صحيفة المثقف

البعد الظاهري والجوهري لثقافة العناوين

عقيل العبودوحقيقة الإنطباع اللغوي للمسميات

ثقافة المسميات[1]، هي الطريقة التي يجري بحسبها اختيار التعريف، والوصف المسمياتي للموضوعات سواء سلبا، أم إيجابًا، ويرتبط هذاالنوع من الموضوعات في حيثياته القريبة والبعيدة مع وعي المجتمع، وأنماط اتجاهاته السلوكية، والفكرية على المستوى الأخلاقي، والقيمي.

والمؤثر في هذا النوع من الثقافات من حيث السَّلب، مسألتان: الأولى، عدم نضج، أوإكتمال الصور الحقيقية للمفاهيم من حيث المكوناتالأساسية لها، أي عدم تطابق الفكر النظري للمسميات مع التجربة العملية للتصورات، والمقصود عدم إكتمال العنوان الحقيقي للموصوف.

والثانية، ترتبط بتدني الوعي الأجتماعي، والثقافي للمجتمع، وعدم تطابق الصياغات اللغوية، والتصورات الذهنية للموضوعات، مع حقائقالمفاهيم بشكل صحيح، ما ينتج عنه مسميات غير دقيقة[2].

فالعناوين في واقعنا الإجتماعي، هي لغة تقريرية وتصورية تحصل نتيجة لإنشاء المفاهيم بطريقة تكاد ان تكون متلازمة مع طبيعة التفاعلالسلوكي الحسي، المرتبط بالجانب السايكولوجي للشخصية، ما يؤدي الى سلب الدقة المطلوبة في مطابقة العناوين مع معنوناتها، وبهذاتصبح المعنونات غير خاضعة للمنطق العلمي الدقيق.

فحقيقة إيمان (س) من الناس في صورتها الظاهرية عند الوصف مثلا، يجب ان تكون متطابقة مع السلوك الفعلي الذي يثبت هذه الحقيقة،لكي تكتسب الصورة المعنى القطعي المراد لها [3]، أي البعيدة عن الشك.

وهذا ما لا يمكن رؤيته من خلال الصورة الشكلية، التي يظهر فيها (س)  أمام الآخرين مصليا، صائما، مؤديا طقوس العبادات، بل ان هنالكمؤديات أخرى يجب إدراكها، لتحقق المضمون الحقيقي للوصف، بعيدا عن المظاهر، والصور الشكلية.

ولذلك ولكي يتم إقرار مفهوم الإيمان الحقيقي لشخص ما، لا بد من تحقق البرهان الذي يثبت  هذه الحقيقة بعيدا عن المظاهر الشكلية.

وهذا معناه ان هنالك صورتين للموضوع؛ الاولى ظاهرية، أي شكلية، والثانية حقيقية خارجة عن دائرة اومحيط الواقع الشكلي، الذي يحيطبنا ظاهريا.

 فالحقيقة الصورية، غير الحقيقة الفعلية. والحقيقة الفعلية هي الصورة الواقعية، اما التصورات الذهنية فهي الإنطباع المرسوم في الذهن عن الصورة الظاهرية للشئ، كونها تقعخارج الدائرة الحقيقية للموضوع.

 وهذه المقدمة تفيد في ان هنالك مسميات نتداولها في واقعنا اليومي، ولكنها لم تقترن بحقائق المتبنيات المفهومية لها، ما يوقع الآخرين فيالوهم المخل بمحتوى الحقيقة الإدراكية للموصوف، وهذا بدوره يؤدي الى عجز اواضطراب في التعبير عن المحتوى الفعلي  اوالمنصف للكلمة، اوالمقولة.

وفي البحث اشكاليتان؛ الأولى، نقص، اوخلل في الفهم والتصور، بمعنى عدم مطابقة المفهوم الظاهري للوصف مع الواقع، كما في مثال إيمان زيد.

والإشكالية الثانية، هو خلل في منظومة الوعي المعرفي الخاص بالتداول اللغوي[4]، وهذه الحقيقة إنما يشار بها الى تدني الحالة الثقافية، اوالأخلاقية للمجتمع. 

ففي بعض الإحيان مثلا، يتم وصف الجبان والوصولي بالذكي، والشاطر، ويتم وصف الملتزم اخلاقيا والذي يتجنب المشاكل، بالجبان، ويتموصف الزاهد الذي لا يكترث للمظاهر، ب( البائس) ويتم وصف المنافق، والمتملق بالمتكلم، ويتم وصف المتكبر بصاحب الشخصية، ويتم وصفالجدي والقانوني بالمعقد، وبالنتيجة يتم تغيير المحتوى اوالمكون الحقيقي للمفهوم، وهذا هو انعكاس لخلل في طبيعة الاخلاق المرتبطة بتدنيالوعي الاجتماعي والثقافي.

وفائدة الموضوع هنا هو اننا نحتاج الى إعادة المنظومة القيمية للوعي والأخلاق بطريقة تنسجم ودستور المفاهيم اللغوية للمسميات، والتييجب على المجتمع مراعاتها، والإلتزام بها اخلاقيا، وقيميا.

ولكي يتاح لنا  الوصول الى تحقيق ما ينبغي ادراكه، نحتاج الى تعزيز الخطاب الثقافي من خلال الإعلام الملتزم، والمؤسسات الثقافية،والمنابر الخطابية، ومواقع التواصل الإجتماعي.

 

عقيل العبود

ماجستير فلسفة وعلم الأديان:   جامعة سان دييغو باحث اجتماعي

...................

حواشي البحث:

[1]المقصود بثقافية المسميات هي إشكالية تغيير العناوين من معانيها المستَحَقَّة الى المضامين التي تم استبدالها بها فالثائر يسمى إرهابيابنظر الأجهزة القمعية، والجاهل يسمى باحثا اواخصائيا في الشأن الفلاني ذلك حفاظا على مقتضيات المصالح السياسية، اوالتجاربة، وماشاكل.  

[2] التصور الذهني هي لغة إرتسام الصورة في الذهن، وذلك من الموضوعات المهمة في علم المنطق ويدخل في باب التصور والتصديق.

[3] القطع في علم الأصول يدخل في باب حجية الخبر وهو من الموضوعات المهمة في هذا الباب، والقطع هو إقرار بصحة ما ورد.

[4] التداول اللغوي من المصطلحات المهمة في اللغة يدخل في علم التأويل أوعلم المقامية أوالذرائع،   Pragmatics في علم اللسانيات

هوامش البحث:

[1] الحمل الاولي والحمل الشائع، مركز الهدى للدراسات الاسلامية، المعجم الاصولي حرف الحاء  

[2]العنوان والمعنون في علم المنطق، مركز الهدى للدراسات اسلامية [3]تداوليات في علم اللغة:

https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تداوليات

[4] اخلاقيات في علم الفلسفة- اخلاقيات فوقية https://ar.m.wikipedia.org/wiki/ أخلاقيات_فوقية

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم