صحيفة المثقف

التخريب الخلاق .. حتى لا تموت الحضارة الاسلامية / حازم خيري

 

غريب جداً أمر حضارتنا الاسلامية هذه! حضارة عتيقة هي ولا ريب، لم تتوقف منذ ميلادها في كنف الدين الاسلامي وحتى الآن عن ابهار العالم، في البداية بقوتها وتدحرجها "المُذهل" في الأرض، ثم بعد ذلك بعقوقها "الأكثر اثارة للذهول" لناموس الحياة! ولنُدقق فيما يحدث اليوم من ثورات عولمية، ترمي باصرار لاسقاط دولة العسكر القائمة في أرضنا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية!

 

دولة العسكر هذه عبارة عن انظمة عسكرية، مُطعمة بملكيات استبدادية، تختلف في الشكل لا في العقيدة! إرث الألم: الحكومات تُخيف، والشعوب تخاف!

 

ثوراتنا العولمية لا مكان بداخلها لثورة الفكر ـ ثورة الانسان الداخلي المستقل ـ، ربما لحرصها "اللامُدرك" على التمكين للاسلام السياسي، على خلفية مُطالبة السبتمبريين بزوال حكم دولة العسكر، وبالتبعية حرصها "اللامُدرك أيضاً" على وأد اجنة الايقاظ الحقيقي لمجتمعاتنا، من باب أن الوقت متأخر جداً بالنسبة لها، وأن الخصم الأمثل في مباراة نهائية "غير متكافئة القوة" هو التفكير الفقهي، لاسيما إذا تحالف، في غيبة المعرفة والفضيلة، مع التفكير العلمي الما بعد حداثي!

 

حسناً! إذا كان هذا هو ما يريده الغربيون، ويدفعون ثوراتنا المجيدة ـ وربما أيضاُ بعض ورودنا الثائرة من بحاري الانترنت، وقد ضاقت بهم السبل ـ باتجاهه، مُستغلين خلو مجتمعاتنا المرعب من محبي الحقيقة، أعني من أصحاب التفكير الفلسفي اللاغائي! ولورودنا الثائرة ان هي مالت لأمر كهذا، بوعي أو بلا وعي، أن تنجو من اللوم! لم يرثوا سوى حضارة "شديدة الزهو باسباب اعتلالها"!

ثوراتنا العولمية أعادت اختراع الفوضى، فجعلتها منهجية ومأزومة، تتمخض باحترافية عن استبدال نظام حكم بآخر! ثوراتنا أعادت اختراع اللاعنف، فها هو لاعنف غاندي الأخلافي الحريص على ايقاظ ضمير الظالم وليس كسر ارادته، يُنجب اللاعنف البراجماتي والذى لا يخلو من مسحة لاأخلاقية، ربما تكون مُبررة! ثوراتنا أعادت اختراع الرأس! جعلته لا مركزيا! نقلته من أطراف الجسد!

 

فماذا ننتظر؟! لما لا نُحاكي مُنظري ثوراتنا العولمية في تخريبهم المنهجي الخلاق/الخصب للأفكار!! لما لا نؤكد جدارتنا بثوراتنا المجيدة، ونكسر الخوف من وضعها تحت المجهر! لما لا نتعظ من تجربة ثورة 23 يوليو 1952 حين اقتُرفت الخطيئة نفسها! "عولمية" ثوراتنا ليست عيباً يُخجل منه او جريمة تُنفى، بل هي بحق عبقرية هذا الجيل "الأعزل"! فرصتنا، ربما الأخيرة، لنُعيد اكتشاف أنفسنا ومجتمعاتنا وحضارتنا! من حق الشعوب أن تعرف .. الاختيار يقتضي المعرفة.

 

لنبدأ مثلاً بتاريخ دولة العسكر ونجاهد في تخريبه على نحو منهجي خلاق، ومن شظاياه المتناثرة نشيد صرح دولتنا الجديدة! لا يليق بمصرنا أن يقف ثائر بائس في ميدان التحرير يهتف بسقوط حكم العسكر، رافعاً فوق رأسه صورة ناصر أو السادات! لا يليق بشرف الثورة ترك بؤس كهذا يضرب على غير هدى!

 

ثمن الحرية أن تعي الشعوب أهمية الأفكار، لا أن تقبل من زيد ما لا تقبله من عمرو!! تضحيات ثورة 25 يناير المجيدة، وما اريق فيها من دم، في خطر!

 

لنكف من الآن عن "الفهلوه"، حتى ولو كانت مُربحة ومُريحة! لنكف عن القبول الجزئي بالجديد المُبتكر فقط تحت الحاح عدم ملائمة ما بأيدينا لجو عصر اللابراءة واللاعصمة! لنكف عن الاضطرار دوماً للاستيراد لرأب صدع افلاسنا الحضاري! لنكف عن ثورات رد الفعل، ونُبادر بغرس القلق الابداعي في النفوس! لنُناهض تدمير شعوبنا بالمدح! لنبن مستقبل حضارتنا من شظايا كنوزها المتناثرة!

 

الثائر الحق هو من يلحق بثوراتنا "العولمية"..

 

...............................

* لثورة 25 يناير المجيدة فضل عظيم، اتمنى له ألا ينضب! اصبح ممكناً أن تجد بين الشباب من يسعى إلى المعرفة! فكرة هذه المقالة جاءتني على خلفية نقاش دار بيني وبين الأستاذ/سعيد فاضل، وهو شاب ثائر، نجحت ثورة 25 يناير على ما يبدو في تحرير ملكاته الابداعية! فإلى صانعي ثورتنا "العولمية" الشكر كل الشكر!


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2065الثلاثاء 20 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم