صحيفة المثقف

غليان يبدأ من سوق الوثبة

صحيفة المثقفقلت لقاسم الشقة باردة، قام وفتح باب الغرفة وهو يضحك!.

 ليست شقة في الحقيقة، غرفة وممر يؤدي الى المرافق والحمام. عدنا توا من ساحة التحرير بصخبها وهتافاتها وحركة النحل بها كأن الاقدار رتبت تلك اللوحة ورسمتها لتبقى خالدة تثير الدهشة لمن يتأمل فيها من اي زاوية او مكان حول الساحة. قلت له ساعود الى ساحة الوثبة.

 فتح شباك الغرفة فهب الهواء البارد في الغرفة. هممت ان اغادر فقال "وين". قلت له الى ساحة الوثبة.

كانت ساحة الوثبة هادئة، ولكنها متحفزة لا تحتاج سوى الى هتاف او هتافين لتشتعل. فقال انتظر. اخرج اغطية جديدة وهو يقول تظن انني من سكان الاسكيمو، نثر الاغطية في الغرفة قال والان. قلت له ما ان رايت الاغطية شعرت بالدفء ولكنني سأعود الى الساحة.

تطل الشقة على منتصف المسافة بين دائرة التقاعد وبداية الشارع المؤدي الى الامين. احداث الامس ما زالت مائلة والهتافات تتردد في الارجاء لم يتسن لنا الوصول الى شارع الرشيد، قال شارع الرشيد مقفل! شاهقة باعلى بناية مطلة على ساحة الوثبة اعلى من دائرة التقاعد او بعلوها في الجهة الثانية من استدارة الشارع مع الساحة.

وحين تأكد بانني اريد العودة. قال انتظرني بداية سوق الوثبة قرب الحاجز، وخرجت. الهدير في الخارج هدأ قليلا. كنت واقفا امام صينية اجبان مع اخرين بسوق الوثبة حين اتى واشار هذا اطيبها اشترينا منها، ولكنني ظللت واقفا امام صينيتها قال ما بك؟ قلت له الا ترى؟ كان الوشم على حنكها كأنه هالة من نور يضيء وجهها الهاديء السمح.سحبني من يدي الى مقهى الوثبة وقال سنفطر هنا في هذا المقهى.

2

 قبل ان نكمل فطورنا تعالت الهتافات بساحة الوثبة، وامتدت الجموع من الساحة ملتفة باتجاه شارع الرشيد، وبصعوبة وصلنا الى باب العمارة. قلت له اترك الشقة.

قال فكرت بتركها من يوم امس. ولكن الطريق من اطراف بغداد الى التحرير اكثر مشقة. قلت له مع ذلك اتركها مؤقتا.

 بدا كأنه اقتنع بترك الشقة مؤقتا بعد تردد.

 نسيت ان اخبرك قال بعد ان ذهبت مساء البارحة اتى لي احد الشباب وطلب مني ان اخبئ قناني المولوتوف عندي الى ان يعود , قلت له تعرفني قال نعم ابو محمد لو لم اعرفك لما اتيت بها، مسكته بلطف وطلبت منه ان ينزع الفتائل وينساها لانها القشة التي تقصم ظهر البعير فيحرقوا المنطقة، "سلمية" قلت له ,اريد ان تصرخ "سلمية" بين الشباب والجميع يهتف باعلى الاصوات.. تردد وبدا كأنه يشك بما اقول، ولكنه اقتنع اخيرا، وترك صندوق القناني في الشقة.

سأقفل الشقة واوصلك، قلت له اتركها الان، ونفترق، انا ذاهب، يعرف أين اذهب 

نلتقي في المساء

سنلتقي في المساء.

3

وبدأت رشقات الرصاص وقنابل الدموع تأتي من اتجاهين: الرشيد وساحة الخلاني وتصل الى شارع امانة بغداد العريض الفاصل بين الخلاني وساحة الوثبة. وتضاعفت الحشود بساحة الوثبة والرشيد اتية من شارع الكفاح عبر سوق الوثبة ومن درابين وخرائب حي التوراة، والامين الذي يشكل ضلعا مستقيما مع ساحة الوثبة عند الاستدارة منه باتجاه الساحة.

اصر ان يخرج معي يوصلني، قلت له لا نخرج فرادا احسن، ونلتقي لاحقا.

4

عند الغروب لمحته في شارع الكرادة المؤدي الى كهرمانة، ينتظر،  انفرجت اساريره حين اقتربت منه، قال تأخرنا قلت له لا لم نتاخر، وبدأت مكابدتنا للوصول من الكرادة الى ساحة التحرير اكثر الشوارع مقطعة نصبت فيها الحواجز والشوارع الخالية من الحواجز تغلي بزحامات السيارات، تتحرك ببطء السلحفاة تتخللها توقفات تطول وتطول لكثرة الزحامات من الكرادة الى الطرق المؤدية الى ساحة التحرير.

 الاضوية على جانبي الشارع بدت اكثر سطوعا مع توجهنا الى ساحة التحرير، ساحة التحرير الاكثر سطوعا واحتفالا بعنفوان الشباب ولافتاته التي تعلو الساحة وخيم المعتصمين: "اريد.. حقي". 

كلوحة خالدة توثقها الكاميرات وافلام الفيديو على طبيعتها الثابتة والمتغيرة كل يوم. لوحة لا تضاهيها لوحة مصنوعة او طبيعية او مرسومة، تتسع وتتغير الوانها وحركتها كل يوم.

***

 قيس العذاري

21.12.2019

..................

لا اعرف بغداد الشاسعة شبرا شبرا كما يظن القاريء، سوى رصافة بغداد القديمة وكرخها.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم