صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: حجج الاستدلال الديني بلغة مبسطة

حاتم حميد محسنفي الدراسات الدينية الحديثة وخاصة في مناهج التعليم الثانوي، هناك مدخل في فلسفة الدين يتضمن حججا في الاستدلال على وجود الله وهي ثلاث حجج: حجة التصميم او المصمم الذكي، وحجة التجربة الدينية، والحجة الأخلاقية، سنتطرق لهذه الحجج تباعا مع عرض نقاط القوة والضعف في كل منها.

1- حجة التصميم The design argument

هذه الحجة في وجود الله تشير الى ان العالم يعمل جيدا، بمعنى انه صُمم بطريقة معينة. وتضيف الحجة بان العالم اذا كان مصمما بهذه الطريقة، فان شيء ما يجب ان يكون هو الذي صمّمه. هناك عدة أمثلة عن الكيفية التي صُمم بها العالم:

1- الأشجار تأخذ ثاني اوكسيد الكاربون وتعطي الاوكسجين.

2- الأرض وُضعت بشكل متميز وملائم في النظام الشمسي وبما يساعد على الحياة. فهي لا قريبة جدا للشمس لنحترق، ولابعيدة جدا بحيث نتجمد.

ان حجة التصميم ترفض فكرة اننا خُلقنا عشوائيا بالصدفة او اننا وُجدنا بسبب الانفجار العظيم (النظرية العلمية بان الكون بدأ بانفجار هائل قبل 13.7 بليون سنة).

قارن وليم بالي (1743-1805) تصميم الكون بعملية العثور على ساعة. هو يقول لو كنت تمشي في حقل أخضر ووجدت ساعة وسط العشب ولاحظت كم هي كانت معقدة فأنك ستفترض ان احد ما هو الذي صنعها. جميع الأجزاء في الساعة من سبرنكات ولفائف ورقاصات وحركات كلها تعمل مجتمعة من أجل قياس الوقت. كل منْ ينظر في الساعة سيؤمن جازما ان الساعة صُممت لغرض قياس الوقت. بالي قارن هذا بتصميم الكون واستنتج انه مثلما هناك مصمم للساعة، هناك ايضا مصمم للكون.

العالم اسحق نيوتن (1642-1727) استخدم بصمة الابهام كدليل على وجود الله لأن كل شخص له بصمة ابهام متفردة. هذا يشير الى وجود مصمم بدلا من مجرد صدفة عشوائية. (في غياب أي برهان آخر، فان بصمة الابهام وحدها تقنعني بوجود الله – اسحق نيوتن).

كذلك ان جسم الانسان مليء بالأمثلة عن الطريقة المتفردة التي خُلقنا بها – مثلا، تصميم العين يسمح لنا بالتقاط عدة ألوان وأشكال. وكل هذا يشير الى وجود مصمم.

غير ان هناك الكثير من الأشياء التي لا تعمل جيدا في هذا العالم بما يجعل من الصعب الاعتقاد بفكرة المصمم . فمثلا، قشرة الارض صُنعت من صفائح لا تتلائم مع بعضها بشكل صحيح، وهو ما يؤدي في بعض الاحيان الى ان تتدافع نحو بعضها مسببة الزلازل والبراكين.

الفيلسوف ديفد هيوم (1711- 1776) رفض فكرة المصمم الذكي، مستندا على ثلاثة مرتكزات:

1- لا توجد لدينا تجربة او خبرة في صنع العالم. هيوم يؤكد حقيقة ان كل شيء ندّعي معرفة سببه، انما نشتق استنتاجاتنا من التجارب السابقة عن اشياء مشابهة مصنوعة او صنعناها بانفسنا. في مثال الساعة نحن نعلم انها صُنعت بواسطة صانع الساعة لأننا نستطيع ملاحظة انها صُنعت ونقارنها بساعات او اشياء مصنوعة مشابهة لها فنستنتج بالنهاية انها لها سبب مشابه في الصنع. هو يقول اننا ليس لنا تجربة بخلق الكون لكي نستطيع مقارنة الكون بها، ولذلك سيكون من غير المنطقي الاستدلال بان كوننا خُلق بنفس الطريقة التي صُنعت بها الساعة.

2- لا يوجد شبه كافي بين الكون والساعة. فمثلا، الكون صُنع من مواد طبيعية عضوية، اما الساعة صُنعت من مواد ميكانيكية مصطنعة.

3- حجة التصميم لا تعطي دليل على قدرة الله الكلية. الساعة او الماكنة عادة تُصمم من قبل مجموعة من الميكانيكيين والمهندسين وليس شخصا واحدا، وعند المقارنة مع خالق الكون سيكون هناك مجموعة من الآلهة وليس الها واحدا. كذلك، الساعة قبل صنعها تمر بسلسلة من التجربة والخطأ وتُجرى عليها عدة تحسينات قبل الصنع النهائي، اما في حالة خالق الكون فلا نستطيع الافتراض ان الله قام بعدة تجارب من الصح والخطأ قبل صنع الكون لأن ذلك يعني انه ليس قادرا على كل شيء.

نقاط قوة حجة التصميم

1- الحجة تتماشى مع الاحتمالات. ولذلك فانها تستمر مع ظهور اكتشافات جديدة في العلوم.

2- الدليل ينسجم جيدا مع قصص الخلق في الانجيل سواءً فُهمت حرفيا او رمزيا.

3- بعض التطورات في الحجة مثل (المبدأ الانثروبي) anthropic principle(اطروحة تؤكد ان الكون حتمي لأن معادلاته وقوانينه ملائمة لظهور الحياة. حيث لو كانت الجسيمات الاولية مثل الالكترون والبروتين ليست بصفاتها الموجودة ولا ضمن القوانين التي تحكمها لكان من غير الممكن نشأة الحياة) – توفر طرقا تكون فيها أفكار التطور والايمان بوجود الله يعملان جنبا الى جنب.

نقاط الضعف

1- التعقيدية لا تعني بالضرورة وجود مصمم

2- حتى لو قبلنا ان العالم مصمم، لايمكننا الافتراض ان المصمم له هو الله. واذا كان صُمم من الله فان وجود الشر والمعاناة في العالم تشير الى ان الايمان بالله لا ينطوي على الخيرية الكاملة .

3- نظرية التطور التي وضعها دارون تبيّن لنا طريقة لفهم الكيفية التي تتطور بها الكائنات الحية بدون الاشارة الى مصمم.

2- حجة التجربة الدينية

التجربة الدينية هي عندما يشعر شخص ما انه يمتلك تجربة مباشرة في الله. قيل لو ان شخصا ما لديه شعور بالله، هذا سيكون البرهان الأقوى إقناعا على وجود الله لأنه مارس او شعر شخصيا بالله. انه جدال غير مرتكز على المنطق او العقل. التجربة الدينية يمكن ان تكون حلما او رؤية فيها يتكلم الله للفرد، وقد تكون معجزة شفاء. التجربة الذاتية هي مقنعة تماما لذلك الفرد. فمثلا لو ان شخصا ما يخبرك ان الشوكولاته ذات مذاق حقا جيد، او انها ناعمة الملمس، لكنك فقط عندما تجرّب بنفسك الشوكولاته ستكون مقتنعا بذلك. ونفس الشيء ينطبق على الله.

هذه الحجة تكتسب مصداقية كبيرة عندما تتغير دراماتيكيا حياة الفرد الذي له اتصال بالله . كما في حالة لو ان الشخص تتغير حياته بفعل تجربته مع الله بعد ان كان في السابق تعيسا.

كل شيء في الذهن

يمكن الجدال ان التجربة الدينية هي ذهنية خالصة. نحن لم نفهم تماما تعقيدية الذهن الانساني وربما يلعب الخداع دورا فينا، يجعلنا نعتقد اننا في تجربة مع الله. التجارب الدينية التي تحدث اثناء المرض، كما في حالة شفاء شخص ما يمكن توضيحها لو ان الفرد يستخدم دواءً يسبّب الهلوسة.

المصادفة

يمكن القول ايضا ان التجارب الدينية هي مجرد مصادفات، او ان الفرد يبحث عن تجربة دينية ولذلك يخلق واحدة في ذهنه. فمثلا، شخص ما يسعى لإتخاذ قرار مهم سيشاهد سلسلة من الإعلانات التي تساعده في اتخاذ ذلك القرار- هو قد يجادل ان الله وضع تلك الإعلانات له. ولكن هل هذا الفرد حقا يخلق تجربة دينية؟

مظاهر قوة الحجة

1- الحجة تدعم بعض الاشياء التي يؤمن بها المؤمنون سلفا. فمثلا، الانجيل يخبر الناس منْ الذين امتلكوا تجربة في الله.

2- الانجيل يعطي نصيحة عن كيفية تحديد ما اذا كان الشخص يتكلم حقا ام انه مخدوع. فمثلا، النبي ارميا (Jeremiah) قال "اما بالنسبة للنبي الذي يتنبأ بالسلام، ثم تتحقق كلمة ذلك النبي عندئذ سيُعرف ان الله حقا أرسل ذلك النبي"Jeremiah 28:9

3- مع ان بعض التجارب الدينية مضللة لكنها ليست كلها كذلك.

4- البحوث التي اجريت في جامعة نوتنكهام في التسعينات استنتجت ان اكثر من 60% من الناس الذين قوبلوا ادّعوا انهم امتلكوا نوعا من التجربة الدينية المهمة. بعض الناس الذين أعلنوا تلك الادّعاءات كانوا محترمين جدا مثل مارتن لوثر كنك.

مظاهر ضعف الحجة

1- من المستحيل إثبات صحة تلك التجارب الدينية

2- في مرحلة ما ربما يستطيع العلم توضيح هذه التجارب دون الاشارة الى لله.

3- الحجة الأخلاقية

هذه الحجة في وجود الله توجد في عدد من الكتابات لمؤلفين وثيولوجيين مثل CS.Lewis(1898-1963).

تقوم الحجة الاخلاقية على اساس ان كل الناس لديهم إحساس فطري بالصحيح والخطأ. حتى القبائل البدائية المنعزلة في اماكن بعيدة والتي يصعب اتصالها بالعالم الخارجي ايضا لديها احساس اخلاقي.

الحجة تدّعي انه بسبب كون كل الناس لديهم هذا الاحساس بالصح والخطأ، فان مثل هذا الاحساس يجب ان يأتي من مصدر خارج انفسنا. ومع ان الاخلاق يمكن تعلّمها من الوالدين، لكننا يجب ان نعترف بان الناس الاوائل كان يجب عليهم اكتساب هذا الاحساس من مصدر خارج ذواتهم وهو الله.

لويس يدّعي ان الطبيعة لايمكن ان تزوّد الأساس بالأخلاق، خاصة اذا كنت تعتقد ان الطبيعة هي حدث عشوائي – بمعنى جاءت من الانفجار العظيم (البغ بانغ) . الاقتراح باننا نحصل على دليلنا الاخلاقي من مصدر أعلى يتطلب الايمان بالله.

قوة الحجة

الحجة تدعم بعض الاشياء التي يؤمن بها المؤمن سلفا. الانجيل يقول ان الله خيّر، ويتوقع مستوى معين من السلوك يحكم الناس وايضا سوف يعفو عنهم عندما يعترفون بعمل الخطأ. المؤمن يريد بالطبع ان يتعقب أصل الاخلاق رجوعا الى الله.

ضعف الحجة

1- اولئك الذين يرفضون هذه الحجة يدّعون ان الاخلاق هي عرف اجتماعي يتم تعلّمها من خلال التجربة والتربية.

2- الدليل ضد الشفرة الاخلاقية العالمية هو ان بعض الناس مثل المجرم او المغتصب ليس لديهم احساس بالاخلاق. ولذلك، لا معنى في ان يكون لكل الناس شفرة اخلاقية. كذلك، في بعض اجزاء العالم تكون الرشوة والفساد مقبولين، بينما في أجزاء اخرى ليسوا كذلك، وهو ما يشير الى عدم وجود اتفاق عام حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول.

3- هناك عدة توضيحات اخرى للاخلاق ليس لها علاقة بالله. فمثلا، الضمير ربما نتاج كلي للدماغ. اذا كان الضمير هو صوت الله، عندئذ لماذا تلك الاختلافات في الآراء حول قضايا مثل الاجهاض والقتل الرحيم؟

4- حتى الاشخاص الذين لا يؤمنون بالله او الاّادريين ايضا يتفهمون الفرق بين الصحيح والخطأ وكيفية العيش بحياة جيدة.

5- الحجة الاخلاقية قد تشير الى وجود نوع من مانح القوانين لكنها لا تستطيع إثبات وجود الله كما يُفهم تقليديا.

 

حاتم حميد محسن

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم