صحيفة المثقف

إلى السيّد ماكرون (20):

حسين سرمك حسنهجمات باريس الإرهابية: "دفاع استباقي"، وقائع تمّ التنبؤ بها

باتريك هاولت مارتن

ترجمة: حسين سرمك حسن


 

التفجيرات الانتحارية العامة في باريس تشير إلى التناقضات في الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط. في سبتمبر 2007، استقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس معمر القذافي ببذخ في زيارة استغرقت خمسة أيام، وسمح بتكريم الزعيم الليبي باقامة خيمته في حديقة المقر الرسمي في ماريجني عندما زار باريس في ديسمبر 2007 ووقع اتفاقيات عسكرية كبرى قيمتها نحو 4.5 مليار يورو. وفي عام 2008، وجهت دعوة شخصية إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، لمشاهدة العرض العسكري احتفالا بيوم الباستيل في 14 يوليو تموز.

هذه الدعوات والعلاقات تتناقض مع النشاط المحموم لصالح التدخل العسكري للإطاحة بنظامي هذين الرئيسين. ونفس الشيء يُقال بشأن التدخل العسكري في العراق، الذي رُفض في البداية من قبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ولكن تنفيذه الآن يتم من قبل الرئيس فرانسوا هولاند (نشر 600 جنديا من القوات البرية وحاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية هي شارل ديغول مع 2500 من مشاة البحرية كجزء من عملية شامال  “Chammal operation"، وتم القيام بأكثر من 200 غارة جوية بين سبتمبر 2014 وأغسطس 2015). والآن يأتي التدخل في سوريا، والذي ينتهك القانون الدولي، لأنه لم لم يؤذن به من قبل مجلس الأمن، ولم يُطلب من الحكومة السورية.

رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أضفى الشرعية على هذه الإجراءات من خلال الإحتكام إلى مفهوم الدفاع الوقائي الذي قدّمه الرئيس الأمريكي المجرم جورج بوش الثاني، بعواقبها الوخيمة التي نعرفها جميعا، لا سيما ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL)، وزعماؤها الذين كانوا معتقلين ذات مرة في السجن العسكري الامريكي في معسكر بوكا، في العراق.

الغارات الجوية، بدأت مرة أخرى في سبتمبر 2014، ولكن دون أي قيود من المساءلة أو الرقابة، وقد سبّبت المزيد من الضرر، والوفيات، والأيتام، والأرامل، والكراهية. وفقا لمنظمات غير حكومية، قام "الإئتلاف" فقد تصاعدت الغارات من 1 يناير إلى 20 أغسطس 2015 مما كانت عليه في السنوات الثماني السابقة مجتمعة (3945 غارة اعتبارا من 24 أغسطس 2015).

وقد أدى استخدام العمل العسكري باعتباره جوهر استراتيجية الأمن إلى التطرف في الدول الإسلامية (أفغانستان والصومال واليمن ومالي وباكستان ...). وقد حذّر –علناً - المختصون المعنيون بالأمن في فرنسا، في مقالات نشرت في عام 2013، من نتائج هذه السياسة: "العديد من العمليات العسكرية التي اتخذتها فرنسا في السنوات الأخيرة (أفغانستان، ساحل العاج، ليبيا، مالي) إثبتت أن العمل العسكري لا يزال عنصرا هاما من عناصر أمننا الوطني". لكن الأمن يستمد أولا وقبل كل شيء من التفاوض والوساطة، والتعاون؛ الرد العسكري ليس مناسباً لأنه لا يولد في نهاية المطاف سوى المزيد من العنف. لقد سُجلت (315) ثلاث مئة وخمسة عشر هجمة انتحارية في الشرق الأوسط بين 1980 - 2003 . لكن منذ عام 2003 بلغ عددها الآلاف.

الأمر الواقع؟ نفذت طائرات فرنسية العشرات من الطلعات الجوية على الرقة، ويفترض أنها انتقام لهجمات باريس، ولكن فرنسا قد تسعى، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، نحو "فدرلة" سوريا.

الشباب المسلم (من بلجيكا، فرنسا، الدنمارك، ألمانيا، كندا ...) يقوم بالانضمام إلى الجهاد في الصومال والجزائر وسوريا. أنهم يتحولون إلى إرهابيين باسم أحد الأسباب التي سوف تستمر لتحفيز الأتباع طالما أنها لا تزال تبدو مشروعة ودون بديل في عيونهم. يتم تضخيم هذه القضية من خلال تزايد الخوف من الإسلام (الإسلامفوبيا) والتمييز والتهميش في المجتمع المسلم، وخاصة الشباب، واستمرار مأساة الفلسطينيين. ان هذه الاعمال تؤججها العمليات العسكرية المتكررة على الأراضي الإسلامية، وخاصة ضربات الطائرات بدون طيار، والموت العشوائي للأبرياء الذين تمطر عليهم السماء حمماً بسبب الغارات التي تترك في أعقابها الغضب من الظلم والإذلال. الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الدفاعية في البنتاغون اللفتنانت جنرال مايكل كلين ( (2012-2014، يعترف الآن بأن الطائرات بدون طيار تولد المزيد من الإرهابيين أكثر مما تقتلهم.

الدولة الإسلامية – الإبادة الجماعية

العنف الشديد من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL) قد يبدو أقل عسراً على الفهم إذا وضعنا ذلك في سياق بعض الإحصائيات الشاقة، والبيانات الكاشفة: ان ما يقدر بـ 600000  مدني عراقي قتلوا في أعقاب غزو واحتلال العراق. توفي 500000 طفل عراقي بين عامي 1991 و 1998 نتيجة للعقوبات المفروضة ضد نظام صدام حسين.

في أفغانستان، منذ عام 2003 قٌتل أكثر من 250000من المدنيين . وأصيب بالعوق أكثر من 130000 شخص، وذلك بسبب الألغام الأرضية بصورة رئيسية، بما في ذلك 40000 من مبتوري الأطراف بين السكان المدنيين وفقا لمصادر حكومية أفغانية، وهذه الأرقام تُعتبر أقل من التقديرات الرسمية بشكل كبير وفقا للأمم المتحدة، وعدد الأطفال الأفغان والنساء الافغانيات الذين قتلوا في النصف الأول من عام 2015 زاد بنسبة 13٪ و 23٪ على التوالي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2014. هناك ما يقدر بـ 5 ملايين يتيم في العراق. و 2 مليون في أفغانستان حيث 20٪ من الأطفال لا يعيشون لرؤية عيد ميلادهم الخامس وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي. في 30 نيسان 2015، في قرية سورية هي "بير محلي" في محافظة حلب، على الضفة الشرقية لنهر الفرات -  قرية فيها السلام والضيافة، قُتل أكثر من 50 مدنيا في قصف لقوات "التحالف"، بما في ذلك 31 طفلا و 19 امرأة. بعض المنظمات غير الحكومية انتقدت البنتاغون بحدة حول هذه الأخطاء المميتة. ويجب أن نضيف أيضا مقتل 18 مدنيا في حارم في 5 تشرين الثاني،  و 50 في الباب في 28 ديسمبر 2014. و 70 مدنيا في الحويجة بتاريخ 2 يونيو، و 13 في كفر هند يوم 28 يوليو، و 11 في قطمة في 11 أغسطس عام 2015. مع 449،2 من الهجمات الجوية في سوريا بين سبتمبر 2014 و 20 أغسطس 2015، كانت وفيات المدنيين الوحيدة التي اعتُرف بها علنا من قبل وزارة الدفاع الأمريكية (القيادة المركزية) في 21 مايو 2015 هو مقتل فتاتين صغيرتين تبلغان من العمر 5 سنوات. فرنسا لم تهتم حتى بالتعليق على هذه المأساة.

 

.................................

* هذه ترجمة لمقالة:

The Paris Terrorist Attacks: “Pre-emptive Defense”, A Chronicle Foretold

Patrick Howlett-Martin

Global Research, November 24, 2015

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم