صحيفة المثقف

الروح الدينية والخوف

علي المرهجالروح الدينية ليست وهماً إنما هي شعور كامن في النفس يعتري الفرد أو الإنسان كُلما أحاق به الخطر، فلم يكن مكمنها العاطفة فقط، بقدر ما كان الخوف عاملاً مؤثراً في الخضوع لمقولاتها (يُنظر: غوستاف لوبون: حياة الحقائق، ص19).

الرغبة في الخلود واحدة من أسباب تنامي وجود الروح الدينية في نفوس الأفراد ومعتقدات الشعوب، فكل نفس ذائقة الموت، ولكن كل نفس ترنو لحياة أخرى، فالدين كما يرى فيورباخ مُرتبط بالخوف من الموت، ( فيورباخ: جوهر الدين/ 57) فالموت فناء للجسد، "كُل نفس ذائقة الموت وإنما تُوقنون أجوركم يوم القيامة" (آل عُمران/ 185) و "اعلموا إنما الحياة الدُنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ" "وما الحياة الدُنيا إلَا متاع الغرور" (آل عُمران/185) "يا قوم إنما الحياة الدُنيا متاعٌ. وإن الآخرة هي دار القرار" (غافر/39).

وكل هذه الآيات إنما تدَل على أن الإنسان يكد ويكدح كي يُلاقي ربه، بمعنى أنه يعمل في الحياة الدُنيا كي يبني له حياة في الآخرة "يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحا فمُلاقيه" (الانشقاق/ 6)، بمعنى أن الإنسان نتيجة لخوفه من المجهول ورغبة منه في الخلود تأصلت في نفسه الرغبة في البقاء على قيد الحياة بطريقة أخرى عبر الأمل بحياة أخرى.

تؤكد أغلب الدرسات المهتمة بالأنثربولوجيا ودراسة أسباب نشوء الدين البدائي وتطوره في الديانات الوضعية والسماوية ارتباط نشأته بعاملين نفسيين أساسيين هما: الخوف، والرغبة في الخلود.

بمُجرد تحقيق الإنسان للطمأنينة والسكينة يزول عنده عامل الخوف، لتكون السعادة والحُب بديلاً له في الإيمان الديني، "فالخوف وحده لا يخلق الآلهة ـ كما يرى فيورباخ ـ فثمة مكان أيضاً للحُب والسعادة، فالشعور بالخوف يدعو للعبادة من دافع الهبة، بينما الشعور بالسعادة يدعو للإيمان من دافع الامتنان، (فيورباخ: جوهر الدين/ 60)

يعتقد فيورباخ أن الدين هو الوعي الأول والغير المباشر الذي يتخذه الإنسان في البحث عن نفسه، فيبدأ الإنسان في البحث عن وجوده ليبتدأ من نقطة خارجه عنه قبل أن يعثر على هذا الجوهر (الدين) داخل ذاته. (فيورباخ: حوهر الدين/ 32)، ليكون الله عند الإنسان بمثابة مرآة "تنعكس فيها صفات النوع البشري" (فيورباخ: جوهر الدين/ 40)، إذ يعتقد فيورباخ "أن الإنسان قد خلق الله على صورته الجوهرية" ( (المصدر نفسه/ 42) وإن ظهر لنا أن هُناك تنافراً بين الطبيعتين (الإلهية والإنسانية).

إن الدين عند فيورباخ يعني التبعية، وهو شعور "يُدرك فيه الإنسان أنه لا يستطيع الوجود من دون كائن آخر مُختلف عنه، وهذا الكائن يكون ضرورياً للإنسان كضرورة النور للعين، والهواء للرئتين، والطعام للمعدة، (المصدر نفسه/ 48و ص57، وص60).

الله عند فيورباخ هو "جوهر الشعور" ذلك أن الشعور ـ أصل الدين ـ مقره القلب (فيورباخ: جوهر الدين/ 60ـ 61).

يؤكد برتراند رسل على أن "الخوف هو أساس الدين" (برتراند رسل: لماذا لست مسيحياً، ص34)، لأن الشعور بالخوف والرغبة يدفعنا للبحث عن من يقف إلى جانبنا في كُل ما نُواجهه من مشاكل ونزاعات. "إن الخوف هو أساس الأمر كُله ـ الخوف من كل ما هو غامض، الخوف من الهزيمة والخوف من الموت، إن الخوف هو أبو القسوة وأمها، لذا لا عجب إذا ما كان الدين والقسوة يسيران يداً بيد" (المصدر نفسه، ص34) لذلك يعدَ برتراند رسل "الدين مرضاً ولد من الخوف ومصدراً لبؤس العرق الإنساني غير المحدود، وإن كان له بعض الإسهامات للحضارة. وسيظل الدين عنده "ظاهرة اجتماعية" ليس إلَا (يُنظر: المصدر نفسه، ص37).

يعترض برتراند رسل على أصل مقبولية الدين من جهتين، الأولى منطقية: وهي أنه من الصعب القبول منطقياً بافتراض وجود دين صحيح، والثانية أخلاقية: وهي أن المفاهيم الدينية تعود إلى زمن كان فيه الناس أقسى بكثير مما هُم الآن، لهذا يميلون لإبقاء الفظاعات التي كان الوجدان الأخلاقي للعصر سيتجاوزها لولا ذلك" (المصدر نفسه، ص43).

 

ا. د. علي المرهج – أستاذ فلسفة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم