصنف الكاتب علي القاسمي أبعاد الحرية في الكتاب، وطبيعة الكتابة في هذه المقالات والدراسات (تقارير وتجليات أدبية):

المقال الأول: عن مفهوم الحرية (تطور استعمالها التاريخي، مقابلاتها / أضدادها – حدودها) .

المقال الثاني: عن جذور الحرية وحقوق الإنسان .

المقال الثالث: عن أزمة الحرية عندنا أزمة ثقافة لا أزمة سياسة .

المقال الرابع: عن الحريات الثقافية في عالم متنوع .

هذه المقالات الأربعة تتسم بالنظري والفلسفي والحقوقي ... وتبدأ المقاربة الأدبية النقدية بالمقال الخامس .

المقال الخامس: نافذة صغيرة على نوافذ الغيطاني .

المقال السادس: الالتزام في فكر عبد الكريم غلاب .

المقال السابع: صياغة الفكر روائيا (شرقية في باريس لعبد الكريم غلاب).

المقال الثامن: الروائي ونظرية الكتابة (المباءة) لعز الدين التازي

المقال التاسع: الرواية الجغرافية في بطن البقرة لخيري شلبي .

المقال العاشر: وجوه مرت لعبد الرحمان مجيد الربيعي .

المقال الحادي عشر: لماذا التلعثم بالنبيذ: الغموض في مجموعتي بشكار وغلمان .

الكتاب – تجمعه تيمة/ موضوعة الحرية: حرية الكتابة – الالتزام وفقدان الهوية – حرية الشاعر في الغموض – الحرية في التجريب .

المدخل والمقدمة، والمقالات التي تنص على التعاريف والمفاهيم تتساوق مع المقاربات التطبيقية وتغنيها، فهي قوانين سنها الناقد لولوج عالم المبدعين . وهي مقدمات شمولية تنير المقدمات الصغرى التي مهد بها الناقد لكل مقال نقدي، وتساعد القارئ على تلمس بعد الحرية في الإبداع . وتدفع القارئ إلى استخلاص العبرة والمغزى من كل نمط من أنماط هذه الحريات عند قراءة الكتاب وختمه كما سنرى في نهاية هذا البحث المتواضع .

البعد الموضوعتي للكتاب

جمع القاسمي دراسات ومقالات حقوقية وأدبية (نقدية) في كتابه النور والعتمة تحت مسميات تيمية (كالحرية)، وفي كتابه (الحب والإبداع والجنون) تحت مسميات تيمية كذلك، تصب في الثلاثية التي دل عليها العنوان الثاني، وذلك بعد ان استقصى هذه الموضوعات في المعاجم والدواوين والمجموعات القصصية والروايات، وكتب اللغة والتاريخ وكتابيه (مفاهيم العقل العربي) و(العراق في القلب).

وصرح بالانطلاقة الموضوعتية هذه بدءا من دراسته لسيدة المرايا للسحيمي: " أول ما يلفت انتباهنا في هذه القصص أنها تعالج موضوعة (تيمة) واحدة يمكن تشخيصها بوضوح في كل قصة، وفي جميع قصص المجموعة تقريبا، تلكم هي موضوعة الحرية ص 123 .

وصرح في مواضع أخرى على هذا التبني " إن موضوعة الحرية التي اختارها عبد الجبار السحيمي أثرت في بناء السرد وتقنياته ... ولعل أمثلة من قصص المجموعة تبين لنا بوضوح تام أن موضوعة الحرية هي المحور الذي يدور حوله السرد ص 125.

وفي الإجراء التطبيقي نلمس ذلك جيدا بحيث يخلص للوحدة المتبلور حولها النص (الحرية) ويتناول عنصرا منبثقا عنها هو موضوعة السجن في رواية (نوافذ النوافذ)، مستعرضا (روايات السجن العربية منذ أوائل الستينيات، ومبرزا الهدف الذي جعل الكاتب يلجأ إلى سلاح الأدب لتعرية الواقع العربي، وجاردا نماذج توضيحية للربيعي ومنيف وصلاح حافظ والعزاوي .... وبعد ذلك ينكب على التطبيق: معالجة نوافذ الغيطاني، مركزا على (مسألة الحرية)، وعن اللمسة الشفافة للكاتب في التناول، وعن توظيفه (تقنية النافذة)، مستدلا بلقطة جمالية: عندما يحط العصفور على فتحة التهوية في سجن البطل الانفرادي، ويعلق على اللقطة.

فهل كانت الموضوعتية النهج الوحيد في الدراسات ؟ وهل اعتمد الناقد منهجا محددا في تناول التيمة ؟ فما هي إذا السبل التي تتفرع عن مقارباته لإقناع القارئ، وإحداث متعة القراءة عنده، وقبل إحداثها ما هي الوسائل التوضيحية المساعدة على بلوغ هذا الهدف: إشراك القارئ وتطهيره ؟

ثقافة الناقد علي القاسمي

يقول الأديب عبد الرحمن مجيد الربيعي " والدكتور علي القاسمي يحار المرء كيف يصنفه وفي أي موقع من مواقع الإبداع يضعه ..."

فهو عالم في اللغة والمعجم، والتربية والتعليم والفلسفة وعلم المصطلح، والتاريخ والجغرافية وفي الحضارات المقارنة، والعمارة وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والأنتروبولوجيا . والأسطورة وهو دارس للمناهج النقدية القديمة والحديثة، واللسانية التي دخلت النقد وأغنته، ولعل كتابا بحجم (العراق في القلب) يبهر القارئ بعلومه وآدابه وفنونه، وبتنوع المعالجات النقدية (التفسير والتحليل، والاستقراء والاستنباط، والموازنة والمقارنة والتأمل، والقراءة العاشقة) خير دليل على غزارة علمه واتساع مداركه الثقافية وروافدها، ولعل كتاب مفاهيم العقل العربي شاهد ثان على الموسوعية، وللترجمات الأدبية روائية وقصصية وشعرية ومسرحية، مقالية، خير دليل على ما نقول، ولعل ناقدنا القاسمي قد تجاوز بهذه المواصفات وغيرها، توصيف الناقد المثقف حسب معيار محمد النويهي في كتابه (ثقافة الناقد الأدبي)، أما الثقافة النقدية عنده فلها مجالات عدة تجمع بين العمومية والخصوصية، فهو يمتح من القديم والحديث، ويدمج آليات هذا وذاك في بوتقة واحدة لإيمانه بصلاحية كل منهج لمحطة من محطات التحليل .

فالنقد القديم يفيده في مقاربته اللفظ والمعنى، والطبع والصنعة ويقربه من فن الموازنات والوساطات بين أنصار هذا المبدع وخصومه، ويتنبه من خلاله إلى التوارد في الخواطر والسرقات المكشوفة، كما يستفيد من النقد الحديث المقاربات الاجتماعية والنفسية والشكلانية والموضوعتية، فتجده مسلحا بالاتجاهين معا، جامعا بين المنهج اللساني في ثوبه التقليدي والحديث معا بحكم تخصصه، وبين البنيوية والتكوينية، والانثروبولوجية كما بسطها ليفي شتراوس ونظرية التلقي التي تشرك القارئ في الإبداع، وتخلخل أفق انتظاره ... وتقنية العتبات النصية (النص الموازي)، محللا، ومفسرا، متقلبا بين النقد الانطباعي التأثري والسوسيولوجي والفرويدي ....

وذلك حسب الظاهرة المعالجة، فالغموض مثلا يتناوله في الشعر أو في القصة من زاويتين مختلفتين تفرضان عليه الموازنة والمقارنة، فيحتاج إلى منظومة المرزوقي والآمدي والعسكري في منهاجهم حول عمود الشعر العربي الذي يخضع للأقانيم المسطرة فيه، وتبدو في معالجته المعاظلة في الكلام والحوشي من اللفظ، وانسجام اللفظ مع المعنى، والماء والرونق، واستدعاء المشبه للمشبه به كما يحتاج إلى (العتبات) لفهم المقدمة أو المدخل ...، ويحتاج إلى جمالية التلقي لاختبار درجة المتعة التي خلفتها القراءة، ومدى اندماج القارئ في الإبداع وتقمص شخص المبدع.

يمتلك الناقد القاسمي ثقافة خاصة بكل جنس أدبي، من حيث التاريخ له ومصادره، فلو أخذنا الرواية على سبيل المثال، فهو على دراية بتاريخها إلى أن وصلت الشأو الذي هي عليه الآن، وحتى أصبحت في نظره (عنقاء) تلتهم جميع الأجناس الأدبية (السيرة الأدبية – الشعر – المذكرات – المسرحية – المقالة – التشكيل ...) وتطعن حتى على المعارف: (التاريخ – الفلسفة – السيرة بمعناها العام – علم النفس – الاجتماع ...) وتحدث عن تنوعها: (التاريخية – الفلسفية – النفسية – السير ذاتية ....)، كما نجده مطلعا على المستجدات في مجالها، في المرجعيات الموثقة وغير الموثقة (الشابكة)، حيث يفاجئنا بنمط روائي جديد غريب هو (الرواية المثلية) بسماتها الذكورية والأنثوية ويطلعنا – من خلال هذه الموسوعية الثقافية وفضول البحث – على إلمامه بأجناس أدبية متولدة منها كالرواية الجغرافية (الجغرواية)، وعلى نمط سيري هو (سيرة الأدب) .

وما قيل عن الرواية يقال عن القصة والقصيدة والمسرحية والتشكيل .... فتحليل القاسمي للرواية من خلال هذه التراكمات الثقافية التي تشكل زاد الناقد المثقف المسلح بآليات النقد المتنوعة، هي نفسها تقريبا يطبقها على التشكيل، إذ أن بعض الروايات والسير لا يمكن رؤيتها إلا على أنها بورتريهات أو كاريكاتور أو صور قلمية . ويأخذ عدته في نقده – كما قلنا – من القديم والحديث معا .

ولا غرو أن نجد تلاقحا فكريا ونظريا بين القاسمي وبعض النقاد في هذه الخصيصة كمحمد مندور، فتناولهما للمصطلح السابق (الصورة القلمية) اعتمد على المزج بين القديم والحديث وركز على المصدر الأساس وعلى الرائد الأول في هذا وهو الجاحظ .

أضف إلى ذلك معرفة القاسمي الناقد بتقنيات القاص أو الروائي المباشرة وغير المباشرة ص 125.

ومن مميزات ثقافة ناقدنا التحلي بالموضوعية، وتحكيم الأمانة العلمية، مشفوعة بالتواضع العلمي، وتقدير المبدع وثقافته وتجربته واجتهاده ... وهذه نماذج تثبت ما قلناه وهي جديرة بأن تذكر، وأن يتحلى بها الناقد المبدع المثقف المحب لعمله، المحترم لقارئه، يقول

" وينبغي أن اعترف أنني لم أقرا قصة من قبل تستخدم ضمير المتكلم الجمع " ص 136. وقوله " سهرت ليلة كاملة مع تلك الرواية (شرقية في باريس لغلاب أيضا)، لا لأنني كنت أتلذذ بحلاوتها العسلية فحسب، بل لأنني كنت أتعلم منها أشياء كثيرة أجهلها، ومن طلب العلم سهر الليالي " ص 206 .

ومن الدلالات الكبرى على هذا التواضع العلمي، إقراره بعدم فهم أي شيء على الإطلاق من نص شعري حداثي رغم إحساسه بإيقاعه الجميل وصوره المجازية، وكرر القراءة، ولكن دون جدوى، بل قرأ نصا شعريا نظم عنه وباسمه (علي القاسمي)، ولم يفهم شيئا كذلك، وكرر العمل، ولكن دون جدوى، إلى أن استعان بخصائص الشعر الحديث، ودراسة مسألة الغموض أسبوعين كاملين مستعينا بمراجع وبمواقع أدبية على الشابكة، و" هذه خلاصة مبتسرة لحكاية رواية " المباءة " بيد أن الروائي التازي حكاها بأسلوب متميز، وتقنيات روائية مبتكرة ..." 218 .

قضايا نقدية عامة في الكتاب

- يمزج القاسمي في الكتاب بين النظري والتطبيقي عند نقد مؤلف من المؤلفات التي انصب عليه النقد، حيث يقدم الأحكام النظرية، ويلتزم بها في التطبيق، وفي الخاتمة (الخلاصة) يحتكم إلى الاستنتاجات، ودرجة تساوق ما قدمه في الجانب الأول مع الإجراء، والتتبع الذي شمل المبدع .

- يهتم بصاحب النص ويخصص له حيزا هاما من حيث بيئته، ومدرسته ومؤلفاته وبعض شيوخه، وتلامذته إذا أمكن، كما فعل مع السحيمي وبرادة وغلاب والغيطاني وحميش ...

- قد يبدأ نقده باقتطاف فقرة تعتبر بؤرة الموضوعة المراد رصدها فيه، كما في نقده (نوافذ النوافذ) للغيطاني، وتكون هي المعبرة عن نزعة ما كالتجريب والتجديد وترسيخ (تقنية النافذة)، وبعدها يأتي الحديث عن المؤلف بوصفه – أيضا – مجددا، ومجهدا سيره في سبيله، وملخصا هذين العنصرين (التجريب والتجديد) في مستويين اثنين: البناء الفني، واللغة الشعرية المكثفة الموحية ...

- قد يغير القاسمي في طريقة تناوله (الموضوعة) أو الفكرة، عندما يجد جديد،كان يكون اطلاعا جديدا على ما يناقضه، أو اكتشافا ثانيا بعد تمحيص وتحر ... أو قد يكون مصدر التغيير استشارة ناقد أو المبدع نفسه . ومن الحالة الثانية (استشارة المبدع) فقد غير القاسمي رأيه الذي أصدره على رواية غلاب (وعاد الزورق إلى النهر) وتخلى عن اكتشافه الأول المتمثل في طرح الأديب (تيمة) الموت، وكان قد اعتبرها مسكونة بلغز الموت ولوعته، غير أنه بعد أن تحدث مع الأديب تخلى عن أطروحته الأولى لأنها كانت ثانوية، قياسا مع الطرح الجديد الذي اقترحه غلاب بعمق وهو أن التيمة الغالبة هي الحياة .

- يلجأ الناقد أحيانا إلى النقد التصنيفي الذي يرتب الأدباء إلى طبقات، على شاكلة القدامى ابن سلام وابن المعتز ...، فقد صنف الربيعي في الطبقة الثالثة بعد يحيي حقي ونجيب محفوظ، وذلك في تقنية وصف الشخصيات: " ولا يجيد وصف الشخصيات إلا كبار الكتاب المتمرسين من ذوي الثقافة العالية مثل الراحل نجيب محفوظ في وصفه لشخصيات رواياته خاصة ثلاثيته، ومثل الراحل يحيي حقي وعبد الرحمن مجيد الربيعي الذي يعد أديبا عربيا، أجاد في وصفه شخوصه العشرة الذين ضمهم كتابه بصورة ملفتة للنظر " ص 276.

- التخلص من تقديم المصطلح إلى فائدة فكرية أو نظرية أو الى حكم نهائي، فمثلا عندما ينتهي من تقديم مصطلح (الرواية الجغرافية) ويبرز خصوصياته يتخلص إلى رائده أو الذين حاولوا تبنيه، وتجلى بوضوح عندما قدم مصطلح (الصورة القلمية) فبعدها مباشرة قيم أعمال الربيعي وربط التقنية باللمسة الفنية التي ورثها عن ثقافته التشكيلية .

- الاستشهاد على الظاهرة أو المصطلح أو الفكرة أو الشخصية .... من النص ذاته، ومن خارج النص كذلك، ويكون الاستشهاد عبارة عن ضرب أمثلة توضيحية من النص لتعزيز النظري، وهذه سمة عامة عند الناقد في الكتاب كله، فلا يقدم (بيانه) النظري إلا معززا بأمثلة توضيحية، واستدلالية.

- الاستطراد في التوصيف والشرح خاصة عند الحديث عن المؤلف وثقافته ومدرسته وتلامذته ومؤلفاته، وموقعه ومميزاته الأسلوبية.

- دلالة المقدمة، إن أروع مدخل للنقد عند القاسمي هو المقدمة المصطنعة التي يتبين لنا فيها اجتهاده وثقافته النقدية وحضور بديهته، وولوج عالم (الموضوعة) . ففي (وجوه مرت) للربيعي يدبج الناقد مقدمة شاعرية بعنوان (وجوه ووجوه)، فهي مقدمة /جسر، تبدأ عامة وتبدأ في التخصص شيئا فشيئا حتى تصل إلى الهدف .

- الموازنة والمقارنة بين الأشخاص والمواضيع والأفكار والمؤلفات والمصطلحات والمدارس.

- النفحة الحجاجية: (الفرضية – البرهنة – الاستنتاج) .

- وكل هذه الملاحظات يلفها الناقد بأسلوب تفسيري يجمع بين الوصف والتحليل، وذلك بهدف توضيح نظرية أو مصطلح أو مدرسة، وهو المنهج الذي ظل مخلصا له في ثنايا مقالاته مطعما بمناهج حديثة معلن عنها كالعتبات ونظرية التلقي والموضوعتية، بل حتى البنيوية التي تنكر لها ومجها لأنها ترى ضرورة " قتل الكاتب و"فحص النص" ولا شيء غير النص، ورفضها كان مؤقتا لأنها بمفردها ليست صالحة لدراسة مجموعة غلاب (سيدة المرايا)، وهو كثيرا ما ينص على شخص الكاتب وإنتاجه في الأجناس الأدبية الأخرى ص 120 .

وفيما عدا هذا الموضع كان يرحب بكل المناهج، ويرى ضرورة تطعيم الفن بآراء ومناهج العلم والعلماء أيضا وذلك بهدف توثيق وضبط إبداعهم وتقنينه .. فهو يرى دور روايات جي. أج ويلز (قصص الخيال العلمي) التي ألهمت علماء الفلك، وأثر لوحات (سيزان) في همنجواي، فرحب بالانطباعية .

وفي الجانب التنظيري تكاد لا تجد خلافا بين تعاريف القاسمي وما سطره النقاد، والمصنفون المدرسيون وهم من نبغاء النقاد المعاصرين .

المناهج المعتمدة في الكتاب

من خلال الملاحظات العامة أوردنا مجموعة من الظواهر النقدية المتظافرة في تحليل الناقد، توجهها القراءة الموضوعتية (الحرية)، وتساق بأسلوب تفسيري، وتحليل يتوسل بالتفسير والوصف والتبرير المنطقي المعتمد على الافتراض والبرهنة والاستدلال والاستنتاج (التقييم) ..

وقد صرح الناقد في عدة مواضع من الكتاب باللجوء إلى التحليل والتفسير، كقوله " .... بيد أن الروائي التازي حكاها بأسلوب متميز وتقنيات روائية مبتكرة طبقا لنظريته في الكتاب الروائية، التي تحتاج منا إلى شيء من التحليل ... ص 218 .

ومظاهر الأسلوب التفسيري التحليلي تتجلى في تقديم المصطلح والاستفاضة في توضيحه وشرحه بل وتمييزه عن مصطلح أو مفهوم قريب منه: " السارد غير الكاتب، فالكاتب خارج النص والسارد داخله وجزء منه، فالسارد هو الذي يقدم شخوص القصة إلى القارئ ويخبره بإحداثها وقد يعلق أحيانا على مجريات الأمور، ويحكم على الأقوال والأفعال فيها ....." 134 .

ويستفيض في التفسير: " وبصورة عامة إما أن يكون هذا السارد أحد شخوص القصة الذي جرت له الأحداث، وأما أن يكون شخصا محايدا ليس واحدا من شخوص القصة ...." .

ويبدأ في التفصيل والتمييز: " في الحالة الأولى يستخدم السارد ضمير المتكلم المفرد أو المتصل مثل: أنا، وقلت ...." ويستدرك: " ويفترض في هذا السارد انه عارف بما يجري له وعالم بمشاعره وأحاسيسه وينقلها إلى القارئ عادة بأمانة وصدق "، ثم يبدأ في النقد متدخلا: " وقد يجانبه الصواب في روايته لسبب من الأسباب " .. ويعود إلى تفصيل ما أجمل: " أما في الحالة الثالثة فإن السارد يستخدم ضمير الشخص الثالث الغائب مفردا كان أم مثنى أم جمعا مثل: هو، هي، هما، هم، هن ..." ويستطرد مرة أخرى: " وفي هذه الحالة تكون معرفة السارد بمجريات الأمور أكثر من معرفة شخوص القصة أو أقل منها أو مساوية لها " 134-135 ويخلص إلى نتيجة تفيد القارئ وتقنعه: " فالسرد بضمير المتكلم لا يلائم مثلا قصة (شاهد المدينة) ولهذا اختار الكاتب السحيمي أن يسرد الأحداث بضمير الغائب، ولو اختار سرد الأحداث بضمير المتكلم / الأحمق لوقعت في القصة تعقيدات دلالية، وقد يدعم رأيه بعقد مقارنة أو موازنة بين هذا الكاتب (السحيمي هنا) وبين علم من إعلام هذا الفن القصصي أو الروائي، كما فعل عندما عزز رأيه الحجاجي هذا بحيلة وليم فولكنر الأمريكي في روايته (الصخب والعنف)، بل ويمكن استشفاف نتيجة حتمية اضطرت جبرا إبراهيم جبرا إلى كتابة مقدمة طويلة جدا لمساعدة القارئ على الاستيعاب، ولم تعف علي القاسمي بدوره من اللجوء إلى هذا النقد التفسيري / التفضيلي للهدف نفسه عند جبرا، وهذا عمل تعليمي هام يتميز به النقد التفسيري .

ويعضد القاسمي نقده التفسيري بتعليق يستشف منه درجة موافقته للمرجعية التفسيرية أو تحفظه عنها، وهو تفسير آخر يرسخ ما قيل أو يميل به عن الخط المتبع في الشرح، فمثلا يقول: " واستخدام الإيهام المرجعي في نظرنا لا يعني أن ما حدث في هاتين القصتين مثلا لم يحدث، وإنما المقصود منه إقناع القارئ بوقوع ما سرد وإن كانت الحكاية حقيقية أو خيالية " 138

وهذا التعليق التعضيدي مبرر بحجج، وموسوم بإقناع القارئ وعندما يقدم تقنية (نهاية القصة) يشترط لها تفسيريا – أن تضع حدا لتوتر القارئ، وتعطي جوابا لتساؤلاته عن بعض الشخصيات .

وإذا استعصى عليها أن تحقق ذلك، فعلى القارئ أن يجنح إلى إكمال المسكوت عنه في القصة، كأن يملأ الفراغ، أو أن يتخيل نهاية من عنده .

ويستفيض في التفسير والمبررات، ويحيل على المرجعيات النقدية والمصطلحية التي تستعين بذلك كنظرية الجشطلت، وهنا أيضا يشرع في تفسير دور هذه المدرسة أو النظرية في تبديد الغموض أو النقص في التصور ..." ويستطرد في التفسير والإقناع والإيضاح: "فالقصص ذات النهايات المفتوحة هي بخلاف القصص المستكملة لنهاياتها التي تضع حلا أو حدا للصراع الدرامي لدى شخوصها، أو تصل إلى خاتمة توفيقية تريح القارئ " ... ويشفع هذا التفسير، وذاك التفصيل باستنتاج (حكم نقدي) مقنع يضع حدا لقلق القارئ: كما يحاول رصد الصعوبات أمام القارئ وهو يفسر له السبيل التي تقف دون نجاح تقنية حذف الكاتب بعض إحداث القصة، ومنها معرفة الكاتب مسبقا بالحدث المحذوف، محيلا القارئ على نموذج عالمي لهمنجواي مثلا، وبعد الإحالة على النموذج يعود إلى الاستنتاج، وهو آخر عنصر في منهجه النقدي التفسيري، فيقدم العمل المنقود محافظا على التعليمات والتوجيهات التي رسمها له، باعتباره زبدة التفسير الذي أنار به التباس القارئ واندهاشه (كسر التوتر) .

وكذلك عندما يقدم مصطلحا فغنه يقربه للقارئ بشكل تبسيطي، مزيلا عنه بعض الغموض والالتباس الناجم عن رصيده المعرفي والمصطلحي العام، وهذا مثال تبسيطي لمصطلح الواقعية فهو عند القاسمي ليس ذلك المتأتي من استعمال اللهجة العامية في الحوار على الخصوص، فذلك عنده يساوي الواقع لا الواقعية، لأن المصطلح الأول نزع عنه لباس الفن .

والنقد التفسيري هنا جاء معتمدا على المنطق وموظفا الأسلوب الحجاجي الإقناعي، مقدما له

1- بالفرضية التالية: وقع كثير من القصاصين والروائيين في فخ استعمال اللهجة العامية خاصة في الحوار، توهما منهم أن استعمال اللهجة العامية جزء من الواقعية .

2- تفسير الفرضية أيضا بشكل يجعل القارئ ويشعره بمسايرة الناقد له في الالتباس، وهو – مع ذلك- مازال يوضح ويشرح .

" إذا ليس من المعقول أن يتحدث الفقير السوقي بلغة الأمير الثري أو يتكلم الفلاح الأمي بلغة الشاعر المتنبي.

3- البرهنة على عكس ذلك (دحض الفرضية)

" يبد أن هذه المقاربة تصور ساذج للواقعية "

4- تقديم المصطلح الجديد / البديل (تصحيح الاعتقاد)

أ‌- فالواقعية لا تساوي الواقع "

ب‌- " ... وإنما تساوي الواقع بعد أن يخلع عليه الفن بعض سحره ليكون جذابا للمتلقي ..."

ح – البرهنة الرياضية

" فالمعادلة الصحيحة هي:

الواقعية = الواقع + الفن "

5- يضرب مثالا فنيا (الفن الفتوغرافي) الذي يمثل الواقعية أيضا

6- إعطاء نتيجة: " كلما ابتعد الفن عن الواقع ازداد الإبداع والخلق الفني فيه " الخ

- ويتنوع عنده الأسلوب التفسيري من تقديم المصطلح أو المعنى أو شرح الظاهرة، أو وصفها أو تبريرها، والاحتجاج والخلاف والدعم والتعزيز والاستشهاد (انظر نقده لمعدي تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي يعالج صورة المرأة في الرواية العربية) .

وقد يغلب الوصف على الأسلوب التفسيري، إلى درجة الانبهار بالأثر، فيتتبعه خطوة خطوة كتتبعه بناء رواية (نوافذ النوافذ) للغيطاني واصفا إياه بالتناسب – الاتساع – العمق - التأمل السخي – واقفا عند كل عنصر بالوصف، وينتقل إلى لغته الشعرية واصفا إياها بالكثافة والإيحاء والاحتفاء باللفظ الأنيق، والتمرد على الألفاظ المسكوكة المحنطة .

وقد يمزح في النقد التحليلي / التفسيري بين التفسير والوصف، فيتقدم أحدهما على الآخر مرة ويتأخر عنه مرة (انظر الفقرة الموالية لما قدمناه عن النوافذ ص 166)، مستعملا أساليب:

التفسير: " بحيث يسمح هذا البناء

وتمتاز اللغة الشعرية .....

وعلامات التفصيل (بخاصتين: الأولى..... والثانية........) ومن ناحية ثانية

ويدعم التفسير باستشهاد مطابق (كما لاحظ د . صلاح فضل)

ويكثر من العطف لاسترسال التفسير كما يكثره لاسترسال الوصف .

ولقد وظف القاسمي هذا المنحى التحليلي التفسيري بشكل أجلى في تحليله (المباءة) للتازي، موظفا إياه في كل المحطات المشتركة في المقالات الدراسية للكتاب وهي: الروائي – الرواية – الموضوعة (وهي هنا فقدان الحرية) . ملخص الرواية – مضامينها – خاتمة ...

وقد بنى هذا المنهج على أساس الانطلاق من فرضية أو فرضيات، فأذكى من نزوعه التفسيري والوصفي معتمدا الحجاج كما في تحليله لرواية (بطن البقرة) لخيري شلبي، ولأن لنا وقفة عند تحليله لهذه الرواية في القسم التطبيقي سأذكر فقط نقطة الانطلاق وهي طرحه فرضيتين (زعمين) .

الانطلاق من فرضيتين: - أن الكاتب حر في ابتكار أنواع أدبية جديدة.

- أن كاتبا عربيا استطاع أن يكتب الرواية الجغرافية الكاملة لأول مرة عالميا

طرح التساؤلات قبل الإجابة

الاستعانة بما يساعد على الإجابة (كالتعاريف الأولية وتحديد المصطلح والتمهيد التاريخي للظاهرة ..) طرح المزيد من الفرضيات: " كان من المفترض أن تظهر الرواية الجغرافية على يد جول فيرن ".

إسناد الفرضيات بتبريرات تضخمها: (المحاولات المتكررة لفيرن – ثقافته الجغرافية- رحلاته –

مؤلفاته – مؤهلاته المادية والمعنوية – إطلاقه المسمى

المتبارى حوله على النوع الأدبي (الرواية الجغرافية)

- رد الفرض تخمينا في البداية أي دون تبرير (ولكن هاتين الروايتين تنتميان إلى نوع المغامرات والرحلات وليستا من الرواية الجغرافية (وهذا حكم قيمة، ولكنه رغم كونه حكم قيمة فهو يظل مؤقتا)

- دعم فرضيته بآراء مؤيدي (جول فيرن) أمثال ميشيل مارغو، كما أيد فرضيته بمحاولة بروكوش برأي (كامو).

- رد ادعاء المناصرين لهذا وذالك بالوثوقية والتأكيد: " فإن جول فيرن في حقيقة الأمر لم يتمكن من كتابتها ..." و" فإن أركان الرواية الجغرافية لم تتوافر في روايتي بروكوش الشهريتين .." والأمثلة على الردود المؤكدة كثيرة .

- إرجاء الرد (إبراز الفرق بين الرواية الجغرافية والخطط) إلى أوانه في التحليل .

- الإعلان عن الرد والإجابة في أوانها " وتناولها هنا بالترتيب " و" يسمح لي القارئ أن أوضح ذلك بمثال من الرواية .

- الإجراء التفصيلي: معالجة كل عنصر على حدة .

- دعم آرائه وأحكامه بتعاريف للمختصين .

وهذا يجرنا إلى عنصر الموازنة، وهو من خصائص الدراسة التحليلية، وتقنية جيدة من تقنيات التفسير، ويذكرنا بموازنات الآمدي بين البحتري وأبي تمام، كما ذكرنا في الحجاج على أنصار جول فيرن وخصومه وأنصار بروكوش وخصومه بوساطة الجرحاني بين أنصار المتنبي وخصومه، وسواء كانت الموازنة على المستوى عربي عربي، أو محلي محلي أو شخصي، أو بين عربي غربي، فإن القاسمي وظف الموازنة لمزيد من توضيح المصطلح السائر من بين مصطلحين يتنازعان الوجود، أو بين أديبين أو بين معنيين أو بطلين روائيين عند كاتب واحد ..

فيوازن بين الوعي النقدي لدى الروائي والنظرية النقدية لدى الناقد، ويوازن بين الروائي والناقد (الأول يخلق عالما جديدا والثاني فيرتب ذلك العالم، ويوازن بين (الظاهري) بطل رواية (الخفافيش والورداني بطل (المباءة) في سمة / تيمة الجنون، وفي رفضهما – معا – الكتابة تحت الطلب، وهما من روايتين مختلفتين للكاتب نفسه (التازي) . يقارن بين جول فيرن وخيري شلبي وبروكوش إذا اعتبرنا هذه موازنة لا مقارنة ويقارن بين التأليف التاريخي (الخطط) كما عند المقريزي، والجغرواية عند شلبي (و(رواية الرحلات)، مصرحا بإبراز الفرق " وسنبين الفرق بعد قليل " ص 251 ولعل أبرز موازنة يمكن الوقوف عندها طويلا هي موازنة القاسمي بين نافذة الغيطاني ونافذة المازني، معتمدا على منهجية دقيقة تتلخص في: الاستحضار – التفصيل – المقارنة- الاستطراد النقدي (التفسير) – الحكم الاستنتاج . ومن المعايير التي لجأ إليها: الاستقراء وقد صرح بتبنيه في مواطن مختلفة منها قوله " فإن استقراء الرواية يدلنا على وجود تصنيفات أخر " أو يعبر عن الاستقراء بنهج القراءة العاشقة المتأملة، وهو نهج ساعده في نقده الغيطاني

1 على اكتشاف نوافذ أخرى في الرواية لم يتنبه لها الغيطاني

2 على معيار التصنيف اللائق بكل نافذة:

- معيار الوجهة (التموقع والتموضع)

- معيار الهيكل المؤطر

3 على ترجمة المنهج الاستقرائي / النظري عمليا (ذكر تصنيفات أخرى)

أ‌- نوافذ تطل على خارج المنزل ونوافذ تطل على داخله

ب‌- نوافذ ثابتة وأخرى متحركة

(6 ملاحظات واستقراءات)

4 الاستدلال على كل تصنيف بدليل من الرواية

ومن مواصفات المنهج عنده أيضا، ما يشبه التدخل النقدي أو الإحالة، وأخذ صيغا مختلفة منها أن يلاحظ – بعد تأويل البعد التحليلي أو المضموني عند المبدع الروائي أو القاص – ملاحظة يرى ضرورة إبرازها للقارئ أو تنبيهه إليها فيكثر من هذه الصياغات بعد كل فقرة من فقرات السحيمي.

(لاحظ رمزية الجري والجدار والجهة الأخرى) ص 126 .

(لاحظ الإبداع في " علامة الازدراء " التي يجب أن تضاف إلى علامات التنقيط في قواعد كتاب اللغة العربية مثل علامة الاستفهام وعلامة التعجب " ص 140 الخ أكثر من 5 ملاحظات

وفي دراسته (للمباءة) يغير التدخل والإحالة بصياغة أخرى مثل:

(هنا البلاد فقدت حريتها بسبب ....)

(هنا فقدان الحرية بسبب ....) الخ في ثمانية مواضع

واضعا التعليقات الثمانية بين معقوفتين، والهدف جلي، وهو مساعدة القارئ على تلمس سبب فقدان الحرية في ثنايا الرواية، ويعود إلى النمطية التي مرت بنا عند تدخله في دراسته لعد الجبار السحيمي فيكثر من (لاحظ رمزية الماء .....)

(لاحظ الإشارة إلى قدسية الفنون)

أو قوله معلقا ومؤكدا بكل ثقة " .... وهذا صحيح طبعا " ص 256

أو تكون الإحالة على مرجع من مراجعه هو بحكم تخصص هذا المرجع في قضية ما " فالحب هو الدافع للإبداع، وهذا ما حولنا شرحه في كتاب كامل ...." ص 253 .

وقوله عن غلاب: " وبذلك تشكل منعطفا متميزا في مسار الرواية العربية، وستكون نموذجا يحذو حذوه الروائيون في المشرق والمغرب لإنتاج روايات مضمخة بأريج الثقافة والفكر والأدب الرفيع ..." ص 212 .

وتتعدد أساليب الإعجاب والتدخلات والاستنتاجات والأحكام، فيعبر عنها بالدهشة " لقد سيطرت هذه الرواية على جميع حواسي ومشاعري وفكري وقلبي ..."

" لقد حملتني هذه الرواية على بساط سحري إلى باريس ...."

وقد يكون هذا الإعجاب مصحوبا بتفسير أو تبرير، وهو الغالب، وقد يكون متوجا – إضافة إلى ذلك - بانبهار كلي كما في هذا الشعور أو الصيحة التي دوت من قلبه الصادق: (يا سلام على الفكر السامق المتبختر ببردة أسلوبية ملوكية)، وهذا قمة النقد التذوقي .

- ولكن هل كان القاسمي يجامل في نقده ؟

من الأشياء التي جعلت القاسمي يتعاطف مع الإبداعات التي درسها في هذا الكتاب والتي أحدثت له هذا الانبهار وهذا التطهير catharsis هي أن جلها منتقى بعناية ويكاد يدخل في النقد الانتقائي (المختارات)، وعليه فيكون الكمال الفني حاضرا فيها، إضافة إلى خضوعها كلها (الى تيمة الحرية)، فهي الموجه للجمع في كتاب، والى اختيار أنماط المقاربات المهيمنة قبل أن تندمج في المقاربة التكاملية...

صحيح أن القاسمي قلما يلجأ إلى معارضة الرأي بصرامة إذا كان موجها إلى مبدع واحد بعينه، بل نجد هذه الطريقة (المعارضة الصارمة) – على ندرتها – تكون موجهة إلى مبدعين يشكلون مدرسة فنية معينة أو يتناولون (تيمة) خاصة، كالحرية مثلا، أو عندما يكون نقده موجها إلى لجنة مكلفة بإعداد تقرير حول ظاهرة أدبية (صورة المرأة في الرواية العربية مثلا) . وهنا لا يتوانى الناقد في نعت تصورهم للظاهرة بالسطحية، وقصور المعالجة .ومع ذلك لا يكاد يتنازل عن لباقته التي يخاطب بها المبدعين فرادى وجماعات أيضا لأن الحق والموضوعية ديدنه في ذلك . يستهل نقده بتقدير جهد لجنة (إعداد التقرير حول الظاهرة) ثم يبدي رأيه فان لنا رأيا مخالفا مفاده ....." ص 150.

وبعد التحليل والتفسير وإبداء الرأي والحجاج ... يكرر عبارة (مع الأسف) للتعبير عن الدونية في (عابر سرير) لأحلام مستغانمي رغم إعجابه بأسلوبها وتصويرها في البدء والختام . ويكررها مع محمد برادة في " مثل صيف لا يتكرر " ص 157 .

أو قد يغير من الصرامة قليلا " غير أننا كنا نتمنى لو أدخل المؤلف في روايته كذلك نماذج نسائية مغايرة " .

وفي الحالتين: الانبهار والصرامة الناجمين عن الموضوعية، كان يلجا إلى الاستشهاد بآراء النقاد الآخرين، كرأي صلاح فضل للاستدلال على اللغة الشعرية للغيطاني،أو برأي شوقي ضيف على الخصيصة نفسها من الناحية الإيقاعية، وبرأي كونديرا على اعتبار رائعة الغيطاني (مغامرة محسوبة) تدهش المتلقي وتصهره في ذات السارد .

والاستشهاد على الحكم بأبيات شعرية موضحة بهدف التفسير: أو الاستشهاد على الرأي من المبدع نفسه كالاستشهاد برأي شلبي على أن الأمكنة تؤدي دور الشخصيات الروائية في الرواية الجغرافية، أو الاستشهاد برأي ناقد آخر على الحكم على ناقد أو مبدع، كالاستعانة برأي إبراهيم أنيس في ضبط المصطلح من حيث نحته (الرواية الجغرافية) – (الجغرواية) .

نظرية التلقي والعتبات

ولإغناء المنهج النقدي التكاملي عند القاسمي الذي يبدأ انطباعيا وتأثريا، ويتدرج بفضل التفسير والوصف والتحليل والتأويل، والمحاجة والموازنة، والتدخل والاستشهاد، والاستقراء والاستنتاج، فإن بعض المحطات، لا بد أن يكون الولوج إليها من أبواب خاصة اجتهد القاسمي – بفضل ثقافته الشمولية – أن يقتحم من خلالها النصوص المغرقة في التجريب والحداثة، إيمانا منه بدور كل عنصر من عناصر الرواية أو القصة أو القصيدة، وإيمانا منه كذلك بأهمية ترسيخ (متعة القراءة) ولذة التأويل، وبالتطهير الذي تخلفه الآثار الإبداعية المتذرعة بالخيال والصور ... في ذهن القارئ، وإيمانا منه، بحاجة الأثر الأدبي إلى دور القارئ وانصهاره فيه لإحداث هذه المتعة وهذه اللذة . وهذا مبرر من مبررات دخول عالم النقاد الكبار المعاصرين على الخصوص رواد الحداثة وما بعد الحداثة . من ياكوبسون في فن الرسالة والمرسل والمرسل إليه، وليفي شتراوس من خلال السيميائية والتأويل العقدي والعادات والخرافات والتقاليد والطوطم – وياوس في التلقي، وخلخلة أفق انتظار القارئ، واستغلال عتبات النص كما وصفها جيرار جنيت ....

من خصوصيات نظرية التلقي: إشراك القارئ وإحداث تغيير مرغوب فيه لديه .

وقد عبر القاسمي عن ذلك مرارا، سواء في طرحه النظري لخصوصيات النوع الأدبي أو عند التطبيق فعند تقويم سرد الأحداث عند غلاب – مثلا- يستفيض في استخدامه التقنية السردية المتنوعة: كالاسترجاع وتيار الوعي والتحليل النفسي المعمق، والتلميح بدل التصريح والإشارة بدل العبارة ....

بعد هذه الاستفاضة يصل إلى الهدف من نظرية التلقي " ... ليشحذ ذكاء القارئ الذي يشارك في عملية الإبداع من خلال ملء الفراغات والبياضات في الرواية، وإبداء الرأي في القضايا الفكرية التي يثيرها المؤلف المتمرس " ص 212 .

وقوله عن غلاب في السياق نفسه: " وفي ذات الوقت يجد القارئ نفسه طرفا في النزاع الفكري، وأنه مطالب بإجابات وتفسيرات وشروح " ص 214 .

أو قوله:" والقارئ يستل منها[ الرواية ]نفسه بصعوبة شخصا مختلفا لا كما دخل رحابها " ص 206

وقوله: " فالقارئ هو الكاتب الثاني للرواية " ص 230 .

وقد بسط القاسمي مواصفات هذه النظرية مصطلحيا، وباعتبارها عناصر مكونة للنص الأدبي، وإشراك المتلقي في الإبداع، وأبعاد النص التذوقية: (المتعة والإثارة، وتوهج القراءة) وأبعاده المعرفية والفلسفية (أفق انتظار القارئ) .

ويلجأ إلى عتبات النص باعتبارها إفرازا تذوقيا من نظرية التلقي عند السحيمي وعند شلبي، وعند الغيطاني مسطرا عناصرها قبل التطبيق وهي: العنوان – المقدمة- الإهداء – الملاحظة الختامية .... ويفصل الحديث فيها على شاكلة المنظرين التربويين: ما يسبق النص (ما قبل النص) من عنوان وعنوان فرعي، وصورة غلاف، وإهداء ومقدمة، وكل ما يراه أو يقرأه المتلقي قبل دخول عالم النص الأدبي، مما يلقي ضوءا على النص ويوجه عملية التلقي وجهة معينة، أو يثير توقعات معينة لدى القارئ، أو يزيد من توهج القراءة ومتعتها ..." ص 246 .

وطبقه أساسا على (بطن البقرة) لشلبي وكذا على (وجوه مرت) للربيعي، بادئا من الغلاف بهدف مرسوم سلفا هو الإصرار على نزع جنس القصة عنها، فرغم وضع الناشر كلمة (قصص) على الغلاف فان القاسمي ينفي عنها هذه السمة لانعدام مواصفات القصة فيها، كما زكى رأيه بقراءة العنوان الداخلي (بورتريهات عراقية)، واستثمر الغلاف الخلفي للكتاب لمزيد من الاستدلال وتصور الحكم واستثمر مدخل الكتاب لتوجيه القارئ وتحريضه على أن يتسلح بنظرية (جمالية التلقي). ويعتمد على عتبات النص (النص الموازي) ليعرف جنس الكتاب الجديد، وذلك استنادا على التعاقد بين المبدع والقارئ (عقدة القراءة) ...

وقد كانت هذه العتبات حلا سحريا أفاد الناقد نفسه في حل لغز الغموض في ديواني بشكار وغلمان .

هذه هي السمات المشتركة لنقد القاسمي أي إبداع، حيث تتظافر النظريات النقدية القديمة بدءا من عمود الشعر العربي وأقانيمه المحترمة والمقدسة قديما وحديثا ... ومرورا بالوسيلة (الأداة التحليلية): التفسير والشرح والوصف والحجاج والموازنة والمقارنة، والتفاضل، واستنتاج الأحكام والتدليل عليها بالآراء والأحكام الخارجية والداخلية، والاستعانة بالآراء النقدية والنظريات النقدية المعاصرة، لسانية وأنتروبولوجية ونفسية (الجشطلت) وبنيوية، وبنيوية تكوينية وتلق وعتبات ...... وبها يتكامل التصور النقدي عند القاسمي، ويسير في الاتجاه التربوي الهادف، ورغم هذا الاشتراك المنهجي في دراسته للنصوص، إلا أن القارئ لا بد أن يلحظ تميزا وخصوصية ما في دراسة القاسمي للرواية عن القصة، عن المقالة عن القصيدة عن المسرحية ...

فكل جنس أدبي يريد أن يقدم على دراسته، يستهله بمقدمة تمهيدية توضح خصوصية النوع الأدبي الذي ينتهي إليه، ومواصفاته وعناصره الفنية، ويجعلها إضاءة حصرية لا يتنكب لها، فكان هذه المقدمات كانت عبارة عن استنتاجات في البدء واجل تصديرها إلى نهاية العمل، وكذلك تساهم الخلاصة (الخاتمة) في المزيد من إنارة العمل وتزيد من تميز النوع الأدبي المنقود .

والقاسمي في هذا التجنيس لا يخرج عن النقاد والمصنفين الأكاديميين الكبار كعز الدين إسماعيل والنويهي ومندور ونجم، وعصفور وفضل، والنساج وخالدة سعيدة ويمنى العيد لكنه – بفضوله العلمي وبحثه الدؤوب – لا بد أن يضيف جديدا: مصطلحا أو اكتشافا تجنيسيا (الوجوه / البورتريهات) الجغرواية .. السيرة الأدبية) وذلك بجرأة واستماتة مدعومة بأدلة وحجج وموازنات ومقارنات .

وهكذا وجدنا المواصفات العامة للرواية لا ترقي إليها القصة القصيرة، ولا المقالة ولا المسرحية ولا حتى السيرة بأشكالها، لأنها في نظره عنقاء تلتهم الأجناس الأدبية، ومع ذلك فهو يؤكد ويلح على تكامل الرواية أو القصة بان تمتح من كل الأجناس، والأنواع الأدبية بصورة غير متساوية.

تقديم المصطلح

من العناصر الأساسية المساعدة على النقد الأدبي، توضيح المصطلح الأدبي أو البلاغي أو النحوي أو النقدي ... وقد تضمن كتاب القاسمي هذا ما ينيف عن أربعين مصطلحا خالصا .

وجرده لهذه المصطلحات أنار الدراسات التي أجريت على النصوص، وقد تناولها بأشكال مختلفة كالاستفادة من إطلاقات الفنانين والنقاد والمصنفين، يطلق عليه في مصطلحات هذا الفن " وحدة الأثر " ص 118 .

أو يكون تفسيرا كقوله عن الطريقة الاستنباطية " ينبغي على القارئ اتباعها للوقوف على الحدث الرئيسي في القصة لأن الكاتب لا يستطيع البوح بهذا الحدث، فيغيبه ويكتفي بالتمليح بدل التصريح، أي بالإيماء إليه للدلالة عليه ."

ويكون التفسير أحيانا لتوضيح الفرق: " السارد غير الكاتب..."

كما يكون مسبوقا بأداة التفسير (أي) فالإيهام المرجعي مثلا: " أي أن الكاتب يوهم القارئ بان مرجعياته حقيقية صادقة " 137 وعتبات النص: " أي العنوان والمقدمة ..."

أو يكون تفسير المصطلح معتمدا على التطابق: " التوالد النصي " ويطابق ما هو متداول باسم التأويل الدلالي " .

كما يقدم المصطلح اعتمادا على الإحالة (الموسيقى الداخلية) نقلا عن شوقي ضيف " .

وقد يكون مصحوبا بمثل فتقديمه (للانطباعية)، جاء مصحوبا بنموذج للرسام سيزان. وقد يكون التفسير مستطردا فيه، فالصدق الواقعي / الصدق الفني جاء متحدثا عنه بإسهاب . ويكون مفسرا ومفصلا من الإنتاج الإبداعي نفسه كمصطلح الالتزام، فبعد التفسير والتقعيد له يذكر أنماطا له من رواية المعلم علي لغلاب: (التزام بالوطن – والتزام بحقوق الإنسان، والتزام بتنمية الثقافة)

ويكون مصحوبا بالتأريخ له (الرواية الجغرافية) و(ميثاق القراءة)

ويكون مصحوبا بالتفصيل الدقيق الذي يقف على التميزات والفروق كتفسيره مصطلح (الغموض): البليغ – الضروري – الاضطراري – المضر .

ويكون عبارة عن تقديم رياضي (الواقعية = الواقع + الفن) .

وكما يكون إحالة واستشهادا واقتباسا من معجم أو مدرسة ... يكون ابتكارا خاصا للقاسمي كتقنية النافذة – والسيرة الأدبية ...

النقد التطبيقي / الإجرائي

الرواية نموذجا = بطن البقرة – لخيري شلبي

كما عودنا الناقد علي القاسمي في هذا الكتاب والذي قبله (الحب والإبداع والجنون) يستهل القسم النظري بمقدمة، وهنا بدلهاب (فذلكة) لهدف لا يعرفه القارئ إلا إذا قرأ المقال النقدي كله، حيث سيكتشف معه – أن الروائي شلبي قد استعملها بالزاي لا بالذال وعلق عليها القاسمي قائلا: " مقدمة رواية " بطن البقرة " تحمل اسم (فزلكة)،وآمل أنه وقع خطأ مطبعي في هذه الكلمة فاستعملت الزاي بدلا من الذال، وأن المؤلف الفاضل لم يستعمل اللهجة العامية المصرية في هذا الكلمة " .

ويشرع القاسمي في بحث الكلمة العربية الفصيحة من حيث الاشتقاق ...

وقد أعلن القاسمي في هذه المقدمة عن فرضيتين أوليين .

1- حرية الكاتب في ابتكار أنواع أدبية جديدة (بشروط)

2- استطاعة كاتب عربي أن يكتب رواية جغرافية كاملة لأول مرة في الأدب العالمي (بعد سلسلة من الإخفاقات والمحاولات من الرواد) .

تقديم المصطلح:

أ‌- يتساءل عن المقصود بالرواية الجديدة

- يلجأ قبل ذلك إلى تعريف الرواية وتطوراتها بدءا من ظهورها خلال القرون الوسطى

- يتطرق إلى طغيانها على جميع الأنواع الأدبية والفنية والمعرفية

- يتطرق إلى تعدد أنواعها تبعا لتنوع المعارف المصاحبة والموجودة .

- يذكر نمطا اطلع عليه في الشابكة (الانترنت) جديدا كل الجدة (الرواية المثلية)

- في الأخير يعطي تعريفا للرواية ويصل من خلال هذا التقديم الى قابليتها للتجريب شكلا ومضمونا

كما يجرد- تاريخيا – الأنماط الروائية المعهودة

ب‌- يتساءل مرة أخرى لماذا لم تظهر الرواية الجغرافية في القرن 19 مع ظهور الاكتشافات

ح- يسرد لنا المحاولات: (محاولة جول فيرن) .

د- ينتهي إلى خلاصة مفادها أن (فيرن) لم يتمكن من كتابتها .

ه- يبرر عدم إمكانيته

- أما المحاولة الثانية فهي لفريدريك بروكوش، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من كتابة الرواية الجغرافية، معززا هذه المحاولة بتأكيد ألبير كامي على وصول، بروكوش إلى مبتغاه .

أ‌- يؤكد القاسمي على مزية من مزايا هذا النوع في ابتكار بروكوش وهي إنابة الأمكنة عن الأشخاص.

ب‌- لكنها لا تتوفر على أركان الرواية الجغرافية، لأن الكاتب لم ير تلك الأماكن (آسيا) بل اعتمد في ذكرها على الخيال .

ح – ونظرا لبعض مزايا محاولة بروكوش فالقاسمي لم ينف عنه قربه من كتابة الرواية الجغرافية .

أركان الرواية الجغرافية

- يعرفها بأنها مزيج من الأدب والجغرافيا: (الرواية) و(الخطط) .

- يشترط لهذا المزيج (الزواج) بينهما أن يتنازل الأدب عن الخيال، والجغرافية عن الأسلوب العلمي والمصطلحات التقنية، فتكون مزيجا من الأسلوب الشاعري والموضوعية الجغرافية .

- يبرز القاسمي اختلاف الرواية الجغرافية عن بقية أنواع الرواية، في أن الشخصية الروائية هي المكان، على خلاف الأنواع الأخرى التي تسرد سيرة شخصية مركزية أو شخصيات متعددة، والفضاء يكون فيها ثانويا، فالرواية الجغرافية تسرد سيرة مكان واقعي (بلاد، مدينة، حارة، شارع) وما طرأ عليه من تحولات، وعلى كاتبها أن يكون مفتتنا بالمكان، وكما تتفاعل الشخصيات في باقي الروايات، فإن الأماكن في الرواية الجغرافية يتأثر بعضها ببعض .

- يذكر نماذج الروائيين من مختلفي البلدان وصفوا الأماكن بشكل جيد، ولكن ذلك الوصف لم يؤهلهم إلى كتابة هذه الرواية ومنهم نجيب محفوظ .

- كما يشترط لكتابتها توفر صاحبها على ثقافة موسوعية، مشفوعة بإبداع متعدد الاهتمامات .

- ويلخص في آخر الجانب النظري خصائص الرواية الجغرافية .

- كما ينبه إلى ضرورة التفريق بين مصطلحي (الرواية الجغرافية) و(جغرافية الرواية) .

بعد هذه العرض الذي استغرق زهاء 12 صفحة، أي قرابة نصف المقال النقدي، يبدأ الناقد في تطبيق معلوماته الضافية المحددة للنوع الأدبي، ونقده الحجاجي والتبريري على العمل، فيلجأ إلى:

- الحديث عن المؤلف خيري شلبي وروايته من الزوايا التالية:

- تعمده كتابة هذا النمط الروائي ووعيه به .

- معرفته بشروط هذا النمط الروائي ومقوماته وغاياته وتقنياته

- شعوره بالريادة في المجال (وقد استشف القاسمي ذلك من عتبات النص)

دراسات عتبات النص في (بطن البقرة) من خلال العنوان، والإهداء، والمقدمة .

1- العنوان الفرعي:

- يدل العنوان على أن هذا الكتاب رواية جغرافية، فهو بمثابة (ميثاق القراءة)

- حدد نوعه بدقة في العنوان الفرعي

- نظرا لإدراكه بإبداعه لهذا النوع لأول مرة على الصعيد العالمي، فقد ارتأى أن يولد له اسما

- قام بنحت كلمة محدثة هي (جغرواية)، ولم يستعمل المصطلح (رواية جغرافية) .

- يبرز القاسمي لجوء شلبي إلى النحت برأي إبراهيم أنيس، وبهويته هو كلساني وعضو في مجامع اللغة العربية، وبمرجعه المتخصص (علم المصطلح) .

2- الإهداء

- يريد شلبي من خلال الإهداء أن يؤكد على مرجعية ابتكاره (مصر) زرع بذورها المقريزي، تلقفها منه هو .

- يستدل القاسمي على هذا التلقف المرجعي من الرواية (الإهداء)

- يتحدث القاسمي عن المقريزي ومنهجه في التأليف التاريخي (الخطط)، والهدف من ذلك

- يوازن القاسمي بين الهدفين والمنهجين، مستخلفا الفرق الأوحد وهو تاريخية مؤلف المقريزي وروائية خيري شلبي .

3- المقدمة:

- هنا يتطرق القاسمي إلى مناقشة (فزلكة) بالزاي بدل الذال .

- يتحدث القاسمي عن وظيفة المقدمة في أي كتاب كان وذلك من خلال(الخطط المقريزية) أيضا ولخصها في ثمان .

- يعلق الناقد على المعلومات التي دبجها المقريزي – على قدمها – ويشيد بها .

- يشرحها واحدة واحدة ولكن مطبقا إياها على كتاب شلبي لا المقريزي، بحيث تتجلى الموازنة والتطابق، كما يمثل لذلك من الرواية . وهذه العناصر هي: العنوان (بطن البقرة) – المؤلف – محتويات الكتاب وأجزاؤه – الدافع، غرض الرواية – المجال المعرفي للكتاب مصادر رواية " بطن البقرة "- رتبة القارئ.

- فالقاسمي في هذا المقال النقدي لجأ إلى مرجعية نقدية حديثة جدا هي (العتبات) كما وردت عند جيرار جنيت، والى تقنية (ميثاق القراءة) الذي ظهر عنده كذلك، وهو قوام نظرية التلقي أيضا، كما وظف الموازنة بين المصطلحات، وبين المؤلفين القديم / المقريزي، والمعاصر / شلبي، وبين كل عنصر من العناصر الثمانية عندهما، معلقا عليها، ومفسرا ومبررا، وموظفا المنطق والفرضية والبرهنة (الإجابة على الفرضيتين في صدر المقال النقدي، بأسلوب حجاجي مقنع ومبرر بالحجة والمرجع، وبالسند والإحالة، وبالتدرج التاريخي، وبالثقافة العامة والموسوعية للناقد، والتمرس بالتحليل واكتشاف الأنماط والأساليب والتقنيات الفنية، واستحضار النقاد والمتخصصين في التاريخ والفن واللغة والمذاهب النقدية ...)

- الإخلاص للمنهج النظري الذي لخص في الصفحة 246 عتبات النص وهو مفصل من خلال النقد الحديث عامة ومن خلال جرار جنيت، ومكثف (ثلاث عتبات شاملة في بداية رواية بطن البقرة).

خلاصة:

إن كتاب علي القاسمي: النور والعتمة، كتاب نقدي بكل المعايير المعتمدة في النقد الأدبي بدءا من تقديم المصطلح الأدبي والفني واللغوي .... ومرورا بالموضوعة التي أسس عليها (الحرية)، ووقوفا عند المنهج التكاملي النظري الذي يعطي لكل خطوة من خطوات التحليل والتبرير والبرهنة والمفاضلة والاستنتاج والاستقراء، وإصدار الحكم ... نمطا تحليليا شافيا، وبلوغا عند الغاية التي سطرها الناقد لهذه القراءة العاشقة وهي إشباع فضول القارئ، وإشراكه وتطهيره حتى يقاسم الكاتب إبداعه.

فما حظ النور والعتمة من الكتاب ؟

إن دلالة العنوان تأكدت من خلال كل مكونات الكتاب، بدءا من الغلاف الذي هو لوحة جميلة دالة على (الصرخة) والعنوان ... وقد حلت القراءة العاشقة للكتاب برمته (التوتر) الذي قد تحدثه قراءة عنصر واحد أو اثنين فقط من عناصر الكتاب، وبدت للقارئ أنوار عديدة لا نور واحد، بددت عتمات عديدة لا عتمة واحدة، وهذه الأنوار هي: نور الحرية أولا ≠ ضد السجن . نور الوطنية – الالتزام – تحرير المرأة

نور المعرفة ثانيا: (الثقافة بأنواعها – محاربة الأمية ...)

نور الشعر ثالثا: (التغلب على التلعثم / الغموض)

نور الكتابة: (كتابة الكاتب المتحرر من قيود الواقع) التازي

نور الابتكار: (التجريب) عند شلبي + الربيعي (تجنيس الأعمال)

نور الطبيعة: النوافذ / اتساع الأفضية (الغيطاني)

نور الإلهام: الموهبة / الإلهام الذي صبغ كل الانتاجات المنقودة

وشكرا

 

عنوان الكتاب: النور والعتمة (إشكالية الحرية في الآداب العربي)

يقع الكتاب في 302 صفحة من القطع المتوسط .

منشورات دار الثقافة . صدرت طبعته الأولى سنة 2009

الغلاف " صرخة " للفنان التشكيلي المغربي لحسن عاشق، وهو دال عنوانا وفنا ولونا .

 

بقلم: إدريس الكريوي - فاس

 

 

في المثقف اليوم