صحيفة المثقف

الرقيب وحارس البوابة

بعض الصحف والمجلات كما نلاحظ، تعمل بمبدأ الفيتو، ضدّ بعض الكتّاب والمثقفين والصحفيين العراقيين والعرب، لأسبابٍ مجهولة، ربّما تتعلق بمزاج المحرر أو ميوله أو دوافع شخصية كالغيرة والحسد أو توجيه الممول، رغم إن مفعولها ينتهي بعد ساعات أو أقلّ من يوم أو أقلّ من 12 ساعة بعد صدورها. أغرب شيء، إن وزارة الداخلية أو واحدة من شُعبها الكثيرة، لديها قائمة بأسم « كُتّاب الانترنيت» ، ومعنى ذلك بلغة الوزارة: « إن الاسماء المدرجة بهذه القائمة، ممنوعون من الكتابة في الصحف الرسمية وشبكة الإعلام العراقية» !! وهذه غارقة الى اُذنيها بالفساد وغير الكفوئين والمتطفلين، وأنها لمهزلةٌ تضحك اللئيم كما يقال، وتدل على ضحالة من أخترع هذه القائمة، لأنّهُ لا يعرف إن سرعة نشر المقال أو العمل والصحفي، تفوق 12 مرّة مضروبة بستين ثانية ، سرعة انتشار المنشور الورقي، وكمثال، فإن عدد رواد مواقع التواصل الاجتماعي وجدارياته ومدوّناته، تفوق اعداد قرّاء الصحف مجتمعة .

ذلك لا يعني عدم الحاجة للصحف أو للمنتجات الورقية، ولكنهُ جهل بالعالم الرقمي، واحصائيات القراءة أو المشاركة التي يتفوق فيها العالم الرقمي على المنتجات الورقية بما لا يقاس، بنسبٍ عالية جدّاً تصل بين واحد بالمئة الى المليون، مروراً باجزاء المليون، مما لم تصل أليه أكبر الصحف العالمية العريقة بتأريخها.. منذُ تأسيسها الى الآن، وكمثال - تعليق على لقطة، يجلب أحياناً الملايين من المشاهدين والقرّاء، ومع ذلك ليس المقصود المنافسة بين المنتجات الورقية والعالم الرقمي، لأنّهُ لا يمكن المقارنة بينهما من ناحية عدد المتابعين أو المشاركين أو الناشطين في المجالين، بل المقصود الاستفادة من العالم الافتراضي، لزيادة انتشار المنتجات الورقية عن طريق الأهتمام بتحديث مواقع الصحف والمجلات الورقية على مدار الساعة، فقد وصلت المبيعات السنوية لإحدى الصحف الممولة من حزب حكومي الى 500 نسخة!! وهذه لا تشمل النوعيات من الصحف والمجلات الرسمية أو شبه الرسمية المموّلة من المال العام، تشملُ كذلك صحفاً عراقية مستقلة، اُغلقت مع الأسف بسبب خسائرها المالية ، ويعدُ ذلك خسارة جسيمة للصحافة الحرة والمستقلة في العراق!!

فاكثر ما تخشاه الأنظمة القمعية، ليست الصحف والمجلات المستقلة فقط، ما تخشاه مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتوتيتر التي لعبت دوراً تنظيمياً ولوجستياً هائلاً بالثورات والانتفاضات العربية من ناحية المواقيت وأماكن التجمعات والتظاهرات، وتنسيق الشعارات وسواها، وكذلك المواقع السياسية والإخبارية المستقلة التي دائماً ما تكون خارج الرقابة أو تبثّ من خارج البلدان القمعية المتخلفة، وتخصص الانطمة القمعية العربية ملايين الدولارات لحجب ومنع المواقع المستقلة أو الحرة على الانترنيت، وتفرض رقابة صارمة على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر، إضافة إن لديها قوائماً تخنقُ الكتّاب والصحفيين والفنانين أو تمنعهم من العمل في مؤسساتها المترهلة بالفساد والتخلف، وسنة بعد سنة، تتقلص عدد صفحات جرائدها ومجلاتها غير المقروءة وتعاني من انفصامٍ حقيقي عن الواقع .. من تطورات وعوالم شاسعة مفتوحة على آفاق غير محدودة من الحريات الصحفية والإعلامية والفنّية والثقافية،ومشكلة هذه الأنظمة، أنها تعيش خارج عصرنا، ومصابة بالعمى، تريد القارىء أن يُصدّق إعلامها وصحفها، بينما يقفُ يومياً على سيل من المعلومات على مدار الساعة بجميع اللغات من مصادرٍ لا حصر لها حول العالم .

وللتذكير توجد جمعية أو منظمة عربية بأسم «كتّاب الانترنيت»، وهذه خطوة متقدمة وتنظيمية وحضارية، ولا شكّ تحملُ معانٍ كثيرة تشير الى أننا لسنا بحاجة الى إعلام وصحافة رسمية غارقة بالفساد وعدم الكفاءة!! نحنُ نعمل بلا رقيب، وهذه الجمعية أو المنظمة قائمة وحقيقية ومحترمة من الكتّاب والادباء على مستوى عال من المصداقية والمسؤولية والمستوى الصحفي الرفيع ، ولا تعمل بمبدأ الرقيب ، كما يوجد اتحاد بأسم «اتحاد كتّاب الانترنيت العرب» وهو كذلك غير قائمة « كتّاب الانترنيت» ، ولابد إن صاحب قائمة الوزارة أو مخترعها، سمع بهما وقد تنفعهُ بإضافة اسماء جديدة لتضخيم قائمته، فيشملهم بالمنع من الكتابة في الصحف الرسمية البائسة، ولا نعلم بوجود قوائم أخرى لدى الوزارة أكثر تسلية وإضحاكاً من قائمة «كتّاب الانترنيت»، رغم أنها تذكّرنا بأسوء ما في الانطمة العربية القمعية،وأنظمة الحكم الدكتاتورية التي تعاقبت على العراق.. أي «الرقيب»، والرقيب غير «حارس البوابة» بمفهوم الإعلام المهني،مهمة الأخير أختيار أو انتقاء ونشر الأخبار التي يعتقد أنها تثير أهتمام القارىء أو تجلب أكبر عدد من القرّاء وأهمال ما عداها ،ومع ذلك فإن «حارس البوابة» شأنهُ شأن الرقيب، تراجعت أهميته امام سيل المعلومات والأخبار التي تبثّ على مدار الساعة من مصادر خارجية غير خاضعة للأنطمة القمعية أو رقابتها، وتعد اكثر مصداقية وحيادية من الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الفاشل.

 

قيس العذاري

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم