صحيفة المثقف

المسؤولية الوطنية والوعي الوظيفي

رائد عبيسلا يختلف عراقيان حول إشكالية إدارة الدولة للحياة العامة في العراق مؤسساتياً، هذه الإشكاليات تفاقمت وبشكل تراكمي طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة، وها نحن على مشارف مئويتها، لا نجد ما يختلف فيها سوى مستويات التراجع لا التقدم، هذا النكوص القهقري خلّف في وعي الأجيال ألما مضاعفاً، لسوء حال العراق وأهله، سواء منهم في الداخل أم في الخارج، فهم شركاء الهموم الوطنية بين ألم خراب الواقع فعلاً، وبين توقعاته وخيبات الأمل، الذي ترك انعطافة سايكولوجية خطيرة في نفوس الناس في العراق، لم يتجاوزها سوى القلة القليلة جداً من أصحاب الوعي، وهذه الانعطافة أصبحت وجداناً عاماً، وضميراً جمعياً، كونت الاغتراب الانتمائي، الاغتراب الذي عبر عنه بين تنكر، وعدم رضا، وبين اللا قناعة، أو تذمر، أو سخط، أو استياء، أو الهجرة، أو الانعزالية، أو حتى الانتقام، وعدم الموالاة، وغيرها من مظاهر انعدام الحس الوطني، وصور اغترابه الذي أصبح شعور عام عند شرائح كبيرة من أبناء هذا البلد. هذا الشعور سبب عدم الاحساس بالمسؤولية إزاء كثير من الوقائع والحقائق التي تحتاج إلى رأي، وفكر، واهتمام وعمل، هذه الحاجة غير مكتملة عند مواطنينا، ولا نجد الاستعداد الذاتي لها عند أغلبهم، ولا طموح لهم برغبة التغيير نحو آليات فاعلة، لتحسين واقعهم العملي ومتطلباته التي تنعكس إيجابا على طبيعة الحياة في العراق. فبين التمرد على قانون المسؤولية وبين الاستجابة إليه نعيش أزمة أخلاقية واضحة، نعاني منها يومياً يعبر بها الموظف عن استيائه، وتمرده، وخروجه عن دائرة عمل يحكمها الروتين إلى فضاء وهمه وإدراكه معا لواقع الحالة العامة، وعدم الإنصاف في كثير من تفاصيل حقوقهم، أو أنه شعور عام يظهر مخلفات الواقع العراقي برمته على طبيعة العمل الإداري، وهذا أمر حاصل ومتحقق، ومشعور، ومأسوف عليه، إذ نجد قلة الدافعية الأخلاقية تقابل قلة الدافعية الإنتاجية، وضعف الدافعية الآلية في العمل وإمكاناته، فضلاً عن قلة الدافعية المادية التي لها أن تعزز من عمق انتماء الموظف إلى مؤسسته. فشعور عدم المسؤولية أو التظاهر بها، يخلف خراب مؤسساتي غير مباشر، وغير منظور على المدى القريب، تتضح تبعاته بعد أن تحدث الأزمات وتستحيل المعالجات. وسبب ذلك هو التماهي مع الحالة العامة في البلد، حالة الضعف، وعدم الشعور بالمسؤولية، والفساد المؤسساتي، والرشاوى، والوساطة، والتدخل الحزبي، وغيرها من عوامل إضعاف مؤسسات الدولة بشكل عام. فالعوامل الثلاثة وهي الاغتراب الوطني، وعدم الشعور بالمسؤولية أخلاقياً، والتماهي مع الضعف العام، بددت قضايانا الرئيسة وأضعفت قرارنا الوطني داخلياً وخارجياً.

 

الدكتور رائد عبيس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم