صحيفة المثقف

الاحتلال وصناعة الفشل (١)

كاظم الموسويهذا عنوان كتاب من تأليف الدكتور گوران طالباني، وعنوانه الفرعي، اسرار وخفايا الحملة الأمريكية لإسقاط صدام، صدر اواخر عام 2018 عن الدار العربية للعلوم ناشرون اللبنانية، في جزأين في 966  صفحة من القطع الكبير. وهو عنوان ملفت للإنتباه، في معناه ودلالته، وفي دور مؤلفه، واضعه ومقدمه للناس بعد تجربة وممارسة أوصلته إليه. حيث لا يتفاجا القاريء بعد القراءة للكتاب، عرض التجربة، بما انتهى إليه مؤلفه، أو اشترك مع غيره في الوصول اليه، وصمة الإحتلال وصناعة فشل السياسة الأمريكية خصوصاً. إذ لا يختلف اليوم على وصمة الإحتلال، اسما وفعلا، ولكل من اوصل البلاد اليها، من مهد الطريق أو يسر السبيل أو أسهم في التخطيط والتنفيذ، وصولا إلى الصدمة/ الوصمة ومن ثم اكتشاف الفشل والخيبة وما أنتج بتأثيرها من دمار وخراب وضحايا، مازالت سباباتها مرفوعة تلعن وتطالب بالقصاص لها، لشعب ووطن.

وضع المؤلف في تقديمه مبررات اختياراته، وانشغالاته التي نقلته من اختصاصاته العلمية الطبية المتفوق بها إلى السياسة والعمل التنظيمي، رغم أنه ابن عائلة حزبية يسارية تاريخيا. ولخص الفصول التي ضمها في كتابه، شهادته. وسرد في تقديمه الأسباب التي أوصلته الى تسجيل هذه الصفحات للتاريخ. وفي الفصول الثلاث عشرة تفاصيل كثيرة عن تلك الفترة وما سبقها وصولا اليها، وعودة إلى ماض واستمرار الى حاضر أسهم بدور له فيه، اي انه حاول في هذه الصفحات تسجيل مرحلة تاريخية له فيها شهادته.

اختصر ما أورده في فصوله في المقدمة ايضا، إذ تناول في الفصل الاول التاريخ الحضاري العميق لبلاد الرافدين الذي كان مهد الحضارات البشرية الأولى والذي انبثق منه مقومات التقدم البشري اللاحق. وتناول في الفصل الثاني التاريخ العربي الإسلامي على العراق وبضمنه تأثير الدولة العثمانية في خمسة قرون كاملة. حيث "يعتقد المؤلف بضرورة سرد هذه الخلفيات الحضارية والتاريخية المهمة من أجل فهم الواقع العراقي ورؤية الأحداث العراقية من هذا المنظور المهم". وفي الفصل الثالث كتب عن إعادة تأسيس العراق الحديث بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية والتعقيدات التي رافقت الحدث وما تركته على العملية السياسية والدستورية في الدولة المتشكلة، "فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تشكل فيها الجيش قبل الدولة نفسها بثمانية أشهر". واستمر الفصل في الكتابة عن تعاقب الحكومات التي توالت على العراق حتى الغزو الاخير. أما الفصل الرابع فتناول الحروب التي أشعلها نظام صدام حسين والممارسات الاستبدادية والأسلحة الكيمياوية التي استخدمها في عمليات الانفال واستمرارها في قمع الانتفاضات الشعبية، في جنوب الوطن أو شماله. وتابع في الفصل الخامس "تعافي صدام ونظامه خلال السبعينيات بالرغم من جرائمه وشنه حربين كبيرتين على جيرانه", وتطرق إلى الأسباب الرئيسية لذلك بدءاً بعدم فاعلية قوى وأحزاب المعارضة العراقية وانقساماتها على نفسها وتبعيتها للقوى الإقليمية وميوعة المواقف الدولية. وسرد في الفصل السادس أحداث تشكيل المؤتمر الوطني العراقي وتشابك العلاقات في التسعينيات. وتطرق إلى "كيفية اقتصار علاقات أحزاب المعارضة بالأجهزة الاستخباراتية لمختلف الدول واعتماد صيغة العلاقات السرية"،

واحداث الحرب الكردية الداخلية وشرذمة العمل العراقي المعارض. مستخدما مصطلح احتلال في استنتاجه، " التي أدت إلى احتلال اربيل والانحسار شبه الكامل للمعارضة واشتداد أزمة الثقة بين القوى العراقية".  وشرح الفصل السابع حالة الإنهيار والإحباط شبه الكامل التي هيمنت على القضية العراقية بعد الانتكاسات والاخفاقات التي نكبت بها في منتصف التسعينيات. وواصل شرح نشاط مجموعة صغيرة من العراقيين لإحياء العمل المعارض على أسس ومقومات جديدة. وهي المجموعة التي عمل المؤلف ضمنها وسماها بمجموعة المؤتمر ودورها في ترك العمل السري الى علنية العلاقات مع أصحاب القرار في المؤسسات الأمريكية.

أما الفصل الثامن فتناول صعود الحزب الجمهوري الى الحكم في الولايات المتحدة، و"استلام بعض الشخصيات المهمة التي كانت قريبة جدا من مجموعة المؤتمر، (حيث قامت المجموعة بمعاونتها في رسم سياسات الحزب تجاه القضية العراقية)." واسهب الفصل التاسع في شرح تطورات الأحداث خلال السنة التي سبقت الحرب، كما يسميها المؤلف، على الأصعدة المختلفة.  أمريكيا حول الصراع بين الدوائر التي لها خططها في التغيير والتحولات، وعراقيا داخل اوضاع المعارضة والنظام. وهو ما ذكره الفصل العاشر، في تفاصيل الأحداث في الأيام الأخيرة قبل الحرب، وما دار بين معسكرين في القرار السياسي، وسير العمليات العسكرية عموما، ومواقف بعض الأحزاب العراقية من التطورات والمستجدات. وتناول الفصل الحادي عشر ما سماه المؤلف، العراق " المحرر" المحتل من قبل سلطة التحالف، وظهور بوادر هيمنة المجموعة الأمريكية المعارضة لاستلام العراقيين السلطة في المرحلة الانتقالية، وتحويل "عملية التحرير (التي أعلنها الرئيس الأمريكي في بداية العمليات الحربية) إلى عملية احتلال ليعيد الامريكان بذلك الخطأ نفسه الذي ارتكبته بريطانيا قبل ثمانين عاما، واعتبرها المؤلف النقطة الحاسمة في فشل المشروع الأمريكي.

في الفصل الثاني عشر شرح المؤلف الدور الرئيس للحاكم الأمريكي بول بريمر في "صناعة الفشل وقراراته الاعتباطية وفشله في كل شيء ابتداء من معالجة الوضع الأمني واستئناف الخدمات العامة ودوره في تعثر وتشويه العملية السياسية من جهة وانتهاء باستخفافه بالأحزاب السياسية وقادتها". وتناول تأسيس مجلس الحكم وتفاصيل أعماله. بينما تناول الفصل الثالث عشر حيثيات وتفاصيل انتقال السلطة إلى العراقيين بأمر من واشنطن فرض على بريمر، وتعيين مندوب امريكي لتسريع النقل ومراقبة بريمر، وكذلك ممثل للأمين العام للأمم المتحدة. كما تطرق إلى "بعض الأحداث كاعتقال صدام والهجوم على الفلوجة ومحاولة اعتقال مقتدى الصدر، وعرقلة التحقيق في برنامج النفط مقابل الغذاء وفضيحة ابو غريب "، وانتهى الفصل بخروج بريمر من العراق، " الذي برع في صناعة فشل المشروع الأمريكي في العراق".

ووعد المؤلف بوثائق مهمة وصور لم يتمكن من نشرها بسبب حجم الكتاب، إلى إصدارها منفصلة لإكمال الصورة وتوثيقها.  وختم بعد هذه الصفحات بأن كتابه محاولة "لعرض الأحداث والحقائق الكاملة"، ومنها " الأسباب الحقيقية لفشل المشروع الذي كان مؤملا أن يكون البداية لبناء العراق الجديد وهي أسباب معقدة ومتداخلة ناشئة من قرارات أمريكية قاتلة من جهة ومن مواقف غير صائبة واخفاقات كبيرة من القيادة العراقية التي فشلت في فهم الواقع السياسي الأمريكي والدولي".

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم