صحيفة المثقف

قيس العذاري: في الطريق

يوما بعد يوم تتأكد قناعتنا ان الاحتلال لعب دورا مقصودا بتخريب العراق، زاد تدهور الخدمات من الاسابيع الاولى لاحتلاله للعراق، وبعد 13 عاما على التغيير وثمان سنوات من الاحتلال، ساءت الحياة لدرجة يصعب تصور ما هو اسوأ منها، الكهرباء معطلة منذ ذلك التاريخ، جميع الخدمات تقريبا رغم رصد عشرات المليارات واكثر لتعيدها دون تقدم وتطوير يذكر .. هذه المرة الاولى اسافر فيها من مطار النجف وليس بغداد، شعرت بانني بغير مكاني، اعتدنا ان نسافر من بغداد برحلات قصيرة او طويلة، وكنت بحاجة الى وقت لافهم سبب وجودي بمطار النجف وليس بمطار بغداد الشهير، واجهته الرخامية الجميلة، تلاحط عليها اثار التلف لحد التشوه والاهمال بكل مكان،، .وفجأة استدار السائق من طريق الشامية الى الكوفة، يعتقد بانه الاقصر الى النجف، صديق قديم، لاحط بانني منشغل باكشاك الخوص وفيئها على طريق الكوفة في درجة حرارة تزيد عن 46 درجة مئوية، يعرض فيها انواعا نادرة من التمور والعنب وثمر التين، هذا المثلث غني بالمياه والبساتين بين الحلة والديوانية والنجف مرورا بالكوفة، لا يوجد اطيب من تموره وعنبه في العراق وربما العالم .كان مذاق العنب البارد يترك في الفم طعما كماء الورد ورائحته، سلال الخوص تنز بعسل التمر والتين، ولكن هذه الاكشاك البسيطة ليست فيها دور استراحة او جلوس، المشتري عابر، احيانا، لا ينزل من سيارته، كنا نود ان نجلس بظلال خوص الاكشاك، يصل ظل جريدها وسعفها الى حافة الشارع، .بعضها متروكة بدون بائع، وحين سألت قال ذهبوا للاستراحة، كان شابا يدير الاكشاك على طول الشارع المؤدي الى الكوفة، قال لي بلهجة كوفية "عليمن تسأل" دغم "على" و "من"، حرف الجر والاسم الموصول، بكلمة واحدة اي "على من تسأل" ؟ بنفس لهجة النجفيين ..الاغلبية لا تقرأ او تعلم، كل يوم جمعة تخرج مظاهرة في الكوفة منددة بالاحتلال والفساد وفي الحلة والديوانية المجاورة لها، وفي السنوات التي تلتها، تخرج مظاهرة بعد صلاة الجمعة تطوف منددة بالفساد والفاسدين، جمع قليلة لم تشهد الكوفة مظاهرة على اختلاف الانواء، تكثفت بعد انسحاب قوات الاحتلال نهاية العام 2011 دون ان تتوقف.وهو ربما سبب اهمال الحكومة للخدمات بهذه الحاضرة العربية العريقة .اكثر الاجيال الجديدة تجهل بهذه المدينة الكوفة تأسس علم النحو، وانتقل خلال سنوات قليلة الى البصرة، وبرع فيه البصريون لدرجة منافسة نحويي الكوفة على يد الفراهيدي وتلميذه سيبويه ..مضت 20 دقيقة من اكشاك الخوص ورائحة العنب وعسل التين والارض الطيبة الى مطار النجف، كنت بباب صالة الانتظار بعد 20 دقيقة، كنت بباب صالة الانتظار، حين تأكدت من هواجسي، كانت الصالة واسعة وغير مكيفة ومكتظة بالمسافرين بلونين اسود وابيض لكثرة العباءات والدشاديش الخليجية، مع نداء للمسافرين الى الدوحة، امتد على اثره صف طويل ابيض اللون امامي من بوابة قريبة، فازدادت مساحة اللون الاسود في الصالة، تخللته وجوه نسائية بيضاء قلقة ومبتسمة .كنت وحيدا، افكر بصالة الانتظار بمطار بغداد، فيها كل ما تحتاجه وفارهة، مطار النجف تحت التطوير محلاته مغلقة، سوى قليل منها تبيع المثلجات، وجدت مطار بغداد ايلا للخراب قبل سبع سنوات تقريبا، حين كنت انتظر حقيبتي، سكة الحقائب تتوقف فجأة،، تطفر منها احدى الصفائح وتنحشر في مكان ما فتتوقف، ونظل نبحث عنها لنعيد الحركة الى السكة، توقفت السكة اكثر من مرة لحين ظهور حقيبتي، حين خرجت من مطار بغداد، بدا لي انتظار حقيبتي اطول من الرحلة، ولكنني عدت للسفر من مطار النجف مرة ثانية "السفرة الاولى من مطار النجف يوم 3.8.2016 م و الثانية يوم : 24.8.2015م" في اقل من شهر، تكرر نفس المشهد، دون ان يغيب عن بالي مطار بغداد بفخامته واسواقه وصالاته الانيقة التي لا تضاهيها سوى صالات قليلة، قبل ان يهمل بزمن الدكتاتور والحصار، ويتحول الى مطار كئيب نتيجة الاهمال،، كثر بناء المطارات منذ العام 2003 واصبح مطار بغداد ثانويا، ولكنه المطار الوحيد الذي يتذكره المسافرون،، . كنت وسط غابة من العباءات السوداء دون ان اشعر بصالة الانتظار بمطار النجف.، يأتين يقرأن القران بحضرة الامام علي.. بعد قليل ستحلق الطائرة، تحمل تلك الوجوه الجميلة المبتسمة والمضطربة الملفوفة بالعباءات السوداء.التي خففت وحدتي بتلك الصالة البائسة،، نحن في واد اخر، التظاهرات المنددة بالفساد في الكوفة كل يوم الجمعة او مظاهرات ساحة التحرير وعلى اسوار المنطقة الخضراء في بغداد.. الاحتلال، وما فعله في العراق خلال ثمان سنوات، بلد النفط بدون كهرباء، اعاده الى عصر ما قبل الكهرباء، وقيد حكامه ليلهو كما يشاء ..قيدهم بالفساد الذي لا اول له ولا اخر .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم