صحيفة المثقف

عبد الجبار الحمدي: الأموات لا يقصون الحكايا

عبد الجبار الحمديأوجز حياته بتلك العبارة التي قرأها مرة في مكان ما لم يتذكر أين؟ لكنها ظلت راسخة في ذهنه وعقله وفي اعتقاده انها أطرت كل ايامه فلم يجد وسيلة غير ان يكون محاط بكل حروفها بدقة، عشرون عاما دون خلاص الوحدة قضمت أظافره، اخذت تنال من لحم أصابعه لم يعد لظهره من يحكه له، لكنه يدرك جيدا ان ما حك ظهرك مثل ظفرك.. كيف وقد قضمها حسرة على أيام ساقته لأن يكون شاهد عيان على سلطة فاسدة؟ الجور الدكتاتورية فيها كتابة رأس السطر بدل البسملة، لم يكن أحد تلك الوجوه التي افتعلت رضاعة اثداء أمهات الشياطين ثم تبرقعوا كزورو لكنهم بلا إنسانية، قد يكون زورو قاطع طريق احيانا لكنه مثل روبن هود في عصره وقف ضد الظلم، قاتل بما يراه أنها الوسيلة الوحيدة لأخذ حقوق الفقراء والمقهورين.. لكن من أنا لأفعل مثل زورو أو الزئبق وغيرهم، إنهم علامة فارقة وغيرهم العديد لكنني اعلم اننا في زمن ألصقت التهم بعلي بابا وهولاكو فكلاهما تحاصصوا الأرض شرقها وغربها شمالها وجنوبها قهرا وظلم على بشر همهم لقمة لا بل كسرة خبز بقايا موائد الطاغوت.. يخرج من قَبوِهِ الذي استوقده عتمة وعفونة، يشم عبق اكفان مرتقة على اشلاء اجساد غير متكاملة فأغلبها صارت اوصالا نتيجة انفجار او قصف او شيء ما لعبت ادوارها الاقدار بمشيئة بشر، أصحاب نفوذ وسلطة جائرة، لكن كيف نعلم انها جائرة؟ ألم تكن سيف عادلا للخالق على ارض وشعب عاثوا هم بأنفسهم الفساد برياء طقوس او اعتقادات وهمية، فحلفوا اليمين كذب، شرعوا الفساد متعة ومسيار، تأسلموا بقشور دين، تركوا لإنبات ثمره الريان من ماء مقدس، سارعوا الى قبلة جعلوها ملاذ آمنا لكل ذنوبهم، سيئاتهم، حتى كفرهم معولين على ان الحياة الدنيا لهو ولعب، فلم لا يلعبون ويلهون.. أما الآخرة فتلك في زمن بعيد طال او قصر سينال الجميع مسكن أخروي يقاس بالمغفرة والرحمة هكذا عولوا عليه.. ونسوا العدل، الظلم الذي انا اجسده على أيديهم في خلوة مع قرينِ الذي يسايرني مع جسدي الهزيل امتصت الديدان، الفاقة والجوع كل خلاياي، صرت هيكلا عظميا اعاني شقوتي كمن يريد ان يعاقب نفسه بالمقارع على الاتيان بأمور بهتان ونفاق، نعم عايشت مثل تلك الملة، صفقت ابوابا بوجوه من صرخوا أنهم ابرياء، لاذوا بجدران مليئة بدماء من جُلدوا عليها المسامير تشهد انها خرقت عظام كلمة حق.. حقول وأراضي مخضرة في ارواحهم حولتها الى أرض بور قطعت رحم الامل سحلت افكارهم واملهم حين اغتصبتها إرادة السلطة، عفرت وجوههم في تغوطات مسؤول يهوى، يستمتع بمشاهدة من يأكل لحمة فالذياب تأكل لحم الموتى هكذا كنا قطيع ذئاب نصطاد الفريسة تلو الفريسة كي ننهض، لحمها ضميرها معتقدها، عقيدتها كي نرضي ونحظى بقهقهة السلطة.. بتنا كالأرضة لا نستحرم أي شيء حتى الكعبة لم تهاب من جدرانها، قرضت ما تريد وتركت الاسم العظم هكذا نحن نستبيح كل شيء نقرضه إلا ما نخافه وهذا الخوف عبارة عن وهم نستجدي به حرمة البعض ممن يعتقدون ان الدين غاية للسلام والطمأنينة وهم يعلمون علم اليقين أن الدين لا يحتاج لوسيلة او غاية فلقد أُكمِل منذ زمن بعيد.. يجرني قريني الى مكان أحاول ان ابتعد عنه لا لشيء إلا انه يذكرني بحكايا اموات وانا لا اقتنع، أقول له إن الاموات لا يقصون الحكايا.. لكنه يصمم على ذلك وتراني اقدم خطوة وأُخر بأخرى.. كانت شابة جميلة تجلس الى جوار حائط  ومثلها الى جانبها الكثير.. بال عليه الزبانية حتى جعلوه يحبل بكل جرائمهم، شاهد عيان انتفخت اوداجه من كثرة البول عليه، اذابه الملح بعد ان صار يلكز جراحه، فقد ذاق الويلات ممن صلبوا عليه صراخاتهم لا زالت تدوي كل شقوقه محشوة بحكايا، دما أمتزجت بين مسلم وغير مسلم، الدين هنا صار موحدا الاسلام لا يَجُب عما قبله كلهم كفار، الجميع مدان ما عدا زبانية السلطة والسجان، التفت قرينِ وهو يقول: اتعرف ما جريمتها؟

حاولت ان لا اخوض معه في حديث فأنا أعرفه جيدا لا ينفك من لوم او تقريع فتحاشيته، لكنه جرني إليه قائلا: لم تهرب؟ إنها من أحد ضحاياكم انت ومن تربعوا العروش ظلما وبهتانا، لم تراعوا حرمة دين او طقوس شاب كان أم فتاة، طفل، إمرأة، رجل، عجوز شمطاء الجميع عندم بمكيال واحد، خلاصة القول انهم وقود نار تتدفؤون عليه ساعة برد مع محظية لكم او محظي فلا فرق عندكم فاللواط صار جهادا والنكاح جهاد والسرقة حلال واستباحة حياة من هم ليسوا على ملتكم كفار ومن غيرهم زنادقة وخنازير.. أليس كذلك؟ إنظر ألا تذكرك بشيء؟

لم أكن أرغب في مجاراته لأنه دوما يكون هو على الحق وانا على الباطل.. الحق كلمة كان لها الوقع الاكبر في نفسي، استغربت كثيرا!!! فنفسي لا تعرف الحق بل تصاهرت مع الباطل حتى انجبوني فمالِ والحق! لكن يبدو انها كلمة صفعت كل مقدراتِ ولطمتني على قفاي فأدارت رأسي وبت لا استحسن حتى نفسي ورائحة جسدي او انفاسي أشم نتانتها بشكل يجعلني اتقيء او انني أعيش في بالوعة لتغوطات شياطين، استحم بدماء ابرياء لأغتسل من جريرة معاقبتهم، اتوضأ ببول المسؤول لأصلي صلاة لا اتقن غيرها اؤدي القرابين لنفوس اقتلها، استبيح بكارتها، نقاءها وهو يشاهدني حتى يرضى عني بعدها يختم على مؤخرتي بأني من اتباعه.. اما الذين يعارضون رغبة السلطة فاربط على خصيانهم بالخيط واسقيهم ماء حتى تنتفخ بطونهم، مثاناتهم تنتفخ وتنتفخ حتى تكاد تنفجر فآتي وامام أعين الجلاد أبقر بطونهم لتتدفق مصارينهم، أحشاهم تحت قدمي والجلاد الكبير يضحك ويصفق، راقت له هذه التسلية، كان يُعَمدنا بكلمات الرب الذي لا نعلم من هو لكننا بالتأكيد نمتثل لأمره.. كان مثل كاليغولا ونحن ابناء لقطاء.. وكزني قريني كي اخرج من مسرح الخيانة المخجل.. فقلت: نعم اعرفها لقد كانت إحدى ضحاياي، لست مسؤولا عما جرى لها، لكني كنت اداة للتنفيذ فكان إما أنا اوهي بالتأكيد لن ارض ان اكون الضحية فعقرتها واغتصبتها وغيري الى ان كانت اللطمة التي ابعدتني.. لا ادري اهي صحوة او ماذا؟ فأنا نجس حتى النخاع، ماتت كغيرها مثل اللاتي بقربها وغيرها على الجدار المقابل من الذين رامتهم السلطة تهديد لنمط حياتها.. لا تلقي باللوم بما تريد على كاهلي فأنا مجرد ماصة في أحد اذرع الاخطبوط، فماذا يمكنني ان افعل؟ لا اقول هذا تبريرا لكني اعتدت ان أكون لقيطا فعالم الحلال والحرام مات على اعتاب دماء الابرياء.. لكني أخبرك امرا ما دمت مصرا على اقتيادي كي أعاني او يوخزني ضمير.. ابشرك بأني كما غير ممن يعملون للسلطة اغتصبنا ضمائرنا، لاط كل واحد منا ضمير غيره، استبحنا لأنفسنا ان نكون من عصر الجاهلية.. اعراضنا مباحة، نفوسنا مستباحة حياتنا سخرناها لمن نعبد.. اما ما تراني فيه من حال لا تأنيب ضمير لكني افسره اشباع وملل، لم تتسع له مساحة أكثر بداخلي فأعتزلت، وما اراه فأنا بمنأى عن العقاب فكما ترى كل المأسي، الأحزان، الظلم، كلها مفردات قوية أما الحق والعدل والحرام مفردات لا يمكنها ان تعيد للحياة الذين ماتوا فلا شاهد عيان لديها كما قلت لك الاموات لا يقصون الحكايا.

 

القاص والكاتب

عبد الجبارالحمدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم