قراءة في كتاب

أبو الحسن الجمال: الجوانب التاريخية والحضارية في النقود الأندلسية للباحثة ناهد عبد الحميد قرني

3136 ناهد قرني

حفلت مدرسة التاريخ في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بأعلام المؤرخين، الذين  أثروا هذا المجال بالمؤلفات التي تشهد على تفردهم، وقد شغل تخصص تاريخ المغرب والأندلس حيزاً كبيراً في هذه المدرسة، وكتب العديد من المؤرخين كتابات غلب عليها الجانب الموسوعي مثلما وجدنا في مؤلفات الدكتور أحمد شلبي، والدكتور إبراهيم العدوي، ثم جاء الجيل التالي لهم فتخصصوا في هذا المجال بداية من الدكتور عبد الله جمال الدين، وهو أول من ابتعث إلى إسبانيا لدراسة التاريخ وإن كان سبقه العديد ممكن درسوا الأدب الأندلسي من أمثال أحمد هيكل والطاهر أحمد مكي. وقد طالع عن كثب المواضع والمواقع التي دارت عليها الأحداث، وكذلك طالع المخطوطات التي تزخر بها دور الكتب الإسبانية، والاستفادة من كتابات المستعربين ومناهجهم في البحث العلمي، ثم توالت البعثات إلى إسبانيا من دار العلوم، وقد احتلت المدرسة مكانة كبرى في خارطة البحث التاريخي والحضارة بل نافست هذه المدارس.

واليوم نلتقي مع أحد أبناء مدرسة دار العلوم في مجال التاريخ والتاريخ الأندلسي على وجه الخصوص؛ وهي الباحثة ناهد قرني عبد الحميد التي عشقت الدراسات الأندلسية وأخصلت لها وكانت مثار إعجاب أساتذتها، ولهذا أكملت دراساتها في هذا المجال، وأثرت أن تختاز الصعاب في موضوع صعب وشاق أخذ من حياتها سنوات وهو "الجوانب التاريخية والحضارية في النقود الأندلسية من عصر المرابطين حتى سقوط غرناطة"، لندرة البحث فيها وهذا راجع إلى أستاذها الدكتور طاهر راغب حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في كلية دار العلوم جامعة الذي كتب في هذا الموضوع كتبا كثيرة.

والباحثة ناهد قرني عبد الحميد من مواليد مدينة الحوامدية في الأول من أكتوبر سنة 1988، وتعلمت في مدراسها حتى حصلت على الشهادة الثانوية، ثم التحقت بكلية دار العلوم جامعة المنيا، وحصلت على ليسانس اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية 2010 بتقدير عام جيد، ولم يقف طموحها عند هذا الحد فآثرت أن تكمل دراساتها العليا في مجال التاريخ، فحصلت على دبلوم خاص في الدراسات الإسلامية كلية دار العلوم جامعة القاهرة 2012م بتقدير جيد جداً، ثم على السنة التمهيدية للماجستير في قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بنفس الكلية عام 2013م بتقدير جيد جدا، ثم حصلت على الماجستير عام 2017 بتقدير ممتاز؛ وذلك في موضوع: "الجوانب التاريخية والحضارية في النقود الأندلسية من عصر المرابطين حتى سقوط غرناطة"، بإشراف: أ.د. طاهر راغب حسين.

وفي 2017م، قامت بعمل قائمة بعناوين الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه التي نوقشت في قسم التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وكذلك المقالات والبحوث العلمية التي نُشرت في مجلة كلية دار العلوم جامعة القاهرة وفي مجلة ندوة قسم التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، والتي تناولت المغرب والأندلس، وكان الهدف من هذه القائمة عمل دراسة ببليوجرافية للوقوف على إسهامات قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة في إمداد المكتبة العربية والتاريخية بالعديد من الدراسات المغربية والأندلسية. ومن خلال القائمة؛ تبين أن قسم التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قد نال حظا كبيرا وشهرة واسعة في دراسة الكثير من الأعمال التاريخية المغربية والأندلسية، ما بين أربع وعشرين رسالة ماجستير وعشرين رسالة دكتوراه وسبعة عشر بحثا منشورا في مجلة كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وثلاثين بحثا منشورا في مجلة ندوة التاريخ الإسلامي، هذا غير الرسائل العلمية التي نوقشت وسُجلت مؤخرا. وبإذن الله، تتوسع هذه القائمة الببليوجرافية؛ لتضم كل النتاج المغربي والأندلسي من رسائل علمية ومقالات وبحوث علمية وكتب لقامات وشخصيات مرموقة أنجبتها كلية دار العلوم جامعة القاهرة في قسم التاريخ الإسلامي.

عرض الرسالة:

وعن سبب اختيارها لدراسة هذا الموضوع تقول الباحثة في المقدمة، لأنها "وجدت أن النقود الأندلسية لم تحظ بنصيب وافر من قبل الباحثين في علم النميات، اللهم ما نشره بعض الغربيين عنها، والدراسات القليلة التي قام بها باحثو الآثار، وذلك بنشر مجموعات من النقود الأندلسية الموجودة بالمتاحف العالمية، كما كنت أريد أن أعرف هل تطرق الضعف الذي كان يحدث في الأندلس، في بعض الفترات إلى النقود؟ وهل هذا الأمر ظهر على طريق الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها ومن هنا برزت مشكلة الدراسة ومبررات اختيار الموضوع".

ثم استعرضت الباحثة الدراسات السابقة وإن كانت لا تنتمي إلى الفترة التاريخية التي تعرضت لها وإنما رجعت إليها لتضيء إليها الطريق وتستفيد من النتائج التي توصلت هذه الدراسات إليها، ومن أهم هذه الدراسات، بحث "الأمويون بالأندلس من قبيل الخلافة إلى نهاية عصر عبد الرحمن الناصر – دراسة تاريخية نمية"، للأستاذ الدكتور طاهر راغب حسين وقد نشره ضمن الجزء الأول من موسوعته "النقود الإسلامية الأولى"، وكذلك كتبه الأخرى التي تحدثت عن النقود ومنها "تاريخ نقود دول المغرب من 441-982هـ - دراسة في التاريخ والحضارة، وغيرها من الدراسات..

واعتمدت الباحثة في هذه الدراسة على المنهج الإحصائي، حيث قامت بإحصاء معظم القطع النقدية، ذهبية وفضية ونحاسية، وكذلك إحصاء معظم الكتابات الموجودة في نقوش القطع، وكذلك الأوزان والأقطار، ثم اعتدت أيضاً على المنهج التاريخي، وذلك بدراسة ما حوته الوثيقة النُّمية من نقوش على أساس تاريخي لا أثري، ثم المنهج التحليلي المقارن؛ وذلك بتحليل ومقارنة ما ورد من مقارنة أثارتها نقوش النقود، فترة الدراسة، مع المصادر التاريخية المكتوبة..

تقسيم الرسالة:

وقد قسمت الباحثة الرسالة إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، وخاتمة وملاحق، أما التمهيد، فتناولت فيه الحديث عن جغرافيا وتاريخ الأندلس: سياسياً واقتصاديا واجتماعيا مدة الدراسة؛ أي من قيام دولة المرابطين وحتى سقوط مملكة غرناطة سنة 897هـ ، ثم عرجت للحديث عن النقود الإسلامية.

وفي الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الجوانب السياسية كما تظهرها النقود الأندلسية، فترة الدراسة مقارنة بالمصادر التاريخية"، فقامت الباحثة بتقسيم هذا الفصل إلى خمسة مباحث تحدثت عن نقوش النقود، تناولت في المبحث الأول التبعية السياسية، والثاني الألقاب السياسية والمذهبية، والثالث ولاة العهد، والرابع دور الضرب الأندلسية والخامس عن الثورات..

أما في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "الجوانب الاقتصادية كما تظهر النقود الأندلسية، فترة الدراسة، مقارنة بالمصادر التاريخية"، فقد تناولت ستة مباحث، الأول تحدث عن الأوزان ودلالتها الاقتصادية، والثاني العيارات ولالتها الاقتصادية، والثالث عن النقود المقلدة لنقود فترة الدراسة، والرابع عن أسعار صرف النقود، والخامس عن الأسعار، والسادس عن الأزمات الاقتصادية..

أما الفصل الثالث فجاء تحث عنوان "الجوانب الاجتماعية والمذهبية والدينية كما تظهرها النقود الأندلسية، فترة الدراسة، مقارنة بالمصادر التاريخية"، وتناولت فيه أربعة مباحث، الأول النقود التذكارية، والثاني عن الدعوة المهدية، والثالث عن الآيات القرآنية، والرابع عن العبارات الدعائية.

ثم كانت الخاتمة التي اشتملت عن أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الباحثة من خلال هذه الدراسة ثم الملاحق، حيث زودت الباحثة هذه الدراسة بالعديد من الجداول والخرائط والأشكال البيانية وصور لبعض النقود ثم قائمة بالمصادر والمراجع.

وبعد فنحن بإزاء رسالة حظيت بإعجاب الجميع وأثنت عليها لجنة المناقشة ونتمنى في القريب أن نرى الرسالة مطبوعة لتعم الفائدة ..

 

بقلم: أبو الحسن الجمال – كاتب ومؤرخ مصري

 

 

في المثقف اليوم