صحيفة المثقف

ابتهالات الحاج والكوندي لوكانور للمترجم والروائي عبد الهادي سعدون

876 عبدالهادي سعدونقرأت في الايام الاخيرة كتابين مترجمين من الاسبانية الى العربية للدكتور عبد الهادي سعدون وهما – ابتهالات الحاج – و– الكوندي لوكانور - وعبد الهادي عراقي مقيم في اسبانيا منذ مطلع التسعينات ويعتبر من القامات الثقافية العربية الساطعة في مجال التأليف والترجمة في اسبانيا، وهو نشط ومبدع ويتسابق في عمله مع الزمن، وهو ايضا كهف حصين في ثقافته وجذوره العربية ، وكذلك رحالة يقيم المحاضرات هنا وهناك باللغتين الاسبانية والعربية وقد قامت عدت دور للنشر عربية واسبانية بطبع ونشر مؤلفاته وحاز على الكثير من الجوائز التقديرية في اسبانيا وخارجها منها جائزة الابداع الادبي الشعري جائزة انطونيو ما تشادو العالمية عام 2009 عن ديوانه الشعري – دائما – وهو مدير دار نشر الفالفا للاصدارات الادبية الاسبانية وعضو جمعية المتاسبنين الدولية AHI.. .. والقارئ الى ترجماته يجد قوة في النص واللغة وتماسك وحبكة في سياقها ومعانيها وبنائها الفني بحيث تشعرك ان المترجم استاذ وصاحب خبرة وتجربة عميقة ومسيطر على اللغة فلا تفوته شاردة او واردة، ولهذا فان ترجماته الى العربية فيها عذوبة غنائية ورومانسية جذابة وطروبة ...

ابتهالات الحاج

كتاب ابتهالات الحاج هي عبارة عن قصيدة طويلة لرحالة موريسكي مسلم الى مكة المكرمة مكتوبة بلغة يطلق عليها اسم - الالخميادية – اي الاعجمية ويمكن من خلالها معرف تدني مستوى آداب الرحاله في ذلك الوقت بعدما خسر المسلمون دولتهم واصبحوا في تخفي ومطاردة من قبل محاكم التفتيش و رحمة الدولة الكاتوليكية . هؤلاء المسلمون اظطرهم الواقع المزري في ذلك الوقت لاختراع كتابة لا يفهمها احد الا هم، يكتبون فيها آدابهم وتفاسيرهم وفقههم وعلومهم وغيرها وهي عبارة عن لغة اسبانية تكتب بحروف عربية. .. وقد اشارة احد الروائيين الاسبان المعاصرين وهو خوان غويستولوا بان على الادباء والدارسين ان يهتموا بهذا اللون من الآداب لانها جزءا لا يتجزءا من الآداب الاسبانية ..

ابتهالات الحاج لا يعرف مؤلفها وهي مجهولة كتبها احد الموريسكيين من منطقة اراغون من مدينة موريسكية تسمى- بوي مونثون- في نهاية القرن السادس عشر او بداية القرن السابع عشر بعض الدارسين للرحلة يضعون تاريخ احتمالي لعام 1603 قبل قانون الطرد الذي شرع عام 1609 من قبل الملك النمساوي فيليب الثالث والذي احدث صاعقة مأساوية للمجتمع الاسباني ... وقد خرج الحاج من بلدتهي على تخفي وحذر وابحر من مدينة بلنسية الى شواطئ شمال افريقيا ومدنها حتى وصوله الى مكة المكرمة ثم عاد الى مدينته من نفس الطريق .. وفي اناشيده او قصيدته يصف لنا رحلته بالتفاصيل عن ما شاهده من المدن الاسلامية والمجتمعات العربية وتقاليدها وعاداتها وما عاناه خلال ابحاره ومخاطر البحر... وتعد هذه الرحلة وثيقة حية لذلك الزمان . مثل رحلة ابن جبير 1145-1217 ورحلة ابو حامد الغرناطي 1080-1169 وغيرهم

876 2

اكتشاف اللغة الالخميادية:

في عام 1884 كان هناك عدد من العمال يقومون بتهديم بيوت عتيقة تعود الى ازمنة سحيقة في قرية- الموناثيد دي لا سيرا- من مدينة سرقسطة حيث كانوا يهمون بنقل حجارتها لبناء بيوت جديدة، وفي هذه الاثناء انهار جدار وسطي متكون من جدارين متلاصقين وقد وجدوا بينهما كما هائلا من المخطوطة القديمة وقد عمد اصحابها دفنها بين جدارين خوفا من اكتشافها من قبل محاكم التفتيش ... هذه الكتب تعرضت للرمي مع الانقاض وبعضها مزقه الاولاد .. وفي الاثناء كان هناك راهبا مارا فشاهد ذلك المشهد فقرر شراء الكتب من العمال مما حدى بهم الى الانتباه الى قيمتها التاريخية فاخذوا يبحثون اكثر عنها فوجدوا كميات اخرى من المخطوطات .. ولما علم بعض المهتمين بالتاريخ في سرقسطة توجه الى المكان واشترى كل ما وجد من مخطوطات وبعد حوالي 27 عاما من الدراسة والتدقيق لها استطاعوا من معرفة قرائتها وحل رموزها وهذه الكتب مكتوبة باللغة الالخميادية الموريسكية . وربما لازالت لحد اليوم هناك كنوز علمية وثقافية تعود للموريسكيين مخفية بين البيوت القديمة .

الكوندي لوكانور:

يعود الكتاب الى الامير دون خوان مانويل وهو يتضمن مجموعة من الحكايات والمواعظ الشعبية والامثال والتي جمعها وصاغها وانتهى من كتابتها عام 1335 م وبطلي هذه الحكايات هما الكونت لوكانور ومستشاره باترونيو والكتاب يتألف من خمسة اجزاء . علما ان الامير قضى ردحا من الزمن مع العرب المسلمين لقضايا شخصية ضد الممالك النصرانية وتعلم الثقافة العربية وتشبع بها و ربما حتى اللغة العربية ولكنه ما برح ان عاد الى اصله وانظم الى ابناء جلدته في الشمال ضد العرب .. ولد دون خوان في مدينة اسكالونا التابعة الى طليطلة عام 1282 وتوفى في قرطبة عام 1348 م ورغم انشغالاته السياسية الا انه كان اديبا بارعا وكان عاشقا للادب العربي ويرى ان اندحار العرب امام الكاثوليك ليس عيبا يحط من قدرهم فقد تركوا حضارة قامت عليها لاحقا الحضارة الاوربية .. وفي هذه الحكايات تأثيرات واضحة من كتاب كليلة ودمنة والف ليلة وليلة .. مثلا عندما قرأت بعض حكاياته وجدت واحد منها وهي . ان رجلا خرج مع ولده وخلفهما دابة فعندما مر عليه جمع من الناس قالوا كيف يسير الاثنان ولم يمتطي احدهما الدابة.. فامتطى الرجل الدابة، وعندما مر عليهما جمع آخر قالوا مسكين الشاب والده على الدابة وهو يسيرمتعبا، فنزل الرجل وركب الولد، فمر عليهما جمع آخر فلاموهما، فركب الاثنان على الدابة فمر ايضا عليهما جمع آخر وقالوا مسكينة الدابة كيف لهؤلاء ضمير ان يحملوها اكثر من طاقتها ... هذا اللون من الحكايات قرأتها في اكثر من الكتاب العربية ومنها قصص جحا ..

طبع هذا الكتاب لاول مرة في اشبيلية عام 1575 ثم اعيد طبعه عام 1642 وبالتالي فقد قراه كل كتاب القرن السابع عشر ثم طبع عدة مرات خلال القرن التاسع عشر وترجم الى اللغات الاخرى ولازال العمل حيا حيث اصبح تراثا حاضرا لما يحمل من قيم ثقافية وجمالية وانسانية ..

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم