أقلام حرة

أقلام حرة

حرب وحشية شاملة، وعملية ابادة عرقية غير مسبوقة تاريخيا تلك التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة على مرأى ومسمع من العالم كله وسط صمت دولي مريب إزاءها، وتأييد اورو- امريكي شبه مطلق لما يقوم به الكيان من جرائم نكراء مكتملة الاركان ما يجعلها شريكة رئيسة فيه بذريعة الحق بالدفاع عن النفس، مشفوعة بإرسال شحنات ودفعات لا تتوقف من الذخائر والقنابل والاسلحة دعما للكيان لممارسة المزيد من القتل، والامعان بمزيد من التدمير تمهيدا لإخلاء القطاع والتهجير وبما بات يطلق عليه اسم " النكبة الثانية " أو " التغريبة الجديدة "، حيث نزح أكثر من مليون ونصف المليون من مناطق سكناهم داخل القطاع، وهذه وزارة الاوقاف الفلسطينية تكشف عن أن عدد المساجد التي دمرت كليًا قد ارتفع إلى 66 مسجدا، مع الحاق أضرار متفاوتة بـ 136 مسجدًا، اضافة الى تدمير 7 كنائس، أما المباني السكنية فقد دمر وخرب أكثر من 262 ألف وحدة منها، زيادة على قصف عشرات المدارس وبإجمالي بلغ 278 مدرسة، وانتشال ما يقرب من 50 جثة من داخل مدرسة واحدة هي "مدرسة البراق"بعد قصف صاروخي ومدفعي مكثف طالها عمدا، أما عن المستشفيات وقد جاءها الدور بعد قطع الوقود والماء والكهرباء والغذاء والدواء عن كامل القطاع فإن أكثر من 20 مستشفى من أصل 35 قد توقفت تماماً وخرجت عن الخدمة " بحسب الصحة الفلسطينية، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن " أكبر مستشفى فى قطاع غزة تعرض للقصف وأن معظم المستشفيات أصبحت الآن خارج الخدمة" كل ذلك يأتي مع ارتفاع شهداء القصف الصهيوني المتواصل بأسلحة امريكية واوربية محرمة دوليا إلى 11078 شهيدا، بينهم 4506 أطفال، و3027 امرأة، و668 مسنا، وأكثر من 27 ألف مصاب حتى كتابة السطور، والحصيلة قابلة للزيادة في كل ساعة، بالتزامن مع قصف محيط وحصار العديد من المستشفيات ومنع الدخول اليها أو الخروج منها وأبرزها الإندونيسي والرنتيسي والنصر والعودة اضافة الى الاستهداف العنيف والمتكرر لمجمع الشفاء الطبي لقتل كل من بداخله من الجرحى والمرضى والنازحين وترويعهم، وما كارثة قصف وتدمير المستشفى الاهلي المعمداني منا ببعيد وقد تسبب القصف باستشهاد واصابة المئات وفقا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش!

وفيما يتابع الشارع العربي والإسلامي البيان الختامي للقمة العربية الطارئة رقم 15، من إجمالي 62 قمة عربية تم عقدها منذ تأسيس الجامعة العربية على خلفية الاحداث في فلسطين في آذار / 1945، وقد دمجت مع القمّةً الاستثنائيّةً لمنظمة التعاون الإسلامي لتكون القمة العربية الاسلامية الاستثنائية المشتركة، والتي تأتي وفقا لبيان الخارجية السعودية "كإرادة عربية واسلامية مُشتركة تجاه ما تشهده غزة والأراضي الفلسطينية من تطورات خطيرة وغير مسبوقة ".

وها قد مر 36 يوما على الحرب الشعواء ضد قطاع غزة وهناك عدد لايحصى من النشطاء العرب وهم ينامون على فرشهم فيما يطيلون الشخير متسائلين عن " محور المقاومة ..وين ؟"، يقابلهم نشطاء ينامون بدورهم على أرائكهم ويطيلون الشخير سائلين عن " الجيوش والحكومات العربية ..وين؟"، وبعضهم يسأل عن دور الـ جامحة - العربية، وآخرون عن دور منظمة - التهاون - الإسلامي، وعن أسباب صمتهما المطبق، وبين هؤلاء وهؤلاء النائمين واللامبالين من الفريقين دمرت غزة عن بكرة أبيها، وكثيرون إلا ما رحم ربك نائم يشخر أو يجد لجبنه وخوره وتخاذله وسكوته المطبق مبررا صنعه من وحي جبنه، ومن نسج خياله، ومن بنات أفكاره، ووالله وبالله وتالله لقد اكتشفت من المتخاذلين والمثبطين بهذه الذريعة أو بتلك ما لم يخطر لي على بال يوما قط وبما فسر لي وأجاب عن اسئلة حائرة عديدة لطالما سألتها بيني وبين نفسي لتفسير الكثير من أحداث التاريخ المبهمة من قبل تدور حول "ترى كيف يتخاذل عرب ومسلمون عن نصرة اخوانهم في وقت يرتكب فيه الاعداء كل ما يحلو لهم من جرائم شنعاء بحقهم ؟ اليوم فحسب فهمت جليا كيف سقطت غرناطة ومعها الأندلس سنة 1492م وبقية العرب والمسلمين - صاموط لاموط -، وكيف سقطت بغداد مثلها على ايدي المغول سنة 1258م، وكيف سقطت القاهرة بيد نابليون سنة 1798م، وكيف سقطت مصر بيد البريطانيين سنة 1882م، وكيف احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 م، وكيف احتلت تونس سنة 1881م، وكيف احتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911م، وكيف احتلت اسبانيا المغرب سنة 1912م، وكيف سقطت فلسطين بيد الجنرال إدموند اللمبي 1917م ليقول قولته الشهيرة - اليوم انتهت الحروب الصليبية -، وكيف سقطت دمشق بيد الجنرال الفرنسي جان لويس غورو، سنة 1920م ليقول مقولته الشهيرة -ها قد عدنا يا صلاح الدين - وما بعدها وما قبلها من احداث وكوارث كبرى يندى لها جبين الانسانية جمعاء، اليوم فقط تأكدت بأن كل هؤلاء إنما دخلوا الى بلادنا واستعمرها لأن المتخلفين والمتخالفين والمختلفين فيما بينهم من العرب والمسلمين يقضون كل أوقاتهم، ومعظم ساعاتهم، في لوم وتوبيخ وتثبيط والسخرية من أحدهم الاخر فقط لاغير وكل واحد منهم يظن بأنه يحتكر الحقيقة المطلقة، وبأنه الوحيد الذي يفهم اللعبة، ويعي كل ما يدور من خلف الكواليس ومن أمامها، ليجد له من المبررات ما يجعله ينام على وسادته مرتاح البال والضمير وشعاره هو " وليكن بعدي الطوفان "بل وقد تمادى بعضهم الى الحد الذي لم يكلف فيه نفسه حتى بالدعاء لإخوانه بظهر الغيب وما أسهل الدعاء وما أيسره ..لم يكلف نفسه حتى بالتظاهر السلمي وما أكثره، حتى بالاحتجاج الشعبوي وما أشده، حتى ببيت شعر ولا أقول قصيدة وهو شاعر، حتى بكتابة مقال صغير وهو كاتب، حتى بخبر - طياري - وهو صحفي، حتى بموعظة - تيك اواي - وهو واعظ، حتى بخطبة قصيرة وهو خطيب، حتى ببوست لايسمن ولا يغني من جوع وهو ناشط، حتى بكاريكاتير وهو رسام، حتى بأنشودة وهو منشد، وما دروا جميعا بأن اليوم غزة " وهي الثور الابيض " وغدا الضفة لامحالة "وهي الثور الاسود "، وبعدها كل العواصم العربية والاسلامية واحدة تلو الأخرى ولن ينفع بعدها ترديد الحكمة الشهيرة "أكلت يوم اكل الثور الابيض "، شاء ما شاء وأبى من أبى، ولات حين مندم "ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

بقي أن تعرف جانبا مما يلقى على قطاع غزة من أسلحة دمار شامل محرمة دوليا لاتفتأ الادارة الامريكية بارسالها تباعا الى ربيبتها المدللة وبالمجان وأبرزها القنابل الارتجاجية "الزلزالية" وهي قنابل تلقى من ارتفاعٍ شاهق بسرعة تساوي سرعة الصوت لتخترق سطح الأرض وتصل الى عمق يتراوح بين 20 و30 متراً قبل انفجارها لهدم المباني والأنفاق المحيطة ولتحدث أشبه ما يكون بالهزات الارضية ولذلك يطلق عليها اسم "القنابل الزلزالية"بحسب "القناة 12" العبرية .

تليها "القنابل الغبية" التي تسببت بتدمير مئات المباني في القطاع وقتل واصابة الاف المدنيين، انطلاقا من عزم دويلة الاحتلال تحويل غزة إلى هيروشيما ثانية ولكن من دون استخدام الأسلحة النووية وإن كان بعض المراقبين قد أكد استخدام الكيان المسخ قنابل "نووية موضعية صغيرة " في الحرب الاخيرة، ويرجع استخدام القنابل الغبية أميركية الصنع الى حقبة الخمسينات والحرب الكورية، ويطلق عليها أسماء عدة منها القنابل غير الموجهة، وقنابل السقوط الحر، وقنابل الجاذبية، والقنابل الحديدية وتتبع مسارا باليستيا يصعب توجيهه بـطريقة "الإسقاط الحر" ما يجعلها من أكثر القنابل إصابة لأهداف غير مقصودة، بحسب الصحفي الأمريكي، سيمور هيرش، ومنظمة "حقوق الإنسان" الدولية .

وهناك ايضا قنابل اليورانيوم المنضب المخصصة لاختراق دروع الدبابات والمصفحات وتتميز باحتوائها على نسبة ضئيلة من النظائر المشعة، وتم استخدامها أول مرة في حرب الخليج عام 1991، وكوسوفو عام 1999، وحرب العراق 2003 وتعد من أشد الملوثات البيئية وأخطرها والتي يستمر تأثيرها الكيميائي فضلا على الإشعاعي لسنين طويلة لتسبب تشوهات خلقية وارتفاع معدلات السرطان وفقا لموقع دفاع العرب، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وصحيفة "إزفيستيا".

كذلك استخدام القنابل الفراغية الحرارية " التي تسمى ايضا بـ" القنبلة الحرارية الضغطية" و" قنبلة الغبار الجوي" و" قنبلة المتفجرات الهوائية وتتألف من حاوية وقود وشحنتين متفجرتين منفصلتين، ومن أنواعها قنبلة "بي إل يو-109"، و"بي إل يو-188"و"بي إل يو-188 بي" وتعمل على اختراق الملاجئ الخرسانية قبل انفجارها بفعل توليدها ما يعرف بـ" الضغط السلبى" لتفريغ الأوكسجين من موقع الانفجار ما يمهد لتدفق الضغط الجوي من جميع الاتجاهات ليدمر الهدف وقد استخدمتها القوات الأمريكية في فيتنام، وفي أفغانستان، وبمعركة المطار في بغداد 2003 وفقا لمجلة "ذي ويكلي ستاندارد"، ومنظمة الأمن الكوني العسكرية.

ولا يختلف الحال مع قنابل الفسفور الابيض برغم حظرها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC) في عام 1997 الا أن دويلة الاحتلال تستخدمها على نطاق واسع، لغرض تدمير المعدات، وإضاءة ساحة المعركة، وقتل المدنيين وهذه قنابل تعمل على امتزاج الفسفور بالأوكسجين لينتج نارا ودخانا أبيض لإحداث حاجز دخاني كثيف أو لتحديد الأهداف وإحداث حروق مؤلمة للمصابين قد تصل إلى العظام وتخترقها في حال لم تعالج فورا، اضافة الى إلحاق أضرار بالكبد والكلى والرئتين وتسبب السرطان زيادة على تلويث البيئة وترسبها في التربة أو قاع الأنهار والبحار وقد استخدمتها أمريكا في فيتنام، والفلوجة 2004، فيما تستخدمها دولة الاحتلال لقصف قطاع غزة منذ عام 2009 وبما ينتهك القانون الدولي بحسب هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية.

أما عن القنابل العنقودية، والتي تسمى ايضا بالعشوائية وبرغم توقيع أكثر من 100 دولة على "اتفاقية حظر استخدام أو تخزين القنابل العنقودية "الا أن دولة الاحتلال تصنعها وتقصف بها قطاع غزة في كل هجماتها ولاسيما من الطائرات والمدفعية الثقيلة، والقنابل العنقودية عبارة عن حاويات ينفلق الجزء العلوي منها في الهواء لتطلق عددا كبيرا من القنابل الصغيرة التي تنتشر على مساحة تعادل ثلاثة ملاعب ونصف لكرة القدم، ينفجر 40 % منها فور ارتطامه بالأرض، لتنفجر البقية تباعا فيما يبقى عدد كبير منها كألغام أرضية ومصائد مغفلين تنفجر فور لمسها أو الارتطام بها وقد استخدمتها أمريكا في معظم حروبها، كذلك تفعل ربيبتها اسرائيل وبإفراط ومن دون تمييز في حروبها وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر ومرصد القنابل العنقودية ومنظمة "هانديكاب انترناشونال" الاغاثية .

وختاما على الكيان الغاشم وقف العدوان فورا، وفتح المعابر لادخال المساعدات الطبية والانسانية بصورة آمنة ومستدامة من دون قيد أو شرط، والدول العربية والاسلامية قطع العلاقات مع الكيان وكل من يدعمه، وقطع النفط والغاز، وعلى الدول المطبعة " الاردن، مصر، الامارات، البحرين، السودان، تركيا " طرد السفراء الصهاينة، وغلق السفارات في بلدانها والغاء التطبيع، وعلى اميركا واوربا الكف عن دعم هذا الكيان اللقيط، وايقاف عمليات التجريف والترويع والتهجير القسري، وعلى المحاكم والمؤسسات والمنظمات الدولية في أرجاء المعمورة ادانة جرائم الكيان الصهيوني المسخ وفضحها، وتجريم قياداته الفاشيين وبالتقادم، وجرجرتهم في أروقة القضاء رغما عن أنوفهم، واجبارهم على دفع التعويضات كاملة غير منقوصة لكل من ألحقوا بهم الضرر نفسيا وجسديا وماديا ومعنوياعلى مدار 75 عاما، وايقاف بناء المستعمرات -المستوطنات - نهائيا، ولجم حاخامات صهيون عن اقتحام أروقة الأقصى المبارك، واطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية، وأقولها بصراحة لقد حضرت عشرات المؤتمرات والندوات طيلة العشرين عاما الماضية وكان البيان الختامي لأضعفها وعلى هزالته أقوى من بيان القمة العربية -الاسلامية المشتركة.

***

احمد الحاج

على نهج المسألة الزنبورية التي تسببت بموت سيبويه (765 - 796) بعد مناظرته المشهورة مع الكسائي (737 - 806) .

هناك جبل جليد إرتفاعه 75 متر، غاطس في بحر الإعلام الهائج الذي يرى ما بدى منه، وبموجب ذلك تمضي التفاعلات المتناسبة مع تبدل الأجيال.

فالعالم يتفاعل مع ما يراه من جبل الثلج، وينكر النسبة العطمى الغاطسة وينفي وجودها، ويدّعي ما يدّعيه وفقا لما يشاهده على أنه كل المشكلة.

الإحتلال حق، والمقاومة باطل، القوة حق والضعف مسلوب الإرادة، فلماذا تتحدث الضحايا عن حقوقها الغاطسة في وحل التضليل والدجل والتشويه؟

الحق للأقوى، والنار تأكل الحطب، ومَن يرى أن النار لا يجوز لها ذلك، عليه تعليم الحطب أن لا يكون طُعما لها.

عالم تمتزج فيه الحالات وتغيب في بعضها ولا يستطيع الضعفاء أن يستردوا ذاتهم وهويتهم، ويبدو أن الأرض بحاجة لزيادة سرعة دورانها لتحقق فعل الطرد المركزي . فتعزل الأشياء وتمنحها بعض الملامح الدالة عليها.

هذا واقع فاعل في زمننا المعاصر، الذي توقفت فيه العقول وانطلقت العواطف والإنفعالات، وتسيّد الألس والأفون على مراكز الهيمنة والإقتدار، وأصبحت البشرية على شفا سقرات الفناء القارعة، والإعلام صداح بالأضاليل وتصنيع الآراء على هواه.

فهل من قدرة على إزالة غشاوات العيون والأبصار، ومن صوت يعبّر عن جوهر الأمة وإرادتها الحضارية؟

أم أن التبعية والخنوع مذهب ذوي العاهات الكرسوية؟!!

***

د. صادق السامرائي

بنظرة على عجالة إلى ما تحت عدسات المجهر، وباستقراء سريع لما يدور من أحداث على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مؤسسة من مؤسسات البلاد، يتبين أن حرص المواطن على تلك المؤسسات أشد بكثير من حرص بعض مديريها عليها، ولاسيما المؤسسات الخدمية، وهذا ليس اتهاما من وحي البغض او التسقيط او المكيدة، فهو واقع أثبته القائمون على إدارة مفاصلها، وما تظاهُر منتسبيها وكوادرها بين الحين والآخر، إلا دليل على سعيهم في تصحيح الأخطاء، وتقويم الاعوجاج الذي يقع فيه مديرو مؤسساتهم، ومعلوم أن المقتضيات المهنية -فضلا عن الأخلاقية والوطنية- تحكم المديرين وتضعهم في خانة، لامناص لهم داخل إطارها من الجد والمثابرة بعملهم، وكذلك الإخلاص والصدق والشفافية، وهذه المعطيات لن يلتزم بها إلا من أتى مؤسسته "بقلب سليم".

وأظن مديرين بالصفة هذه عملة نادرة في يومنا هذا، إذ أن أغلب مديري مؤسسات عراقنا الجديد، لايضعون أداءهم المهني على رأس قائمة الاهتمامات والأولويات، بل تسبقه من الأولويات المادية والنفعية الكثير، كانوا قد وضعوها نصب أعينهم، قبل تسنمهم مهام وظيفتهم كمديرين، الأمر الذي أفضى الى تداعيات في أدائهم الوظيفي، وأداء معيتهم من منتسبي مؤسساتهم، وسارت نتيجة لهذا مؤسساتهم نكوصا باتجاه الفشل والخراب، وأضحى التدني في الأداء والخدمات عنوانا وسمة بارزة لهم. وعلى ذكر الإدارة والمدير، أود تفسير سبب إحجامي عن ذكر مفردة مدراء، وذهابي الى جمع مدير على مديرين وليس مدراء، أقول:

جاء في كتب اللغة أن مفردة مدير أصلها مُدوِر، ثم قلبت الواو بعد الإعلال ياءً، فصارت مدير، وقد جاءت من الفعل الرباعي الماضي أدار، وجذره دوَرَ، واسم الفاعل منها على وزن مُفعِل وليس فعيل إذ أن الميم زائدة، وقد اتفق الصرفيون أن الوصف المبدوء بميم زائدة في فعله المجرد -كما هو في مدير- لايجمع جمع تكسير بل يجمع جمع سلامة، بالواو رفعا، وبالياء نصبا وجرا، فالقياس إذن، في جمع مفردة مدير هو مديرون وليس مدراء.

أما مدراء فهو جمع تكسير لاسم الفاعل مادر، الذي اشتق من الفعل الثلاثي مدر، ومدر لها معنى آخر يختلف تمام الاختلاف عن أدار، حيث يقال: مدر الرجل الحائط ويمدره مدرا، أي يسد الفجوات والشقوق التي فيه بالمَدَر، والمدر -أجلّكم الله- هو الطين اللزج المتماسك، وعليه فالمدراء هم المطيّنون للحيطان والأسطح والأرضيات والسقوف بغية إصلاحها.

وفق هذه المفاهيم يتضح لنا أن وظيفة المدير غير وظيفة المادر، إذ أن الأول يعوّل عليه في إدارة ماموكل به من عمل، وهو مسؤول عن أدائه ومحاسب على النتائج المبنية عليه، كما أنه يُسأل عن كل كبيرة وصغيرة، وشاردة وواردة، وهُمزة ولُمزة تطرأ على ما منوط به من واجبات، وقد قيل في هذا:

فإذا وُليت أمر قوم ليلة

فاعلم بأنك عنهم مسؤول

وإذا حملت الى القبور جنازة

فاعلم بأنك بعدها محمول

هو سؤال أنوب عن أكثر من أربعين مليون شخص بتوجيهه الى بعض "المديرين" في مؤسسات العراق، وكذلك الى معاونيهم ووكلائهم بدرجاتهم جميعها، هل أنتم تديرون مهامكم في مؤسساتكم على الوجه الأكمل؟ إن كنتم كذلك فأنتم "مديرون" فعلا، أما لو كنتم العكس، فأنتم "مدراء" والمدراء كما أسلفت هم المطيِّنون، والمطيِّنون لهم محلات اشتغال أخرى، يثابون على حسن أدائهم فيها، أما أنتم يا "مديرون" فلكم بئس الأجر فيما تطيِّنون، وسوء العاقبة فيما تقدمون.

***

علي علي

ومشروع إسرائيلي لما بعد انتهاء حرب غزة

ليس خافياً على المراقبين بأن الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية، ومن يدور في فلكها من الحلفاء الغربيين، وبعض الدول العربية المنضوية تحت عباءة الاتفاقية الإبراهيمية، هو البحث اليائس في مصير قطاع غزة ما بعد الإطاحة بحركات المقاومة في غزة وعلى رأسها حماس!! وذلك من خلال ارتجال خطتين جرى الإعداد لهما على عجل نظراً لعنصر المفاجأة الذي حققته المقاومة في طوفان الأقصى ما أربك كل حسابات القيادة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة.. وذلك على النحو التالي:

أولاً:- محاولة إخضاع قطاع غزة لإدارة مشتركة، قطرية إماراتيةمصرية سعودية إلى جانب ما تبقى من حطام سلطة أوسلو ، بدون الأردن الذي اعترض على هذا النهج التصفوي للقضية الفلسطينية، وذلك برعاية أمريكية شاملة، مع احتفاظ "إسرائيل" بكامل الحق في التدخل أمنياً وفق المستجدات الطارئة في القطاع لقطع "دابر حماس الإرهابية" لو أعادت بناء نفسها مستقبلاً.

وبالتالي العودة إلى شعار "مواجهة الخطر الإيراني" الداهم -وفق الرؤية الغربية- الذي بسببه تم إبرام اتفاقيات إبراهام حيث توقفت عند عتبات السعودية؛ بسبب طوفان الأقصى.

وقد جرى التمهيد لذلك إعلامياً على اعتبار أن حماس مجرد ذراع إيرانية عسكرية لو انتصرت فإنها قد تزعزع أمن المنطقة؛ ليتم تصدير هذه الفكرة المضللة إلى الإعلام العربي والبناء عليها بمشاركة الجيش السيبراني الإسرائيلي المؤثر عبر الفضاء الرقمي.

وهذا من شأنه لو تحقق؛ أن يبرر ضرب حماس في غزة بالحديد والنار فَيُشْفَعُ ل"إسرائيل" ما اقترفت من جرائم لا تقارن إلا بالنازية؛ حتى لو جاءت النتيجة وبالاً على الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للتطهير العرقي في عموم فلسطين وخاصة غزة.

مع أن دخول قوات أجنبية إلى غزة سيعرضها لنيران المقاومة كونها تدرك الغاية من مجيئها حتى لو رفعت علم الأمم المتحدة.

في تحليل نشرته فورين بوليسي في الثامن من نوفمبر 2023، يقول، جيسون باك، وهو مقدم برنامج بودكاست (Disorder)، ومؤلف كتاب "ليبيا والاضطراب العالمي الدائم"، إن الغرب يجد في الحرب المستعرة في غزة، فرصة لا تعوض لإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط السياسية.

ويحاجج الكاتب بأن الفشل في اغتنام الفرصة الدبلوماسية التي توفرها هذه الأزمة من شأنه أن يزيد احتمالات نشوب حروب في المستقبل، خاصة أن الشهر الأول من الحرب لا يعطي بوادر تشير إلى إمكانية تحقيق نتائج عسكرية قادرة على توفير الأمن أو الرخاء سواء للإسرائيليين أو الفلسطينيين.

ويعتقد أن نهاية الحرب في ظل غياب حل إقليمي، وتعقيد الانقسامات القائمة حاليا سيشكل "انتصاراً لحماس وإيران وروسيا" حسب رأيه.

وفي تقدير معظم الخبراء العسكريين -منهم الدويري عبر قناة الجزيرة- أن هذا الأمر يبدو مستحيلاً لأن الوقائع الميدانية تشير إلى عجز جيش الاحتلال عن تحقيقِ سيطرةِ حقيقةٍ على الأرض، رغم توغله فيها، حيث تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال غارق في مستنقع غزة ويتعرض لحرب استنزاف خطيرة.

إذْ حوّلت أنفاقُ غزةَ رجالَ المقاومةِ إلى أشباح ما لبثت تكبد جيش الاحتلال خسائر طائلة في المعدات والأفراد ثم تختفي.

إلى جانب أن حماس كانت مستعدة لحرب طويلة الأجل، وقد تحولت الأنفاق إلى مدينة استثنائية تحت الأرض، كاملة الخدمات، مما سيساعد على إطالة أمد الحرب، وخاصة أن المقاومين عبرها دمروا أكثر من 165 دبابة ميركافا وناقلة جنود من طراز النمر بصواريخ الياسين المصنعة محلياً.

ثانياً:- فإذا نجح جيش الاحتلال -وهذا مستحيل- في سحق المقاومة ومن ثم إخضاع القطاع لأدارة عربية إسرائيلية؛ فإنه سَيًعْلَنُ عن تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كهدف استراتيجي منشود يجتمع عليه الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه.

من جهته ألقى اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كلمة متلفزة، أكد فيها حرفياً بأن “لا هجرة من الضفة أو غزة إلى مصر، وأحيي موقف الأشقاء في مصر الذين يؤكدون أنهم الحاضنة ولكن على أساس لا هجرة”.

وأكد هنية أن “أهل غزة متجذرون في أرضهم ولن يخرجوا من غزة”.

ويرى مراقبون أن هاتين الخطوتين إنما تدلان على تخبط القيادة الأمريكية وفي أن جيش الاحتلال في مأزق وجودي، وما استهدافه المدنيين إلاّ تأكيداً على ذلك.

وهذا من شانه أن يفسر الكثير مما يدور حولنا من سياسات مبهمة ومتعددة التفاسير.. على نحو الرفض المصري الأردني لمشروع تهجير الفلسطينيين القسري سواء كان ذلك إلى سيناء أو إلى الضفة الغربية مستقبلاً في إطار الوطن البديل.

وقد اعتبر البلدان محاولة تنفيذ هذا المشروع بمثابة إعلان حرب حقيقية.. ناهيك عن حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على غزة دون تمييز رغم أن القصف الذي استهدف البنايات السكنية لم يؤثر على أنفاق غزة التي يتمترس فيها المقاومون.

وهذا يعيدنا إلى تحقيق اجرته قناة الجزيرة في 2017 خلصت فيه إلى أن خطة توطين الفلسطينيين بسيناء قديمة وتعود إلى عام 2003، بصدور أول مطالبة إسرائيلية بتوسيع حدود قطاع غزة 50 كيلومتراً لتصل إلى العريش؛ لكن المصريين رفضوا المشروع.

فقد كتب رئيس قسم العالم العربي والشرق الأوسط راينر هيرمان في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" عام 2017 واستهله بالإشارة إلى أن النظام المصري استقبل -من قَبْل- وزيرة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية غيلا غامليئيل في القاهرة، العضو بالحكومة الإسرائيلية.. التي تحدثت عن سيناء كأفضل وأنسب مكان لإقامة دولة فلسطينية ووجه كلامها بالرفض الشديد.

وأشار هيرمان إلى أن شبكة "بي بي سي" البريطانية ذهبت إلى أبعد من الجزيرة بكشفها وثائق أظهرت أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك وعد بتوطين الفلسطينيين بسيناء عام 1982، مشيرا إلى أن هذا العام شهد أيضا استرداد مصر آخر جزء احتلته "إسرائيل" من سيناء بعد حرب 1967.

ومن يومها دفنت الفكرة تحت مستحقات اتفاقية كامب ديفيد لدى الطرفين، ولكن الفكرة ظلت كامنة في العقل الصهيوني لاغتام أية فرصة قد تساعد على تحقيقها.

ويبدو انها الآن قد حانت في سياق الحرب على غزة؛ رغم استحالتها بفعل صلابة المقاومة.

ففي حالة التخبط الذي يعاني منه الاحتلال فإن فكرةً كهذِهِ لو تحقق جزءٌ منها سَيُخْرِجُ القيادةَ الإسرائيليةِ من عنق الزجاجة.

الحسابات المصرية الراهنة اعتبرت المشروع خطراً على أمن مصر القومي على المدى البعيد، ما دعا الرئيس المصري، السيسي إلى أن يرفض المشروع جملة وتفصيلاً، لا بل واعتباره بمثابة إعلان حرب على مصر.

وهو ما فعلته الأردن -من جانبها- كونه لو نفذ سيمهد لتنفيذ مشروع الوطن البديل من خلال تفريغ الضفة الغربية من الفلسطينيين على حساب الأردن.

ولكن المثير في الأمر هو الدور الإماراتي غير الواضح في العودة إلى مشروع التهجير والذي كان مرتبطاً بصفقة القرن والاتفاقية الإبراهيمية، وذلك من خلال رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة ومستشار بن زايد، محمد دحلان، حيث خلص هيرمان في مقاله المنشور في جريدة "تسايتونغ" الألمانية -أعلاه- إلى أن وجود المئات بالعريش من أنصار محمد دحلان الممول من الإمارات يُعَدُّ دليلاً إضافياً على أن "صفقة القرن قادمة".

فعقلية دحلان مهيأة لمجابهة حماس، ولا أريد توظيف ما اتهمه به عباس باغتيال الشهيد عرفات رغم نفيه لذلك؛ ولكن تجدر الإشارة إلى اتهام دحلان بالوقوف وراء تشكيل خلية الموت التي أنيطت بها مهمة تصفية الشخصيات البارزة في حماس، حيث نُسِبَتْ إليها عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي، فبراير 2010، وفق ما كشفه في حينها محمد نزال أحد القياديين في حركة حماس من خلال اضطلاعه على نتائج التحقيقات رغم نفي دحلان مسؤوليته في ذلك،

فهل يشير ذلك إلى دور إماراتي مشبوه باتجاه تحقيق مشروع ترحيل الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء!؟ مع أن الأمر لا يخرجَ عن طور التكهنات.

وإلّا فما هو تفسير ما جاء في كلمة مندوبة الإمارات في مجلس الأمن حينما ساوت ما بين الجلاد والضحية متهمةً حماس في أنها حركة إرهابية!؟

إلا يشير ذلك إلى تأييد الإمارات المبطن للموقف الإسرائيلي! أم أنه خطاب سلمي تتبناه الإمارات في المواقف الإقليمية!؟

وما رأيكم فيما قالته شبكة (Rotter Net) الإخبارية في أن “الأمريكيين والإماراتيين يحاولون الضغط على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لقبول سكان قطاع غزة مقابل سلسلة من المزايا الاقتصادية والأمنية”.

إلا يتوافق هذا الموقف مع ما قاله موقع صحيفة إلموندو ديبورتيفو الإسبانية في" أن هناك مرتزقة من إسبانيا وألمانيا وفرنسا والهند وعرب وأفارقة يشاركون في الحرب على غزة، وتقوم (شركة بلاك شيلد الإماراتية للمرتزقة العسكريين) بإرسالهم للقتال في غزة، ما فتح التكهنات حول اسم هذه الدولة العربية.

وقالت تقارير غربية ان علاقة مشبوهة تربط الإمارات بشركة بلاك شيلد التي تقوم بتجنيد المرتزقة بمرتبات خيالية للقتال إلى جانب "إسرائيل" في حربها البرية على غزة،

فماذا لو علمنا بأن لدى دحلان علاقات وثيقة مع شركات الأمن الخاصة التي توفر هؤلاء المرتزقة في كل الحروب الإقليمية التي شاركت فيها الإمارات سواء في ليبيا، اليمن، السودان!؟

والغريب أن "إسرائيل" التي دمرت معظم مستشفيات غزة تمنح الإمارات تصريحاً ببناء مستشفى ميداني في القطاع، وفق وكالة الأنباء الإماراتية "وام"..

فهل يثق أهل غزة -بعد كل ما ذكر- في مستشفى سبق وأن طُرِدَ كادرُهُ من غزة عام 2014 بسبب اتهامه بالتجسس؟

ففي مثل احوال غزة فإن الشك يشبه اليقين.

وللتذكير في مجريات ما حدث آنذاك فقد أوضح موقع " الجمهور" يوليو 2014 بأن الجهاز الامني التابع لحركة حماس بما لا يدع مجالا للشك اكتشف أن جميع أفراد الطاقم الإماراتي يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي، وأن مهمتهم السرية التي جاؤوا من أجلها إلى قطاع غزة تنصُّ على جَمْعِ معلومات استخبارية عن مواقع كتائب القسام ومنصات إطلاق الصواريخ.

ولفتت المصادر إلى أن التحقيقات المطولة التي اخضع لها الوفد الاماراتي كشفت بشكل قاطع عن أن عدداً من أعضائه يعملون كضبّاط كبار في جهاز الأمن التابع لأبو ظبي.

فهل مهمة المستشفى الميداني الإماراتي الجديد تختلف نظراً لهمجية القصف الإسرائيلي على القطاع أم هو يمثل حصان طروادة تحت مظلة طبية.

أتمنى أن تأخذنا الإجابات إلى تبرئة الإمارات العربية من هذه التهم حتى نحلم بمؤتمر عربي منصف للفلسطينيين في 11 نوفمبر المقبل، يؤدي دوره باقتدار لصالح حقوق الشعب الفلسطيني بدءاً من فتح المعابر لإدخال المساعدات إلى غزة ووقف إطلاق النار، واعتبار حماس حركة مقاومة تهدف إلى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني التي وأدتها أوسلو .. ولعله حلمٌ اقصاه قطع العلاقات من الاحتلال ولا نريد تدخلاً عسكرياً من اي قطر عربيّ كان.

أيضاً الإقرار بأنه لولا طوفان الأقصى ودماء الشهداء والتفاف الشعب الفلسطيني في غزة وخارجها حول خيار المقاومة لما ظل للقضية الفلسطينية من أثر.. وها هي المقاومة تضع النقاط على الحروف فيما جيش الاحتلال وأوهامه غارقان في مستنقع غزة.

***

بقلم: بكر السباتين

9 نوفمبر 2023

يوما بعد يوم، تثبت الحواسيب أنها قادرة بشكل متزايد على أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًا، بدءًا من الترجمة وصولاً إلى تشخيص الأمراض، علاوة على ذلك، فإن الخوارزميات الكامنة وراء الذكاء الاصطناعي أضحت قادرة على التأثير على قراراتنا بشكل متزايد: من الأخبار التي نقرأها، مرورا بمقاطع الفيديو التي نشاهدها، وبلوغاً إلى الطريقة التي نتفاعل بها.

الذكاء الاصطناعي: هو عبارة  عن فرع من فروع علوم الكمبيوتر، يركز على إنشاء آلات يمكنها محاكاة الذكاء البشري، مما أحدث ثورة في الطريقة التي تعمل بها المؤسسات وتتفاعل مع عملائها ومنها المؤسسات المالية.

كذلك يعرف أنه: أحد مجالات علوم الحاسب، يهدف إلى إنشاء أنظمة يمكنها تنفيذ المهام التي تحتاج عادةً إلى الإدراك البشري، مثل التعلّم وصنع القرار والتطوير الذاتي، ويُشار إليه غالباً باسم “ذكاء الآلة”.

فقد مهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي، ومعالجة اللغات، وتحليلات البيانات، الطريق لتجارب عملاء أكثر تخصصية، وتعزيز اكتشاف الاحتيال، وإدارة المخاطر بكفاءة، وتبسيط العمليات التشغيلية.

ولقد عمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى، كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه، وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال، فعلى سبيل المثال، تستخدم شركة Netflix التعلم الآلي لتوفير مستوى من التخصيص مما ساعد الشركة على تنمية قاعدة عملائها بأكثر من 25 بالمائة.

ولم يؤد ذلك إلى تحسين رضا العملاء فحسب، بل أدى أيضًا إلى تحسين العمليات الداخلية، مما أدى إلى توفير التكاليف وتحسين عملية صنع القرار، وعلى الأغلب ما يُشار إلى دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات المصرفية باسم "الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الخدمات أو الأعمال المصرفية". إن دمج الذكاء الاصطناعي في الأعمال المصرفية لا يؤدي فقط إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية وإشراك العملاء، بل يمكّن البنوك أيضًا من الحفاظ على قدرتها التنافسية في القطاع المصرفي والذي يعتبر قطاع سريع التطور.

فضلاً عن ما ذكر يُمثّل دمج الذكاء الاصطناعي في الأعمال المصرفية تحولًا مُلفتًا يحمل إمكانات هائلة لكل من المؤسسات المالية وعملائها، كذلك يعتمد الاستخدام الناجح للذكاء الاصطناعي في الأعمال المصرفية على قدرة الصناعة على تحقيق التوازن بين الابتكار والموثوقية، ومن خلال تعزيز ثقافة الابتكار، والاستثمار في حوكمة قوية للبيانات، يمكن للبنوك تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في خدماتها. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، فمن المرجح أن تصبح الخدمات المصرفية أكثر سلاسة وتخصيصًا وكفاءة، مما يبشر بعصر جديد من المشاركة المالية التي تجمع بين الخبرة البشرية والتكنولوجيا المتطورة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، إن الذكاء الاصطناعي سيكون محور الاستثمار الرئيسي للشركة في عام / 2024، معلناً عن خطط لتعزيز الموارد الحوسبية وتوظيف المزيد من المهندسين. وأضاف زوكربيرغ، خلال إعلان أرباح الشركة في الربع الثالث من العام الحالي، أن ميتا ستستمر في إيلاء أولوية أقل للمشاريع التي لا تتعلق بالذكاء الاصطناعي.

وأوضح أن الشركة تعتزم في نهاية المطاف استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مخصص للمستخدمين عبر تطبيقاتها، وتابع: "بالنسبة لتطبيقات موجز الأخبار، أعتقد أنه بمرور الوقت سيقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد أو تحرير المزيد من المحتوى الذي يستهلكه الناس".

واليوم يعيش العالم في عصر تطور رهيب و سريع في مجال التكنولوجيا الحديثة، ومن أبرز هذه التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فهو أصبح يلعب دورًا متزايد الأهمية في حياتنا اليومية وفي مختلف النواحي و المجالات. و يعد الذكاء الاصطناعي تقنية قوية ومبتكرة، لكن مع هذا التقدم السريع تنطوي عليه مخاطر وتحديات يجب أن نواجها وأن نتعامل معها بحذر بشديد.

فإحدى المخاطر الرئيسية للذكاء الاصطناعي هي تأثيره على سوق العمل والوظائف. لأنه يتوقع أن يؤدي تطور التكنولوجيا إلى تطوير آليات وروبوتات ذكية كذألك، و القادرة على أداء الأعمال البسيطة والمتكررة بشكل أفضل وأسرع من البشر، مما يتسبب في فقدان الكثير من وظائف العمل التقليدية، وبالتالي خلق مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفقر.

أعتقد أن بعض مجالات التكنولوجيا تستفيد من الذكاء الاصطناعي، مثل العمل الطبي والاستخباراتي لتطبيق التعرف على الأنماط بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر، وأرى أن هناك بعض التطبيقات السيئة مثل سلسلة منشورات الكتب التي تصيب الإنترنت، ومن الأمثلة على ذلك أنه بعد فترة وجيزة من الحرائق في هاواي، وبعد يوم واحد كانت هناك كتب للبيع على الإنترنت كتبها الذكاء الاصطناعي.

كما أن هناك أيضًا تطبيقات سيئة، مثل إعادة إنتاج الصوت والصور المصممة للتحايل على بروتوكولات الأمان، لذا يجب أن يكون هناك تنظيم للذكاء الاصطناعي يغطي مجالًا واسعًا جدًا، في حين أنه لا يكاد يوجد أي اعتراض على الإكمال الآلي للمهام الحسابية، وما إلى ذلك، يمكن أن يبدو هذا مختلفًا تمامًا بالنسبة للعمليات الأكثر تعقيدًا ومتعددة المراحل.

ففي قطاع الطيران، على سبيل المثال، تعمل القيم الجوية وأجهزة الكمبيوتر الأخرى على تخفيف  الكثير من العمل على الطيار حتى يتمكن من التركيز على المجال الجوي، ومع ذلك، فإنه من الصعب إذا كانت الإجراءات الآلية هي اتخاذ القرارات الصعبة للطيار نفسه، على سبيل المثال، تنفيذ الهبوط الاضطراري في المواقف الحرجة، هنا - على الرغم من صعوبة ذلك - يجب أن يكون لدى الطيار دائمًا الكلمة الأخيرة في معرفة جميع الظروف، لأنه لا يوجد برنامج، مهماً يمكنه التعامل معه سوى الطقس والوزن والسرعة وحالة المدرج وموثوقية رسائل البرج والبيئية وحركة المرور والخصائص المحلية الأخرى .

لكن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعمل بشكل خيالي لترجمة النصوص المكتوبة والأصوات المتنوعة وتصنيف صور القطط /الكلاب وحتى التعرف على الوجوه البشرية - وهي كلها أمثلة لا تزال فيها القرارات السابقة صحيحة.

ومن الناحية الأخلاقية، كيف سيقرر الطبيب معالجة المريض الذي يجب علاجه، عندما يكون هناك سرير واحد في وحدة العناية المركزة فحسب، على سبيل المثال؟ ستذكر الإرشادات دائمًا أن التفضيل يجب أن يكون لشخص لديه فرصة بقاء أعلى.

***

شاكر عبد موسى/ العراق/ ميسان

كاتب وأعلامي

"يرتجي الناس أن يقوم إمام

ناطق في الكتيبة الخرساء

*

كذب الظن لا إمام سوى العقل

مشيرا في صبحه والمساء

*

فإذا ما أطعمته جلب الرحمة

عند المسير والإرساء

*

إنما هذه المذاهب أسباب

لجلب الدنيا إلى الرؤساء"

***

قالها المعري (973 - 1057) ميلادية، فكفروه وزندقوه، وتعني فيما تعنيه، أن لا مرجعية تتقدم على العقل، وإن حسب الكثيرون أن العقل محدود القدرات، فأن أي مرجعية فردية مهما كانت فهي محدودة أيضا.

وفي القرآن نجد الآيات والكلمات التي تحث على إعمال العقل وتفعيله لا تعطيله.

ومعظم المرجعيات تعطل العقل، وتحتكر المعرفة، وتسعى لتكون كأوثان آدمية، على الآخرين أن يتقربوا إليها زلفى، وتلك محنة سلوكية رافقت البشر منذ الأزل، ولا تزال فاعلة في بعض المجتمعات المعاصرة.

والحيرة تنبعث من أنها  تأكدت في ديانات تسمى سماوية، ومعبرة عن الطاقات الإنسانية في أعلى صورها وأرقى تعبيراتها الفكرية والمعرفية.

فكيف يكون في الإسلام وثنية آدمية، وهو الذي جاء ثائرا ضدها، فهل إنتصر سلوك ما قبل الإسلام عليه؟

هل تحوّل الوجود الديني إلى تجارة وللإستعباد؟

في كل دين متاجرون ومرتزقة، ومراؤون ودجالون ومنافقون، والإسلام لا يشذ عن ذلك، فمنذ إبتداء الديانات والدنيا تعاني من العابثين بالبشر بواسطتها، حتى في الحضارات القديمة فأن القائمين عليها سخروها لرغباتهم الشخصية ونوازعهم الفردية، وإستعبدوا الناس بها وسلبوهم حقوقهم وأتعابهم، وإستحوذوا على وجودهم المادي والإنساني، حتى صار الدين سلطة مستبدة ومهيمنة على الحياة، ولا ننسى دور المعابد المسيطرة على الناس، وإمتلاك ناصية أمرهم وتقرير مصيرهم.

فهل عندنا مرجعيات جماعية ذات عقول متفاعلة؟!!

و" نهاني عقلي عن أمورٍ كثيرةٍ...وطبعي إليها بالغريزة جاذبي"!!

***

د. صادق السامرائي

لماذا إخترع الإنسان فزاعة في الحقول كدمية على شكل بشر...؟!.. لأن الطيور تعرف كمية الشر فيه. في كل صباح استيقظ علي صوت يبدأ بالسقسقة والشقشقة وهي أصوت العصافير وقت الصباح، وبين صوت صغارها من أصوات الزميم، والصرير،ومع إرتفاع إشراقة شروق الشمس ترتفع الأصوات اللحن بين الزقزقة والتغريد....ومن عادتي في الصباح أتناول مشروب الشاي وأشعل سيجارة في البلكونة، وأراقب حركة العصافير

بين عشش علي حوائط المسجد الملاصق للمنزل وعلي أسلاك الكهرباء يحدث حركات غير إرادية وسرعة للتحرك والطير وكأنها تراقب عدو سوف يفترسها، يقول: الفيلسوف جاستون باشلار: هل كان العصفور يبني عشه، لو لم يملك غريزة الثقة.؟!

في عام 2014 وأثناء إقامتي في شمال ألمانيا وبالقرب من الحدود الدنماركية كنا نعمل في الدعاية والإعلان في احدي الصحف. وكان المشهد غريب بالنسبة لي وجود قطعان من الغزلان تجوب الشوارع وعلي شاطئ بحر الشمال والبحيرات والغابات والحشائش المتاخمة لها..،

هل كانت الغزلان تتجول هنا في الشوارع، قادمة من الغابات في مواسم الثلج تبحث عن طعام، لو لم تكن تعرف بدقة نوعية البشر هناك..؟ أليست هذه الطمأنينة نتاج تجارب طويلة من قرون..؟

هذا المشهد ليس للتسلية، كذلك صورة للعصافير بجوار منزلنا.. من عدم الثقة.. والهروب وليست صورة تشبة حالة غزال في شارع بجواري أثناء السير، بل صورة نظام ومجتمع وثقافة ومواقف وأحاسيس ثابتة وعلاقة الإنسان مع ذاته ومع الطبيعة ومع الآخر...! حاول ان تغرس شجرة مثمرة او للظل علي رأس أرضك الزراعية في اليوم التالي لن تجدها سوف تختفي..!

حاول أن تقف تحت عصفور في العالم العربي وهو على أسلاك الكهرباء، سيراقبك طوال الوقت لأنه يعرف أية غفلة تكلفه حياته..، كيف وصل العصفور البريء الى هذه القناعة..؟! وكيف وصل الغزال الى قناعة عكسها..؟

الطيور والحيوانات لا تعرف الخطأ لأنها تدرك العالم بحواس صافية، ولا تحتاج الى شعارات وخطابات ومهرجانات عن الحرية والديمقراطية والعدالة بكل انواعها.. بل تحتاج الى التجربة.

لم يثبت التاريخ ان العرب تعلموا من كل التجارب، لكن الحيوانات والطيور تتعلم من تجربة واحدة.

لماذا إخترع الانسان فزاعة أو خيال المآتة في الحقول كدمية على شكل بشر وليس حيوان..؟!! لأن الطيور تعرف كمية الشر في الإنسان. ففي هذة اللحظات الفارقة من تاريخ العرب وحالات الخذلان من استباحة الدم العربي أصبحنا ليس لدينا ثقة مثل العصافير فينا. مع بعضنا البعض حالة من النفور بمجرد مشروع واحد للتقارب العربي العربي حتي ولو كان علي وقف نزيف الدم العربي العربي. هل كانت العصافير لها الحق في عدم الثقة فينا كعرب.؟!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

"الحرب هي أن تلتهم الأرض لحوم البشر" الفيلسوف الصيني منسيوس

فهي الموت والخراب والدمار، ولا تأتي إلاّ بالكرب والأوجاع والبلاء..

فلا يوجد إنسان عاقل وسوي، وذو ضمير حي يُحب الحرب أو يرغب بها، لأنها كما قلنا، أن الحرب تعني الموت الجماعي!

وأي موت..؟

فلا شك أن الموت هو ظاهرة طبيعية في الحياة الآمنة الطبيعية، ولا مفر منه، أما الموت في الحرب هو ليس كما في حالة السلم، فالموت في السلم بين الأهل والاحبة، إذ تُقام مراسيم الحزن والدفن، وبإحترام، والتوديع بأمن وسلام .أمّا الموت في الحروب، فهو شئ آخر مرعب .

فعندما نذكر كلمة الحرب، سرعان ما يتبادر الى الذهن الموت، أما عندما نذكر مفردة الموت، فلا علاقة لها بالحرب ..

إذاً الحرب تعني الموت، أمّا الموت، فلا يعني الحرب.

فالحرب تجعل الأنسان يموت في كل لحظة، وكأن الموت غبار ينتشر في الهواء الذي يتنفسه الأنسان .

ففي حالة الحرب تضيق آفاق الوعي، وتنبعث النزعة العدوانية الشريرة وتسقط القيم الانسانية والعقلانية، وتهتز روحية الأماني والطموح، والتطلع نحو الحياة الأفضل المشرقة.

فالحرب تجعل من فكرة الموت ناقوس يدق القلوب والأحاسيس قبل الاسماع .

ويتحول الزمن الى كابوس يجثو على الصدور، وتتفجر في كل لحظة براكين الرعب والقلق والخوف، وينتاب الأنسان الشعور بدنو الأجل، وانعدام الحياة والى الأبد. وكما قال الفيلسوف لوكيوس أنّايوس سينيكا: " الخوف من الحرب أسوأ من الحرب نفسها " .

فالحرب لم تقف عند نقطة الأحساس بالموت فحسب، بل تجعل من المخيلة بؤرة مظلمة للأوهام والكوابيس المرعبة في اليقضة والنوم، وكأن الموت يكشر أنيابة في كل ما تقع عليه العين، وفي الأحلام .

هذا العالم المرعب الذي يصنعه تجار الحروب، والامبريالية العالمية، ووحوش رأس المال العالمي، وشياطينه المتلبسة بجلود بشرية، وسماسرة بيع آلات الموت والقتل، من التجّار الفجرة المنتفعين من الجرائم والقتل والخراب والدمار، ليستثروا بفحش، ويتمتعوا بخسّة ودناءة، وبالمقابل، الفقر والموت والضياع للاكثرية الساحقة من الشعوب، فإن لم يُشعلوا نار الحروب، فلا حياة ولا استثراء ولا استعلاء وتفوق، وذلك على حساب البشرية، كحفار القبور، تمتد عيناه في كل الجهات، إن لم يجيئوا بأموات ليقبرهم، سيموت جوعاً، ويكون هو المقبور.

فمن يا ترى يرغب بالحرب التي تجلب له كل ما ذكرناه آنفا.

فالحياة الأنسانية جميلة بألوانها العرقية والمذهبية والثقافية والأيدلوجية في الحياة الطبيعية، فلا أفضلية لأحد على الآخر، إلاّ بما يقدمه للأنسانية من عطاء، ولا يكون ذلك إلّا في حالة السلم والأمن ..وكيف يكون التعايش السلمي بين الناس، والشعوب، وتجار الحروب له كارهون ..؟

فكلما كثرت الحروب وأنتشرت، إزداد بيع آلات الحرب، ونشطت حركة مصانعهم في الأنتاج والتصنيع، وهذا يعني انتعاش أسواق بيع الأسلحة .

فتجار الحروب لا يروق لهم الأمن والسلم العالمي الذي تنشده كل البشرية على سطح كوكبنا، وعلى حدّ سواء، لأن حالة السلم تعني انها تصطدم بمصالحهم، ومنافعهم في تجارة الأسلحة، ويعيق ما يرومون اليه، ويؤدي بالتالي توقف التصنيع ومن ثم اغلاق مصانع آلات قتل الأنسان وخراب ودمار الحياة.

وما نشهده اليوم من حرب عدوانية همجية جديدة قديمة تخوضها ادوات الشر في الأبادة الجماعية بحق شعب أعزل اغتصبت أرضه، وسلبت حريته من قِبل قوى الأستعمار العالمي منذ 75 عام بتشريد الشعب الفلسطيني وذلك بتأسيس كيان صهيوني، لا حبا باليهود، بل طمعاً بالمنافع والاستثراء، مع العلم ان أكثر عدائية واضطهاد واجه اليهود وتلقّوه هو من دول اوربية، وكانت بريطانيا أول دولة قام الملك ادوارد الاول في 31 آب 1250 بطرد اليهود من بلاده، إذ أن بريطانيا تُعتبر أول دولة تتخذ هذا القرار، ومن بعدها توالت في اضطهاد اليهود المجر في 1349، وفرنسا 1394، والنمسا 1421، واسبانيا 1492، والبرتغال 1497، ونابولي 1510، وميلانو 1597، وما الى ذلك من كره العنصر الأبيض الأوربي لليهود، والأعتداء عليهم.

بينما عاش ويعيش اليهود في دول المشرق والمغرب العربي، والبلدان الأخرى، مثل ايران وتركيا واوزبكستان واذربيجان والهند وكازاخستان، ويعاملون معاملة انسانية وحضارية كباقي المواطنين .

ولكن الدول الأستعمارية الذين هم اليوم يتظاهرون بتضامنهم ودعمهم للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني عموما، وغزة خصوصا، فهم حين اتفقوا انذاك على تأسيس كيان لليهود استندوا على اسلوبين ليخدعوا به اليهود، أولاً هو الترهيب الذي بيّنوا فيه ان اليهود طالما يعيشون في الشتات وتعرضهم للاضطهاد من قِبَل الذين يكنون العداء لهم والأعتداء عليهم، هو ليس من صالحهم العيش في مختلف انحاء العالم، والأسلوب المخادع الثاني لليهود هو الترغيب بأرض الميعاد، والعيش بحرية واستقلال وأمان على أرض فلسطين، المدينة الفاضلة التي تنتظرهم، وفي الحقيقة أن كِلا السببين، كذب وخدعة، لأن الذين اضطهدوا الشعب اليهودي، لا يمكن أن يكونوا محبّين له ولا ظهيرا.

فالدول الأوربية التي يتحكم بها دافع المنافع في منهجية النظام الرأسمالي، فلا يهمهم، لا اليهود ولا أي شعب، سوى التوسع في الهيمنة الأستعمارية، ونهب خيرات الشعوب والأمم، أينما وجدت.

فيا ترى هل أن هذه القوى الشريرة، الطامعة المتمثلة في محور الشر( بريطانيا وألمانيا وفرنسا) وعلى رأسهم أمريكا هي محبة حقّاً لليهود حين أسست الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وسحق الشعب الفلسطيني وتشريده عن أرضه ؟!

إذاً ما قامت به الدول الأوربية وعلى رأسها بريطانيا في إقامت كيان صهيوني بموجب وعد بلفور المشؤوم على أرض فلسطين، هو ليس حبّاً لليهود، وإنما استخدام اليهود كأداة لمآربهم وأطماعهم الدنيئة، وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة كقاعدة للتآمر حتى وإن تعرض اليهود لما لا يتوقعونه من تصادم دموي، فالكل سواء بالنسبة للدول الاستعمارية، ولسياسة التآمر والعدوان على الشعوب، والهيمنة عليها.

وما قادة الكيان الصهيو- امريكي – غربي إلّا أدوات قوى الشر والعدوان.

فليس هناك أية أخلاقية حضارية، ولا قيم إنسانية في النظام الرأسمالي، وهذا ما أكّد عليه ترامب، وهنا ملخص ما قاله للعالم، نهاراً جهارا، وبامكانكم الأطلاع عليه كاملا عن طريق الأنترنت، " أيّها السادة: اليوم قررت أن أخبركم بكل ما يجري، والى أين يتجه العالم في كل المتغيرات التي حصلت طيلة( 400) عام، تذكرون عام 1717 الذي كان ولادة العالم الجديد .. وتذكرون ان أول دولار طبع عام 1778، ولكي يحكم هذا الدولار $، كان العالم بحاجة الى ثورة، فكانت الثورة الفرنسية 1789 تلك الثورة التي غيّرت كل شيئ، وقلبت كل شيئ، ومع انتصارها انتهى العالم الذي كان محكوماً طيلة 5000 سنة بالأديان والميثولوجيات، وبدأ نظام عالمي جديد يحكمه المال والأعلام .. عالم لا مكان فيه لله ولا للقيم الأنسانية ..

لا تستغربوا أننا عينة من هذا النظام العالمي الجديد، هذا النظام يعرف طبيعة عملي الخالي من القيم الأنسانية والأخلاقية، فأنا لا يهمني أن يموت المصارع، ما يهمني هو أن يكسب المصارع الذي راهنت عليه، ومع ذلك أوصلني النظام العالمي الى الرئاسة، أنا الذي أدير مؤسسات القمار، وأنا اليوم رئيس أقوى دولة، إذاً لم تعد المقاييس الأخلاقية هي التي تحكم، الذي يحكم اليوم العالم والكيانات البشرية هي المصالح .."

أجل .. هذه هي امريكا ومحور الشرالعالمي، وما يقومون به من جرائم دليل على ذلك، وما خفي من مؤامرات ودسائس أعظم .

فما قامت به الدول الأستعمارية على إمتداد تأريخها الدموي، من جرائم وحشية بحق الشعوب، وهيمنتها، ونهب خيراتها، ونشر الخراب والدمار فيها، ولا حاجة لتوضيح ما هو واضح وبيّن للجميع .

و ما تطرق اليه ترامب، ليس هو بالشئ الجديد، ولم يكشف سرّاً، فالتأريخ الأجرامي لهذه الدول الأستعمارية يعرفها حتى الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، لأن الدماء التي تلطخت بها اياديهم لا، ولم تُمْحَ أبدا.

فما يجري اليوم من سفك للدماء، وابادة جماعية للشعب الفلسطيني، وغزة بالخصوص على أيدي أدواتهم في تل أبيب، هو حلقة من سلسلة جرائمهم الطويلة .

فمن هنا أقول لليهود لا للصهاينة الأوغاد، أننا شعب يحب الحياة، كما أنتم وكل الشعوب التي تتطلع الى حياة أفضل، ولا نحب الموت لأنفسنا، ولا للآخرين، ولم نعتد يوما على الآخرين، ولم نغتصب أراضي الغير، ولم نضطهد شعبا قط، ولكن من أجل كرامتنا أمام قوى الشر لا نبالي، إن وقع الموت علينا أو وقعنا على الموت، فإذا كان ثمن الكرامة هو الموت، عندها يكون أحلى من العسل، لأن الدماء التي تسيل من جراحاتنا، فهي تسقي شجرة الحرية التي ينعم بثمارها الأجيال القادمة، فنحن لا نعتدي على احد، ولا نحمل أية نزعة شريرة إتجاه الغير، فمن طبيعة الأنسان الخَلقية والخُلقية لا يحب أن يُعتدى عليه أويُسلب حقه ويُهان، والعالم أجمع يعرف أننا عانينا مذ خدعتكم قوى الشر العالمي 1948 بأرض الميعاد، والمدينة الفاضلة المزعومة، والأمن والأمان، بإقامة هذا الكيان المصطنع بقيادة العصابات الصهيونية المجرمة المدعومة منهم، والتي لا تمت بأية صلة بالديانة اليهودية ولا باليهود، كما عبرعن ذلك الشخصيات البارزة من حاخامات ومثقفين وتقدميين، حيث لم ينقادوا ولم ينخدعوا بلعبة الأمم، تلك القوى الطامعة والاستعمارية التي لا قيمة للأنسان عندها، سوى مطامعها ومنافعها.

فنحن نعرف الكثير من اليهود الذين عاشوا معنا في العراق، وساهموا في ثقافة العراق وبنائه كأيّ عراقي، ونعرف انهم على الرغم من طول المدة الطويلة التي انقطعوا عن العراق، لكنهم لم ينقطعوا عن حبهم لماضيهم وذكرياتهم وعاداتهم وتقاليدهم العراقية والارض التي ولدوا فيها، وكما ذكر لي بعض الأخوة الفلسطينيين سابقا، أن يهود العراق يقولون لو كان بإمكاننا ان نترك كل ما نملك مقابل ان نرجع للعراق لفعلنا وبكل سرور، وهذا إعتراف منهم ودليل على أنهم كانوا يعيشون معنا بأمن وآمان وبكل احترام، وهذا ينطبق على كل اليهود الذين خُدعوا أو أُجبروا على الذهاب الى فلسطين .

فنحن لا نقول بإبادة اليهود بالقنبلة الذرية كما صرّح احد وزراء الكيان الصهيوني المجرم، وكذلك لا نقول : كل يهودي صهيوني، ولا كل صهيوني يهودي، فهناك أكثر صهيونية من الصهيوني اليهودي من غير اليهود، ولا حاجة لتعريف المعرّف .

فكم .. وكم من اليهود الذين نراهم يتظاهرون ضد الجرائم التي يقوم بها نتنياهو وعصابته الأجرامية في سفك الدم، وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني .

فالنضال والجهاد ضد قادة تل أبيب الصهاينة هي ليست ضد اليهود.

فالحرب كما اسلفت، هو من ورائها تجار الحروب، وهم تلك الدول التي دفعتكم ترهيبا وترغيبا. فكنتم ونحن الضحية على حد سواء، ولا فرق لديهم .

فكما تحبون أطفالكم، فنحن كذلك، وانتم ترون هذا المجرم النتنياهو مايقوم به من جرائم يندى لها جبين الأنسانية .

فالرهائن الذين عند المقاومة الذين اسّرتهم وصرحت انها تريد اطلاق سراحهم مقابل اطلاق سراح اخواننا واخواتنا في سجون قادة تل أبيب منذ سنين، وعوائل الطرفين يريدون تحرر أحبتهم، أما المجرم النتنياهو وعصابته لا يهمهم الرهائن إن عاشوا أو ماتوا، وكذلك أنتم ترون بأم أعينكم اهلنا في غزة، وهم يتعرضون الى إبادة جماعية، وأغلبهم من الأطفال والنساء، وفي الضفة كذلك، بنيران حرب جنونية، يقوم بها عصابات تل أبيب وعصابته المجرمة .

فنصيحتنا لليهود هي لكل مَنْ يتمكن من الخروج من الجحيم والموت، فليرحل من حيث أتى بأسرع وقت، ولا يجعل من نفسه ضحية لكراسي قادة الكيان المجرمين، ولا تجعلوا من أنفسكم حطباً ووقوداً لهذه المحرقة التي اشعل نارها قادة الكيان الصهيو – أمريكي – غربي استعماري، هذه النصيحة الأولى، أمّا النصيحة الثانية، وهي لمن لا يتمكن من الخروج، فليخرجوا الى الشوارع رافعين أصواتهم صارخين بوجه النتنياهو ومن حوله بايقاف الحرب والمطالبة بابنائهم الرهائن، وقد أُعْذِرَ مَنْ أَنْذَر..

أما الصهاينة القتلة وقادتهم، ومن وراءهم فلنا معهم حساب عسير، وسيدفعون ثمن دماء ضحايانا غاليا..

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

6/11/2023

في الثامن من أغسطس 1945 وبالتحديد في مدينة نورمبرغ بمقاطعة بافاريا في المانيا التي كانت للتو قد خسرت الحرب العالمية الثانية، أنعقدت محكمة لمحاكمة النازيين بتهم أرتكاب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب كالقتل والأبادة والترحيل القسري والأستعباد و كل ما يتعلق بجرائم ممنهجة ضد المدنيين على أساس ديني وعرقي وحتّى سياسي. لقد كانت هذه المحكمة ومثلها التي أنعقدت في طوكيو بداية لتأسيس قضاء دولي، يأخذ على عاتقه محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم قتل المدنيين العزّل، والتي تُوّجت اليوم بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا.

أن تحاكم أية محكمة بالعالم  زعماء وساسة وجنرالات عسكريين لجرائم أرتكبوها أثناء الحرب أو السلم، أمر طبيعي وحدث وسيحدث لاحقا طالما هناك حروب وقمع في العالم. لكنّ أن تتم محاكمة أطبّاء مسؤولون أخلاقيّا عن أنقاذ الأنسان من المرض والموت، كونهم مجرمي حرب هو الأمر غير الطبيعي بالمرّة، ليس كونهم أطباء فقط بل لكون مهنتهم أخلاقها التي عليهم الألتزام بها وهم من يؤدّون قسم أبقراط في طريقهم لممارسة مهنتهم الأنسانية. والأطباء النازيين الألمان، كسروا أعراف الأخلاق الطبيّة بتجاربهم على البشرفي معسكرات الأعتقال، وهذا ما جعل الرأي العام العالمي يقف مشدوها وقتها لجرائم يقترفها من بيدهم أنقاذ البشر.

حوكم مئة وسبعة وسبعون طبيبا نازيّا في محكمة نورمبرغ، وحُكم على سبعة منهم بالأعدام وتمّ أصدار أحكام مختلفة بالسجن لعدد آخر منهم. ومن هؤلاء الأطباء المجرمين،  الطبيب النازي كارل كلاوبيرج  الذي كان يجري تجارب طبية على المعتقلين  في الوحدة 10 بمعسكر أوشفيتز، والطبيبة النازيّة هارتا أوبرهاو في معسكر رافنسبروك، و فالدمار هوفن،  رئيس الأطباء من قوات الأمن الخاصة في معسكر بوخنوالد، وفريدرش هوفمان الذي أعترف بقتله  324  قسّا كاثوليكيا  الذين عانوا من مرض الملاريا خلال التجارب الطبية النازية بمعسكر داخاو. لقد كان السجناء اليهود والغجر والبولنديون والسوفييت وغيرهم من الشعوب، ومعهم عشرات الآلاف من السياسيين ومنهم ألمان، عبارة عن خنازير غينية بنظر هؤلاء الأطباء الذين أستخدموهم في تجارب مختبرية غير أنسانية. وبذلك يكون هؤلاء الأطباء النازيين أكثر أجراما ووحشية من قادتهم السياسيين والعسكريين.

اليوم وبعد ما يقارب الثمانية عقود على أنتهاء تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية، وعوضا من تعلّم دروس تلك الحرب وأهوالها وخصوصا من قبل الأطباء، نرى أنّ الأطباء النازيين قد أستنسخوا أنفسهم كأطبّاء أسرائيليين، بل جاء أستنساخهم بشكل أكثر بشاعة وهمجية ونازيّة. فأطبّاء العهد النازي كانوا يجرون تجاربهم في معسكرات أعتقال صغيرة الحجم وقليلة العدد مقارنة مع مُعتقل غزّة الذي يُسجن فيه أكثر من مليوني معتقل منذ ما يقارب العقدين. وعلى الرغم من تلك التجارب الطبيّة النازيّة، الّا أنّها كانت تجارب محدودة مقارنة بأعداد المعتقلين وأسرى الحرب وقتها.

لقد فاق الأطباء الصهاينة أسلافهم النازيين الألمان الذي أُستنسخوا منهم،  وحشية ونازيّة وفاشيّة وهمجية وبربرية. فبعد القصف الأسرائيلي لمستشفيات غيتو غزّة ومقتل المئات من المرضى والكوادر الطبيّة، وعوضا عن وقوف هؤلاء الأطبّاء الى جانب الضحايا من منطلق أنساني بعيد عن منطق الحرب، نرى العشرات منهم ومن بينهم أساتذة طب يطالبون حكومتهم بأصدار الأوامر لقصف مستشفيات معسكر أعتقال غزّة، وقتل من فيها ومنهم زملاء لهم في هذه المهنة الأنسانية.

لقد أرتكبت أسرائيل لليوم عشرات بل مئات الجرائم بحق الفلسطينيين، على أساس ديني وعرقي. كما أرتكبت وترتكب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب وإبادة وترحيل قسري، وهذه الجرائم يجب أن يقدّم مرتكبيها الى محكمة العدل الدولية لينالوا عقابهم. ولو أنعقدت هذه المحكمة في يوم ما، فأنّ العالم سيقف مشدوها وهو يرى عشرات الأطباء النازيين الأسرائيليين في أقفاصها بتهم دعوتهم الصريحة للأبادة الجماعية وقتل المرضى ومنهم مئات الأطفال بالمستشفيات.

جرائم الأبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم

***

زكي رضا - الدنمارك

7/11/2024 

قد تبدو عبارة "كبر الصمونة وزغر الصورة" أشبه بحكاية نسجتها مخيلة البسطاء من العراقيين، فلا تزال الناس تذكر زهد ونزاهة عبد الكريم قاسم، ولا يزال البعض ينسج قصصاً عن الرجل الذي لم يكن يحمل في جيبه أكثر من خمسة دنانير،

ربما سيقول البعض إن عبد الكريم قاسم دكتاتور عسكري، لا يفقه في السياسة شيئاً، لكني ياسادة لم أخصص هذا العمود للحديث عن ما جرى قبل أكثر من نصف قرن، فما يجري من أحداث ومواقف في بلاد الرافدين تجعلنا والحمد لله لا نلتفت إلى الماضي، بل نتحسر على المستقبل الذي يربطه البعض بانتخابات مجالس المحافظات، ولهذا ليس أمامك عزيزي القارئ، سوى أن تترك صمونة عبد الكريم قاسم، وتتأمل ما قاله السيد نوري المالكي قبل أيام قليلة معلقاً على تمزيق صور مرشحي ائتلاف دولة القانون فقد اخبرنا بكل صراحة : "إذا مزقوا واحدة فسنضع اثنتين بدل الواحدة حتى نصل بمسعانا إلى ما نريد".. وأتمنى عليك أن لا تسأل السيد المالكي ما هو مسعاه، ولا تتوهم مثلي أن ائتلاف دولة القانون سيراجع الأخطاء التي ارتكبها أثناء توليه مسؤولية إدارة مؤسسات الدولة، فأنا وأنت عزيزي القارئ نعرف جيداً أن قياديي ائتلاف دولة القانون يتصورون أننا شعب فقد الذاكرة، وأن ما مضى انتهى وعلى هذا الشعب أن يُصفّر العداد، ويبدأ مع ائتلاف دولة القانون مرحلة جديدة، مشفوعة بخطابات وهتافات عن إصلاح الدستور والخدمات، ومحاربة الفساد والمحسوبية والطائفية، وسنجد السيد المالكي يغرد حتماً وهو يتساءل عن الأسباب التي أدت إلى انتشار الرشوة، وسيختتم التغريدة بالتأكيد بالحديث عن القانون وضرورة محاسبة الخارجين عليه.

بعد حديث السيد المالكي عن تعويض الصورة بصورتين، هل يسمح لنا أن نسأل: من يعوض المواطن العراقي السنوات التي ضاعت من عمره بعد أن سلمت الدولة إلى فاشلين وسراق وطائفيين؟، من يقنع المواطن العراقي بأن الذين سرقوا حلمه بالتغيير والتخلص من دكتاتورية صدام، سيحاسبون وسيدفعون ثمن فشلهم ، من يقته المواطن العراقي وهو يرى نسبة الفقر في العراق تقفز والبطالة تحاصر الشباب، والصناعة صفر، والزراعة مهزلة، والاقتصاد خراب، والسياسة تحولت إلى مزاد لبيع المناصب ، ان الذين اجهظوا احلامه لا مكان لهم في الانتخابات الجديدة .

كم هي بسيطة هموم العراقيين، أن يعرفوا مثلاً، لماذا لا يزال في العراق مواطنين مهجرين من مدنهم وبيوتهم، نرجو إفادتنا. أنا لم أعد أتابع التفاصيل وسأكتفي بمتابعة أخبار مشعان الجبوري الذي أخبرنا أن الخلاف بينه وبين الحلبوسي على من يستطيع السهر إلى ساعات الفجر.

يا سيدي لم يعد ممكنا خداع العراقيين بزيادة عدد الصور، فالعصر اليوم عصر صورة الواقع، لا صور الخطابات.

***

علي حسين

الواقع العربي يبدو لمن يتابعه في أزمة الخوف من الجرأة، فالجريئ منبوذ، والخَنوع والتابع مرغوب؟

إنها حقائق قاسية فاعلة في مجتمعاتنا وأملت علينا أن نستكين ونقنط، ونتوهم بضعفنا وبإرادتنا المسلوبة.

القول الجريئ من أكبر الكبائر، ولهذا فالحقيقة مدفونة في أكوام هائلة من الأضاليل، والكذوب سلطان مكين.

وخطاباتنا بأنواعها إفتراءات لصالح مآرب سيئة، ولا جرأة للمواجهة لأن العصا لمن عصا، والخروج عن سلطة السمع والطاعة يعني النهاية الحتمية المقرونة بعبارة  " حيل بيه ويستاهل".

المواجهة خاسرة والمخانعة رابحة، فالحياة إخضع وإتبع وكن رقما في قطيع المعمعة.

فهل رأيتم كلاما جريئا يقترب منه القراء؟

هل رأيتم كلامَ حقيقة يحظى بالنشر والتسويق؟

الكل يخشى الإقتراب من الضوء، ويستلطف العيش في الظلام والكهوف والإندساس في غوابر الأزمان، التي صارت مقدسة ووسيلة للدحرجة إلى وادي الفناء اللذيذ.

مَن يقدر على رفع راية التحدي، والكلام بلسان إرادة الحياة؟

لا أحد، وإن وجد فهو مخطوف مغيب مقتول!!

وبهذه الأساليب المتوحشة إنصاعت الجموع للأحزان والدموع وكل ينادي " يا روحي"!!

فما قيمة الأقلام وما هو دور المثقف المنكوب المنبوذ إذا قال صدقا!!

فلا مكان للحياة الحرة الكريمة، ولشرع الغاب أن يهيمن ويديم الوجيع والأنين واللطم، والقسوة على الذات المنكوية بالصمت المخيف وبالإستعباد اللطيف.

فما أكثر التجار بإسم الساميات ورموز الكرامة الإنسانية!!

و" مَن يتهيب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر"!!

***

د. صادق السامرائي

مع إعلان المكتب الإعلامي في قطاع غزة عن ارتفاع أعداد الصحفيين الذين استشهدوا خلال العدوان الصهيوني الغاشم إلى (48) صحفيا يعملون بصفة اداريين أو اذاعيين أو مراسلين أو مصورين أو محررين أو صناع محتوى وبمختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية، وهو عدد هائل وغير مسبوق قياسا بضيق الرقعة الجغرافية وضآلة الفترة الزمنية التي سجلت خلالها ولم تتعد شهرا واحدا،بالتزامن مع فقدان واصابة واحتجاز عشرات الصحفيين غيرهم، زيادة على استشهاد العديد من عوائلهم وأسرهم، ولعل من أبرزهم  مصاب مراسل الجزيرة وائل الدحدوح، كذلك الصحفي هاني المغاري، من قناة "الأقصى"، الذي فقد 20 فردا من عائلته،والصحفي في وكالة الانباء الفلسطينية "وفا" محمد أبو حصيرة،الذي استشهد مع 42 من افراد عائلته بينهم أبناؤه واشقاؤه واقاربه،كذلك الحال مع الصحفي حازم سعيد، الذي فقد اضافة الى منزله الذي دمر بالكامل، سبعة افراد من عائلته بينهم ابنه وابنته، كذلك الصحفي الفلسطيني معتز عزايزة، الذي فجع باستشهاد جميع افراد عائلته فضلا على هدم بيته، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تعداه الى قطع شبكة الاتصالات والانترنيت على كامل القطاع ولاسيما مع الهجمات المدمرة وبمختلف انواع الاسلحة المحرمة دوليا وجلها صناعة امريكية، اضافة الى فصل العشرات من أقرانهم الصحفيين العاملين في عدد من الصحف والقنوات ووسائل الاعلام الاجنبية، علاوة على التضييق على مئات التظاهرات والاحتجاجات المنددة بالجرائم الصهيونية النكراء، مشفوعة بحظر رفع الاعلام الفلسطينية،ومنع اعتمار الكوفية الفلسطينية في عدد من الدول الاوربية، والتهمة المسلفنة هي " مناصرة فصائل المقاومة" أو" معاداة السامية" بالتزامن مع حظر المحتوى المؤيد للفلسطينيين، وتقييد أو حظر الآف الحسابات وبذات الذرائع الواهية في كل من تيك توك، وانستغرام، وفيس بوك،ويوتيوب وبدرجة أقل على منصة أكس ( تويتر سابقا )، ليتبين للقاصي والداني بأن هناك ارادة صهيو - امريكية، وهجمة انكلو - ساكسونية شرسة غايتها تكميم الافواه، وعصب الاعين، وتعتيم الحقيقة، وحجب كل ما يجري من جرائم وحشية ترتكبها الالة العنصرية الصهيونية عن العالم أجمع ليعرض بدلا منها وجه واحد، وليسمع خلالها صوت واحد، ولتسوق ضمن أجنداتها وجهة نظر واحدة، ولتعرض ضمن سياقاتها بروباغندا واحدة، تمثل بمجملها أكاذيب الكيان الصهيوني الغاشم التي يروج لها إعلاميوه وسياسيوه وناطقوه الرسميون وذيولهم فحسب، واذا كان وزير دعاية الرايخ الثالث بين 1933 - 1945 النازي بول يوزِف غوبلز، قد استخدم تكتيك" اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس " فإن النتن جدا ياهو، قد فاق سلفه خداعا وتزويرا للحقائق ولكن بتكتيك "احجب ثم احجب ثم احجب حتى لايرى، ولايسمع سوى أكاذيبك و- جهرتك - الناس !" .

حجب وتقييد وتحجيم واقصاء وتهميش وصفته مجلة بوليتيكو الأمريكية، بأنه "تصرف خطير ينذر بتحرك واسع لتكميم الأفواه" مشيرة الى،أن" المصورة نان غولدين، من صحيفة نيويورك تايمز،قد أكدت بأنها لم تعش فترة مثيرة للرعب كهذه، حين صدمت بحجم عمليات الطرد بسبب التعبير عن مواقف مؤيدة للفلسطينيين" .

وألفت عناية الجميع الى أن "معاداة السامية" التي يجرمها الاوروبيون لا حبا باليهود قطعا وهم من أشد الشعوب كراهية واضطهادا لهم، ومن أكثرهم سخرية منهم على مر التاريخ، وانما للتخلص منهم، ومن بعض تأنيب الضمير الذي يلاحقهم بشأنهم، ولدق مسمار جحا في الشرق الاوسط عنوانه الظاهري العريض " وطن قومي لليهود " وباطنه المستتر استقدام الاساطيل والغواصات وحاملات الطائرات بهدف إعادة احتلال الشرق الاوسط برمته بذريعة الدفاع عن اليهود في كل مرة يتعرضون فيها الى خطر وجودي بما كسبته ايديهم الاثمة هناك، فمعاداة "الشامية " عفوا "السامية" تعني وفقا للقواميس السياسية التحيز ضد الشعب اليهودي، وبرغم ما عليها من المآخذ التي لاتحصى لكونها قد منحت الاشرار منهم صكوك غفران وهمية، وحصانة دولية غير مبررة بالمرة، فهي ومن المفترض أنها غير "معاداة الصهيونية "لأن الأخيرة تعني معارضة جرائم وانتهاكات ما يسمى بـ" دولة إسرائيل" القائمة ومنذ تأسيسها على افتعال الحروب، واشعال الحرائق، ومحاربة الفضائل، ونشر الرذائل، وتهجير السكان الاصليين، وسفك الدماء المعصومة، وهي بهذا التوصيف لاتختلف شيئا قط عن النازية الالمانية، والفاشية الايطالية، والستالينية السوفياتية، والامبريالية الامريكية والاوربية واليابانية أن لم تكن أخس وأقذر منها مجتمعة، وكل واحد منهم يفترض بأنه الشعب الالهي المختار الأعلى والأرقى والأنقى الذي يتحتم على كل الشعوب الأرض تقديم فروض الطاعة والولاء لهم، وتقبيل اياديهم، والانحناء أمامهم ليمتطون ظهورهم، وتسليم أمورهم  كليا لينهبوا ثرواتهم،ويسلبوا خيراتهم،ويمحوا هوياتهم، ويطمسوا حضارتهم، ويمسخوا ثقافاتهم، ويقتلعوا جذورهم ولكن هيهات فطوفان الاقصى قد أيقظ البشرية جمعاء من غفوتها ومن اقصاها الى اقصاها ولا أدل على ذلك من حجم التظاهرات والاحتجاجات المليونية الحاشدة في قلب الامريكتين واوروبا تنديدا بالاحتلال الصهيوني وجرائمه، وتأسيسا على ما تقدم فإن من يعادي " الكيان الصهيوني " كدويلة حادثة عنصرية سياسية غاشمة له الحق في ذلك وليس بالضرورة أنه يعادي اليهودية كشريعة سماوية ليحاسب على أنه معاد للسامية، بالمقابل فإن الفرق والطوائف اليهودية التي لاتنكر على " الكيان الصهيوني" انتهاكاته وجرائمه فإنها جزء لايتجزأ منه، ويتوجب رفع الحصانة القانونية عنها وعدم محاسبة من يهجوها وينتقدها ويجرمها لأنه وعلى قول البغادة " حجار الطهارة واحد أنجس من الثاني" !

ولابد ولزاما على شعوب الارض مجتمعة وعلى جميع النشطاء والاحرار حول العالم شن "طوفان سيبراني "شامل في العاشر من نوفمبر / تشرين الثاني، بمناسبة مرور الذكرى 48، على صدور القرار رقم "3379 " عام 1975 الذي نص "على مساواة الصهيونية بالعنصرية "بعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة عليه،  ولا عبرة بالغائه بعد ذلك عام 1991 في مؤتمر مدريد بضغط من الكيان المسخ وحلفائه، فالحروب والاحتجاجات السيبرانية لاتقل أهمية عن الحروب والاحتجاجات الميدانية وعلى الجميع المشاركة فيها لوقف مسلسل الاجرام الصهيوني الذي يدمر البشر والشجر والحجر .

ولبيان جزء يسير من أهمية الهجمات السيبرانية حسبنا أن نذكر بسقوط صاروخ القبة الحديدية الاعتراضي بالخطأ على مدينة ريشون لتسيون، قرب تل أبيب نتيجة خطأ تقني ناجم عن هجوم سيبراني مضاد، وحسبنا أن نذكر ايضا باختراق هاكرز أردني الموقع الرسمي لنادي مكابي تل أبيب لكرة السلة، ونشر صورة الملثم مكتوب تحتها عبارة "غزة إلى الأبد" تنديدا بالعدوان الصهيوني على القطاع، كذلك انتشار البرنامج الضار "بيبي لينكس ويبر" الذي اكتشف في عدد من شبكات الشركات الإسرائيلية،اضافة الى ما كشفت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية،عن اختراق موقعها الإلكتروني و" بما يمثل تهديداً واضحاً للبلاد" على حد وصفها .

وماتزال الذاكرة تحتفظ بحادثة تعرضت قناتين إسرائيليتين إلى القرصنة قبيل انعقاد جلسة للـ (الكنيست) للتصويت على مشروع قانون يمنع استعمال مكبرات الصوت لرفع الآذان لصلاتي الفجر والعشاء،يوم بث القراصنة صورا للحرم القدسي الشريف مصحوبة بالأذان وفقا لبي بي سي، أما في عام 2021 فقد تمكنت مجموعة من القراصنة يطلقون على أنفسهم " طاقم موسى" من اختراق حواسيب "بريد إسرائيل" ومجموعة من الشركات الخاصة، لينشروا صورا لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وتهديده بأنه "قد أصبح تحت المراقبة" وفقا لموقع "واينت" العبري، أما في حزيران 2021 فقد اخترق قراصنة أحد فروع بنك HSBC في إسرائيل، كذلك الحال في عام 2022 حين تمكن قراصنة عراقيون من اختراق الموقع الإلكتروني لشركة الغاز "إنيرجان" والموقع الإلكتروني لـ"نتيفي غاز يسرائيل"، بالتزامن مع بدء شركة "إينرجي" الضخ التجريبي للغاز الطبيعي من حقل "كاريش" في البحر المتوسط، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أما في نيسان / 2023 فشنت مجموعة من القراصنة الإندونيسيين تطلق على نفسها اسم "فولزسيكتيم"، عدة هجمات تزامنت مع هجمات مجموعة "مجهول السودان "على المواقع الإلكترونية للمصارف والبريد والجامعات وفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، وفي 25 اكتوبر / 2023 تمكنت مجموعة من القراصنة المغاربة من اختراق القناة 14 الإسرائيلية على الهواء مباشرة وكتبوا على شريطها الإخباري " "فلسطين حرة، وستبقى حرة" وغيرها الكثير وبما لايتسع المقام لذكرها الا انها وبرغم تأثيرها تظل محاولات فردية ومحدودة التأثير، والمطلوب هو #طوفان_اقصى _سيبراني " يعطل اركان الكيان الفاشي اللا انساني على مستوى العالم كله !

وأنوه الى أنه ومن غير المنطقي بتاتا أن يشتت الكيان الصهوني الرأي العام العالمي،من خلال الحروب السيبرانية والذباب الالكتروني الذي يغزو مواقع ومنصات السوشيال ميديا ليحجب الحقائق ويحرفها، ويتجسس على الجميع، والكل ساكت وراض أو ذاهل وغافل أو متكاسل من دون رد فعل مضاد يذكر، ولاشك أن فضيحة الاتفاق مع شركتي امازون وغوغل بعقد قيمته 1.2 مليار دولار تتصدرها لتوفير خدمات سحابية إلكترونية لصالح جيش وحكومة دويلة الاحتلال بما يسمح لها بمزيد من المراقبة وجمع البيانات بشكل غير قانوني عن الفلسطينيين وبما يسهل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية قد دقت ناقوس الخطر واثارت المخاوف من توحش التكنولوجيا واتساع رقعة ونطاق الحروب الالكترونية.

ولم يختلف الحال مع برنامجي" نيمبوس وبيغاسوس" التي قال عنها بعض موظفي غوغل وأمازون " بصفتنا أصحاب ضمير ومن خلفيات ثقافية متنوعة فلا يمكننا أن ندعم قرار تزويد الجيش والحكومة الإسرائيلية  بالتكنولوجيا التي تُستخدم لإيذاء الفلسطينيين " فبهذه العبارات أعرب مئات الموظفين  في غوغل وامازون عن امتعاضهم الشديد من مشروع (نيمبوس) التجسسي مع سلطات الاحتلال وفقا للبي بي سي، فتل أبيب سبق لها وأن تحركت بقوة للتعاون مع فيسبوك وانستغرام وتويتر اضافة الى غوغل وامازون لممارسة رقابة مشدّدة على المحتوى الفلسطينيّ والتضييق على وصوله إلى العالم وحذف أو تقليل مقاطع الفيديو والصور التي توثّق جرائم الكيان في جميع المنصات الإلكترونيّة وحذف منشورات وإغلاق حسابات على خلفية استخدام كلمات مثل الأقصى المبارك أو المقاومة أو شهيد بذريعة أنها “تحريضية” او مخالفة لمعايير النشر، الى درجة دفعت مديرة تسويق منتجات غوغل التعليمية أرييل كورين الى ترك عملها مع محرك البحث العملاق  بعد رفضها توقيع شركتها عقدا مع الجيش الإسرائيلي لهذا الغرض بقيمة مليار دولار بحسب تي ار تي، ولا يختلف الحال مع برنامج (بيغاسوس) وهو برنامج تجسس تطوره وتبيعه شركة "إن إس أو غروب" ومقرها إسرائيل وقد استخدم  في اختراق هواتف مسؤولين ونشطاء ومعارضين وصحفيين حول العالم، هذه البرمجية الضارة التي تُحمَّل خلسة على الهواتف الخلوية تمكن صاحبها من الوصول الكامل إلى كاميرا المستهدف وكل مكالماته وصوره وبريده الإلكتروني وخصوصياته وبما يصعُب على المُستهدَف اكتشافها أو منعها بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وهكذا يجمع المشروعان  والبرنامجان الالكترونيان المشبوهان بين القمع والتجسس والربح  في آن واحد .

مقابل ذلك كله فهناك عمليات قرصنة تم خلالها اختراق الكونغرس الأمريكي والكرملين الروسي والحكومة البريطانية اضافة الى الاف الاختراقات المماثلة حول العالم في حلقة من سلسلة طويلة ابطالها هم الهاكر والكراكر وأبرزهم  أصحاب القبعات السود أو (البلاك هات هكر) والقبعات البيض، والرمادية وكثير منهم خبراء بالتقنيات ممن تختلف نواياهم وتتباين أهدافهم وتتقاطع دوافعهم بين العثور على ثغرات أمنية وجني الأرباح وإظهار الاحتجاج والتحدي والتخريب ونشر البرامج الخبيثة وتعد جماعة "أنونيموس" أو (المجهولون) والتي تأسست عام 2003 ويظهر قراصنتها بقناع (جاي فوكس) ومن أشهر المخترقين في العالم وقد دأبت هذه الجماعة على شن هجمات سنوية على المواقع الإسرائيلية  في السابع من نيسان من كل عام منذ عام 2013 تمكنت في احدى هجماتها من اختراق أكثر من 55 موقعا كان من بينها مواقع وزارة الاقتصاد والجيش الإسرائيلي ووزارة الأمن العام ووزارة الشؤون الخارجية .

أما بشأن العرض الاخير للملياردير الامريكي ايلون ماسك، بشأن تزويد قطاع غزة بالانترنيت الفضائي تعويضا عن قطع الشبكة صهيونيا فهذا إما عبارة عن دعاية تجارية لشركته وتسويق لها سبق له أن ورط اوكرانيا بها، وإما انها خدمة تجسسية لصالح الكيان أو أنها ورقة ضغط على الكيان ليزيد من معدلات تعامله مع شبكته الفضائية، فأنا لا أثق بتاتا بهذا المخلوق عجيب الأفكار، غريب الاطوار .

وأقول لمن شكروا ايلون ماسك، ومدحوه واثنوا عليه ظنا منهم " بأن ذيل الكلب الاعوج يمكن أن يستقيم يوما" حين عرض تقديم خدمته الى المؤسسات الاغاثية والانروا العاملة في قطاع غزة، بأن هذا المخلوق سبق له وأن أبلغ البنتاغون من أن شركته "ستارلينك " لم يعد بإمكانها الاستمرار بتمويل الخدمة في أوكرانيا وتكبدها خسائر مالية تصل إلى 20 مليون دولار شهريا وعلى البنتاغون تمويلها وبما يعادل 120 مليون دولار لبقية العام و400 مليون دولار للأشهر الـ 12 المقبلة ما أعاق تقدم القوات الأوكرانية لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا فشبكة ستارلينك هي الطريقة الرئيسة التي تتواصل بها القوات الاوكرانية في ساحات المعارك وبما يسمح لها بالقتال بعد تدمير شبكات الهاتف الخلوي والإنترنت وفقا لشبكة «سي إن إن» الأمريكية،فيما بحث البنتاغون جميع الخيارات لدعم الاتصال بالإنترنت في أوكرانيا وفقا لسي ان ان قبل أن يعود ماسك ليغرد بلهجة ملؤها التذمرعن عودة الخدمة قائلا (على الرغم من أن ستارلينك تخسر أموالا فسنواصل تمويل الحكومة الأوكرانية بالمجان) وكأنه وبهذه المناورة يقول للبنتاغون أما الدفع وأما القطع .

وسيتكرر المشهد هذه المرة مع قطاع غزة لامحالة ولاندري من سيطالبه بالدفع نيابة عن القطاع، بقي أن تعرف بأن ستارلينك هي شبكة كبيرة من الأقمار الصناعية توفر خدمة الإنترنت السريع دون حدود أو قيود عبر الأقمار الصناعية في 40 دولة الشبكة تديرها شركة (سبيس إكس) المملوكة لرائد التكنولوجيا وصاحب شركة (تسلا موتورز) الملياردير إيلون ماسك، وقد باشر مشروع ستارلينك للانترنت الفضائي بإطلاق أقمار (Starlink) عام 2019 ليصل عدد أقمارها الصناعية الى أكثر من 3000 الاف قمر عام 2022 تدور في مدار أرضي منخفض وتتواصل مع أجهزة إرسال واستقبال أرضية معينة .

وفي الختام لايسعني إلا أن أكرر ما بدأته المطلوب طوفان_اقصى _سيبراني  يعطل اركان الكيان الفاشي اللا انساني على مستوى العالم كله،ولله در شاعر النيل حافظ ابراهيم، القائل في أهمية التعاون والتعاضد لنصرة القضايا المصيرية الكبرى ذات الاهتمام المشترك:

 إذا ألمّت بوادي النيل نازلة

باتت لها راسيات الشام تضطرب

*

وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألم

أجابه في ذرى لبنان منتحب

*

لو أخلص النيل والأردن ودّهما

تصافحت منهما الأمواه والعشب

*

نسيمَ لبنان كم جادتك عاطرة

من الرّياض وكم حيّاك منسكب

***

احمد الحاج

على الرغم من التغييرات الجوهرية التي حدثت على النظام السياس العراقي، الا ان مواقفه لم تتغير من مجمل القضايا الاقليمية والتي تتعلق بالمنطقة عموماً،  فكانت قضية فلسطين والقدس هي القضية الام وتحضى باهتمامه وأنعكس ذلك من خلال موقف المرجعية الدينية العليا من القدم، وكيف كان ومازال في الوقوف مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتهم القدس.

الحرب الاخيرة التي شنتها إسرائيل على مدينة غزة غيرت التوازنات الاقليمية والدولية مثلما تغيرت المواقف العربية والاسلامية منها، وتبددت كل الآمال التي كان يتطلع لها الفلسطينيين في موقف مشرف من الوضع الاقليمي والدولي، لذلك كانت المشاهد والصور القادمة من غزة، مثيرة لغضب الشعوب العربية وتحديداً العراق الذي سارع بالدعم الثابت لقضية فلسطين، وإعلان تأييده الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.

العراق زاد من تواصله الدبلوماسي مع ملك الاردن عبدالله الثاني وكذلك مع الرئيس المصري وامير دولة قطر ورئيس جمهورية أيران وآخرين من أجل التوصل الى أتفاق لإيقاف الحرب على الابرياء العزل، وتجنب تصعيد الحرب وتوسيعها الى مناطق اخرى في المنطقة، وإدخال المساعدات الى غزة وركزت حكومة السيد السوداني على الاحتياجات الانسانية لسكان غزة.

بالمقابل هناك تباين للمواقف من القوى السياسية في العراق من الاحداث في غزة، فالقيادات الكردية والسنية أكثر صمتاً من ردود إفعالهم، إذ اعرب رجال الدين وآخرين عن دعمهم لغزة ولكنهم دعوا الى موقف عراقي موحد، وفي نفس الوقت كانت حكومة إقليم كردستان اكثر حذراً، ويبدو أنهم لا يريدون استعداء واشنطن والابقاء على حسن النية في علاقتهم مع الغرب.

يبقى الموقف معلقاً على ما يحدث في غزة، وتبقى المواقف متذبذبة في توضيح الموقف، ولكن المعول على مواقف الجماهير التي عبرت وتعبر في أكثر من مناسبة عن موقفها الصارم من القضية الفلسطينية وضرورة أن يكون للشعب الفلسطيني أرضاً وبلداً حر، يعيش فيه بحرية دون أي تهديد يومي لحريته في بلده،  كما أن المجتمع الدولي لم يبقى له عذراً أمام الهمجية الصهيونية وكيف عبر عن وحشيتهم في قتلهم للأطفال والابرياء في مستشفى المعمداني الاهلي والذي راح ضحيته الآف من الشهداء والجرحى، وأن يوقف إراقة الدماء واعترافه بان ما جرى في غزة هي مذبحة جماعية وأن الحرب غير متكافئة بين الطرفين، مع السعي الى إيجاد حل ونهائي وجذري عبر إنهاء وجود الكيان الصهيوني الغاصب على الاراضي المغتصبة والمحتلة وكما عبر سماحة الامام السيد السيستاني في بيانه الاخير الذي شجب الافعال البربرية للكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الابراهيمية.

***

محمد حسن الساعدي

كنت أنوي أن أكتب عن النائبة "المستقلة" التي ظهرت في مقطع فديو وهي تهدد أفراد من الجيش العراقي يؤدون واجبهم في محافظة ميسان ، معلنة وبقوة وتصميم بأنها ستجعل منهم ومعهم قائد عمليات ميسان "شذر مذر" وتفرقهم بين أركان الأرض الأربعة،

فكيف تسنى لجنود أن يحاججوا نائبة ويطالبوها بتنفيذ القانون، فهل النائبة مواطنة مثلنا من لحم ودم، حتى تستجيب للقانون، ونحن نعرف جيداً أن نوابنا "الأفاضل" فوق القانون وفوق الشعب أيضاً. فجميعنا يدرك أن النائب ما أن يجلس على كرسي البرلمان حتى يعتقد أنه من فصيلة أخرى من البشر.

ولهذا اسمحوا لي أن أترك النائبة وتهديداتها، وأكتب عن عراقية من نوع آخر، اسمها هدى قطان تعيش في أمريكا، تملك شركة "هدى بيوتي"، فمنذ ايام ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بأخبارها بعد ان اعلنت تضامنها مع فلسطين. حيث كتبت عبر حساب علامتها التجارية الشهيرة "هدى بيوتي" على "إنستغرام": "خلال الأسبوع الماضي، شاهدنا العديد من الفظائع في غزة، قلوبنا مع من يعانون ويتألمون هناك".

لم تمر كلمات قطان بسهولة ، حيث تعرضت لحملة مسعورة في أمريكا وأوروبا ل تدعوا الناس الى مقاطعة منتجاتها، وقامت بعض المتاجر الاوربية ، بإزالة منتجات "هدى بيوتي" من متاجرها. إلا ان السيدة قطان لم تتوقف او تضع راسها في الرمال بل ذخبت لتكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي : "لا أريد أموالاً ملطخة بالدماء".

هذه السيدة العراقية التي اسمها هدى قطان تقيم في بلاد العم سام حيث الرأي العام ومعه الإعلام منحاز وبشدة إلى جانب عدوان إسرائيل، استطاعت بمثابرتها أن تدخل مجال الأعمال التجارية الحقيقية، وليست تجارة عالية نصيف بالشعارات والتي مكنتها من أن تجني ملايين الدولارات ومعها عقارات من خلال تجارة رابحة اسمها الانتهازية والصراخ في الفضائيات . والأمر ليس مقتصراً على النائبة "المسكينة" عالية نصيف، فقد سبقتها زميلتها حنان الفتلاوي فصعدت سلم الثروة بخطوات سريعة وكانت التجارة هذه المرة اسمها التوازن في توزيع الخراب على العراقيين، واقامة حفلات استجواب مدفوعة الثمن داخل قبة البرلمان

استطاعت العراقية هدى قطان أن تحتل لها مكاناً بارزاً في قائمة الناجحين، ووضعت اسمها في قائمة النساء المؤثرات في العالم، ورغم كل هذا لم تستخدم الشعارات البراقة والتضامن الزائف مع أهالي غزة، بل قررت أن تتبرع بمبلغ مليون دولار لمساعدة ضحايا العدوان الإسرائيلي ، لتكتب على صفحتها في انستغرام؛ "من المهم أن نقف دائماً إلى جانب. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونتظاهر بأن هذا لا يحدث".

بالتاكيد أنّ الذين وجدوا ضالّتهم في تهديدات نائبة ميسان وشعارات نوابنا المخادعة ، لا يتحمّسون كثيراً لنموذج مشرق مثل هدى قطان.

***

علي حسين

سؤال يطرح نفسه بقوة، عندما تتابع التصريحات والمقالات والتعليقات والخطب، والتفاعلات القائمة بين دول أمة العرب. يتحدثون ببراءة وكأن الدنيا مخملية، وذات خصال مهذبة، ورؤوفة رحيمة، وتراعي حقوق الذي لا يعرف حقوقه.

العلاقات الدولية غابية منذ الأزل، والقوى أيا كانت بلا قلب ولا مشاعر، إنها تفترس، فالقوي يأكل الضعيف، ودموع الأقوياء تمساحية الصفات.

فعن أي علاقات إنسانية، ومساعدات أخوية تتحدثون؟

القوى تتربص لبعضها، وتستثمر في مشاكل ونزاعات الضعفاء، وتنهال بقدراتها الفتاكة على الدول "المصكعة " أي التي تتلقى الصفعات من جميع الجهات.

هذه الدولة قاسية، تكيل بمكيالين، وذات إزدواجية في معاييرها، وما إلى غير ذلك من الأوهام والهذيانات، فهل وجدتم دولة لا تكشر أنيابها وتنشب مخالبها في فرائسها؟

ما هذه البلاهة المهيمنة على الوعي الجمعي؟

يا أمة العرب، إنها شرائع الغاب، القوة هي العدل والحق والقانون والدستور، ومفتاح كل شيئ، والضعفاء في قيعان الهوان يتمرغون.

القوي يهاب الأقوياء، ويتأسد على الضعفاء، ويمعن بتدميرهم والفتك بوجودهم، ليستشعر حرارة قدرته، ولذة قوته الفتاكة.

ولا توجد قوة في تأريخ البشرية إمتلكت سلاحا ولم تستعمله، واليوم إنفلتت قوى الدنيا وإهتزت مرابض أسلحتها الرهيبة، مما يعني أن الأرض مقبلة على مرحلة سوداء ذات قساوة بالغة.

و"من لم يكن ذئبا أكلته الذئاب، ومن جعل نفسه عظما أكلته الكلاب"

و"إذا كان الحق للقوة، فمن الحكمة أن لا تكون ضعيفا"

فهل أدركنا أن القوة صراط مستقيم، والضعف أعوج سقيم؟!!

***

د. صادق السامرائي

(طبخة امريكية اسرائيلية، جرى ويجري اعدادها في المطبخ الامريكي)

أعلن في الرياض العاصمة السعودية، في وقت سابق؛ عن دعوة المملكة وفلسطين، الى الدول العربية بأهمية عقد مؤتمر قمة عربية طارئة في الرياض العاصمة، في 11من ت2نوفمبر؛ للبحث او ايجاد مخرج للمجزرة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي، الإثنين، السادس من ت2نوفمبر؛ عقد قمة طارئة الأحد المقبل في الرياض، لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي تزامن؛ أعلن عن الدعوة لعقد قمة عربية افريقية في ذات تاريخ، عقد القمة العربية الطارئة. الامين العام المساعد، حسام الدين زكي؛ قال ان القمة العربية الافريقية كان قد تم الاتفاق على عقدها قبل عدة اشهر. في 18 ت1 اكتوبر تم عقد مؤتمر لمنظمة العمل الاسلامي على مستوى وزراء الخارجية؛ لمناقشة العدوان الاسرائيلي على غزة؛ ليخرج بالدعوة على وقف اطلاق النار. لنأخذ في الفحص والتمعن؛ مؤتمر القمة العربية الطارئة (او مؤتمر قمة عربية افريقية، عندما تحل محل الأولى)، ان تم عقدها في التأريخ المنوه عنه في اعلى هذه السطور المتواضعة. ان توصيف هذا المؤتمر بانه مؤتمر قمة عربية طارئة؛ يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة؛ عن الذي يقف وراء عقده او الدعوة الى عقده بعد اكثر من شهر على بدء المذبحة الصهيونية بحق النساء والاطفال والمسنين، وتدمير كل البنى التحتية، في عملية اجرامية متواصلة بلا ادنى توقف او هدنة او انقطاع ولو لزمن قصير، بالساعات حتى. ان هذا المؤتمر المزمع عقده في المقبل من الايام؛ كان قد سبقه؛ مؤتمر ضم الانظمة العربية، اضافة الى البعض الدول الاوربية وامريكا واليابان، ولم يخرج بأية نتيجة تذكر، او نتيجة لها قيمة واجراء فعلي لوقف هذه المحركة الصهيونية الامريكية. ثم تبعه اعلان من تسعة دول عربية، وهذا الاعلان هو الأخر لم يؤدِ الى اية نتيجة لها فعل وقيمة واهمية لجهة وقف المذبحة الاسرائيلية، التي تستمر في ذبح كل ما هو حي من الأنسان والأرض وحتى الحيوان وكل ما له القدرة ان يمشي على ارض المحرقة هذه. بعد الاعلان السعودي عن الدعوة لعقد مؤتمر قمة عربية طارئة؛ زار وزير خارجية امريكا كل من اسرائيل والاردن ومصر والسعودية؛ وخرج عن هذا الاجتماع بين الوزير الامريكي ومسؤولو الدول العربية سابقة الاشارة لها؛ ما سمي بالإعلان الامريكي العربي؛ الذي لم يخرج علينا هو الأخر باي اجراء لوقف هذه المحارق الصهيونية. في الزيارة الأولى لوزير خارجية امريكا، بعد يوم واحد من ملحمة اكتوبر الفلسطينية، الذي اعلن فيها، بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا احترام لمشاعر نظرائه من وزراء الخارجية العرب الذين سوف يلتقي بهم لاحقا؛ من انه هنا، عندما كان في تل ابيب، في وقت سابق، في زيارة سابقة، قبل اكثر من اربعة اسابيع؛ بصفتي يهودي وليس وزبر خارجية امريكا. في هذه الزيارة الأخيرة، التي زار فيها الاردن وفلسطين واسرائيل والعراق وتركيا؛ وقبل ان يذهب الى الدولتين الاخيرتين؛ دعا وزراء ست دول عربية وهي دول التطبيع بالحضور الى عمان العاصمة الاردنية؛ لمناقشة الوضع في غزة، وكيفية الخروج بالحلول لهذا الوضع. ان الحلول التي نوه عنها وزير خارجية امريكا، هي كيفية ايجاد حل لأطلاق سراح الأجانب والامريكيين، واكد ايضا على الهدنة الانسانية التي بها ومن خلالها يمكن اطلاق سراح الاجانب والامريكيين، ورفض وقف اطلاق النار في الوقت الحاضر كما قال. قبل ان يغادر الى امريكا، كانت قد وصلت غواصة نووية، من مجموعة اوهايو، الى شرق البحر الابيض المتوسط؛ لتعزيز القوة الامريكية في المنطقة. ان هذه التحركات التي هي وفي جميع الاحوال لم تكن بريئة ابدا، مهما تم تجميلها بكل وسائل التخفي والغش، التي تختفي وراء براقع تصريحات المسؤولون في دول المنطقة العربية، المنمقة، والتي تظهر وكأنها تؤازر المقاومة الفلسطينية؛ كل معالم القبح في هذه التحركات المريبة، التي تؤكد ان هناك في الظلام ما هناك؛ مما لا تراه العين ولا تسمعه الاذن، بالتالي تكون بعيدة كل البعد؛ عن  الرأي العام الاقليمي والعربي والدولي، الذي يكون عندها؛ بعيدا عن رؤية القبح هذا الدفين في حقائب الانظمة العربية وامريكا واسرائيل. مؤتمر القمة العربية الطارئة، والتي، سوف يتم عقدها في المقبل من الايام القليلة؛ ما هي الا اداة امريكية اسرائيلية لنحر المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة، او في عموم الأرض الفلسطينية. السؤال المهم هنا، بل هو السؤال الكبير؛ ما الذي سوف يأتي به هذا المؤتمر ان تم عقده في الزمن المعلن عنه، في الوقت الحاضر؟ ثم لماذا يتم عقده او الاتفاق على عقده بعد ايام من الآن؟ ولماذا وهو مؤتمر قمة عربية طارئة؛ لا يتم عقده في الآن، أو الاصح قبل الآن بأسابيع؛ كونه يحمل صفة الطاريء، اي انه يعالج او يجد حلول او اجراءات لحالة طارئة ومستعجلة؛ تستوجب عقده على جناح السرعة، وليس بعد اسابيع؟ ثم هل عقده لا يتم الا في المقبل من الأيام؟ السبب هو لإعطاء الزمن للألة الصهيونية حتى تقوم بما تقوم به من قتل وتدمير وخراب؟ ما هو جار في الوقت الحاضر ومنذ اكثر من شهر، من ابادة وتطهير عرقي، لم تشهد له الارض الفلسطينية مثيلا له، منذ عام 1948؛ يحمل الكثير من التغييرات والتحولات التي لا تخص فقط القضية الفلسطينية، بل تخص كل الأرض العربية، من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي، الذي فيهما يتم اعادة هيكلة المشهد السياسي في عموم الاوطان العربية، انها طبخة كان قد اعد لها في مطابخ الامبريالية العالمية المتوحشة؛ بين امريكا واسرائيل، والنظام الرسمي العربي. ربما يبدوا هذا، بالاعتماد على ما هو ظاهر من الاحداث المتفجرة، من دون رؤية القداح الذي يمسك زر التفجير في المكان البعيد، وراء الاطلسي او على الضفة الأخرى للبحر الابيض التوسط، عن امكنة التفجير؛ ضربا من ضروب؛ التهويل او التضخيم للأوضاع.. أو الاحالة الى نظرية المؤامرة، التي لا يؤمن بوجودها الكثير، مع ان لها وجودا حيا وجديا ومنتجا.  أنها من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة؛ هي الحقيقة كاملة كما ارى، التي يراد لها ان لا تظهر واضحة ومجسمة، على أرض الواقع. عندما يتم عقد هذا المؤتمر؛ هل في إمكانه ان يخرج لنا بحلول او بحلحلة المطحنة الامريكية الاسرائيلية الجارية الآن على ارض غزة؛ سواء بإيقافها إيقافا تماما، أو مع ايقافها إيقافا تماما؛ وضع خارطة طريق للحلحلة، على مسارات حل الدولتين، على الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران بما فيها القدس الشرقية، بصورة واضحة وحقيقية، بالتزام امريكي ودولي، وبضمانة دولية؛ مؤتمر دولي للسلام؛ تشارك فيه كل القوى الدولية الكبرى، روسيا والصين والاتحاد الاوربي والامم المتحدة، امريكا، والفلسطينيون والاسرائيليون وبسقوف زمنية محددة مسبقا، للتفاوض ولمخرجات التفاوض، وتكون ملزمة التنفيذ والاجراء واقعيا، سواء من قبل دولة الاحتلال الاسرائيلي او من قبل الفلسطينيون. ان هذا لن ولا ولم يخرج لنا فيه، مؤتمر القمة العربية الطارئة، بل ان نتائجها سوف تكون على العكس من هذا تماما، بل انها سوف لا تتجاوز الدعوة الى هدنة انسانية، التي تكون الظروف حينها، قد تم انضاجها، أو ان امريكا تسعى لها من اجل اطلاق سراح رعاياها ورعايا الدول الغربية، من دون إيقاف تام، لهذه المذابح، اي انها هدن تكتيكية، كما قال عنها البيت الابيض عندما بين؛ ان بايدن تواصل مع نتنياهو وبحثا معا امكانية الهدن التكتيكية؛ لإدخال المساعدات الانسانية، مع الدعوة الى حل الدولتين من دون اي اجراءات عملية؛ تجبر امريكا والكيان الاسرائيلي المحتل للأرض الفلسطينية؛ على ايقاف هذه المذابح. ايضا سوف يكون البيان الذي ينتج عن هذا المؤتمر، ممتلأ بالخطاب الانشائي، كما في كل بيانات القمم العربية السابقة في العشرين سنة الماضية. إنما من الجانب الثاني والذي سوف لن يكون له وجود في البيان، بل انه سوف يظل هناك في الحقيبتين الامريكية والاسرائيلية، وفي حقيبة الأنظمة العربية المطبعة في العلن او في السر؛ والذي هو الأخطر ليس على القضية الفلسطينية، بل على الاوطان العربية كلها، وعلى الشعوب العربية؛ لأنه سوف يعمل بجهد جهيد؛ على إعادة رسم المشهد السياسي في فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأوطان العربية، في اتجاهات حركية متزامنة ومتوازية على الجبهتين العربية والفلسطينية. لكن من الجانب الثاني؛ ان هذه الطبخة سوف تحترق قبل ان يتم انضاجها، تحترق قبل ان تصل الى الخاتمة. ان وعي الشعب الفلسطيني ووعي الشعوب العربية هما من يتوليا احراق هذه الطبخة قبل انضاجها بنار المقاومة الفلسطينية، بحيث تصبح غير صالحة للازدراد والهضم والتمثيل، ورفض الشعوب العربية لسياسة الأنظمة العربية المطبعة، رفضا تماما، كما في مصر والاردن والمغرب وغيرهما من الشعوب العربية..

***

مزهر جبر الساعدي

بعد عملية طوفان الأقصى المفاجئة وقف العالم الغربي مع إسرائيل موقفا مطلقا منحازا للجلاد والغريب أن كتابا فرانكفونيبن محسوبين على العالم العربي ويحملون أسماء إسلامية ولأنهم إنسانيون حداثيون تنويريون أدانوا حماس وتضامنوا مع الصهاينة طمس الله بصيرتهم وآخرون التزموا الصمت والحياد حتى لا تضيع منهم بعض الجوائز فيفتقدون فتاتها، بينما ظهرت أصوات في العالم لكتاب وفلاسفة كبار وقفوا مع الحق ودافعوا عن المستضعفين الفلسطينييبن ونذكر على سبيل المثال فيلسوفين معاصرين هما:

- الفيلسوفة الأمريكية " جوديت بتلر (من مواليد 24 فبراير 1956م).

- الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين (من مواليد 22أبريل 1942م).

قالت الفيلسوفة الأمريكية اليهودية الأصل   جوديث بتلر صاحبة كتاب" قوة اللاعنف" وتعد من أهم الفلاسفة المعاصرين الذين يهتمون بقضايا الراهن العالمية ولها دور تأسيسي في دراسات الفكر النسوي ولها إسهامات أيضا في الفلسفة الأخلاقية وفلسفة ما بعد البنيوية : " إنه يجب أن نأخذ تعبير "إبادة جماعية" على محمل الجدّ لأنه يصف ما يحدث بالفعل، فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضا السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"

وقالت أيضا بكل وضوح  "إذا كانت أهوال الأيام الأخيرة تكتسب أهمية أخلاقية أكبر لوسائل الإعلام من أهوال السنوات السبعين الماضية، فإن الرد الأخلاقي في الوقت الحالي يهدد بحجب فهم الظلم الجذري الذي تحملته فلسطين المحتلة والفلسطينيون المهجّرون قسراً - فضلاً عن الكارثة الإنسانية والخسائر في الأرواح التي تحدث في هذه اللحظة في غزة"..

أما  الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين فقد كتب على موقعه نصّاً مقتضباً بعنوان "صمت غزة".

وكتب أغامبين، الذي عُرف باهتمامه بموضوعات متنوعة تراوحت بين فلسفة اللغة وفلسفة الأخلاق والقانون والأدب: "أعلن علماء من كلّية علوم النبات في جامعة تل أبيب، في الأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حسّاسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التي تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر إلى الماء. في غزة لا توجد ميكروفونات!"

وهذا الكلام المقتضب يحمل إيحاءات ورسائل إلى العالم فمن يحمل صوت غزة ويسجل أنين النساء والشيوخ والأطفال تحت الأنقاض؟ فإذا كان علماء النبات في الكيان المحتل  اكتشفوا أن النباتات عند قطعها أو عند افتقارها إلى الماء تصدر صرخات الألم ألم يكتشف هؤلاء معاناة الإنسان الفلسطيني المقطوع من أرضه المحروم من جذوره المسجون في بقعته الصغيرة، المحاصر طوال عقود من الزمن  ألم يسمعوا صرخته وأنينه ؟...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

ما أن يصدر كتاب جديد للفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، حتى تجدني أبحث عنه في المكتبات فأنا أحرص على أن أقرأ وأتمعن في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذه الفيلسوفة التي كانت تمني النفس أن تصبح روائية، فهي تحفظ مقولة سارتر الشهيرة أن الأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، عندما أقرأ جديد جوديث بتلر أو سلافوي جيجيك أو ما ينشره الهندي أمارتيا سن، أسأل نفسي من هو المثقف الحقيقي؟

دائما ما يطرح هذا السؤال: من هو المثقف؟ هل هو الملتزم بقضايا الناس، أم الذي يدور حول فلك الساسة والمسؤولين، ام الذي يدافع بشراسة عن المضطهدين والمظلومين في هذا العالم؟ هل هو الكاتب الذي يكتب للنخبة، ام الباحث عن السلطة والمال والمكانة الاجتماعية؟

تذكرت نموذج هذا المثقف وأنا أقرأ مقال جوديث بتلر الذي نشرته قبل ايام، تؤكد فيه على ان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية: " فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"

جوديث بتلر التي تعمل اليوم أستاذة في جامعة كاليفورنيا، تعيش في مدينة بيركلي، كتبت مقالاً بعنوان "بوصلة الحداد"، تقول فيه إن هناك من يستخدم تاريخ العنف في المنطقة ليبرئ اسرائيل، فهي ترى ان العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين هو شيء طاغي:" فهناك القصف المستمر بلا هوادة وقتل الناس من كل الأعمار في بيوتهم وفي الشوارع والتعذيب في سجونهم وتقنيات التجويع في غزة والاستيلاء على البيوت. وهذا العنف بكل أشكاله هو موجه ضد ناس معرضين لأحكام الفصل العنصري " . وتضيف؛ هناك تاريخ من العنف في المنطقة يتراوح ما بين ضربات جوية ممنهجة ومستمرة واعتقالات قسرية وعمليات قتل استهدافية، مما أجبر ذلك الفلسطينيين على العيش في دولة موت على نحو بطيء.

نقرأ مقال بتلر فنرى كيف يفهم المثقف الحقيقي دوره في المجتمع، وكيف يتغلب على مفردات مثل القومية والعشيرة والحزب، الفيلسوفة اليهودية تنتقد ما يجري ضد الفلسطينيين، دون ان تفكر ولو للجظة واحدة انها يجب ان تدافع عن " جماعتها " كما يحصل عندنا، عندما ينحاز المثقف العراقي لطائفته وعشيرته .

في شقتها المطلة على البحر تتأمل بتلر في العالم الذي استحال أمامها إلى مريض يحتاج إلى جراحة سريعة لإزالة ورم خبيث من جسده، اسمه اللامبالاة والانحياز للظلم، وتؤكد على أن الحديث عن فكرة عقاب جماعي لشعب، إنما سيجلب مظالم جديدة ويؤجج نار العنف في العالم.

اليوم عندما نرى الجهل يتفشى والمحسوبية تتمدد والانتهازية تسيطر على حياتنا، فان هذا بالتاكيد سببه قلة المثقفين الشجعان، وكثرة الأدعياء الذين يحشون أفكار الناس بالفشل والجهل .

***

علي حسين

دولة بني أمية تآكلت من داخلها، لأنها توسعت بسرعة وفقدت القدرة على الإدارة الراجحة في العديد من الولايات التي أصبحت بعهدتها، فكانت شاسعة الأطراف، والتواصل بين الولايات ومركز الحكم في دمشق ضعيف وبطيئ، وإتخاذ القرارات يأتي متأخرا وغير صائب.

وبتراكم التداعيات وتناثر الأقاليم والولايات، والسطوة العربية التي تأبى مشاركة غير العربي بالحكم، إنكمشت قوة الدولة، وتعاقب عليها خلفاء ضعفاء إنشغلوا ببعضهم، فتهاوت وتناخرت من داخلها، فكانت ضربة أبو مسلم الخراساني القشة التي قصمت ظهر البعير، فاتخذ من بني العباس رمزا للدولة الجديدة، وكانت مبايعة أبو العباس السفاح ضمن هذا المشروع الإمبراطوري المنتظر.

وأضفيت عليه صفات ومميزات، ورفعوه إلى مقامات لا بشرية، فصارت الإمرة له، والدولة دولته، وهو صغير العمر قليل الخبرة والثقافة، فما وجد بداً من إعمال السيف بالعرب المسلمين، وببني أمية ومَن معهم، حتى قتل عشرات الآلاف منهم في بضعة أيام، فكان السيف منهجه.

وكادت دولة بني أمية التي ورثها أن تتفتت، لأنه إنهمك بالقتل والمروع والتطهير العرقي، الذي إجتثهم من جذورهم.

ولو إستمر في الحكم لسنوات لما بقيت دولة بني العباس لعقد أو يزيد.

لكن وفاته المبكرة كانت سببا مهما في نشأتها وإنطلاقها، إذ جاء بعده وحسب وصيته أخوه الذي يكبره بسنوات، أبو جعفر المنصور، المؤسس الحقيقي للدولة، وواضع حجر أساسها المتين.

أبو العباس السفاح، يبدو وكأنه يتمتع بمميزات الشخصية العدوانية السايكوباثية التي تتلذذ بقتل الآخرين، وسفك الدماء، ولا تشعر بحساب ضمير، أو أنها بلا ضمير، فكان منهمكا بالقتل الفتاك، وممعنا في إبادة الأموين، وعزز سلوكه المتوحش الذين أوهموه بأنه ينفذ أمر الله فيهم.

وطغت الإنتقامية العمياء على سلوكه طيلة سنوات حكمه الدامي السادي الطباع، وتآزر معه ذوي العاهات النفسية والسلوكية، فتحولت دمشق إلى ميدان لمجزرة بشرية مروعة، فما فعله بأهل دمشق ربما لا يختلف عما فعله هولاكو بأهل بغداد فيما بعد، وكأن بداية دولة بني العباس تطابقت مع نهايتها، وكأن الإرادة الإلهية تفرض قوانينها على الباغين ولو بعد قرون.

فما جرى في عهده لم يكن تأسيس دولة، بل تدمير ما هو كائن، وللذي يجب أن يكون ويتحقق، وبقي أبو مسلم الخراساني المحافظ على عمود الدولة الفقري، ولولاه لما بقي لها أثر بعد موت السفاح، وهذا الإبقاء على الدولة وصيانتها والتمكن فيها تسبب بقتله من قبل أبو جعفر المنصور، الذي وجد أن الدولة ستنتهي حتما إذا لم تكن الإمرة المطلقة بيده.

أي أن أبو جعفر المنصور رمم ما خربه السفاح بعدم حكمته وسلوكه الدموي، الذي أوشك أن يقضي على الإرادة العربية ويسلم الراية للآخرين.

فالغيرة العروبية والحرص على الدولة والسلطان، وإعادة ترميم الأركان ربما كانت وراء ما فعله المنصور بالخراساني، صاحب الفضل الأول في قيام دولة بني العباس، لكنه على ما يبدو وجد نفسه بعد ما فعله السفاح من مآثم وخطايا، عليه أن يكون السيد المطاع.

إن دور السفاح التخريبي والتدميري للدولة لم يدرس بتفصيل، وتواصل المؤرخون بالكتابة عنه على أنه حالة أخرى متصورة، وهو أول قادة التطهير العرقي في تأريخ الأمة!!

والذي قتل من العرب ما لم يقتله أحدٌ قبله، فروح الإنتقام كانت متأججة فيه، وما هدأت حتى نال حتفه بمرض الجدري أو غيره، وهو في عمر السابعة والعشرين!!

سيعترض الكثيرون عما تقدم لأن التأريخ معظمه مكتوب بمداد الكراسي!!

***

د. صادق السامرائي

27\8\2021

في عام ٢٠٠٢، أي قبل أكثر من عقدين، شاهدتُ فيلما مؤثّرا عن جذور النكبة الفلسطينية التي مهّدت الطريق لأحد أطول وأبشع الاحتلالات التي عرفها التاريخ، وفي أكثر من مناسبة تالية حاولت العثور عليه مجدّدا ولم أستطع، ببساطة لأني لا أتذكّر عنوانه ولا تفاصيله الدقيقة، فقط فكرته ومضمونه.

وفي خضمّ حرب الإبادة الدائرة اليوم في غزة ٢٠٢٣، يشاء السميع العليم أن أعثر عليه وأشاهده، وكالمرّة السابقة؛ تألّم القلب وكان لا بد له أن يألم، ودمعَت العين وحقّ لها أن تدمع.

الفيلم عنوانه: (المتبقّي)، ويعرض المشاهد الأولى لقصة اغتصاب فلسطين في الفترة ما بين قرار الأمم المتحدة بإنشاء الكيان الغاصب في نوفمبر ١٩٤٧ وبين رحيل بريطانيا وإعلان قيام الدولة اللقيطة في مايو عام ١٩٤٨، وذلك من خلال سرد درامي لحياة أسرة فلسطينية صغيرة مكوَّنة من جدّة وأب وأم وطفلهما الصغير الذي اغتصبتْه أسرة بولونية مستوطِنة كما اغتصب الصهاينة فلسطين من أهلها، وقامت بتغيير اسمه أيضا من فرحان إلى موشي على طريقة الصهاينة في تغيير اسم فلسطين إلى إسرائيل، مع أنّ الأسماء لا تغيّر من الحق شيئا، وقلم التاريخ لا ممحاة له.

في وضح النهار، تنقضّ العصابات المسلَّحة الصهيونية على الأحياء العربية بالقرى والبلدات والمدن الفلسطينية الوادعة، فيشيعون فيها الرعب والهلع عبر زخّات الرصاص ونيران المتفجّرات ودويّ المدافع، ليسارع السكّان إلى فضّ الأسواق وإغلاق الحوانيت وإحكام الأبواب والتحديق من وراء النوافذ بعيون زائغة كالمساجين، يليه اقتحام هؤلاء الهمج البربر للبيوت وإخراج أهلها منها عنوة تحت فوّهات البنادق وحرابها، ليتم تهجيرهم وترحيلهم خالين الوفاض إلّا من مفتاح بيت أو سند ملكية لأرض طيّ ثيابهم، والمآل إمّا إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة أو دول الجوار ومخيمات الشتات، في مشهد سريالي أشبه بيوم الحشر، استعدادا لإحلال وتوطين المحتلّين الوافدين من أقاصي البلاد في هجرات جماعية متتالية مدفوعة الأجر، وكأنهم يستبدلون لوحة على جدار بأخرى، أو يقتلعون شجرة ويضعون مكانها أَصيصا!

ورغم تكرار هذا المشهد في نحو عشرين مدينة وأربعمائة قرية، وجنايته على أكثر من ٧٥٠ ألف فلسطيني آنذاك، إلّا أن الاحتلال البريطاني المسؤول عن إدارة فلسطين أيامئذ مثّل دور الأعمى والأصمّ، بل والداعم المباشر وغير المباشر، حسبما أشار المؤرّخ رشيد الخالدي في كتابه "حرب المئة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" إلى أن القوة العسكرية البريطانية على الأرض كانت بمثابة الجدار الحديدي  للمشروع الصهيوني، تماما مثلما كان وعد وزير خارجيتها جيمس بلفور عام ١٩١٧ هو الجدار السياسي لهذا المشروع الرامي -ضمن مرامي أخرى عدّة- إلى شطر جناحَي العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا، وبالتالي منع ظهور قوّة إسلامية كبرى تملأ فراغ الدولة العثمانية التي أجهزوا عليها عقب الحرب العالمية الأولى، ولا ننسى أن بريطانيا كانت القوّة الكبرى النافذة في العالم حينئذ.

الفيلم مقتبَس من رواية ذاع صيتها رغم صغر حجمها البالغ ثمانين صفحة، ومنها أيضا اقتُبس فيلم ثان ومسرحية ومسلسل، وهي رواية (عائد إلى حيفا) للأديب الفلسطيني غسان كنفاني الذي ذاق مرارة التهجير والتشرّد بين فلسطين وسوريا والكويت ولبنان التي اغتاله فيها الموساد عام ١٩٧٢ عبر تفجير سيارته وتمزيقه أشلاء بداخلها عن عمر لم يجاوز الستة والثلاثين عاما.

وعلى هذا النحو، وبمثل تلك الأفلام الجادة والروايات الهادفة، إن وُجدت، يجدر بنا العودة إلى أصل الحكاية وجذور القضية، ليس من قَبيل جلد الذات ولا نكْأ الجراح ولا توزيع الاتهامات واللعنات، ولكن لصياغة وعي حقيقي قائم على حقائق دامغة تستقر في وجدان الأجيال الجديدة التي لم تشهد بعينها ويُراد التغرير بها..فمعركة الوعي لا بد أن تسير جنبا إلى جنبا مع معركة الرمي، والحاكم العربي الذي يعترض مستشارُه على لفظ الكيان الغاصب ويطلب محوه من مضبطة برلمانه، لن يكتب تاريخا يُعوَّل عليه في بناء مثل هذا الوعي المنشود، وكما قيل: ما ضاع حقّ وراءه مُطالِب..شريطة أن يكون هذا المُطالِب صاحب حجّة وقوّة وإصرار.

***

بقلم: د. منير لطفي - مصر

طبيب وكاتب

إن من اهم المتطلبات الضرورية لإعمار البلدان وبنائها هو رأس المال البشري، وهذا ما سمعناه على لسان المتخصصين بعلم الاقتصاد، ومن دون توفير رأس المال هذا، لن يتمكن أي مجتمع من البدء باعمال البناء والاعمار، مع وجوب وجود الإرادة الحقيقية والجادة من قبل صناع القرار في البلد. فالإنسان إذن، هو حجر الأساس الذي تُبنى عليه المشاريع التي تخدم الإنسانية جمعاء.

هنا في عراقنا، لدينا من الكفاءات كثير وكثير جدا، وهم ليسوا وليدي اليوم او الأمس القريب، ومن قلّب صفحات التأريخ تبين له الكم الهائل من ذوي العقول والعلوم والآداب الذين تزخر بهم صفحاته. وباستذكار العقود الخمسة الماضية، نجد أن حدثا شاخصا يتكرر كل عام، ذاك هو استعراض الشركات والوزارات العراقية نتاجاتها، أسوة بشركات من دول عالمية على أرض معرض بغداد الدولي، وكلها تتفاخر بما وصلت اليه صناعات شعوبها، وجدير بالعراق ان يكون لكفاءاته حضور مميز في مجال الصناعات، إذ لم تبخل أمهات العراقيين بإنجاب علماء وأدباء وصناع حضارة.

اما في مجال الفنون، فان مخطوطات الأولين ورسومهم مازالت شاخصة في آثار أور وبابل وآشور، لتشهد انهم أول من ابتكر فن الزخرفة على مشيداتهم، كما انهم اول من اخترع البناء المقوس الذي أثبتوا متانته فيزياويا. ولهم قصب السبق في استغلال الآجر باستحداث عمارة جديدة، والوثوب به الى قمم شاهقة في معابدهم التي أسموها “زاقورة” وترجمتها “القمة المرتفعة”.

كل هذا حدث منذ ألوف السنين، وكان لقادة البلاد وملوكها ورؤسائها الباع الطويل واليد الطولى، في رفد العلماء وفتح ابواب خزائن الدولة وبيوت المال، فضلا عن ابواب قصور الخلافة والدولة، لدعم الكفاءات والقدرات من ذوي العقول، لإيصال علومهم وجديد اختراعاتهم الى دول المشرق والمغرب، الذين بدورهم استمدوا من تلك العقول أفكارهم، وطوروا عبرها صناعاتهم وباقي مرافق حياتهم، ويشهد بذلك المؤرخون والكتاب الذين تزخر مؤلفاتهم بانجازات العراقيين القدماء.

ومن المؤكد ان قادة العراق الحاليين مطلعون على تلك المؤرخات، فالعجب كل العجب وقوف بعضهم بالضد من نشر العلم والأدب وباقي المعارف، ويأبى -متعمدا- دخول سفر التاريخ كقائد يشار إليه بالبنان، وتتغنى به الشعراء كونه سجل خلال حقبة حكمه، صفحة بيضاء لصالح البلد وتقدمه وازدهاره، مع علمه يقينا أن التغني بما حققه والتمجيد به، لن يجد في ذاكرة شعبه حيزا للذكر، إن تسبب في عرقلة سير العلم ومحاربة الرقي! وقديما أنشد شاعر ناعيا بغداد في حقبة من حقبها السوداء:

بغداد يا بغداد يا بلد الرشيد

ذبحوك يا أختاه من حبل الوريد

*

جعلوك يا أختاه أرخص سلعة

باعوك يا بغداد في سوق العبيد

*

ويل لبغداد الرشيد وأهلها

فهولاكو في بغداد يولد من جديد

*

زهدوا بدجلة والفرات وعرضهم

باعوك في الحانات بالثمن الزهيد

هذا واقع حال، أراه اليوم في شوارع بغداد ودجلتها وسمائها، واقع ألمسه كل يوم على واجهات بناياتها وفي حدائقها، واقع أعيشه كل لحظة وأنا أعايش أهلها، فقد أضحوا كشمعة، حصتها من النار اللسع والذوبان، فيما حصة النور تذهب الى خفافيش الظلام خلسة، تحت جنح ليل مدلهم طال مكوثه عند العراقيين، ونأى الصبح عنهم، بما لايدع للأمل فسحة يعللون بها أنفسهم، فضاقت وضاق عيشهم فيها.

***

علي علي

قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ أن هذا العنوان إنما يحيل على ذلك العدوان البربري والهمجي، الذي يُصَبُّ صبا على أبرياء غزة، من أطفال وشيوخ ونساء ورجال عزل إلخ....بيد أنه -أي العنوان- إنما يحيل على ما علق به نتنياهو، رئيس كيان الإحتلال عقب تيكم الضربة الموجعة والمذلة، التي سددتها المقاومة الفلسطينية إلى جيشه، وهو الجيش الذي تبين أنه نَخْبٌ هَواءُ على حد تعبير حسان بن ثابت في قصيدته الشهيرة، التي كانت مقررة علينا إذ نحن تلاميذ في مرحلة الإعدادي، في ثمانينيات القرن الماضي، واهاً على ذاك الزمان وطيبه....

أما نص تعليق نتنياهو الذي ألمحنا إليه فهو قوله :"إنها خسائر مؤلمة وجنودنا سقطوا في حرب ظالمة" نعم هكذا يبكي السفاحُ جنودَه، الذين يحرقون أبرياء غزة بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا، سوريالية ما بعدها سوريالية! وبما يشبه ذلك، نشج وزيره في الحرب يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات الآدمية، فاستباحهم ولم يرقب فيهم قانونا ولا عرفا مما تواضع عليه الناس منذ فجر التاريخ وقد دلل هذا بشكل واضح وجلي على مدى الصدمة، التي يتخبط في دياجيرها هؤلاء الأجلاف، غلا ظ الأكباد وقساة القلوب -وأغلب الظن أن لاقلوب لهم-وهم ينظرون، وبعيونهم يرقبون كيف يتهافت جيشهم هذا الذي كان إلى عهد قريب يوصف بأنه "الجيش الذي لايقهر"،ورحم الله شيخنا محمدا الغزالي الذي كتب يوما معلقا على هذا التوصيف المزيف بقول الشاعر العربي:

إن الزَّرازيرَ لَمَّا قام قائمُها

تَوَهَّمَتْ أنها صارت شَواهينا

وهذا ما حصل بالفعل إذ ما أن التقى الجمعان وجها لوجه، ورجلا لرجل، حتى انكشف المستور، وتهاوت الأسطورة، وتساقطت الأكذوبة على مرأى ومسمع من العالم، فاستبشر قوم وهم كثير، واسودت وجوه آخرين وهم قليل، فكان من بين هؤلاء، أحدهم أُدرجه ضمن فئة "المثقف الخبير" على حد تعبير صلاح بوسريف في كتابه (المثقف المغربي بين رهان المعرفة ورهانات السلطة) يقصد به ذلك الوجه الإعلامي الذي ينتقل بين الفضائيات من قناة إلى أخرى، ليضع المشاهد في قلب الحدث حتى يفهم جيدا حقيقة ما يجري، وهذا الصنف لايكون بالضرورة من صاحب الأفكار، بل يكتفي فقط بجمع المعطيات المتداولة ثم يعيد عرضها على الناس، وما أظننا في حاجة لإمعان نظر وغلغلة فكر لندرك بأن له في ذلك مآرب أخرى.

منذ يومين أو ثلاثة شاهدت هذا "الخبير المثقف" النموذج في حوار مع صحفي مغربي ذائع الصيت، وقد سأله عن رأيه فيما يحدث في غزة، فشمخ الرجل بأنفه، وشخص بناظريه نحو الأفق البعيد وكأنه يستشف ما وراء الحجب، ثم قال "كفرا ونطق هَذْرًا" كما يقول المثل العربي -والكفر هنا بمعنى منكر القول وليس التكفير فلننتبه- فارتأى بثاقب ذهنه، وعميق فكره، أن مسؤولية تدمير غزة وذبح أهلها وحرقهم إنما تقع على عاتق كل من حماس وإسرائيل.

ثم شرع هذا الجهبذ يعلل ويفسر لمشاهديه ما قرره أعلاه، فتساءل متعجبا من هذه المقاومة، التي لم تكن تدرك حجم رد الإسرئليين على هجوم كذلك الهجوم الذي شنته في السابع من أكتوبر؟! وكيف ساغ لها الإنفراد باتخاذ قرار بهذا الحجم، مذكرا بأن هذه المقاومة لا تمثل الشعب الفلسطيني الذي له ممثله الشرعي والوحيد، المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية ،وكذا سلطته الوطنية القابعة تحت حراب الإحتلال في رام الله ورئيسها، الذي -ماشاء الله عليه- يتمتع بالشرعية الديمقراطية المنبثقة من انتخابات حرة ونزيهة لاغبار عليها إلا أننا لانتذكر متى أجريت لآخر مرة !!

وبناء عليه كان على المقاومة أن تخبر شركاءها في الوطن المحتل، وأشقاءها في العروبة والإسلام بما بيتته وعقدت العزم على إنفاذه، وألا تنسى تعميم الإخبار على الإعلام العربي لِيُبَثَّ عاجلا على شاشات الفضائيات العربية، وعنها تنقل الفضائيات الغربية وقد أعذر من أنذر،كما كان عليها أن تتأكد عبر الوسطاء من حجم رد الإحتلال على حقها في ممارسة المقاومة ضد المحتل، وفقا للقانون الدولي نفسه!! حقا شر البلية مايضحك.

كما شدد النكير على قيادات حماس السياسية في الخارج، التي يرى أنها تدير رحى الحرب على أهل غزة ،بينما هي تتقلب في بحبوحة من العيش في الفنادق الفخمة ،هكذا يخيل له خياله المريض والقاصر،ونسي بأن الشعب الفلسطيني قد مزقه الإستعمار الإستطاني الرهيب، مابين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج أي الذين هم في الشتات ،هذا وإن إدارة المعركة من الخارج ليست بدعة فلسطينية بل هي من بديهيات التاريخ الحافل والواقع الماثل، ثم إن الذي يقود المعركة  على الأرض أولئك من هم  في الداخل من أمثال السنوار ومحمد الضيف، فمن يزايد على تضحيات هؤلاء، ولاحتى أولئك الذين هم في الخارج ،ولكنها ثرثرة فارغة .كان  هذاغيضا من فيض مما يلهج به هذا "الخبير" النموذج وغيره، ممن يعزفون على نفس هذه النغمة النشاز، ومن العجائب وهي كثيرة، تقديمه لنفسه أستاذا في العلاقات الدولية وأنه لايصدر عن عاطفة ولايخوض في العقائد، ومفهوم منطوقه هذا، أنك إن قلت بغير مايهرف به، فأنت حتما عاطفي عقائدي متعصب . ولايسعني في ختام هذه النُّفاثَةِ إلا أن أترحم على الآمدي اللغوي والشاعر الأديب لقوله:

تَصَدَّرَ لِلتدريس كلُّ مُهَوَّسٍ

بليدٍ تَسَمَّى بالفقيهِ المُدَرِّسِ

*

فَحَقَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَمَثلوا

بِبَيْتٍ قديمٍ شاع في كل مَجْلِسِ

*

لَقَدْ هُزِلَتْ حتى بدا مِنْ هُزالِها

كُلاها وحتى سامَها كلُّ مُفْلِسِ

***

محمد العربي حمودان

ويرحل فارس الضاد البروفيسور عبد المالك مرتاض بعد سنين من العطاء الفكري والأدبي

كان يوما حزينا الثالث من نوفمبر، ترجل فيه فارس الضاد عن صهوة جواد البلاغة والفكر والإبداع الأدبي في مختلف مجالاته لقد كتب البوفيسور عبد المالك مرتاض الدراسات النقدية واللغوية و الرواية و أبدع في كل هذه الفنون وترك فيها آثاره وبصمته، كان كتلة من نشاط وعمل دؤوب اشتهر كثيرا وعرف عربيا أثناء عضويته في برنامج أمير الشعراء لسنوات خلت و كان حريصا في تقديم ملاحظاته للشعراء فيركز على الاستعمال الصحيح للغة و معانيها فيكشف للشعراء جوانب النقص والخطا بالحجة والبرهان فكان يضفي على لجنة التحكيم نكهة خاصة...

وتثمينا لجهوده النقدية واللغوية والفكرية طوال عقود. نال جائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها السابعة عشرة -فرع الدراسات الأدبية والنقد – وهذه الجائزة المهمة أرجعت له بعض الاعتبار خاصة بعدما أبعد عن رئاسة المجلس الأعلى للغة العربية لأنه صدع بكلمة الحق وكان مصيره النكران والحصار.

يقول عنه الدكتور  محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة مشيدا ومنوها بشخصيته الموضوعية الفذة:

"يعد العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض أحد أبرز الكتاب الذين عرفتهم الجزائر في مرحلة ما بعد الاستقلال ، فهو من النوابغ الأفذاذ في تاريخ الجزائر في القرن العشرين ، حيث إنه يُشكل بمفرده موسوعة علمية أسهمت بنصيب وافر في شتى ميادين المعرفة ،والعلم، والأدب ،فهو شخصية مضيئة ،تعددت إسهاماته، وتنوعت اهتماماته، فهو الأديب الروائي، والقاص، والمفكر،والناقد، والمؤرخ، واللغوي، والمحقق ، لم يترك مجالاً معرفياً دون أن يترك فيه بصماته الراسخة، التي تكشف النقاب عن رؤاه العميقة، وتحليلاته الدقيقة، وفكره الثاقب،والحق أن مؤلفاته التي تزيد عن ثمانين مؤلفاً علمياً متميزاً، هي أغنى ثروة يعتز بها أبناء المغرب العربي ، كما يعتز بها المشارقة الذين عرفوا العلاّمة الجليل عبد الملك مرتاض محاضراً ،ومنظراً ،ومحللاً، ولغوياً ،وعضواً في عدد من المجامع اللغوية، والمؤسسات العلمية البارزة في المشرق ،والمغرب.

إن العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض هو رجل أثرى الحركة الأدبية،والثقافية، والفكرية بأعماله الجليلة، وإنتاجه الغزير، والمتنوع، وأعماله تكشف النقاب عن شخصية علمٍ من أعلام الثقافة..."(1)

وعندما نتأمل سيرة حياته نجد هذا الثراء والتنوع:

عبد الملك مرتاض (1354- 1445 هـ/ 1935- 2023 م) أستاذ جامعي ومفكِّر عربي جزائري، من أعلام الأدب والنقد في عصرنا، وباحث وكاتب موسوعي، وأديب مبدع؛ في القصة والرواية والمسرحية، صنَّف أكثر من ثمانين كتابًا ودراسة بات كثيرٌ منها مراجعَ في الدراسات الأدبية والنقدية. تقلَّد منصبَ رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق، وكان عضوًا في لجنة التحكيم لمسابقة أمير الشعراء في أبو ظبي. وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية.(2)

لقد رحل عنا البروفيسور عبد المالك مرتاض وبقيت أعماله الفكرية تخلده وتنقش اسمه في سجل العظماء المؤثرين، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر له ويرحمه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. 

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

من القوانين الفيزيائية المعروفة "لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الإتجاه"، وفي واقعنا لا وجود له، لأن أقوى ردود أفعالنا أقوال وإنفعالات وتنديدات وإحتجاجات وهتافات وتظاهرات لا غير، ونكيل الإتهامات لبعضنا.

مزايدات، مناشدات، بكائيات، لطميات، وإتهامات!!

أمتنا مشكلتها بقادتها، الذين ينساقون وراء العاطفة والمهاترات والشعارات الفارغة، وقد شخص ذلك الراحل (الحبيب بورقيبة) في (3\3\1965) في خطابه بمدينة أريحا، والذي دعى فيه العرب إلى التحدث مع المحتل بعد النكبة حول قرار التقسيم والقبول به، والتمسك بإعادة الحق المغتصب بالكامل فيما بعد، وكأنه قرأ واقع حال الأمة اليوم، وأنذر بأنها ستبقى نردد ذات الكلمات بعد أجيال وأجيال، وقالها بوضوح لو لم نقبل بالحكم الذاتي في تونس عام (1954) لما نلنا الإستقلال، أي أن الحل المنقوص أوصلنا للحل الكامل.

وبإختصار الشعب متحمس وإرادته حديدة ولديه روح ثائرة غيورة، لكنه مبتلى بقيادات لم تبلغ سن الرشد، ويوصلتها عواطفها وإندفاعيتها المحمومة، وقراراتها المسعورة الغير آبهة للتداعيات والنتائج.

وقد برهنت الأحداث الأخيرة عن المسافة ما بين الجماهير والكراسي المكرسة لتأمين مصالح الآخرين.

الأفعال تقابَل بردود أفعال، وفي دولنا تقابل بردود أقوال، وأحيانا بتآزر معيب مع الفعل الواقع علينا، ذلك أن القيادات ما تعلمت بناء القوة، وغطست في الكراسي والتمتع بما تغنمه على حساب البلد الذي تتسلط عليه.

الفاعل يتقوّى، والمفعول به يتطوّى، ويستجدي قوته من الفاعل به، والموجود لتنفيذ إملاءاته، لكي يبقى لفترة أطول في الحكم، فالكفيل يغيّر الوكيل بين آونة وأخرى.

وتبقى الأقوال الرنانة الطنانة صادحة في الأجيال، والوحوش المفترسة تنهش الأمة، وبدأت برأسها منذ زمان، فخبرت كيف تحشوه بما يتوافق ومصالحها، أما بدنها فتنخره آفات التبعية والخنوع والهوان.

فالأمة المشلولة الأفعال عليها أن لا تدّعي البطولات بالأقوال، فإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب!!

وأقوالها دون الفضة بكثير!!

فإلى أين المسير؟!!

***

د. صادق السامرائي

(عَودٌ على بدأ لصفحات لا تنسى من المجد والكرامة).

لم يجد الفنان الاشهر عالميا بابلو بيكاسو صعوبة في الرد على تساؤل الجنود الالمان عن صاحب اللوحة ورسّامها، عندما كانوا يجوبون شوارع إسبانيا المحتلة في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، والدهشة والتأمل بادية على وجوههم من تلك التحفة الفنية الرائعة المسماة الغورنيكا، نسبة الى احدى مدن الشمال الاسباني والواقعة ضمن اقليم الباسك. موجها (أي بيكاسو) ودون تردد أو وجل أصابع الاتهام الى صدور الجنود الغزاة، قائلا لهم: انتم من رسم هذه اللوحة، في اشارة صريحة منه الى تحميلهم مسؤولية الخراب والدمار الذي حلَّ ببلاده.

ربما شكَّلت الحادثة الآنفة الذكر بداية قوية، ليختط على أثرها ذلك الفنان الكبير نهجا ثابتا في التصدي لتلك القيم التي تحط من مكانة الانسان والشعوب التواقة للتحرر من نير الظلم والاستعباد، خاصة بعد ان أكمل ذاك النهج برسمه لتلك الحمامة البيضاء والتي اعتبرت ومنذ ذلك التأريخ رمزا للسلام العالمي ولتطلعات الشعوب في الانعتاق نحو الحرية.

وليس بعيدا عن ذلك وفي أول ردة فعل له وبُعيد خروجه من السجن، عَبَّرَ الصحفي الشاب منتظر الزيدي عن شكره وإمتنانه لكل من وقف معه في محنته وحمل ذات المشعل وغنى ذات اللحن. مضيفا بعدم رغبته دخول التأريخ كما يظن البعض، حين تصدى للرئيس الامريكي السابق جورج بوش بضربة حذاء، التي لم تشكل وقتذاك مهانة كبيرة للرئيس فحسب بل لكل من راهن على الخيار الذي جاء بالاحتلال، فدافعه لذلك الفعل هو حجم الخراب والدمار الذي لحق ببلده وشعبه.

واذا ما أعتبرنا تلك الواقعة وما ترتب عليها دخولا للتأريخ من أوسع ابوابه وأشجعها، فهو وبحسب ما أعلنه، لم يكن مخططا لها، وان دافعه لإعلان صرخته والاحتجاج بتلك الطريقة التي شاهدها الملايين وعلى الهواء مباشرة، هو راجع الى حجم الاستهتار والغطرسة التي ظهر عليها الإحتلال. وانه تصرَّف كرجل عند اللحظة المناسبة، دون ان يكون في وارد تفكيره ان يتحول الى رمز أو أيقونة. لكن لا بأس بل لا تراجع ولا ندم، فما حصل قد حصل، فللشعوب حق مشروع في الدفاع عن أوطانها وفي التصدي للغزاة، ولا مناص من التضحية والثبات على المبادئ.

فهو أي منتظر، لا يختلف كثيرا عن سائر العراقيين الذين تربوا وجبلوا على الوطنية الحقة وعلى نصرة الشعوب المضطهدة. وإذا كان لنا من إستذكار فلا بأس من إستحضار ذلك الأسطورة المسماة فكتور جارا، وما كان قد تسرَّبَ الى مسامع صاحب الذكر من أغانٍ ثورية، تحث الشعوب على التحرر وعلى الوقوف ضد كل أشكال القهر والظلم والديكتاتورية.

وسيتذكر أيضا صاحب المناسبة ويستمد الشجاعة من ذلك الفنان، الذي أقدم الفاشست على قطع اوتار قيثارته واصابعه التي كان يعزف عليها أنشودة السلام والحرية، وكيف انقض الاوباش ودوائر الاستخبارات العالمية المشبوهة، التي لم يرقْ لها صعود اليسار وتربعه على عرش الحكم، ليسجل في حينها أولى تجارب التأريخ التي جاءت برئيس إشتراكي وعبر الشرعية الدستورية، والتي طالما تبجح بها الغرب، فكان من نتيجتها وللأسف أن تمت تصفية الرئيس الشرعي الليندي وليكون بذلك ضحيتها الاولى، وليخلده التأريخ وشعوب العالم الحرة فيما بعد بأحرف من نور ومحبة.

لم يكن منتظرا قد وُلدَ بعد حين أعلنت قوى اليسار في العالم عن تضامنها مع الشعب التشيلي في مصيبته، فكان للعراقيين نصيبا كبيرا، وراحوا ينشدون لتلك التجربة الرائدة والتي تم وأدها وهي لم تزل بعد في مهدها (شيلي تمر بالليل نجمة بسمانه). وللتوقف أكثر فإنَّ ما قام به منتظر الزيدي لم يكن بمعزل عن ذلك الارث الثوري والوطني الذي يفخر به العراقيون وعلى مختلف أجيالهم. واذا ما عدنا ببضعة عقود الى الوراء، لكان على ابناء الرافدين أن يقفوا بإجلال وإحترام وهيببة، أمام ما قدمه الأولون في ثورة العشرين، وأن يعيدوا شدو ما علق في أذهانهم من بقايا تلك الاهزوجة الشعـــبية وذلك السلاح رغم بدائيته، يوم تحدوا به عتاد وعدة العدو حـــين كانوا يرددون (الطوب أحسن لو مگواري).

وإذا كنا في غفلة أو نسينا فللتأريخ كلمته وحضوره، فها هو يحدثنا عن تلك المظاهرات الصاخبة التي كانت تعم مدن العراق كافة والعاصمة الحبيبة بغداد أولها وفي مقدمتها، يوم كانت تلك الإحتجاجات وتلك الحناجر تطــــالب بخروج المحتل البريطاني. وفي فورة تلك المظاهرات وما رافقها من سقوط ضحايا لشباب بعمر الورد، لم تستطع قوى الـــعمالة مـــن أن تمـــحو من شـــوارع العـــراق آثار تلك الدماء الزكــية التي ســقطت على مذبح الــحرية. ولا أن تضع حداً لذلك التحدي الاسطوري لرجال اعتلوا منصات الاعدام واعواد المشانق بزهو وكبرياء. ولا أن توقف صوت تلك الحناجر عن أداء ذلك النشيد الصاخب، والذي كان يترافق ومهرجانات الدم ومنصات الموت التي نُصبت لأولئك الأبطال، بحناجر مدوية وبصوت واحد، ليصل صداه ويخترق مسامعنا حتى هذه اللحظة: السجن ليس لنا نحن الاباة، السجن للمجرمين الطغاة.

لا تتهموا منتظرا ولا مَن يَشبهه بأية تهمة ولا تدينوه، فهو ابن بار ووليد شرعي لخلاصة شعب، كان قد جُبِلَ على التصدي لكل أشكال وأنواع الاحتلالات والديكتاتوريات ومن جرائم القتل المجانية. وإن حاول البعض أن يُعزي بسالته وما أقدم عليه، حين رمى بحذاءه صوب ذلك الرئيس المسمى بوش الإبن وَمَنْ كان بصحبته على المنصة، الى تراخي الاجهزة الأمنية وتساهلها في التعاطي مع هكذا تصرفات، وذلك إنسجاما مع ما يدّعوه وما أرادوا تسويقه، من انه يُعدٌ واحدا من تجليات الحكم (الديمقراطي) الجديد الذي يطبع النظام السائد في العراق، وكأنهم نسوا أو تناسوا ردة الفعل الهمجية والسريعة التي صدرت عن الطاقم الامني الذي كان يقوم بحراسة القاعة التي شهدت حادثة إهانة الرئيس الأمريكي، وكيف انهالوا بالضرب المبرح على ذلك الشاب العراقي الشهم، وأمام شاشات التلفزة العالمية والعراقية.

ولولا الاحتراز من الحرج الذي قد يقعون به فيما لو جرى التعامل بطريقة تكشف وتفضح  حقيقة دواخلهم وما يضمرونه من أحقاد على شعبنا وشعوب أخرى تماثلنا، وأيضا لولا تدخل الامريكان السريع في منع تداعيات الموقف ولملمة الاشكال الذي وقعوا فيه، حرصا على سمعتهم وعلى سلامة الشعارات التي رفعوها حين أحتلوا العراق، لكان لهم تصرف آخر ولكان منتظر الزيدي في خبر كان كسائر العراقيين الذين تصدوا للاحتلال.

ولعل في الرسائل التي حملها معه بُعيد خروجه من السجن، ما يثبت كذب وزيف الأدعاءات التي ما إنفكت تطلقها أجهزة الاعلام الرسمية المسؤولة، من انها تعامل السجناء وفق شرعة حقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الدولية، والتي تضمن توفر الشروط الانسانية في كيفية التعاطي مع السجناء والمعتقلين. وعن ذات الموضوع فلم يعد خافيا من أن هناك من الدلائل والإثباتات، ما تكشف وتشير وبشكل لا يقبل اللبس أو الإجتهاد عن حجم ودرجة معاناة العراقيين القابعين في غياهب السجون الامريكية ومعتقلات الحكومة التي نصبها الاحتلال، وأن من بينهم اطفالاً وشيوخاً وكفاءات علمية ووطنية، لا تمت بصلة وبأي شكل من الأشكال بمجاميع الارهاب على ما يدعوه. وانهم يتعرضون وكل يوم الى صنوف من التعذيب الشديد القسوة والهمجية.

وهناك من بين السجناء من أهملتهم وعن عمد أدارات السجون، وأكثريتهم ممن لم توجه لهم أية تهمة صريحة وواضحة أو قانونية. في ذات الوقت لم تعمد الى إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، ولم توفر لهم كذلك أية فرصة من أجل السماح لها بالدفاع عن نفسها وعبر الطرق القانونية التي كفلها الدستور الذي سنّوه ويتبجحون به. وعلى صلة ليست ببعيدة عن أصل الموضوع فأن منظمة (هيومن رايتس ووتش) المعنية بحقوق الانسان في العالم، إعتبرت العراق في حينها وعلى خلفية تلك الأحداث ومع بدايات الغزو، واحدا من بين اكثر الدول التي أصدرت أحكاما بالاعدام ونفذتها بحق مواطنيها وبسرعة قياسية.

***

حاتم جعفر - السويد / مالمو

ما بين قرار المشاركة الكاملة والدور المساند

وأخيراً أغلق نصر الله المنافذ على توقعات الجماهير والمراقبين لموقفه من المجازر التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والتي كانت تميل إلى المشاركة الميدانية الكاملة.. وذلك في خطابه التحليلي الذي وجهه إلى العالم في أول ظهور له منذ سبع سنوات، مساء اليوم الجمعة، بمناسبة الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لإحياء ذكرى الشهداء.

صحيح أن مستوى خطاب نصر الله الذي انتظرناه طويلاً جاء أقل من المتوقع فيما يتعلق بالرد على جرائم الاحتلال في غزة؛ لكنه قال الكثير بنفس تحريضي كان من شأنه رفع معنويات الجماهير العربية وتأجيج رهاب المقاومة في قلوب الإسرائيليين.

فخطابه لم يتضمن قرار إعلان حرب بالمشاركة الكاملة ضد جيش الاحتلال؛ بل جاء ليدافع عن موقف الحزب المساند للمقاومة في غزة من خلال فتح الجبهة الشمالية بحذر شديد، مع الأخذ بالحسبان دقة الحسابات اللبنانية الصعبة وحساسيتها في هذا الاتجاه.

ولولا أن واجب المشاركة الميدانية مع المقاومة في تصدّيها للهجوم الإسرائيلي البربري على غزة، يقع على عاتق أجهزة أمن سلطة أوسلو بالدرجة الأولى، والتي قوامها 60 ألف عنصر فلسطيني مدرب ومدجج بالسلاح، تلك الأجهزة التي تنسق أمنياً مع الاحتلال والمسخرة لحماية المستوطنات دون أن تنبري للدفاع عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المنتهكة.. فلولا ذلك التقصير الفلسطيني لقلنا بأن حزب الله قصر كثيراً؛ لكن العتب على قدر الثقة الكبيرة الممنوحة لحسن نصر الله الذي "إذا قال فعل". ناهيك عمّا كان يصرح به قادة محور المقاومة في كل مناسبة في أن وحدة الساحات هي ميدان مشتركن وليس متجزئاً ما بين مشارك، ومساند، أو محايد.

إذ تستحق غزة التي تتعرض لتطهير عرقي من قبل جيش همجي متوحش؛ أكثر مما قيل في الخطاب الذي اتخذ صفة التوصيف للمشهد الراهن في الجبهة الشمالية، والدفاع عن حجم إسناد الحزب للمقاومة في غزة، من خلال إشغال ثلث جيش الاحتلال في الجبهة الشمالية، وبالتالي تخفيف الضغط على غزة.

وإن قرار الحرب ضد الاحتلال اتخذه حزب الله منذ الثامن من أكتوبر ، في اليوم الثاني من عملية طوفان الأقصى؛ لكن نصر الله في خطابه أيضاً وضع النقاط على الحروف، ملجماً كل التكهنات فيما يتعلق بمستوى التفاعل الميداني في الجبهة الشمالية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ضمن حسابات ومتطلبات وحدة الساحات، من خلال الإقرار بأن حزب الله جهة مساندة للمقاومة في غزة وليست مشاركة بالكامل.

ياتي ذلك في ظل حساسية الوضع اللبناني المزري، وخشية تعرض حزب الله لضربات انتقامية يكون من شأنها لو تمت، تدمير لبنان، كما جرى في تموز 2006، وبالتالي إخراج حزب الله من المشهد السياسي اللبناني في ظل المعادلة اللبنانية غير المستقرة.

مع أن تهديدات الخصوم -في الداخل والخارج- من هذا المصير الغامض لا يخيف الحزب المتماسك القوي كما يستشف من اللهجة الخطابية التي سادت خطاب نصر الله، حتى لو تعرض الحزب لعدوان من قبل البوارج البحرية الأمريكية المتمركزة قبالة سواحل لبنان وصولاً إلى ميناء حيفا.. والتي جاءت لمنع التوسع الميداني في حرب غزة، وبالتالي حَصْر التركيز الإسرائيلي على أهداف الحرب التي وصفها نصر الله بالمستحيلة.

وقد فند نصر الله مزاعم الخصوم والإعلام المجير للاحتلال الذي يحاول خلط الأوراق الإقليمية من خلال اتهام إيران بتوريط حماس في عملية طوفان الأقصى، معلناً بأن القرار كان فلسطينياً بامتياز وتحديداً من قبل حركة حماس وجناحها العسكري.

وكان من حرص كتائب القسام البالغ على إنجاح العملية أن أخفت تفاصيلها عن الجميع ومنهم حزب الله وإيران.

وربما كان هذا السلوك من أهم اسباب نجاح العملية الاستثنائية التي أصابت قادة "إسرائيل" بالجنون.

منوهاً نصر الله في خطابه إلى أن جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين التي اقترفتها حكومة يمينية متطرفة يقودها نتنياهو، هي نفسها التي قتلت المئات من المستوطنين إبان عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر وفق اعترافات إسرائيليين شهدوا الواقعة، وهي غير آبهة بأسراها.

حيث وصف نصرُ الله رئيسَ الحكومة الإسرائيلية ب"الغبي"، كونه لم يتعلم من دروس التاريخ -على نحو- أن المقاومة فكرة موروثة لا توأد بقوة السلاح.. مذكراً كيف طردت المقاومةُ جيشَ الاحتلال من لبنان في تجارب سابقة. وكيف هزمته المقاومة في غزة في عدة جولات.. مؤكداً بأن المقاومة إذا تعسّر عليها النصر، لظروف فوق طاقتها، فيكفيها تسجيل النقاط على جيش الاحتلال؛ لأن إجلاءه يحتاج إلى صبر طويل.

وقد تضمن خطابه عدة نقاط على نحو أن معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من ساحة واحتمالية توسعها إقليمياً وارده وأن الحزب قد يطور موقفه في ذلك الاتجاه.

لقد استهل نصر الله في خطابه تقديم واجب العزاء لأهالي قطاع غزة بشهـداء معركة طوفان الأقصى.. مذكراً بأنهم خاضوا معركة كاملة الشرعية من الناحية الإنسانية.. حيث سمع العالم كلمات عوائل الشهـداء التي تعبر عن الثبات والالتفاف حول مقاومتهم المظفرة.

إنه شعب "غزة" الذي ما يزال يقدم الكثير دفاعاً عن حقوقه المشروعة.. منوهاً في خطابه إلى أن طوفان الأقصى أعادت طرح القضية الفلسطينية على العالم بقوة وفتحت الملفات الإنسانية المهملة.

وتطرق في سياق كلمته إلى ما يقترفه الاحتلال من انتهاكات بحق الفلسطينيين من خلال تنفيذ مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية.

ومن ثم الإشارة بأن هناك في غزة أكثر من مليوني إنسان يعيشون في حصار خانق.. ناهيك عن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى غير المسبوقة.

وتطرق نصر الله في كلمته إلى ملف الأسرى وكيف أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة شددت على آلاف الأسرى وعائلاتهم في السجون الإسرائيلية.

ثم أنهى حديثه واصفاً الدور الأمريكي في تأجيج الصراع في منطقتنا العربية بدءاً من اليمن، والعراق، ولبنان، وفلسطين من خلال قيادة الهجوم على غزة في حرب تطهيرة كان جيش الاحتلال أداتها.

وكأن نصر الله يوحي بأن جيش الاحتلال الذي هُزِمَ معنوياً وكُسِرَتْ هيبته، غير مؤهل لقيادة حربٍ شرسة ضد غزة دون تلقي الدعم السياسي والعسكري والتقني من قبل أمريكا.

***

بقلم بكر السباتين

3 نوفمبر 2023

منذ ايام والعالم يترقب خطاب سيد المقاومة (السيد حسن نصر الله) حول حرب غزة, وجاء اليوم الموعود وظهر الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يوم الجمعة بعد الساعة الرابعة عصرا، وكشف عن رسائل تهديد امريكية باستهداف ايران في حال استمرار هجمات حزب الله على الحدود مع الكيان الصهيوني، وقال إن التصعيد في الجبهة اللبنانية مرهون بأمرين:

الاول مسار التطور في غزة.. والثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان. موضحاً ان "كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات مطروحة". واضاف مخاطباً الأميركيين، إن "التهديد والتهويل علينا وعلى المقاومين في منطقتنا لا يجدي نفعاً"، مضيفاً "اميركا بعثت لنا رسالة بأن جنوب لبنان اذا دخل الحرب فاننا قد نقصف ايران وليس لبنان فحسب". وتابع مخاطباً الأميركيين، "أساطيلكم لا تخيفنا ولم تخفنا في يوم من الأيام وأساطيلكم التي تهددون بها أعددنا لها العدة أيضاً".

رسائل تهديد امريكية

أكدت الولايات المتحدة اليوم الجمعة، على ضرورة الا يستغل "حزب الله" اللبناني الحرب بين (الصهاينة) و"حماس" بعدما أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن احتمالات توسع هذه الحرب ضد تل أبيب "مفتوحة". وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: "نحن وشركاؤنا كنا واضحين: على حزب الله وأطراف آخرين، سواء كانوا دولاً أو لا، ألا يحاولوا استغلال النزاع القائم". وأكد أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى تصعيد أو إلى توسيع رقعة النزاع" المستمر بين (الصهاينة) وحركة "حماس". وتابع: "قد يتحول الأمر إلى حرب بين (الصهاينة) ولبنان تكون أكثر دموية من حرب 2006. لا تريد الولايات المتحدة أن ترى هذا النزاع يتسع إلى لبنان". وأضاف: "التدمير المحتمل الذي سيلحق بلبنان وشعبه لا يمكن تصوره ويمكن تجنبه".

وأكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب مساء اليوم الجمعة أن الأمريكيين يستطيعون إيقاف الحرب على غزة لأنها حربهم. وأضاف: "أنتم أيها الأمريكيون تعلمون أنه في حال بدأت المعركة في المنطقة فإنكم ستدفعون الثمن في مصالحكم وجنودكم وأساطيلكم". وشدد على "أن من يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع لوقف العدوان على غزة".

نحيي السواعد العراقية واليمنية التي دخلت المعركة

أشاد الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، يوم الجمعة، بعمليات الفصائل العراقية والحوثيين ضد اسرائيل, وقال: "لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية فلا معركة مثل القتال مع الصهاينة"، مضيفا "المعركة مع الصهاينة لا غبار عليها على المستويين الأخلاقي والشرعي" وتابع، "نحيي السواعد العراقية واليمنية التي دخلت المعركة ضد اسرائيل". ولفت نصر الله الى ان "قرار المقاومة الاسلامية في العراق بمهاجمة الاهداف الامريكية والاسرائيلية قرار حكيم وصائب وشجاع", وتابع ، "نعمل على هدفين الاول هو وقف العدوان على غزة والثاني ان تنتصر المقاومة وبالتحديد حماس في غزة"... واوضح السيد نصر الله: "نحن في حزب الله دخلنا المعركة من 8 تشرين الاول ولا نحتاج الآن الاعلان عن الدخول".

في تصريح شجاع ومن دون تردد قال السيد نصر الله ان حزب الله دخل المعركة يوم 8 تشرين الاول.

معركة طوفان الأقصى في أكثر من جبهة

وأكد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في خطابه اليوم: ان معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من جبهة وساحة، فيما استشهد بعمليات المقاومة العراقية، ووجه تهديداً صريحاً لأمريكا واسرائيل. واضاف السيد: ان "معركة طوفان الأقصى أصبحت ممتدة في أكثر من جبهة وأكثر من ساحة", وأكد سماحته "نخصّ بالشكر والتحية السواعد العراقية واليمنية التي دخلت إلى قلب هذه المعركة المباركة". ولفت سماحته الى: "آلاف الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال منذ سنوات طويلة دون أن يحرك أحد ساكنا". وأوضح ان "القدس ومسجد الأقصى تعرضا للكثير من التجاوزات غير المسبوقة"، مبينا ان "الملفات الضاغطة بقوة على الفلسطينيين هي ملفات الأسرى والقدس والحصار على غزة ومشاريع الاستيطان الجديدة في الضفة". وشدد السيد نصر الله على ان "الحكومة اليمينية في إسرائيل "غبية" و "متوحشة"، وكان لابد من حدث كبير يهز الكيان الصهيوني وداعميه".

القرار كان فلسطينيا خالصا

وبين سماحة السيد نصر الله, ان: "عملية "طوفان الأقصى" كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئة, وكان تنفيذها فلسطينياً مئة بالمئة وأخفاها أصحابها عن الجميع"، مؤكدا ان "السرية المطلقة ضمنت نجاح العملية الباهر من خلال عامل المفاجأة المذهلة، مشددا على ان "طوفان الأقصى من خلال قرارها الفلسطيني تثبت أنها فلسطينية بالكامل", وشدد السيد نصر الله على ان "إيران تدعم وتتبنى وتساند حركات المقاومة في المنطقة, ولكنها لا تمارس اية وصاية عليها ولا على قياداتها وقراراتها".

وأضاف: "يجب أن يفهم الجميع أن أصحاب القرار الحقيقيين هم قيادات المقاومة وأصحاب القضية"... وأكد السيد نصر الله: "معركة طوفان الأقصى أحدث زلزالا أمنيا وعسكريا ونفسيا ومعنويا في الكيان الصهيوني"... وبين ان "طوفان الأقصى كشف الوهن والضعف والهزال في الكيان"، مؤكدا على ان "الإسرائيليون باتوا يؤمنون أكثر من غيرهم بأن (الصهاينة) أوهن من بيت العنكبوت".

ولفت السيد نصر الله: "السرعة الأمريكية في احتضان الكيان الصهيوني ودعمها وإسنادها كشف وهن وفشل هذا الكيان"، موضحا ان الكيان الصهيوني طلبت من أمريكا أسلحة وأموالا منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى"... واوضح: "يجب أن تحاسب أمريكا عن جرائمها ومجازرها بحق الشعوب"، مؤكدا ان " الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عما يجري في غزة وهي التي تمنع وقف العدوان".

اشارات مرعبة للصهاينة

وبين الامين العام لحزب الله ان: "المقاومة الإسلامية في العراق بدأت تتحمل مسؤوليتها وأعلنت أنها قد تدخل مرحلة جديدة"... وأكد ايضا ان: "ستصل الصواريخ والمسيرات اليمنية إلى إيلات والقواعد العسكرية الإسرائيلية". واضاف: "نحن دخلنا المعركة منذ الثامن من تشرين الأول"، موضحا: "لو نظرنا إلى ما يجري على الحدود بموضوعية سنجده مهما وكبيرا جدا"، مبينا ان "ما يجري على جبهتنا اللبنانية غير مسبوق في تاريخ الكيان الصهيوني"... وشدد على انه "لن يتم الاكتفاء بما يجري على الحدود على كل حال"، موضحا: "ما يجري على جبهتنا اللبنانية لم يحصل حتى في حرب تموز"، مؤكدا: "عملياتنا على الحدود تستهدف آليات وجنود وتجهيزات العدو".

وأشار الى ان" احتمال تدحرج الجبهة اللبنانية نحو معركة واسعة هو احتمال واقعي"، مؤكدا انه " اقول للعدو أنك سترتكب أكبر حماقة في حال الدخول بمعركة مع الجبهة اللبنانية". وتابع، ان "عمليات المقاومة في الجنوب تعبير عن تضامننا مع غزة وأهلها لتخفيف الضغط عنهم، وقيل لنا منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى إن الأساطيل الأمريكية ستقصفنا، لكن جبهتنا هي جبهة تضامن مع غزة وتتطور وتتحرك تبعا للتطورات هناك"، مردفا، ان " سلوك العدو إزاء لبنان هو محدد لتحركاتنا وهذا سيعيدنا إلى قاعدة المدني مقابل المدني، كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات مطروحة".

ما يجري في غزة يكشف غباء وحماقة العدو

اكد السيد نصر الله أشار إلى : أن ما يجري اليوم جرى في السابق في لبنان عام 2006 وفي حروب متكررة في غزة مع فارق كمّي ونوعي, ولكن من نفس الطبيعة، وأن من أهم الأخطاء التي ارتكبها "الإسرائيليون" ولا يزالون هو طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يحققوها أو يصلوا إليها... ولفت السيد نصر إلى أن العالم سيكتشف أن أغلب من يقولون بأنهم مدنيون قتلهم الفلسطينيون قد قتلوا بسلاح الجيش "الصهاينة" الذي كان يتصرف بغضب وجنون، مشيرًا إلى أن حكومات العدو لا تستفيد من تجاربها على الإطلاق خصوصًا في حروبهم مع المقاومة في فلسطين ولبنان، وأضاف "العدو "الإسرائيلي" لن يتمكن على الإطلاق من تحرير أسراه بدون علميات تبادل، والعدو "الإسرائيلي" أجبر على التوقف في حرب تموز والتنازل عن سقف أهدافه"، وتابع "قرابة شهر كامل منذ عدوانه على غزة لم يستطع العدو "الإسرائيلي" أن يقدم إنجازًا واحدًا".

وأشار سماحته إلى أنه في عام 2006 وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الأسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم.

الولايات المتحدة مسؤولة عن كل القتل في غزة

لفت سماحته إلى أن: "المشاهد الآتية كل يوم وساعة من غزة، مشاهد الرجال والنساء والأطفال الخارجين من تحت الأنقاض الصارخين لنصرة المقاومة، تقول للعدو بأنك لن تستطيع من خلال القتل والمجازر أن تصل إلى أي نتيجة"... وأكد السيد نصر الله أن: "شهداء غزة وأطفالها والنساء اليوم يكشفون كل هذه الأقنعة الكاذبة التي ساهمت وسائل إعلام عالمية ودولية للتغطية عن هذا الكيان، وما يحصل في غزة يكشف المسؤولية الأميركية المباشرة عن كل هذا القتل والنفاق الأميركي".

وشدد على أن: "ما يجري في غزة يعكس الطبيعة المتوحشة والهمجية للكيان الغاصب الذي زرعوه في منطقتنا"، وأن: "مشاهد المجازر الآتية من قطاع غزة تقول لهؤلاء الصهاينة إن نهاية المعركة ستكون انتصار غزة وهزيمة العدو"... ولفت إلى أن "أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة", فالمعلوم للجميع ان قرار وقف إطلاق النار بيد امريكا..، واضاف:" الأميركي هو الذي يدير الحرب في غزة، لذلك أتى قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة قواعد الاحتلال الأميركية في العراق وسوريا، وهو قرار حكيم وشجاع". ورأى أن "واجب كل حرّ وشريف في هذا العالم أن يبيّن هذه الحقائق التي تحدثنا عنها في معركة الرأي العام والرأي العام العالمي بدأ ينقلب على هؤلاء الطغاة المجرمين الذين يقتلون الأطفال والنساء والرأي العام العالمي يرى ذلك.. ويجب أن يتحمل الكل مسؤوليته".

***

الكاتب / اسعد عبدالله عبدعلي

قراءة استباقية لخطاب السيد نصر الله ليوم الجمعة

في الوقت الذي تستمر فيه المجازر الاسرائيلية الامريكية، بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وعلى مرأى ومسامع العالم كله، وعلى مرأى ومسامع العرب، ومرأى ومسامع الدول الاقليمية، وعلى مدار اكثر من ثلاثة اسابيع، حتى هذه اللحظة. لم يتحرك لا العالم ولا العرب ولا الدول الاقليمية في اتخاذ مواقف اجرائية؛ تجبر دولة العدوان، دولة هذه المجازر؛ على التوقف عن هذه الجرائم.. جميع ما جرى لم يرتفع الى مستوى هذه الجرائم، فهي لم تكن سوى ادانات او السعي الى ابرام هدنة انسانية لعدة ايام، هدنة يتم بها، أو في ايامها؛ ادخال المساعدات الانسانية المختلفة، حتى هذه الهدنة، التي تتحدث عنها الدول، سواء الدول الكبرى واقصد الصين وروسيا، والدول الاقليمية، ودول المنطقة العربية؛ باي اجراء يجبر اسرائيل على ابرامها وتوقفها عن هذه المجازر المروعة، ولو الى حين محدود ومحدد زمنيا. المذابح الاسرائيلية الامريكية بحق العزل من النساء والاطفال والمسنين في غزة؛ ولدت اجواء محتقنة بكل ما هو قد، ربما كبيرة؛ يؤدي الى الانفجار، عربيا واقليميا. ان هذا يشير وبوضوح الى ان ما يجري في غزة من مذابح هي ابعد من غزة بأهدافها وغاياتها الختامية، تشمل كل الارض الفلسطينية المحتلة، وابعد منها الى دول الطوق العربي، وابعد من هذا، او من دول الطوق العربي؛ الى دول الجوار الاسلامي، وتحديدا ايران. ربما هي، اي هذه المجازر؛ البداية لتشكيل الشرق الاوسط الجديد؛ سوى بالاستفزاز الذي يؤدي الانفجار.. أو الى عدم الانفجار الذي تقود هذه المحارق، الى ما سوف تقود إليه؟.. المسؤولون الايرانيون يدركون تماما؛ هذه النوايا، لذلك قد سبقوا كل هذه التطورات واعلنوا وعلى لسان ارفع المسؤولون؛ ان ايران لن تقاتل بالإنابة عن اي دولة، واضفوا في كل تلك التصريحات؛ من انهم اي ايران تدعم كل من يقاتل في سبيل نيل استقلاله وسيادته ومحاربة التغول الامريكي على ارضه، وان اي قرار يخص المقاومة سواء المقاومة الفلسطينية او اي مقاومة اخرى في كل دول المنطقة، ضد المشاريع الامريكية والاسرائيلية؛ قرار يخص او ان من يتبناه هم قادة المقاومة في تلك المنظمات او تلك الدول. في ظل هذه الاجواء المكتظة بالغيوم المعتمة؛ أعلن حزب الله، ان السيد حسن نصر الله؛ سوف يلقي خطابا الجمعة 3نوفمبر،ت2، الساعة الثالثة، هذا الخطاب كان قد تأخر كثيرا وكثيرا جدا، اي بعد اكثر قليلا من ثلاثة اسابيع على بدء المذبحة الاسرائيلية الامريكية بحق الشعب الفلسطيني. في الاسبوع الاخير من هذه المجازر، الذي فيه؛ قامت (اسرائيل) بتوغل محدود وفاشل، فقد جوبه بمقاومة باسلة؛ كبدت قواته خسائر في الافراد والمعدات. مما جعل الاجتياح الواسع، وايضا بالنصيحة الامريكية التي نصحت القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين بعدم القيام به او الاقدام عليه، بحسب المراقبين. عليه فأنه بات امرا بعيد الاحتمال، ان لم اقل بات امرا مستحيلا. في عملية استباق لما سوف يقول به، اي في هذا الخطاب السيد نصرالله في الذي يخص المحارق الصهيونية الامريكية بحق الارض والانسان في غزة؛ كثرت التوقعات لما سوف يأتي به هذا الخطاب. هل تفتح المقاومة اللبنانية النار كل النار على الكيان الصهيوني؟ وليس الرد المحدود، اي المناوشات بين الجانبين، والقيام برد مفتوح، وتوقعات اخرى غيرها.. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة، وبالاعتماد على قراءة؛ ما تريد امريكا والكيان الاسرائيلي المحتل؛ من اهداف تتعدى غزة، بل تتعدى كل الارض الفلسطينية المحتلة، الى دول الطوق العربي، ودول جوار الطوق(لبنان وسوريا والعراق) والى الدول الاقليمية، اي الى دول الجوار الاسلامي، وتحديدا ايران، وباختصار شديد جدا: لن يعلن السيد نصر الله حربا مفتوحة على اسرائيل، بل سوف يعلن بوضوح تام؛ ان اسرائيل اذا قامت باجتياح واسع لقطاع غزة؛ سوف لن تقف المقاومة في لبنان مكتوفة الايدي.. اضافة الى امور اخرى تخص الاوضاع في غزة وفي فلسطين وفي لبنان وفي كل ما يخص ويعني مقاومة المشروع الامريكي الاسرائيلي وربما البعض من الدول الغربية.

***

مزهر جبر الساعدي  

اثبتت الاحداث التي تشهدها غزة ان الاحتلال الصهيوني لا يتعامل مع المدنيين وفق التشريعات التي سنها المجتمع الدولي، بل نجد ان اكثر الضحايا من المدنيين العزّل وخاصة الاطفال وكبار السن، ما يعني ايضا ان الكيان المحتل يتعمد قتل الاطفال لأنه يرى فيهم مشروع مقاوم مستقبلي، مجازر شنيعة في كافة انحاء القطاع، بينما المجتمع الدولي وبالأخص الغربي يغض الطرف عنها رغم التظاهرات التي جابت معظم مدن الغرب الاستعماري.

 تحرك بعض دول امريكا اللاتينية بقطع العلاقات مع الصهاينة واستدعاء سفرائه لديها للتعبير لهم عن استنكارهم الشديد، بينما لم تقدم أي دولة وبالأخص دول التطبيع على مثل هذه الاجراءات ما يعني انها مرتمية بالكامل في احضان امريكا والغرب، وانها في سبيل بقائها في السلطة فإنها ستعمل كل شيء.

ثبت لنا ان الدول التي استهدفها الربيع العربي ورغم تغير انظمة حكمها (باستثناء مصر) الا انها اكدت دعمها المطلق للمقاومة، البرلمان التونسي يصدر قانونا يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني، البرلمان الليبي يدعو سفراء الدول التي تساند الصهاينة بمغادرة البلاد وقطع الامدادات النفطية عنها، بينما نجد لبنان وسوريا تساهم ميدانيا في معركة غزة، وفي العراق الذي تتواجد به قواعد وقوات امريكية وفق اتفاقيات رسمية الا ان الفصائل المسلحة والتي يتبع بعضها الدولة العراقية تقوم باستهداف تلك القواعد ما يرفع الحرج عن الحكومة، بينما اليمن اصل العرب، فان الحكومة والمعارضة تعلن تضامنها التام مع المقاومة.

باعتراف العدو فان اليمن اطلق عديد الصواريخ والمسيرات باتجاهه، وان اليمنيين بإمكانهم اغلاق باب المندب ان استدعى الامر، وهذا يجعل من الصهاينة وداعميهم يفكرون مليا فيما سيحدث مستقبلا. وبالتالي فان القول بان الربيع العربي جاء نتيجة الظروف التي تعيشها الشعوب ليس دقيقا، بل لان انظمة تلك الدول كانت تشكل هاجس خوف للعدو وداعميه وكان لزاما عليهم ازالتها، أي ان الهدف من الربيع العربي هو حماية الكيان الصهيوني، فالفصائل التي تقاتل النظام السوري وتدعي انها جهادية وان الطريق الى القدس يمر عبر دمشق لم تدعم المقاومة، أما النظام التركي فانه اكتفى بالبيانات الرنانة، جوقة اعلامية ليس الا.

لقد اتضح جليا لكل ذي بصيرة ان العدو الصهيوني كيان لا ينتمي الى الجنس البشري عبر تصرفاته المستهجنة باستهدافه المدنيين وتدمير المشافي واماكن العبادة، كما ان امريكا والغرب الداعمين له لا يقيمون للعرب أي وزن وان حقوق الانسان والحريات التي يتشدقون بها ما هي الا اوهام، الاعتداء على غزة يعتبر تدخلا سافرا في الشأن الفلسطيني لان غزة وفق القرار 181 ضمن الاراضي الفلسطينية .

يصادف يوم 2 نوفمبر 1917 ذكرى وعد بلفور المشؤوم والذي كان السبب الرئيس في نكبة الشعب الفلسطيني، تهجير اليهود من 130 دولة الى ارض فلسطين لتكون وطنا قوميا لهم بينما تم ويتم تهجير اصحاب الارض ليعيشوا في الشتات، بينما التيه كتب على بني اسرائيل وليس سواهم.

السابع من اكتوبر 2023 ردة فعل على مسيرة سبعة عقود دامية، 7 اكتوبر ملحمة شعب عانى من الجور والظلم والتعسف والموت البطيء، لم يعد هناك شيئا يخشى عليه، فإما النصر واما الشهادة، لقد اعادت الملحمة للقضية الفلسطينية بريقها الذي حاول الكيان وداعميه وانذال العرب اخفاته، واصبح لزاما على المجتمع الدولي ايجاد حل عادل للفلسطينيين.

***

ميلاد عمر المزوغي

منذ اسابيع وجيش الكيان الصهيوني يمارس جريمة ابادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة! وسط صمت مريب من دول التطبيع العربي المتمثلة ب (مصر والاردن والمغرب والبحرين والامارات)! مع صمت او مجرد بيانات استنكار خجولة من قبل لبلدان عربية اخرى مثل السعودية وعمان والكويت! وكل ما يخرج منهم هي الدعوة لوقف الحرب وفتح معابر لوصول الغذاء والدواء والوقود، من دون اي مطالبة بمحاسبة الصهاينة على جرائمهم!

الغريب ان الاعلام العربي يسخر من الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن حزب الله لانها لم تقوم بالرد على جرائم الصهاينة، مع ان هذه الدول العربية تملك جيوش كبيرة، واسراب طائرات لا تعد، وارتال كبيرة جدا من الدبابات والمدرعات الحديثة، وخزين هائل من مختلف انواع الصواريخ، فلم تطلب من ايران بالرد وتنسى انها الاحق بالرد، خصوصا ان فلسطين العربية اقرب لهم من ايران الفارسية تاريخيا وقوميا ومذهبيا؟

خطوة طرد سفراء الصهاينة

بعد ان قامت بوليفيا بطرد السفير الصهيوني، واعلنت رسميا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وضعت بتصرفها هذا كل عرب التطبيع في زاوية حرجة جدا امام الراي العام، فها هي دولة ليست عربية ولا اسلامية لكن الدافع الانساني جعلها تقف هذا الموقف الشجاع، فلا تقبل ان تضع يدها بيد القتلة، ففعلت الامر الصح، وطردت السفير الصهيوني، بخلاف دول التطبيع العربي التي مازالت في حظن الصهاينة نائمة سعيدة فرحة، ولا تقبل ان اثارة غضبهم او زعلهم! فهي تقبل ايادي الصهاينة كي يرضوا عنها، في موقف جبان ومتخاذل، كانها تمثل دور الرجل الفاقد لكرامته.

الا تخجل دول التطبيع العربي من صمتها؟ الا تخجل امام شعوبها الصاخطة على صداقة حكوماتها مع الصهاينة، ويوميا يقتلون عرب فلسطين ويديهم مازال الدم الفلسطيني فيها! انه عهر سياسي تمارسه هذه الدولة، واعلامها ليل نهار يتحدث عن بطولات ومواقف رجولية! وحقيقة الامر مجرد سياسة عاهرة تمارسها هذه الدولة المطبعة، وجاءت مشكلة قطاع غزة لتسبب لهم صداع شديد، حيث فضحتهم وكشفت اكذوبتهم.

خطوة سلاح النفط والغاز المنسي

ممكن للعرب لو صحت ضمائرهم ان يتسببوا بازمة اقتصادية للعالم، تربك كل حسابات الدول الكبيرة، عبر قرار موحد للتوقف عن ضخ النفط والغاز في الاسواق العالمية، تخيل معي ماذا يمكن ان يحصل؟ وحجم العاصفة الاقتصادية التي تضرب الغرب المتعاطف مع الكيان الصهيوني.

فلو اتفقت العراق والسعودية وقطر والكويت وعمان والبحرين والامارات والجزائر ومصر، مع مساندة ايرانية مؤكدة، فالضغط الاقتصادي سيجبر القوى العالمية على الانصياع للقرار العربي والاسلامي، خصوصا ان موسم الشتاء على الابواب، حيث يزداد الطلب على النفط والغاز.

فترتفع الاسعار وتحصل ازمة وتتوقف مشاريع القتل في قطاع غزة، وهكذا يتم انقاذ الشعب العربي الفلسطيني من الذبح اليومي وهذا اقل ما يمكن ان تقدمه الحكومات العربية لنصرة اخوتهم في فلسطين المحتلة.

لكن من اين ناتي بحكام شرفاء ويكونوا اصحاب ضمائر حية، ويقفون مع المظلوم ضد الظالم، بدل بيانات الاستنكار المضحكة التي صدعوا بها رؤوسنا.

***

الكاتب: اسعد عبدالله عبدعلي

في قانون الأخلاق يجب أن يكون الإنسان منصفاً في التعامل مع غيره فمن غير المنطق أن يتعامل أو يتصرف أو يعمل بازدواجية مع كل ما يحيط به، فالتعامل يجب أن يكون منطقي ومدروس بحيث يتصرف على أساس التساوي في تعاملاته مع كل أمر يتطلب موقف حازم، لكن ماهي الازدواجية؟ وما هو تأثيرها على الفرد والمجتمع؟ ..

يمكن القول أن الازدواجية هي أفعال وتصرفات غير متزنة يتعامل بها صاحبها بطريقة غير موضوعية كأن يتعامل أو يحكم على أمر ما بصورة منحازة بدون النظر إلى السلبيات التي قد تحدث بعدها، أو أن يقوم بمعاملة شخص بطريقة ما وشخص آخر بطريقة مغايرة تماماً وفي نفس الموقف!. ومن هنا تتجلى أهمية لفت النظر على الازدواجية ومخاطرها لما تخلقه من ظلم واضطهاد، لذلك فالازدواجية تظهر تعارضات وخلافات جمة في العلاقات بين الأطراف فمن خلالها تصبح الأمور تُكال بمكيال مغاير بين الأشخاص ربما يكون على أساس الجنس أو الطائفة أو العرق أو الشكل أو حتى تكون على أساس صلة القرابة بين أولئك الذين يتعاملون بالازدواجية ومحيطهم المتصل بهم ! .

بطريقة أو بأخرى نجد أن الازدواجية باتت تتغلغل ليس في تعاملات الأفراد فحسب بل وحتى على أصعدة الدول والمؤسسات فنجد وعلى سبيل المثال لا الحصر أن أغلب المناصب في المؤسسات الحكومية محصورة على أساس أما حزبي أو طائفي أو حتى على أساس صلة القرابة والواسطة وأما أصحاب الكفاءات والشهادات فنجد أنهم مغبونون في هذا المجال، ولو أخذنا مثالاً بسيطاً على مؤسسة حكومية لوجدنا أن ازدواجية رئيس المؤسسة تسير على أغلب موظفيها أما على أساس المصلحة أو على أساس القرابة أو الانتمائية الحزبية أو .....الخ، ولو نظرنا إلى الازدواجية من الناحية السياسية وما يحدث على الساحة في هذه الأيام وأمامنا القضية الفلسطينية كمثال فمنظور الدول الكبرى وسياساتها على أن الدفاع عن النفس والأرض من قبل الفلسطينيين ارهاب بينما القصف الاسرائيلي الصهيوني هو القضاء على المتمردين !!، ومن جانب آخر يعمل الازدواجيون على مجموعة من التبريرات من أجل جعل منطوقهم الازدواجي معقول ومقبول للآخرين من خلال استعمال عدة وسائل ومنها استعمال الإعلام ليبينوا أن تصرفاتهم عادلة ولا غبار عليها أو يستعملون وسائل أخرى ويأتون بأمثلة واهية من أجل كسب ود الناس وتضليلهم . ولعل أفضل الوسائل للتخلص من الازدواجية هو كشف كل فرد أو مؤسسة أو منظمة تعمل ضمن هذا المنطلق وكذلك التحري والتنقيب عن كل أمر مشكوك فيه من أجل الوصول الى الحقيقة، بالإضافة الى إتخاذ موقف من أولئك الذين يتعاملون بالازدواجية من خلال إبداء الرأي والدفاع عن الحقوق بشكلٍ قانوني سليم، ودائماً ما يتم التأكيد على استعمال وسائل الإعلام والاتصال من أجل التنبيه والإرشاد حول مفهوم الازدواجية وآثارها على الأفراد والمؤسسات والدول .

***

سراب سعدي

أعرف أنّ النصائح والمناشدات ليست من شأن صحافي "على باب الله" مثل جنابي، لكنّي مع كل حكومة جديدة تصل إلى كراسي السلطة، أعيش في حالة من التمني في زمن يرى فيه البعض من منظري الفضائيات أنّ إرضاء المواطن عيب وجريمة.

اليوم نعرف جميعاً أنّ الخراب لا يحدث إلا في ظل مسؤول لا يسمع سوى صدى صوته، ولا يعود هناك متسع لمستشارين يقدمون النصيحة، بل أصوات مقربين "حبابين" ينتقلون بخفة ورشاقة من مسؤول إلى آخر .

في كل دول العالم يسبق المسؤول، مستشاروه. فيما المسؤول العراقي يصل من "الحزب والعشيرة" وتضاف لها هذه الأيام العائلة وهو يدّعي ختمه لعلوم الأرض والسماء. ويعتقد أن التفويض الذي منحته له الناس في صناديق الاقتراع، يسمح له بأن يتجاهل معايير العمل الحقيقي والجاد.

ولهذا عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف كيف تدار أمور 40 مليون عراقي، فأتمنى عليك أن تقرأ هذا الخبر المثير: "استقبل رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي خبير التجميل اللبناني، نادر صعب"، هل انتهى الخبر؟، لا ياسادة فقد أخبرنا خبير التجميل أنه ناقش مع فخامة الرئيس موضوع التطورات في القطاع الصحي وضرورة فتح مستشفى للتجميل "البوتكس" من أجل أن تصبح بغداد مرجعية للعالم العربي في هذا المجال.

ماذا نفعل ياسادة عندما نقرأ مثل هذا الخبر؟، وعندما يقف الطبيب وهو يبتسم وسط الحرس الرئاسي؟، بماذا يذكرك هذا الإنجاز التاريخي الذي عجزت اليابان وسنغافورة عن تحقيقه؟، أنه يذكرني بالنشيد الذي كتب ولحن ابتهاجاً بالمنجزات الكبيرة التي كانت قد حققتها وزيرة الصحة السابقة عديلة حمود.

للأسف، المقربون من أصحاب الفخامة والمعالي والسيادة ستدلك عزيزي المواطن المغلوب على أمره على أبعاد المحسوبية التي تتم فيها إدارة مؤسسات الدولة. وإذا لم تصدق عليك أن تراجع قائمة أسماء المستشارين في معظم الرئاسات، وكيف أننا أعدنا إلى الخدمة عدداً من كبار "الجهابذة" في ستراتيجيات بناء الدول، وطرق التنمية.

نقرأ الكثير عن مستشاري الرؤساء، فقد كان الرئيس ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. وفيما عيّن ميتران الفيلسوف ريجيس دوبريه مستشاراً له.. وصنعت سنغافورة نهضتها العظيمة أولاً من خبرة رجال أكفاء اختارهم لي كوان بعناية، وثانياً من النزاهة، والفارق كبير بين الذين يضعون مصلحة الدولة والناس أولاً والذين يريدون إرضاء الأحزاب السياسية.

إن القوى السياسية في بلاد الرافدين لا  تزال تصر على إعلاء شأن المحاصصة والطائفية، تُصر على أن لا استقرار من دون تقاسم الحصص. وأن تبقى مؤسسات الدولة حبيسة أسماء ساهمت وروجت للخراب والشعوذة، واضيف لها مؤخرا "البوتكس".

***

علي حسين

عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي (1855 - 1902) أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر ومؤسسي الفكر القومي.

وضع الإصبع على الجرح، وما قرأ له الحكام العرب، وما تعلموا من رؤيته وأصيل أفكاره.

يجيد العربية والتركية والفارسية، وتوجهاته فلسفية.

مؤلفاته: أم القرى، طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد، صحائف قريش، وإستعمل إسما مستعارا هو السيد الفراتي

توفي في القاهرة في (14\7\1902)، بعد أن وضعوا له السم في فنجان قهوة، ومات في عمر (47)

أسس جريدة "الشهباء" (1877)، أصدر منها (16) عددا ثم أغلقتها السلطات التركية، وبعدها أسس جريدة "إعتدال" (1879) ثم أغلقت بعد فترة.

شخّص علة الأمة منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وشرّح عاهة الإستبداد بمشرط العارف بدياجيره ومآلاته.

ووضع خارطة لنهوض الأمة وتفاعلها مع عصرها، بقدرات إستباقية متوافقة مع جوهرها الحضاري، وكان لابد من الخلاص منه، لكي لا تستفيق الأمة من قنوطها وخنوعها لمفترسيها.

كان رسول نهضة وإمام يقظة، ومشعل وثبة نحو آفاق التفتح والإنبثاق.

ومن أقواله المتوهجة:

 "ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله"

"خلق الله الإنسان حرا قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل؟

"أشد مراتب الإستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش الحائز على سلطة دينية"

"الدين ما يدين به الفرد، لا ما يدين به الجمع"

"الإرادة هي أم الأخلاق"

وشاهد قبره كتبه حافظ إبراهيم:

"هنا رجل الدنيا...هنا مهبط التقى،،،هنا خير مظلوم...هنا خير كاتب"

***

د. صادق السامرائي

حينما جاء حزب البعث الى السلطة في العراق عام/ 1968 رفعوا شعار التغيير والقضاء على الفساد والتخلف ودعوا الشعب الى التحرر من الماضي، ومما يدل على ان الشعوب تريد الحرية والانفتاح اندفعوا بحماس في التحرر من كل القيود، ودعوا المرأة الى التحرر من القيود الاجتماعية والعشائرية والمساهمة الفعالة في تنفيذ التنمية الانفجارية، حينها ظهرت في العراق موضة الملابس القصيرة (التنورة والكوستم وما الى ذلك) وكان يُطلق عليها (الميني جوب) وقد غزت تلك الموضة العالم كله وليس العراق فقط، كأحدث تقليعه في عالم الأزياء النسائية.

لكن تلك التقليعة الحديثة في عالم الأزياء لم ترق الى عضو القيادة ونائب رئيس الوزراء آنذاك (صالح مهدي عماش 1924- 1985) فما كان منه وباعتباره وزيراً لداخلية النظام الحاكم سوى أن يصدر أمراً بصبغ سيقان كل فتاة تلبس (الميني جوب) بالتنسيق مع أمانة العاصمة.

تفاجأ أهالي بغداد صباحاً بعمال (أمانة العاصمة) وهم يحملون (السطل والفرشاة) لتنفيذ أمر السيد الوزير، وحدثت مشاكل ومواقف صعبة ومحرجه للكثير من النساء والعوائل بسبب ذلك الأمر والتصرف الشخصي، وبدأت الصحف بالكتابة عن الموضوع بسخرية تامة.. مما أضطر الحكومة الى ألغاء الأمر فوراً بعد أن تعرضت أحدى الفتيات الى عملية دهس من سيارة مسرعة أثناء هروبها من عمال أمانة العاصمة المغلوب على أمرهم.

كذلك في أيران،فمنذ انطلاق الثورة الإيرانية عام/ 1979م وأستلام الحكم من شاه أيران المخلوع (محمد رضا بهلوي  1919-1980 ) فرضت السلطات الإيرانية الإسلامية الجديدة قيود إجبارية على المرأة الإيرانية حتى مقتل (مهسا أميني 2000- 2022) أو كما تعرف في مدينتها بـ جينا أميني.

ومن المعروف أنها توفيت في المستشفى في 16 سبتمبر 2022، بعد ثلاثة أيام عند احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في مدينة طهران العاصمة بتهمة انتهاك قوانين غطاء الرأس الصارمة.

وقد أثارت وفاتها أكبر موجة احتجاجات في إيران منذ الثورة عام/ 1979، وأظهرت النساء في جميع أنحاء العالم، دعمهن من خلال قص شعورهن كفعل تحدٍ.

وبما أني من مدمني السفر الى مدن أيران الجميلة جميعها منذ سقوط نظام (صدام حسين المجيد) عام / 2003 ورفع قيود السفر تدريجياً بين أيران والعراق... لأحظت أن هناك شرطة علنية وشرطة سرية تحاسب المرأة الإيرانية على ما يسمى  غطاء الرأس (الحجاب) وتغطيت الشعر الظاهر للعيان، في حين لا يوجد حساب على تجميل الوجه ووضع المكياج ونفخ الشفاه والخدود.... الى أخر من عمليات التجميل النسائية.

كذلك في الأماكن المقدسة الإيرانية كـ (مشهد، قم، أصفهان)، تتواجد في تلك الأماكن نسوة مرشدات دين (زينبيات) ينصحن المرأة المارة قرب تلك الأماكن  بلبس الحجاب أذا كان نازل على الرقبة كإنذار مسبق أو توجيه إرشادي لمن لا تلتزم بذلك.

ولا أعرف من أفتى بهذه القنبلة الموقوتة، والتي تقول (بأن شعر المرأة عورة) ويجب المحاسبة عليه، ولكني أرى أن من يقف وراء ذلك رجال دين متشددين وليس رجال سياسة وسلطة عامة.

ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين، انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة، منذ بداية ما يسميه البعض (الصحوة الإسلامية).

فمن مجتمعات في ستينيات القرن العشرين لا تعرف هذا الزي، لدرجة أن طالبات مدارس الأزهر في مصر لم يكنَّ يرتدين الحجاب، إلى ظاهرة تكاد تسيطر على مجتمعات إسلامية بأكملها في عصرنا الحالي.. حينها كانت نسبة التحرش بالنساء في الدول العربية والدول الإسلامية أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم نساء المسلمين في معظم دول العالم، وأصبح حجاب الرأس ميزة تميز المرأة المسلمة حتى في أوربا وأمريكا.

وصاحَب انتشار هذه الظاهرة احتقار لغير المحجبات، ونعتهن بكلمات مهينة مثل "سافرة" و"متبرجة" و"غير ملتزمة".

ومهما كان سبب هذه الظاهرة، سواء كان رغبة في الزهد أم خوف من عذاب الله وجحيم جهنم، أم ضغط مجتمعي لا يتسع المجال هنا لشرحه،، فإنها لا شك ظاهرة تحتاج للدراسة والتحليل وأول سؤال على الجميع أن يسأله : هل الحجاب فريضة على كل مسلم ومسلمة؟... أم أنها نوع من العادات والتقاليد المتوارثة عبر التاريخ؟. هذا السؤال متروك للجميع والراسخون في الدين.

***

شاكر عبد موسى/ العراق / ميسان

كاتب وأعلامي

لا ينكر لأي متابع لما مر به العراق، أن هناك جملة حقائق فرضت نفسها على واقعه، من هذه الحقائق تشتت قادته في انتقاء الأشخاص المناسبين لأداء أدوارهم في مفاصل الدولة، ومن هؤلاء القادة من كان متعمدا في نهجه هذا -وهم كثر- وآخرون أساءوا من حيث كانوا يريدون الإحسان، وصنف ثالث كانت لهم غايات في نفوسهم، أبوا إلا أن يطلقوها على أبناء جلدتهم، فسلطوا عليهم جلادين لايرحمونهم، وسخروا لسرقتهم حاذقين بأفانين السحت.

وعلى الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على حكم هذا البلد، وتنوع قادته وسياساتهم وأساليب حكمهم، إلا أن سر القيادة الحكيمة بقي لغزا قد يبدو للبعض محيرا، غير أنه في حقيقة الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة نهار تموز. وباستقراء سريع على مجريات الأحداث التي مرت على تلك الحكومات، لتبين لنا أن قلة الحنكة السياسية، وانعدام الدافع الوطني، وسرعة سيلان اللعاب أمام مغريات الجاه، وحب الأنا، وغريزة التملك اللامشروع، شكلت مجتمعة السبب الرئيس في ضياع حقوق، وهدر أموال، وتبديد ثروات، وظهور سراق، وتفشي آفات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف الى انخفاض مقاسات الحد الأدنى المطلوبة في البلدان المتقدمة والنامية، بل حتى الفقيرة منها، وخنع المواطن العراقي تحت وطأتها، لاحول له ولاقدرة على تغيير حاله، بعد أن جمحت السفينة بيد القائد، وخرج زمام القيادة عن سيطرته، لسوء صنيعه إداريا وسياسيا، فأضحى حال المركب كمن قال:

وأنا اليوم كالسفينة تجري

لا شراع لها ولا ملاح

ولقد ترقب العراقيون بحذر شديد خطوات تشكيل دولتهم الجديدة بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وكان حذرهم مشوبا بالقلق والريبة، إذ كانوا حديثي عهد بآلية تنصيب أقطاب الحكم في البلد، ولم يعهدوا الديمقراطية بلباسها الحديث، حيث لم يستوعبوا امتلاكهم القرار في اختيار حاكميهم، ولم يدُر في خلدهم أن صناديق الاقتراع لم تعد كتلك التي أفرزت نسبة 99,9% لصالح سجانهم الوحيد الأوحد.

ومن سوء حظهم أن نفرا ضالا من المتربصين خلف الحدود، كانوا يحيكون غزلهم لنيل السلطة في العراق، وقد صار هؤلاء النفر -بعد أن سحقت السرفة الأمريكية رأس النظام- أصحاب حق في قيادة البلد، جزاء لهم بما ضحوه من أجله، وجعلوا التربع على عرش الحكم نصب أعينهم، كإرث مشروع لهم، وشاء القدر أن تم لهم هذا مابين غمضة عين وانتباهتها، فاعتلوا مراكز ماكانوا يطالونها في أحلامهم، وكناتج طبيعي، تلكأ سيرهم واضطربت خطواتهم في قيادة بلد خرج للتو من قمع أربعة عقود عجاف، وأنّى لهم قيادته! وهم العاجزون عن إدارة زريبة أو حراسة حظيرة، وعصي عليهم أن يسرحوا (بزوج صخول).

ويبقى الحل هو الاختيار والانتقاء السليمين، وهما مهمة المواطن بالدرجة الأساس أمام صناديق الاقتراع، والتي يخفيها مستقبل البلاد سواء أكانت مبكرة أم تشريعية دورية! إذ أن انتقاء الرأس وفق معايير صحيحة، يقيه شر انتقاء الأخير مرؤوسيه في مؤسسات الدولة بعد تسنمه الحكم، ويتحتم على المواطن هنا، عدم اعتماد وحدات قياس بالية مجربة بفشلها أكل الدهر عليها وشرب، بل عليه الاستناد الى وحدات قياس مهنية علمية عملية دقيقة، والابتعاد عن الحزبية والعشائرية والدينية والطائفية، وبغير هذا فسلام على دار السلام، والبقاء في حياة الأحزاب والتحالفات والمرشحين.

***

علي علي 

يتعلق الذين يستهدفون حكومة السيد السوداني بأنها حكومة الاطار التنسيقي،وانها جاءت بفرض الاخير في حين أن هذه الحكومة ولدت من رحم التحالف الثلاثي الذي جمع القوى السياسية (السنية-الشيعية-الكردية) وأن أي نجاح لهذه الحكومة فسوف يكون نجاح للكل،وأما الفشل كذلك فهو من نصيب الكل ولكن ما زالت هناك عقبات تقف عائقاً أمام أي تقدم لهذه الحكومة آلا وهو الفساد المستشري في مؤسسات الدولة كافة والمتكئ على المحاصصة السياسية التي أفقدت النظام السياسي قوته وجعلته يقف عائقاً أمام تسلط الاحزاب النافذة التي أمست أكثر قدرة في التحكم بالنظام السياسي.

أصبح ملف تقديم الخدمات يشكّل أزمة حقيقية بالنسبة للحكومات السابقة منذ عام 2003 بسبب مافيات الفساد وعمليات النصب والاحتيال على العقود والمشاريع بالإضافة الى غياب الارادة السياسية في تقديم الخدمة للشعب العراقي لذلك ومنذ تسلم السوداني رئاسة الوزراء بعد مخاض عسير في تشكيل الحكومة وهي تسعى الى أن تكون هناك بصمة يراها المواطن،فذهب الى ملف الخدمات ليكون نقطة انطلاقة نحو التغيير والتطوير فعمد الى بناء وفتح الطرق والحسور السريعة،وإعمار المستشفيات وعقد العديد من العقود في المجال النفطي ومقايضة الغاز مقابل النفط مع طهران،من أجل توفير الغاز لمحطات توليد الطاقة الكهربائية،وإكمال الموازنة لثلاث سنوات،بالاضافة الى الاعداد والاستعداد لإجراء انتخابات لمجالس المحافظات والتي يعول عليها الشعب العراقي في تغيير واقعه المأساوي.

بالرغم من حالة الرضا النسبي من المجتمع العراقي عن تقديم الخدمات العامة،الا أن حكومة السوداني لم تذهب الى معالجة الاسس السياسية لتلك الخدمات والتي مازالت تؤثر فيها الارادة السياسية والحزبية والفساد المستشري الذي لا يسمح لأي تقدم ولو بخطوة واحدة باتجاه الاعمار وتطوير البنى التحتية،بل ان هناك انطباع لدى عموم العراقيين بأن حكومة السوداني سوف لن تختلف كثيراً عن سابقاتها من الحكومات المتعاقبة بعدا عام 2005،وذلك لان القوى السياسية هي نفسها من تمارس دور المتسلط على المشهد الحكومي،وتضع يدها في كل شيء يخص الحكومة،ومثال تأكيدي على ذلك هو إعلان السوداني عن نيته إجراء تعديل وزاري واستبدال عدد من المسؤولين ممن لديهم تراجع في الأداء الحكومي لوزاراتهم ولكن ذلك لم يتحقق ويرجع ذلك على الارجح الى الضغوطات التي تمارسها بعض القوى السياسية المتنفذة على المشهد السياسي وإصرارهم على ان يكون أي بديل من داخل كتلهم وأحزابهم.

لا يكفي إجراء الاصلاحات على الحكومة ما لم يعقبها إجراء نفس الاصلاحات على النظام السياسي من خلال تغيير شكل هذا النظام وإلغاء المحاصصة بكل ألوانها وتوفير الخدمات العامة والذي بالتأكيد يتطلب إدارة سياسية تتخطى الضغوط التي تمارسها القوى السياسية على الحكومة وكيفية التركيز على تحقيق ما يلامس حياة الناس لان الناح الحقيقي سيكون من خلال الاصلاحات الداخلية الحقيقية لذلك فان امام حكومة السوداني فرصة مهمة لتحقيق النجاح خصوصاً وأن العراق بأمس الحاجة الى الادارة الناجحة وتطبيق الحوكمة وإعادة هيكلة القطاع العام عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وان يعمل السوداني جاهداً من أجل أقناع القوى السياسية بهذه الاصلاحات،والا فعليه البقاء ثابتاً في مواجهة الضغوط،وهو أسلوب تعودته القوى السياسية لتنفيذ إرادتها وجعل الحكومات أسيرة بيدها.

***

محمد حسن الساعدي

يقول الشاعر اللبناني وديع سعادة :

"لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟

***

وائل حمدان إبراهيم الدحدوح مولود يوم 30 أبريل سنة 1970، في حي الزيتون وهو أقدم أحياء مدينة غ-ز-ة، صحفي فلسطيني درس في مسقط رأسه وقضى معظم سنين حياته فيها، اعتُقل لسبع سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

 بدأ وائل حياته المهنية مراسلا لصحيفة القدس الفلسطينية، واشتغل مع وسائل إعلام أخرى قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة عام 2004.

بتاريخ  25 أكتوبر 2023 أي بعد ثمانية عشر يوما من عملية طوفان الأقصى، غارة جوية للعدو، مغتصب الأرض، تصيب المنزل الذي لجأ إليه عائلة الدحدوح لتقتل زوجته وابنه محمود البالغ من العمر ستة عشر سنة وابنته شام البالغة من العمر ثماني سنوات وحفيده الصغير لينضافوا إلى ٱلاف الشهداء الذين ارتقوا خلال أقل من ثلاثة أسابيع.

وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على استشهاد أربعة من أفراد عائلته، وائل الدحدوح يطل عبر شاشة التلفزة في تغطية مباشرة للحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غ-ز-ة معلنا عدم تخليه عن رسالته المهنية برغم الوجع.. لم يثنه مصابه الجلل عن  نقل مأساة وطنه إلى العالم..حرب إبادة جماعية ضد أبناء غ-ز-ة.

أي قوة وأي رباطة جأش هذه التي جعلت الدحدوح يقف على رجليه ويمشي منتصب القامة ..يقاوم الظلم والعدوان بالكاميرا والميكروفون ..يكشف الحقيقة للعالم، متحديا العدو والمتواطئين بكلمة" معلش ".

هذا الرجل.. من أين جاء بهذا الصبر الأسطوري، بهدوء النفس وثبات القلب، بسيطرته التامّة على قواه العقليّة وقدراته الحسيّة ومشاعره؟

إن درس وائل الدحدوح هذا يجب أن يتعلمه كل من يسير على رجلين على هذه الأرض..هناك دروس في الحياة لا يعلمنا إياها إلا معلم واحد، دون غيره.

درس وائل الدحدوح لا يمحى من الذاكرة ولن تمحوه لا الأيام ولا دبابات العدو.

 وائل الدحدوح يعلمنا أن كل مايمتلكه المرء قد يُسلب منه عدا أمرا واحدا هو  قدرته على إختيار مسلكه تحت أي ظرف..وتلك هي حريته الأخيرة..

وائل الدحدوح علمنا ولا يزال أن الحزن مهما عظم فهو لا يفقدنا الإصرار والعزيمة ..أن صاحب الحق لا ينحني أبدا ولا تكسر له شوكة وأن الثورة لا تولد إلا من رحم الأحزان.

***

درصاف بندحر - تونس

تعود الكيان الاسرائيلي في كل تاريخ وجوده على الارض الفلسطينية في غفلة من التاريخ العربي الحديث، وبتخطيط ودعم ومشاركة من الاستعمار البريطاني؛ ان يخوض جيشه حروبا خاطفة؛ تكون فيه الغلبة له، من حرب عام 1948 و1967وغيرهما من حروب الكيان الاسرائيلي المحتل، ولم يخض في كل تاريخه حربا طويلة، ليس له القابلية على توفير مستلزماتها، اذا ما استثنينا حرب الاستنزاف الذي خاضها الجيش المصري مع جيش الاحتلال الاسرائيلي، في عهد الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وهي اي هذه الحرب لم تكن بمستوى ما يحدث في الوقت الحاضر، من مجازر يرتكبها هذا الكيان الصهيوني المصطنع؛ للقوة المتناظرة للجيشين. كما ان جيش الاحتلال الاسرائيلي لم تكن له الخبرة بخوض حرب استنزاف مع مقاومة تتوزع على الارض بمجاميع صغيرة، لكنها في ذات الوقت؛ قادرة على تكبيد هذا الجيش خسائر كبيرة، في البشر وفي المعدات. يقول المسؤولون الاسرائيليون من ان هذه الحرب سوف تستمر الى شهر او شهرين او ثلاثة اشهر، وربما اكثر.. وهو قول يناقض تماما الحقيقة اي حقيقة وقوة وجاهزية جيش الاحتلال الاسرائيلي، اضافة الى عدم قدرة الكيان الاسرائيلي؛ على توفير المستلزمات الاقتصادية في معركة طويلة من هذا النوع. فهذا الكيان الاسرائيلي المحتل؛ يواجه الشعب الفلسطيني في غزة؛ الذي يدعم وبقوة المقاومة الفلسطينية في القطاع. كما ان المقاومة كانت قد جهزت نفسها وقوتها على ما يظهر لكل متابع؛ من خطط على الصعيد التكتيكي والاستراتيجي؛ من حفر شبكة واسعة من الانفاق، الى تجهيز قواتها المقاومة، ليس بالصواريخ فقط، بل بكل ما تحتاجه المقاومة في التصدي لهذه الجرائم الاسرائيلية الامريكية. منذ ما يقارب الثلاثة ايام او اكثر يحاول جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ اجتياح لو جزءا صغيرا من شمال غزة وغربها، لكنه مع كل توغل يفشل في اتمام مهماته، ويتكبد خسائر كبيرة. في يوم التاسع والعشرين من اكتوبر، ت1، وعندما توغل في شمال غزة، المفاجأة هو ان المقاومين؛ خرجوا له من الانفاق في معبر ايرز، بحركة التفاف، احاطوا به، من خلف قطعاته المتوغلة في شمال القطاع، واكبدوه خسائر في المعدات والافراد. تعتبر هذه العملية، بحسب الخبراء العسكرين؛ هي واحدة من تكتيكات حروب العصابات، اي حروب المقاومة ومواجهة جيش يمتلك من ألة الحرب الامريكية والغربية الفتاكة وبأخر تقنياتها، وبكميات كبيرة جدا. بهذه الطريقة بالمواجهة سوف تفشل اسرائيل في تحقيق اي من اهدافها التي يعلنها مسؤولوها جهرا نهارا، وفي كل حين وساعة ودقيقة. الزمن على الرغم من المجازر التي صم العالم واقصد هنا الحكومات سواء في امريكا او في البعض من دول الاتحاد الاوربي، وليس الشعوب؛ اذانهم وعقولهم عن هذه المحارق بحق البشر والارض والزرع والضرع؛ سوف يعمل لصالح المقاومة الفلسطينية في نهاية الامر او المطاف. وبالتالي سوف يحصر هذا الكيان الصهيوني نفسه ودولة احتلالها للأرض الفلسطينية في غزة والضفة الغربية في خانق ضيق، لا يحسد عليه، وسوف حكما يقود الى ان ترتفع اصوات العالم الحر واعني هنا اصوات شعوب الارض؛ سواء على الصعيد العربي او الاقليمي او الدولي.. دولة الاحتلال الاسرائيلي سوف تجبر الى وقف هذه المجزرة والتسليم بالأمر الواقع. أما تأكيد المسؤولون الاسرائيليون سواء العسكريون او المدنيون؛ من انهم يخضون مع المقاومة حربا صعبة للغاية، لكنهم في النهاية سوف يقضون على حركة المقاومة الفلسطينية في غزة؛ قول لا يمت الى الواقع وحقيقة الصراع، وقوة وتصميم المقاومة واهل غزة على الصمود والانتصار، على هذا العدو الغاشم، بصلة مهما كانت صغيرة؛ للأسباب التالية لجهة قدرة هذا الكيان الصهيوني على تحمل كلفها، وباختصار:- اولا: سحب هذه القوة البشرية الكبيرة جدا، بالقياس الى سكان دولة الاحتلال الاسرائيلي، من العمل والانتاج في الحقلين الصناعي والزرعي؛ الى الخدمة في جيش الاحتلال الاسرائيلي؛ سوف يؤثر على الاقتصاد الاسرائيلي تأثيرا جديا وحاسما ومنتجا. ثانيا: المطاولة في حرب استنزاف طويلة؛ سوف تجعل قوات هذه الكيان؛ تصاب باليأس والاحباط؛ لأنها لم تتعود في كل حروبها البقاء في الخدمة لزمن طويل، بل لزمن قصير جدا، في حروب خاطفة تنتصر فيها، ويعودون الى عملهم وحياتهم المدنية. ثالثا: الدعم الامريكي، او في الحقيقة المشاركة الامريكية والبعض من دول الاتحاد الاوربي؛ لن تكون بلا تحديد في الزمن وفي توفير الاحتياجات العسكرية، وحتى المدنية؛ لسببين، الاول؛ ان امريكا تخوض في اوكرانيا حربا مع روسيا بالوكالة الاوكرانية، وهذه الأخيرة تتطلب كلف واثمان كبيرة؛ لا يقوى الاقتصاد الامريكي، على توفيرها في جبهتين وفي آن واحد. الثاني مذاخر الاسلحة والاعتدة، والمجمع الصناعي الامريكي لا يقوى على توفير كل هذه الاسلحة والذخائر على جبهتين، اضافة الى ان افراغ المخازن من الاحتياطيات من الاسلحة والذخائر سوف يشكل تهديدا قويا، لقوة وقدرة امريكا والناتو اذا ما اندلعت حربا مع روسيا.. ثالثا: هناك في الداخل الاسرائيلي تفكك في الموقف من الحرب في غزة، او قل محارق دولة الاحتلال الاسرائيلي في غزة، على الرغم مما يقال في العلن والاعلام من ان المسؤولين في الكيان الاسرائيلي المحتل؛ لهم موقف موحد مما يجري في غزة من مذابح يقوم بها جيشهم بلا تحقيق اي نتائج ملموسة على سطع الواقع المعيش في اللحظة. رابعا: ان الجيل الجديد من الغزاة الاسرائيليين؛ جيل مرفه ومُنَعم ولم يخض او يشهد اي حربا حقيقية خلال اكثر من خمسين عاما. في المقابل ان الجيل الفلسطيني الحالي؛ هو الجيل الذي شهد ويشهد في كل حين وفي كل لحظة، بل في كل دقيقة وثانية وبأم عينيه، ولعقود؛ كيف يتم بالجرافات الاسرائيلية هدم المنازل على رؤوس ساكنيها، وكيف يقتل الفلسطينيين سواء علي يد المستوطنون او على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي. مما جعل هذا الجيل كما كل الاجيال الفلسطينية التي سبقته، لكن هذا الجيل لم يخضع لمساومة الانظمة العربية ومؤامرتهم واتفاقاتهم السرية، بالضد من القضية الفلسطينية، وفي الأخرى، من تلك الانظمة العربية؛ التي قامت بتوزيع الولاءات على نهجها السياسي مما اضر كثيرا بالنضال الفلسطيني، على الرغم من لملمتها واشتراكها جميعها؛ في حاضنة منظمة التحرير الفلسطينية، إنما التشظي ظل قائما بالأفعال على ارض الواقع. من الامثلة على استقلال قرار المقاومة؛ كلمة ابو عبيد الناطق الرسمي باسم المقاومة الفلسطينية، في تلك الكلمة البليغة جدا؛ عرى الانظمة العربية، تعرية تامة.. ومن الامثلة الأخرى على قوة وصلابة المقاومة الفلسطينية؛ قول المراسل خالد الدرة وهو في خضم المذبحة الصهيونية على شعبه وارضه، وعلى عائلته: لا وقت للحزن، الوقت كل الوقت للمقاومة اولا ولكشف وتعرية همجية هذا الكيان الصهيوني المصطنع. ووقوف وائل دحدوح بعد يوم واحد وربما اقل من اليوم، من استشهاد وزوجته وابنته وابنه وحفيده؛ امام الكامرة لينقل للعالم همجية هذا الكيان الصهيوني العنصري . عليه؛ فأن انتصار المقاومة قادم في المقبل من الزمن.

***

مزهر جبر الساعدي

المديح سلوك تسوّلي، عهدته مجتمعاتنا منذ أزمان بعيدة، حتى تبرمجت أدمغة الأجيال، وبتعاقب التكرار ترسخت هذه العاهة المرفوضة في معظم مجتمعات الدنيا التي تقدمت علينا.

النزوع للمديح  آفة خطيرة تصيبنا بأمراض سلوكية، فتجردنا من النظر الفاحص الناقد لما نقوم به، وننتجه من رؤى وتصورات وأفكار.

فالواحد منا فيه نزعة طاؤوسية وتحليقات فنتازية، على أنه يدري ويعرف، وبيده فصل الخطاب، ويتقلد ذروة الإبداع، والأوحد الوحيد، وفحل الفحول، وأمير كل شيئ إلا نفسه، التي أطلق العنان لما فيها من نوازع تطغى على وجه أيامه، وتحكمها بتطلعاتها المفلوتة.

وواحدنا لا يحتمل أن يقول له أحد فوق عينيك حاجب!!

وبسبب هذا التخندق في حفر الذات الداجية، تجدنا نتصادم ككرات البليارد، واللاعب فينا يهزأ ويتندر ويجني ما يريد، والكراسي تريد مديحا وتبويقا وإعلاما مضللا، وإطراءً وأكاذيب وإفتراءات تجعل الجهلاء علماء، والسفهاء حلماء، والفاسدين أتقياء وأولياء.

فيختلط حابلها بنابلها، وتعمه الأشياء ببعضها، وتتأسن الإرادات، وتتعطل الإبداعات الأصيلة، ويتردى كل مدّاح في عرينه، ويتأله الممدوح في عرشه، وتضيع التفاعلات الحية الواعية ، الواعدة بالأصيل المطلوب لصناعة الآتي الأقدر.

إنها حكاية متوارثة لها تداعياتها الخطيرة، فلو توقفت أبواق الكراسي عن التبويق، وصمت الفقهاء والخطباء، وامتنعوا عن التطبيل لمستعبديهم، الذين يتسولون منهم ما يعينهم على إدامة إفتراءاتهم ودجلهم وأضاليلهم، لإستقامت مسيرة الأيام وعرف كل كرسي قدره وقيمته ودوره.

إن المديح يصنع بالونات فارغة تعلو في فضاءات الغفلة والأوهام، وتفاجئ الناس بإنفجارها المروع وتحولها إلى عصف مأكول؟

فهل لنا أن نعي هذا السلوك المرير، الذي فعل فعله الشديد في واقعنا، وأحالنا إلى موجودات خاوية خالية من طاقات أكون.

وهل من جرآة على ترجمة: " إذا رأيتم فيَّ إعوجاجا...."

إنها إرادة أمة وصوت حق يبحث عن صداه!!

"ومشكلة معظمنا أننا نفضل أن يدمرنا المديح على أن ينقذنا الإنتقاد"!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

كثيراً ما نسمع عن الغش حتى أصبح هذا المصطلح مألوفا لدى جميع الفئات في المجتمع، فهو موجود في كل مفصل من مفاصل الحياة ولا يمكن انكاره أو غض البصر عنه ولعل السكوت عنه واهماله سبباً في انتشاره إلى هذا الحد في حياتنا فأصبح الصغير يعرف الغش مثله مثل الكبير ويعمل به وبعضهم يتخذ منه مهنة يمتهنها على حساب حقوق الناس وأذيتهم، ويأخذ الغش اشكالاً لا حصر لها وقد تبدو صغيرة لدى البعض ولكن قد تكون سبباً رئيساً في انتشاره بهذا الشكل المهول، فلو كانت الأم تغش مثلاً في التعامل مع زوجها فكيف سيكون ابناؤها؟! بكل تأكيد ستتأصل بهم مسألة الغش سيكون طبيعيا عليهم التعامل مع الغش ظناً من الصغار أن هذا الأمر طبيعياً وأن أكثر من يثقون فيهم وهم الأب والأم يقومون بفعل هذا الأمر!، وقد يأخذ الغش اشكالاً أخرى فالمعلم قد يغش طلابه من خلال عدم إعطاء الدرس حقه حتى يضطر الطلبة لأخذ دروس خاصة لديه وبذلك غش وخان الأمانة الموكلة له وبذلك سيتعلم الطلبة أن الغش مشروع وممكن لأن معلمهم يغش !، فيصبح من السهل عليه أن يغش معلمه في أثناء الامتحانات أو يغش صاحبه أو يغش بلده، فيكبر الأبناء وسط هذه القيم التي تنهك المجتمع وتحط من شأنه، ولو تطرقنا على أنواع أخرى من الغش في حياتنا لوجدنا أن الغش التجاري يأتي في مراتب متقدمة من أنواع الغش والذي يمكن تعريفه بأنه خداع وتدليس وتزييف البضاعة المعروضة من خلال اعطاء بضاعة مخالفة عما معلن عنها في الكمية أو النوعية فقد تكون أقل جودة وأقل كمية من المتعارف عليه وبذلك يأخذ الغش صفة الخداع والإضرار بمصالح الفرد، ونتطرق إلى نوع آخر من أنواع الغش وهو غش الموظفين ويندرج ضمن هذا النوع أخذ الرشاوي لإتمام العمل، التكاسل في أداء الواجب الوظيفي،التغيب عن العمل بدون أسباب مقنعة .... إلخ وبرغم ذلك يأخذ الموظف راتبه مثله مثل الموظف الصالح الحريص على عدم الغش والإهمال . ومن أنواع الغش أيضاً الغش الإعلامي من خلال تدليس الأخبار وعدم نقلها بصورتها الصحيحة أو سرقة الأخبار وبذلك يتعدى على الملكية الإعلامية ... وغيرها الكثير . أن الاشخاص الذين يتعاملون بالغش هم أشخاص معروف عنهم الجشع و الأنانية وحب المال ومحاولة الحصول عليه بأي وسيلة حتى وإن كانت محرمة ومرفوضة من قبل الشرائع السماوية ودليل ذلك أن الغشاش ضعيف الإيمان بالله سبحانه وتعالى وابتعاده عن الطريق الصحيح، ولعل البيئة ورفاق السوء والتربية غير الصحيحة هي من أهم الأسباب التي جعلت من هؤلاء ينحدرون نحو هذا الفعل المخزي والمرفوض من قبل المجتمع. لكن كيف يتم معالجة هذا الأمر لكي يتخلص العالم من هذا الفعل المشين ؟ يمكن القول أن من أمن العقاب أساء الأدب ومن هذا المنطلق يجب وضع عقوبة فعلية على كل من تسول له نفسه للغش والتلاعب في كل مجالات الحياة من أقل موظف إلى أعلى سلطة في هذه الدولة وكذلك للإعلام دور وللتمثيل والمسرح دور في التنبيه ونشر كل المعاني السامية التي تطغي على هذا الفعل والتخلص من هذه الآفة التي اصبحت جزءاً من المنظومة التي تعتاش عليها الدول والعالم أجمع.

***

سراب سعدي

في المثقف اليوم