صحيفة المثقف

"احفظوها عني" لبلقيس الملحم.. هتاف شعري ضد عبودية المرأة

يستوقف نص بلقيس الملحم "احفظوها عني .. "القاريء لعدة اسباب ستأتي،فهذه من المرات المفرحة نقرأ في نص نسوي،يحتوي على مستويات متعدد من الجمال بدءا من مضمونه الشعري الذي ينطوي على جمالية شفيفة من بداىته الى نهايته بالرغم موضوعه المؤلم يليها جماليته اللغوية وجمالية البناء الذي يتداخل فيه الشعر مع السرد بطريقة يصعب التمييز بينهما انه نص يحتوي على طبقات متعددة من الجمال تتراوح بين اللغة والبناء و"المضمون" ووصفه بالنص غير كاف للتعبير عن هويته فنقول باختصار انه نص نثري!

جذور هذه الكتابة او هذا النوع من الكتابة ممتدة من الانشاء النقدي العربي القديم وخير مثال على ذلك مؤلف الباقلاني الضخم : "اعجاز القران" ينطوي على نصوص لم تكن بالاساس غاية المؤلف لكن اذا عزلناها عن الكتاب نجدها عبارة عن قصائد نثرية فائقة الدقة والجمال لغة وبناءا خاصة التي تتناول شعر امرؤ القيس بالنقد اللاذع وفيه تحامل غير مبرر على الشاعر امرؤ القيس . تتفوق على ما يصطلح عليه قصيدة النثر او الشعر النثري .ونجد امثلة مشابهة لدى النثر النقدي القديم لقدامة بن جعفر فيه تميز وجمالية خاصة تفوق جمالية الشعر النثري المعاصر بما لا يقاس، والمدهش ان تعقيدات التجنيس للفصل بين اجناس الكتابة لدى النقاد في عصرنا اشار اليها الباقلاني في كتابه "اعجاز القران" بينما يظن الكثيرون بانها من المعضلات النقدية المعاصرة وجدت مع كثرة وانتشار المدارس النقدية في الغرب منذ مطلع القرن الماضي او اوائل القرن العشرين . فكان الباقلاني يسمي كل ما هو غير موزون ب نثر مخصوص بجنسه، وهو ما تنحت على اساسه المصطلحات للتمييز بينها في وقتنا الحالي فنقول قصيدة نثرية او شعر نثري او سرد او نثر قصصي او رواية ونثر روائي..

يبدأ نص بلقيس الملحم بما يشبه الهتاف ليلفت النظر لموضوعه او ان شئت شعريته او مضمونه :

"قبل الشُّروع في الصلاة على أرواح وأجساد "السبايا" سأصف لكم الألم الذي تواطأ مع قلمي فقام بتطهيري من كل لوثة كونية. منحدرة في السهول وملوِّحة لصفائح الموت التي شوى عليها الظلاميون جثة النهر وشال العذراء وصرخة الحرية"..

هذه "نبرة" النص النثري الذي تتكرر فيه لازمة تجمع شتاته " يا لله" توحي بان كل ما يقوم به الظلاميون من عسف بامر منه! مع جمل رديفة تؤدي نفس المهام ك:اقولها لله" و "هل حان وقت الصلاة" و "يا الله". وهذه تقنية جميلة تضفي على النص وحدة تكاملية وتعمل كمنبهات صوتية تتخلل النص باكمله

وكادانة لما تلاقيه المرأة من عبودية في المجتمع باسم الدين ومن ممثليه زورا:

لا تتركهم أرجوك..

لا تتركهن في كمد

أشجارهن غدت صولجان أصفر

وتنُّورهن يفور بالماء!

كنَّ يتنفَّسن..

يغنِّين داخل بيوتهن المسيَّجة بالبرتقال

ينشرن مواعيدهن على حبل الانتظار

يحكمن تغطية القدور

ويتدفأن بأغاني الوطن المقهور.

يا الله

و :

كنَّ وحدهن.. حتى شمَّت السماء رائحة شواء أجسادهن

ومع ذلك تأخر المطر!

ومات الراعي من العطش

مات بزهرة تعثَّر بها نهاية الوادي!

يا الله

انه احتجاج على ما يفعله الظلاميون باسم الله وضد ارادته، تجتمع فيه هموم ومعاناة المرأة بشكل عام ويذهب الى الاحتجاج على السلطة التي هي اس البلاء ولولاها لما استطاعوا ان يعبثوا بحياة الناس ل

درجة حرمانهم من حقهم الطبيعي في الحياة التي وهبها الله لهم جميعا:

"استجمعت قواي. حرَّكت شفتي بنيَّة رفعتها للسماء. هي اللحظة التي شعرت فيها بعبوديتي لله، ذاتها أحالتني إلى شمعة خجلت من لهب "إذلالهن لعبوديتهم" فماعت وانتهى بكائي لكن النشيج استمر.. حتى جرى على لساني أسماء "السبايا" ..

نكاية بصمت الإنسان، وببقايا الشرانق المعلقة في الأشجار.

ببيوت العناكب التالفة وهدير الجدول في رأس الحياة

بقصائد الغزل المتفحِّمة وهي تنبش الرماد بحثا عن إصبع مجهولة

نكاية بالدموع التي يبست في صدري

فراحت تنقر باب الليل، تستجدي منه عتمة مخيفة أو وحشة خرساء أو سياطا تجحظ منها أنفاسي وتشهق..

اشبه بصرخة ضد الموت والسبي والعبودية التي ترتكب باسم الدين ضد "المرأة" بشكل خاص وضد الانسان والحياة،وادانة للسلطة المتواطئة مع القمع ايا كان مصدره طالما يؤكد وجودها واستمراريتها وطالما من الممكن ان يتحول الى اداة من ادواتها الكثيرة في قمع المرأة والمجتمع . ولكن بتفائل عنيد يتجاوز الاستسلام او القبول بالامر الواقع :

احفظ عنَّا

كل وردة

وقبلة

وصبر

ومناصرة

وانحناء للمرأة – مسلوبة الحقوق –

احفظها عن ظهر حق في وجه الباطل:

بأن الإشراق والنهوض من سيكونا درب الإنسان القادم

وسيكون بالتأكيد للمرأة الدور الاساسي بتغيير واقعها الذي وجدت نفسها فيه فالاستسلام للامر الواقع غير وارد في النص بل تعبر عنه بشاعرية متفائلة في المستقبل واشراقه وتؤكد ذلك ::

"نحن هنا لرفع الغبن والجور والعبوديّة عن جسد المرأة وروحها المتمثل في "السبي" و "الأسر في زمن العبودية المعاصرة" الذي اقترفته بعض الجماعات التكفيرية".

باسم الدين طبعا لتكون ضحية اضطهاد عرفي وديني وفق سلسلة من السلطات القامعة للمرأة والمجتمع والحريات العامة .

النص يقف ضد السلطة ولكن اي سلطة انها السلطة القامعة فيبرأ السلطة " الالهية" لانها لا تريد الشر بالناس والمجتمع، انه ضد السلطة الدنيوية القامعة باسمه،التي تستغل الدين لتسويغ الاضطهاد والقمع ضد المرأة وضد المحتجين في المجتمع عموما القمع اوالاضطهاد الذي لا يمت الى الدين الحنيف بصلة من قريب او بعيد .او كما تقول الشاعرة : "احفظها عن ظهر حق في وجه الباطل" .

ونتيجة لهذا العسف فالمرأة مطالبة ببذل المزيد من الجهود للتخلص من وصاية وعسف الرجل، مرة باسم الدين بتحريف مقولاته ومرة باسم المجتمع الذكوري الذي ينظر الى المرأة كموضوع جنسي لا غير .

قيس العذاري

.........................

سيتعمق فهمنا ااكثر للنص مع الاشارة الى انه كتب بمناسبة عيد المرأة في شهر اذار، والوقوف على معناة المرأة في الجزيرة العربية وما تعانية من اضطهاد وتمييز ومصادرة لابسط الحقوق الانسانية للمرأة .

وهج الانوثة  في قصائد "ليلى حتى الرمق الاخير" للشاعرة سوزان عون

قيس العذاري

هل يمكن ان نقول في قصائد “ليلى حتى الرمق الاخير” لسوزان عون بانها تجسيد غير موارب للانوثة، قد يكون في هذه العبارة او التوصيف بعض الاختصار لما لا يختصر،لان القصائد عبارة عن تجسيد شعري لحالة المرأة بهويتها الانثوية مقابل الرجل، المرأة المتمسكة بانوثتها كأمرأة ذات كيان مستقل .

سوزان عون احس امرأة تفيض شعرا،دون ان ينتابها الوهن او الضعف بثقة مفرطة بقدرتها على تحويل العادي والمكرر والمألوف والطبيعي في الحياة الى شعر مؤثر له سماته المميزة كقصيدة النثر او القصائد النثرية، تقف على النقيض من اميلي دنكسن التي دفعها احساسها المفرط بانوثتها الى التقوقع والعزلة ووجدت في الطبيعة ما يعوض او يلغي تلك العزلة واتهمت بالانانية لكنها كانت في عزلة خارج تلك الضوضاء التي تثيرها حياتها الشخصية وعزلتها عن الحياة اليومية العادية، عكس سوزان عون المحتفلة دائما بنصوصها وشعرها بالحياة والطبيعة التي تمثل عنفوان المرأة وخصوبتها او انها جزء من الطبيعة وخصوبتها :

مواسم الأرض نمَتْ من خطوط كفي

التي عجزتَ أن تقرأها

طالت جذور صوتي

سيصلك جرح أغانيه مع حلول الشتاء البعيد

عكس اميلي دنكسن التي تتخذ من الطبيعة ما يشبه الملاذ للخفيف من وحدتها وتدرك بحسها بانها الاقرب اليها كأمرأة تعاني من الوحدة ومكابدات الشعر حتى تبدو اشعارها كانها قادمة من اغوار بعيدة في الطبيعة تؤنسنها في وحدتها وتحولها الى قصائد غاية في الجمال بصوت خافت يهمس شعرا :

ليالي التوحش يا ليالي التوحش

حيث كنت معك

وعلى الليالي القاسية ان تكون

نعيمنا الريح لا جدوى منها

لقلب في الجانب الايسر

حدد له بالبوصلة

ثبت على الخريطة

تجديف في جنات عدن

اه! يابحر

هل ممكن ان ارسو

الليلة هناك!

او:

“اللحن في الشجرة”،

يقول المتشكك

فاجيب :

“لا ياسيدي، انه بداخلك”

الوحدة دائما ما تؤدي الى الضجر والملل، تحاول دنكسن ان تبددهما بين الطبيعة التي تمنحها فرصة لرؤية نفسها كامرأة والشعر المتوحد بالطبيعة حين تمنحها احاسيسها ومشاعرها الحقيقية، فتشعر بالدعة والامان اكثر مما لو اندمجت او سايرت صخب الحياة اليومية من حولها، بينما نجد العكس لدى سوزان عون :

بدون أصباغ زائفة لوجهي اليتيم

لا يقلقني الغد

ولا تلك المسافات الفارهة;

التي بيني وبين المستقر

لا أضجر ولا أايأس

ففانوس الحلم في يدي

وسندباد رحلتي لم يقلع بقاربي بعد .

والمقارنة هذه ان صحت ان نسميها مقارنة لا تتعلق بالشعرية او بتشابه عوالم الشاعرتين وانما بالطريقة المختلفة للجوء المرأة الى الطبيعة، وتعلقها بها باعتبارها الاقرب الى كيانها كأمرأة، رغم ان ذلك لا يعني ان المرأة الوخيدة التي اتخذت من الطبيعة وسيلة للتعبير عن كيانها ووجودها في الشعر او التعبير عنها بوسائل اخرى كالفنون التشكيلية والكتابات الادبية والابداعية .. وفي فن الرسم على الخصوص .

قيس العذاري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم