صحيفة المثقف

میثاق العسر: بين المرحومين العسكري والتبريزي!!

في نيسان من عام: "2004م" ألقى المرحوم مرتضى العسكري "1914ـ2007م" كلمة بحضور جمع من طلّاب الحوزة الإيرانيّين في مدرسة معصوميّة في مدينة قم الإيرانيّة، وقد أنكر فيها صحّة حديث الكساء بالصيغة المتداولة، ونصّ على إنّ الّلعن الوارد في زيارة عاشوراء يخالف سيرة الأئمّة الأطهار "ع" وسلوكهم، ولا داعي لهذا الّلعن في هذه الظروف الحسّاسة التي تمرّ بها الأمّة، كما لم يُخفِ المرحوم أبو نوري تحفّظه على أصل زيارة عاشوراء أيضاً... .

لكن هذا الأمر كان بمثابة الصدمة لبعض الحضور وبعض الدكاكين في تلك الفترة الزمنيّة وإلى هذه الّلحظة أيضاً، فرتّب بعضهم استفتاءً بهذا الخصوص وأضافوا إليه عبارات الحفاظ على المذهب والدين الحنيف وما شابه ذلك من كلايش معروفة بين مكاتب المراجع بغية تنقيح الموضوع، وذيّلوه باسم جمع من أساتذة وطلّاب المدرسة المعصوميّة، وقدّموه إلى المرحوم الميرزا جواد التبريزي "1935ـ 2006م" ليقدّم الحكم المناسب.

وفي مقام الإجابة على هذا الاستفتاء المكتوب بالّلغة الفارسيّة لم يخف المرحوم الميرزا التبريزي مشاركة من اسماهم أولاده [ويعني بهم من قدّم الاستفتاء] نفس الشعور والقلق من أمثال هذه الدعوات، وعاب على بعضهم هذا الأمر [ويعني بذلك العسكري وفضل الله وحزب الدعوة وغيرهم أيضاً]، ووصفهم بكونهم لا يدركون ظروفنا الحسّاسة ويطرحون مثل هذه المسائل التي لا يمكن التغاضي عنها، ظانّين إنّهم من خلال إلقاء هذه الشبهات على عقائد الشيعة يمكنهم الذهاب صوب ما يرومون إليه من الوحدة بين المسلمين، لكنّهم غفلوا عن إنّ طرح مثل هذه القضايا يوجب التمزّق والاختلاف، وإن الشيعة المخلصين لمذهب أهل البيت "ع" لا يمكن أن يسكتوا أمام التشكيك بمعتقداتهم، وإنّي ـ ولا زال الكلام للميرزا جواد ـ في الوقت الذي أدعو طلّاب الحوزة الأعزّاء إلى الصبر والتسامح والوحدة وعدم التشرذم، أنصح مسؤولي الحوزات بضرورة الابتعاد عن أمثال هذه الأعمال، وعدم تلويث الحوزات بمثل هذه الأفكار الخاطئة والمنحرفة...نعم؛ إن حديث الكساء بالصيغة المعروفة وزيارة عاشوراء ولعن أعداء أهل البيت "ع" ـ والكلام كما نوّهت لا زال للتبريزي ـ جزء من اعتقادات الشيعة الأثني عشريّة [!!!]، وعلى منكرها الاستغفار كي تشمله الرحمة الإلهيّة، وينجو في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلّا من أتى الله بقلب سليم»([1]).

أقول: لنفترض إنّ المرحوم الميرزا جواد التبريزي كان حريصاً على المذهب وليس لدينا شكّ في ذلك، لكن هذه الطريقة من الأجوبة والتأجيج لا تخلّف علماً ولا معرفةً ولاديناً أيضاً، بل تُسهم ـ كما حصل ذلك فعلاً ـ في تأجيج الصراع المذهبي والطائفي، وشطرت المذهب الشيعي إلى فرق وأحزاب بين الافراط والتفريط في تسعينيّات القرن المنصرم لازلنا إلى هذه الّلحظة ندفع ثمنها... كان على الميرزا أن يتحلّى بالحكمة والتأنّي في أجوبة مثل هذه الاستفتاءات، ويربط قيمة مثل هذه المعتقدات بقيمة الدليل الذي يُقام عليها، ويوجّه أبناءه الذين قدّموا له الاستفتاء إلى الاستزادة بنور العلم والمعرفة وترك الانسياق خلف ضغوطات وكلاء المال وبطانة السوء من هنا وهناك، خصوصاً وإنّ المرحوم العسكري متخصّص في مثل هذه البحوث ذات الجذور التاريخيّة ومن حقّه إبداء نظره فيها، بخلاف المرحوم التبريزي الذي ربّما يعوم فيها على السطح.

  ...............................

([1])  استفتاء مخطوط لسماحته بالّلغة الفارسيّة نُشر في كتّيب "در سوگ فقيه وراسته"، ص124.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم