صحيفة المثقف

قيس العذاري: مع النحوي مصطفى محمد

سألني النحوي الاستاذ مصطفى محمد عن خبر يشير الى ان علم النحو تأسس بالحاضرة العربية الكوفة، اضافة الى ان الخبر او الرواية معروفة بحدود ما او في الاقل باوساط المختصين، لكنها مجهولة لدى اوساط اخرى او غير معروفة على نطاق واسع، بطبيعة الحال اتوقع ان الاستاذ مصطفى محمد الحلي، يعرف هذه الرواية بلا شك واكثر، ولكن لماذا سألني، ما زلت اجهل السبب؟ كان السؤال والحوار إن صح ان نسميه حوارا كالتالي: الاستاذ مصطفى محمد: "قد لا تكون مصيبا بأن علم النحو تأسس في الكوفة"؟! الجواب او جوابي: "... ان ابا الاسود الدؤلي اتى الامام علي، حين سمع بنته تصر على تحريك الكلام، لسؤاله، فشرح له الامام انواع الحركات وهي الضمة والفتحة والكسرة، والقطع او السكون وما يقابلها من حروف، وازمنة الفعل التي هي الماضي والمضارع والمستقبل، واوصاه بان تكون امثلته من القرآن ويبتعد عن كلام المولدين".

لست متأكدا من هذه الاخبار او الرواية، ولكن اكثر المصادر تشير الى ان ابا الاسود الدؤلي مؤسس علم النحو بعد قدومه من الجزيرة الى الكوفة ـ عاصمة الخلافة انذاك ـ هذه الحادثة ذكرت بمصادر كثيرة، ولكنها لا تأتي على دور الامام علي او ذكره، وتقتصر على أن ابا الاسود الدؤلي ـ مؤسس علم النحو ـ استنادا الى الحركات التي كانت تضيفها ابنته على الكلام، وتلحن بدون ان تدرك اصولها وقواعدها. قليل من المصادر تذكر ان ابا الاسود الدؤلي جاء الى الكوفة لسؤال الامام علي عن صحتها وشروطها وقواعدها، وشرح له الامام هذه الحركات وأزمنة الفعل ووصيته لابي الاسود الدؤلي وفي كل الاحوال، فان تأسيس علم النحو في الكوفة لا تختلف عليه اكثرية المصادر والمراجع المختصة. وما يختلف عليه دور الامام بهذا تأسيس، والاستنتاج المنطقي من ذلك أن أبا الأسود الدؤلي بحاجة الى تأييد او اسناد من مراجع عصره للشروع بتأسيس علم النحو، ومن الطبيعي ان يكون الامام علي مرجعه في مثل هذه الحالة الجديدة المتعلقة بالعربية بعد ان كثر اللحن، لانه لا يوجد من ادعى في زمن الامام او الزمن الذي تلاه بانه اكثر علما بالعربية والقرآن او ابلغ من الامام باصول اللغة؛ فكان تأييد الامام لابي الاسود الدؤلي الدور الحاسم بتأسيس علم النحو. وفي ما يأتي نماذج من الاخبار عن بداية تأسيس علم النحو في الكوفة: "ان الروايات اشارت الى ان مؤسس علم النحو هو ابو الاسود الدؤلي بإشارة من الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ فقالوا أنه أول من أعرب القرآن الكريم بالنقط رفعا ونصبا وجرا وجزما بالعلامات الفارقة فوق الحرف وأسفله وبين يديه". انتهى.

رواية ثانية عن بداية تأسيس علم النحو:

"قال المبرد حدثنا المازني قال، السبب الذي وضِعَت لَه أبواب النحو أن ابنة لأبي الأسود قالت له "ما أشَدُّ الحَرِّ" (ومعنى هذا اللفظ، ما هو أشد شيء حرارة؟) فقال الحصباء بالرمضاء (أي الحصى المعرضة للشمس في ذروة حرارة النهار)، فقالت له: إنما تعجبت مِن شِدّتِه (كان يَجدرُ بِها أن تقول "ما أشدَّ الحَرَّ"). فقال أَوقَد لحن الناس؟! فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه، فأعطاه أُصولاً بنى منها وعمل بعده عليها".. ما زلت لا اعرف سبب تشكيك النحوي مصطفى محمد ان الكوفة مركز تأسيس علم النحو، لانه يعلم بلا شك ان مقر الخلافة بزمن الامام علي هي الكوفة، فقد اختارها مركزا لخلافته زمن بدء تأسيس علم النحو؟ لا اشك بهذه الرواية او كثير غيرها تناولت بداية تأسيس علم النحو لتشابهها بعد ان اصبحت الحاجة ملحة للحفاظ على سلامة اللغة العربية من اللحن، ودخول بعض الاقوام والاعراق الجديدة في الاسلام. الامام علي الاجدر باجازة العلم الجديد وتحديد اصوله، فقد لازم النبي الاعظم "ص" ونشأ في كنفه ونهل من علومه او وحيه. هناك العديد من المراجع او المصادر تتناول موقف الدؤلي من ابنته وذهابه للامام علي لسؤاله عن المسألة وما تلاها من اشارة الامام له بالبدء بتأسيس علم النحو بعد شرح اصوله، ويصبح في ما بعد علما مهما من علوم العربية يضبط التفاسير وكتب الادب والفلسفة والعلوم والاشعار قديمها وحديثها الى عصرنا بتعقيداته وتشعباته وعلومه الجديدة.. ربما اراد الحلي بسؤاله استدراجي للكتابة عن الموضوع، ولكن في كل الاحوال يستحق الكتابة عنه او التوقف عنده بين حين واخر لدى مختلف الاجيال والعصور.

لم اذكر مصدر الاقتباسات لان الخبر او الرواية عن تأسيس علم النحو تكررت باساليب مختلفة في اكثرية المراجع والمصادر التاريخية عن مرحلة تأسيس علم النحو في الكوفة.

 

قيس العذاري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم