صحيفة المثقف

عُرْيّ

عبد الفتاح المطلبيعارياتٍ رأيتُ الأمانيَّ دونَ احتشامْ

كنتُ أصرفُهنّ حينَ يراودْنَنِي

وأنامْ

مرةً قالتِ الكبيرةُ:

نمضي إلى النهرِ

نخلعُ أوزارَنا

ونرتدّ طيناً

نغسلُ أوهامَنا ونلُمَّ الحُطامْ

وفوقَ رمالِ الشواطئِ

أقدُّ عليَّ القميصَ وأخطو

كما شاءَ ربيَّ عاريةً

فنحنُ إذا ما احتجبنا نُلامْ

لننطلقَ الآن قبلَ ارتدادِ الشهيق

نرتقُ فتق الأعالي

وننقشُ فوق السماء السلامْ

حماماً نطيرُ

ويصمتُ في الأرضِ

كلّ الظلامْ

قلتُ كيف لو رأى عريك العذولُ؟

أيسكتُ أم يستمر الكلامْ؟

اسكتي واسكتي !

وعودي لرُشدِكِ

أنتِ بالحقِّ أمنيةٌ لا تُرامْ

قالتِ الوسيطةُ أنـّى أكونْ

وقد نشرَ الجنرال العيونْ

وأودع بالثكنات الظنونْ

وأنتَ كما أنتَ تطلقنا عارياتْ

وفي الدرب سال لعابُ الضواري

وقد تتصيّد سربَ الأماني

وأنا إن سلمتُ من العَسَسِ الراجلين

سيأكُلني ضيْغمٌ بعد حيين

وإن لم يكنْ فمصيري الكمين

قلتُ لا شك يا جاريةْ

فأنت بقلبي كما أنت

شفّافةٌ عاريةْ

فارجعي وادخلي في شُغافي

وقرّي بقلبي الحزين

إلى يوم ترحل كل العساكر

إلى جهةٍ نائيةْ

وتصفو الضمائر

فتنطلقين كما جبَلَ الله

عاريةً دون سِترْ

بلا خشية أو محاذير

حماماً يطير

قالت الصغيرةُ أما أنا فأجاهرْ

فلستُ سوى ريشَ طائرْ

إذا هبت الريح جرفتني بعيدا

وتعلمُ أن الرياحَ منقلبٌ شأنها

كالمنابرْ

ونحنُ الأماني الصغيرات

أغلبُنا صارَ بائرْ

فقلتُ صدقتِ وعودي إلى القلب

ربّما بعد حينٍ تدورُ الدوائر

وحين اختليتُ إلى النفسِ

أقصيتَهُنَّ بعيداً

مشفقاً أن يمتنَ صغيرات

دون بلوغ المآربِ

فثرتُ  وقلتُ أحاربْ

وأبذلُ من أجلهنّ النفيسَ

ومن أجلهن أخوض الصعاب

ولم يكد القلب يغفو

ويعقد عزم السنين

ليطلقَهنَّ إلى الضوءِ

فيضُ الحنين

رأيتُ الخريفَ على بعدِ أنملةٍ

والضباب

يعري البساتين من ثوبها

ويعودُ الخرابْ

فأوصدتُ قلبي عليهنّْ

خوفَ نعيقِ الغرابْ

ونمتُ ولمّا غفوت

سمعتُ ضجيج الأماني

وفي الحلم يجلدنني بالعتابْ

سرابٌ... سرابْ

تعللُنا بالمحالْ

وتعلمُ أن الليالي طوالْ

وأن الحروب على الأمنياتِ

سِجالْ.

***

عبد الفتاح المطلبي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم