شهادات ومذكرات

خليل السكاكيني 1878-1953

يعتبر خليل السكاكيني رائدا من رواد التربية والمعرفة في مجالي اللغة العربية والتربية. فهو يمتاز بالخلق السليم، ورجاحة العقل . وطني بشكل لافت، يؤمن بأن العلم والمعرفة، هما ركنان أساسيان في تثقيف وتعليم المجتمعات المتحضرة .

ولد خليل االسكاكيني في القدس عام 1878، وتلقى تعليمه في المدرسة الانجليكانية اولا، ثم انتقل الى مدرسة " صهيون " الانجليزية . تابع دراسته في " كلية الشباب " حيث عقد عليه مربيه الفاضل " زريق نخلة " امالا عراضا. بحسن تدبيره، واهتمامه الشديدين للسير في طريق المعرفة والعلم، فقد ادخر خليل السكاكيني بعض المال لدراسة الطب في روسيا، ولكن موت ابيه قوض كل مشاريعه .قصد امريكا، حيث كان أخوه يوسف يعمل في منطقة فيلادلفيا، وأمده ببعض المال كي يشق طريقه في بلاد الغربة . ساءت احوال أخيه المادية، فتوقف عن مساعدته، مما اضطره للبحث عن عمل شريف اخر، وكان في محل تجاري سرعان ما غادره لعدم مقدرته على التكيف مع ما تتطلبه هذه الاعمال من قلة في الشفافية، وعدم الصدق مع الزبائن في كثير من الاحيان. تنقل بين مناطق عدة في أمريكا، فتارة يُدرّس اللغة العربية، وتارة يقوم بأعمال الترجمة لجهات أخرى.

لم يكد يسمع بنبأ اقرار السلطان عبد الحميد للدستور للبلاد، حتى قفل راجعا لمسقط راسه، ليزرع أول بذور المعرفة في الارض الطيبة. وكانت أولى ثمار هذا الزرع هي " المدرسة الدستورية " التي انشأها في وقت كانت اكثر المدارس أنذاك أجنبية. وكمرب متطور ، واسع الافق ، متفتق الذهن ، فقد امن بتطوير وتحديث وسائل التعليم، وخاصة البصرية، كما عمل على تحسين نظام التربية بالنسبة للبنات خاصة. الكثير من أفراد الرعيل الاول ما زالوا يذكرون الدرس الاول في منهاج اللغة العربية في الاردن لخليل السكاكيني، والذي يبدأ ب " راس ، روس "، وربما قناعات البعض ان تلك الطريقة كانت ضمن اكثر الطرق التربوية نجاحا في التعليم، رغم قدمها. فمن قناعات خليل السكاكيني في التعليم، نوجز مايلي:

معارضته اسلوب القصاص / عدم اذلال الطالب / تهذيب شخصية الطالب / علاقات اجتماعية مفتوحة مع الطالب / الغاء قيام الطلبة حين دخول المدرس للصف / التركيز على تعليم الدين .

تعرض للاعتقال اثر ايوائه صديقا يهوديا امريكيا له اثناء الحرب، واودع سجن الجامع الكبير في دمشق - 1918- ثم اخرج بكفالة، ثم التحق بالثورة العربية الكبرى تحت لواء الشريف حسين. تماهى السكاكيني مع مبادئ الثورة الكبرى، فألف فيها شعرا ، ما لبث أن أصبح نشيدا للثورة:

أيها المولى العظيم فخر كل العرب

ملكك الملك الفخيم ملك جدك النبي

نحو هذا الملك سيروا قبل فوت الزمن

وعلى الخصم أغيروا لخلاص الوطن

لقد تمكن منه سحر الثورة العربية الكبرى، فشد الرحال على جمل للقاء الامير فيصل بن الحسين في منطقة " أبي اللسن ". وبعد مدة ، توجه الى مصر عبر ثغر الاردن الباسم- العقبة، ولكن الانجليز منعوه بداية، ثم ما لبثوا ان سمحوا له، فكانت فرصة سانحة للالتقاء باساطين الفكر والمعرفة هناك أمثال العقاد، طه حسين، منصور فهمي، أحمد زكي باشا، وغيرهم الكثير.

في عام 1919 عاد الى القدس ليتفانى في التدريس؛ فعين مديرا لدار المعلمين . فألهب حماس الطلبة، واستنهض هممهم الوطنية. فشجع الخطابة، والقاء الكلمات المتقدة، والمساجلات الفكرية، فأنشأ مجلة " الجوزاء " . كما عين مفتشا للتعليم لمدة 12 عاما، ما لبث أن استقال، احتجاجا على تعيين " هربرت صموئيل " مندوبا ساميا لبريطانيا في فلسطين. لم يبخل السكاكيني بعلمه على أحد، فقد أضحى يساهم بمقالات واشعار سياسية معارضة في الصحف والمجلات ، سواء أمحلية كانت أم مصرية، ك" الهلال "، و " السياسة الاسبوعية ".

حمل السكاكيني هم الوطن، بنفس القدر الذي حمل فيه هم التربية واللغة العربية، ففي عام 1925 اعتلى منبر المسجد الأقصى وألقى خطبة نارية لاهبة، يستنهض الهمم الوطنية، ومحذرا مما ستؤول اليه الامور ان لم يتحد الجميع يدا واحدة للذود عن حياض الوطن.

وبعيدا عن السياسة والفكر، فطالما تردد السكاكيني على مقهى بلدية باب الخليل، الذي اطلق عليه اسم مقهى " الصعاليك"، وكان معظم روادة من المناضلين العرب الذين تم نفيهم من ديارهم، واثروا القدس فيئا و موئلا

 

يونس عودة /الاردن

 

في المثقف اليوم