ترجمات أدبية

لودميلا بتروشيفسكايا: جو جوان

بقلم: لودميلا بتروشيفسكايا*

ترجمة: د. صالح الرزوق

***

لم يحصد الموضوع الذي رواه جو عن نفسه أي اهتمام من المستمعين له - لا شيء على الإطلاق. جلس الجميع في أماكنهم دون إحساس، وتابعوا تناول الطعام والشراب، ولم يكونوا مستعدين لتقبل أخباره، مع أنه صديق قديم، زد على ذلك أن المضيف، ورب العائلة، كان يعمل تحت أمرته.

وما هي حكاية جو؟. لقد ادعى وهو يضحك أن ابنة أصدقاء آخرين غير هؤلاء (لم يحدد الاسم)، وتبلغ من العمر اثني عشر عاما، نامت معه.

كيف يجب أن يكون رد فعلك على ذلك؟. لا تستطيع أن تقول له "أنت مغتصب أطفال" أو "يا جو أنت مجرم"، فهذا تعليق غريب.

ماذا عليك أن تفعل إذا؟. هل تسرع إلى الشرطة؟. أم تبلغ والدي الفتاة؟. لكن هذا أكثر فظاعة. من جهة سيكون الخبر فاجعة مؤلمة لعائلتها. ومن جهة مقابلة، إن ذهب جو إلى السجن، سيخضع جو للتحقيق والمحاكمة ويلحق بالبنت الصغيرة العار. ثم إن العديد من البنات اليافعات تتصرفن بحرية من حولنا، وهذا يصدق على كل مكان - في الريف والمدينة، وفي معسكرات ومخيمات الصغار... وما دام الآباء لا يعرفون، يبقى كل شيء هادئا. كلما عرفوا أكثر كلما زادت أوجاعهم. فالبنت تكبر وتتزوج أو تذهب بطريقها، وحتى في هذه الحالة عليها تجنب رقابة أهلها، وظلهم الثقيل الذي لا تحتمله، وتعليماتهم الصارمة ودموعهم. وفي نهاية المطاف جو صديق، وموثوق ومجرب أيضا. يمكنك أن تطلب منه إصلاح منظفة الأطباق الآلية، أو ماكينة الخياطة، ولن يرفض لك طلبا. ويمكن أن يأخذ صورة بأشعة إكس لزوجة صديق مريضة. وهو من وجد عملا للمضيف الذي أدون في بيته هذه الملاحظات، وهكذا حرره من واجباته الليلية في مستشفى المنطقة، ووفر له عملا في مخبره بصفة باحث. ولذلك يصعب أن تنتقده أو أن تعارضه. ثم علينا أن ننظر لحياة أصدقائنا الجنسية على أنها أمر شخصي، أو أنها نتاج وهم وتخيلات.

عموما لا يوجد من وقف فوق سريره ومعه مصباح يدوي ليتحرى ماذا يفعل. ولكن يا الله. ثرثرته لا تنافي الحقيقة أبدا. فجو، حسب كلامه، يسلي النساء، وكان يأخذهن جميعا، ولا يرفض إحداهن مهما كانت. ( ثم إن ابنة الصديق هي التي اتصلت به، وقالت إنها ستأتي إلى سيارته، وطلبت منه أن ينتظرها أمام باب المبنى في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وأن ينتظر هناك حتى يغلب النوم والديها. ثم هي من امتطته في السيارة، فقال لها باختصار:"ماذا تفعلين يا صغيرة؟". ومع ذلك تابعت تنفيذ ما عزمت عليه كأنها تأكل قطعة من الزبدة. وإما أن البنت كانت لها تجارب سابقة، أو أنها شاهدت الكثير من الأفلام الجنسية، وقررت أن تجرب كل شيء بنفسها. وعلينا أن نصدق ذلك. ونعتبر أن هذا ما حصل بالضبط. وأن نفترض أن جو لا يكذب ولكنه كسول فقط). وحسب روايته أنه أغوى كلهن. وكانت النساء الشقيات تتبادلن رقم هاتفه بالدور، وبينهن الحوامل المزاجيات أو المعوقات عقليا. وكان يذهب إلى العناوين التي تملى عليه. وفي إحدى المرات عاد إلى العمل وأخبر الحاضرين بصوت رخيم أنه نكح للتو امرأة حاملا بينما قطتها تلد وتنوح في الحمام.

من جهة أخرى كانت علاقات جو جديدة. لأنه لا يمكنه العودة لشيء مستعمل. وبلغة بسيطة لا يوجد في قاموسه مرة ثانية. وقال حرفيا إنه "يعمل بجد وبأقصى طاقة ممكنة"، وأشار إلى لسانه بسخرية. فضحك المستمعون كأنهم يطربون لكلامه، ولكن كانت قلوبهم تمتعض. كيف يمكنك تقبل كلام من هذا النوع: "ركبها أندريوخا، واخترقها من الخلف". كيف؟. وكان يدلي بكلامه كأنه تحت القسم، مهما كان المكان وبغض النظر عن نوع الموجودين. كما أنه أذاع كلاما شديد الخصوصية، وذكر أنه أخذ صورا عارية لجميع نسائه، بواسطة كاميرا بولارويد الفورية. وحسب قوله: لم تعترض أي واحدة منهن. فقد كان يقدم له الصورة هدية، لكنه كان يحتفظ بنسخة ثانية في الكاميرا، ولاحقا يضيفها إلى ألبومه. والسؤال الآن: هل كانت كل واحدة منهن تعتقد أنه لا يوجد سوى نسخة يتيمة بحوزتها، ولا خشية من ذلك؟.

عموما كان ذلك الألبوم هو الطعم الذي يستعمله. وكان أهم سبب لقيام النساء بزيارته أن تلتهمن بعيونهن الصور الفاضحة لزميلاتهن. وكن ينظرن للأمر ببهجة وسعادة بعد أن ينكحهن ويلتقط صورهن. وربما كان وراء ذلك منصب والده الرفيع في جامعة محلية صغيرة. ولعل الجميع كان يفترض أن للابن مكانة رفيعة توفر لهم الحماية والمساعدة في المستقبل، إلخ، فأبوه يمسك بيده خيوط توزيع الشقق وأطروحات الدكتوراة والأدوار الخاصة والوظائف والبعثات والمنح... كل شيء. ولكن نفترض أن هذا الابن - الذي منح نفسه اسم جو - لن يتعب بالتفكير للتملص من كل المآزق المترتبة على أخطائه، فقد كان يستفيد من وضعه، ويتصرف كما يهوى في مدينة يائسة ومهزومة في حقيقة الأمر.

كما أن أصدقاءه الذين سمعوا اعترافاته الصادمة في مطبخهم - كانوا يعتمدون عليه بطريقة ما.

وهم في الواقع، عائلة مثقفة وفقيرة، وكان يقدم لها المساعدات. ولعله أحسن أيضا للأبوين المخدوعين الذين أنجبا تلك البنت الشابة والناضجة.

ولدى هذه العائلة كذلك بنت صغيرة، وربما خافوا من الفضيحة ونشر أخبارها على الجدران... ولكن - كلا. لقد ضحكوا وأسعدتهم حكاياته المعتادة. أضف لذلك من المؤكد أن أيا من أفكار والد جو العنيدة لم تدخل في رأس ابنه القلق. فقد كان يعتمد على نفسه، ولم يقابل والده منذ شهور. وكان أبوه يسافر إلى موسكو في عطلة الأسبوع، وكان الابن في هذه الأيام بالذات يعيش في الشقة عزوبيته، وهي عرين صغير معتم يحتوي على سرير عملاق تحمله ستة أقدام. وكان هناك، في تلك الشقة، لدى الأب والابن، السلطان وتابعه، ما يسمى أورغن ملون، وقد أتقن جو استعماله، وأثبت ذلك بالعزف عليه يوميا وهو يهدر بالضحك. كانت تشتعل ألوان متعددة حسب المفتاح الأساسي أو الثانوي، أو حسب اللحن الذي يعزفه. وأضاف جو الكثير من لمساته الخاصة، وأثبتت إضافاته أنها مفيدة بعد أن جرى اعتقاله وترحيله إلى "المحمية". وفي معسكر الاحتجاز صمم جهاز أورغن ملون من أجل حفلة ديسكو المحكومين. وأن نقول إن جو دون جوان معاصر نوع من الجرأة لأن كل ما حصل تم في الحقبة السوفييتية، ثم إن كل أدواته لم تكن منتشرة ومتاحة. وهذا يشمل جميع المستلزمات، الشقة المستقلة، سيارته، وعلاقته بوالده. ويضاف إلى ذلك أنه لم يكن يخشى شيئا، وهو نوع من الرياء. فقد كان يروي مغامراته بنفسه. ولم يحاول أن يخفي قدراته الجنسية المتواضعة.

بتعبير آخر لا يمكن لا لطباعه ولا لصفاته الشخصية أن تجذب النساء إلى عرينه. وبالتأكيد لن يكون معشوقا.

مع ذلك تبقى أمامنا وقائع: أن جو لم يواجه المصاعب، لا من السلطات القائمة، ولا من معشر النساء. وببساطة لم ترفضه إحداهن وكن تتصلن به. كن تتهافتن عليه. وكانت البلدة كلها مبتهجة بذلك.

لقد أحرز جو النجاح. مع أنه لا ينتقي ثيابه، ولا يغتسل، ويسير بحذاء قذر له كعب مهشم وبال، وعلى يديه بقع من زيت الآلات. هذا هو جو الذي تفوح منه رائحة العرق. وهذا هو جو العاري دائما في بيته (كان يرتدي بذة سباحة إذا زاره ضيوف لا يعرفهم). وهذا هو جو المخترع الذكي الذي يحسن التعامل مع أحداث يومه، والذي لا يقترب من أي آلة معطوبة إلا وتعود للعمل (وغالبا لا تواصل العمل إلا بحضوره).

بالمناسبة هل من المحتمل أن جو، في كشف أسراره للجميع بهذا الحماس - ومباشرة تقريبا - كان يتصالح مع خطاياه لأنه يعترف بها على الملأ؟.

لم تتبادر هذه الفكرة للجميع إلا بعد موته المأساوي؟.

عموما أصبح مفكرا متدينا وهو في السجن، وأثبت حسابيا أشياء كثيرة لا يمكن إثباتها - وسنعود لتفاصيل إضافية فيما بعد.

وقد أحبه أصدقاؤه الذكور لأنه قادر على إصلاح أي شيء متوقف عن العمل، وأيضا لكرمه الحاتمي وشراء المشروب للجميع، وكذلك لاستعداده الدائم لاستضافة من يزوىه وبصحبته بنات. (باستثناء تلك الأوقات التي يرد بها على الهاتف قائلا 'أنا مشغول مع شخص ما').

وفي شبابه كان ملتزما بالحزب. ولكنه الشاب الوحيد المتحرر في النظام. وكل من حوله شعب يعيش حياته النخبوية المتوترة: ثم كانت البلدة مركزا للبحوث العلمية. وكانوا يقرأون الأدب الممنوع وينظرون له كعمل بطولي سري، وكانوا ينظمون محاضرات في المطابخ، ويطبعون في السر أعمال الفلاسفة الممنوعين وكأنهم جواسيس أمثال: برديائيف وفرانك وإلين والأب سيرجوس بولغاكوف. أخيرا كان الأدب المطبوع في الخارج يجد طريقه إلى هؤلاء القراء، ويتغلغل في حلقات تجمعهم: كل شيء ابتداء من العاديين (بيكت، جويس، كافكا على سبيل المثال، وبقية الممنوعين في الاتحاد السوفييتي بدون سبب واضح)، وحتى من هم أكثر عدائية للسوفييت.

وكانت سلطات البلدة تعرف كل شيء تماما عن سقطات ابن الأستاذ. عموما كانت الانحرافات الأخلاقية لا تهم الحلقات الفنية والأدبية (وبالأخص) العلمية.

كان هذا اتجاه الحزب، وعبر عنه في إحدى المناسبات جوزيف بوك مارك (1) الذي قال:"ليس عندي لكم كتاب غير هؤلاء"، وذلك حينما أخبرته عيونه أن الفوضى تسود بين العاملين في حقل الكتابة. وفعلا لم يكن هناك آخرون. ويجب التعامل مع هؤلاء. وهكذا وضع كلام زعيم الكرملين الأسس الدائمة لنظام الغفران السوفييتي فشمل به الخطاة الموجودين في الاتحادات الإبداعية والجمعيات العلمية. على الإنسان أن يلتزم بخط الحزب، وهذه هي خلاصة كل الموضوع. كل شيء عدا ذلك مسموح دون مشكلة. على سبيل المثال يمكن أن تقول عن مهندسي الأرواح البشرية هؤلاء - كما أطلق عليهم جوزيف ذو الوجه المجدور والذراع العليلة - إنهم شهود على مشكلة دور البغاء التي يقيمها أدباء المعارضة في شارع بريوبراجينسكي، حيث يتم إغواء البنات اليافعات. أيضا كانت طريقة التنبيه لتلك القضية مخزية: فقد تقدم أحد القائمين على مبغى الأطفال بشكوى مفادها أن أحد سكرتيري الاتحاد لم يدفع ما يترتب عليه لنصف عام. وهكذا أرسلت بنات الثانية عشرة والخامسة عشرة إلى مستعمرات العقاب، أما السيدة فحكم عليها بعقوبة تجميد مدتها ستة شهور. ولكن لم يعاقب الكتاب. وأجبر محققان شابان من روستوف على الدون، كان قد شاركا بالكشف عن قضية التغرير بالقاصرات (ويتضمن ذلك مشاركة كاتب معروف ارتكب خطيئته في كوخ على أطراف مقبرة) للمغادرة. ونقلا إلى كرازنودار.

هناك كاتب مقالات شاب خدع ستة وثلاثين صبيا (كان يقود حلقة أدبية طليعية) وحصل على عقوبة ثماني سنوات. غير أنه لم يكن هاما، وإنما مجرد سمكة صغيرة، كما أن الآباء هبوا كالعاصفة وسجلوا شكوى.

ولك أن تتخيل ما قيل عن الجمعية الأكاديمية حينما ذكرت أسماء هؤلاء العباقرة أمثال داو. وكانت زوجته كما يمكن أن تقول موقوفة، وقد أرغمت على تجهيز الأسرة للنساء الآبقات اللواتي أتى بهن زوجها إلى البيت. (وبداعي الانتقام استعملت ملاءات قذرة). وهناك أشياء كثيرة عرفت عن الفنانين. مثلا أحد النحاتين اليساريين كان يعيش مع زوج من التوائم الصغار. حسنا، ماذا في ذلك؟. لم يكن هناك آخرون. كل شيء يسير حسب القوانين التي وضعها جو لوك مارك، وكما قال الممثلون في سابق العصر والأوان، مع مرور الوقت "الحجرة الثقيلة تسقط الأرض".

كان جو ينام مع ابنة بالغة وزوجة شابة لموظف هام - وهذا يعني أن سلوكه لم يقل سوءا عن سلوك خليستياكوف (2)، والذي لم يمنحه غوغول فرصة علاقة مع زوجة وابنة الحاكم، مع أن ذلك محتم في الفصل الأخير. لقد وضع جو باهتمام صورة الزوجة المعنية في ألبومه، وعرضها على كل من يريد أن يرى، كما كانت تتباهى أمامه وتعرض نفسها وفق ما يريد ويرغب. ثم خيم على المدينة اهتمام غير مسبوق. فبعد أن منحت نفسها لجو، وكافأها بعرض الألبوم، تعرفت ابنة الموظف الكبير على زوجة أبيها وأخبرت أمها كأنها حققت نصرا. ولم تنشر المطلقة الحكيمة الخبر لخشيتها على سمعة ابنتها ومستقبلها الشخصي (وأضيف هنا عدة كلمات عن البلدة نفسها: تقريبا كل الشوارع حملت اسم لينين. وتجدها على الخريطة مرسومة ومتقاطعة بطريقة مثالية، وكان شارع لينين يمتد وينقلب وينحدر ويتغلغل في كل الأحياء. وهذه هدية من السلطة لإحياء ذكرى قائدنا. ولاحقا في بعض المستوطنات الريفية مثل بيريديلكينو، القريبة من موسكو، تعاملوا مع الاسم بمهارة. تبديل العناوين أو تغيير أسماء الشوارع عمل معقد، ويترتب عليه تصويب الخرائط، وإضافة إشارات ولافتات جديدة، لتتجنب مكاتب البريد الفوضى... فقد أعطوا "شارع لينين" دون بهرجة زائفة اسم "شارع لينا"، وبدا الأمر كما لو أنه تكريم لامرأة تحمل هذا الاسم). وهكذا كان جو جوان يبرز في شارع لينين برشاقته كل يوم جمعة مساء، ويغادر سيارته التي تحمل لوحة بلدية موسكو، ويسير على الرصيف، متحديا الظروف بطريقة حياته المعهودة. وأخبر الجميع بآخر غزواته مباشرة وبصوت مرتفع كأنه ديك على السور. وكان من واجبه أن يخدم المجتمع بطرق تنم عن أقصى درجات الانفتاح العلني. وعلينا أن نقر لبطلنا بفضله: لأن أحدا لم يعترض على ما قال. وتقبل الجميع ما يحصل كالعادة. لم يكلمه أحد عن الطفلة المسكينة التي اختارها ليلا من عنوان يعرفه كلنا، مع أنها ابنة صديقين مشتركين. ماذا سيحصل؟. وكما قالوا ما وقع قد وقع. وفعل التغرير بالقاصرة قد تم وانقضى وتكرر مرارا. ماذا علينا أن نفعل إزاء ذلك الآن؟. هل نشتكي للسلطة؟. ونسهل إرسال البنت إلى مستعمرة العقوبات؟. كلا وألف كلا - لا يجب أن نكون قضاة. وإلا دخل بيننا الشيطان، ولن نفتح له الباب. لن نقبل أن نكون مخبرين. ليس نحن. وهكذا علت الضحكة في أرجاء المدينة (وليس بين أمواج البحر كما قال غوركي).

عموما لم تتمكن ابنة المسؤول قليل الصبر من ضبط نفسها. وحملت أخبار خيانة زوجته الجديدة إلى أبيها المخدوع. ومباشرة ثارت حاجة ملحة للبحث والتدقيق. وهذا يعني إصدار مذكرة. وهذا يعني الاعتقال والتوقيف.

كانت السلطات المسكينة حتى هذه اللحظة تتحلى بالتسامح والحكمة. فهم جميعا أخوة بالرضاعة (3)، وجعلهم جو الفكاهي صغارا ثانية. كانوا ممنوعين من التدخل في الشؤون العلمية، ولا يجب عليهم الاهتمام بالأخطاء السخيفة. ولا ضرورة لنشر الغسيل الوسخ، كي لا يلحق العار بهم جميعا.

أخيرا تم اعتقال جو بعد أسبوع من التحقيقات. وتم استنتاج كل شيء في موسكو، في المخبر الذي كان يرأسه. ولم يؤخذ أي شيء بالحسبان - لا عمله الجيد للجميع، ولا اختراعاته التي كان يحاول أن يسجلها، باذلا جهودا جبارة، وغالبا دون فائدة، في مكتب الاختراعات المضجر.

أما لماذا تم اعتقاله؟. اتهامات سخيفة. خلاصتها أن ذلك الفني الأخرق وقع وثائق للتخلص من جهاز قديم لكنه لم يخرب شيئا. أولا كان جو كسولا جدا للقيام بعمل مضجر مثل تكسير أجهزة تخزين سجلات العام الماضي، وإحراق أنابيب الراديو، وأجهزة قياس جديدة . ثانيا خبأ كل شيء مثل مدبرة منزل بخيلة. فقد يجد له نفعا في وقت لاحق - في ذلك الوقت لم يكن هناك مسمار إضافي يمكن شراؤه حبيا لشح النقود. كان آنذاك وقت العجز. حتى أن جو وعلى نفقته اشترى ترانزستورات من أشخاص يبيعونها أمام متجر الرواد (وهو ما تم اعتباره فيما بعد شراء بضائع مسروقة، وحصل لقاء ذلك على عقوبة سنتين إضافيتين).

ودخلت المدينة تحت موجة من التنقيب. وزعموا أن ذلك للبحث عن الأدب الممنوع، ولكن في الحقيقة كان للبحث عن صور البولارويد. وكانت الغاية إزالة واستئصال عار البلدة. تعرض جو لسجن سبع سنوات في معسكر الأعمال الشاقة مع إذن خاص يسمح له بكتابة رسالتين في الشهر. في إحدى سنوات سجنه عانى من الضرب والاغتصاب والتحقيقات التي استمرت من غروب الشمس حتى الفجر. ومن الظاهر أنه اضطر بالإكراه لتسمية كل شخص يقرأ الأدب الممنوع - ومن منا لا يعترف إن كانت عواقب الامتناع هي تسليمه للمثليين جنسيا؟. وما يدعو للغرابة أنه لم ينجم عن ذلك اعتقالات جماعية. ولم يلمس أحد أي شخص من سكان البلدة. وسمحوا لكل شيء أن يختفي. فسلطات المدينة لم تكن ترغب بفضيحة سياسية شاملة تلفت انتباه ضباط الكي جي بي أصحاب الرتب الصغيرة، المتحمسين لكسب المزيد من النجوم. وأعطي جو منة واحدة: فقد أمضى بعض الوقت في المستشفى بشبهة أزمة قلبية وكسر ضلعين. ولكن الأطباء لم يصادقوا على التشخيص، وأعيد إلى زنزانته. وهناك أثبت وجود الرب بالمنطق والحسابات الرياضية. وهذا هو مجاله العملي. ولم يكن يأمل بشيء. وكتب عنه في إحدى رسائله. لقد بدأت حياته الجديدة والقصيرة هناك، في السجن: حياة شهيد وزاهد متدين ومتعصب. وطيلة وقت العقوبة المحددة، لم يحب غير امرأة واحدة، هي جولييت الصغيرة. بعد سبع سنوات وحينما شارفت عقوبته على نهايتها، انضمت جولييت إلى دير.

***

..........................

1- ستالين.

2- شخصية أساسية في قصة غوغول "المفتش العام".

3- الرضاعة من صدر واحد.

* ترجمها إلى الإنكليزية ليز برودي

Lise Brody ترجمت أعمال إلينا ماكاروفا، تاتيانا مامونوفا، بالإضافة إلى بتروشيفسكايا. وهي أيضا فنانة تشكيلية.

* لودميلا بتروشيفسكايا Ludmila Petrushevskaya كاتبة روسية معاصرة. ولدت عام 1938 في موسكو. عملت منذ عام 1972 محررة في استوديو التلفزيون المركزي. أول كتاب صدر لها عام 1987 بعنوان "حب لا يموت". عارضت حرب روسيا في أوكرانيا.

في نصوص اليوم