صحيفة المثقف

تطبيقات حول فكرة "المتن والهامش"

خالد جودة احمدللناقد "د. أحمد يحيى علي" تعبيره اللطيف حول قضية (المتن / الهامش) قائلًا: "حياتنا مثل صفحة كتاب ... في هذه الصفحة تجد تقسيمًا لها –في الغالب- إلي متن وهامش".ويستعرض خصائص كل نوع منهما وارتباطهما ببعضهما البعض، يقول "بتصرف": "هذا الهامش كما هو معلوم أسفل الصفحة وبخط أصغر من خط المتن، حتي يتسني للعين القارئة أن تركز عدستها الرائية علي المتن أكثر (..) هكذا الحياة وما فيها من بشر تنقسم إلي أناس يعيشون في دائرة الضوء ينعمون بالاستقرار والنعيم والراحة، وإلي جوارهم في الصفحة نفسها مجموعة أخرى تم إقصائها ليسكنوا في منطقة الهامش، لا ينظر إليهم ولا يعبأ بهم كثيرًا". ويتابع في تصوره الطريف الموجع في تفسير هذه الملحمة المأساوية، وهذا الإقصاء والتوحش، يقول: "ولعل السر في هذا الحال السلبي يعود –بدرجة كبيرة- إلي هذا الخط السميك الذي يفصل بين المنطقتين داخل الصفحة .. إنه خط مأساوي شديد القسوة يكتم صوت الصرخات ونداءات الاستغاثة الصادرة عن هؤلاء المهمشين ويحجب رؤيتهم".

والهامش تتقزم أحلامه وتتلاشي -إذا وجدت له أحلام في الأساس- لهذا أتي التحديث في الأدب المعاصر بفكرة "أدب الهامش"، وهو في حقيقته رؤية مغايرة يجعل من هذا الهامش الإجتماعي المتن الإبداعي ذاته، بتوجيه الضوء إلي هذه الطبقة المسجونة تحت الخط الغليظ أسفل الصفحة، أو بتعبير الناقد عن الفن: "الذي يحاول أن يدغدغ هذا الخط الفاصل الذي يحجب رؤية البعض لهم، يعبر عنهم في تحقيق فني". ونأتي لتطبيقات حول المفهوم:

- ان الفكر العربي في التأليف في العهد الزاهر ساوى بين المتن وما يستتبعه بطريقة "قول علي قول"، أو مفهوم اراه في المجايلة البناءة، حيث يبني اللاحق علي النتائج المحققة بواسطة الجيل السابق له (نفي فكرة الجيل يتيم الأساتذة)، فكانت الحاشية علي المتن، وتحققت المساواة بين "المتن" الذي مثل الأصل المقدر وموضع المراجعة والتفسير، وبين "حاشية" تأخذ المتن لرحاب تثمير جديد.

- وفي تطبيق آخر نجد تحرير مفهومي: "التعددية الثقافية" و "التنوع الثقافي"، فصفحة الحياة تشمل مجتمعات متباينة لها سماتها وحياتها الخاصة، وهذه التعددية الثقافية في إطار كون الثقافة طريقة فهم للحياة تؤثر في منتوجات هذه الحياة في جميع المجالات في الوقت نفسه. لكن تلك التعددية قاصرة في ذاتها إذا لم يتم تطويرها لتحقق التنوع الثقافي، والمفهوم الأخير في حقيقته هو تعددية ثقافية منضبطة تنفي الإقصاء والتهميش. ونستعين في إيضاح الفكرة بنموذج "الشللية الضارة" في شتي مناحي الحياة، أو فكرة "الأقليات المتساندة"، وهي أقليات لأنها متلاشية متآكلة كقطعة ثلج ذائبة، لا تجتذب أحدا وبلا قيمة، بداية لأنها تستعلي علي الآخر لمجرد أن له رأيًا مختلفًا، وتحاول الطعن بكل السبل في أصالته، والتدنية من شأنه، وتشويهه، وبث ترويج إعلامي يطلق عواصف الغبار والدخان حول منجزه، وتبتكر المبررات الخاصة بها والمخدرة حتي لا تقف هذه الفئة أمام ذاتها العارية من دعاوي إنصافها للآخر، وقشرة ثقافتها التي تغلف قلب مر وضمير أسود.

- وتطبيق آخر حول أن الوسائط التكنولوجية الحديثة كسرت الخط الغليظ الفاصل بين المتن الثقافي المستعلي والمهيمن علي منابر المعرفة والنشر والإعلام، وبين هامش ثقافي يحاول أن يبزغ فجره من أسفل الفاصل الغليظ، هذا رغم آفة الوسيط في شأن حفظ الملكية الفكرية، وهل من شيء ليس له آفة، ولكن السكوت أشد من آفة البوح.

- التطبيق الرابع من رحاب الحراك في صفحة الحياة، أن بعضًا من سكان الهامش قد يتسربون للمتن، كنبات كريم –لا يذبح مبادئه- يجتهد ليؤسس ذاته، ويحقق معني تنمية الحياة، فتسعي "الصفوة" إلي سحق هؤلاء المتسللين، وإعادتهم مرة أخرى للهامش دون الخط الثقيل، من خلال فعل سلبي يحمل رسالة مضمرة تقول لا تنسوا أنكم متسربين وأن دوركم فقط يقتصر أن تكونوا جمهورًا للمتن يسبح بمزاياه، ومرجعًا دالًا عليه، فلستم بشعب في أي سياق للتاريخ أو الصفحة.

- التطبيق الخامس وجدته في رحاب نصوص من أدب الخيال العلمي، حيث يتجسد الخط الفاصل الغليظ ليشكل أسوارًا في المستقبل طبقًا لخيال كتاب هذا النوع الأدبي، بحيث أصبح ظاهرة مستقرة، ومنها روايات "يوتوبيا" للراحل "د. أحمد خالد توفيق"، ورواية "مدن السور" للروائية "هاله البدري"، ورواية "ملاذ – مدينة البعث" للروائي الشاب "أحمد المهدي"، ورواية "2063" للروائي الشاب "معتز حسانين".

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم