صحيفة المثقف

رائد الهاشمي: منع الخمور (قرار خاطيء في التوقيت و المضمون)

البرلمان هو أحد السلطات الثلاثة الرئيسية في البلد ويضمّ في صفوفه ممثلي الشعب ويجب أن يكون هو الأقرب للمواطن واهتماماته من السلطات الأخرى لأن المواطن هو الذي أوصل أعضائه الى مناصبهم ومنحهم شرف تمثيله والجلوس تحت قبته المقدسة، لكن المتتبع لأداء البرلمان بشكل عام يجد مالايسرّه ولا يرقى لمستوى المسؤولية التي أولاها له الشعب، فالمشاجرات والمهاترات والعراك بالأيدي واللكمات والتراشق بالقناني التي تحدث بشكل مستمر بين أعضائه وتأخير القرارات الهامّة التي تمس حياة المواطن وكثرة الغيابات بين أعضائه دون محاسبة حقيقية ان دلت على شيء فانها تدّل على الاستخفاف بالمواطن وعدم احترام المسؤولية والثقة التي أولاها له.

كثيرة هي السلبيات في الأداء البرلماني تقابلها اهتمام كبير من قبل أعضائه بقضية الامتيازات الشخصية ومحاولة الحصول على أكبر مايمكن منها خلال مدة الأربع سنوات في عمر البرلمان.

بلدنا يمرّ حالياً بتحدٍ خطير ومصيري يتمثل بالمعركة المصيرية مع الإرهاب وهي معركة خطيرة وكبيرة لأن العراق يقاتل الإرهاب نيابة عن العالم، وكما هو معروف في المعارك والحروب يتم تعبئة كافة طاقات وموارد البلد لصالح المعركة لضمان تحقيق الانتصار وتحرير أراضينا المقدسة وتطهيرها من دنس الدواعش، وماحصل من موقف وطني مشرّف لجميع شرائح المجتمع في التعبئة للمعركة  ومؤازرة ومساندة لقواتنا المسلحة كان مفرحاً للغاية لأنه يدّل على حجم الحسّ الوطني الكبير للشعب العراقي بكل أطيافه الرائعة.

وهنا نتسائل عن موقف ودور البرلمان العراقي في هذه المعركة وتفاعلهم مع الحدث، والإجابة مخيبة للآمال فهم في وادٍ والوطن في وادٍ آخر ولم نحصل منهم غير الكلام والتصريحات الرنانة عبر الفضائيات التي يستهويهم الظهور فيها أكثر من دورهم التشريعي والرقابي المطلوب منهم،

القرارات التي يتم مناقشتها في هذه الفترة بالذات يجب أن تكون منسجمة مع حجم التحدي الكبير الذي نواجهه ويجب ان تكون مواكبة للأحداث وأن تكون معظمها لخدمة حالة التعبئة الوطنية للمعركة،والا بماذا يتم تفسير القرار الأخير لبرلماننا الموقر(والخاص بمنع الخمور) والذي أثار ضجة كبيرة واستهجان وسخرية عالية من قبل معظم المواطنين، فتوقيته خاطيء جداً ولايناسب أجواء البلد المنهمك بمعركة مصيرية فاصلة، وكان اتخاذه قد حوّل الأنظار والإهتمام عن المعركة وتطوراتها فانشغلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي وحتى الشارع العراقي بالحديث ومناقشة نتائج هذا القرار وهذا كله لايخدم المعركة،  ناهيك عن ان القرار أثار حفيظة الأقليات التي تشاركنا الوطن ووجدوا فيه ظلماً كبيراً وتقييداً للحريات الشخصية التي كفلها الدستور للجميع وخلق أجواء مضطربة وانقسامات نحن في غنى عنها، وكذلك ستكون هناك آثاراً سلبية كبيرة في حالة تطبيقه على أرض الواقع فالقرار سيؤدي الى ضعف حركة السياحة في البلد وتقليل ايراداتها والتي نحن بأمس الحاجة لها في ظل الظرف الاقتصادي الحرج ،وستجعل السيّاح يفكرون ألف مرة قبل القدوم للعراق وخاصة ان الآمال بازدهار السياحة في العراق قد تنامت بعد ضمّ الأهوار والمناطق الأثرية الى لائحة التراث العالمية، وكذلك سيكون للقرار آثاره السلبية على استقطاب الاستثمار الأجنبي والعربي لأن المستثمر الذي يفكر بتوظيف أمواله في العراق يتطلب منه التواجد لفترات طويلة لمتابعة مشاريعه الاستثمارية وان أي تقييد على حريته الشخصية سيؤدي الى نفوره من هذا البلد، أما الآثار السلبية لهذا القرار من الناحية الإجتماعية فستكون كبيرة خاصة انه سيؤدي الى انتشار ظاهرة المتاجرة بالمخدرات والحبوب والتعاطي لها بين صفوف المجتمع كما حدث في المحافظات الجنوبية خاصة في ظل ضعف الرقابة على الحدود، وبالنتيجة سيؤدي الى ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة والاغتصاب وغيرها من الظواهر الخطيرة على المجتمع.

المطلوب اعادة النظر بهذا القرار المتسرع في اتخاذه وتوقيته ومطلوب من برلماننا أن يكون قدر المسؤولية تجاه التحديات الخطيرة التي يمر بها البلد وأن تكون قراراته أكثر جدية وتماساً مع مصلحة المواطن العراقي ومعاناته الكبيرة في جميع تفاصيل حياته.

 

رائد الهاشمي - خبير اقتصادي 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم