قراءات نقدية

رواية: سحر البحر للروائي المصري أشرف الخريبي.. قراءة الماقبل لضربات الوهم المتشرد

1262ليس العالم سوى مجموعة لا متناهية من الالتباسات والاستحالات، ما دام "العالم ليس حقيقيا، ولكنه واقعي" كما قال {فريناندو بيسوا} في إحدى شذراته.

بين متاهة لامتناهية من الأحاسيس المفاجئة، المتغيرة والمتحولة، من دون أن تهدأ وتستقر على حال. فالحال هو اللايقين والانعطاف الدائم المفاجئ من إحساس - فكرة الى أخرى تنقض سابقاتها وتدحضها. بين المفرد الموجع المدمى بالفقد/ الجمع الخواء الميت القش، خطيئة المتحرك ، ووحشة الثابت، حموضة الوجود/ملح العدم، الذات المرآة/وتشظي الجسد، الفقد/التوحد، مد الدماء/ جزر التوحد الجسدين ، وعُرْيِّ الماء للجسد، جمرالسماء الوقت. وثعالب الممكن/ المستحيل ،ذئاب الرغبة المرعبة /موت الخلاص الهلامي ،تنعجن الأسطورة بالفجيعة ، يدخل السارد لحظات من "الإشراق الوجودي" في الحياة الإنسانية التي لا تثبت على حالٍ أو اتجاه اللّغة وفق نظرتنا النقدية هي المعيار الحقيقي لكشف ما ورائية النص، وقصدية معطياته المستثمرة داخل المعنى القصدي لفاعلية الانسجام المنجديّ بين النص، وبين تلك الاستثمارات المعيارية، وتبقى مهمة النقد، الولوج الى نبض النص لاكتشاف معالمه المخبوءة في بواتق ملامحه التدوينية، باعتباره أي (النقد) العين المبصرة الثاقبة، لبيان مناطق القبح، والجمال داخل النص، والتصاقه الحيوي بالبيئة الحاضنة له، وتاريخه، ونمطية اشتغاله على عينة مجتمعية ذات أبعاد فكرية متجانسة، أو العكس، من اجل تحريرها، وجعلها متوافقة من نسق الحياة، وعلى ضوء ما يري (بول إيلوار) حين يقول :- (أن تحرير اللّغة، شكل من أشكال تغيير نمط الحياة) .. وهذا القول يقودنا الى معرفة تضمين اللّغة لواقع غير ثابت، واقع متغاير، ونسبي، وغير مطلق، بل هو توقع عميق لمدى نجاح مخيال المبدع في إثراء مشروعه الإبداعيّ، وبيان عبقرية ملكته الفنية، ومدى نجاحه في استثمار أدواته المهارية، وفي استخدام اللّفظة، أو المفردة في سياق الجملة، ليحيلها الى ايقونة شعرية ذات خصائص انتقائية، وتحريرات حاضرة في أزمنة اللّغة، ويتأتى ذلك عبر منظومة التجليات الشعريّة، من اجل ضرورة إحداث ذلك التغيير في الحياة ودائرتها الشمولية، التي يزمع المبدع من خلالها الحصول على منافع الدهشة، والحضور المشع، داخل بوتقة التلقي . غير أن حركة الحداثة داهمت الفكر والأدب والفن في أعمق موجاتها وأوسعها وأكثرها جذرية في مطلع القرن العشرين، وكان حددها بعض النقاد، في المقالات التي حررها مالكولوم برادبري Malcolm Bradbury وجيمس ماكفرلن James Mcarlane في الفترة ما بين 1890 و 1930 في الكتاب الأشهر في هذا المجال المسمى «الحداثة Modernism 1890-1930» (1976)([3])، حين شملت الحداثة الأجناس الأدبية برمتها: الشعر، القصة، الرواية، المسرحية، بالإضافة إلى الفنون ومظاهر الحياة الأخرى، وتشكلت حركات أدبية حدثية مختلفة مثل التصويرية والمستقبلية والتعبيرية والدادائية والسوريالية والانطباعية والوحشية والانحطاطية والتكعيبية وسواها، ثم خاض النقد الأدبي غمار الحداثة، طليعياً حيناً، ومواكباً حيناً آخر، وتميز نقد القصة والرواية لدى مبدعيه أولاً مثل أ. م. فورستر E.M. forster وهنري جيمس H.James وسومرست موم وفرجينيا وولف، ونقاده ثانياً مثل بيرسي لبوك Percy Lubbock وف. ر. ليفز F.R.Leavis ومارك شورر Mark Schorer، وهؤلاء المبدعون والنقاد وأضرابهم هم الذين أطلقوا ما سمي بالنقد الجديد، تطويراً، للإتباعية الجديدة التي مثلت ذروة التقليد الغربي في النقد. ولعل أهم ما تميز به هؤلاء المبدعون هو فهم القص ومكوناته من الراوي إلى السرد والتحفيز والقصد مما كان أساس النقلة التالية في الغرب في الستينيات من نقد القصة والرواية إلى نقد السرد وعلم السرد. ثم آل المشهد النقدي الحديث، فيما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى بروز اتجاهات نقدية جديدة متأثرة بالعلوم الإنسانية، مثل علم النفس وعلم الاجتماع، وعلم اللغة الذي وسم عمليات التحديث برمتها، فكانت الاتجاهات الجديدة المتصلة بالحداثة وما بعدها، مثل الشكلانية الروسية Formaliste du Russe والمعيارية Normative والبنيوية Structuralism، واللسانية Linguistique، والعلاماتية Sémiologique وسواها. وقد يثار سؤال حول الشكلانية الروسية، على سبيل المثال، وانتشارها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي التي ظهرت في العشرينيات والثلاثينيات. ونكتفي في هذه المقدمة بذكر أن اكتشاف تراث الشكلانيين الروس متأخر عند الغربيين أنفسهم إلى مطالع الستينيات حين ترجم تودروف بعض نصوصهم إلى اللغة الفرنسية([4]). الاتجاهات والاتجاهات الجديدة: يؤثر بعض النقاد والباحثين أن يسمي الاتجاهات النقدية بالمدارس أو المذاهب، غير أنني أوثر مصطلح الاتجاهات، لاقترابه من وصف الحال أو المفهوم مراعياً تغيره في الوقت نفسه، فالمذهب أو المدرسة يشير إلى تكون ناجز للمفهوم النقدي وثباته في مرحلة تاريخية معينة واستقراره في النظرية والتطبيق. وينفر النقاد الغربيون من أمثال هذه المصطلحات، لضيقهم من التأطير، ولمراعاتهم لعنصر التغير في المفهوم وممارسته، ولعلنا نتذكر أن شيخين من شيوخ النقد العربي الحديث، هما إحسان عباس ومحمد يوسف نجم (فلسطين) وضعا تسمية مدارس حديثة لبعض الاتجاهات النقدية التي لم تتأصل بعد لدى تعريبهما لكتاب ستانلي هايمن Stanley E. Hayman المعنون The Armed Vision (1955، مظهر الترجمة في عامي 58-1960). لقد كانت الاتجاهات النقدية التقليدية الراسخة تتمحور حول النقد الإتباعي والنقد الواقعي والنقد الرومانسي، ثم ظهرت أشكال أخرى من النقد الرمزي أو النقد التفسيري أو النقد اللغوي أو النقد الموضوعي أو النقد الجديد، أو النقد النفسي أو النقد الماركسي ضمن حدود نظرية النقد التقليدي، أي المرتهن لتقاليد النظرية الأدبية فعلى سبيل المثال، انطلق النقد الجديد New Criticism مع ا.ا. ريتشاردز واليوت وجون كرو رانسوم John Crowe Ransom وأقرانه في العشرينيات معتنين بالنص من داخله بالدرجة الأولى، حيث الاهتمام بقراءته قراءة يصحبها الفهم العميق لدلالات الألفاظ، والاهتمام بالأثر الأدبي من حيث بنيته وشكله مستقلين عن شخصية مبدعه أو تأثيره في قرائه المختلفين. ويفيد الاتجاه بهذا المعنى ما يجذب الأذهان نحو فكرة معينة أو تذوق خاص أو إجراءات موصوفة تستند إلى مجموعة مبادئ أو معايير متصلة ومنسقة لمنهج محدد، بمعنى الانضواء تحت لواء مسار ما أو مجال للتطور، ويفيد هذا المعنى المصطلحات الدالة في اللغة الإنكليزية مثل Approach, Current, Doctrine, Trend، وأقربها هو المصطلح الأول Trend إذ ينصرف المعنى إلى تشكل ميل أو اتجاه أو مسار معين، بينما يشير المصطلح الثاني Approach إلى البعد الأفقي للاتجاه، ويحتفظ المصطلح الثالث Current لمعنى اندراج الاتجاه في تيار سائد، أما المصطلح الرابع Doctrine فيتصل بمعنى رسوخ الاتجاه في مجموعة المبادئ والآراء. لتترسخ اتجاهات نقدية إتباعية وواقعية وماركسية وموضوعية ولغوية أسلوبية بالدرجة الأولى، وما لبثت أن تلونت هذه الاتجاهات بتلوينات جديدة بتأثير مناهج النقد الأدبي الحديثة، ومن أهم هذه الاتجاهات النقد الاجتماعي Sociocritique، وهو متطور عن علم اجتماع الأدب Sociologie de la Litterature والنقد الواقعي والنقد الماركسي، والنقد النفسي Psychocritique، والنقد البنيوي Structuralisme بتنويعاته المختلفة النصية La Critique ****uelle والشكلانية Foramlism والشعرية La Poetique والتكوينية La critique Genetigue، وثمة الأسلوبية La Stylistique وقرينتها اللسانية Linguistigue، والعلاماتية أو السيميائية Semiologique والتفكيكية Deconstruction وغيرها. وقد اتصل النقد العربي الحديث بهذه الاتجاهات الجديدة عن طريق «النقد الجديد» حتى نهاية الستينيات، باتصال الروافد العلمية الأكاديمية المباشر، أو بالترجمة، حتى أن كتاب أ. م. فورستر «أركان الرواية الحديثة Aspects of the Novel» (1927) ترجم إلى اللغة العربية مرات([5])، وعن طريق «البنيوية Straucturalism» وما بعدها، منذ مطلع السبعينيات، بتأثير الباحثين الذين تحصلوا على علمهم في الجامعات الفرنسية ومعاهدها، في بلدان المغرب العربي وبلاد الشام، ولا سيما المغرب وتونس ولبنان وسورية، ثم مصر، ثم انتشرت الاتجاهات الجديدة في الثمانينيات في أرجاء الوطن العربي. وآخرا وليس أخيرا في كسر الزمن والمكان بلغة سردية شعرية يقفز الكاتب بتداخل الإنسي بالجني والواحدانية بالجمع بلغة شبه أسطورية ساحرة وتداخل الناسوتي باللاهوتي والسماوي بالأرضي يختتم الكاتب روايته الدائرية. {أدخل الليل وحيدا هامسا، الأولى لعمر مديد، والثانية لقميص ليلىّ، والثالثة والرابعة والخامسة بعد منتصف الصباح في المكان نفسه سوف أمزق كل أوراقي، وأذبح الليل بالفرشاة ، وأرسمه قمرًا لأني منذ الآن ألعن كل أشكال النهاية/والبداية. سوف أمنح العمرابتهاجي وأرحل، ثم أرحل إلى مدني الغرقى في المح.....!؟

في رواية عبر نوعية إستثنائية للروائي المصري الكبير/ اشرف الخريبي.

 

ورقة نقدية للشاعر السيد فتحي – المغرب

 

 

في المثقف اليوم