صحيفة المثقف

رائد الهاشمي: تـقـفـيص حكومي

القـفـّاص مصطلح شعبي عراقي يطلق على الشخص الذي يمارس النصب والاحتيال على عباد الله ويُحيك المكائد بكل السبل غير المشروعة قانوناً لكي يحصل على المال من الناس، وكذلك يتنـّدر الناس عليه بأن يطلقون عليه لقب آخر هو (56) لأن المادة القانونية التي يمكن أن يتم مقاضاته بها في القانون العراقي تحمل الرقم (456)، والناس الذين يقعون بحبال هذا القفـّاص عندما يكتشفون خداعه يلجأون للقضاء العراقي ويرفعون دعوى ضده ليحصلوا على حقهم منه وإن تعذر ذلك يلجأون للأعراف العشائرية التي أصبحت اليوم وللأسف الشديد أقوى من القانون أضعافاً مضاعفة.

هذا في حالة أن يكون القفـّاص شخصاً معنوياً، ولكن عندما يكون هذا القفـّاص هو مؤسسة حكومية أو وزارة فنتسائل كيف يمكن التعامل معهم؟ وهل يمكن رفع الدعوى في المحاكم العراقية ضد وزارة مثلاً واتهامهم بالنصب والاحتيال وفق المادة (456)؟ وهل سيتم النظر في مثل هذه الدعاوى  وهل يمكن اللجوء الى العشيرة لأخذ الحق الضائع؟ وهل يمكن إقامة الفصل العشائري ضد الوزارة أو المؤسسة ومطالبتهم بجلب أعمامهم لأخذ عطوة لحسم الموضوع؟ أعتقد أن الأمر غير منطقي ولايمكن حدوثه لذلك فان حق المواطن في هذه الحالة سيضيع حتماً.

مادفعني لهذه التساؤلات التي قد يراها البعض تحشيشية هو ماحدث في الاسبوع الماضي من تظاهرات حدثت في عدة محافظات ومنها محافظة بابل حيث قام الفلاحون المتظاهرون بقطع طريق بغداد – بابل الرئيسي وكانت مطالبهم بصرف مستحقاتهم لسنتين أوثلاث سنوات، حيث قاموا بتسليم منتجاتهم من محاصيل الحنطة والشعيروالذرة الصفراء لهذه الأعوام الى المخازن الحكومية ولم يستلموا أي مقابل عن أثمانها، ما أدى الى تعرضهم الى أضرار كبيرة نتيجة هذا التأخير، والجميع يعلم بأن البلد يمرّ بضائقة مالية وكساد اقتصادي في جميع مفاصل الحياة، فهل سيتمكن الفلاح البسيط بإمكانياته المتواضعة وبغياب أي دعم حكومي وفي ظل تأخير مستحقاته لهذه الفترة الطويلة من سد نفقات معيشته هو وعائلته، وهل سيتمكن من مواصلة عمله والاستمرار في زراعة هذه المحاصيل الثلاثة التي تمثل العصب الرئيسي لقوت المواطن العراقي؟

المؤلم والغريب في نفس الوقت في هذه التظاهرة أن عدد كثير من الفلاحين المتظاهرين تحدثوا عن أمر غريب وهو انهم استلموا في وقت سابق قروض من الحكومة وكما معروف أن تسديد هذه القروض يكون حسب توقيتات موضوعة من قبل الجهة المانحة كأن تكون أقساط شهرية، وانهم عجزوا عن تسديد هذه الأقساط بسبب عدم استلام مستحقاتهم من الحكومة لهذه الفترة الطويلة، فكان أن قامت الجهة الحكومية المانحة بإستحصال موافقات رسمية وقضائية بإصدار مذكرات إلقاء قبض عليهم لعدم تسديدهم الأقساط المستحقة.

أستحلفكم بالله وبجميع المقدسات التي تؤمنون بها هل هذا عدل؟ حق الفلاحين المساكين عند الحكومة التي ترفض تسليمهم بحجة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد وبنفس الوقت تصدر مذكرات إلقاء قبض على نفس الفلاحين أصحاب الحق لعدم تسديد الأقساط، فكيف يسددونها وأنتم لم تعطوهم استحقاقاتهم وهل أموالكم حلالاً وأموالهم حراماً، وهل يلومني أحداً اذا أطلقت على هذا التصرف بأنه (تقفيص حكومي) يتم ممارسته علناً وأمام الملأ.

القضية مهمة وان لم يتم الاسراع باتخاذ اجراءات حكومية سريعة لحلها فأعتقد انها ستتعقد وتتطور لأنها حالة عامة يعاني منها جميع الفلاحين وفي كل المحافظات العراقية وقد بدأ الفلاحون في محافظات أخرى بالتهديد بالتظاهر وقطع الطرق الرئيسية التي تربط محافظاتهم. 

 

رائد الهاشمي - رئيس تحرير مجلة نور الاقتصادية  

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم