صحيفة المثقف

الحَراك الشّعبي بالجزائر وإشكالية العدالة الاجتماعية

عمرون علي من حق المساواة في الحرية الى واجب التغيير

"من عادة التاريخ ألا يلتفت للأمم التي تغط في نومها، وإنما يتركها لأحلامها ؛ تطربها إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم، وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد... التاريخ يقرر أن الشعب الذي لم يقم برسالته أي بدوره في تلك السلسلة ما عليه إلا أن يخضع ويذل"  مالك بن نبي (شروط النهضة)

مدخل عام

غرضنا من هذه الورقة الحديث عن الحراك في الجزائر كظاهرة اجتماعية قابلة للملاحظة والتفسير وللتأمل أيضا، وكممارسة سياسية سلمية وسلوك حضاري، او ما يمكن ان نسميه فعل ديمقراطي تشاركي بين افراد المجتمع تأسست أرضيته على المطالبة بالحقوق والتغيير الجذري للأوضاع في حركية مستمرة معبرة عن إرادة شعبية،ومن هنا جاءت التسمية  "الحَراك الشّعبي" للدلالة على روح الانتماء الى المجموع  ولتأصيل المرجعية لاسيما ان المسيرات والتجمعات ارتبطت في الغالب بيوم الجمعة وبساحات وشوارع تحمل في الأكثر أسماء شهداء الثورة التحريرية مما عكس رمزية الزمان والمكان، وسواء كانت المطالب تتعلق بإسقاط النظام والمطالبة بالدولة المدنية والإصلاح السياسي والدستوري أو العدالة الاجتماعية فان غاية الحراك كانت ولازالت  البحث عن الحرية والتأسيس لها .

والحراك بهذا المعنى ووفق هذه الملامح هو أقرب من حيث المفهوم الى الثورة مادام البحث عن الحرية هو غاية كل ثورة. ومادام الامر كذلك وما دمنا امام ظاهرة اجتماعية ذات ابعاد سياسية وحضارية يكون لزاما علينا تقديم قراءة وصفية تحليلية وفق مناهج مختلفة، بعيدا عن الدلالات اللغوية والاصطلاحية التي يحملها مفهوم الحراك في اللغة العربية وغيرها من اللغات الأجنبية * يمكن القول ان الحفر والنبش في موضوع الحراك مشروط بجملة من التساؤلات نراه ضرورية كمدخل لمقالنا: ماهي الدوافع الحقيقية لعودة صحوة الوعي الاجتماعي لأمة غطت في نوم عميق زمنا طويلا؟ هل دوافعه ذاتية ومن ثمة هو رد فعل عاطفي مشحون بألم الشعور بالظلم وامل البحث عن حياة اجتماعية عادلة؟ هل مطالبه أيديولوجية أم سياسية – اجتماعية؟ لماذا يرفض الحراك رؤوس تمثله؟ هل الحراك قادر على اخراج الشعب الجزائري من السيء الى الاحسن؟ هل تحول الحراك الى نعمة ام نقمة للسلطة الفعلية؟ وماهي العوائق والعقبات التي تقف في وجه تقدمه؟ هل يجد مخرجه في التأسيس للحرية ام تغيير الواقع وفق معادلة العدل كإنصاف؟

ويمكن ان نتساءل أيضا مع الدكتور بكيس نور الدين:[1] هل تحوّل الحراك إلى فكرة لا تموت، أم هو ردة فعل تولد في كلّ مرة بمستويات وآليّات مختلفة تعبيرا عن التّأزيم أو سوء الإدارة والتسيير؟

- هل فعل الاعتراض، اليوم، يعكس فعلا ثوريّا أم فعلا إصلاحيا في أقل مستوياته؟ وهل نحن أمام

احتجاجات إصلاحية بشعارات ثورية؟

 

 

قد يبدو السبب المباشر للحراك الشّعبي العام يوم 22 فبراير 2019 هو إعلان ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، لكن في العمق يمكن القول انه رد فعل طبيعي عن مرحلة القهر والرضوخ حيث كانت قوى التسلط الداخلي والخارجي في اوج سطوتها والرضوخ للاستبداد في اشد درجاته وهذا واضح من حجم الاستكانة والمهانة بفعل اتساع دائرة الفقر وارتفاع نسبة التضخم وتصاعد معدلات البطالة وتدني القدرة الشرائية، وعندما عجزت السلطة الحاكمة عن الغوص في وجدان الشعب المقهورة ومن ثمة ادراك بذور التمرد والانتفاضة جاء رد الفعل. ومن الأسباب أيضا دخول الطبقات الشعبية في الحياة السياسية وتحولها التدريجي الى طبقات قائدة وتجلى ذلك بداية في التأسيس لنقابات عمالية وجمعيات امتلكت من روح المقاومة والتمرد ما سمح لها بتحطيم جدار الصمت  ...وهو امر ساهم في  ولادة حس جماهيري نشأ أولا عن طريق نشر بعض الأفكار التي زرعت في الضمير الجمعي وثانيا بفعل الممارسات الكاذبة والمفضوحة مما ولد أزمة ثقة في كل ما يرمز الى السلطة السياسية، وان كانت المطالب في البداية قد ارتبطت  بشروط العمل و برفع الأجور فان سقفها مع مرور الوقت ارتفع الى المطالبة بإسقاط النظام . إضافة الى متغيرات داخلية وخارجية وتنامي حجم الصراع على السلطة بين اجنحة الحكم وإخراج هذا الصراع الى العلن في مناخ عالمي واقليمي متوتر كل ذلك أنتج ما نسميه اليوم الحراك الشعبي

مطالب الحَراك الشّعبي بالجزائر

رفض ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة وإزاحة النظام الاستبدادي ومحاكمة ورموز الفساد كان هذا هو المطلب الأساسي في بداية الحراك ورغم التخويف والتلويح بفزاعة الإرهاب ومحاولة الالتفاف على هذه المطالب من خلال توظيف بعض مرتزقة الفكر والسياسة وعبر وسائل وقنوات إعلامية كانت تسير من خلف الستار الا انه في النهاية تحققت إرادة الشعب واعلن المترشح المخلوع والمقموع استقالته مما فتح الباب للمطالبة بتأسيس الجمهورية الثانية من خلال عقد سياسي واجتماعي  يحقق مقومات الدولة الحديثة، دولة ترفع سقف الحرية الى اعلى مستوياته، دولة تحكمها القوانين لا الرجال، دولة مدنية لا عسكرية،وقد كان هذا هو الشعار الاوضح في المرحلة اللاحقة  حيث غير الحراك تكتيكه ويجيب الدكتور محمد شوقي الزين [2] عن هذا التساؤل في مقال له بجريدة الأسبوع المغاربي:" لماذا هذه التكتيكية » بدلاً من الاستراتيجية «، إذا جاز لي توظيف ميشال دو سارتو؟ أشير هنا، تماماً – والكلام لشوقي الزين - مثلما أشار دو سارتو في »الثقافة بالجمع «، إلى انهيار المصداقيات السياسية والدينية. بانهيار الثقة، التي بالأمس كانت في الدين هي» الايمان « ((Fides، وأصبحت اليوم في السياسة هي» التصويت أو الانتخاب  «، فإن القاعدة الأساسية التي تُشكِّل كل بنيان سياسي أو عقد اجتماعي انهارت ». يكفي النظر في نسبة التصويت في كل دول العالم )وليس فقط الجزائر(للتأكُّد من أنَّ المصداقيات السياسية انهارت مثل قصور الرَّمل، ومعها كل الهياكل مثل مفهوم الحزب ومفهوم الجمعية. ...غياب الانتظام داخل حزب، غياب مفهوم القائد، غياب مفهوم التمثيل أو الممثّل السياسي معنى ذلك أننا في معجمٍ سياسي بدأ يتشكَّل على أنقاض انهيار المصداقيات السياسية..... السياسة شيء يُبتكَر وليس قاعدة تُطبَّق، وعليه فإن الحراك الشعبي يخضع إلى قانون العصر وهو ابتكار أدوات تكتيكية )تفكيكية؟( في الممارسة السياسية، غير الأصنام الاستراتيجية للأحزاب-التماثيل التمثيليات، التي لم تعد تبيع سوى الأحلام وفي الغالب الأوهام"

العوائق والعقبات

تقف في وجه الحراك الشعبي العديد من العقبات التي يجب رصدها والوقوف عندها ومحاولة فهمها مما يسمح لنا ان نحن احسنا القراءة والتحليل تجاوزها والانتصار عليها  ومن اهمها:

01-   تغليب الوسيلة على الغاية: الملاحظ ان الحراك لا يسير وفق حركة منتظمة،فتارة يتمظهر في صورة كتلة قوية  حيث تتلاحم الجماهير وتتوافق الرؤى وحالة التلاحم والتناغم بين مختلف مكونات المجتمع نلمسها في وحدة المطالب وتوظيف نفس اللغة واعني بذلك مرجعية الشعارات السياسية،وتارة يتراجع منسوبه وتضعف شدته هنا وهناك في مناطق متفرقة من الوطن هذا التأرجح انعكس سلبا على أسلوب التفكير ورد الفعل،حيث لوحظ ان جمهور الحراك مع مرور الزمن و خاصة مع تراجع حجم الإنجاز والشعور بعدم القدرة على تغيير الأشياء، ابتعد عن هيمنة العقل الجمعي الضّاغط، بفعل تراجع القراءة العاطفية للأحداث ودخول العقل النقدي على الخط داخل جسم الحراك، هذا ما احدث الإرباك بفعل تراجع القدرة على التعبئة من وجهة نظر الدكتور بكيس نور الدين .

02- غياب التوازن بين المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات: يفتقر الكثير منا الى الرؤية النقدية والتفكير العقلاني وفي ظل عدم الشعور بروح المسؤولية انساقت الأكثرية منا الى المطالبة بحقوقها دون بذل أي جهد لتغيير النفس او المجتمع (إن الحقوق تؤخذ ولا تعطى!) لحاها الله كلمة تطرب وتغري، فالحق ليس هدية تعطى، ولا غنيمة تغتصب، وإنما هو نتيجة حتمية للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الاجتماعي، المرتبط بسلوكه النفسي.وإنها لشرعة السماء: غير نفسك، تغير التاريخ! وقد حذر المفكر الجزائري مالك بن نبي من الانسياق وراء الوعود الانتخابية المزيفة وتقديم الحقوق على الواجبات ووفق استقراء تاريخي لا حظ فيلسوف الحضارة ان تجليات هذه الظاهرة يمكن رصدها بوضوح في اجتماع عقد بالعاصمة صيف جوان 1936 يقول مالك بن نبي:"وجاءت سنة 1936.. لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب، بل فيما يسودنا من عادات. وما يراودنا من أفكار. وفي تصوراتنا الاجتماعية، بما فيها من قيم الجمال والأخلاق. وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم. وبدلا من أن تكون البلاد ورشة للعمل المثمر والقيام بالواجبات الباعثة إلى الحياة. فإنها أصبحت منذ سنة 1936 سوقا للانتخابات .....[3] وكم سمعنا من الاسطوانات، وكم رددنا عبارة (إننا نطالب بحقوقنا)، تلك الحقوق الخلابة المغرية، التي يستسهلها الناس، فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب: طريق الواجبات.

03- انعدام الرؤية المستقبلية والاستراتيجية الواضحة لعملية التغيير السياسي المنشود، في ظل عدم وجود شخصيات سياسية ونخب مدنية ذات مصداقية أخلاقية وكفاءة وقدرة على تسيير المرحلة الانتقالية.

04-  تأرجح الحراك بين ثنائية العاطفة والعقل بين ثورية المطالب وبراغماتية العمل السياسي ولا وجود في الأفق القريب لقيادة قادرة على تحمّل تكلفة وتبعات تبني العودة لخيارات الحراك لاسيما رفض الحراكيين لفكرة مرافقة جزء من النظام، حتى تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسة أصبح مرفوضا من طرف الكثير من المراقبين والمحللين والمشتغلين في حقل السياسة.

05- خطر الثورة المضادة وأصحاب النفوذ المالي والإعلامي الذي تتغذى من خلاله الدولة العميقة المال الفاسد والاعلام المغلوب على امره  كلاهما يشتغل على نفس الجبهة حيث الهدف هو   تعطيل كل محاولة لعودة الحراك،وهنا نلاحظ نفس ممارسات النظام السابق "قطع الانترنيت واستخدام العنف  وسجن الفاعلين في الحراك لاسيما في الأسبوعين الأخيرين ومحاولة التلاعب بعقول الجماهير من خلال استغلال اللعبة الانتخابية بطريقة ساذجة تشبه الى حد كبير ما وقع في معركة صفين " ممارسات القصد منها التفتيت والتشتيت .

 

06- ضرورة الحذر من الترسبات اللاشعورية في العقل الجمعي حيث الجماهير أي تكن ثقافتها عقيدتها او مكانتها الاجتماعية بحاجة ان تخضع لقيادة محرك فهي على الرغم من تظاهراتها الثورية تعيد في نهاية المطاف ما كانت قد دمرته ذلك ان الماضي اقوى لديها من الحاضر بكثير تماما كأي شخص منوم مغناطيسيا .

 

07-  الجماهير غير ميالة للتأمل والمحاكمة العقلية وهي سريعة الانفعال ولذلك نلاحظ غياب الروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر لكنها في المقابل مؤهلة للممارسة والعمل ومن ثمة لابد من الحذر من ان تتحول سلطة الجماهير الى سلطة مستبدة وطاغية ودراسة نفسية الجماهير امر لابد منه. قال نابليون بونابرت:" لم استطع انهاء حرب الفاندي الا بعد ان تظاهرت باني كاثوليكي حقيقي .ولم استطع الاستقرار في مصر الا بعد ان تظاهرت باني مسلم تقي وعندما تظاهرت باني بابوي استطعت ان اكسب ثقة الكهنة في إيطاليا .ولو أتيح لي ان احكم شعبا من اليهود لأعدت من جديد معبد سليمان "

 

التغلب على العوائق

 

التغلب على هذه العوائق ممكن من خلل العمل على بعث وتجديد ثقافة قادرة على خلق الانسان الجديد ويمكن العودة هنا الى أفكار المرحوم مالك بن نبي وغيره من رجال الفكر والسياسة والاخم هو الاشتغال على سؤال تجديد الفكر "فكر الانسان الجزائري" وهنا نلاحظ ان ميدان الأفكار في بلدنا اليوم هو الميدان الأشد تجمدا في بلدنا وهو ما لا حظه  بن نبي من قبل، وعندما نتحدث عن عالم الأفكار وعن الثقافة ودورها في تحرير وعي الانسان يجب الابتعاد عن منطق الغوغاء، وعن الرياء، والذاتية، وعن النزعات الانتخابية، يجيب تحطيم الاصنام والاوهام والايمان بقوة الكلمة الصادقة، ان الكلمة لمِن روح القدس، إنها تساهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد، إذ تدخل إلى سويداء قلبه فتستقر معانيها فيه لتحوله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة. اننا بحاجة الى بعث رسالة الادب من جديد الادب المعبر عن القيم الأخلاقية فلا خير في ادب لايرفع غباوة ولا يزيل غشاوة وتاريخيا لم يتخلف الأدب الجزائري عن الركب لاسيما قبل الثورة التحريرية، فقد بدأ يصور تقدم البلاد في قصائد، جدد فيها نشاطه بعد ركود طويل، كانت تلك القصائد تغني ربيع النهضة، أي ربيع الفكرة، لا ربيع الصنم.

وكنت ترى في كل مسجد أو مدرسة أو منزل حديث الاصلاح، بين مؤيد ومنتقد، ولكن كلا الفريقين كان يتمتع باللسان العف، والسريرة النقية. إذ كانت المبادىء هدفهم من وراء اختلافهم، لا الأعراض الشخصية والوظائف السياسية.وكانت الأمة تقدم تضحياتها لبناء المدارس والمساجد من أجل البعث الفكري، والبعث الروحي، اللذين هما عماد كل حضارة في سيرها الحثيث. .....كانت الاستجابة لهذه التحولات بادية في تقاليد مدينة (تبسة) مثلا، تلك المدينة التي بدت أعراسها وجنائزها أقرب إلى الكرامة والوقار، مما لم تعرفه قبل الاصلاح. وإنه لمن الواضح أن الشعب الذي بدأ يعود إلى وقاره، ويستمسك بأسباب كرامته، ويميل إلى التناسب والجمال في مظهره العام قد أعاد سيره في موكب التاريخ.

 

 

 

ماذا  حقق الحراك؟ وما الذي خسرته السلطة السياسية؟

أفرز الحراك قراءات من ضمنها: أن الحراك ساهم في إنضاج الوعي السياسي والاجتماعي وفي مقال للدكتور عبد القادر بوعرفة الحَراك الشّعبي بالجزائر: الدّوافع والعوائق امكنه رصد مايلي[4]:

01- الانتصار على الخوف: انتصر الشعب على الخوف ونفسية الركون، وطلق السّكون واتجه صوب الحِراك الاجتماعي والسياسي، مما أحدث قفزةً نوعيةً في الوعي لم نلاحظها لدى كثير من الشعوب التي ثارت على سُلطها، فلم نسجل طيلة الجمع حدثا مأساويا، ولم تسل قطرة دم واحدة .

02- الوحدة الوطنية -: انتصر على النعرات الإثنية والجهوية، ولم ينساق وراء الدعاية المغرضة ولا الشائعات التي حاول من خلالها النظام إحداث انقسام داخل الجبهة الشعبية، فكان الشعار الأكثر حضورا لا فرق بين القبائلي، العربي، الميزابي، الشاوي، الترقي.. كلنا جزائريون إخوة في الدين والوطن، وهذا التلاحم الوطني تم التعبير عنه من خلال التمسك بالراية الوطنية كراية سياسية

3 0- جزأرة الحَراك: يبدو أن الحراك الجزائري لم يكن في طبيعته إلا جزائريا، فهو لم ينخرط في أو الانتفاضة، ولحد الجمعة 29 لا زالت تسمية الحراك هي الأفضل والأصوب،

04- التدرج في المطالب: قوة الحراك الجزائري أنه لم يُدرج مطالبه دفعة واحدة، بل تفنن في -

05- المطالبة والمغالبة، فكلما حصل على مطلب هام إلا وأدرج مطلبا أكثر أهمية، ولعل هذه الطريقة في تقديم المطالب هي التي جعلته يستمر ليومنا هذا.

06- المغالبة السلمية: تعلم الجزائري كيف يطالب عن طريق المغالبة السلمية دون أن ينجر نحو العنف واستعمال القوة من خلال  نبذ أي صور للعنف مع الجيش والشرطة، ورفض خطاب الثورة والحرب الأهلية ورفع شعارات تدعو الجيش إلى مرافقة الحراك )الجيش والشعب خاوة خاوة(

07- - تقديم مطالب شعبية بعيدة عن الخطاب الإيديولوجي .

08- - رفض التدخل الخارجي من أي دولة أو جهة كانت .

09- الحذر والذكاء: امتاز الحراك إلى يومنا هذا بالاحترافية في تنظيم نفسه بنفسه.

 

اما عن جواب ماذا خسرت السلطة القائمة أقول خسرت كل شيء الوقت واهدار المال العام ومقدرات الامة، نعم لقد خسر الرئيس تبون ومن معه كل الفرص التي منحت له كما قال نور الدين بوكروح، واليوم تعيش البلاد حالة من الإفلاس السياسي والفقر الاقتصادي والتأزم الاجتماعي في جو من التخلف وتكفي العودة الى مجال التعليم والتربية لإدراك حجم الكارثة .او النظر في معدلات التضخم والبطالة مثلا.والحل يكمن في بعث مشروع سياسي واجتماعي على أسس العدل .

من المساواة في الحرية الى العدل كإنصاف

عمل جون راولز على طرح سؤال العدالة الاجتماعية لاسيما في  كتابه A Theory of Justice الصادر عام 1971 والذي تُرجم إلى اثنتي عشرة لغة. وفي نظره لكي يكون الشيء عادلاً، لا يمكن استغلال أي شخص أو إجباره على الخضوع للمطالبات التي تبدو غير شرعية. مبادئ العدالة من وجهة نظره، مبادئ عامة وعالمية،. لكن بمرور الوقت، استخدمها نقاد النظرية فقط كمعيار لدراسة وقياس المجتمعات الديمقراطية، قائلين إن المجتمعات ذات الهيكل الديمقراطي فقط هي التي يمكن قياسها من خلال هذه المبادئ. لبناء مجتمع عادل يعرّف رولز العدالة في المقام الأول على أنها العدالة الإجرائية لم يرغب رولز في أن تُفهم نظريته على أنها دليل عملي للإصلاح، بل كغذاء للفكر حول مبادئ مثل هذا الإصلاح.

تساءل في كتابه العدالة كإنصاف :عندما ننظر الى المجتمع الديمقراطي نظرة تعتبره نظاما منصفا من التعاون الاجتماعي بين مواطنين معتبرين أحرارا وتساوين نسال ما المبادئ التي تلائمه اكثر من سواها ؟ ويقتضي هذا التساؤل التفكير في تطبيق العدالة الاجتماعية بطريقة عملية وهذا الامر مشروط بتقاطع وتوافق المؤسسات السياسية مع المؤسسات الاجتماعية وكيف تجتمع وتتناسق وتتكامل انطلاقا من منظومة أخلاقية،صحيح ان السلطة السياسية هي دائما سلطة اكراهية الا انها سلطة مواطنين يفرضونها على انفسهم مواطنين احرارا ومتساوين وقد أشار الى ذلك جون جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي قائلا: " ان القابضين على السلطة التنفيذية ليسوا اسياد الشعب بل هم موظفوه او خدامه ..ان الشعب يقدر ان يعينهم وان يقيلهم كما يشاء " وهكذا المجتمع  الحسن التنظيم هو المجتمع الذي ينظمه وبكفاءة مفهوم سياسي للعدالة وذلك بوجود قضاء مستقل وتحديد قانوني للملكية وبناء الاسرة للوصول الى العدالة الأخلاقية من خلال قوتين أخلاقتين هما الشعور بالعدالة كالتزام والزام أخلاقي والقدرة على الارتقاء الى الخيرية وهنا يظهر البيان الأولي لمبادئ راولز للعدالة كما يلي[5]:

المبدأ الأول: لكل فرد الحق في الحصول على أعلى الحريات المتوافقة مع نفس الحريات مثل الآخرين. معنى المبدأ الأول هو أن الحرية الأساسية كحق عالمي يجب أن يتمتع بها الجميع ويمكنهم استخدامها على قدم المساواة. يسبق مبدأ الحرية (المبدأ الأول) مبدأ المساواة (المبدأ الثاني)، وهذا هو الحال دائمًا. لذلك إذا كان لمبدأ الحرية أن يتغير، فلن تقيد الحرية إلا الحرية. هذا يعني أنه، على سبيل المثال، إذا كان هناك تعارض بين حريتين، فسيتم النظر في الحرية التي ستفيد العدد الأكبر من الناس. تنبع هذه الأسبقية من سببين: أ) حكمة الناس الذين اختاروا هذين المبدأين كمعيارين لعدالة البنية الاجتماعية ومحتواها، و ب) مبدأ الترتيب الأبجدي والأولوية

المبدأ الثاني: يجب تنظيم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بطريقة: أ) بشكل معقول يعود بالفائدة على الجميع. ب) تعتمد على الوظائف والوظائف التي يمكن للجميع الوصول إليها ويستخدم جون راولز في نظريته للعدالة هذين المعيارين لقياس عدالة أو عدم عدالة مؤسسات المجتمع المختلفة مثل النظام السياسي، والهيكل الاقتصادي، والدساتير، ونظام التعليم، وملكية الموارد الاقتصادية ووسائل الإنتاج، والقضاء و المؤسسات الأخرى تعتبر المجتمع مهمًا وأساسيًا.

ولتمكين المواطنين من التطور بما فيه الكفاية وترسيخ البعد الأخلاقي للعدالة لابد من تحديد المنافع الأولية التي يحتاجها ويطلبها الأشخاص باعتبارهم أحرارا ومتساوين هنا تظهر الحاجة الى التمييز بين أنواع خمسة من المنافع[6]:

01- الحقوق والحريات الأساسية: حرية التفكير وحرية الضمير وغيرها للتطور الكافي عبر مؤسسات ديمقراطية

02- حرية الحركة وحرية اختيار الوظيفة من بين فرص متنوعة تسمح بالنضال لغيات مختلفة وفق مبدأ تكافؤ الفرص

03- إمكانية الارتقاء وبلوغ مراكز السلطة والمسؤولية والتمتع بقوى وامتيازات هذه الوظائف

04- المدخول والثروة كوسائل لبلوغ هذه الأهداف

05- الأسس الاجتماعية لاحترام الذات.

الخلاصة:

كتخريج عام نقول ان الحراك الشعبي يحمل من الدلالات الحضارية والقيم الأخلاقية ما يمكن الاستثمار فيه، هو حلم جديد  ورغبة صادقة في الدفع بالمجتمع الجزائري الى ما يمكن وصفه خير الجميع. وعلى المخلصين من أبناء الجزائر في السلطة والمعارضة بل وعلى الجميع الانصات الى هذا النداء يقول

الكاتب الاجتماعي (بورك): " إن الدولة التي لا تملك الوسائل لمسايرة التغيرات الاجتماعية لا تستطيع أن تحتفظ ببقائها"...ويؤكد مالك بن نبي انه من الواضح أن السياسة التي تجهل قواعد الاجتماع وأسسه لا تستطيع إلا أن تكون دولة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها، وتستعين بالكلمات الجوفاء في تأسيس سلطانها ونقول ان المجتمع الذي يفشل في الاستفادة من فرص التغيير محكوم عليه بالفناء فكرا وسلوكا.

 

عمرون علي أستاذ الفلسفة

المسيلة – الجزائر-

..............................

المراجع

[1]- يمكن العودة الى مقال بكيس نور الدين ( باحث واستاذ السيسيولوجيا السياسية ) هل تحول الحراك من وسيلة الى غاية ؟ الأسبوع المغاربي، بوابة افريقيا الإخبارية العدد 47،2/3/2021

* إن مصطلح الحَراك بفتح الحاء اسم مشتق من فعل ثلاثي أصله حَرك أو بالتشديد حَرّك، ويعني

الحركةُ التي تعبر عن كلّ مظهر عام من مظاهر النَّشاط، وهي بذلك ضدّ السُّكون. جاء في لسان

العرب: " حَرك: الحَرَكة ضد السكون حَرُك يحْرُك حَرَكةً وحَرْكا وحَرَّكه فتَحَرَّك قال الأَزهري

وكذلك يَتَحَرَّك."

[2] -الأسبوع المغاربي،بوابة افريقيا الإخبارية العدد 47،2/3/2021

[3]- شروط النهضة،مالك بن نبي ،ترجمة عبد الصبور شاهين ،دار الفكر، ص: 32-34

[4]- الحَراك الشّعبي بالجزائر: الدّوافع والعوائق عبد القادر بوعرفة...... مجلة العلوم الاجتماعية، مجلة محكمة تصدر عن كلية العلوم الاجتماعية جامعة وهران 2 )محمد بن أحمد (العدد: 70 /2019

[5] العدالة كإنصاف، جون رولز ترجمة، حيدر حاج إسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية، ص

[6] العدالة كإنصاف، جون رولز ترجمة، حيدر حاج إسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية، ص

*جون رولز ولد في 21 فبراير 1921 في بالتيمور، ماريلاند، الولايات المتحدة الأمريكية. والده محام، ووالدته مدافعة نشطة عن الحقوق المتساوية للمرأة. التحق راولز بكلية برينستون عام 1939 ودرس الفلسفة في جامعة برينستون منذ عام 1946. أهم معلم له هو نورمان مالكولم، طالب فيتجنشتاين. موضوع أطروحة الدكتوراه التي نشرها راولز عام 1950 هو التقييم الأخلاقي لسمات الشخصية البشرية. في 1952/53 حصل على منحة بحثية من جامعة أكسفورد. هناك أتيحت له الفرصة للتعرف على جون أوستن وإشعياء برلين وستيوارت هامبشاير. بالنسبة إلى راولز، فإن التعارف مع هربرت هارت له أهمية خاصة في أكسفورد. ندوات هارت حول الأسئلة الأساسية للفلسفة القانونية لها تأثير كبير على رولز.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم