أقلام حرة

أقلام حرة

كانت الخيارات التي فكر بها هيرتزل الصهيوني في نهايات القرن التاسع عشر بأن تكون وطن لليهود، سيناء أوغندا مدغشقر وغيرها، خيارات بعيدة عن أرض فلسطين التي ذكرت في العقيدة اليهودية على أنها أرض الميعاد. والصهيونية كونها حركة علمانية لم يكن يهمها موقع هذا الوطن فالمهم قطعة أرض. لكن مساعي هيرتزل باءت في الفشل. وطرحت عليه فلسطين التابعة للدولة العثمانية. حيث قام بزيارة لدولة الخلافة وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني تسديد ديون الدولة بالإضافة إلى مبلغ خاص للسلطان. فكان رد السلطان عبد الحميد قوله المشهور (لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي وقاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم فليحتفظ اليهود بملايينهم ،إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا) وبالفعل بدأ اليهود منذ ذلك الحين بخلخلة الخلافة العثمانية من خلال المخططات والدسائس وتم الاستيلاء على أرض فلسطين.

هيرتزل الذي تأثر بالفكر النتشيوي حيث فكرة (الإنسان الأعلى) عنده، فقد كان يرى أن الأخلاق إنما جعلت للضعفاء وأن كل فضيلة في القوة وكل رذيلة في الضعف.

 وهنا يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (أن البعد النتشوي في الفكر الصهيوني بعد أساسي). والصهيونية أيديولوجية أرادت تجميع يهود الشتات الذين يؤمنون بأخلاق الضعفاء وحولتهم إلى وحوش مفترسة تحسم كل القضايا بالقوة. ومن هنا فإن الصهيونية العلمانية تؤمن بأن الإنسان الأعلى هم اليهود والإنسان الأسفل هم العرب وهنا يحق من وجهة نظرها للأعلى أن يدوس الأسفل بكل الطرق المتاحة لتجعله الأعلى دائما. ولقد رأينا انعكاس هذه المرجعية من خلال المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين في ٤٨ للحصول ذلك الوطن المزعوم حيث تحققت مساعي الصهيونية في إقامة دولة حديثة.

 لكن ما الذي يجعلها بعد حرب ٦٧ توسع حدود دولة الاحتلال؟ حيث أعاد هذا التوسع إلى أذهان اليهود ما تسمى "بارض إسرائيل الكاملة" وبهذا يكون اليهود بما فيهم الصهاينة قد عملوا على تنحية الصهيونية العلمانية جانبا. وقد غمرت الفرحة حينها شريحة المتدينين منهم والذين يؤمنون بأرض فلسطين الكاملة. وهنا برزت حركة (غوش إيمونيوم) المتعصبون وتحالفت مع الحركة العلمانية (أرض إسرائيل كاملة) لإقامة حركة استيطانية في المناطق العربية المحتلة. وبهذا تكون العقيدة اليهودية قد دخلت للسياسة اليهودية والنتيجة إبرام الحلف مع العلمانيين مؤيدي الاستيطان والذين أصبح عددهم لا بأس به في حزب العمل الحاكم آنذاك حيث كان المغزى من وراء ذلك تحريك الجهاز السياسي اليهودي يمينا نحو التعصب القومي وبالتالي ما يسمى بالتعصب الديني..فأين الحركة الصهيونية العلمانية ؟؟

وما تفعله اليوم دولة الاحتلال في حربها على غزة منذ ٧/ أكتوبر ٢٠٢٣ بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. هل يحمل أسباب التوسع وعقد النية على الاستيلاء عليها وبالتالي تنحية المتبقي من صهيونتهم العلمانية ولم يتبقى منها سوى جزئها النيتشوي؟

وتبقى الأسئلة مطروحة على على ساحة المعركة.

***

بديعة النعيمي

الوجود ومنذ الأزل تصارعت فيه الموجودات فانقرض ضعيفها وتواصل قويها، وبعد أن أجهز البشر على ما دونه من الأنواع، إنهمك في صراعات بينية في مملكة النوع الواحد، فنشبت الحروب والصراعات الدامية التي يتماحق فيها أبناء النوع الواحد.

والتنازع قانون ضابط للموجودات المادية والغير مادية، وينطبق على الإبداع بأنواعه، ففيه ما ينقرض أو ينتهي حال ولادته، ومنها ما يدوم فاعلا في حياة البشر ويؤثر في وعيهم وتفكيرهم.

ولهذا تجدنا أمام مبدعين ترسخوا في الوعي الإنساني وكأنهم يعيشون معنا، رغم أنهم قد رحلوا منذ قرون.

فلماذا تخلدوا في الذاكرة الإنسانية الجمعية، وتفاعلوا مع الأجيال وكأنهم قادتها في مسيرة البقاء والرقاء؟

من الواضح أنهم تواصلوا معنا بما قدموه من إبداع كالشعر والقصة والرواية والمسرحية والمقالة والكتاب، وغيرها من صنوف الإبداع الفكري القويم المالك لأسباب وعناصر الخلود.

فالقاسم المشترك بين ما يبقى حيا بعد موت صاحبه، أنه يكنز أفكارا جوهرية ذات طاقات روحية وجدانية ومنطلقات رحيبة الآفاق لا حدود لها.

وتتناول موضوعات إنسانية تهم كل البشر ومتفاعلة مع نبضات الروح، وإيقاعات النفس وفحواها وما يعتمل في دياجيرها.

ولهذا تجدها تنطلق من بركان فكري ثائر، يصيب جميع البشر الساعي فوق التراب، ومتواكبة مع إرادات العصور وتطلعاتها الدفاقة، المكتنزة بإمتدادات فياضة ذات مشاعل متأهبة لإيقاد أنوار الإنطلاق المشعشع الفتان.

إن البقاء الخالد له عناصره المتجانسة المتداخلة الفاعلة الدافعة إلى توالي الغايات للوصول إلى الغاية الكونية الكبرى.

ولا بد من تفاعل المفردات والأفكار والطاقات النفسية والوجدانية والروحية والفكرية والإدراكية في بودقة الصياغة والإنجاب، بعد أن يختمر الإبداع في رحم القدرة على التمثل والبناء، فلكل إبداع رحم يأويه، وعليه أن يولد بلا صراخ!!

***

د. صادق السامرائي

6\11\2021

 

  مع هوسِ صريخِ الحناجرِ على المَنابرِ كافةً، دينيةً كانت أم علمانيةً في أيامنا العراقية هذه لأزِّ النَّاسَ أزَّاً نحوَ سِيركِ الانتخابات

يحُقُّ لي كمواطنٍ هنا ان أدلي بهَوَسي في ذا شأن، وإذ رأيتُ خَيمةَ هذا السَّيركِ السَّمجِ في مناطقِ «الطَّائفةِ السّنيَّة» قدِ اتَّكأتْ بلِ ارتَكزت على أعمدةٍ عرجاء عوجاء أهمّها قاعدةٍ شَرعية تقول؛ «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ»، او هكذا هو ممَّا ترسبَ في ذِهني من نَصِّها، غيرَ إني أعلمُ قاعدةً هي أفصحُ منها وأنصحُ، تقول؛ «ما لا يُدرَكُ كلُّهُ لا يُتركُ جلُّهُ»

ويَقيناً أن لدى الطّائفةَ الشِّيعيَّةَ قواعدُ لأزِّ النَّاسِ مختلفةٌ أدهى، وربما أحلى وأعلى لكنِ الرَّايةُ السائدةُ للطائفتين تهرولُ تحتَ ذات الغاية وذاتِ القاعدة.

وإنَّما هذي القاعدة هيَ قانونُ حقٍّ أُريدَ بهِ لا أقولُ باطلاً بل أقول قانونُ «فَرهودَ»، إذ هي قاعدة بسِيفٍ ذي حَدين؛

- حدٌّ معلومٌ مفهومٌ ويَبعثُ بل ويُفجِّر في النُّفوسِ العِلمَ والعَملَ، ويُحفِّزُها للقَفزِ بتَتابعٍ مَحمودٍ تتراً نحوَ العلوِّ والسِّمو، ويمحقُ فيها اليأسَ والقُنوط.

- حدٌّ مَذمومٌ مَسمومٌ ويعبثُ بل ويٌدمِّرُ في الرُّؤوسِ العِلمَ والعَملَ، ويَستفزُّها للغَمزِ بتدافعٍ مَعمودٍ للدُنو والخنوِّ، ويُطلِقُ فيها اليأسَ والهُبوط.

وهذا الحدُّ المَسمومُ هو المسلولُ اليومَ حينما فهِمنا تهي قاعدة «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ» على أنَّها «إنْ لم تَحصَلْ على الشَّاةِ فلا تَتركِ الفُتات»، ولَعمريَ إن هذا لهوَ فهمٌ سقيمٌ بذيئٌ عقيمٌ دنيئٌ مردودٌ غيرُ مَحمودٍ؛ فهم «التَّهافتُ على الفَرهود» مِن قبلِ الرَّعيةِ والرُّعاةً. وإن كثيراً مِنَ النَّاسِ (النَّاخبين) قد فَهموا القاعدةَ فَهماً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ، لذلكَ تَرانا بكافة طوائفنا ومنذُ عَقدينِ في ديارِنا بلا كهرباءَ، وداخرين بلا ماءَ، صَاغرين بلا خدمات ولا دواءَ من زَاخو الى أبي الخَصيب، أو هكذا كنَّا نقولُ قبلَ أن يتبخَّرَ منّا قضاءُ «أبو الخَصيب». وهكذا أصبحَ -وبأسفٍ موجعٍ- مآلُ الحالِ اليومَ.

وكانَ قد فَهِمَ حدَّ ذا السَّيفِ المسموم مِن قبلِنا كلٌّ مِن؛ «السَّاداتُ» فتراهُ قد تَركَ مَسرى الرَّسولِ وهرولَ لاهثاً الى «كامبَ ديفيد» ورضيَ بفتاتِ سَيناءَ. وكذا فعلَ «ياسرُ عرفاتَ» لمَّا تركَ كلَّ فلسطينَ وهرولَ لاهثَاً الى «أوسلو» وارتَضى بخرقةِ عَلَمٍ على مكتبٍ خَشَبيٍّ في القُدس. وكذا فعلنا نَحنُ العربُ أجمعونَ إذ تركنا المَسجد الأقصى وهرولنا كقطيعٍ باحثٍ في « مَسالكِ التَّطبيع» وفَرِحنا حين المساء «بفتاتِ شَطيرةِ فلافلَ وسفنِ آبَّ ورنَّةِ موبايل»، وكلُّ ذلكَ مَرَدُّه الى فَهمٍ أبترٍ أغبرٍ أعوَرٍ لقانون الفرهود؛ « إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ».

وهكذا فأنَّ أعمدةَ سيركِ الانتخاباتِ منذ 2003 تمايلت في ظلال ذاتِ الخيمةِ ما بينَ ..

«ويلكم أيُّها السُّنةُ إن لم تغمسوا سبابتَكم بالبنفسجي فقد جاءت ريحُ الفرسِ المجوس نابِحة»

«ويلكم أيُّها الشِّيعةُ إن لم تطمسوها بالمَحبرة فقد عادَت ريحُ البعث لناصيةِ الحكم ذابِحة»

وما بينَ حانةَ الفرس ومانةَ البعث ضاعَ البلدُ وضَاعَت معهُ شوارِبُنا ولحانا.

أفتلكم هيَ ديمقراطيةُ الأصوات أم تراها هي ديمقراطيةُ الفتاتِ في خيمةِ سيركٍ مجٍّ بالترّهاتِ سَمجٍ بالمتاهات، نراهُ على مضضٍ يتَكَرَّرُ كل بضع سنوات، متراقِصاً على أنغامٍ عُجافٍ وجراحات، وإذ المواطنُ يغدو في الدروبِ الى خيمةِ الصَعلكةِ ما بينَ فذلكات وبين دربكات.

وهنا لزاماً قد وجبَ القولُ ...

(لئن) ارتَضى أيُّ  مُرَشَّحٍ في تهي انتخاباتِ  لضَميرهِ أن يَتسَلَّمَ مرتبٍ شَهريٍّ يزيدُ على مرتَّبهِ قبلَ دخولهِ قبةَ التشريع أسوة ببقيةِ البرلمانات على وجه الارض كافة فهو إذاً لصٌّ بائنٌ بل هو قردٌ كائنٌ في سيركٍ مُحترفٍ للنَّطنطات.

ولا شكَّ أنَّهُ ما مِن معيارٍ لشرفِ المواطنةَ لدينا نحن الناخبون ولا ميزانَ لصدقِ شعاراتِ المُرشحِ بين أيدينا أبينُ وأدقُّ من هذه الجُملةِ الشَّرطيةِ المَجزومةِ في علمِ اللغويات.

ولا تثريبَ إن تبغدَدنا نحنُ النَّاخبونَ البسطاءُ على مرشَّحينا المُخلَصينَ المُخلِصينَ بمرتبٍ مضاعفٍ لمرتبهم قبل ولوجهم قُبَّةَ بركانِ الفلوسِ والكؤوسِ، قبةَ البرلمان المأنوس المَحروسِ أعني.

 وكانت تلك فضفضةُ مواطنٍ ضمنَ رأيٍ شخصي مردودٍ عليهِ إن كانَ ذا عوجٍ، وهلمّوا إخوةَ الوطن الى غرسِ ديمقراطيةٍ فيحاء وعرسِ عراقيةٍ سَمحاءَ تحت ظلال؛ «الفتاتُ ثمَّ الشاة» والعافيةُ درجات، فعرسُ اليومِ شَحمةٌ وعرسُ غدٍ لَحمةٌ ثمَّ جَسدُ الشَّاةِ سينسلخُ كلِّهِ في عرسٍ لا مُحالةَ آت، وقد فات حَناجرُ المنابر دينيةً كانت أم علمانيةً أنَّهُ لو فازا القريشيانِ «عُمرُ وعَليُّ» في تَهي انتخابات، لرأيناهُما؛ إمّا يفرونَ من القبَّةِ مذهولينَ في الفلاة، وإمّا ينحرفونَ عن الدين ويكفرون بالحياة، ورضي الله عنهما وهنيئاً لهما بمَقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، فذلك هو خيرٌ لهما من مقعدٍ سُحتٍ معلنٍ غيرِ مستترٍ في بيتِ سيركِ مُتهرئٍ مُنقعر.

***

علي الجنابي- بغداد

 

من المعلوم أن يهود الشتات نهبوا أرض فلسطين وأصبحوا أغلبية بعد أن كانوا أقلية عام ٤٨ بعد أن ارتكبوا عشرات المجازر وهجروا قسرا وترهيبا آلاف الفلسطينيين. لكن الفلسطيني الذي لم ينسى أرضه كان يعود إليها متسللا إلى حقله او بيته عله يجد فيهما ما يسد به جوع أطفاله. ثم بعد ذلك تطور التسلل وأصبح فدائيا ينفذ الفلسطيني خلاله عمليات فدائية بهدف استعادة الارض، فكانت اللغة الوحيدة التي استخدمتها دولة الاحتلال معه هي لغة القوة بحجة الحفاظ على أمن الدولة الوليدة. وأصبحت هذه الحجة هي البقرة المقدسة التي يتذرع بها العدو لينفذ عملياته الانتقامية.

وفي الخمسينات والستينات نفذت قوات الدفاع اليهودية عمليات انتقامية ردا على هجمات الفدائيين ،وقد أمر رئيس الوزراء بن غوريون وقتها رئيس الأركان اليهودي موشيه ديان بشن غارات انتقامية كرد قوي على هجمات الفدائيين وكانت الرسالة أن أي هجوم على اليهود سيعقبه رد يهودي أقوى.

وفي محاضرة لموشيه ديان عام ١٩٥٥ قال( لا يمكننا منع قتل العمال في البساتين والعائلات النائمة في أسرتها ،لكن لدينا القدرة على تحديد ثمن باهض لسفك دمائنا).

وقد اقترح آرييل شارون تلك الفترة إنشاء وحدة كوماندوز تضم مجموعة من الإرهابيين اليهود المتعطشين للدم أطلق عليها الوحدة (١٠١) التي قال شارون عنها ( أنها صمدت خلال فترة قصيرة وأنه لا توجد مهمة لا يمكنها القيام بها وأن هذه المهمات ساعدت في تأمين حدود "إسرائيل") وقد قال هذا الكلام تعقيبا على المذبحة التي نفذتها هذه الوحدة في قرية قبيا حيث قتلوا قرابة السبعين فلسطينيا غالبيتهم من النساء والأطفال. وكان الهدف من هذه العملية الانتقامية كرد على عملية فدائية حين قام الفدائيون بإلقاء قنبلة داخل بيت كنياس قتلت فيها امرأة وطفليها. وعلى لسان شارون ما قاله أيضا في الوحدة ١٠١ ( لم يكتف المظليون بتنفيذ العمليات..ويمكننا القول أن أيديولوجية عمليات الانتقام تبلورت إلى درجة كبيرة في وحدة المظليين)

لكن هذه العمليات لم تردع الفلسطينيين بل زادتها وكبدت العدو ولا زالت تكبدهم الخسائر الفادحة.

وباسم هذه البقرة المقدسة يقتل العدو وينفذ عمليات انتقامية دون الكف عنها منذ ٤٨ وصولا إلى حروبها المتتالية على غزة وآخرها الحرب الحالية ٢٠٢٣ على غزة هدفهم القضاء على الشعب الفلسطيني هناك والتخلص منه ،وقد تذرعوا بعملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام وفصائل المقاومة عندما اقتحمت مستوطنات الغلاف ردا على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى. وهنا بدأت عمليات العدو الانتقامية الإجرامية أيضا باسم بقرتهم المقدسة (أمن دولة الاحتلال) حيث لم يكتفوا بمجزرة ولا اثنتين بل نفذوا مئات المجازر ولا زالت إلى اليوم وقد دخلت الحرب شهرها الثالث.

وهنا سيقول العدو هم بدأوا فأقول لهم بل أنتم من بدأتم فمن الذي سرق الأرض من أصحابها في ٤٨؟

والآن نجدهم وقد تورطوا في حرب أقصى إنجازاتهم فيها قتل آلاف النساء والأطفال خلال القصف الجوي. أما معركتهم البرية مع الفصائل الفلسطينية فقد فشلوا فيها وتكبدوا مليارات الدولارات. وهذه النتيجة متوقعة لأن تاريخ اليهود حافل بالنقاط المسدودة وهو الآن آخذ بالتناقص ودولة اليهود مرت بعدة مراحل واليوم هي في مرحلتها الأخيرة ،ونتنياهو يسير بها بأقصى سرعة نحو نهايتها.

***

بديعة النعيمي

 

أراد غراب أن يقلد رشاقة سير طائر الحجلة، تعثر والتوت أعصابه وفشل في التقليد كما عجز عن العودة لخطواته الأصلية، هكذا أمريكا أرادت أن تتخلص من ماضيها الأسود وزمن الكاوبوي بادعاء نشر الديمقراطية والدعوة لحقوق الانسان، ولكنها خاضت الحروب تحت مبررات كاذبة ولأسباب واهية فلا هي حققت ادعاءاتها ولا هي أمكنها التراجع لكسب الاحترام الدولي.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي طرفا في التفكير لإقامة وطن قومي لليهود، كما لم تشارك في اختيار فلسطين وطنا لهم عام 1948، ولكنها اليوم أصبحت يهودية أكثر من اليهود أنفسهم، فهي حريصة على أمن اسرائيل وحماية سلامتها، متمسكة بدعمها وضمان تفوقها العسكري على كل جيرانها العرب، تعزز نظامها السياسي وتنعش اقتصادها وتقيم معها علاقات تعاون علمي حديث وتكنولوجي متطور، وتؤيد احتلالها لفلسطين وأراض عربية أخرى، وتدفعها للحرب، ولا ترى غضاضة في معارضة المشاريع الأممية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية برغم إعلان اسرائيل أن هدفها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية " حماس"، والحاصل هو القضاء على وجود شعب فلسطين بأكمله، وتهجير ما بقي من أرضه إلى خارج القطاع، إنه العقاب الجماعي والتهجير القسري تحت مبرر الدفاع عن النفس !

- منذ متى نسمع أن من حق عصابة مسلحة الادعاء بالدفاع عن النفس ضد مقاومة أصحاب أرض احتلتها هذه العصابات واغتصبتها منهم ؟!

-منذ متى نرى دولة تدّعي القيام بنشر وضمان السلام العالمي ثم تعارض علنا وبمفردها داخل مجلس الأمن الدولي مشروع وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في غزة؟

- الرئيس الأمريكي بايدن يؤكد لو لم يكن لإسرائيل وجود، لأوجدناها !!واسرائيل حاليا تقوم على مدى أكثر من شهرين بعمليات عسكرية إجرامية واسعة لتصفية قضية شعب وهدم وتدمير مدنه ومستشفياته ومدارسه على رؤوس أطفاله وأبنائه، فهل حقا تريد أمريكا بالقتل تحقيق السلام لدول العالم؟ أم إنه الأمن المزعوم والاستقرار الوهمي.

لقد أذاق النظام الأمريكي أبناءه على مدى عشرات السنين الويل والعذاب في كوريا وفيتنام والصومال والعراق.. وقاست العائلات الأمريكية طويلا مرارة الفراق بعد مقتل أبنائها في حروب لا تدري سببها الحقيقي، ولا بأي ذنب قتل أبناؤها.

السياسةالأمريكية الإسرائيلية القائمة على الخداع والكذب تقود حتما إلى دائرة المنطق المقلوب، فلا شيء معقول في السياسة الأمريكية الخارجية، فهي تدعو إلى شيء ولا تلتزم هي به !تطالب المجتمع الدولي بمواقف ثم تتخذ موقف الضد منها خاصة في علاقتها بالكيان الصهيوني ! لا يمكن معاقبة شعب يدافع عن أرضه وعرضه، لا يمكن نكران حق أمة في الوجود لأنها تكافح من أجل استرداد حقها في وطنها، وفي الحياة، لا يمكن أن يدّعي طرف مغتصب الحق أن يدافع عن ما اغتصبه!

لقد أقام حثالة أوروبا وأسافلها وطنا لهم في الأراضي الجديدة على أنقاض أهلها الأصليين، الهنود، فلا عجب أن يكون التأييد الأمريكي لموقف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مشابها، لذلك لا تريد أمريكا وقف إطلاق النار حتى يتسنى للكيان الصهيوني تمام إكمال مهمته بالسيطرة الكلية على الطريقة الأمريكية.

***

صبحة بغورة

إن اكبر عدو للمعرفة ليس الجهل.بل توهم المعرفة، بعد انتشار وتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور مجموعات ممولة للترويج، أو للتسويق المجاني عن جهل أخطر من الشر الذي يمكن مواجهته، لطبقات هشة في الفكر عن مفاهيم السلطة، فالسلطة موجودة حيثما كنت حتي في الأشياء الصغيرة السلطة موجودة في الشارع والمواصلات وفي داخل المستشفيات وفي الشكل المعماري، وفي الحقل والمناهج الدراسية وفي النظام الجامعي، وفي اماكن العبادة واقسام الشرطة وحتي داخل الأسرة والأصدقاء والمحاكم وفي الحكاوي والاساطير والطقوس حتي الهواء والماء والكهرباء... والخ..، كما كانت نقط خلاف بين آراء الفلاسفة امثال الفيلسوف (فوكو، وموريس بلان).

نحن حتى اليوم نبحث عن السلطة في النظام السياسي فقط، مع أننا، شئنأ أم أبينا، موالاة أو معارضة، جزء جوهري من النظام السياسي والنظام الاجتماعي وهما يؤثران فينا اكثر مما نؤثر فيهما، بالخفاء او العلن، بالإكراه أو التلقين أو التكرار أو التشريع... والخ.

هذا ما كنا نقوله من قبل وبعد احداث الربيع العربي، للإننا نعيش في بيئة سياسية أمية سطحية بلا فكر ولا ثقافة عدا الشعارات المزيفة الرنانة والغوغائية والصبينية الشعبوية، في ظل هذا الوضع العام. والانهيار العام أمام موجة عارمة وقوية، سوف يقاوم هذه الظاهرة عدد قليل من المثقفين والكتاب، وهؤلاء، سيظهرون في محيط السقوط العام، والإبتذال والتداعي "كحفنة مجانين" في مواجهة تيار عارم من الشعبوية، بل سيجري وصفهم في المجتمع بالمجانين.

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

 

ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد ينتظر الانتخابات وعطايا المرشحين الذين ستنتفخ جيبوبهم وأرصدتهم بعد أن يجلسوا على كرسي المحافظة، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يشارك في لعبة الكراسي، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد.

وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى الأغلبية التي لا تهمها الانتخابات ولا اللافتات التي انتشرت في شوارع المدن العراقية، وصراخ المرشحين في الفضائيات، ولا يهمها من سيصبح رئيساً للبرلمان، فهي تعرف ان لا فرق بين المشهداني والنجيفي ولم يكن سليم الجبوري بأفضل من محمد الحلبوسي، فقط في القدرة على إثارة أجواء من المتعة، ولهذا استقبل العراقيون تداول اسم محمود المشهداني رئيساً للبرلمان العراقي بنوع من البهجة .. أتمنى أن لا يعتقد أحد من القراء الأعزاء أن لدي مشكلة شخصية مع السيد المشهداني، فالحمد لله أنا مثل ملايين العراقيين اتابعه من خلال شاشات الفضائيات، وأجد في تعليقاته التي أدت إلى إقالته نوعاً من أنواع الترفيه عن النفس وتعويضاً عن حالة الهم والغم التي تشيعها الأجواء السياسية، بل العكس أنا مدين للسيد المشهداني ومعه مجموعة من النواب أنهم السبب في استمرار هذه الزاوية في الصحيفة، وأيضا لهم الفضل في استمرار الكوميديا العراقية، وكان من آخر فصولها ما خرجت عليه تقارير المفوضية العليا للانتخابات حيث كشفت لنا مشكورة أن أكثر من 40 مرشحاً من أقرباء نواب ومسؤولين. حيث يظهر في قوائم الترشيح وجود 25 مرشحاً من أشقاء المسؤولين، و10 آخرين أبناء نواب ومحافظين، و9 أبناء عمومة وأزواج.وتتوزع هذه الترشيحات على مختلف القوائم التقليدية، وأبرزها دولة القانون، نبني، تقدم، وعزم، كذلك في القوائم المدنية.

شيء مفرح أن يدخل إلى ساحة الصراع على المكاسب والمغانم، أقارب نوابنا ومسؤولينا، فإذا كانت موازنات العراق على مدى 20 عاماً قد فرهدت، فلا بأس أن يستمر مسلسل الفرهود لعشرين عاماً قادمة .

عشنا خلال الأعوام الماضية مع سياسيين ومسؤولين رفعوا شعار" من خالفنا فهو خائن وعميل". ومزقت ستارة الوئام والوفاق الوطني.

أيها العراقيون اسمحوا لي أن أقترح عليكم اقتراحاً ربما ساذجاً: إنسوا صناديق الانتخابات، فهي لم تجلب لنا سوى البؤس وشعارات فارغة عن التنمية والإصلاح . وتعالوا نطالب بمسؤولين هدفهم بناء المستقبل، بدلاً من دعوتنا إلى الآخرة، تعالوا نتفق أنّ مجلس النواب مكان للخدمة العامة، وليس للصراخ والشتائم، وكلّ ذلك لا يحتاج إلى عشرات الأحزاب والآلاف المرشحين، ولا إلى صور محمد الصيهود، وإطلالة محمد الحلبوسي وتقلبات جمال الكربولي. يحتاج فقط إلى ساسة صادقين مع أنفسهم أولاً، هدفهم بناء وطن صحي، لامكان فيه لشعارات مزيفة.

***

علي حسين

هل أحبطت المقاومة أهداف اليهود الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟

من المعلوم أن دولة الاحتلال ومنذ قيامها كان لها أهداف استراتيجية منها فرض هيمنتها على الشرق الأوسط. ففي تصريح أدلى به آرييل شارون عام ١٩٨١ بحديث نشر على نطاق واسع بين فيه أن دولته تهدف إلى مد نفوذها من موريتانيا إلى أفغانستان.

وخلال الدورة ال ٧٨ التي عقدت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر الماضي أي قبل عملية طوفان الأقصى بأيام ،ألقى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو كلمة تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع وما أسماه السلام مع الدول العربية ودوره في تغيير الشرق الأوسط حيث قام بعرض خريطة لم تشمل على أي ذكر لوجود دولة فلسطين وطغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة "إسرائيل" على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة بما فيها قطاع غزة. ويبدو بأن دولة الاحتلال تحلم بأن تحتل لها مكانة كقوة عظمى يوضح ذلك مقارنة أهدافها بأهداف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في اعتمادها على إدارة الردع وهو الخيار النووي. فدولة الاحتلال لديها الخيار النووي حاضرا في أي وقت يتهددها من طرف بعض الدول التي أصبح لديها نفوذ مثل إيران. وهي لن تكون قوة عظمى ما لم تفرض هيمنتها على الشرق الأوسط كله

لكن السؤال الذي يطرح نفسه وكنت قد تناولته في مقال سابق بعنوان هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحررية؟ فكانت الإجابة بأنها لم تنجح لأن دولة الاحتلال تعتمد على دعم غيرها من الدول العظمى.

فإذا كانت عظميات الدول تعتمد على أموالها الخاصة بصرف النظر عن مصدرها،لتطوير قدراتها النووية الخاصة مقارنة مع دولة الاحتلال التي تعتمد على الدعم الأمريكي بسبب الضغط الذي يمارسه اللوبي على الكونغرس.

ولو نظرنا الآن وبعد دخول الحرب على غزة شهرها الثالث وبعد ما ارتكبه جيش الاحتلال من مجازر بحق المدنيين إلى تصريحات بعض الدول بشأن دولة الاحتلال وخاصة تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تاريخ ١١/ ديسمبر من أن "إسرائيل" على حد قوله بدأت تفقد الدعم الدولي بقصفها لقطاع غزة. وقد علقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على هذه التصريحات معتبرة أنها تشير إلى بداية الانقسام بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ينفجر إلى العلن.وأن تصريحات بايدن تمثل أكبر تغير في لغة الولايات المتحدة بشأن دولة الاحتلال منذ عملية طوفان الأقصى. لوجدنا أن المقاومة بفصائلها قد أحبطت مخطط الهيمنة على الأقل في الوقت الحالي بسبب العجز الذي تعاني منه دولة الاحتلال على جميع المستويات بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة بحكومة الاحتلال سواء كانت عسكرية أو بشرية كما ويضاف إلى هذه الخسائر خسائر من نوع مختلف حيث قالت القناة ١٢ العبرية أن العديد من "الإسرائيليين" قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال في أعقاب عملية طوفان الأقصى وكانت سلطة الهجرة والسكان في دولة الاحتلال قد أظهرت أن نحو ٣٧٠ ألف يهودي غادروا منذ بدء العملية حتى نهاية نوفمبر. وهذه الخسارة تحبط مخططات حكومة اليمين في تعديل الميزان الديمغرافي لصالح دولة الاحتلال.

*** 

بديعة النعيمي

 

معركة الخندق حسب ما توارد عنها كانت ناجحة في زمانها، وفشلت آليتها في غير زمانها، وأعطت شاهدا واضحا على أن لكل زمان أدواته المساهمة في صناعة أحداثه.

فأساليب القتال في القرن الحادي والعشرين تختلف عنها في القرن السابق له، وهكذا دواليك، تتطور التفاعلات البشرية، لأن العقول فاعلة وقادرة على العطاء المتجدد والمتطور.

وفي مجتمعاتنا هناك نزعة عجيبة للتحجر والتخندق بذات الكينونة، التي عبرت عن دورها قبل مئات السنين، والتوهم بأن ما كان صالحا لما مضى يصلح لما هو قائم وحاضر في الزمان والمكان المعاصر.

فهناك إندفاعية إنفعالية ساذجة، نحو ما لا يمكنه أن يتعايش مع واقع مكاني وزماني متبدل وفقا لإرادة الدوران.

بل أن أصحاب هذه التوجهات يرفضون العلم، ويحسبون الأرض مركز الكون وأنها لا تدور، وكل شيئ في الوجود حولها يدور.

ومع الأدلة والبراهين والصور وما بلغته البشرية من قدرات إستكشافية، فأنهم يرفضونها ويحسبونها إعتداءً على إرادة الكون ورب الأكوان العظيم.

وينطلقون من تصورات وهمية ورؤى عبثية، ويرون أنهم يمتلكون  جوهر الحقيقة المطلقة، وغيرهم من الجاهلين بأمور الدنيا والدين.

وبهذا فهم متخندقون بما يتوهمون، ولا يريدون إعمال العقل بما حولهم، ولا يبصرون، لأن في ذلك زعزعة لمنطلقاتهم الجامدة التي لا تستدعي جهدا، بل إستسلاما وإذعانا وتبعية وتقليدا لمن يتمنطق بدين، وهو أبعد ما يكون عن معنى الدين، فيتكلم بلغة لا تتوافق مع سلوكه المحموم بالرغبات والتطلعات  اللازمة لتأمين سيادة النفس الأمارة بالسوء.

وهكذا فأن أحوال مجتمعاتنا في دوامة إستنقاعية، وتفاعلات تصارعية تستهلك طاقاتها وتصيبها بخسران شديد.

فهل من قدرة على التحرر من قبضة الخندق، وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا بعقل يتدبر ويتبصر ويتفكر بما حوله وعليه؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

صرح السيد نوري المالكي امين عام حزب الدعوة ورئيس ائتلاف دولة القانون مساء الاربعاء ( 6 /12/2023) قائلا "صناديق الاقتراع تزيح الفاسدين " في دعوة منه لحث العراقيين على المشاركة في الأنتخابات.

والتساؤل: من المسؤول عن اشاعة الفساد بعد التغيير؟

قانونيا ودستوريا وأخلاقيا.. يعدّ رئيس الحكومة هو المسؤول بوصفه الرجل الأول في الدولة،وكان السيد نوري المالكي هو هذا الرجل الأول في الدولة يوم كلفه رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني في نيسان 2006 لرئاسة حكومة(2006-2010) تبعها بولاية ثانية لغاية 2014.. فما الذي حصل في زمن حكمه بخصوص الفساد تحديدا؟

لا علينا بالقيل والقال، بل بأدلة من مصادر موثوقة نوجزها بالاتي:

ذكرت صحيفة واشنطن بوست بعددها الصادر في ( 23-9-08)بأن (13) مليار دولار من أموال الاعمار في العراق أهدرت أو نهبت عبر مشاريع وهمية وعناصر فاسدة في الحكومة العراقية.. (حكومة المالكي)

نسبت الاذاعة البريطانية (بي بي سي في 28-9-08) الى لجنة تخصصية في حكومة المالكي وجود ثلاثة آلاف حالة فساد مالي موثقة بأدلة قاطعة.

انتقل العراق في زمنه من المرتبه 137 عالميا والاسوأ في الفساد بين الدول العربية الى المرتبة 160 ليحتل المركز الثالث عالميا والاول عربيا وفقا لتقرير المؤشر العالمي للفساد.

حذّرالسفير الامريكي لورانس بنديكت منسق مكافحة الفساد بالسفارة الامريكية في بغداد بانه اذا لم تتم السيطرة على الفساد فانه يهدد استقرار العراق.

باعترافه في كلمته امام مجلس محافظة بغداد في ( 20-9- 2008) قال المالكي بالنص " كثيرا من المسؤولين قد أثروا كثيرا"، مع انه هو رئيس الوزراء المسؤول عن هؤلاء المسؤولين!.

الأخطر من هذا الذي يفترض ان يعرضه لمساءلة قانونية هو اعترافه علنا بقوله: (لديّ ملفات فساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها).. لأنها تعد خيانة ذمة.. ولا تفسير لها سوى ان بين الفاسدين الكبار من هم اعضاء في حزبه الحاكم،فخشي الخصوم ليعتمد واياهم مقولة (تسكت عني اسكت عنك).

تعد ملفات الفساد في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي واحدة من أسوأ المراحل التي تمر على دولة العراق في التاريخ الحديث، بعد أن أظهرت وثائق ولجنة النزاهة ملفات كثيرة ومشينة تدين المالكي أبان حكمه (سكاي نيوز)

فضيحة هروب 6 وزراء و53 مسؤولا حكوميا من ذوي الرتب الخاصة متهمين بقضايا فساد على فترات متباعدة من حكم المالكي بينهم: وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني القيادي في حزب الدعوة، ووزير الدفاع الأسبق عبد القادر العبيدي،ووزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد(وكالات).

وشعبيا.. يكفي أن المتظاهرين هزجوا في الشوارع والساحات: (نواب الشعب كلهم حراميه)

ودينيا.. بح صوت المرجعية من دعوتها الى محاسبة حيتان الفساد،واتخذت موقفا سلبيا منك لأنك لم تستجب لدعوتها.

حيدر العبادي يتهم ايضا

حين جرى ترشيح حيدر العبادي 2014 لرئاسة مجلس الوزراء وقف المالكي بالضد منه واصفا اياه بانه يمثل نفسه لا حزب الدعوة الذي هو امينه، بل ان الامر وصل الى (تجييش) حزب الدعوة ضد ترشيح العبادي، وحملة تثقيف بانه لا وجود للشيعة الا بوجود المالكي، مصحوبة بتهديد قيادية يتذكرها العراقيون بقولها (ستكون شوارع بغداد دمايات ان ترشح احد غير المالكي). وحين تولى العبادي رئاسة الوزراء اقسم بانه سيضرب الفساد بيد من حديد وقال علنا (يقتلوني.. خل يقتلوني). ثم عاد واعتذر، معترفا بان الفساد مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات،وهو اتهام صريح للسيد نوري المالكي من قيادي في حزبه.

نكتفي بهذا ولا نسالك كيف كنت معدما واصبحت ملياردير، ولا وزراء في حزبك سرقوا ملايين الدولارات ويعيشون الان حياة الرفاهية في اجمل مدن العالم ولم تحاسبهم، ولا نزول 13 مليون عراقي دون مستوى خط الفقر في زمنك باعتراف وزارة التخطيط،مع ان العراق يعد اغنى بلد في المنطقة وأحد اغنى عشرة بلدان في العالم!

ويبقى التساؤل الأخير:

بافتراض ان الانتخابات ستجري في موعدها المقرر 18 القادم، وهو امر مشكوك فيه لأكثر من سبب: الطعن بقانونية تمديد ولاية المفوضية، وتعرض مقرات حزب الدعوة لهجمات في النجف والجنوب، وتحركات للتيار الصدري وقوى اخرى تعتبر الانتخابات غير مجدية .. ولنفترض انك حصلت على غالبية.. فهل ستزيح الفاسدين من حزبك ومن التيار الصدري وتفي بما قلته امام شيوخ عشائر.. دعوتهم واكرمتهم؟

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

رسالة الى الجيل الجديد والجيل القديم

أولا: قبل اكتشاف الأنترنت والهاتف النقال

كنا في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين حفاة عراة أحياناً، أو نملك ثوب واحد نرتديه في الصيف والشتاء حتى يبلى ويتمزق، وكنا بلا هوية احوال مدنية حينما سجلنا في الصف الأول الابتدائي في مدرسة صلاح الدين الأيوبي الابتدائية في محلة الماجدية / محافظة ميسان(365 كم جنوب شرق بغداد)، كنا نقطع مسافة ليس بالقصيرة حتى نصل الى المدرسة، وما اصعبها في الايام الممطرة.

الثوب (الدشداشة) مصنوع من قماش البازة الخشن، وأحياناً مرقعه بلا ستره، ولا زرارة، أو مزرور بدبوس صغير، بلا جيوب، وجيبنا هو أن نثقب الياخة لنحتفظ بالمصروف اليومي (اليومية) البالغة  فلسين او العانة (أربعة فلوس)، نشتري بها من البائع بسكته صفراء وبداخلها حلقومه.

كنا ننتظر معونة الشتاء التي توزعها المدارس علينا، وما احيلاها عندما توزع التغذية الحليب واللبلبي والكلاج وغيرها.. حذائنا هو النعال المصنوع من الربل والمحظوظ منا نعاله من الإسفنج ابو الأصبع، بيوتنا مصنوعة من القصب والبردي لسكن العائلة جميعاً، والنوم على الأرض بلحاف لجميع الأطفال من البرد القارص، أما الفانوس أو البطل هو سلاحنا الوحيد في الإضاءة.

وتدفئتنا من البرد هي كومه من فحم العاقول الذي تبيعه نساء البدو المتجولات، وجهاز التبريد هي المهففة المصنوعة من خوص النخيل، وفي الليل نهرب من البعوض باستخدام الكلة المصنوعة من قماش الململ.

ماء شربنا من أناء فخار (الحًّب) وقد تطور في ستينيات القرن الماضي وأصبح ثلاجة محلية مصنوعة من الخشب، يوضع الثلج على مكان يبرد الماء تحتها، فتحفظ فيها بعض المواد الغذائية لمده قصيره، لا توجد مبردات ولا مراوح ولا تليفزيونات ولا أجهزة تسجيل (مسجلات)  المحظوظ من عنده راديو ترانزستر ولا يتجاوز عددها الثلاثة في المنطقة.

لا حمامات مبنية بالطابوق،أنما في الشمس في (الكوصر) والماء الحار من تسخينه في القدر، أما التواليت فهو عباره عن (باريه ملفوفه بشكل دائري).

أما الإفطار صباحاً فهو بطل من حليب نشتريه من أمرأه قرويه أسمها (حسنة) بعشرة فلوس، ويوزع لكل واحد أستكان فقط، ومعه خبزة مصنوعة من طحين الرز (سياحه)، وكنا نحلم بالجبنة او البيضة، إلا أذا ربت أمهاتنا دجاجة، أما لحم الدجاج نأكله مرة واحدة في السنه حينما تربي أمهاتنا ديكاً .

أما الغداء فهو محظوظ من أن تطبخ له أمه مرق من العدس أو البامية أو الباذنجان مع ربع لحم أو مرقه صفراء، وسعيد من يحصل على قطعة لحم صغيرة، أما العشاء فهو من تمن الغريبة وهو اردى أنواع التمن مع الروبة فقط، وأحياناً مع الدبس والدهن الحر(الفركاعه).

العابنا بكرة مصنوعة من القماش الملفوف والأهداف أثنان من الحجارة ولأهداف بلا مقياس، نلعبها حفاة وما أكثر الصدمات في الأرض والآلام الشديدة والدماء في الليل العابنا كثيره مثل(شطيط طيط و عظيم الضاع) وغيرها.

وفي النهار لعبة الدعبل والجعاب والصكله، والمحلق للبنات وغيرها، في العطلة نشتعل عمال بناء (عماله) والاخرون اما حمالون (حماله) او باعة سكائر، او مع ابائهم في المهن الاخرى.. ولكن بفضل الله وتعب الآباء وجهودنا حصلنا على عيشه نشكر الله عليها.

كنا نرتجف رعباً أمام موظف حصل بالكاد على شهادة الدراسة الابتدائية  يرتدي اللباس الزيتوني، لا لشيء إلا لأنه حفظ مقولات «القائد الضرورة » وأقاصيص الزعيم الملهم بطل العراق والامة العربية المجيدة.

ثانياً: بعد اكتشاف الأنترنت والهاتف النقال

رسالتي للأجيال الجديدة أهل النستلة والموطا والموبايلات والبوبجي.. نخبرهم هكذا عاش أجدادكم في طفولتهم البائسة، وشبابهم في الحروب المستمرة (2003-1980) والحصار الاقتصادي الدامي (2003-1991) .

وأترك المجال لأبنائنا الأعزاء لكي يكتبوا ما جرى بعد عام/ 2003 من أحداث دامية مع التنظيمات الإرهابية بكافة صنوفها، وتظاهرات شباب العراق المستمرة من أجل الحصول على فرص عمل، ومكافحة فساد الدولة.

أما أنا وبعد أن بلغت السبعين من العمر أكتب هذه النصيحة لمن هم في سني أو في طريقهم الى الشيخوخة المتأخرة، ولا أستثني نفسي أنا الهرم الناصح، ولأحبائي الذين يقاربون عمري واكبر مني سنّاً وتجاربهم في هذه الدنيا الزائلة  :-

1-  تقاعد ولا ترهق نفسك في اعمال تؤذي بدنك وترهق تفكيرك وعقلك مثل بيع السكائر والخضروات والمواد الغذائية... الخ.

2- أعد توجيه اهتمامك ومسؤوليتك اللذين وجهتهما خلال السنوات الأولى من حياتك لمن حولك، وابدأ في توجيها وترتيبها لنفسك حصرا، لأنك دفعت ما فيه الكفاية للأخرين واليوم أدفع لنفسك فقط.

3 - قل للعالم كله: لم يبق لي من نفسي إلا سنين أقل كثيراً مما مضتْ، وإني لن أحمل هموم العالم.. سوف أبتعد عن تتبع الأخبار المقلقة والمخيفة، التي تبثها قناة الحدث والجزيرة والشرقية، كأخبار الحرب الروسية - الأوكرانية، وصراعات الساحة العراقية على السلطة والنفوذ، وحرب اليمن وفلسطين وليبيا وسوريا،ولم يعد العالم من مسؤوليتي ولا اهتمامي، فهو ورائي الآن ولن ألتفت إليه.

4- أطلب من أبنائك وعشيرتك الأقربون ألا يزعجوك بالأخبار السيئة ولا مشاكلهم.. وأن يحلوها بأنفسهم دون إقحامك فيها.

5- تجنب الدخول في جدال مع أحد فكلٌّ بعقله راضٍ ومقتنع.. فإذا قالوا لك أن المخلص سوف يظهر غداً، قل: لهم أهلا وسهلا بالقادم من عمق التاريخ العربي - الإسلامي.

6- تصدق على من هم أقل منك يسراً.. أو لمن أردت يوماً أن تقول له: شكرا، لقد جاء الوقت لردّ جميلك .

7- اترك وَهْم أنك كبير قومك وذو خبرة وأنك مسؤول عن تصحيح أخطاء الآخرين وإنك المرشد.. وتذكر أن المتبقي لك في الحياة لا يكفي لتقاسمَه غيرك.. فراحة بالك اليوم أهم كثيراً من تصحيح أخطاء الآخرين.

8  - ركز فقط على الجانب المشرق في طبائع الناس.. وقلل من انتقادهم وأَكْثِر من الثناء عليهم لو بدر منهم ما يروقك.. فهذا سوف يعدل من مزاجهم ويحسن من المزاج المحيط بك.

9 - احذر من التصابي ولكن أهتم بمظهرك ولا تترك الأناقة  الملبسية، فأناقتك اليوم بمظهرك و في عقلك وسلوكك.. ولكن في هذه السن حري بأن يكون جوهرك أهم من مظهرك.

10 - لا تدخل في منافسة مع أحد.. تذكر أنك متقاعد والتقاعد هو أن تتفرغ لحياتك أنت وحدك.. لذلك اهتم بصحتك وترتيب محيطك وإعداد خطتك لسفرٍ مريح وأجواء جديدة تعيشها.

11 - لا تقطع علاقاتك بالآخرين وانتخب اصدقاءك المثقفين الواعين حتى لا تنهي حياتك بالوحدة القاتلة والاعتكاف المرير.

12 - لا تمنح الأولوية للأشخاص الذين يرونك خياراً ثانيا وثانويا، وكن انت في صدارة أهليك وأصدقائك ومعارفك مبعثا للتفاؤل ونشر المحبة والالتئام والحنوّ.

13- اجعل غايتك أن تكون مبتهجاً الى حدّ أقصى  واجهد بكل ما يجعلك تشعر بالسعادة، فانت وحدك مسؤول لتجلب السعادة والفرح في الحياة لنفسك، طالما العمر يمضي سريعا، فالأولاد والأحفاد جزء مهم ورئيسي  من رونق حياتنا ولكنهم ليسوا كل حياتنا.

14- استبدل الحزن والحسرة على ما فات بالنسيان واللامبالاة، وتصرّف بإيجابية، وتحرّرْ من خيفة وهلع الشيخوخة والهرم ؛ وتجوّل في حيّز حدائق الحياة  الوردية مهما صغرت واعزفْ عن أماكنها المعتمة والسوداء وإن كبرت وتفاقمت.

15- لا تكثر من استخدام الموبايل أو مواقع التواصل الاجتماعي لأنها ليست الحياة الحقيقية وكل ما عشته سابقاً هو الحياة التي علمتك النجاح والفشل، والخطأ والصواب.

16- لا تشغل نفس بلبس السواد والبكاء على الماضي البعيد كما يفعل بعض المغفلين، لأن الماضي قد مضى وعلينا بالمستقبل، فليس هناك خلود لفكرة معينة سواء كانت فكرة دينية أو اجتماعية فكل شيء يخضع لقانون التطور التاريخي.

17- لا تجامل رجال الدين كثيراً لأنهم يعدونك بالنار، والله يعدك بجنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها.

18- لا تتشبث كثيراً بالعادات والتقاليد المجتمعية المتطرفة، وكما قال المفكر والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (يولد الانسان حرا ولكننا محاطون بالقيود في كل مكان) وقد يكون من التقاليد ما يعطل الانسان من التفكير السليم بل يضر في صحته ومزاجه وعلاقاته مع الاخرين.. وهذا لا يعني ان كل التقاليد سيئة بل هناك ما يدعى بالعرف وهو من الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم.

19- لا تخف من الموت، لأنه حقٌّ على الجميع، فقد كان هتلر يهابُ طبيب الأسنان ويخافُ الأماكن المرتفعة، وكانَ كلٌّ من نابليون بونابارت وموسوليني يخاف القطط، تلك المخلوقات الظريفةِ من وجهة نظري. وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على أن الخوف عاملٌ مشتركٌ بين بني البشر.

20- فكر قليلًا هل أنت مستعد لكي تقابل الله عز وجل  أم لا؟ الأشياء التي تفعلها سوف تنفعك أم لا؟ إذا كانت الإجابة لا أنهض وقم بترك كل شيء، اركض  مسرعًا إلى الله ليغفر لك كل شيء، أدعو الله كثيرًا ، لأن الدنيا فانية وأنت تركض فيها لغرض الحصول على المال! والسعادة، تركض وتنسي أنها فانية لا ينفعك مال! ولا سعادة ولا حبيب ولا أي شخص من علي هذا الكوكب.

21- عدم الإساءةُ إلى الأصدقاء والمعارف، وما بات ينعتُ به البعض من مسمّيات صار موضة العصر لدى ضعاف النفوس المريضة، وممن ينادون بضرورة العمل على احترام الصداقة، إلا أنهم في قرارة أنفسهم من أشدّ الناس إيلامًا وخبثًا لأصدقائهم، ما يعني الإساءة لهم وتسخيرهم للقيام بأعمال لا تليق بهم.

22- توقّع المصائب يمكن ان يقودك لأخذ الاحتياطات. فمثلا، حين تتصور ان ولدك سيُّقتل في تظاهرات الشارع العراقي لأنه لم يحصل على فرصة عمل، عليك أن تسلحه بالمعرفة والوعي المجتمعي بعدم التعرض للقوات الأمنية وممتلكات الدولة والخاصة أو الأخرين.

23- حينما اشتريت بيتاً مطلع شبابك او سيارة او تلفون حديث، كنت تعتقد انه رائع، ولكن خلال وقت قصير جاذبية الحاجة ستتآكل ويتضاءل رونقها ولم نعد نجد فيها أي إثارة او اهتمام، لكن تصوّر خسارة شيء ما هو طريقة لتجديد تقديرنا له.

24- الخلايا العصبية في الدماغ لا تموت كما يقول كل من حولك، بل تختفي الروابط بينهما ببساطة إذا لم ينخرط المرء في عمل عقلي.

25- ينشأ الإلهاء والنسيان بسبب كثرة المعلومات، لذلك ليس من الضروري أن تركز حياتك كلها على تفاهات غير ضرورية.

26- من سن 60 فما فوق، لا يستخدم الشخص عند اتخاذ القرارات أحد فصي دماغه في نفس الوقت، مثل الشباب، و لكن كليهما، لذلك لا تخافوا من الشيخوخة، أسع جاهدا لتطوير فكرك، تعلم الألعاب والفنون الجديدة، وصنع الأشياء، ورسم الطبيعة.

27- أهتم بالحياة، وطالع الصحف، التقِ بالأصدقاء وتواصل معهم، خطط  للمستقبل، سافر بأفضل ما يمكنك، لا تنس الذهاب إلى المحلات التجارية ومعارض الكتب والمكتبات، ولا تصمت وحدك، إنه مدمر لأي شخص، عش مع كل الأشياء الجيدة لا تزال أبواب الحياة أمامك !.

28- قد تكون صادفت من الشخصيات التي تلفُّها هالة من البؤس والهوان، دائم الشكوى والحنق، كثير اللوم، غير راضٍ عن وضعه المعيشي ولا حالته الاقتصادية ولا حياته الشخصية، يعيش في دوامة من الأوهام، يتعايش مع دور الضحية ويتلبس دومًا بها، ساخط على حاله وظروفه وحياته، ساخط على كل شيء، ساخط على المجتمع الذي يراه بعينه ظالمًا متجبرًا.

يقارن بينه وبين أخيه أو صديقه أو جاره الناجح، وبينه وبين الزميل أو الرفيق المتفوق، ينظر للجار الغني.

احذر من هؤلاء، فقد تأخذك به الشفقة، وترغب في مساعدته ولو عاطفيًّا، فتقع في شراكه، وتتشرب من سُم شكواه دون أن تشعر.

29- يزاد خطر الإصابة بمرض الزهايمر مع التقدم في السن، فهو نادرًا ما يصيب الشخص قبل سن 65 عامًا، ويصيب نحو 15 بالمائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 80عامًا، وتتأثر النساء في كثير من الأحيان أكثر من الرجال لأنهن يمثلن تحو 60 بالمائة من المرضى الذين يعانون مرض الزهايمر.. ويمكن تجنبه من خلال الغذاء الصحي وممارسة الرياضة، والتخلص من الوزن الزائد، والمطالعة المستمرة. فبعد أن كنتُ أحبّ والديّ وأشقائي وزوجتي وأولادي وأصدقائي فقط، بدأت الآن أحب نفسي معهم !فقد أدركت للتوّ أنني لست مثل “أطلس” في أساطير اليونان، والعالم لا يقف على ظهري !

30- توقف عن مساومة بائع الفواكه والخضار، فبالنهاية، لن تزيدني بعض الدنانير غنىً، لكنها قد تساعد ذلك البائع المسكين على توفير مستلزمات المدرسة لأبنائه !.

31-  أدفع لسائق سيارة الأجرة من دون انتظار الباقي، فقد تضع المبالغ الإضافية ابتسامة على وجهه، على أيّ حال إنه يكدّ من أجل لقمة العيش أكثر مما أفعل أنا اليوم !.

32-  عدم انتقاد الناس حتى عندما تدرك أنهم على خطأ، فبالتالي لم يعد يهمّك إصلاح الناس وجعل الجميع مثاليين، إن السلام مع الكل أفضل من الكمال الوهمي !.

33- مارس فن المجاملات بسخاء وحرية بلا نفاق، إذ تعلمت بالخبرة أن ذلك يُحسّن المزاجَ ليس فقط لمن يتلقى المجاملة، ولكن خصوصا بالنسبة لي أيضا !.

34- تعلمتُ ألا أنزعج عن تجعّد يحدث على قميصي أو اتساخ فيه، فبالتالي إن قوة الشخصية أهم بكثير من المظاهر !.

35- أبتعد بهدوء عن الناس الذين لا يقدرونك، فبالتالي قد لا يعرفون قيمتك، وأعلم أن الله يصرفهم عنك لأنهم لا يستحقون أن يكونوا في دائرة أهل الفضل، بل وانهم طردوا من باب الإحسان وتولوا معرضين.

36- كن باردا كالثلج عندما تواجه أحدهم يستفزك بعدوانية، حتى لا تدخل في جدل عقيم على أي حال، في النهاية، لن يبقى من كل الجدالات شيء.

ثالثاُ: الخاتمة

وانت على فراش الموات سوف تبقى قلقلاً على أبنائك وأحفادك لأن هناك حرب نووية مفتوحة لكل الاحتمالات، وحرب اقتصادية ثم حرب مقدسة دينية تلعب الكنيسة الروسية دور الإعلان عن التعبئة، وتأجيج الصراع القديم الذي استمر ثلاثة قرون، وهناك حرب غير معلنة في منطقتنا العربية والشرق المتوسط؟ وحروب بالوكالة وحروب اهلية مع ازدياد أعداد الهجرة غير الشرعية.

وتعاني مناطق شاسعة في العالم  من ظاهرة التصحر والجفاف، مما أدي الي رزح حوالي 800 / مليون أنسان للعيش تحت خط الفقر نتيجة الشح المائي والغذائي وآثار التغيرات المناخية والحروب.

وللآسف الشديد أن الانسان في الدول المتقدمة يتجه الى الإلحاد والزواج المثلي بدلا من أن يتضرع الى الله سبحانه وتعالى أن ينقذ البشرية من الورطة التي تحدث الأن من تهديد بحرب نووية مدمرة، سوف تحرق الجميع دون استثناء.

وهناك من يتوعدك بعذاب القبر: وهو العذاب الذي يسلطه الله على المخالفين والعصاة في قبورهم بعد وفاتهم إلى يوم القيامة، وهو ما يسمى بعذاب البرزخ وهو بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وقد ذُّكر في الأحاديث، وقيل أنه ذُّكر في القرآن، وما نسمعه من رجال الدين عند أقامه المآتم على موتانا، وما نسمعه من القنوات الفضائيات الدينية.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

....................

المصادر:

* جواد غلوم/ عندما تصل عتبة الشيخوخة / صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد 5859 في 20 أيلول 2022.

* مالك البوم / ما عذاب القبر؟ / موقع موضوع / 23 نوفمبر 2021.

https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7_%D8%B9%D8%B0%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B1

الرقابة العسكرية وحدة في حكومة الاحتلال مكلفة رسميا بتنفيذ الرقابة الوقائية فيما يتعلق بنشر المعلومات التي قد تؤثر على أمن الدولة.

منذ قيام دولة الاحتلال كانت الرقابة العسكرية التي ورثتها من حكومة الانتداب البريطاني هي الأكثر شمولا من بين جميع أشكال الرقابة. حيث أن المبدأ الأساسي في هذه الدولة كما قال البروفيسور غال نور (هو أن جميع المعلومات الرسمية سرية إلا إذا سمح بنشرها وهذا يمكن أن يغري الحكومة سهولة كي تستخدم سلطاتها من أجل المنع فحسب أو لتنفيذ مخطط شرير أو لإخفاء مدى غبائها وسوء إدارتها). وقد لخص لنا قول البروفيسور غال نور بعضا من أهداف هذا النوع من الرقابة.

ومن آثار هذه الرقابة وخصوصا في الحروب ازدياد سوء أداء الجيش، وليس أدل على هذا ما حصل عام ١٩٧٣ حين قامت الرقابة العسكرية بمنع الصحف من الحديث عن تحشدات القوات المصرية والسورية على خطوط وقف إطلاق النار، فكان هذا من العوامل التي ساعدت على الهزيمة.

كما نستذكر حادثة انفجار شاحنة عسكرية في إيلات عام ١٩٧٠ حيث كانت محملة بألغام حية وقد انفجرت وقتلت ٢٤ عسكريا وخلفت عددا من الجرحى. وهنا كما عادتها فقد قام الرقيب بمنع نشر أي خبر عن الحادث في أي صحيفة عبرية من أجل التستر على ما حدث من سوء إدارة الحكومة أمام أهل القتلى.

كما نجد أن الرقابة العسكرية التي تتستر على أسرار الجيش المالية تزيد من فساد هذا الجيش وخاصة مع المساعدات السخية التي تتدفق دون شروط.حيث تساعد هذه المساعدات على زيادة العدوان وفي المقابل قلة الكفاءة.

 وهذا بالفعل ما نشاهده الآن في الحرب على غزة. فبسبب المساعدات الأمريكية نلاحظ ازدياد العدوان الجوي والقصف الذي وصل إلى حد الجنون بالتعدي على المدنيين وملاحقتهم أينما توجهوا في القطاع وارتكاب مئات المجازر في المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والشوارع والعراء وبالمقابل فشلهم في المعارك البرية ومواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية الذين يقاتلون في كثير من الأحيان من مسافة صفر ويخرجون من بين الركام والأنقاض وإيقاع الخسائر المادية والبشرية بهم.

ولأن العنصر الحاسم في أي معركة هي الخسائر البشرية والعسكرية لأنه يقصر من عمر الحرب التي تستطيع دولة الاحتلال الصمود فيها لذلك نجدها تتكتم على الأعداد الحقيقية لخسائرها البشرية والعسكرية.

 وكمثال من عشرات الأمثلة وتحت ضغط من الرقيب العسكري قامت صحيفة يديعوت أحرونوت بتعديل عنوان وتفاصيل مقال كانت قد نشرته عن جرحى لجيش الاحتلال في ٩/ ديسمبر، ففي المادة الأصلية ذكرت أنهم ٥٠٠٠ جريح قبل أن تعيد صياغة المقال محتفظة فقط بعدد المصابين بإعاقة والذين بلغ عددهم ٢٠٠٠ منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

***

بديعة النعيمي

كنت أنوي أن يكون عنوان المقال "زمن جميل مضى"، ولكني خفت، ربما يتهمني البعض بأنني من أنصار العهد المباد، وأحن للماضي وأتأسى عليه، وهذه التهمة أصبحت جاهزة اليوم لاجتثاث أي مواطن، لا يعجبه العجب من تطورات الديمقراطية العراقية، لكن أعذروني أيها السادة، الجديد الذي نعيشه باهت، بلا لون ولا طعم، ولهذا نتأسى لرحيل الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم والمصائب. نتمنى أن نُصبح دولة سوية تُكرّم الذين يستحقون التكريم، وأن لا يُصر النظام السياسي في بلاد الرافدين على اعتبار الفشل والأزمات دليلاً على النجاح.

غادرت اعتقال الطائي عالمنا بعد أن أثقلت حياتها الخيبات والمرض، أدار الوطن لها ظهره، لكن صورة الفتاة الجميلة القادمة من مدينة الحلة ظلت تشغل المشاهدين الذين يجلسون امام الشاشة ينتظرونها مساء كل يوم أحد.

انتقلت من فن النحت الذي درسته في كلية الفنون الجميلة، إلى فن مخاطبة الناس. وعندما اكتشفها الصحفي اللامع علي زين العابدين اكتشف معها أيضا محبة العراقيين للسينما الحقيقية، وليست سينما اليوم التي استبدلت كيرك دوغلاس وصوفيا لورين وبندر تشوك وفاتن حمامة، بعالية نصيف ومثنى السامرائي وبطل أفلام الأكشن مشعان الجبوري، فيما احتكر عباس البياتي ومحمود المشهداني وعتاب الدوري البطولات الكوميدية بامتياز.

تحوَّلت اعتقال الطائي إلى وجه محبوب يتابعه العراقيون، مثلما يتابعون بلهفة إطلالة مؤيد البدري ورياضته الأسبوعية التي منذ أن تركها، لم يعد أي برنامج رياضي يثير اهتمام العراقيين. باستثناء برامج الردح السياسي التي انتشرت منذ سنوات، فيما قررت القنوات الفضائية استبدال اطلالة  البدري ببرامج الابتزاز الرياضي، زمن كان فيه كامل الدباغ باحثا في سياحة علمية ، والهادئة خيرية حبيب تتجول في دهاليز الفن، وإطلالة الحاج راضي الذي كانت الأنظار تذهب إليه، والضحكات تجلجل في حضرته.

كانت اعتقال الطائي مغرمة بما تقدمه، سواء في التلفزيون، أو الكتابة أو المواقف الحياتية، تعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، وإنساناً يبذر الخير لمجتمعه. لم تكن المذيعة صاحبة الابتسامة الهادئة تتوقع انها ستعاني من غياب رعاية الوطن واهتمامه بعد غياب الدكتاتورية، في الوقت الذي ينعم فيه نُواب الوقت الضائع وسياسيي "ما ننطيها" بخيرات هذه البلاد.

نستذكر زمن اعتقال ونتأسى عليه، لأن الحاضر الذي نعيشه يحيط به الخراب، بلا لون ولا طعم، ونبحث عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم ومفردات الانسداد والانبطاح. ونتمنى أن نُصبح دولة سوية تكرم الذين يستحقون التكريم، ولا تنشغل بالبحث عن من يجلس على كرسي رئاسة البرلمان بعد أن يقدم الولاء لاصحاب القرار.

***

علي حسين

هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحررية؟

في حين تدعي الحركة الصهيونية أنها حركة أنشئت لتحرير يهود العالم من الغوييم (تسمية يهودية تطلق على غير اليهود) نجدها قد قامت بوعد بريطاني ثم حماية بريطانية تحت مسمى الانتداب ثم باعتراف أميركي ودعم على جميع المستويات سواء اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. وهنا نستذكر حرب ٧٣( حرب أكتوبر) حينما ألحت غولدا مائير رئيسة وزراء دولة العدو على الولايات المتحدة بعد خوفها من نهاية الدولة في تلك الحرب فاستجابت الولايات المتحدة وقامت بإنشاء جسر جوي لنقل المعدات العسكرية إلى تل الربيع حيث كانت عملية مد الجسر إنقاذا لدولة الاحتلال. وهذا يثبت أنه لولا دعم الولايات المتحدة لغرقت دولة الاحتلال في أتون الحرب ذلك الوقت، فأين الحركة الصهيونية من تحرر اليهود من الغوييم وهي تحتمي بغيرها؟

وحسب دراسات صدرت عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس فإن الولايات المتحدة قدمت لدولة الاحتلال مساعدات منذ عام ١٩٤٨ وحتى مطلع ٢٠٢٣ بقيمة ١٥٨.٦٦ مليار دولار.

واليوم في غزة ومنذ ٧/ أكتوبر نجدها وقد احتمت خلف الدعم ذاته أي الولايات المتحدة حيث نجد أن مجلس النواب الأمريكي قد وافق في مطلع نوفمبر على طلب إدارة الرئيس جو بايدن على تخصيص ١٤.٣ مليار دولار مساعدات لدولة الاحتلال.

كما أرسلت إدارة بايدن أثناء الحرب الدائرة في غزة مجموعة حاملة طائرات دواين إيزنهاور إلى الشرق الأوسط لتنضم إلى مجموعة حاملة الطائرات يو اس اس جيرالد فورد استقرت شرق البحر المتوسط كما ونشرت واشنطن بطاريات نظم دفاع جوي من طراز باتريوت وطراز ثاد. وهذا الانتشار العسكري الأمريكي يدعي مسؤول عن البنتاغون بأنه فقط بهدف الدفاع.

لكن السؤال الذي يطرح،الدفاع عن ماذا؟ عن دولة الاحتلال؟ التخلص من حماس التي باتت تهدد مصالحها؟ خوفا على الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس؟ أم أن السبب يكمن في التأثير اليهودي على سياسات الولايات المتحدة الذي يمارسه ما يطلق عليه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة؟ وإذا افترضنا أن الإجابة على السؤال الأخير بنعم، هل نستطيع إطلاق لقب سفير دولة الاحتلال على جو بايدن لدى واشنطن؟

من وجهة نظري أن جزء كبير من استقواء دولة الاحتلال مستمد من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة أي أن اليهود لولا دعم الأخيرة لما كانت ولا بقي اسمها المنبوذ في شرقنا المتوسط. فأين هي الصهيونية من ذلك التحرر الذي نادت به.

بقي القول أن المقاومة لو تلقت ربع ما تلقته دولة الاحتلال من دعم على جميع المستويات من الولايات المتحدة وغيرها من عظميات الدول لما صمدت ليوم واحد.

***

بديعة النعيمي

من طبيعة بعض الأمم أو الدول، ذات الحكومات التي على رأس سلطتها، شخص أو مجموعة أشخاص ذوي نزعة شريرة وعدوانية، وليس لديهم أية توجهات حضارية، أو اي حس إنساني، وهذه في الحقيقة هي من أخلاقيات وممارسات الأنظمة الرأسمالية، التي لا يهمها الشعوب، ولا قيمة للأنسان في مفاهيمها، الشئ المهم بالنسبة لها هي المنافع، ولا شئ غير ذلك.

فعندما يجدون أنفسهم، أنهم متمكنون من القوة والقدرة، لِكونهم يمتلكون كل إمكانيات التسليح المتطورة، من آلات الحرب المتقدمة، وكل العدة والعتاد التسليحي، عندئذ يتكون لديهم شعور بالتفوق والغطرسة والغرور والأستعلاء على

الأخرين، مما تدفعهم النرجسية المفرطة، والنزعة الشريرة، والروح العدوانية في استعباد شعوب اخرى والتآمر عليها واغتصاب أراضيها، وسلب ونهب خيراتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن هذه الحكومات ذات النزعة الشريرة والعدوانية تريد توسيع رقعة سلطتها وهيمنتها.

وهذا ما ينطبق على الدول العظمى،كما هو معروف في سجل تأريخها الاستعماري الدموي.

(إنَّ الْمُلُوكَ إٍذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ..) {النمل: 34}

ومعلوم أن فرض الهيمنة لا يتم تحقيقها إلاّ بالغزو، والحرب والبطش والقتل وسفك الدماء والخراب والدمار، وكل الممارسات القمعية والوحشية، لترهيب الشعوب، وكسر ارادة المقاومة التي تواجههم.

وفي المقابل، ومما لا شك فيه لا توجد أيّة امة أو شعب إطلاقا، يقبل الذل، وأن تكون مستعبدة، و لا تسمح للغزاة بجيوشها الغازية، وفسح المجال لها، وتركها تفعل بما تشاء، وتسرح وتمرح من دون رادع، و لا يتم كل ذلك من دون مقاومة تتصدى للعدوان.

فمثل هذا الشئ لم يحصل، ولا يمكن تصوره، وهذا غير وارد في قاموس الحروب، لا قديما ولا حديثا، مهما كانت قسوة العدو وهمجيته وبطشه، وقوته التسليحية.

كما لم يحدث مثل هذا، ولم نجد أية أمة، حتى في عالم الحيوانات لا تقبل الأعتداء عليها، أو تجاوز حدود محيط بيئتها، وإذا ما تعرضت لأي عدوان، فإنها ستدافع عن نفسها، وعن صغارها.

وخير دليل على وجود المقاومة في الدفاع عن النفس في مواجهة الخطر، والحفاظ على إستمرارية الحياة، والوجود، وأبسط مثال على ذلك، و هو يعتبر من اسس ديمومة واستمراربة الحياة، وكل كائن حي يولد ومعه طاقته المقاومة التي تحميه، وهوما نعرفة بجهاز المناعة، ودوره في حماية الجسم من الأجسام الغريبة الضارة، فيؤدي دوره في الدفاع عن الجسم، ومقاومة الميكروبات بشكل ذاتي.

وهذا أمر مسلم به، ولا نقاش فيه.

وقبل التوسع في مسألة المقاومة، فلنبدأ في تعريفها، ومعنى المقاومة لغويّاً:

مقاومة: (إسم)

مصدر قاومَ

صعوبة تواجهها قوة معينة

مقاومة التجربة: المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير

ومقاومة الكائن الحي، هي قدرته على أن يدرأ عن نفسه كل خطر.

إذاً المقاومة: هي المعارضة، وعدم تقبل أي شئ يحمل في طياته الضرر، ورفض الخضوع لأرادة مفروضة بالقوة.

ومن أنواع المقاومة:

المقاومة الفطرية (الغريزية): وهي القوة الكامنة لدى الكائن الحي في الدفاع عن النفس (الوجود) من أي خطر.

ثانيا المقاومة الحسية الواعية: وهي القوة التي تنطلق من الوعي الحسّي، والأدراك الواعي بقيمة الوجود وأبعاده.

ثالثا المقاومة المركبة: وهي تتكون من المقاومة الفطرية

(الغريزية) الذاتية، (أي المقاومة اللا إرادية)، والمقاومة االحسية الواعية، الأرادية، وهو تصدي العدو ومعرفته، عن دراية ومعرفة، واتخاذ الاسلوب الناجع في مواجهته.

فالمقاومة الغريزية هي تلك الطاقة الفعّالة في استخدام وسائل دفاعاتها الحسية والعضوية التي تمتلكها للحفاظ على ديمومة وجودها والأستمرار في الحياة الآمنة، وهذه القوة الدفاعية تأتي بإيعاز من الجهاز العصبي، والجهازالهرموني ومنه (الأدرينالين).

والرغبة الفطرية في البقاء على قيد الحياة، هي موجودة في كيان كل كائن حي، ومقاومة كل ما يهدد حياتها للخطر.

وهذا فيما يخص مسألة الحياة والأستمرارية في مواصلتها.

وإذا ما نظرنا الى المجموعات البشرية البدائية التي تعيش في غابات الأمزون، أو في أماكن أخرى، مثل آسيا، أو أفريقيا، فهي كذلك لا تقبل الأعتداء عليها، أو التجاوز على حدود مساحة بيئتها التي تعيش فيها، ضمن نطاق نمط حياتها الخاص بها.

وهذه مسالة طبيعية في حب الذات والدفاع عن النفس في مواجهة أي خطر يهدد حياتها ووجودها.

كل هذا الذي تناولناه أعلاه هو بشكل عام فيما يتعلق بالحياة البسيطة، والتمسك بها غريزيّا، وهو ما يُطلق عليه بالصراع من أجل البقاء بمعزل عن الوعي والأدراك.

أما بالنسبة للأنسان الحضري الذي يمتلك إدراكا حسيّا على مستوى عال من الوعي ومعرفته بكل مقومات الحياة المدنية، المبنية على المواطنة والأنتماء للأرض التي عاش فيها الآباء والأجداد، والتأريخ الذي تركوه له، واللغة والعادات والتقاليد والفلكلور، والثقافة، والأعراف الأجتماعية المتوارثة، كلها مجتمعة، تشكل منظومة حسيّة في ذاكرة الأنسان، وهو الشئ المهم في بناء شخصية الأنسان في الأعتزاز بنفسه وكرامته، ويمثل الطاقة الفعالة في صد اي إعتداء، ومقاومته، وتسمى كل تلك، بالذاكرة الفردية، التي تولد من الذاكرة الجمعية، المتمثلة في الذاكرة المجتمعية، وكما يقول عالم الأجتماع الفرنسي موريس هالبفاكس (18877- 1945):

" ان الذاكرة، حتى تلك الأكثرخصوصية وفردية، تفترض أُطراً يوفرها المجتمع للفرد، ومن دونها لا يمكن لهذا الآخيرأن يبني ذاكرة وماضياً خاصّين به.. ". وكذلك يشير هالبفاكس أيضا

" الى أن الذاكرة الجمعية تتشكل من تعاضد بين الذاكرات الفردية"، أي بمعنى أن الذاكرة الفردية هي حصيلة الذاكرة الجمعية، والتي تنعكس بدورها لتكون ذاكرة مجتمعية، فيكتسبها الفرد لا شعوريا لتتبلور لديه ذاكرة فردية.

فإلى جانب المقومات التي ذكرتها آنفاً (المواطنة، الأنتماء للارض، التأريخ، اللغة، العادات والتقاليد، الفلكلور، الثقافة)، فكل هذه المقومات بمجموعها تشكلت لدى الفرد لترسم له (الذاكرة الفردية)، وهي أهم ما يربط الأنسان بوطنه الذي يضحي ويموت من أجله.

فكلا الذاكرتين، تُشكلان العقل الجمعي الذي ارتبط صميميّاً بمقومات مجتمع متراص مترابط، والفرد فيه بالنسبة للآخر كالبنيان المرصوص، وبهما يكون سدّاً منيعا ً أمام العدو، وقوة تحميه من أي اعتداء خارجي يريد النيل منه أو مسّ كرامته بسوء.

وكما قلنا أن الحروب التي تشنها قوى الشر الطامعة في خيرات الأمم والشعوب الأخرى، لا تفهم قيمة وأهمية الذاكرة الفردية، والذاكرة الجمعية، اللتان تُعتبران أهم وأقوى سلاح معنوي، ومن ثم السلاح المادي وأدوات المقاومة الدفاعية والهجومية، وبكل هذا حتماً ستواجه بقوة من قِبَل المدافعين عن أرضهم ووطنهم، والتصدي للعدو مهما كانت قوته وعدده، واساليبه القمعية.

ومن المعروف والشائع أن اي عدوان على امة أو جماعة يتصدى له الرجال، شيباً وشبابا، وهذه القوة المقاومة التي تقف بوجه العدو، تحمل كل ما أمكنها، وما لديها من سلاح للقتال، ولمقاومة الغزو والعدوان الذي تتعرض له.

ولكن إذا ما امعنّا النظر في تأريخنا المعاصر وحروب التحرير في العالم، وما قامت به المقاومة ضد المستعمرين والغزاة، فسنجد أن هناك نساء في قمة البطولة والشجاعة، رسمن أروع الملاحم البطولية التي سطّرتها المرأة في سجل المسيرة النضالية التحررية، وللأسف لم يُسَلّط الضوء بشكل أوسع، أو بالشكل المطلوب، على ما قدمته المرأة من ملاحم بطولية إسطورية في التضحية والمقاومة في مسيرة النضال التحرري.

وهنا لا يسع المجال في الخوض بالشكل الأسع في نضالات المرأة، ولكن هناك مناضلات على سبيل المثال لا الحصر، يًحار المرء في ما يقرأ عن بطولاتهن وشجاعتهن وصمودهن أمام العدو واساليبه الوحشية البربرية والقمعية، وهن يقفن بارادة فولاذية لا تنكسر ولا تنحني.

فتلك الفتاة التي للتو دخلت ربيعها الخامس عشر، حين تعرضت بلادها للغزو من قِبَل القوات الفاشية والنازية عام 1941، إثناء الحرب العالمية الثانية، وهي بهذا الربيع الخامس عشر، حملت قلبها على كفها وتقدمت للأنضمام الى حزب أنصار بلادها في القتال ضد النازيين، وقد حركتها الطاقة الخلاقة، والحس الثوري الواعي، المتوهج من روح المبادئ التي تغذت عليها ونمت، فاستنارت بالفكر الذي استلهمته من بيئتها وبالاخص عائلتها التي كانت المثل الأعلى لها، والقدوة في النضال والتضحية، فتقدمت تلك الفتاة في الصفوف الأمامية في مقاومة العدو النازي.

وفي إحدى المعارك في شهر شباط 1943، وبينما هي تحاول إنقاذ 150 إمراة وطفلا، كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من القصف وإطلاق النار، فواجهت هجوم من بعض جنود العدو النازيين الألمان، فقاومتهم بكل بسالة وشجاعة، وقتلت عددا منهم، حتى نفذت ذخيرتها، مما وقعت في الأسر.

وبعد أن ألقي القبض عليها، تعرضت لأقسى، وأبشع صور التعذيب، لأنتزاع اعترافات على رفاقها في المقاومة، وعن الحزب الذي تنتمي اليه، وأسماء الرفاق، وأماكن تواجدهم.

فكانت الشجرة الشامخة القوية التي يصعب على الجلادين النيل منها، أو تحريكها، أو زحزحتها عن ثباتها، حتى أصدروا حكم الأعدام عليها شنقا.

وبعد أن تم إحضارها في شباط 1943 الى المشنقة التي شُيّدت على جذع شجرة، وإعتقد الجلادون انها ستخاف إبنة 17 ربيعا

عند وضع حبل المشنقة على رقبتها، وفي اللحظات الأخيرة عُرض عليها العفو واطلاق سراحها، إن اعترفت، وكشفت لهم عن أسماء رفاقها، أو أية معلومات تفيدهم.

لكن ليبا راديتش الشابة اليوغسلافية بكل صلابة وشجاعة، ردّت على الجلادين بكلمات خلدها التأريخ بحروف من ذهب:

" أنا لست خائنة لشعبي، أولئك الذين تسألون عن أسمائهم سيكشفون عن أنفسهم عندما يأتون لقتلكم جميعاً. عاش الحزب الشيوعي وأنصاره ! حاربو أيّها الناس من أجل حريتكم ولا تستسلموا ! سوف أقتل، لكن هناك مَنْ سينتقم لي "

وبهذا تم شنقها، ولكن لم يستطع الجلادون أن يشنقوا الروح التحررية والنضال من أجل الحرية والعدالة الأنسانية.

وتلك النجمة المتلألئة الأخرى في سماء الحرية، والشعلة الوهاجة في طريق ذات الشوكة، والأمل النابض في قلوب الأحرار الثائرين، إنها المناضالة الفتاة إبنة العشرين ربيعا، فكانت الكوكب الدري في افق النضال التحرري، فتغنى بها كبار الشعراء، كالسياب ونزار قباني والجواهري وصلاح عبد الصبور وشعراء كثر.

قالوا لها بنت الضياء تأملي   ما فيك من فتن ومن انداء

سمراء زان بها الجمال لونه  واهتز روض الشعر للسمراء

هذه الفتاة إبنة العشرين ربيعا، حين رأت ابناء شعبها هبوا لمقاومة المستعمر وطرده، فانضمت الى جانب الثوار في جبهة التحرير الوطني في نوفمبر / تشرين الثاني 1956.

فسجلت أروع صور النضال والمقاومة، والدور البطولي الذي القى الهلع والرعب في قلوب جنود المستعمر، حيث كان شغلهم الشاغل، والمسألة الأهم في إلقاء القبض عليها.

وبعد أن حوصرت من قبل العدو، واصيبت برصاصة في كتفها، صرخت، إشارة منها لرفاقها ليتمكنوا من الهرب، وتم إلقاء القبض عليها.

فعُذبت اشد وابشع أنواع التعذيب، لمدة 17 يوماً، لكنها بقيت صامدة صمود الابطال، ولم تكسر كل تلك الأساليب الوحشية في التعذيب إرادتها، وحافظت على أسرارها، وعلى أسماء رفاقها في النضال، وبعد أن لم يتمكن الجلادون من كسر صمودها، أصدر القاضي حكم الأعدام بحقها، لكنها ضحكت، فصرخ القاضي في وجهها " لا تضحكي في موقف الجد ".

فكان ردّها قويا:

" أيّها السادة، انني أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالأعدام، لأن أؤلئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، لقد استندتم الى محضر تحقيق وضعته الشرطة وقوات المظليين، وأخفيتم أصله الحقيقي الى اليوم، والحقيقة اني أحب بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد جبهة التحرير الوطني ".

ثم تابعت" تقتلوننا، لكن لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية،

ولا تنسوا أنكم بهذا إنما تلطخون شرف بلادكم، ولا تنسوا أنكم لن تنجحوا أبداً في منع الجزائر من الحصول على إستقلالها ".

ونتيجة الأحتجاجات العالمية، لم يتم تنفيذ حكم الأعدام فتحررت من السجن المناضلة البطلة جميلة بوحيرد عندما نالت الجزائر استقلالها في 5 تموز 1962، بعد أن قضت 3 سنوا في السجن.

فالنضال التحرري عندما يخرج من الأطر الضيقة الى فضاءات إنسانية أوسع، يكون دوره أقوى في تحقيق الأهداف، ويشكل جبهة تضامية واسعة بوجه العدو وقوى الشر العالمي.

وصدى الجبهات التحررية في أية نقطة من العالم له تأثير يستجيب له، ويتضامن معه كل أحرار العالم.

وتلك الشابة العشرينية رايتشل كوري الناشطة الأمريكة، وهي في العاشرة من عمرها، قالت في محاضرة في مدرستها حول الجوع في العالم:

" إنني هنا من أجل الأطفال الذين يعانون في كل مكان، لأن أربعين ألف شخص يموتون في العالم يوميا بسبب الجوع، أنا هنا لان معظمهم من الأطفال، نعلم بأن الفقراء في كل مكان حولنا، لكننا نتجاهلهم، يجب أن نفهم بأن هذه الوفيات يمكن تجنبها، يجب أن نفهم بأن في العالم الثالث شعوبا يضحكون ويبكون،هم بشر مثلنا، لكن الفرق بيننا و بينهم أنهم يعانون، يجب أن نفهم بأن أحلامنا هي أحلامهم، يجب أن نفهم بأننا منهم وهم منا، أن حلمي بأن انهي المجاعة في سنة 2000م، حلمي أن يمنح الفقراء فرصة،حلمي إنقاذ أربعين ألف ممن يموتون يوميا،حلمي يمكن أن يكون حقيقة، إن نحن تطلعنا إلى مستقبل مليء بالخير والنور ".

ودفع الحس الأنساني راتشل كوري الى أبعد من أحلامها، فقررت السفر الى قطاع غزة إثناء إنتفاضة الأقصى الثانية من أجل الدفاع عن حق شعب احتلت أرضه، وتهدم بيوته يوميا.

وذات ملحمة بطولية في منتهى الأنسانية، وهي برفقة سبعة أمريكيين وأوربيين متضامنين مع الشعب الفلسطيني في منع أعمال التجريف والهدم التي يقوم بها الصهاينة في رفح الذي شرد أكثر من 12000 فلسطيني، وتركهم في العراء دون مأوى، إذ جاءت اللحظة التي تفجرت روحها الأنسانية الخلاقة، وحملت قلبها باليمنى ومكبر الصوت باليسرى، ووقفت أمام جرافة إسرائيلية تنادي سائقها:

" توقف.. هنا عائلة آمنة، هنا أناس أبرياء " لكن سائق الجرافة تجاهلها وقام بدهسها بكل وحشية، وبلا رحمة.

وهذه الشابة التي سجلت أروع صور الأنسانية والتضحية البطولية من أجل شعب لا يربطه بها اية مسميات ضيقة ومحدودة الأطر، سوى الرابطة العظمى والأكبر والأقدس، ألا وهي رابطة الأنسان بأخيه الأنسان، ويمكنني القول ان راتشل كوري هي والسبعة من زملائها الناشطين القلائل الذين تضامنوا مع الشعب الفلسطيني المضطهد، بعد أن تفهموا معاناته وأثرت في مشاعرهم واحاسيسهم حينذاك، مقارنة بمستوى الوعي الانساني الخلاق الهادر الذي نراه اليوم، وصوته المدوي بوجه الأجرام والأبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، وتنديده بالصهاينة السفاحين والذين يدعمونهم، وعلى رأسهم أمريكا.

عود على بدء، وكما بينّا ان الشعوب لا تقبل أن تكون مستعبدة وذليلة، وذكرت ان المقاومة التي تواجه المعتدي، غالبيتها هي من الرجال، ولكن هناك نجوم لا تأفل في سماء الحرية من النساء اللاتي سطّرن أعظم الملاحم البطولية في سجل حركة التحررالعالمي، والمقاومة الوطنية.

ولكن عندما نبيّن الدور المتميز، والأبرز في تأريخ النضال النسوي البطولي، الذي أخذ أكبر مساحة في صفحات النضال التحرري والصمود والمقاومة، والحجم اللامحدود من التضحية، وتقديم القرابين تلو القرابين على منحر الحرية والعزة والكرامة، وحين تُدهشك، وتُثير فيك الأعجاب، هذه البطولات، وقوة الشخصية والأرادة الصلبة، والصبر الغير متناهي، في تقديم فلذات قلوبهن من أعزاء، أبناء وإخوة وأزواج وأطفال، وكل غال ونفيس، وهن لا يجزعن ولا ييأسن، فهن صابرات صامدات مضحيات، ومقاومات.

فنحن عندما نبيّن مثل تلك النساء، فهذا لا يعني أن ننفي وجود نساء أخريات مناضلات.

فهناك من حملن السلاح، وناضلن ببطولة وشجاعة، وقمن بعمليات بطولية خارقة.

ولكن يسأل الأنسان نفسه: هل حقّاً هناك في الوجود مثل هذه النساء ؟

نعم نحن عندما نذكر مثل هذا النموذج من النساء المناضلات والمضحيات ووو، فلا يعني إنكار وجود الأخريات من النساء ولا التقليل من أهميتهن، فعلى سبيل المثال، عندما يقال ان باقة ورد معينة جميلة جدا، فهذا لا يعني أن الأزهار الأخرى غير جميلة، أو شخص ما، أحد أبنائه أقرب اليه من ابنائه الأخرين، فهذا لا يعني أن البقية من أبنائه لا يحبهم أو هم سيئين..!

أَجَلْ.. أن هذه البطولات ليس مثلها بطولات، والتضحيات ليس مثلها تضحيات، فهنّ الصابرات الصامدات المقاومات، فلم نجد في نساء العالم، ومسيرة النضال التحرري مثلهن..!

فهل هناك سجل في تأريخ النضا ل التحرري، ومقاومة الغزاة والمستعمرين مثل ما تجده في مقاومة وصمود وتضحيات المرأة الفلسطينية..؟

فأي مكان لم تجدها فيه..؟

في ميادين المقاومة تجدها وهي تحمل السلاح..

في سجون العدو تجدها خلف القضبان صامدة تتحدى القيود والسجان..

في ميدان الكتابة والثقافة والاعلام والأدب، تجدها الأديبة والشاعرة والقاصة، والأعلامية والصحفية..

في سجل العمليات البطولية الفدائية تجدها..

في البيت تجدها أم وأخت وزوجة ومربية تصنع الرجال الأبطال المقاومين المضحين..

فهذه المرأة كأنها خلقت من فولاذ، فلا مبالغة فيما أقول: فإنها أمرأة لكنها لا شبيه لها..

هل أن ما نراه هو إسطورة أم خيال ؟!

لله درك يا أم، ويا أخت ويا زوجة ويا إبنة الشهداء، تقفين شامخة صامدة صارخة بوجه الطغاة: يا أيها الغزاة مهما قتلتم ودمرتم وخربتم، نبقى هنا لا نغادر أو نهاجر، حتى وان قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فنحن نعرف ان الرجال عندما تكون عندهم القوة والصمود والتحدي ورباطة الجأش، فلا نستغرب منهم ذلك، لأن الرجل بطبيعته التكوينية يمتلك القوة البدنية وتجربته الحياتية في مواجهة الصعاب التي صقلته، وصنعت فيه الأرادة الصلبة..

أما المرأة بشكل عام، فهي لا تمتلك ما يمتلكه الرجل.

نعم هناك نماذج من النساء في التأريخ القديم والمعاصر كُتبت أسماءهن بحروف من ذهب، ولكن كما قلت نماذج نادرة، وليس كما نراها من نساء أمة وشعب صامد، تراها قوة صلبة، وطاقة خلاقة مبدعة ومعطاءة، وإرادة فولاذية لا تنكسر..!

فحقّا ما قاله الأديب الشهير توفيق الحكيم عن المرأة:

" أن عقل المرأة إذا ذبل ومات، فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات "

فأسمح لي أستاذنا الحكيم، ماذا تقول عن المرأة التي تمتلك العقل والقوة والأرادة والصبر والتحمل والتضحية والصمود

والمقاومة والتصدي للعدو ؟!

سيدي ان هذه الصفات المميزة التي ذكرتها لك، لا تجتمع كلها بإمراة..

ولو إفترضنا جدلاً.. أنها تتوفر عند بعض النساء..

نعم عند بعض النساء..

لكن من المستحيل ان تتوفر كل هذه المواصفات عن نساء شعب

وفي كل بيت..!

والقول المشهور (وراء كل عظيم إمرأة)، فمحتوى القول يشير الى عظيم مفرد، وليس عظماء، والذي وارءه إمراة مفردة وليس أكثر من إمرأة واحدة.

أليس وراء كل هؤلاء الابطال المقاومين الأبطال نساء، (أم، أخت، زوجة) صنعن منهم هذه الملاحم الأسطورية في مواجهة أعتى وأشرس المجرمين وأقوى الأسلحة الفتاكة، وهم يتصدون لها بكل بسالة وشجاعة وصمود ؟!

ألا يحق لنا أن نقول أن المرأة الفسطينية هي رمز المقاومة وأيقونة النضال التحرري..؟؟

وأنا هنا لا أريد أن أدرج أسماء الفلسطينيات المعروفة في الأدوار النضالية المختلفة، على مدى مسيرة العذاب والمعاناة والمأساة والتضحية والصمود لأنها لا تعد ولا تحصى، لأنّهن أكبر من الصفحات، فكل أسماء المناضلات الفلسطينيات هي رمز المرأة الفلسطينية في الصمود والتحدي،و الفلسطينيات المناضلات الصامدات هن الرمز بكل ما تعني الكلمة..

فالمرأة الفلسطينية هي التي أنجبت هؤلاء الأبطال المقاومين..

والمرأة الفلسطينية هي التي صمدت أكثر من 75 عام امام المعاناة والمأساة..

والمرأة الفلسطينية هي التي قدمت القرابين تلوَ القرابين ولم تيأس..

والمرأة الفلسطينية هي التي حملت السلاح وقامت بعمليات فدائية هزت الكيان الصهيوني المحتل..

والمرأة الفلسطينية هي التي قالت للعدو: مهما سفكتم من دماء،

ومهما هدمتم بيوتنا، وحتى لو قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فأين تجد يا ترى مثل المرأة الفلسطينية..؟؟!

عاشت المرأة الفلسطينية المقاومة والصامدة

عاش ابطال المقاومة الفلسطينية

الموت والخزي والعار للصهاينة المجرمين

والنصر للشعب الفلسطيني الصامد

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

10/12/2023

توقفت المجازر الإسرائيلية، لمدة أربعة أيام أو خمسة أيام؛ بهدنة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية في غزة، بوساطة قطرية مصرية، وبدعم أمريكي غائي نشيط وقبل انتهاء الأربعة أيام تم تجديدها إلى يومين آخرين؛ حتى تتم عملية تبادل الأسرى من الجانبين. هذه الهدن وإن كانت تكتيكية، لكنها بكل تأكيد؛ تشكل انتصارا واضحا للمقاومة الفلسطينية في غزة، على قوة وفتك وجبروت السلاح الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي في حوزة جيشه؛ الذي واصل بها واستمر في المذبحة على مدار ستين يوما، إلا أن روح الصمود والمقاومة عند المقاومين الفلسطينيين في غزة كانت هي الأقوى. في خضم هذا الصراع الذي ليس فيه أي تكافؤ أبدا، وما أقصده هنا هو السلاح الفتاك؛ صدرت عدة تصريحات من مسؤولين عرب ومسؤولين في أمريكا أو في الغرب؛ عن الوضع الذي ستكون عليه غزة بعد توقف إطلاق النار، أو انتهاء الحرب فيها، والأصح انتهاء المذبحة الإسرائيلية هناك. جميع هذه التصريحات تثير لدى المتابع الكثير من الأسئلة والشكوك وعلامات الاستفهام؛ حول كنه هذه التصريحات وهل هي من أجل القضية الفلسطينية، أي وضع حلول لها، تلبي مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة في دولة معترف بها دوليا؛ على الأراضي الفلسطينية، التي احتلتها إسرائيل في الخامس من يونيو 1967، أم أن العملية برمتها؛ هي استثمار للوقت لصالح الكيان الصهيوني؟ جميع هذه التصريحات، لم تأت على الآلية التي بها، أو على طريقها يتم إجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على النزول من على قمة جبل الأطماع في الأرض الفلسطينية. من الجانب الثاني هذه التصريحات تأتي في الوقت الذي لا تزال فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من هزيمتها الواضحة؛ تصر على مواصلة محارقها ضد الشعب والأرض في غزة؛ إذ، يقول مسؤولوها؛ إنهم سيواصلون عملياتهم العسكرية في غزة حتى إنهاء المقاومة، وتحرير المخطوفين (الأسرى) من يد حركة المقاومة الفلسطينية. إلا أن الأسرى العسكريين الإسرائيليين لدى المقاومة؛ من المستحيل أن تتم مبادلتهم بالطريقة ذاتها التي تم على هديها، أو على أساسها إبرام أو الموافقة على تلك الهدن التكتيكية. استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة أرضا وشعبا؛ سيواجه بقوة وصلابة في الموقف، على أرض المعركة، وبالتوازي سوف تصر المقاومة الفلسطينية على موقفها، الذي أعلن على لسان قادتها؛ من أن أي مبادلة للأسرى العسكريين الإسرائيليين؛ لا يتم الا بتحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، يقولون ويؤكدون في تصريحاتهم المتتالية؛ أن دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ ستستمر في المعركة، أي في مجازرها في غزة؛ وهذا صحيح في الجولة الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، أرضا وشعبا، لكنها تاليا؛ سوف تضطر إلى تقليص عديد جنودها، وأدوات إجرامها، أي بقاء جزء من قواتها على أرض غزة، وفي تطويق المدن المهمة فيها، أي أنها سوف تتحول إلى معارك استنزاف بين جنود الصهاينة، ومجاهدي المقاومة الفلسطينية، إلى فترة قد تستمر عدة أشهر، لكنهم في النهاية سوف يقبلون صاغرين، شروط المقاومة الفلسطينية وأولها الاعتراف، بأن المقاومة في غزة وفي غيرها من أرض فلسطين؛ لا يمكن مطلقا استئصالها؛ لأنها والشعب الفلسطيني؛ كتلة واحدة في الموقف والصراع مع عدو مجرم، في جسد واحد موحد كليا، في مواجهة أداة الفتك الأمريكية والغربية الإسرائيلية، التي يمتلكها جنود الاحتلال، الذين لا يمتلكون ضميرا، يردعهم عن استهداف المدنيين العزل من السلاح. وثانيا، في ما يخص تبادل الأسرى بين الجانبين؛ تصر فيه المقاومة الفلسطينية على مبادلة الأسرى العسكريين الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، خصوصا أن بين الأسرى الإسرائيليين العسكريين، من هم برتب عسكرية رفيعة المستوى.

إن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت قبل ما يقارب العقدين؛ تحتل غزة، لكنها انسحبت منها تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، وليس رغبة منها في منح غزة وشعبها الفلسطيني الحرية والاستقلال على أرضه، وهذا هو ما سوف يحدث لاحقا، ربما بعد أشهر قليلة من الآن. ليس أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ إلا التسليم وهي صاغرة، إذا أرادت لدولتها البقاء والوجود؛ بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية في سوريا ولبنان، والقبول بالمبادرة العربية للسلام، فلا طريق أمامها وأمام داعميها من الأمريكيين والغربيين، إلا هذا الطريق ولا طريق غيره أبدا، مهما طال أمد الصراع. أما طرح بعض المسؤولين العرب؛ حل الدولتين؛ بالاعتراف بدولة فلسطين على حدودها قبل الخامس من يونيو، دولة منزوعة السلاح، بضمانة قوات من حلف شمال الأطلسي، أو قوات أممية أو عربية، فتثير الشك والريبة، للأسباب التالية: أولا؛ لا يمكن تحويلها إلى واقع على الأرض من الناحية القانونية، أي أنها ستظل غير معترف بها دوليا؛ لأن أمريكا والغرب سوف يقفان بالضد منها، إلا بموافقة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أمر مستبعد تماما في الوقت الحاضر، وإلى الأمد المفتوح. ثانيا، هذا يعني أو يقود إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف لن تتوقف عن قضم الأراضي الفلسطينية. ثالثا، أن تكون هناك دولتان الأولى، دولة حقيقية، أي معترف بها دوليا وهي بلا حدود رسمية لها، ودولة مفترضة أخرى، بإطار هيكلي، متفق عليه بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، فارغ من المحتوى، أي لا سلطة حقيقية لها، أي لهذه السلطة على الأرض والإنسان؛ مما يتيح للأولى، أو يفتح الطريق لها، في تحويل أطماعها إلى واقع على الأرض، كما في ثانيا.. إن الطريق الصحيح كي ينال الشعب الفلسطيني حقه المشروع في الحياة والوجود والسلام؛ هو الدعم المستدام لهذا الشعب المناضل والمجاهد؛ في المحافل الدولية وفي الحياة وفي تنمية قدرة المقاومة في مواجهة عدو مجرم وطماع لا ضمير له. وفي، وهو الأهم؛ استثمار قدرات التأثير العربية التي تمتلكها الأنظمة العربية؛ في إجبار وتحت ضغط المصالح؛ القوى العظمى والكبرى، على أن تقف موقفا عادلا ومنصفا من القضية الفلسطينية، ما أقصده كل القوى الدولية الكبرى وليس حصرا أمريكا والغرب. أما المناشدات والتصريحات المستنكرة والشاجبة للعدوان الإسرائيلي، من غير أن تكون هناك أفعال على أرض الواقع؛ فلن يكون لها تأثير فاعل ومنتج على الإطلاق. وأكبر دليل على ذلك؛ هو إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة مجازرها بعد انتهاء الهدن التكتيكية، وإصرار أمريكا على دعمها، بل مشاركة فيها سياسيا وتسليحا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

تشهد الساحة العراقية اليوم العديد من التحديات والمشاكل، ومن بين هذه المشاكل تأتي البطالة  كواحدة من أبرز المشاكل التي تعصف بحياة المواطنين وتؤثر على جودة حياتهم.

وقد عانى المجتمع العراقي المعاصر العديد من المشكلات الأخرى التي تؤثر سلباً على حياة الناس وتعيق التقدم والازدهار، وتعود أسباب هذه المشكلات إلى عدة عوامل منها الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومنها النزاعات الداخلية والخارجية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات طوال .

سنتناول في هذا المقال المختصر بعضاً من أبرز تلك المشكلات وسبل التغلب عليها، والتي أطلقنا عليها دوامات الشارع العراقي، لأنها تصيب رأس الأنسان أولاً ثم بقية جسده.

* الجمع: دُوَّام و دُوَّامات

* الدُّوَّامة: لُعبة مستديرة يَلُفُّها الصبي بخيطٍ ثم يرميها على الأَرض فتدور والجمع.

* الدُّوَّامة من البحر أَو النهر: وسطه الذي تدوم عليه الأمواج بسرعة وبشدّة، وهي مستديرة وأَعلاها متسع وأَسفلها ضيق.

* فلانٌ يعيش في دوَّامة: تنتابه مشكلات تسبِّب له قلقًا واضطرابًا.

وأحدى أبرز تلك الدوامات التي يعاني منها المجتمع العراقي هو انعدام الأمن والاستقرار، فالعراق يشهد منذ سنوات طويلة نزاعات مسلحة وانفلاتاً أمنياً، وهذا ما يؤثر سلباً على حياة الناس ويعيق التطور والاستقرار الاقتصادي، فالأمن هو الأساس لأي تقدم وتنمية في المجتمع، ودونه يكون من الصعب تحقيق أية تقدم يذكر .

في إطار الوضع الاقتصادي، تتسبب مشكلة البطالة في العديد من الإشكاليات الاجتماعية والنفسية، أذ يصبح من الصعب على الأفراد توفير مستلزمات حياتهم الأساسية، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على الأسر والأفراد ويزيد من حدة الفقر والتفاوت الاجتماعي في المجتمع.

من ناحية أخرى، تعاني المرأة العراقية من مشكلات عدة تتعلق بحقوقها ومكانتها في المجتمع.. فرغم التقدم الذي حققته المرأة في العراق على مدى السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في مجالات مثل التعليم والعمل والمشاركة السياسية الواسعة .

علاوة على ذلك، تنشأ العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية نتيجة للنزاعات الداخلية والخارجية في العراق، فالحروب والصراعات تترك آثاراً سلبية عميقة على الناس وتزيد من حدة التوتر والتوترات الاجتماعية.

أضافة الى أنتشار ظاهرة المخدرات، والفساد الإداري والمالي، والتثقيف بالماضي البعيد من قبل بعض صغار رجال الدين، والأثراء الفاحش من قبل سراق المال العام، والسلاح المنفلت لدى العشائر العراقية والفصائل المسلحة غير المرتبطة بالدولة.

إن دوامات المجتمع العراقي المعاصر تتطلب جهوداً مشتركة من جميع القطاعات والفئات الاجتماعية من أجل التغلب عليها، ويجب تعزيز وتقويه الأمن والاستقرار، وتوفير فرص العمل ومكافحة البطالة، وتحسين حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع، وتعزيز الاندماج والتسامح بين الطوائف والأثنيات المختلفة.

علاوة على ذلك، يجب إيجاد حلول للنزاعات الداخلية بشقيها القبلي والشخصي ، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المتحاربة، والعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناس الذين يعانون من تبعات الحروب والصراعات الداخلية .

من المهم أن يتحد المجتمع العراقي المعاصر بكافة طوائفه وقواه السياسية والدينية لمواجهة تلك المشكلات وإيجاد الحلول اللازمة لها، وأن يعمل الجميع على بناء مجتمع متماسك ومزدهر يتمتع بالسلام والاستقرار الدائمين .

وختاماً، يجب أن يكون لدى الحكومة العراقية الإرادة السياسية الراسخة لمعالجة مشكلة دوامات الشارع العراقي، واتخاذ الإجراءات الفعالة والسياسات الملائمة والتعاون مع الأطراف المعنية للحد من هذه المشكلة وتوفير بيئة مرورية آمنة وسلسة للمواطنين.. ومن الله التوفيق.

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

ما أن تعلن المفوضية المستقلة للإنتخابات موعد بدء الحملة الإنتخابية حتى ينهال المرشحين على محلات التصوير والطباعة والحدادة ويتسابقون بل يتفنون في تنظيم بوسترات الدعاية الإنتخابية التي تتزين بصورهم الشخصية وبأحجام مختلفة ويبذلون فيها امولا "طائلة في الوقت الذي كان البعض منهم يبخلون على إعالة من بمعيتهم من عوائلهم لسد الرمق ويتبارون في إطلاق الوعود التي لا يمكن تحقيقها الا بمعجزة خارقة لكن المستفيد من المشهد هم أصحاب المطابع ومحلات الحدادة والذين ينتظرون الحدث بفارغ الصبر كل أربع سنوات حتى يسترزقوا بما يجود عليهم المرشحين من مال الله ناهيك عن الهدايا والنشاطات الإجتماعية والرياضية التي كانت غائبة عنهم قبل فترة ترشيحهم.

وما أن تنتهي فترة الإقتراع والتصويت حتى يبادر أصحاب محلات الحدادة بإزالة تلك البوسترات بين ليلة وضحاها والتي صنعت بأيديهم في فترة قياسية ليستفادوا من مادة الحديد مرة أخرى تيمنا"بقول الله عزوجل (رزقكم في السماءوما توعدون) ويبقى الناخب المسكين في دوامة من أمره ينتظر أصحاب الوعود الذين فازوا بمقاعد نيابية أو محلية وهم ينعمون بماظفروا به ليستجيبوا لمطالبهم البسيطة التي لا تتعدى الخدمات الاساسية للعيش بكرامة وللتخفيف عن كاهلهم لا سيما والنازحين يعيشون في ظروف قاهرة لا يشعر بمعاناتهم الا من عاش نفس المعاناة وهؤلاء نادرا"ما تحظى بهم والأغلبية لا يعيرون لناخبيهم اي إهتمام وكأن في آذانهم وقر وهيهات ولكن لاحياة لمن تنادي وسيبقى المشهد هكذا في كل الديمقراطيات المستوردة من خارج الحدود ليرتقي من خلالها النفعيين على اكتاف الفقراء الذين لا حول ولا قوة لهم وتستمر المعاناة والى متي يبقى البعير على التل؟.

***

حسن شنكالي

لا يخفى على الجميع بأن تعريف الثقافة هي أن يعرف المرء من كل شيء شيء "ما وشيء" ما من كل شيء حتى نطلق عليه كلمة المثقف بالحد الأدنى هذا في مفهومنا القديم من جيل الخمسينات والستينات وما قبلها ليبقى المثقف حينها يحوم في دائرة صغيرة ومساحة محدودة من تواجده في بيئته المحلية نتيجة لصعوبة التواصل ليس كما هو عليه الحال ويكون مؤتمنا"على معلوماته التي اكتسبها وبجهود فردية ولايمكن أن ينالها بين ليلة وضحاها تيمنا"بالبيت الشعري للأمام الشافعي (بـقدر الكد تكتسب المعالي.. ومن طلب العلا سهر الليالي) في وقت يصعب الحصول على المعلومة لندرة الكتب ومحدودية المكتبات آنذاك ، لكن ما يحصل الآن في عصر العولمة والتكنولوجيا الحديثة حسب زعمهم وظهور المخلوق الآلي الجديد (الكومبيوتر) يمكن لأي شخص أن يكون مثقفا"بضغطة زر واحدة من لوحة المفاتيح ولا تحتاج الى كد وتعب بقدر ما تكون خفة يد من خلال نسخ النص ولصقه في أي ملف يحتاجه وبمساحة واسعة من الانتشار وبسرعة فائقة في عالم جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة بعيدا"عن مفهوم الأمانة العلمية والتي تقع تحت يافطة سرقة النصوص العلمية والادبية وتنسيبها لنفسه متباهيا"بين أقرأنه متخفيا"وراء الكيبورد بعد وابل من التعليقات وكلمات المدح والثناء التي تنهال عليه والتي ما أنزل الله بها من سلطان

وتعد جريمة بحد ذاتها من خلال ما يدعيه لنفسه ما ليس له فيه حق والاستحواذ على جهود الآخرين والتسلق على أكتافهم من باب خيانة الأمانة العلمية ونهايتها الفشل الذريع ويعتبر إعتداء"صارخا" مع سبق الإصرار والترصد بلغة أهل القانون ويمكن الكشف عن ثقافة المزيفين ببساطة من خلال التطابق بين النصوص الأصلية والمزيفة والتي تزج بها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بأسماء وهمية .

عليه أنصح الشباب بالابتعاد عن هذه الظاهرة المشينة في عالم الفيس بوك اللامتناهي والعمل على اكتساب المعلومات العلمية والثقافية من خلال الجد والاجتهاد والتفرغ للمطالعة من مناهل العلم والمعرفة والمتيسرة حاليا" من خلال برامج الذكاء الاصطناعي للتزود بخزين"ثقافي متسلحا" بالثقافة وحريصا" على الأمانة العلمية وعدم التجاوز على جهود الآخرين.

***

حسن شنكالي

لم يكن كامل الجادرجي وجعفر ابو التمن ومحمد حديد وحسين جميل ومحمد رضا الشبيبي مجرّد ساسة يحفلون بالمواقف الوطنية، بل كتباً غنية لحقبة من الزمن. كانوا جميعاً يريدون دولة تقوم على العدل الاجتماعي، ونظام سياسي يحفظ كرامة الإنسان، كان ذلك جيل من الوطنيبن آمنوا بأن العمل السياسي خدمة وطنية وليست جهادية. وأن الدفاع عن مصالح الناس لا تتطلب حمايات وقصور ومقاولات وشعارات طائفية.

ونحن نقرأ سيرة هؤلاء الرجال اليوم، نجد من الصعب أن نحدد إذا كان الواحد منهم يتصرف داخل البرلمان باعتباره ينتمي إلى طائفة معينة أم إلى حزب بعينه. يبدو ذلك مستحيلاً، بل من المحظورات أن تجد رجلاً بحجم جعفر ابو التمن يتحدث بالطائفة والعشيرة والمكوّن، لا يمكن أن يحسب السياسي على طائفته، إلا في زمن ساسة بيع المناصب، زمن أصبح فيه كل شيء سهلاً، المال العام أصبح خاصاً، والمنصب لا يُسعى إليه من خلال الاجتهاد والعمل والخبرة، بل الوسيلة إليه هي التزوير والانتهازية والمحسوبية. هل قرأ أحد ساستنا سيرة جعفر ابو التمن الوضاءة؟، الرجل الذي لم يقتصر اجتهاده في السياسة فقط، وإنما كان يوزع طاقاته الوطنية على الأصعدة كافة فكان في مقدمة أوائل الذين طالبوا بإقامة صناعة وطنية فلا تنمية ولا رفاه بدون صناعة محلية، وكان يقول: "الصناعة تساهم بترسيخ نهضتنا الوطنية"، فيما تحول ساسة اليوم إلى تجار ومقاولين، همهم الأول أن يبقى العراق على قائمة الدولة التي ترفع شعار "لا صناعة ولا تجارة".

ما هذه البلاد التي تضع نواب الصدفة مكان ابو التمن والشبيبي والرصافي والجادرجي؟!. ربما سيسخر البعض مني ويقول: يارجل لماذا لا تتوقف عن متابعة يوميّات ”مراهقي السياسة” ألا تشعر بالملل؟ ما الذي تريد أن تصل إليه، سؤال أراه وجيهاً مئة بالمئة، ومطلوب من ”جنابي” أن يكون جوابه أكثر وجاهة، فأنا ياسادتي الأعزّاء، مجرّد مواطن عراقي مغلوب على أمره، لا أجيد غير مهنة الكتابة، أبحث عن دولة قابلة للتطور في وطن قابل للحياة. عدالة اجتماعية وتوازن في الخير والمحبة، لا في الخطابات الطائفية، ما ذنبي إذا كان البعض يرى في ما أكتبه نوعاً من الـ"بطر"؟ .

قبل ايام اخبرتنا إحدى مقدمات البرامج التي تحولت من لقب إعلامية إلى صاحبة الفخامة أن محمد الحلبوسي ليس منصباً، وإنما هو فكر، وهو قول مضحك شكلاً ومضموناً، فالحقيقة المؤكّدة أن العراق أكبر من كل الذين يريدون تقزيمه وإهانة تاريخه، حين يربطون مستقبله بمسؤولين همهم الاول المال والسلطة .

يصحو النائب العراقي من النوم، وقبل أن يفرك عينيه، ويأخذ فاصلاً من التثاؤب نراه يصرخ ” وين حصتي؟.

***

علي حسين

 

تعني النيران الصديقة عسكريا إصابة الوحدات المشتبكة في القتال أفرادها أو مجموعات من القوات الصديقة لها عن طريق الخطأ. ومثل هذا النوع من الحوادث ليس بالجديد نذكر منه ما حدث خلال غزو الحلفاء لصقلية في تموز عام ١٩٤٣ قام رجال المدافع والبحرية الأميركيون بإسقاط ثلاثا وعشرين طائرة كانت تحمل ٢٢٩ رجلا من الفرقة الثانية والثمانين الأميركية التي تنقل جوا وكان قد تم إخبار رجال المدافع الخائفين بأن طائرات النقل التي تحمل الجنود ستطير فوقهم لكن بدا في تلك اللحظة الحرجة أنهم قد نسوا فأطلقوا نيران مدافعهم وكان بعضهم يصرخ هجوم ألماني، أطلقوا النار..

وقد تكررت مثل هذه الحوادث (النيران الصديقة) في الحرب الأخيرة على غزة منذ ٧/ أكتوبر بين صفوف جيش العدو.

فقد قُتل مستوطن بنيران الجيش قرب أسدود بعد عملية مطاردة استمرت نصف ساعة بعدما ظنت القوات اليهودية أنه مسلح فلسطيني. كما قُتل ٨ جنود بنيران صديقة خلتل أسبوع شمالي غزة نتيجة إطلاق النار على بعضهم البعض وانفجار عبوة ناسفة.

ووفق ما ورد في صحيفة هآرتس بتاريخ ٢١/ نوفمبر أن جيش الاحتلال كان قد أكد أنه منذ بداية العمليات البرية في غزة حدثت عدة حالات قُتل خلالها جنود بنيران صديقة.

ويبدو بأن من الأسباب التي أدت إلى تلك الحوادث جو المعركة وحالة التوتر والخوف التي يعيشها جنود العدو والتخبط واهتزاز الثقة والضعف والانهزام النفسي جراء بسالة مقاتلي المقاومة وحرفيتهم العالية في القتال.

ومن أسباب النيران الصديقة أيضا أن جنود العدو يتحركون في مناطق كثيفة ويزداد الخطر في ساعات الظلام بحيث يصعب التمييز بين جنودهم ومقاتلي المقاومة. بالإضافة إلى جهل جنود العدو بطبيعة الأرض التي جاءوها غير مؤمنين أصلا بقضية ما يقاتلون من أجله. وشتان ما بين أن تقاتل عما هو ملكك وتعرفه كما تعرف خطوط كفيك ومن جاء فقط بدافع الحقد والانتقام والتعطش للدم..

وأخيرا فإن انهزامية حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو في غزة تحاول التغطية على فشلها عن طريق ارتكاب المجازر بالمدنيين وحصارهم ورفض دخول أي مساعدات للقطاع ظنا منها أنها تحرز بذلك انتصارات. وهذا التخبط يجعل حتى نيرانهم تقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وفي المقابل يؤثر معنويا ونفسيا على جنود العدو ويجعلهم يشعرون بالإحباط.

***

بديعة النعيمي

قُتِلَ المتوكل سنة (247 هجرية)، (11\12\861) ميلادية، أي قبل (1162) سنة، ودفن في سامراء، وتذكر المدونات أن إبنه المنتصر بالله تآمر عليه مع الأتراك، لأنه كان يريده أن يخلع نفسه من ولاية العهد لتولية أخيه المعتز بالله، لتوسمه في الأول الغباء وفي الثاني الذكاء والموهبة، ويُقال أن حارسه الشخصي قتله بالسيف اليماني الذي إشتراه ليكون معه.

وبعد مقتله فقد الخلفاء العباسيون هيبتهم ودورهم في الدولة، وعاشوا مأزومين مرعوبين تتحكم بهم قوى متعددة وتحسبهم رموزا لتمرير مطامعها، ومنهم مَن قتلوا شر قتلة وأهينوا، وجرت على رؤوسهم الويلات، فكأنهم الدمى التي تحركها القِوى التي جاءت بهم، ولهذا لم يبرز خليفة قوي بعد المتوكل، وكأن مقتله كان النهاية الحقيقية للدولة العباسية!!

ولو توفرت قوة كبيرة في حينها لتم القضاء على الخلافة العباسية قبل هولاكو بقرون، لكن الظروف كانت مواتية لإستمرارها في السيطرة على الدنيا، ولهذا كانت واهية عندما داهمها التتار.

المتوكل كان الخليفة العاشر، وبعده جاء ستة وعشرون خليفة، تميزوا بالضعف وفقدان الهيبة وعدم القدرة على إتخاذ القرار، حتى سقوط بغداد (659 هجرية).

فلأكثر من (400) سنة لم يبرز خليفة يضاهي المتوكل، ومَن سبقه من الخلفاء بالهيبة والقوة والقدرة على الإنجاز.

إذ أصبح قتل الخلفاء والتمثيل بهم وتعذيبهم أمرا عاديا ومتكررا، فكانوا كالقرابين التي يتم ذبحها والإتيان بقربان غيرها يبقى في السلطة إلى حين جزره.

وهؤلاء الخلفاء الذين تم قتلهم بعد المتوكل:

"المنتصر بالله، المستعين بالله، المعتز بالله، المهتدي بالله، المعتمد على الله، المقتدر بالله، القاهر بالله (سمّل)، المتقي لله (سجن 25 سنة حتى مات)، المسترشد بالله، الراشد بالله، المستعصم بالله"

وإذا أضفنا لهم الأمين والهادي، فأن أكثر من ثلث الخلفاء العباسين قد تم قتلهم وسمل عيونهم وتعذيبهم وسجنهم وإهانتهم.

فخلفاء بني العباس (36)، وأطول مَن حكم من العباسيين القادر بالله (381-422) هجرية، وإبنه القائم بأمر الله (422-467) هجرية.

فالدولة العباسية بلغت أوجها في مرحلة الخلفاء العشرة الأوائل، الذين إنطلقت بهم رغم ما رافق مسيرتهم من تحديات، وإنحدرت ببطئ شديد إلى نهايتها بعد مقتل المتوكل.

فالفترة الحقيقية لسطوع الدولة العباسية هي (132-247)هجرية، والفترة (247-659) هجرية كانت أطول فترة هبوط في تأريخ الإمبراطوريات والدول.

***

د. صادق السامرائي

 

يمكن أن تقول ما تشاء عن "اليسار" السوري فجسد اليسار السوري لبيس كما يقال وفي تاريخه وحاضره ما يكفي من مصائب يكفي لتجعل منه بالفعل هدفًا للنقد والنقد اللاذع أيضًا، فاليسار عرف عبادة الفرد وغياب حتى المركزية الديمقراطية التي يفترض أن تحكم الحياة الداخلية للأحزاب الشيوعية وأخواتها وعرف الدوغماتية ومارسها بحماسة وخضع لتوجيهات الرفيق الأكبر على الضد من مصالح الطبقات السورية الكادحة وأحيانًا حتى على الضد من مصالحه هو المباشرة وكان موقف الكثير من "اليساريين" السوريين من الثورة السورية مخيبًا، ذيليا مائعًا بلا أية نكهة يسارية وما مارسه الحزب أو الأحزاب الشيوعية الرسمية تجاه النظام مارسه خصومهم تجاه المعارضة الرسمية وخاصة الإسلاميين وغابت شعارات اليسار عن العدالة والحرية واستبدلت تارةً بشعارات الدفاع عن الوطن (النظام) أو بالديمقراطية تحديدًا كأكثرية طائفية وقومية رغم الإصرار في نفس الوقت على الأقليات القومية والدينية العربية والإسلامية في بلاد اللجوء في فصام غير محير بالمرة.. لكن حتى أسوأ مواقف الشيوعيين الرسميين الخانعة والوجلة لم تكن هي المسؤولة عن هزيمة الثورة بينما تكمن أسباب الخراب والهزيمة في مكان آخر تمامًا: عند الإسلاميين السوريين الذين تصدروا المشهد الرسمي والعسكري والذين ساقوا غالبية جماهير الثورة وراءهم من هزيمة لأخرى مكتفين بتوزيع الاتهامات على الباقين.. إن انتقاد اليساريين والشيوعيين السوريين اليوم هو فقط لأن حطيهم واطي ولأنه لا توجد دولة اقليمية أو عالمية تدعمهم خلافًا للإسلاميين الذين يخطب ودهم الكثيرون ليس لأنهم على حق بالضرورة.. أعتقد بناءً على سيرة قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين الانتهازية أنهم كانوا سيقفزون من سفينة النظام الغارقة لو أن الثورة السورية اقتربت بالفعل من إسقاط النظام وإذا تأخروا في فعل ذلك فكانوا سيدفعون وحدهم ثمن تلك "الهفوة".. أعتقد أن المشكلة الأكثر تأثيرًا كانت في انضمام شخصيات كرياض حجاب وموظفين كبار آخرين في النظام إلى جانب أعداد كبيرة من ضباط الجيش والأمن العرب السنة تحديدًا "المهمشين من سطوة الضباط العلويين في الجيش والمخابرات والدولة"، لا شك أن هذا كانت حركة ذكية منهم (في وقتها) لكن من الممكن مناقشة كم كانت حركتهم الذكية تلك تخدم السوريين المحكومين الذين يفترض أن الثورة جاءت لتحريرهم.. وربما كان استمرار قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين إلى جانب النظام كان متسقًا أكثر مع مسيرتهم ومواقفهم السابقة وأكثر فائدة للثورة من جهةٍ ثانية.. انتقاد اليسار السوري على كل علاته هو هروب من أي نقاش جدي للواقع السوري وخاصة من الأسئلة الأكثر صعوبة التي لا يريد أحد وربما لا يمكنه حتى التفكير بها

***

مازن كم الماز

 

لم يكن النهار من قبل اعمى.. كانت له عيون ترى.. وقلوب تشهد ان لا اله الا الله وحده.. أنجز وعده.. ونصر عبده.. وهزم الاحزاب وحده.. لكنه فقد البصيرة حين ولى وجهه حائط المبكى.. حشر أدعيته في شقوقه تقربا الى رب لا يبرح الجدار..

اي عار ايها المليار المكبر في انحاء الكون.. !!!؟

 كيف كسر الطغيان عمود الكرامة.. هد خيمة الكبرياء زعزع اليقين.. وبنى هيكلا للشك في الأفئدة الضعيفة.. حتى صار الاستسلام باغية تتسول عند عتبات الذل رأفة الجلاد.. الصمت يقدم قرابين الدم والعرض والارض تمسحا.. ولا يحظى بكرامات آمون وكهنته الأوفياء.. مهما اقام من مهرجانات الردح و التملق.. خطابات الطاعة والتواطؤ.. مهما قدم الشمس قربانا لتموت الشعوب صدأ.. مهما قطع اطرافه.. قدَّ جوانبه.. وعرى سوأته.. يظل بنظر المتغطرسين المطلين على العالم من ابراج عالية.. طمعا في استعباد البشرية.. -مجرد مومس خرفة -لا يرغب رب الأقمار الدوارة.. والطائرات النفاثة.. في مضاجعتها.. بل يقرر حرق أرض الدمى الممسك بخيوطها.. ليهنأ باله ويستمر طغيانه..

لم يكن الليل بهذي العتمة قبل أن يصيب سهم الباطل الحق في الخاصرة.. قبل ان تقام المهرجانات على انقاض التاريخ الأبي.. ويرقص الطغيان على اشلاء البراءة.. تصوب البنادق نحو الملائكة.. وعيون المكر غير بعيد تستمتع بالفاجعة.. بإبادة شعب احترف الغضب لاحقاق حق --من بين خلايا الضمائر الميتة ينسرب.. لكنه شعب لا يخضع مهما بالنار حاصروه.. فقد علمته رعونة السفاح ان فضاءه روافد حجارة.. حصون صبر وصمود.. وتحد أبدا لا يلين في قلوب المرابطين القابضين على الجمر.. ينتصرون او يستشهدون.. والمليار المنتشر عبر حدود الكون ينتقي عبارات التنديد والتنضيد.. يرصفها من البعيد البعيد.. وهو يتفرج على ابناء جلدته وهم يذبحون من الوريد الى الوريد.. حتى انه نسي ان اكرام الميت دفنه.. ولم يبعد الارواح الشريرة عنه.. بل ادى صلاة القاديشيا.. ردد تراتيل الشيفعا.. حفاظا على كراسي تآكلت جوانبها.. نخر السوس اعمدتها.. لا يدرك ان الشعوب تغير الكراسي المهترئة.. لكن الكراسي ليس.. ولم يكن يوما بمقدورها تغيير شعوب شاملة كالفصول.. عميقة كأبهة البحر.. تعرف كيف تضرم الوقت.. تحرق التسويف.. في أعلى اراجيح السماوات تغني.. أشجار السرو عليها في نسيم القبلة تصلي.. عبير الزعتر البري يسلم.. وفي الواقفين المرددين التكبير والتهليل تحل ارواح الراحلين.. منها ينهلون سحر التأويل.. ويرددون : هنا سوف نبقى.. على هذه الارض ولدنا وعليها نموت.. لن نتزحزح قيد ذراع.. ولن نتسامح قيد ذراع.. سنصبر حتى يجن الطغاة.. ونبرأ من المذبحة.

لم يكن الحلم كابوسا بل كان غالبا محمودا.. يفتح في الافق مسارا للطامحين العيش في حب وسلام.. كان ذلك قبل تسليم الشر مشيمة الفصول يديرها كيف يشاء.. ليمنع الهواء والماء والغذاء على العزل الأوفياء للارض والتراب.. الذين اقسموا الا ان ينصفوا التاريخ.. ويحرروا الجغرافية من مكائد الاسفار المتناقضة.. والهياكل الوهمية.. ترسيخا للوحي الصادق: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة.

ماكان الياسمين الأبيض يوما ينحني.. تاريخه يشهد أن من ينحني يسهل تغييره.. تشكيله.. تلوينه..

ومن يبقى شامخاً يعانقه البياض والانفة دوماً.. -الى يوم تبيض وجوه.. وتسود وجوه -

بلا جذور.. بلا جدوع لا تثبت الاشجار.. بلا اغصان بلا تلاقح لا تثمر.. والزيتون شاهد دائم الخضرة صيفا وشتاء.. ويستمر اخضراره مئات السنين. لا يخشى الرياح ولا النار ولا الأمطار.. هو اكثر الصامدين في وجه الاعتداء.. المختصر لملحمة المقاومة والصمود.. لا يشبهه غير شهيد.. يسلم المفتاح لشهيد.. وشهيد يسلمه لمقاوم لا يغادر ولو مادت الارض واغارت عليه المياه..

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

ذكرني تصريح المتحدث باسم بنيامين نتنياهو قبل أيام حيث "اتهم جنود المقاومة باغتصاب جنودهم في السابع من أكتوبر" بقصة الشرطي اليهودي المجري مردخاي شوارتز والشرطي الفلسطيني مصطفى خوري أثناء أداءهم العمل المشترك في شرطة الانتداب البريطاني في العام ١٩٣٧ عندما أطلق الأول النار على الثاني ما أدى إلى موته ،حينها اعترضت القيادات الصهيونية على حكم الإعدام الذي صدر بحق مردخاي شوارتز مدعيه أن عملية القتل جرت بدافع الانتقام من قتل العرب لليهود. ثم ادعى شوارتز بأن الجريمة تمت بسبب حالة من الجنون أصابته بعد تعرضه لاغتصاب من قبل الشرطي الفلسطيني. وقد تم استغلال هذه الحادثة لتصوير الممارسات الجنسية الشاذة من قبل العرب بأنها تشكل خطراً على شباب وأمن اليهود. وقد دعمت الكتابات الاستشراقية التي تناولت موضوع العلاقة المثلية بين الرجال العرب والمسلمين هذه الصورة. بعد أن ركزت على العصر العباسي حيث نعتته بعصر الانحطاط من خلال الشعر الذي يتغنى من خلاله الشعراء بالغلمان ،ومنه انطلق الهجوم من قبل الغرب على العالم الإسلامي في مرحلة ما قبل الحداثة بسبب ممارساته الجنسية المزعومة وخاصة أن البيانات الخاصة بالعرب التي يحتاجها أي غزو إمبريالي أو نشطاء حقوق الإنسان تنهل من ذات المنبع الاستشراقي. وقد استخدمت وتستخدم إلى الآن لإدانتها واعتبار أنها ممارسات جنسية غير متحضرة .

وقد نست أو تناست دولة الاحتلال الآن بأن رئيس أول جماعة عالمية للشواذ جنسيا هو ماجنوس هيرشفيلد( ١٨٦٨_١٩٣٥) ومساعده كورت هيلر(١٨٨٥_١٩٧٢) وكلاهما كان يهوديا ألمانيا وكان الأخير أول من طالب باعتبار الشواذ جنسيا أقلية لا بد من حماية حقوقها.

 وفي أواخر ستينات القرن العشرين أخذت أجندة الحقوق الجنسية تظهر في الولايات المتحدة وبدأت عولمة تلك الأجندة في الثمانينات والتسعينيات فأصبح الحديث عن الممارسات الجنسية في العالم وبما فيه العالم العربي يطرح على أجندة حقوق الإنسان العالمية.

والآن دولة الاحتلال أصبحت الدولة الأولى التي تدعم الشواذ جنسيا بعد أن قامت عام ١٩٨٨ بإلغاء قانون تجريم "المثلية" وساوت بينهم وبين غيرهم من عدة نواح مثل الوظائف وغيرها وخصصت لهم نواد للمتعة وترحب بالجميع بغض النظر عن هوياتهم. وفي عام ١٩٩١ عقد في تل الربيع المؤتمر الدولي الثالث للشواذ جنسيا. كما وأصبحت مدينة تل الربيع المدينة المفضلة لقضاء عطلهم ورفعوا أعلامهم الخاصة التي تحمل ألوان قوس قزح على المباني التي يقطنونها.

بل ونجدهم قد أصبحوا أعضاء في الكنيست فها هو عوزي ايفين يصل في العام ٢٠٠٢ إلى الكنيست. بالإضافة إلى وصول أعضاء من حزب الليكود في فترة رئاسة بنيامين نتنياهو واليوم يتهم جنود المقاومة بأنهم اغتصبوا جنوده وها هم ثلة الشواذ تحكم وتتحكم بمصير الشرق الأوسط ،فتقتل وترتكب المجازر باسم القضاء على الإرهاب ،فاي إرهاب وهي الدويلة الشاذة التي تقصف بدوافع سادية وأيديولوجية ممنهجة ثم تدعي الديمقراطية والتحضر والبراءة.

وأختتم بيائيل ديان ابنة المجرم موشيه ديان التي تزعم بأن العلاقة بين الملك داوود ويوناثان هي علاقة شاذة، لتجد بذلك مخرجا في أساطيرهم لتلك الممارسات الشاذة.

***

بديعة النعيمي

 

هكذا ودع الرئيس التركي طيب رجب أردوجان خصمه السياسي الشرس، كمال كليجدار أوغلو بُعَيْدَ إعلان فوزه في الإنتخابات الرئيسية الأخيرة، نعم و من فوق منصة الإحتفال في جو من المرح، وقد حملت هذه التحية في حينها قدرا هائلا من خفة الظل، الأمر الذي جعل الجماهير الغفيرة المحتفلة بفوز مرشحها، تقابل هذه التحية الظريفة بالهتافات والتصفيقات، والقهقهات العالية المنبعثة من عميق القلوب وسويداء الأفئدة.

ومن يومها طاب لي استعمال هذه التحية ذاتها، في مواجهة كل من فقدت الأمل في صدقه ومصدقيته وقررت القطع معه نهائيا، لأتخذه عدوا أتقيه ويتقيني.

وما أظنني اليوم واجدا تحية أبلغ منها، أقذف بها في وجه هذا الغرب الكالح المحيا، الذي كثيرا ما لهج أقوام بديمقراطيته، التي كان الكثيرون في مشارق الأرض ومغاربها يهفون إليها، ليتفيأوا ظلالها الوارفة وكلهم أمل في أن يمارسوا حريتهم في التفكير والتعبير، دونما حسيب أو رقيب ينتقدون ماشاءوا متى شاءوا وكيف ما شاءوا، بدء بمن يٌقَرْفِصٌ فوق هرم السلطة ،وانتهاء بمن يجثم على سفحها، ثم يرجعون إلى بيوتهم آمنين على أنفسهم، ومطمئنين على أهاليهم وممتلكاتهم فينام الواحد منهم قرير العين هانيها.

أما الذين لم يلتحقوا بهم من بني وطنهم، من الذين كانوا على هواهم ويبثون على نفس موجتهم، فإنهم لم يكونوا بأقل منهم تسبيحا وتحميدا، وهم يشاهدون نظراءهم كيف يتقلبون في تلك الوفرة الوافرة من "الحقوق والحريات" بغض النظر عن أديانهم وألوانهم وخلفياتهم الثقافية....إلخ.

النَّاسٌ فيها سَوا لافَرْقَ بَيْنَهٌمٌ

قَيْسُ كَلَيْلَى وَعٌرْبٌ سَاوَتِ الْعَجَمَا

لكن في مقابل هذه الجوقة كانت أصوات تنطلق من هنا ومن هناك، لتنبه على خطورة هذا الوهم الساذج السخيف، مذكرة بجرائم الغرب، سواءٌ في ذلك جرائمه في التاريخ البعيد ،أو جرائمه في التاريخ القريب من خلال الإمبريالية والإستعمار المباشر، وما فعله بالحقوق والحريات وكيف أذل الإنسانية ونكل بالإنسان، وكيف سرق ونهب، واستغل خيرات من وقعوا بين براثن احتلاله أوانتدابه أوحمايته.

وما أكثر ما ذكَّرَتْ به، من جرائم زعيمة ما يسمى بالعالم الحر، الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، في كوريا وفييتنام بَلْهَ جرائم الإبادات القديمة في حق السكان الأصليين مما يشيب لهوله الولدان.

إلا أن هذه الأصوات في غالب الأحوال ما كانت تترك هملا وسدى، كذلك الذي حدث مع شخصية "أبو محمود" في مسلسل باب الحارة حيث بُحَّ صوت الرجل وهو يحذر أهل حارته، حارة الضبع من جاسوس فرنسا، الملازم نمر الذي انتحل شخصية مأمون كامل الضبع.

ثم مالبثت تلك الصورة الوردية أن بدأت في الإهتزاز لدى أولئك المغرر بهم -دون آخرين- مع حرب الخليج الثانية، لتزداد ترنحا مع غزو أفغانستان ثم مع العراق خاصة، عندما دعست الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة ضاربة بميثاقها عرض الحائط ،غير آبهة بمبدأي تحريم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في إطار العلاقات الدولية، وتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفقا للفقرتين الرابعة والسابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة، متذرعة بمبدأي التدخل الإنساني و حق تقرير المصير -اللذين لا نسمع عنهما شيئا الآن!-  مستغلة القمع الذي كان يعصف بالأكراد والشيعة من قبل نظام صدام، فكان ماكان مما يعرفه القاصي والداني من أهل ذاك الزمان.

وفي خضم كل هذا ظلت القضية الفلسطينية تفضح هؤلاء وتكشف أولئك بين الحين والآخر، إلى أن وصلنا إلى (معركة طوفان الأقصى) وهي حلقة من حلقات النضال الفلسطيني الطويل الممتد عبر عقود من الزمن، فكانت الفضيحة الفاضحة، ولعل هذه الأخيرة تذكرك عزيزي القارئ كما تذكرني بقصيدة جرير في هجائه لِبَني نُمَيْرٍ، والتي سَمَّتها العرب بالفاضحة وسماها جرير بالدَّمَّاغة والتي يقول فيها مخاطبا غريمه الشاعر الراعي:

فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ

فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كِلابا

ثم قال: "قد والله أخزيتُهم بها آخرَ الدهر"

كذلك فضحت غزة وتفضح هذا الغرب- نقصد الغرب الرسمي وليس الشعبي فلنتنبه جيدا- القبيح الوجه وستخزيه إلى آخر الدهر.

وكأني بلسان حالها يُقَرِّعُ سمع هذا الغرب وعلى رأسه كبيرهم جوزيف بايدن قائلا:

فَغُضَّ الطَّرْفَ ياجوزي أَمِرْكا

فلا شيبا حَمَيْتَ ولاشبابا

*

ولاقانونَ سِلـْمٍ قَـدْ اِحْتـرمـتــم

ولاقانونَ حَرْبٍ قَـدْ أهابا

*

نَقَضْتُمْ وَقْفَ حَرْبٍ قَدْ أبادَتْ

ضِعافا دورُهُمْ باتَتْ يَبابا

وما زالت عجائب هذا الغرب تتوالى وتترى، إذ بالأمس صدر تصريح عن الخارجية الأمريكية ينفي وجود أية أدلة على أن قوات الإحتلال تتعمد قصف المدنيين والصحفيين، مع أن الجرائم والمجازر تُنقل بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة، وفي نفس الوقت عاد المسؤولون الأمريكيون ومَواليهم الصهاينة من جديد يعزفون أكذوبتهم السمجة بخصوص الإغتصاب، والإستغلال الجنسي الذي "تعرض ويتعرض له الأسرى الإسرائيليون"، وعبثا تسألهم عن دليلهم فيما يدعون.

وهنا أتذكر ذلك القس الأمريكي الشهير "جيمس سواجات" عندما سأله أحد الحاضرين في مناظرة كانت قد جمعته بالراحل أحمد ديدات في القرن الماضي، سأله عن دليل مادي على أن الإنجيل الذي بين يديه هو فعلا كلمة الله، فأجابه بكل ثقة قائلا:" أنا الدليل على أنه حق لأنه خَلَّصَ روحي"فدوت القاعة بتصفيقات حارة، وعلت هتافات مريديه راضية بإيمانها مطمئنة عليه،كما يذكرني هذا المنهج في السلوك و التفكير،  بذلك القانون الغريب الذي عٌرف بقانون الأدلة السرية، إبان الحملة الأمريكة على الإرهاب عقب هجمات الحادي عشر من شتنبر.

ومنذ أيام طلع علينا بلينكن في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره البريطاني دايفيد كاميرون، ليؤكد على أنهما متفقان على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأنها هي الرازحة تحت الإحتلال وليس الشعب الفلسطيني، وبالتالي فمن حقها وفقا لميثاق الأمم المتحدة مقاومة من يحتلها،طبعا إن بلينكين ليدرك جيدا ما يقول، ولكنه يمارس عملية غسيل المخ لمواطنيه بجعله العدوان دفاعا والدفاع عدوانا، وقد أشار إلى شيء من هذا العالم الأمريكي الشهير "نعوم تشومسكي" في كتابه: (ما الذي يريده حقا العم سام).

عجبي لا ينقضي إذ يَدَّعي ....عَمُّهُمْ سامي، خِلافَ ما بَدا

فَتَراهُ يَسِمُ الْعُدْوانَ دَفْـــــــــــــعًا وَرَدا، والقـتيــلَ إِذْ غَـــدا

في جَـراءَةٍ يَـرومُ سُـؤْدَدا....مُجْرِمًا، مِـنْ كُـلِّ حَـقٍّ جُـرِّدا

ومن ثم فليس من الغرابة في شيء، أن تنقض أمريكا في مجلس الأمن مشروع قرار وقف إطلاق النار من أجل المزيد من الفتك بالإنسان، وتدمير العمران، وها نحن أولاء نشاهد هذا الغرب بوجهه الكالح القبيح، نشاهده وقد سقطت عنه ورقة التوت والتين، فأصبح عريانا لاستره الله، وربما نكون بإزاء ما قرره الفيلسوف البريطاني برتراند رسل فيما مضى، في مقولته الشهيرة: (لقد انتهى العصر الذي يسود فيه الرجل الأبيض، وبقاء تلك السيادة إلى الأبد ليس من قانون الطبيعة) فإذا كان الأمر كذلك فلا يسعنا في ختام هذه النُّفاثَة إلا أن نقول "باي باي كمال"

***

محمد العربي حمودان

يسعى الجيل الجديد من شركات التعدين إلى إرسال آلات حفرٍ هائلة الحجم لتجريف قاع المحيط بحثاً عن المعادن القيمة، لتقضي في الوقت نفسه على  الأحياء التي تعيش هناك! ويقوم رئيس الوزراء النرويجي اليوم بحثّ أعضاء البرلمان على إقرار هذه الخطوة الجنونية، ولكنّ الأمل موجود، حيث سيجري التصويت خلال ٤ أسابيع على التصديق على هذا القانون، والعالم بحاجةٍ إلى حملةٍ عالمية واسعة لترجيح الكفة لصالح إنقاذ المحيطات، والدعوة عامة لأحرار العالم لوقف مثل هذه التعديات على مؤثرات السلبية على المناخ لذلك يجب أن تتخذ حكومات العالم موقف مؤثر في هذا الصدد لوقف مثل هذه التعديات من خلال مناشدة البرلمان النرويجي مباشرةً وبدون أي تأخير، اليوم قبل الغد.

فما بقي من غاباتنا يموت شيئاً فشيئاً، وأنهارنا تحوّلت إلى مجارٍ مائية مسمومة، أما الجبال الباسقة فلم تسلم من عمليات الهدم والتجريف.

هذا ما فعله التعدين بكوكبنا الجميل، ويمكنكم أن تتخيلوا الفظائع التي ستحدث إذا أُطلقت هذه العملية في أعماق المحيطات،  ولسوف تكون بذرة البدء في القضاء على ما تبقي من المؤثرات الإيجابية في هذا الكوكب المريض!

لقد قامت اللجنة الرئيسية في البرلمان النرويجي بخطواتٍ كبيرة اتجاه إقرار هذا القانون وأمامنا العالم المهتم بالتغيرات المناخية بضعة أسابيع فقط لنقنع البرلمان بعدم إقرار هذا القانون الذي يعمل سلباً على المناخ العالمي وتحت أيّ ظرف من الظروف يجب وقف مثل هذه التعديات.

واليوم تعارض الدول الساحلية مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا عمليات التعدين الخطير وغير المدروس في أعماق البحار، ولكن تغيير موقفها لا يتطلب سوى أن تبدأ النرويج تلك العملية، ورئيس الوزراء النرويجي يوناس غور ستوره يتحدى اليوم الضغط العالمي المتنامي ويدعو أعضاء البرلمان للمصادقة على مشروع التعدين في أعماق البحار.

ولكن ما يبشر بالخير هو أن العالم يراقب ما يجري، وقد تناقلت وكالات الأنباء الأخبار في النرويج بأن رئيس الوزراء يتعرض للانتقادات على المستوى العالمي وأنّ المشرّعين يتعرضون لضغطٍ هائل ولكن ما ذال العمل على تمرير هذا القانون على طاولة البرلمان النرويجي للقرار والعمل به.

لذلك لا يفصلنا عن التصويت النهائي سوى ٤ أسابيع، ويمكن للعالم عبر الضغط الشعبي العالمي وضغط الحكومات أنترجح كفة الميزان لصالح إنقاذ المحيطات، وخصوصاً أن النرويج لا تتعرّض غالباً للحملات الشعبية العالمية لذا ندعوا العالم اليوم وخاصة الحكومات المؤثرة لاتخاذ موقف ايجابي اتجاه البرلمان والحكومة النرويجية في هذا الصدد.

لذا يرى الخبراء أن التعدين في أعماق البحار سيقضي بالكامل على جميع الكائنات الحية في مواقع التعدين، وسيؤدي إلى اختفاء النظام البيئي للأنظمة الأحيائية وهو ما سيفضي بالنهاية إلى عواقب لا يمكن للعالم اليوم  تقديرها.

لذلك، يجب أن تعم لتلك الدول ذات السيادة والمؤثرة في القرار العالمي لإيقاف خطة النرويج المدمرة قبل أن تنضمّ إليها باقي البلدان التي تفكّر جدياً بإطلاق حملة تدمير قاع المحيطات، على غرار ما فعله العالم من قبل بجبالنا وأنهارنا وغاباتنا.

تخيلوا لو أننا امتلكنا فرصة منع استخدام الوقود الأحفوري قبل أن نقوم بحرق كوكبنا وتشويهه واستنزافه وتلويثه وإيصاله إلى حافة الانهيار، وهذا بالضبط ما نحن كمسؤولين على الحفاظ على الكوكب على وشك القيام به في المحيطات ايضاً.

تدعو العديد من البلدان المؤثرة، وحتّى الشركات الخاصة، إلى فرض حظرٍ أو وقفٍ مؤقّت على أقلّ تقدير على أنشطة التعدين البحرية هذه بهدف كسب الوقت لوضع التشريعات المناسبة بدلا من المضي قدماً في خطوات غير مسؤولة قد تكلف الكوكب ما لا يتحمله والذي يغير من طبيعة المناخ عليه تأثيرات حادة ومميته للكائنات الأخرة وأولها الأنسان الذي يمد يده بالتخريب ظناً منه أنه على صواب في استخدام ما يملكه على الأرض الذي يعيش فيها متناسيا أن ذلك الكوكب هو مكان مشترك لجميع الأحياء عليه ولا يحق لحكومة ما اتخاذ قرارات سلبية منفردة في الأضرار بمقدرات الأحياء لهذا الكوكب المريض.

سيقوم أعضاء البرلمان النرويجي بالتصويت على قانون التعدين في أعماق البحار خلال ٤ أسابيع، ويمكن للعالم أن يحشد الجهود مع البلدان الملتزمة بحماية المحيطات في وجه السياسيين مثل رئيس الوزراء النرويجي ستوره، لذا ندعو العالم لتشكّل جبهةً من المدافعين الحقيقيين عن المحيطات وعن المناخ للوقوف في وجه هذه التعديات السلبية .

لطالما وقف أحرار العالم وعلمائها دفاعاً عن المحيطات وعن المناخ والأنواع الحية التي تعيش فيها، حيث ساهم العالم في إنشاء واحدةٍ من أكبر المحميات البحرية في التاريخ، كما تم حشد الملايين واقتنعت أوروبا بإغلاق مرافئها في وجه صيادي الحيتان عندما أصبح الحوت الأزرق على وشك الانقراض، ويمكن للعالم اليوم أن يوحّد جهوده من خلال المهتمين بحماية المحيطات ومخلوقاتها الرائعة من خطرٍ وشيكٍ آخر هو الدمار طويل الأمد الذي لا يمكن إصلاحه في المواطن الطبيعية البحرية.

بأملٍ لا ينتهي وعزيمةٍ لا تلين ادعو احرار العالم وعلماء البيئة والعاشقين للطبيعة والحكومات والشعوب للحفاظ على ما تبقي من كوكبنا آمل إلا تخور تلك الروح سدي دون تحقيق الغاية المثلي في الحفاظ على البيئة وإلا تزداد التغيرات السلبية للمناخ أذا ما استطاع العالم ردع تلك الأعمال السلبية فقد بات الكوكب إلي حاجة ماسة للحفاظ على ما تبقي منه وليس ذلك فحسب بل يجب على العالم السير قدماً في أصلاح ما أفسدته أيديهم على مر الحقب والعقود الماضية والتي كانت تعمل فيها الحكومات بلا وعي أو تفكير في حياة الكوكب برمته.

***

بقلم / احمد عزيز الدين احمد

كاتب وروائي وشاعر

 

قبل تحرير العراق من براثن الدكتاتورية التي كانت جاثمة على صدور العراقيين لثلاث عقود من الزمن والتي أحجمت دور الكفاءات من التكنوقراط ذات الإختصاص الدقيق من تطوير قابياتهم لقيادة المجتمع وإنحسار القيادة في مجموعة من الذين تمرنوا على توزيع الظلم على الشعب دون إستثناء بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، ومنعهم من مواكبة التقدم الهائل في عصر التقنيات والتكنولوجيا الحديثة مما إضطر العديد منهم للهجرة وترك الوطن الأم نتيجة للضغوطات التي كانت تمارس ضدهم لمجرد عدم إنتمائهم للعمل السياسي الموجه من قبل حزب معين، للعمل في دول أجنبية ترعى أصحاب العقول وتوظف قدراتهم العلمية لخدمة مجتمعاتهم التي وجدت لخدمة الإنسانية بشكل عام مع وضع الدولة كافة إمكانياتها تحت تصرفهم لفسح المجال لهم للإبداع في إختصاصاتهم .

ومن المسلم به أن القيادة هي فن التأثير على الآخرين وتوجيههم للعمل نحو تحقيق الأهداف المرسومة من قبل القيادة وفق آلية إستراتيجية تضع خدمة المواطن نصب عينيها وبكل أمانة وإخلاص ونزاهة بعيدة عن الصفات اللامسؤولة التي تجعل من القائد صغيراً بأعين من هم بمعيته وتفقد الثقة بينهم، لكن بدأت في الآونة الأخيرة وتحت غطاء ومسميات مقبولة من الديمقراطية وبإسلوب الإنتخابات غير النزيهة المدعومة من جهات لها مصالحها في إختيار شخصيات هزيلة لا تنسجم ومعطيات المرحلة الراهنة في الوقت الذي يعاني فيه العراق من دمار للبنى التحتية وتفشي الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة وفقدان الأمن والعمل وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية ووضع المصلحة الشخصية فوق المصلحة العامة، ومن هنا يمكن القول حقيقة بأن العراق يعاني من أزمة بروز القادة والشخصيات القوية الذين يتمكنون من إنتشال البلد من الوضع المزري الذي يمر به نتيجة للصراعات بين أطراف العملية السياسية والعمل على خرق بنود الشراكة الحقيقية وفقدان التوازن والتوافق على القرار السياسي والتعمد في تهميش وإقصاء البعض مما زاد في الطين بلة .

في العراق والتي تعتبر الدولة الوحيدة التي تختار قادتها بالأموال والرشاوى دون النظر الى سمات القيادة التي يجب أن تتوفر في الشخص المختار وعليه فالفشل يكون حليفهم جيلاً بعد جيل والمجتمع يعاني من أبسط الخدمات الضرورية للعيش برفاه وأمان، وتتحمل القوى السياسية كافة مسؤولية ما وصل اليه البلد من فشل الى فشل على مدى سنوات من الخلاص من النظام البائد .

أما آن لهذا الوطن أن ينعم بقائد وطني في الوقت الذي طال إنتظاره بالرغم من أن البلد يزخر بالكفاءات الوطنية ممن يتصفون بصفات القيادة وبما يؤهله لقيادة العراق الى بر الأمان ليوصل الليل بالنهار لخدمة شعبه ويطوي حقبة من الظلم والتهميش والمعاناة التي جعلت من العراق لقمة سائغة لكل من هب ودب للتحكم بمقدراته غير مراعياً لمعاناتهم وهمومهم اليومية التي أصبحت حديث الشارع العراقي، فالى متى يبقى البعير على التل؟

***

حسن شنكالي

 

تماما مثلما فعل زعيم النازية أدولف هتلر باليهود خلال الحرب العالمية الثانية يريد الصهاينة اليوم استرجاع كرامتهم التي لم يجد لها هتلر حينها أي وجود ولم يعثر لها على أثر وعلم وقتها أنهم حيوانات ليس لهم إلا المحرقة، كذلك يفعلون بأهالي غزة وبالفلسطينيين ويتمنون أن يفعلونه بالعرب أجمعين فجعلوا غزة محرقة اسرائيل الكبرى، وجردوا الشباب من ثيابهم في الشارع واقتادوهم في عربات مكشوفة الى جهة مجهولة !!

حقيقة لقد فعلت النازية الألمانية باليهود ما يندى له جبين الأحرار، ولكن أن يستأسد بني صهيون على الشعوب المسالمة بعد أن عاشوا قرونا آمنين وسطهم فهذه مصيبة، وأن يستعينوا بالعدو الغربي من الضالين والمغضوب عليهم من أهل الكتاب فهذه مصيبتين، حرق المدن وتهديم المساكن فوق رؤوس المواطنين ليلا، والتفتيش العاري للنساء داخل الزنزانات الانفرادية ! وتجريد مئات الشباب الفلسطيني من ثيابهم في الشارع في شهر ديسمبر البارد من عام 2023 وقتل الأطفال والنساء وتهديم المستشفيات والعيادات فوق رؤوس المرضى بعد قطع الكهرباء والأدوية عنهم ثم نزع أعضاء الشهداء وضحايا التعذيب الوحشي بالسجون وسلخ جلودهم،كلها من ممارسات الصهيونية الوحشية اللعينة المأخوذة من مخلفات النازية القميئة، لم يقمع جبروت النازية الألمانية وحليفتها الفاشية الإيطالية وباقي دول المحور مثل اليابان إلا التحالف البريطاني الفرنسي والتدخل العسكري الأمريكي، ويخطئ من يظن أن دول الحلف الأوروبي كانت تهدف استرجاع السلام والأمن الدوليين، لأن كلا من بريطانيا وفرنسا كانتا دولتين استعماريتين تستعبدان الشعوب وتحتلان أكثر من ثلثي دول الكرة الأرضية، ولم يحيد الكيان الصهيوني عن الخط عندما شارك بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر خلال حرب السويس عام 1956 واعتمد على الدعم الأمريكي المباشر في حرب 1967على مصر أيضا، كما لم يسبق أن تجرأ على الانفراد بقراره بعيدا عن الإدارة الأمريكية صاحبة الأمر والنهي في شؤونه، بمعنى أوضح أن ما يجري في فلسطين هو بعلم أمريكا، وقدّر الكيان الصهيوني في غض بصرها وإصابتها بالطرش أنها فرصة للتمادي أكثر.

ما أسعد ألمانيا وهي ترى الكيان الصهيوني يمارس نفس أساليب النازية القديمة في حق أجداد وآباء هؤلاءالصهاينة والتي بسببها اتهمها العالم بالإجرام في حق الإنسانية ووصموهم بالوحشية المفرطة على من كانوا بالأمس ضحاياها، والآن صار أبناؤهم بإجرامهم يعيدونها كالتلاميذ النجباء بأيديهم في حق الفلسطينيين العزل.

الصهيونية النازية مزيج بين إيديولوجيتين مضطربتين، غير مأمونتين،مهووستين بالذاتية القميئة والعنصرية القبيحة، ويتميزان بجوانب خفية شديدة العداء للإنسانية لا تفصح عن نفسها سوى في النزاعات السياسية و الصراعات العسكرية، إن ما يفعله الصهاينة بأهالي غزةc'est deja vuشوهد من قبل مطبقا على جدودهم اليهود في ألمانيا، ويجب عليهم أن يشفقوا على أنفسهم وعلى أبنائهم منه،وهم يعلمون مدى الألم أن يرى المرء أهله ضحايا الحرق أوالموت تحت الأنقاض، والجميع يعلم أن ما قهر الألمان عام 1945 ما زال هو نفسه صالحا للاستعمال في 2023وفي كل وقت .

***

صبحة بغورة – كاتبة وأديبة مغربية

الواقع الكوكبي المعاصر إنقلبت فيه الموازين وعادت عقارب الساعة إلى الوراء فتجاوزت القرن العشرين بكثير، وأصبحنا أمام إنطلاقة إفتراسية متوثبة متوحشة تمتلك أدواتها المتطورة القادرة على الفتك بأهدافها، وتمرير مصالحها وتدمير مَن يتصدى لها ويواجهها.

فالعالم على شفا حفرة من النار!!

ومنذ فترة، تحفزت فيه أسود، وتأسّدت أرانب، وتوسعت ميادين المواجهات وسوح الصولات، وإنتقلت التفاعلات إلى تحديات عدوانية غابية الطباع والتطلعات.

ويبدو أن الكرة الأرضية قد إختل دورانها، وإرتعشت أوصالها، وأطلقت قوانين القوي يأكل الضعيف، في عالم يطغى فيه الإقتدار على الإنهيار، وتنبعج القوى في وديان الإنحدارات الحضارية المنخفضة، وفقا لقاعدة الأواني المستطرقة، فالقوة ما أن تطفح حتى تفيض، وتجري في السهول والمنحدرات المؤهلة للخضوع لإرادتها المنفلتة.

ومن المنخفضات الواضحة والعميقة في العالم منطقتنا العربية، التي فيها قواعد المفترسين، وتخضع ونخنع لإرادة الطامعين بها، وما تمكنت دولها من تحرير إرادتها من القابضين على مصيرها، منذ مطلع القرن العشرين.

وبما أن الأقوياء أخذوا يتململون، ويقتربون من الأزمات الإقتصادية القاسية، فأنهم سينطلقون نحو إفتراس ما يستطيعونه من دولنا لكي يعالجوا أزماتهم الإقتصادية والستراتيجية، وهذا يعني أن الدول الغنية في المنطقة ستكون في أولويات الأهداف، وقد تحصل إحتلالات غير متخيلة، وتفاعلات تساهم في إمتصاص الثروات وتغزيز أسباب القبض المحكم على فوهات آبار النفط، وما يترتب على ذلك من إستلاب وإنتهاب وإذلال وتدمير وخراب.

هذه قراءة معقدة لسلوكيات بشرية تكشف مساراتها شواهد تأريخية وبراهين متكررة عبر العصور.

فهل ستشهد المنطقة تداعيات مصيرية، وتتحول أثراها إلى مستعمرات ودول تحت الإنتداب الديمقراطي الجديد؟!!

وهل سيكون قريبا أم بعيدا ومن أخوات المحال؟!!

***

د. صادق السامرائي

15\6\2022

الإعلامي الإسلامي احمد منصور كمثال

الغاية التي اريد ان اصل لها في هذه المقالة هي ان عقلية الكثير ممن يعتبرون بالعرف العام انهم من الطبقة الجامعية والمثقفة والمهنية هم في حقيقتهم أناس مؤدلجون، يقدمون فيها الآراء المسبقة التي يمتلكونها بناءا على انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والحزبية على الموضوعية والواقعية والحيادية، وهو ما يعتبر واجب على كل مثقف بان يوصل هذه المعلومات والحقائق والأرقام كما هي لعوام الناس من دون ان يتدخل في اختياراتهم فيصبغها بايدلوجية قبل نشرها وهذه المهمة تصبح مضاعفة على من يعمل في مجال الاعلام. واستنادا لهذه المقدمة البسيطة سوف نأخذ الإعلامي احمد منصور والمحسوب على التيار الإسلامي الإخواني كنموذج.

الإعلامي المصري أحمد منصور واحد من اشهر العاملين في قناة الجزيرة القطرية. عمل في بداياته كمراسل لعدد من الصحف العربية في تغطية احداث أفغانستان خلال الثمانينات وكذلك لأحداث كوسوفو في التسعينات لاحقا، كما وعمل مديرا لأحدى المجلات في الكويت وأخيرا استقر به المطاف في قناة الجزيرة أولا كمراسل لها في العراق بالخصوص لتغطية احداث الفلوجة واستمر بعدها معها حتى صار احد اهم مقدمي برامجها ومن اشهرهم. خريج كلية آداب في مصر وذو توجهات إسلامية واضحة وقريبة من تنظيم الاخوان المسلمين السلفي والذي تعتبره عدد من الدول العربية تنظيم إرهابي خطير على أمنها الوطني.

فرغم انه حامل لشهادة جامعية واحترافه للأعلام منذ أواسط الثمانينات الا ان لقاءاته وكتاباته يغلب عليها طابع الانحياز واللا موضوعية والذي يظهر جلي من خلال الأسئلة الموجهة لضيوف الحلقات التي يقدمها والتركيز على مواضيع واهمال أخرى. وكمثال لتوضيح هذا الانحياز بشكل جلي سوف نأخذ قناته على تطبيق التيليغرام (صفحته على الفيسبوك ليست نشطه بشكل كافي) والتي يتابعه فيها حوالي 80 الف شخص الان (في بداية الاحداث كان الرقم هو 65 الف) ولنرى كيف غطى احداث غزة الأخيرة منذ 7 أكتوبر \ تشرين الأول ولحد الان. قناته قبل الاحداث كانت تنشر بين 2-4 اخبار يوميا لكنها قفزت في يوم 7 من تشرين الأول الى حوالي 140 خبر ثم خلال الأسبوع الأول نزلت الى مستوى 110-120 خبر في اليوم والان وصلت الى حوالي 20-30 خبر في اليوم الواحد. أتصور ومن خلال تقدير اولي ان الموقع قد نشر حوالي 1500 خبر من اول يوم للأحداث ولحد الان وهو رقم كبير جدا وبكل المعايير. لكن نلاحظ انه من هذا العدد الهائل من الاخبار نجد ان الاخبار حول جبهة لبنان ومعها اخبار حزب الله اللبناني وايران ومحورها لا تتجاوز الثلاث اخبار تقريبا لا غير حسب ما انا احصيته وبجهود فردية في الأيام الأولى، وقبل أيام نشر فلم عن قصف حزب الله لشمال إسرائيل وايقاع دمار كبير وكذلك نشر فلم استيلاء الحوثيين على سفينة في البحر الأحمر وهذين الفلمين نشرهم بعد انقطاع لأسابيع عن نقل او نشر أي شي متعلق بالمحور الإيراني حتى انه تجاهل كل ما صرح به وزير خارجية ايران طوال كل هذه المحنه وكذلك الضجة الإعلامية حول خطبة الجمعة للسيد حسن نصر الله والتي توقع الكثير بانه سيعلن عن الحرب البرية الكاملة. حوالي خمس اخبار تقريبا لا غير طوال فترة 45 يوم من الاحداث والكلام والذي كان للمحور الإيراني فيها نصيب الأسد.

طبعا التعليقات على هذه الاخبار الخمسة كان بالمئات والغالبية العظمى منها كانت تعليقات طائفية وعنصرية ممزوجة بسب واتهامات واستهزاء وسخرية وانها مسرحيات ومؤامرة وخدعة وما شابه من تعليقات، وهذا يشير بكل وضوح الى نوعية وطبيعة المتابعين لقناته وبالتالي لآرائه وتحليلاته التي تجذبهم لمتابعته. الغريب ان اخبار الصراع الإعلامي بين أمريكا وإسرائيل من جهة وايران ومحورها من جهة ثانيا تملئ وسائل الاعلام العربية والأجنبية بما فيها الجزيرة التي يعتبر هو من اهم مقدمي البرامج فيها ومجموعة العربية وغيرهما. ولا استطيع تصور سبب لهذه المقاطعة المقصودة الا انها لأسباب عنصرية طائفية خصوصا اذا ربطناها بموقف حركة الاخوان المسلمين المصرية وموقف الشيخ المرحوم القرضاوي احد اهم مفكري وشيوخ الدين في تنظيم الاخوان المسلمين من ايران ومن الشيعة، والا كيف يمكن ان نفسر هذه الظاهرة الغريبة المتمثلة بتجاهل اخبار المحور الإيراني التي تملئ الاعلام والصحافة.

وهذا ما يقودنا الى الإجابة على تساؤلات تطرح باستمرار وفي كافة المجالات وعلى كافة المستويات وهي مسالة لماذا نحن متخلفون عن الكثير من الدول في العالم، وما يتبع هذا التخلف من ضعف اجتماعي وسياسي واقتصادي وعسكري وامني. بالنسبة لي المشكلة تكمن في طريقة التفكير لمجتمعاتنا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، واهم هذه الطرق هي تقديم المتبنيات الفكرية والعقدية والايدلوجية على الحيادية والواقعة والموضوعية وبتالي يصبح ما ينشره المثقف والسياسي ورجل الدين هي عبارة عن أخبار ومعلومات مشبعة بتلك الآراء المسبقة ومنحوته بشكل على الأقل لا يتعارض معها، ولكن هذا النحت والتحوير يجعل تلك الاخبار المنتشرة في المجتمع مشوهه وحتى تصل الى درجة الانحراف اذا ما تتابعت الاخبار واستفاضت. ولهذا نجد ان مجتمعاتنا مملوءة بالتناقضات والصراعات التي لا قيمة لها ومؤمن بتلفيقات وقصص وهمية واحلام وردية وتمنيات لاواقعية، وكل هذه الأمور تؤدي بالمجتمع الى الوقوع في كوارث لا حصر لها تستهلك جهوده وامكانياته وبالتي توصله الى طريق مسدود ويظل يدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها رغم الجهود والأموال والاعمار التي تهدر. وينتهي بالمجتمع في نهاية المطاف بان يظل في خانة الدول النامية ويدور في حلقات مفرغة تؤدي به الى البقاء متخلف اجتماعيا وحضاريا. طبعا هناك عوامل أخرى لا مجال لبحثها الان.

ادعوا كل مثقف واعي مهما كانت خلفيته العقائدية والايدلوجية، إسلامية علمانية يسارية ماركسية يمينية، الى تبني الفكر الواقعي ونشر الاحداث والاخبار كما هي والابتعاد عن تقديم الايدلوجيا على الواقع والالتزام بالحيادية والموضوعية وترك الانسان العربي ليصل الى الفكرة الصحيحة بنفسه بعيدا عن كل التزويقات والألوان التي يحاول الكثير صبغ الخبر والحدث قبل نشرها لأجل ان يتم وصفه بانه انسان مبدئي ملتزم، لان هذه المبدئية والعقائدية وبهذا الاسلوب السيء ستدفع الاخبار والوقائع المنشورة بان تكون بعيدة عن الحقيقة مما يؤدي الى نتائج سلبية على عقل المتلقي، فعلى المثقف عدم لبس اي نظارة عندما يتعامل مع ما يحتاجه الانسان العربي من معلومات وان يتبنى العقل النقدي البناء في تعامله مع ما يدور حوله ويلتزم بالموضوعية على طول الخط وان يطرح اراءه ومبادئه بشكل مستقل بعيدا عن الاخبار والوقائع. اذا نجحنا في ذلك عندها فقط يمكننا ان نتحدث عن العقل العربي السليم وعن السير في طريق التقدم الحضاري والا فسنظل ندور وسنظل نلقي باللوم على الاخرين من الدول والحضارات وننسى انفسنا.

***

عارف الجواهري

منذ هزيمة اسرائيل المذلة في حرب أكتوبر 1973 وضع الجيش المصري قوة اسرائيل المزعومة  أمام العالم في حجمها الذي تستحقه،وفي وزنها الذي لا يتجاوز جناح بعوضة،وهو ما بدا جليا في عدوانها على قطاع غزة حيث أكملت كتائب القسّام المهمة وفضحت وهم القوة الإسرائيلية الذي لم يتعد حدود الادعاء الفارغ .

الحديث عن أسطورة اسرائيل العسكرية مرادف للخرافة  القائمة على الكذب الذي ظلت الدوائر الإعلامية الغربية والموالية للصهيونية تردده وتمجده وتعيده وتكرره أملا أن يتأثر الناس بقولهم فيصدقونه وبالتالي يتحقق هدفها بأسط الوسائل وهو ترهيب الشعوب العربية ببعض المقالات المنمقة لمن يدفع أكثر وهي لا تتضمن سوى القليل من المعلومات البسيطة  والكثير من الكذب تخاطب بها عقول البسطاء لتثبط عزائمهم، وتخور قواهم وتضعف إرادتهم، وعليه يسهل تحقيق هدف آخر للصهيونية وهو تشكيل رأي عام واسع داخل المجتمعات العربية يمثل فيما بعد قوة اقتراح انهزامية تدعو إلى تجنب إحداث دمار وخراب العواصم والمدن العربية، والحقيقة عدم سفك الدماء الإسرائيلية لأنهم يعلمون أن الدماء العربية هي مداد تكتب به شهادات التضحية والاستشهاد، والأكثر أن دماءهم لا تسطر سوى بضعة أسطر فارغة تصف أبعاد الأسطورة الكاذبة . طبيعة الخرافة أنها ضعيفة المنطق لا تقوى على الصمود أمام الحقائق الناصعة، ولا تقوى على الاستمرار أمام الحجج الكاشفة، لا يمكن لإسرائيل بهذه الصورة المهزوزة الخالية من الملامح الأساسية للدولة أن تدوم، فلا بقاء لها وخوفها يقتلها في النهار ألف مرة، و وجودها زائف حتى ولو توارت خلف الأسطورة.

الوهم مرض، ولا شك أن الطرف الواهم أنه قوي، متكبر متجبر يجلب على نفسه المتاعب، ويعرض نفسه ومن معه للخطر. عاشت إسرائيل منذ ان احتلت الأراضي العربية في فلسطين على كذبة ساعدت بعض الظروف القاهرة والمؤامرات الخارجية عام 1948على تأكيدها فأصبحت حقيقة ثابتة في الوجدان العربي وهي أن القوة العسكرية الإسرائيلية لا يمكن أن تقهر، وبرغم أن من أهم نتائج حرب تحرير سيناء عام 1973من المغتصب الإسرائيلي هو سحق الجيش الإسرائيلي وقهر قوته في حرب شاملة بالقوات المسلحة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي خلال مدة 6 ساعات فقط، فقد بقي القادة الإسرائيليين أسرى وهمهم الأبدي بأنهم قوة لا تقهر، واليوم ونحن في أواخرعام 2023 ما زال هناك من يردد مع كل دبابة تقصف وكل جندي إسرائيلي يقتل نفس المقولة وبذات المفردات، إنهم كالمرأة القبيحة التي تظل تردد أمام المرآة من أعماق قلبها أنها هي أجمل الجميلات..

صورة إسرائيل تختصر ملامحها في كلمة واحدة . الكذب، الخرافة كذب، والوهم كاذب، ولا يكون الحديث كذبا إلا في غياب الصدق، والكذب شر، ولا يكون الشر شرا إلا في غياب الخير.

***

صبحة بغورة 

(عود على بدأ لصفحات لم ولن تنسى من المجد والكرامة)

  لم تخطىء كثيرا رئاسة الوزراء العراقية حين ردت على استفسار المحكمة الجنائية المشكلة لمحاكمة الصحفي منتظر الزيدي، معتبرة زيارة الرئيس الامريكي للعراق قد تمت بناءا على دعوة رسمية وجهت له من قبلها. وعلى ما أرى فقد كان من الاولى الاجابة على ذلك التساؤل بالقول: بأن الرئيس جورج بوش الإبن، هو من وجّه الدعوة للرئاسات الثلاث في العراق، رئيس الدولة العراقية، رئيس البرلمان وأخيرهم رئيس الوزراء. وليس هناك من ضير في ان تكمل,لو أكملت، بأنه قد تم استقبالهم جميعا في قصر الرئاسة الامريكي المقام في بغداد والمخصص لتلك الزيارات.

 عن تلك اللحظات التي نتحدث عنا فقد كرماء والى أبعد الحدود، حين قمنا برفع وحضر كل الاجراءات الرسمية البرتوكولية التي ينبغي الالتزام والقيام بها في هكذا مناسبات. وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من جهتها، نقلت مراسيم استقبال كل المسؤولين العراقيين، وكيف كان الرئيس الأمريكي يرحب بضيوفه (الكرام) وعلامات الدهشة والتعجب بادية على محياهم جميعا، وكذلك تلك الحفاوة والحرارة الفائقة والتكلف الزائد عن اللزوم حين المصافحة، أيضا العناق الخاطف على والطريقة الغربية وليس على الطريقة الشرقية التي إعتدنا عليها، مما يثبت ثانية بأن مراسيم الاستقبال قد تمت في حضرة الرئيس الامريكي وتحت ظلاله الوارف.

 والشيء الاخر الذي يثبت بأننا في ضيافة الرئيس، هي الحيرة التي انتابت المسؤولين في تحديد المكان والكيفية التي دخل منها الى بغداد. فأبو جعفر المنصور طيب الذكر حين بنى عاصمته، وضع في حسابه ضرورة السيطرة الامنية على مداخلها وزاد من أعداد العسس مخافة الاعداء وذوي النوايا السيئة (لا أدري ان كان الامريكان يعدون من هذا الصنف أم لا) ومن اي البوابات ولج فخامة الرئيس المفدى، فهل من باب المعظم أم من الباب الشرقي أم من باب القبلة في الكاظمية أم شطحت به الجغرافيا ودخل من باب الطوب في الموصل أم أن الحقيقة تقول، بأنَّ أبوابنا باتت مشرعة، لليسوه والميسوه وصار العراق (خان جغان).

 هل تتذكرون حين حط الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الإبن بطائرته الخاصة مضارب الدليم في غرب العراق، وجعل من خيمة رئيس مجالس الصحوات في العراق آنذاك الشيخ أحمد ابو ريشة مكان استقبال ضيوفه من قادة الدولة العراقية الجديدة؟. هل تتذكرون كيف قطع هؤلاء الزعماء التزاماتهم الرسمية وغير الرسمية وتداعوا تباعا وبسرعة قياسية، من أجل تلبية الدعوة ورغم أنوفهم للقاء بالرئيس الامريكي، وعلى أرض ليس هناك من خلاف على عراقيتها.

 قد يتهمني البعض بعدم اطلاعي بشكل كافي على ما يجري من تطورات سياسية وادارية في أرض السواد، خاصة واني قد قضيت أكثر من نصف عمري مغتربا أو هاربا ان شئتم، فلربما يكون قد صدر مرسوم رئاسي، على حين غفلة مني ومن غيري، يقضي بجعل احدى مدن الانبار عاصمة صيفية للعراق الجديد، علما ان فكرة العاصمة الرديفة هو نظام معمول به في بعض الدول، حيث تجعل من احدى مدنها المهمة عاصمة اقتصادية أو ثقافية.

 وشروط الدولة الكاملة السيادة وغير المنقوصة، معروفة المعالم وجرى تثبيتها في المواثيق التي أقرها المجتمع الدولي وهيئاته. وبالنسبة للعراق فهو عضو كامل السيادة وكما يُفترض ومنذ العشرينات، وجرى تدعيم ذلك في الأربعينات ومع تأسيس المنظمة الدولية والتي سميت حينذاك بعصبة الامم، وبحدوده المرسومة والمقرة، والتي توارثناها أبا عن جد. وعندما تحدث المنازعات بين دولة واخرى بسبب تجاوز ما، سيتم الشروع بحلّها عبر الطرق الدبلوماسية، واذا ماعجزا عن ذلك فسيتم التدخل وبناءا على طلب يقدم من قبل هذه الجهة او تلك، وصولا الى حل الازمة. وعن ذلك فهناك في ذلك  فهناك أمثلة كثيرة، ابتداءا بمشكلة المياه وانتهاءا بتعديل الحدود وترسيمها.

 اذن هناك آلية دولية، جرى اعتمادها من أجل حل أي النزاعات بين دولتين أو أكثر. غير اننا العراقيون، بُتنا امام مأزق كبير بل كارثة حقيقية، فالامر لايتعلق بخلاف حدودي بسيط، بل نحن تحت وطأة احتلال غاشم، بسط سيطرته على كافة المنافذ والحدود، وعلى أرضه وسماءه ومياهه، والاتفاقية الامنية التي عقدت بين امريكا والعراق، أكدت وكررت وللمرة الالف، بأننا بلد محتل والسلطات المهمة جلّها تحت قبضته، فما من تشكيلة وزارية ولا من اقرارميزانية ولا من علاقات دبلوماسية ولا.. ولا .. الا وكانت تحت رغبته وإرادته، او على الاقل بدراية وعلم منه. واذا ما تساهلنا قليلا وخففنا من غلواء هذه التهمة، فهي أي (قوات الاحتلال)، مَنْ إرتضت لنفسها أن تكون كذلك وتحمل هذه الصفة  ودونما إكتراث أو إلإلتفات للشرعية الدولية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.

والحديث عن استقلال القضاء العراقي هو ضرب من ضروب الإدعاء والتمني ليس الاّ. فقد كان امام الجهاز القضائي فرصة ذهبية ليثبت مدى استقلاليته ووطنيته، وذلك خلال مجريات المهزلة التي تم فيها محاكمة الصحفي منتظر الزيدي. فبدل من ان تصدر قرارها الجائر بحبسه ثلاث سنوات، كان عليها ان تفرج عنه فورا، ويجري تكريمه، لتصديه لشخص غير مرغوب فيه، وأيضا لإختراقه الحدود ودخول البلاد بدون إذن، وكذلك لعدم توجيه دعوة رسمية من قبل الحكومة العراقية للسماح له بزيارة البلاد.

واذا كانت الحكومة العراقية قد إستهدفت من وراء محاكمة الصحفي العراقي رد الاعتبار (لكرامة الرئيس) التي هدرت بسبب من تلك الفعلة، فالوسيلة التي وُضفت في إهانة مَنْ سميتموه ضيفا، لم تكن لترتقي الى اسلحة الدمار الشامل التي أستخدمت في تدمير العراق، ولم تهدر كرامات العراقيين من قبل كما هدرت على أيدي قوات الاحتلال في سجونها، والتي أقامتها خصيصا للمقاومين والمتصدين لمشروعها. كذلك ليس بجديد في أسلوب التعبير الغربي حين الاحتجاج على زائر بتلك الوسيلة او بأخرى كالبيض الفاسد. بالمناسبة وعلى ذكر البيض الفاسد فقد قررت احدى المحاكم البريطانية تغريم أحد مواطنيها بغرامة مالية، تساوي قيمتها غسل وكوي الملابس التي ألحقَ الضرر بها، بسبب القاء البيض الفاسد على أحد المسؤولين الكبار. وفي حادثة منتظر لم يقع أي ضرر فاحدى الرميتان أخطأت الهدف وفي الثانية جرى تلافيها بأعجوبة. والى رمية أخرى قد تصيب الهدف, ولاندري على من ستكون.

 وللتذكير فقط، فبحوزة الشباب العراقي المعارض للعملية السياسية التي جاء بها المحتل، مختلف الأشكال والأنواع والقياسات من الأحذية ولكل المواسم، والتي تنتظر الإنطلاق نحو رؤوس يانعة، تستحقها بإقتدار عالٍ، وأعتقد أن أمر توقيتها قد دنى كثيراً.

***

حاتم جعفر - السويد ــ مالمو

هناك مراحل أساسية في مسيرة الإسلام لم يتم الإقتراب منها بموضوعية وعلمية، كفترة تواجد النبي في المدينة (10) سنوات، وفترة الخلفاء الراشدين (30) سنة، وحياة النبي قبل النبوة وفي مكة، التي لا يوجد الكثير عنها، ولا مدونات للقرآن حال إملائه على كتاب الوحي.

أين ذهبت الأدلة والوثائق؟

فالسائد سطوة (قال)، التي فاقت المنطق وقضت على المعقول، وتسيّد المقدس، فكل شيئ محفوظ في الصدور.

فتنسب أقوال للرموز، لو جمعناها وقيمنا ما فيها من الأفكار والرؤى، لتبين أنها بحاجة لوقت لتنضج عند قائلها، مما يعني أنها تستوجب أضعاف عمر المنسوبة إليه.

وتجدنا أمام مدونات محكومة بالمداد المقدس، وما تحقق إنجازه منها بعد أكثر من قرن هو الصحيح والصائب وغيره بائد.

وهنا تظهر إشكالية لأن المصادر المعتمدة قولية، ولا توجد براهين وأدلة مدونة وراسخة يمكن الإعتماد عليها.

والقول المنقول بين الناس يتعرض للتحريف لطبيعة الذاكرة، مما يعني أن في كل قول نسبة من الخطأ والصواب، ولا يُعرف لماذا صار المنقول يميل للصواب لا غير.

هذه الإشكالية خطيرة وأسهمت في إجبار قادة الدولة العباسية الأوائل لإيجاد حل لها، فكان لابد من إنطلاق التدوين وبناء التراث المطلوب، الذي على الأجيال أن تتواصل على سكته.

فلو لم يتم الشروع بالتدوين، وهذا أعظم إنجازات الدولة العباسية، لما بقي أثر.

كما أن أعظم إنجاز في دولة الخلفاء الراشدين هو جمع القرآن وتدوينه، ولولا هذه الخطوة الفذة لما توارثنا القرآن.

وتبقى أسئلة كثيرة بلا أجوبة، منها لماذا لا توجد مدونات في مكة والمدينة وهناك مَن يجيد الكتابة.

لماذا أغفل المسلمون أهمية التوثيق، والتدوين معروف في جميع الحضارات القديمة، والديانات الأخرى في الجزيرة.

ويأتي في مقدمة القادة الذين أغفلوا التدوين ربما معاوية بن أبي سفيان، فهو يقرأ ويكتب ويوصف بأنه كان من كتاب الوحي في آخر عهد النبوة، وتبقى أسئلة وحسب!!

***

د. صادق السامرائي

تشكّل الانتخابات المحلية في العراق خطوة مهمة نحو الاستعداد لانتخابات مجلس النواب القادم،لذلك فان القوى السياسية تسعى جاهدة بكل امكانياتها الى أيجاد البنى الاساسية في هذه الانتخابات لأنها ستكون مقدمة للانتخابات البرلمانية القادمة،لذلك ستعتمد هذه القوى على جودة ادائها ومدى صدق نواياها في تقديم الخدمة لناخبيها،وأن القوى السياسية المشاركة والمرشحون سوف يلجأون الى فيما بينهم لتشكيل أي حكومة محلية،فيما سيكون التنافس في داخل القوى السياسية الكبرى داخلياً،لذلك سيتركز التنافس بين القوى السياسية في داخل القوى السياسية ذات اللون الواحد والمكون الواحد،فيما سيكون التنافس في المحافظات المختلطة على قوة الكتل السياسية وقدرتها على تشكيل الكتلة الاكبر في المحافظة.

غياب بعض القوى السياسية عن الانتخابات وتحديداً التيار الصدري لايعني ان عنصر المنافسة قد غاب كلياً عن المشهد،بل ان المشهد تعزز بوجود القوى المدنية(التشارنة) الذين يسعون لوضع موطأ قدم لهم في الانتخابات البرلمانية القادمة وتشكيل قوى معارضة في داخل البرلمان،بالمقابل قد يقرأ غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي غياب قدرة الاطار التنسيقي على تنظيم اوضاعه الداخلية في الانتخابات البرلمانية،ماسيشكل عائقاً واضحاً ويكشف مدى عدم قدرة الاطار التنسيقي على وضع الاستراتيجيات والتعاون داخلياً من اجل هذه الانتخابات، ما يشجع الصدريين على العودة الى الحياة السياسية وهو عامل بالغ الاهمية.

بالتأكيد وجود القوى السياسية الحالية سيكون حافزاً في تسخير نفوذها في التأثير على الناخبين،وهذا الامر بات واضحاً في قدرة جمهور السلطة في تغيير وجهة الانتخابات،لذلك لجأت حكومة السيد السوداني الى إجراءات من شانها أن تقلل نسب التزوير والتلاعب بالنتائج والتي من اهمها العد والفرز اليدوي ونصب الكاميرات الحرارية في قاعة التصويت وغيرها من إجراءات مراقبة شديدة في يوم الاقتراع،وسيكون رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حاضراً بشخصه من أجل مراقبة الانتخابات المحلية والذي راهن بحياته  السياسية من اجل تحقيق الاستقرار في العراق بعد الاحداث المريرة التي مرت بالعراق ما بين 2019-2022،لان إجراء انتخابات مجالس المحافظات بنجاح مع تقليل نسب التجاوزات الانتخابية يمثل أولوية للسوداني،والذي يسعى الى الوصول الى الانتخابات البرلمانية المقبلة مع تعزيز دوره التنفيذي للمرحلة القادمة.

سيكون تأثير انتخابات مجالس المحافظات مهمة في تحديد النظام السياسي في كل محافظة،وهذه مسألة مهمة لبناء التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة كما أنها حاسمة للسماح بتطبيق المحاصصة وستكون المنافسة شرسة في المحافظات الغنية بالموارد مثل البصرة وكركوك، لذلك اذا أجريت انتخابات مجالس المحافظات بنجاح فمن شأنها أن تقوي فترة الاستقرار النسبي في العراق وتمنح حكومة السوداني الثقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة أو استكمال ولايته بالكامل.

إذا اكتملت الانتخابات بنجاح وبدأت الحكومات المحلية في انتخاب المحافظين وتقديم الخدمات فانها الخطوة الاولى نحو استعادة بعض الثقة، كما انه سوف ينظر إلى مجالس المحافظات على أنها ناجحة وخلاف ذلك، سيتم اعتبار الانتخابات المحلية غير ضرورية وأداة لتمكين الفساد والتي ستؤثر مستقبلا على شرعية الدولة العراقية ككل وتهدد النظام السياسي.

***

محمد حسن الساعدي

تبدأ حملات مكافحة المخدرات بنشر لافتات يُكتب عليها (كلّا للمخدرات)، ثم يتم القبض على متعاطين وتجّار ويحُكم عليهم بالسجن، ولكن بفضل الواسطات والرشا وفلان بظهري، يخرج المتهم من السجن وينفلت من العدالة، ونبقى في ذات الحلقة ندور لأن المجتمع تحكمه المصالح وليس العدل. لانستغرب عندما نسمع عن دخول المخدرات من المنافذ الحدودية رغم التصريحات المتكررة بشأن انتشار مفارز الأمن، وإعداد برامج لمكافحتها والحد من انتشارها، لكننا ما نستغربه هو انتشار المواد المخدرة بقلب الصروح التربوية لتصبح في متناول أيدي الطلبة، وهذا الأمر لاينذر بخطر بل يضعنا أمام صورة مؤلمة وحقيقة بشعة توضح عدم جديتنا بوضع الحلول الجذرية ومدى وعينا بحجم هذه المشكلة التي باتت تهدّد حياة الشباب وسلم المجتمع، وتتناقل الأنباء القبض على تاجر مخدرات واعتقال شبكة تتاجر بالمواد الممنوعة تقودها إمرأة لكن الأهم من ذلك ماهي نهاية هذه التصريحات وفيلم تجارة المخدرات؟ بادرت وزارة الداخلية بإطلاق ورش وندوات لتعريف الشباب بخطر الإدمان كما تشارك بعض منظمات المجتمع المدني والناشطين بإنقاذ المدمنين من الاستمرار في تعاطي المواد السامّة عبر المحاضرات النفسية، والتوعية الهادفة إلى إنقاذهم من الموت المحتوم، ورأيت أن دور بعض الشابات والشباب من الناشطين في مجال مكافحة المخدرات يضاهي دور الجهات التشريعية المسؤولة عن تفعيل قوانين تحمي المواطن من فساد المتنّفذين وتجارة المنتفعين من بيع هذه السموم بين الأطفال والبنات والشباب لتضييعهم و كسب الأموال الطائلة، ورغم أن المسؤولين عن ملف المخدرات يبذلون جهوداً في منع تمريرها عن طريق سيطرات التفتيش الحدودية والمطارات والطرق، لكن هذه الجهود ستذهب مع الرياح إذا لم يتم تفعيل قانون صارم يضرب بقوة على أيدي المستفيدين من انتشار المخدرات، ولذا مهما اتخذت الأجهزة الأمنية إجراءات وشدّدت بالتوصيات ونشرت أفراد الأمن والمخابرات لن تفلح إذا لم تدعمها السلطة التشريعية بإقرار عقوبة الاعدام بدلاً من السجن بحق كل تاجر ومروّج ومتعاطي لمنع أي مواطن من التجارة بها أو تعاطيها .. جميعنا نأمل واقع أجمل ونتحدث عن غدٍ أفضل ولكن لن نرى هذا الغد بدون الخوف من قانون حازم يفزع منه الجميع دون استثناء.

***

ابتهال العربي

في الفترة التي تعرض فيها الكاتب محمد عارف لمحنة المرض، أصدرت دار المدى كتابه "أسفار في العلوم والتكنولوجيا" وفيه قدم لنا حكايات امتزجت بالعلوم الحديثة ، عن الانترنيت والإنسان الآلي والتكنولوجيا الحديثة، وصورا عن عالم المستقبل، وما الدور الذي تلعبه العلوم في حياة الشعوب.

وبعد اشهر قليلة على صدور الكتاب يرحل محمد عارف عن عالمنا بعد أن عاش فيه منقباً وباحثاً عن كل ما يربط العراق بتراثه الحضاري العظيم، مزهواً بما قدمه هذا البلد الى تاريخ البشرية، لم يفلسف حنينه الى العراق. ولم يطلب راتبا تقاعديا وهو يستحقه، ولم يقف على ابواب المسؤولين.

في واحدة من مقالات كتاب محمد عارف نقرأ هذا العنوان المثير " بابل.. سينهض العراقيون" يكتب فيها : "سينهض العراقيون عاجلاً أم آجلاً لأنهم يمثلون بلد حضارة لا يمكن لأحد أن يُطفئ نورها التقدمي".. مقالة تحمل الحنين والحب لبلده الذي تنكر له، فغاب اسمه عن برقيات النعي التي يبرع فيها المسؤولون، وغَّيب ضجيج العشرين ألف منتسب إلى نقابة الصحفيين العراقيين، اسم محمد عارف من لافتة توضع على جدران النقابة باعتباره واحدا من رواد العمل الصحفي وصاحب المسيرة المتميزة في الإعلام منذ أكثر من نصف قرن، منذ قصصه الأولى في خمسينيات بغداد إلى إشرافه على صفحة آفاق بجريدة الجمهورية في سبعينيات بغداد إلى كتابة زاويته الأسبوعية في جريدة الحياة اللندنية لينتهي به المطاف على صفحات صحيفة الاتحاد الإماراتية بمقال أسبوعي عن دور العلوم والتكنولوجيا في حياتنا، وفي بعض الأحيان يأخذه الحنين إلى بغداد فيكتب مقالاً عن نكات العراقيين التي يصفها بأنها: "تُعبِّر عن روح التسامح في المجتمع العراقي الذي تتعايش فيه وتتزاوج القوميات والمذاهب، وحتى الأديان المختلفة".

يأخذنا محمد عارف في كتاباته للغوص معه في رحلة فكرية وعلمية وأدبية، بدأت عندما قرر أن ينشر قصصه القصيرة في صحف بغداد في الخمسينيات وهي القصص التي وصفها غائب طعمة بأنها من أجمل ما كُتب في السرد العراقي، لتمر رحلة محمد عارف بمحطات كان فيها مصرّاً على أن يستبدل القصة القصيرة، بدراسة علوم الفضاء التي عشقها وغيّرت مصيره بالكامل ليتّجه إلى مهنة واحدة هي الكتابة في مجال العلوم وأحدث ما تنتجه العصر الحديث.

عاش محمد عارف مثل شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مجبراً بعد تجربة مريرة مع الملاحقة والمنع، ويخفي خشيته بنوبات من الحنين والأسى أحياناً، على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً.

يغيب محمد عارف، فتنطوي معه صفحة مشرقة من تاريخنا الثقافي الذي يريد له البعض ان يتحول الى اهزوجات طائفية.

*** 

علي حسين

 

لا شك أن غزة ترزح تحت الحصار منذ سنوات طويلة من قبل الكيان الغاصب،أضف إلى ذلك المعاناة الطويلة مع الحروب العنيفة منذ عام ٢٠٠٨ وإلى الحرب الأخيرة بتاريخ ٧/ أكتوبر حيث شنت حركة حماس بذراعها العسكري كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى العملية العسكرية (طوفان الأقصى) على مستوطنات الغلاف ردا من الحركة على الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك من قبل الجيش والمستوطنين.

فما كان من دولة الاحتلال إلا أن ردت على ذلك بشكل إرهابي باستهداف المدنيين بطائراتها بشكل متواصل. وهنا لا بد أن نذكر التأثيرات التي تسببت بها هذه الحرب على الأطفال وخاصة العامل النفسي في مقدمتها الخوف. هذا إذا استثنينا بعضا من التجارب التي قد تسرع من عملية النضوج لدى الأطفال الذين نشأوا في عائلات لها تاريخ سياسي وعلاقة بالمقاومة الفلسطينية.

لكن حينما نتحدث عن الغالبية العظمى من الأطفال الذين يعايشون الحروب نجدهم وقد تعرضوا لهزات عاطفية تعتبر غير اعتيادية بالقياس مع أولئك الذين يعيشون في بلدان آمنة من الحرب.

والمتابع للحرب على غزة وما تنشره شبكات التلفزة وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لسوف يدرك حالة الهلع والخوف التي يعاني منها الأطفال جراء القصف العنيف للمنازل وخاصة أن الاحتلال يتقصد القصف ليلا. وحيث أن علماء النفس يحذرون من إيقاظ النائم بطريقة مرعبة لأن ذلك قد يتسبب له في حالة نفسية مستقبلا. وقد يصاب الشخص بمخاوف أو قلق أو حتى كوابيس نتيجة تعرضه المستمر للفزع أثناء الاستيقاظ من النوم. فكيف بأطفال غزة الذين توقظهم الصواريخ والقنابل القاتلة. فها هي أميرة طفلة من غزة تقول (كنت نائمة عندما تم قصفنا ،استيقظت ولم يكن باستطاعتي التنفس ،كنت أسمع أصوات الناس وكانت هناك صخور فوقي وتحتي). والطفل أحمد الذي لم يتجاوز الخمسة رأيناه كيف كان جسده يرتجف بالكامل وحين سأله الصحفي إن كان نائما وقت القصف فأجاب بهز رأسه دون القدرة على الكلام.

أميرة وأحمد اثنان من آلاف الأطفال في غزة الذين تعرضوا إلى صدمات نفسية عنيفة. ناهيك عن الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم ولم يبقى سوى هم. ومن المعروف بأن وجود الوالدين إلى جانب الطفل من أكبر العوامل المؤثرة عليه. حيث يعتبر موت العائلة من التحديات التي تواجه الأطفال وخاصة الأم التي تعتبر عازلا بين الطفل والمعاناة النفسية،وهذا التحدي سوف يسبب القلق والتناقضات للطفل وبالتالي ستؤثر على نظرته المستقبلية إلى العالم وتشكيل شخصيته بطريقة غير طبيعية.

كما أن تكرار مشاهدة العنف والموت والدم والأشلاء تتسبب في حدوث القلق المتواصل والاضطرابات النفسية.

أطفال غزة مثلهم مثل غيرهم من أطفال العالم يحق لهم العيش طفولة طبيعية غير أنهم يعيشون مرحلة اختصار الطفولة والقفز إلى مرحلة البلوغ هم الآن يعيشون الحرمان والمعاناة والأخطار الدائمة تحت ظل هذا الاحتلال الدموي.

***

بديعة النعيمي

يقولون: أن مكناس قد تم استغلال مناصبها السياسية (الريعية) بدون أثر تنموي صعودي. يقولون: أن مكناس نالت من عقوق أبنائها مثل ما ناله (الطبل يوم العيد). يقولون: أن مكناس لم تستفد من تمثيليتها السياسية الوطنية ولا الجهوية في ترافع الإقلاع التنموي العادل، ولا التحفيز الاستثماري المتحرك. يقولون: أن مكناس تمضغ الحسرة عن الماضي (مسألة التراث في ملابسات سياسية وفكرية: التراث حاضر زمنيا وغائب في الوعي) ولم تستطع صناعة رؤية بديلة للحاضر (النظر إلى الماضي على أنه ما ينفك يمضي والى الحاضر على أنه ما يفتأ يحضر). يقولون أن مكناس أخفقت شعاع التوهج بتصدر قائمة مدن التاريخ (بهذا لا يكون التراث من ورائنا، ولا نحن يسرقنا الحاضر بالتطويح في المستقبل). يقولون: أن ساكنة مكناس تتحدث عن حب المدينة مثل نيرون حارق روما، ثم يقولون (ومن الحب ما قتل).

 يقولون أن: مكناس افتقدت ساكنتها الثقة في السياسيين، وباتت الثقة في موضع التدني (إقامة ذاكرة مضادة). يقولون: أن الرمز السياسي للمدينة يحمل معادلة (طَايَحْ من السمَاء...). يقولون: أن بيانات السجل الاجتماعي ستضع مكناس على رأس قائمة تنقيط الحاجة والفاقة، ودون معدل النجاح !! يقولون: أن مكناس  تعيش فائض حديث الانتقادات البلهاء، ومن وراء حجاب الشاشة الزرقاء، ومن تحت الجلباب، ويغيب الحوار المديني (الإصغاء للأصوات المتعددة). يقولون: أن مكناس  يعيش مجتمعها المدني تحت وطأت خلافات الانتماء السياسي والتبعية والنفعية، إلا من رحم ربك من الثلث الناجي. يقولون: أن مكناس يمكن أن تبحث عنها في التراث المادي واللامادي وهي لا تقدر على توظيف تثمين الحاضر ولا المستقبل (التاريخ موشوم على جسم الساكنة، عالق بأذانهم، منقوش على جدرانهم، مكبوت في اللاوعي... مسألة التراث في ملابسات سياسية وفكرية)، وحتى الماضي (الهوية والتطابق) يمكن أن يضيع جزء منه غير موجود في الواجهة (تقوية الوهم بالخلود ).

 يقولون: أن مكناس يتساءل فيها الجميع، أين مدينتي؟ سؤال ماكر يبحث عن كسب البراءة من المسؤولية (بسبق الإصرار والترصد) ويعلقها لزاما على عنق (السياسي/ المدني/ الاقتصادي/الثقافي/ الرياضي...). يقولون: أن هذا السؤال لن نجد له جوابا موحدا، حين نجده يتردد مرات عديدة وبالتكرار المُمِلِّ. سؤال نجده بالقسوة والتحسر حتى عند من دبر أمر المدينة غير ما مرة، فهو يتسلح بنفس السؤال !!! ويطرحه بصيغة الاستنكار وبلا أجوبة حارقة !!!

يقولون: أن عجينة مكناس السياسية غير باردة في بؤرة وسطها (ولي قال سياسة عجينة مجلس جماعة مكناس باردة يدير يديه فيها)!!! يقولون: أن مكناس خرجت من اتفاقيات قطاع الشباب والثقافة والتواصل (بخفي حُنَيِن) مكسورة الترافع، وباتت تنال حصصها في (برامج تأهيل المراكز الحضرية والمراكز الصاعدة... للتقليص من العجز الاجتماعي والتفاوتات الترابية الداخلية). يقولون: ألا مناص لمكناس من بناء تنمية محلية بدل تأثيث اللامركزية الترابية الجهوية، والتي باتت تخلق الفرص التنموية فقط للقطب الأول بالجهة. يقولون: أن مكناس تكتسي دورا أساسيا في مكونات رجال ونساء مجلس الجهة، ولا تنال حقها العادل في تنظيم بيئتها وتهيئة مجالها الترابي، وتحقيق جاذبية ترابية تنافسية. يقولون والعهدة على القائل: أني أكتب لأقوض النقص الذي تسببه الكتابة من المشاهد المتفحمة.

***

محسن الأكرمين

محطات التلفزة العربية تزدحم بالبرامج العبثية التي لا تنفع، وتهدر الملايين عليها، دون جدوى للأمة بأجيالها المتوقدة الطاقات والتطلعات.

برامج غنائية، رياضية، وغيرها مما لا يجدي ولا يطعم من جوع.

فلماذا لا توجد برامج لرعاية الأفكار وإستثمارها؟!

لماذا لا تقوم الدول التي تهدر الملايين على برامج دعائية فارغة، بإطلاق برامج تحفز الشباب على طرح أفكارهم وتقيمها والإستثمار فيها، أو تصنيعها، كما يحصل في الدول المتقدمة.

فمحطات التلفزة العربية تقلد العديد من البرامج العبثية الأجنبية، وما وجدناها تقلد برامجهم الجدية ذات الإنتاجية الصناعية العالية.

إن المصنوعات أيا كانت بنت أفكار أصحابها، فكل مصنوع فكرة تحقق الإستثمار فيها من قبل شركات، وجهات تمويلية وتسويقية ذات خبرات وقدرات عملية.

إن من أهم محفزات التصنيع في دول الأمة، أن تستحدث فيها برامج تلفازية لتنمية الأفكار ورعايتها، والقيام بتصنيعها ، فصاحب الفكرة مالكها وصانعها، ولا يهم في أي بلد يمكن تصنيعها، ومعظم الأفكار يتحقق تصنيعها في الصين ودول شرق آسيا الأخرى لسهولة ذلك وقلة الكلفة.

فهل لنا أن نكون جادين ونستحدث برامج تكشف عن طاقات الشباب الصناعية، لا أن نركز على الطاقات الغنائية وما يتصل بها.

لابد أن يكون للفكرة قيمتها ودورها في بناء الحياة العربية، فهل لنا أن نعز أفكارنا ونستثمرها، فالأفكار جذوة التصنيع وجوهر الصناعة.

فاستثمروا أفكار الأجيال ولا تبخسوها!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم