صحيفة المثقف

بايدن ومخاوف العرب

منى زيتونلم يُعبِّر رئيس أمريكي عن إعجابه بالطغاة بقدر ما فعل دونالد ترامب! حتى أنه يصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بديكتاتوره المفضل، وكان حريصًا على لقاء رئيس كوريا الشمالية وهو أحد أكبر الطغاة في العالم.

وإنه لمن الواضح بجلاء أن هذا الرجل المضطرب نفسيًا لم يترشح بالأساس لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلا لأجل مزيد من الشهرة والسطوة، وبعد أن نالهما لا يستطيع تقبل تركهما، خاصة وهو مجبر على ترك السلطة لخسارة ألمت به وليس لانتهاء ولايته الثانية وعدم قدرته على الترشح وفقًا لنص الدستور الأمريكي الحالي، والذي من المؤكد أنه كان ينوي العمل على تعديله إن فاز في هذه الانتخابات الأخيرة ليتمكن من الترشح لولايات رئاسية جديدة ثالثة وربما رابعة وحتى نهاية العمر، وهذا ليس تكهنًا مني بل سمعته منه بنفسي في أحد لقاءاته بمؤيديه قبل إجراء الانتخابات.

في هذا المقال أحببت أن أدون ملاحظاتي عن تفاعل العرب على وسائل التواصل الاجتماعي مع حدث هام بحجم الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 مع ما صاحبه من زخم رفض ترامب الإقرار بخسارته فيها حتى اللحظة.

وعن نفسي فقد أعجبني موقف ترامب بعدم الإغلاق الاقتصادي بسبب تفشي فيرس كورونا لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقال، كما أن مواقفه الرافضة للمثلية والإجهاض أقرب إلى نفس كل متدين من مواقف بايدن الليبرالية، ولكن هل قضى رفض ترامب للمثليين وعدم تقبله لهم على المثلية في أمريكا؟ كما أن مثل هذه الموضوعات يكون من المنطقي أن تدخل في حسابات الناخب الأمريكي عند اختياره رئيسه ولكن ما خصنا نحن العرب بها وهل من المفترض أن تكون لها الأولوية من بين معاييرنا للحكم على أفضلية رئيس أمريكي بالنسبة لنا؟ ثم هل الاعتراف بفوز فلان وخسارة علان في الانتخابات يتعلق بهذه الأفضلية أم بأعداد أصوات الناخبين؟!

إن المتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي سيجد أن نسبة كبيرة ممن يتخوفون من حكم بايدن من العرب هم من أنصار الديكتاتوريات العربية ومن يتخوفون من دعم نظامه للإخوان المسلمين والإسلام السياسي عامة، باعتبار نظامه امتدادًا لنظام أوباما –كما يصرون أن يرونه-، وساهم في هذا تهنئة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لبايدن بالفوز على ترامب، ولا حاجة بعاقل أن يقول إن في هذا التصور تهويل وخلط واضح بين بايدن وأوباما، رغم أن بايدن عبر تاريخه لم يكن مؤيدًا لأغلب التدخلات الأمريكية في العالم الإسلامي، إضافة إلى أن نائب الرئيس ليس إلا أحد أفراد نظام الرئيس، ولا ينبغي أن يُنسب إليه كل موقف للنظام، ومن ثم الافتراض أنه سينهج على النحو ذاته وستكون له المواقف ذاتها إن أصبح رئيسًا يومًا ما، وما وعد به بايدن العرب والمسلمين خارج أمريكا في حملته الانتخابية هو خطاب عام يتصل بدعم حرية الرأي للجميع ومعاقبة المدانين في الجرائم الكبرى، ولا أرى في هذا بأسًا، كما أنني لست مقتنعة أن نظام أوباما هو من أخرج لنا المسرحية الهزلية المعروفة باسم انتخابات الإعادة للرئاسة المصرية 2012، وساهم في تزوير الانتخابات لصالح مرشح الإخوان.

وبعض العرب المتخوفين من حكم بايدن لأمريكا أيضًا هم ممن تم اللعب عليهم بالحديث عن الماسونية التي تدعمه! واعتبار حكمه تمهيدًا لحكم الدجال وحكم امرأة الدجال! وامرأة الدجال هذه بحق هي ابتكار جديد يُحسب لمن اخترعها!

وبعض العرب الذين يتخوفون حكم بايدن يطعنون في فوزه عن استحقاق ويرددون مزاعم ترامب عن تزوير الانتخابات والتي أصبحت مثار سخرية نسبة كبيرة من الأمريكيين وبعضهم ممن ينتمون إلى الحزب الجمهوري! ومن أظرف ما قرأت تعليقًا لمصري –وأنا مصرية- يطعن في تأخير ختم بعض الأمريكيين بطاقات اقتراعهم إلى يوم الانتخابات الرسمي، قائلًا: لماذا انتظروا حتى آخر يوم؟! وكأنه لم يكفنا ما نحن فيه من غباء إداري فنطمع في تصديره لباقي الكوكب! فهذا الأخ الذي كتب مثل هذا التعليق يبدو أنه يتخيل نفسه في مصر، والموظف المسئول يغادر قبل انتهاء دوامه أو يتبجح على المواطن بأنه تأخر أو أن اليوم هو الخميس وهم يعتبرونه نصف يوم ولا يكادون يعملون فيه، ومدام عواطف القابع مكتبها في الدور الرابع من المبنى تحتفظ بالختم وهي غير موجودة!

وهناك عرب يصدقون أن ترامب هو الفائز وتم التزوير لصالح بايدن، وهم فرحين في ترامب، ويرون أن الأمريكيين قد رفضوا أن يحكمهم بلطجي لأربع سنوات إضافية فزوروا الانتخابات ضده! وهم يرددون هذه المزاعم رغم عدم وجود أية أدلة عليها، ورغم خسارة ترامب 25 قضية حتى الآن في محاولته لإثبات مزاعمه!

والحقيقة أن حملة ترامب قد أسرفت على نفسها أي إسراف في كيل الإدعاءات لبايدن حتى أنني سمعت بأذني من يتهم بايدن بالعنصرية لأن نسبة كبيرة من الأمريكان السود قد صوتوا له في بعض المدن التي يشكلون فيها كثافة سكانية كفلادلفيا وأطلانطا وديترويت! وقد أمَّن بعض العرب على هذا الرأي المتهافت وكأن الأمريكان السود ليس لهم حق في التصويت، ومن حقهم أن يصوتوا لمن شاءوا!

ويتداول بعض العرب بينهم مقطعَ فيديو لجو بايدن به لقطات قديمة للغاية له في مناسبات مختلفة ويُعرِّف فيها نفسه بأنه صهيوني، ولأن العرب أمة أغلبها يُقيِّم البشر بالكلام وليس الأفعال، كما يُقيِّمون الناس كثيرًا اعتبارًا لما كان وليس اعتبارًا لما هو كائن، فقد صار بايدن الليبرالي صهيوني رغم أنه كأغلب الديمقراطيين من أنصار حل الدولتين، بينما أصبح ترامب العنصري الذي اعترف بالقدس والجولان لإسرائيل، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وقاد التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، ولا زال الصهاينة يستغلون نظامه لتحقيق مآربهم حتى اللحظة من خلال زيارة وزير خارجيته بومبيو لمستوطناتهم، صار ترامب حبيبهم! بينما واقع الحال أن بايدن لا يرى المسلمين عدوه الأول، ولا توجد لديه فوبيا منهم، وأعلن مرارًا أنه يرى روسيا الخطر الأكبر على أمريكا، وأنه داعم للانفتاح على الثقافة الإسلامية وتعلم مزيدًا من العقيدة الإسلامية في المدارس الأمريكية، وأنه يرى المسلمين الأمريكيين كجزء من شعبه ووعد بأنهم سيكونون جزءًا من نظامه.

ولكن لا زالت أبواق بعض الأنظمة العربية تدعم ترامب وتشكك في بايدن، حتى أننا قد سمعنا عن رشاوى ومدفوعات من أنظمة عربية للمساهمة في مصاريف رفع الدعاوى القانونية في محاولة بائسة يائسة للإبقاء على نظام ترامب! ولكن صار من الواضح تمامًا أن الحل القانوني قد سُكِّرت أبوابه في وجه ترامب.

فهل بعد أن رأينا مليونية ترامب بدعوى الشرعية يوم السبت 14 نوفمبر، يمكن أن نرى اعتصامًا ممولًا في واشنطن –ليكون اعتصام رابعة أمريكيًا- متزامنًا مع يوم 14 ديسمبر للضغط على المجمع الانتخابي لحثهم على التصويت لترامب وعدم الأخذ بأصوات الناخبين؟ أم ربما يتأخر ذلك الاعتصام ليوم نقل السلطة ظهيرة العشرين من يناير القادم؟ وهل يجهز لنا ترامب مفاجأة جنونية قبل مغادرته البيت الأبيض؟

إن ما يحدث الآن من استماتة على الفوز بأي طريقة كانت من المرشح الجمهوري ترامب وإطلاقه الإدعاءات غير المثبتة عن تزوير المرشح الديمقراطي بايدن للانتخابات أمامه، لم نر أو نسمع بمثلها منذ انتخابات 1960 التي فاز فيها الديمقراطي كينيدي على الجمهوري نيكسون، وظل نيكسون يتهافت ويدعي حدوث التزوير لصالح كينيدي ولم يقر بنتائج الانتخابات إلا متأخرًا. والمفارقة هنا أن كينيدي -الذي وصل أيضًا إلى الحكم رغم أنف اللوبي الصهيوني- هو الرئيس الأمريكي الكاثوليكي الوحيد، وهو من أصول أيرلندية، ومثله تمامًا جو بايدن، وهو أيضًا مرشح الحزب الديمقراطي، فهل ستكون نهايته الاغتيال على يد اللوبي الصهيوني كما كانت نهاية كينيدي؟!

 

د. منى زيتون

الأحد 22 نوفمبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم