صحيفة المثقف

البورد الألماني مؤسسة تستحق الإجلال والإحترام

raed alhashimiتعاني أغلب بلداننا العربية من ضعف الإهتمام بالكفائات العلمية وإهمال مجالات تنمية الموارد البشرية واحتضان الكفائات العلمية بالرغم من اهتمام الدول المتقدمة بهذه الأمور ويعتبروها من الأولويات في رقي المجتمعات لذا نلاحظ وجود آلاف الأكاديميات والمعاهد المتخصصة في أوروبا في مجال التدريب والتأهيل لجوانب تنمية الموارد البشرية لإعداد قادة للمجتمع في كافة التخصصات, وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع الهام هو اطلاعي على تجربة راقية وناجحة وتستحق الاحترام وتسليط الضوء عليها وبطلها شاب عربي طموح من سوريا وهو (الدكتور رامي هنيدي) عانى حاله حال أبناء شعبه من حرب ضروس ظالمة أحرقت الأخضر واليابس في بلده فاضطرته قسوة الحرب لمغادرة بلده الحبيب الى تركيا وكانت طموحاته العلمية تتقد في نفسه وعقله فأصرّ على مواصلة المشوار في الغربة فعمل في جانب التنمية البشرية الذي يعشقه ونجح في تأسيس الأكاديمية العلمية للتنمية البشرية في تركيا مع مجموعة من مدربين عرب ودفعه حسّه الوطني العالي وشعوره بمعاناة إخوانه المهجرين لمساندتهم فقام بتخصيص جزء كبير من أمواله لدعم المهجرين السوريين وقدم لهم مساعدات متنوعة,وعند بدء الأزمة العراقية قام بتخصيص مقاعد  للمهجرين العراقيين في أكاديميته وبشكل مجاني ليساعدهم في عالم الغربة وتم اعدادهم بالمجالات العلمية والمهنية المختلفة وقام بافتتاح عدد كبير من الفروع للاكاديمية تختص بتعليم المهن اليدوية لكي يتمكنوا من تأمين حياتهم والاندماج مع المجتمعات الجديدة التي هاجروا اليها.

ولم يكتفي الدكتور رامي وفريق عمله بهذا فقام بتقديم مساعدات انسانية للمهجرين المحتاجين وشملت توزيع الطعام والملابس وقام بوضع خطة لتعليم العرب اللغة التركية لغرض تمكينهم من الاندماج مع المجتمع التركي اضافة الى فتح دورات لطلاب الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي.

وفي العام 2014  قام بتأسيس المجلس العلمي وتوسيع المجلس الاداري وتأسيس مركز للبحوث والدراسات لمواكبة آخر التطورات بالعلوم المختلفة بتركيا وبالفعل حقق انشاء المجلس العلمي نجاحاً كبيراً بمعرفة آخر التطورات والمستلزمات ووضع الدراسات اضافة الى ذلك حققت الاكاديمية حلم لكثير من الفقراء بايجاد فرصة للاندماج وتم تكريم عدد كبير منهم باحتفالات رسمية وشعبية. وقام المجلس العلمي بخطوة هامة جداً بتبني 312 متدرب شاب في مقتبل العمر لتأهيلهم لقيادة المجتمع ضمن خطة وضعها المجلسين الاداري والعلمي وتشمل تدريبهم لمدة 10 سنوات كقادة صغار لادارة شؤون بلادهم فيما بعد وهذه الخطوة كبيرة وبعيدة الأفق ولم تقم بها أي من حكوماتنا العربية. وفي عام 2015 غادر بطل قصتنا الدكتور رامي الى المانيا حيث حصل على وظيفة كرئيس تنفيذي لأكاديمية راين بيرغ التي كانت تهتم بشؤون اللاجئين حيث استفاد من عمله الجديد في زيادة الخبرات العلمية وقام بوضع دراسة لدمج اللاجئين بالمجتمع الالماني ضمن خطة تعليمية متسلسلة ولاقت القبول الكبير في الأوساط الألمانية, وبعدها أقدم على إنشاء مشروعه الخاص مع مجموعة من الشركاء العرب وهو (البورد الألماني للتدريب والاستشارات) وهو منظمة علمية متخصصة بعلوم التنمية البشرية والمستدامة ومرخصة بالاتحاد الأوروبي بألمانيا كمركز تدريب واستشارات ومسجل بشكل رسمي في كافة الدوائر الحكومية ألمختصة , والذي دمج به التدريب بالتعليم وطوّر من نظام الاوسبلدونغ المتبع بألمانيا ودمجه بالمدرسة التمثيلية الواقعية التي أسسها اثناء وجوده بتركيا  حيث وجد مشروعه صدى بنفوس أصحاب الطبقات المتوسطة والفقيرة وحتى بين من يبحث عن العلم الحقيقي بالتنمية البشرية من خلال ما وضعه من شروط و قيود لاعادة التوازن لهذا العلم من خلال تحويل  المحاضرات  النظرية الى محاضرات يتم تجسيدها بشكل عملي على أرض الواقع , ويتم اعتماد معايير دولية ينفرد بها البورد بهذا المجال وهذا ما ميزه عن غيره من المؤسسات العاملة بمجال التدريب والاستشارات بحيث ترى إدارة البورد ان التدريب هو الأساس الذي يجب ان يتم التركيز عليه لنهوض المجتمعات وبالأخص المجتمعات العربية واعادة مكانة علم التنمية البشرية الى سابق عهده بعد ان تم تشويه هذا العلم من خلال منح العضويات والشهادات من قبل منظمات وأكاديميات وهمية انتشرت بشكل كبير وهدفها جمع الأموال بطرق غير مشروعة ومعظمها غير مسجلة بشكل رسمي في الدول المقامة فيها.

ركز البورد الألماني منذ تأسيسه على قاعدة مهمة وهي ان (بناء الانسان يجب ان يكون قبل بناء الأوطان) من خلال زرع القيم والمثل العليا والمهارات المختلفة لكل فرد بما يتوافق مع ميوله بالدرجة الاولى ومن ثم تخصصه حيث يشترط البورد لذلك ان يكون من يرغب في المشاركة بالعملية التدريبية أشخاص يحملون مؤهلات تمكنهم من النجاح بالسير نحوهدف موحد ورؤية ثابتة بما في ذلك ان يكون المتقدم لعضوية البورد الألماني من ذوي حملة الشهادات الاكاديمية اضافة الى خبرته المهنية في هذا المجال بحيث يستطيع العضو ان يوازن بين الواقع الملموس والواقع المأمول  ولقد وضعت هذه السياسة بتعاون مع عدد من الخبراء العرب والالمان, ويرى البورد انه لامجال لنهوض الدول العربية والتحاقها بركب الحضارة الغربية التي أصبحت متقدمة بعد ان كان العرب هم أساس العلوم ومنفذها الرئيسي للعالم الا بتوحيد الجهود بين كافة المؤسسات العاملة بهذا المجال العربية منها والاجنبية  لنهوض الدول التي تعاني من أزمات انسانية واقتصادية واجتماعية مختلفة والدليل الذي يستند عليه البورد تجربة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية بعد ان دُمرّّت ألمانيا كلياً وفقدت كل امكانياتها وبعدها نهضت بقوة بفضل اعتماد نظام التعليم المهني ألمسمّى بالاوسبلدونغ واستطاعت خلال سنوات ان تصبح من الدول الاقتصادية وذات الثقل الدولي وكذلك تجربة سنغافورة التي تمكنت بفترة قياسية بالتحول من دولة فقيرة الى أرقى دول العالم وتصنف بالمرتبة الاولى مع المانيا للعام 2017.

من الخطوات المهمة التي تستحق التقدير والاحترام قيام البورد الالماني بتقديم منح مجانية للمتدربين من ذوي الدخل المحدود ومنها ألمنحة ألمجانية لعام 2017 والتي تم إطلاقها 

مؤخراً وشملت 3300 متدرب من 41 دولة اوروبية وعربية وكانت شروطها أن يكون المتدرب من ذوي الدخل المحدود ولايمتلك المال الكافي لدفع رسوم الدورة وله الرغبة والقدرة على التعلم والتطور وأن يتمكن من النجاح في اختبارات الدورة العلمية وبعدها يحصل على شهادة معترف بها عالمياً تمكنه من العمل وتطوير قدراته العلمية والذاتية, وكذلك قام البورد خلال سنوات عمله من فتح اكثر من 500 دورة مجانية خصصت للمهجرين السوريين والعراقيين بشكل حصري وتم فتح عدد من  المراكز المهنية التي تتبع للأكاديمية لتدريب السيدات والفتيات الذين يعيشون بدون معيل لتدريبهم على بعض المهن ومنها فن التجميل وغيرها لتتمكن المراة من تأمين احتياجاتها بدون ان تكون عبئ على أحد’ والخطوة الانسانية الهامة هي قيام إدارة البورد الألماني بتخصيص 50% من ايراداته المتحققة للمساعدات الانسانية يتم تقديمها للمهجرين والنازحين والعوائل المحتاجة وكل هذه الأعمال الانسانية موثقة بالمستندات والصور.

مادفعني للكتابة عن هذا الصرح العلمي والانساني الكبير هو اطلاعي مصادفة على هذه التجربة الناجحة التي مزجت بين الطموح الجميل والتفوق والبحث العلمي والانسانية في أجمل صورها وكلي أمل بأن يطلع عليها شبابنا العربي ليأخذوا منها العبر وليجعلوا هذا الشاب العربي الأصيل صاحب التجربة قدوة لهم في حياتهم للمساهمة في إعادة بناء أوطانهم ألتي دمرتها الحروب والإرهاب الذي يحاول أن يطمس كل جذوة للإبداع والتألق في نفوس شبابنا العربي.

 

د.رائد الهاشمي

سفير ألنوايا ألحسنة..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم