قراءة في كتاب

آراء حول رواية: النفوس الميتة للكاتب الروسي نيقولاي غوغول

husan alikhedayrصدر حديثاً كتاب (تأملات في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر)، وهو من ترجمة الاستاذ القدير والمترجم المبدع البارع دكتور تحسين رزاق عزيز، وتأليف الكاتب الروسي فلاديمير ياكوفليفيتش لينكوف، وبودي ان انوه هذا المقال هو مخصص فقط للموضوع الاول (جدلية النفوس الميتة) في هذا الكتاب.

يتحدث لينكوف في هذا الكتاب عن رواية غوغول المشهورة هي (النفوس الميتة) بطريقة تختلف عن بقية الكتاب الروس الذين تناولوا موضوع (النفوس الميتة)، في بداية الامر يبُين الكاتب بان غوغول (١٨٠٩-١٨٥٢) قد تقاطع مع ادب القرن التاسع عشر كله في مجال فهم الانسان والتاريخ حسب ما ذكر لينكوف، ومن ثم يوضح لينكوف أين يكمن هذا التقاطع حين يذكر رسالة غوغول الى انينكوف *(لا أستطيع تقبل مختلف الاّراء حول عصرنا وزماننا لانها جميعها كاذبة)، وعلى ما اعتقد ان سبب عدم تقبل غوغول مختلف آراء عصره يعود الى المواضيع او الأفكار التي تطرح في زمانه هي بعيدة عن الواقع الذي هو في تصور غوغول او كما وضح لينكوف في كتابه لماذا غوغول لم يعتنق الأفكار الروحية المعاصرة له لانهُ اهتم بالقيم الروحية في عصره، وكان منتقداً لعصره من وجهة نظر مسيحية، وكان يرى غوغول المسؤولية التي تقع على عاتق الانسان هي العمل على ارشاد أخيه الانسان الى الطريق الصحيح الذي لا يدركه، والشي الملفت للنظر ان لينكوف يجري مقارنة بين غوغول ودوستويفسكي في جانب الحقيقة المسيحية فمفهومها عند غوغول يختلف لدى دوستويفسكي لان غوغول يعتبرها استنفدت واستهلكت ولم يبقى شئ للبحث. اما دوستويفسكي يرى لزاما علينا ان نقتدي بشخصية المسيح، ومن ثم لينكوف يبُين بان غوغول ركز في اعماله بتفاهة الانسان، وهذا الامر تجلى في روايته المعروفة (النفوس الميتة)، كلنا يعرف من هو تشيتشيكوف ؟ انه بطل رواية (النفوس الميتة)، اشبه بحرباء في صحراء لها قدرة عجيبة على التأقلم مع الظروف الحياة يقول ف. يا. لينكوف عن بطل غوغول ** (تشيتشيكوف، على سبيل المثال، قادر على إدامة اي حوار : (فلو جرى الحديث عن الطاحونة الخيول، تحدث عن طاحونة الخيول ولو جرى نقاش حول لعبة البليارد - لما زل عن الكلام لعبة البليارد؛ وان كان الحديث عن العفة، كان تعليقة على العفة جيداً جداً، وحتى تنزل الدموع من عينيه)، اذن ، نحن امام شيطان بما للكلمة من معنى، الا ان هذا الشيطان يكتسي لبوس انسان، اما غاية هذا البطل قد أشار لها غوغول وكتب (في الفصل الحادي عشر) يقول: *** (ليس لديه (تشيتشيكوف) تعلق بالمال بالمعنى الحرفي للكلمة. فالجشع والبخل غريبان عن طبيعته، انه يحلم بحياة يعمّها الرضا والراحة: عربات، بيت جميل، مجموعة كبيرة من الخدم، مآدب عشاء رائعة... هذا هو ما يسعى له، ان يكون قادرًا في النهاية في احد الأيام على تذوق طعم السعادة حتى الثمالة. كل ما فية طعم الوفرة والحياة المريحة كان له تأثير قوي عليه بحيث انه هو نفسة لا يستطيع ان يفسر ذلك). اذن ، نستنتج من كلام غوغول هذا ان المال ليس غايته بل وسيلة للحصول على وسائل الراحة، وهو لديه استعداد تدمير كل شيء في سبيل الوصول الى غايته المنشودة، والشيء العجيب ان بطل غوغول يتميز بطباع غير موجودة عند ابطال الروايات التي ظهرت في القرن التاسع عشر، نحن حقاً امام شيطان من صنف اخر، انه من جنس البشر. وفي هذا الموضوع لينكوف أشار الى مفاهيم او المواضيع التي ترتكز عليها الرواية هي الخسة والتفاهة والعبث (الهراء) وقد وضح لينكوف بإسهاب هذه الظواهر الموجودة في رواية (النفوس الميتة). وفي نهاية هذا الموضوع الكاتب لينكوف التي أفكاره تخترق العقل قبل القلب فهو ابدع في إيصال أفكاره التي تملئها قوة الدليل ونقده الثاقب المبني على دراية كاملة في فهم ابطال الرواية وأسباب ظهورهم وتأثيرهم على المجتمع، ولكن لينكوف في هذا الفصل تحديدا لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب على أسئلة تدور في بال القارئ والنقاد وهي أسئلة جداً مهمة وقد تطرق لها الكاتب هنري تروبا في كتابه المعروف (غوغول: سيرة نفس ممزقة) ومن هذه الأسئلة **** (كيف يمكن لومه لشرائه نفوساً ميتة في بلد يشرع شراء النفوس الحية؟ أليس ما يستحق الشجب أساساً هو تحويل البشر الأحياء الى العبودية اكثر من تحويل الموتى منهم من سجل الى اخر؟)، اذن، نستشف من الأسئلة ان الخسة والتفاهة والعبث التي أشار اليها لينكوف في موضوع (جدلية النفوس الميتة) ليس تشيتشيكوف وحده من يقع عليه هذه المميزات التي ذكرناها آنفاً بل حتى السلطة المتمثّلة بنظام البلد آنذاك، وهذا الاستنتاج يقودنا الى ان غوغول عمل على فضح السلطة واظهار عيوبها آنذاك . وأخيراً أقول كم لدينا من أمثال تشيتشيكوف في عصرنا هذا؟

 

حسين علي خضير الشويلي

..........................

*تاملات في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر/ تأليف ف. يا. لينكوف؛ ترجمة د. تحسين رزاق عزيز/ ص١٩

** نفس المصدر/ ص٢٩

***غوغول : سيرة نفس ممزقة/ تأليف هنري تروبا؛ ترجمة حصة نايف/ ص٣٦٢

****نفس المصدر / ٣٦٥

 

في المثقف اليوم