أقلام حرة

أقلام حرة

الذين يحكمون على الحياة والأحداث وعلى الآخرين وعلى أنفسهم انطِلَاقًا من معاييرهم المحلية فحسب، ينطبق عليهم وصف الفيلسوف \"برنارد شو\" في أن هؤلاء يعتقدون أن عادات القبيلة وأحداث الشارع ومعايير المنطقة والعقيدة التي يؤمنون بها والناس الذي يعيشون معهم وأحلامهم والبلد، هي قوانين طبيعية، ومعاييرهم ونظرتهم للحياة تتطابق مع شعوب الأرض، تخيل الآخر كنوع من الشعوذة \" سامحه، فهو يعتقد أن عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة، فالزواج والطقوس والشعوذة في دول أفريقية تنقل العقل إلى العصور الأولى البدائية...، كما في "الأسطورة اليونانية" عن بقرة ترى الفلاح نفسه كل يوم في الحقل، فاعتقدت أنه الإنسان الوحيد على الأرض... حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه أنما يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة. وما يدري أنه بهذا يخدع نفسه. إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها، وهو لو كان قد نشأ في بيئة أخرى، لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردد، ثم يظن أنه يسعى وراء الحق فالبيئة عامل مؤثر في الإنسان...،، والحقيقة. إنها مهزلة العقل البشري. وهذا الوصف الأخير شرحه بالتفصيل الكاتب/ علي الوردي في كتابة{ مهزلة العقل البشري}. البشر على الجانب الآخر من الأرض يعيشون خارج مقاييس العقل الضيق والأسير وهم يحكمون على الحياة وعلي أنفسهم وعلي الآخرين من معايير مختلفة بلا فرض ولا إكراه.

(الجغرافيا الثقافية) تربط المكان بالثقافة والاقتصاد والقيم والعادات والتقاليد وهي ليست ثابتة لدى كل الشعوب، وما هو شرعي وأخلاقي وقانوني في مكان، هو غيره في مكان آخر بل حتى داخل البلد الواحد تختلف المعايير في قضايا محددة وعلي سبيل المثال في ألمانيا كل مقاطعة لها قوانينها الخاصة، كذلك الزي الملابس يختلف من مكان لآخر كذلك الأغاني والمأكل والمشرب، مَثلًا في مصر تختلف عادات أهل وجه بحري تختلف عن عادات أهل الصعيد الوجه القبلي أو أهل سيناء ومدن القناة، وفي حالات تختلف بعض المعايير داخل المدينة الواحدة، مدينة "القاهرة "مَثلًا نقسمها /مناطق شعبية ومناطق راقية، وحتى داخل أفراد الأسرة الواحدة بين (صوفي وعربيد مدمن خمور ومثقف ومتطرف ويساري... إلخ.،، عندما نحكم على الحياة وعلى الآخرين من معايير محلية، محلية ومعطوبة وتختلف حتى عن معاييرنا القديمة الواضحة التي تفصل بين الحدود، نكون نموذج البدوي الذي دخل شاطئ للسياح العراة، أودُخُولًا هِندُوسيًّا  في قداس كنسي أو موكب في مولد للحسين. هناك حياة مختلفة وبشر ومعايير ولعبة \"تخيل الآخر\" كما نرغب قد تكون مسلية، لكنها.غبيةجدًّا ، أكثر مما نتوقع. تخيل الآخر وبناء صورة نمطية عنه بلا اقتراب منه هو نوع من الشعوذة لأنها تستند على ذات الذهنية التخيلية الغربية دون أي أساس واقعي وهذا النوع هو السائد في العلاقات حيث يختزل الآخر بصورة أو موقف أو عبارة ويوضع له رمز كود للحفظ ويخزن كما لو أنه ملف وليس بَشرًا .في كثير من الحوارات عندما نتحدث في قضايا جديدة فكرية أو ثقافية أو أدبية، تكون تعليقات البعض كالتالي:

\"أنا لم أسمع بذلك، أنا، نعم أنا لم أقرأ عن ذلك، أنا، أي أنا، لم يقل لي أحد ذلك وإلخ\"، أي أنه محور الكون والحقائق وما لم يسمعه، لا وجود له، والحقيقة لا وجود موضُوعِيًّا لها بل توجد في عقله، وكل ما لا يعرفه \"غريب\" عنه لأنه هو مركز الكون، وكل ما لا يعرفه، يتخيله كما يحب، أي أن الآخر المختلف لا وجود له إلا صورة في عقل يعاني من التشوه المعرفي ويرى الواقع من نظام تصفية ذهنية، أي لكي يدرك الواقع والآخرين ويرى نفسه، يجب أن يقوم بعملية تحريف وجودي في نظرته للحياة وعلاقاتها لا كما هي بل كما يرغب، أي لا يدرك شيئًا في الحقيقة بل مستغرق في وهم، دون وعي أو إدراك ومن هنا مصدر كثير من الشرور للحياة، العالم الكوني ليس أنقَاضًا ومُعاناةً وفخاخًا  وأرض خراب كما نراها من معاييرنا بل هناك بشر على السفوح الأخرى من الأرض يعيشون حياة مختلفة تمامًا.ويمكننا أن نكون أفضل لو عرفنا الطريق وسلامة الخطوة والبوصلة، فمنذ أكثر من قرن عثر على طفل داخل إحدى الغابات في فرنسا يعيش حياة المأكل والمشرب مثل حيوانات الغابة من الجمع والالتقاط،...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

كان أخر مهرجان للمربد في العراق له قيمة أدبية وحضور أدباء .حقيقيين.في سبعينات القرن الماضي ..وبعدها تحوّل هذا المهرجان الى مظاهرة لتمجيد الصنم المقبور ونظام البعثيين الفاشستيين والترويج الرخيص لأفكارهم والتطبيل لحروبهم العبثية التي دمّرت البلاد وأنهكت العباد في بداية الثامنينات حتى سقوط الصنم المقبور عام 2003 حيث سخّر الصنم وزبانيته أموال الشعب العراقي الصابر المبتلى لتمجيد الطاغية والتسويق لنظامه حيث كان ينفق على هكذا مهرجان تافه بكل سخاء وغباء حيث كان عدد المدعويين بالألاف وتصرف لهم مخصصات 400 $ كل يوم طيلة أيام المهرجان وتحجز لهم أجنحة في كل الفنادق الراقية في العراق الى درجة كانوا يدعون حتى أصحاب (الأكشاك) الذين يمتهنون بيع الصحف والمجلات وليس لهم أية علاقة لا بالشعر ولا بالأدب لا من قريب ولا من بعيد ..أمّا أبواق النظام المقبور فكانت لهم صولات وجولات في أيام المربد وكونّوا علاقات أدبية وفي النشر في طول وعرض الوطن العربي وسوّقوا أنفسهم ك أدباء وشعراء حقيقيين بينما الحقيقة انّ مواهبهم أقرب الى القاع بل وصل الأمر بهم الى تكوين علاقات جنسية وعاطفية مع الضيوف وهذا كله بعلم ومباركة نظام الصنم المقبور ..ولا تختلف الحالة كثيرا ألان بعد التغيير منذ 2003 الى لحظة كتابة هذا المقال فقد ظهر على السطح جيل ممن تمسحوا بأدباء النظام المقبور وكوّنوا أسماءهم وتسنموا مناصب لا يستحقون حرفا واحدا منها وأصبح هؤلاء الغوغاء أسوأ خلف لأسوء سلف وأصبحوا يتزعمون مهرجان المربد ويتحكمون بتوجيه الدعوات الى الأدباء سواءا داخل او خارج العراق من العراقيين والعرب ..امّا الكيفية التي يتمّ بها أنتقاء أسماء المدعويين فهي طريقة لم يصل لها ولم يفكر بها حتى من وضع سيناريوهات الكارتون (توم وجيري) فهم يوجهون دعوات لأصدقائهم في صفحات الفيسبوك ممن يطري ويعلّق على منشوراتهم السخيفة والتي ليس لها أية علاقة بالأبداع مطلقا لكن يحصلون على تعليقات بالمئات على كتابات اقل ما يقال عنها تافهة وبلا قيمة ..وهكذا يتمّ دعوة أدباء الفيسبوك الى مهرجان المربد الشعري بهذا الطريقة المخجلة والا أخلاقية ..وبهذه الطريقة تم تشويه صورة البلد الذي كان يتباهى في سبعينات القرن الماضي بمثل هكذا مهرجان بغياب تام للسلطة ولمحافظ البصرة ودوره الرقابي على هؤلاء الأمعات الذين يتحدثون بأسم العراق العريق تأريخا وحضارة وأدبا وشعرا ..لديّ صديق أتحفظ عن ذكر أسمه كلما بنشر مدونة او منشور في صفحته تنهال عليه التعليقات وهي عبارة عن مجاملات رخيصة مثلا: دراسة ممتازة ..مجهود تنظيري رائع ..ألخ وحدث ذات يوم ان طلب رأيي بما كتب فقمت بمحاولة فتح الرابط في صفحته في الفيسبوك فلم يفتح بالمطلق فقلت له أنّ الرابط لا يفتح فتعجب فحاول فتحه لكن دون جدوى فلم يفتح مطلقا ..عندها أستغرب فقال لي كيف يطري عليّ هؤلاء عن دراسة لم يقرأوا حرفا واحدا منها ؟!! ثمّ قلت له تأكد من بقية الدراسات التي في صفحتك والتي تمّ التعليق عليها من قبل هؤلاء وهكذا ذهب الى بقية الدراسات واذا بالمفاجأة ولا رابط منها يفتح بالمطلق ..وذات المعلقين يكتبون له: دراسة راقية وأسلوب متين ولديك رؤيا نقدية دقيقة ..ولكن الحقيقة انّ جميع هذه الروابط لا تفتح بالمطلق ولم يقرأوا حرفا منها!! هل تعرفون من هم المعلقون عليها؟ أوّلهم مسؤولون مهرجان المربد وثانيهم ضيوف المربد وثالثهم من يضعون أ .د أمام أسمائهم وغالبتهم أساتذة جامعات ورابعهم نقاد كبار ولهم أسماؤهم في عالم النقد ..عندها قال صاحبي: هذه مهزلة ومسخرة ولن أحترم أيّ منهم بعد الآن!! نعم هي مهزلة ومسخرة وهؤلاء الذين قاموا بهذه المسخرة أصبحوا مسوؤلين يوجهون دعوات الى المدعوين لحضور مهرجان المربد ..ومن هم المدعوون ؟ في الحقيقة هم أصدقاؤهم في صفحات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك ..بهذه الطريقة الفجّة يتمّ إدارة مهرجان عريق في العراق الجديد كمهرجان المربد البصري .. ولا أعرف أيّهما أكثر سوءا العهد القديم حيث الصنم وزبانيته ام العهد الجديد وأبطاله من الفيسبوكيين؟ لكنّي أقول قول الشاعر: بليت بأعور فعدلت عنه .. فكيف وقد بليت بأعورين؟.

***

د. رسول عدنان

شاعر عراقي .أمريكا

 

سقطت بغداد عاصمة بلاد المسلمين لعدة قرون، وكانت وهّاجة بالعز والقوة والكبرياء والإبداع الفكري والثقافي والعمراني والعلمي والأدبي الفياض، الذي فتح أبوابا مغلقةً في مسيرة البشرية، وأطلق ما فيها من قدرات إبتكارية وعلمية لا محدودة.

سقطت بغداد يوم الثامن من شباط عام ألف ومئتين وثمانٍ وخمسين (8-10\2\1258) على يد هولاكو،  بل أنها إحترقت وذُبحَ أهلها عن بكرة أبيهم، بأفظع جريمة إبادة جماعية عرفتها البشرية على مر العصور!!

جوهرة عمرانية وثقافية تحولت إلى ركام ودخان وأشلاء متناثرة، تفوح في أرجائها عفونة الجثث والدماء المراقة بعدوانية الوحوش الفائقة الفتك والإهلاك.

إنطفأت شمس الكرة الأرضية الحقيقية، فارتجت البلاد المسلمين من أقصاها إلى أقصاها، وحسب الناس أن الدنيا أشرفت على نهايتها، والقارعة واقعة لا محالة.

هولاكو حفيد جنكيز خان مؤسس الإمبراطورية المغولية، والذي عاش ثمانية وأربعين عاما فقط، صنع فيها الأهوال، فكان أعتى قوة شر ذات زوبعة عدوانية مروعة الإكتساح والدمار والخراب.

وقبل أن يهاجم بغداد تبادل رسائل التهديد والوعيد مع الخليفة العباسي المستعصم بالله، وهذه مقتطفات منها كما جاء في كتاب (جوامع التواريخ للهمداني):

هولاكو:

ومهما تكن أسرتك عريقة وبيتك ذا مجد تليد، فأن لمعان القمر قد يبلغ درجة يخفي معها نور الشمس الساطعة.

فسوف أنزلك من الفلك الدوار، وسألقيك من عليائك إلى أسفل كالأسد، ولن أدع جيشا في مملكتك، وسأجعل مدينتك وأقليمك وأراضيك طعما للنار.

المستعصم بالله:

كيف يمكن أن تتحكم بالنجم، وتقيده بالرأي والجيش والسلاح.

فلا تتوان لحظة ولا تعتذر، إذا إستقر رأيك على الحرب، إنّ لي ألوفا مؤلفة من الفرسان والرجالة وهم متأهبون للقتال، وإنهم ليثيرون الغبار من ماء البحر وقت الحرب والطعان.

هولاكو:

لقد فتنك حب الجاه والمال والعجب والغرور بالدولة الفانية، بحيث لم يعد يؤثر فيك نصح الناصحين بالخير. وإن في أذنيك وقرا فلا تسمع نصح المشفقين، ولقد إنحرفتَ عن طريق آبائك وأجدادك، وإذن فعليك أن تكون مستعدا للحرب والقتال، فإني متوجه إلى بغداد بجيش كالنمل والجراد، ولو جرى سير الفلك على شاكلة أخرى فتلك مشيئة الله العظيم.

المستعصم بالله:

لو غاب عن الملك فله أن يسأل المطلعين على الأحوال، إذ كل ملك – حتى هذا العهد – قصد أسرة بني العباس ودار السلام بغداد كانت عاقبته وخيمة.

ومهما قصدتم ذوو السطوة والملوك وأصحاب الشوكة من السلاطين، فإن هذا البيت محكم للغاية، وسيبقى إلى يوم القيامة.

...........

فليس من المصلحة أن يفكر الملك بقصد أسرة العباسيين، فاحذر عين السوء من الزمان الغادر.

هولاكو:

إذا كان الخليفة قد أطاع فليخرج وإلا فليتأهب للقتال.

المستعصم بالله:

(الرسالة النهائية بعد أن أيقن بالبوار بعد هزيمة جيشه وبدء بغداد بالسقوط في يد هولاكو)

إن الملك قد أمر أن أبعث إليه بالوزير، ها أنذا قد لبيت طلبه فينبغي أن يكون الملك عند كلمته.

هولاكو:

إن هذا الشرط قد طلبته وأنا على باب همدان، أما الآن فنحن على باب بغداد، وقد ثار بحر الإضطراب والفتنة، فكيف أقنع بواحد، ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة (الدواتردار وسليمان شاه والوزير).

ومن رسالة هولاكو إلى الناصر الأيوبي صاحب حلب بعد سقوط بغداد:

أما بعد: فقد نزلنا بغداد سنة ستة وخمسين وستمائة فساء صباح المُنذَرين، فدعونا ملكها فأبى فحق عليه القول فأخذناه أخذا وبيلا.

وقد هزمته مصر العربية الإسلامية في معركة (عين جالوت) يوم (14-8-1260)(15 رمضان  658)، بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز المعزي، أي بعد سنتين وستة أشهر وستة أيام من إحتراق بغداد.

ومن هذه الرسائل يبدو:

- أن "الخليفة اظهر جهلا بالقوى التي يواجهها ويحاربها، كما أظهر غرورا وعجزا كبيرين. .....فقد وصف الخليفة هولاكو بالشاب الحدث المتمني قصر العمر...."

- "إستشهد بحوادث التأريخ ليثبت لهولاكو أن بني العباس مكللون بالعناية الإلهية، وإن كل من قصدهم بأذية لا بد أن يُقصم. وأن العناية الإلهية تحرسه وتحرس أسرة العباس: فليس من المصلحة أن يفكر الملك في قصد العباسيين، فاحذر عين السوء من الزمان الغادر".

- "يبدو أن الخليفة كان معتقدا حقا بحماية إلهية له ولأسرته، ولذلك تصرف بهذا الشكل الإعتباطي، ولكنه كان واهما في ذلك، ودفع ثمن هذا الوهم حياته وعرشه وسلالته كلها".

- "أدرك الخليفة بعد فوات الوقت، أن تهديدات هولاكو في محلها، وأن لا شيئ ينقذه من مخالبه، فحاول الصلح وتلبية قسم من طلبات هولاكو، ولكن هذا رفض وشن الحرب على بغداد والخليفة حتى أوصلها إلى نتيجتها الحتمية وهي غحتلال بغداد وتدميرها".

وفي هذه الرسائل دروس وعِبر سياسية ذات قيمة معرفية، فهل نعتبر أم أن العِبَر ما أكثرها، والإسْتعبار ما أقله وأندره؟!!

***

د. صادق السامرائي

في مثل هذا اليوم الحادي عشر من شباط وقبل 34 عاماً أطلق سراح نيلسون مانديلا بعد أن قضى 27 عاماً في السجن . بالتأكيد لم يعرف العالم سياسياً مثل صاحب الابتسامة الدافئة، ليس لأنه سُجِن أكثر من ربع قرن، بل لأنه كان صاحب الشخصية الساحرة والمناضل المتسامح داخل السجن وخارجه، الرئيس الذي رفض إعادة إنتاج الظلم، والسجين الذي قال لسجانيه: "عندما أخرج من هذا المكان سأمدّ يدي لكم لنبني معاً مستقبلاً جديداً لهذه البلاد".

في حكاية مانديلا التي كُتب عنها مئات الكتب وآلاف المقالات، ما الذي يمكن لكاتب مثل جنابي أن يضيف بعد أن تحولت حكاية الجوهرة الأفريقية إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا، فقبل شهر والعالم يتابع الشكوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد جرائم إسرائيل في غزة، كانت صورة الزعيم الجنوب أفريقي وهو يبتسم تطوف في خيال الملايين في معظم أنحاء العالم، فالكل يتذكر كيف كان وجود هذا الرجل ضمانة للعدالة الاجتماعية .

سحرَ مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة وبإيمانه بأن السير نحو المستقبل أهم من لعبة إعادة الماضي واقصاء الخصوم . ولهذا عارض بشدة مطالب شعبه من السود بالتفرغ للانتقام فيكتب في مذكراته: "كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية، أمسّ من حاجة المظلوم، فالذي يسلب إنساناً حريته، يصير هو نفسه أسيراً للكراهية والحقد ".

قبل سنوات وقفت أرملة مانديلا السيدة غراتشا ماتشيل لتذكر العالم بأن أهمية زوجها كانت: في مدى إدراكه بالشعور بالكرامة لدى كل فرد. وكانت له القدرة على فهم وتقدير ما يصبو إليه الآخرون. فهو ظل يؤمن حتى اللحظة الأخيرة من حياته بأن الإنسان لا يستطيع أن يبني جسور الثقة مع الآخرين إذا لم يدرك جيداً أن ثمة حقاً للآخرين أيضا يجب أن لا يصادر .

قبل وفاته بسنوات أجرت معه مجلة التايم حديثاً عن أهم درس تعلمه في السجن فأجاب بجمل قصيرة: " إن الشجاعة لا تعني انعدام الخوف.. إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف .. إحرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك "، لم يستبعد أو يسحق منافسيه بل أصر على أن يجعلهم شركاءه.

لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا تستحق منا نحن العراقيين ان ندرسها جيدا ونحن نتابع برلماننا المقر وهو منقسم وتعلوا فيه نغمة الكراهية، البعض يخون من يختلف معه، والبعض الآخر يريد البرلمان لطائفة واحدة، فيما ظل مانيلا يذكرنا بان "الإنسان الحق هو ذلك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه".

***

علي حسين

وسط الحصار، الموت، الجوع، البرد، تقف غزة اليوم أمام العالم عارية من أي متطلبات للحياة تواجه الآلة التدميرية لدولة لا تشبع من دماء ضحاياها ودول تحتضنها من الخلف تتناوب على مناولتها المبضع كلما قارب على فقدان قدرته على الذبح.

اليوم وقد دخلت الحرب على غزة شهرها الخامس، لن أسأل عن التدخل الإنساني الذي لا يوجد تعريف قانوني رسمي له، تدخل إنساني قاعدته الأساسية أن من حق الدول الخارجية في بعض الظروف التدخل لحماية أناس يقعون ضحايا في بلدان أخرى. غس أن في غزة الأمر مختلف فليس هناك ضحايا تقع إنما هناك إبادة حقيقية ولا وجود لأي تدخل إنساني.

وفي حين نجد أن حقوق السكان المدنيين تفوق وزنا أية اعتبارات أخرى نجدها في غزة لا تساوي شيئاً فلا حقوق ولا وزن. فحتى التدخلات الإنسانية من طرف الأمم المتحدة ومنظمات الغوث الإنسانية ملغية عندما يتعلق بغزة. وهذا حال هذه المؤسسات التي قائدها الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الموت لغزة. فهذه الولايات هي رأس الشيطان بلا منازع. أليست هي من وضعت ثلاثة نماذج من التدخلات في الشؤون الداخلية بعد انتهاء الحرب الباردة من ضمنها" تدخل الولايات المتحدة الأمريكية المدعوم بشرعية الأمم المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت غطاء حماية حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية أو أن الوضع الإنساني في هذه الدول يهدد السلم والأمن الدوليين ويتم ذلك عن طريق التدخل العسكري" فأين هي اليوم من هذا النموذج وهي القادرة على إيقاف الحرب على غزة بكبسة زر؟ أم أنها تلجأ لهذا النموذج فقط تحت واجهة التدخل الإنساني لتدمير الدول التي لا تنتهج طريقها، مثلما حصل في العراق وغيرها؟.

واليوم غزة خُذلت بكل ما تحمل الكلمة من ألم، خُذلت من إخوة يسيطر عليها رأس الشيطان لصالح حليفتهم المدللة"دولة الاحتلال "، فصمتوا وتغاضوا عن دماء أهلها وجوعهم وصراخ أطفالها ونسائها. غزة اليوم لا تبكي القصف والدمار والفقدان والتشرد، لا تبك برودة الخيم البلاستيكية ولا أكفان الموت. غزة اليوم تبك تآمر الأخوة..غزة المعزولة التي تحدق بعينيها فيتراءى لها الجسر البري الذي يمر من عقر دارهم يحمل المساعدات الإنسانية لدولة الظلم وهي التي تقف خلفها دول عظمى ولن تشكو الجوع والبرد ومرارة الموت يوما. غزة اليوم تتألم بقلبها، فكيف يكون التدخل الإنساني لصالح عدو سينقضّ بأنيابه يوما على الأخوة فيكونوا ذلك الثور الأبيض.

***

بديعة النعيمي

لأكثر من اربعة اشهر يتعرض القطاع لأعنف هجوم بري وجوي تشهده المنطقة، مئات المجازر تقشعر لها الابدان في مختلف انحاء القطاع المحاصر منذ عقود، ادى الى مقتل وجرح اكثر من 100 الف غزاوي ثلثهم من القتلى، وعلى مرأى ومسمع العالم الذي يدعي الانسانية فانه لم يرف له جفن بل يناصر المعتدي بإمداده بمختلف انواع الاسلحة والعتاد ليمعن في القتل والتشريد وهدم البنى التحتية، قد لا نستغرب من الغرب ذلك، ولكن الذي نستغربه هو ان نطلب منهم عدم الكيل بمكيالين، انهم يعتبرون العرب والمسلمين الهدف الثاني بعد القضاء الشيوعية وهم خططوا لذلك منذ سنين، ويتوقون الى جني محصولهم المتمثل في اعادة تقسيم المنطقة لأجل السيطرة عليها والتمتع بخيراتها .

العالم العربي والاسلامي مصاب بالوهن والشيخوخة وفقدان الذاكرة، غالبية النظم الرسمية العربية تقف متفرجة على ما يحدث لغزة، وكأنما الامر لا يعنيها ولا توجد روابط الدم التاريخ المشترك، اما الشعوب فإنه قد ضيّق عليها الخناق فلم تعد تقو على توفير الاشياء الاساسية للعيش، فالتظاهرات كانت هزيلة ورمزية على غير االعادة، والتبرعات ضئيلة جدا لا تكاد تذكر.

النظام المصري ومن هم على شاكلته يتحدثون عن رفح وكأنها تختلف عن بقية المدن الغزاوية المدمرة كليا او جزئيا ويهولون من اقدام العدو الصهيوني على اقتحامها، عجبا لهؤلاء أ لم تحرك فيكم المجازر المتعددة النخوة لمؤازرة بني جلدتكم وجيرانكم، اعلام النظام المصري يتشدق بانه في حال اقتحام رفح فإن اتفاقية كامب ديفيد تعتبر لاغية، واعتبارها خط احمر لان ذلك يمس بالسيادة المصرية، أ لم يكن قطاع غزة بأكمله ذات يوم تابع للسيادة المصرية؟، أتوجد لمصر سيادة حقا؟ هل مصر في حاجة الى تعاون اقتصادي مع العدو في مجالي النفط والغاز ام انها مجبرة على ذلك؟ ألهذه الدرجة وصل الاستخفاف بعقول الجماهير المصرية والعربية؟، للأسف الشديد النظام المصري كان البادئ بالتطبيع وشجع بقية الانظمة العربية على التطبيع، النظام المصري لن يتجرأ على الخروج من اتفاقية كامب ديفيد، لأنه لم يعد العدة لذلك، أين مصانع الحديد والصلب؟ هل دخل مجال التصنيع الحربي على غرار الدول الاقليمية الاخرى التي اصبحت لاعبا اساسيا في المنطقة؟ النظام المصري لن يهاجم كيان العدو الا اذا شعر بدنو اجله.

اما عن العرب المطبعين، هل كانوا في حاجة ماسة الى ذلك أم انهم كانوا مجبرين؟ ماذا جنوا من التطبيع سوى الذل والمهانة والاحتقار؟ يشترون السلاح لتدوير عجلة الاقتصاد في امريكا والغرب ليزداد دخلهم، بينما تفتقر شعوبهم الى سبل العيش الكريم، كل ما يفعلونه في سبيل بقائهم في السلطة ليس الا .

الامل يحذوا شرفاء الامة وهم على يقين تام بان النصر سيكون حليف المستضعفين الرافضين للحلول الاستسلامية، المقدمين على بذل ارواحهم فداء للوطن، لينعم الخلف بالحرية والعيش الكريم فوق ارض ساهمت في تكوينهم الجسماني والفكري ليكونوا اسيادا لا عبيدا للغير داعين للأمن والسلام والاستقرار في مختلف بقاع المعمورة.

صمود المقاومين في غزة ومؤازرتهم من قبل اخوانهم في الضفة وبقية البلاد العربية يعيد القضية الى الواجهة ومحاولة جادة لحلها، فلا يمكن لصاحب الارض ان يعيش مشردا بينما الدخلاء ينعمون بالأمن فيه ويفعلون ما يشاؤون، فأحداث 7 اكتوبر جاءت ردة فعل لما يرتكب بحق الفلسطينيين على مدى ثمانية عقود .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

البيض هو رمز الربيع والحياة عند قدماء المصريين، ولإيمان المصريين القدماء بالخلود أطلقوا اسم البيض على الأكفان الداخلية التي تغطي أجساد المومياوات.

كثيرا ما تدفع الأقدار أولئك الذين يتفاعلون مع هموم الشعوب ويحرصون على إبراز عدالة قضاياهم ويدافعون عن حقوقهم الضائعة إلى التعامل الاضطراري تناولا وتعليقا مع غرائب الأمور في الحياة، متحملين رؤية سخافات وسماع خرافات، ومن أحدثها أن بيضا غريبا فقس حديثا في البيت كائنا صار أشبه بالبشر، مشهور بأنه كثير ما يقع أرضا،وهوإن رأى لا يبصر، وإن سمع لا يعي فلم تكن البيضة كما ظن أغلب المتفائلين رمزا للخير ولا بشيرا بعدما ادّعى منذ أيام فقط أمام الصحافة العالمية أنه التقى حديثا رئيس دولة أوروبية يعلم القاصي والداني انه متوفي منذ 28 سنة، ثم أنه تحدث مع رئيس دولة عربية معروف أنه قد بح صوته دفاعا عن قضية شعب مقهور وأرهق أحبال صوته تأكيدا بالحجة والبرهان وأمام شهود العيان بمساندته الفعّالة له فزعم كاذبا أنه هو من أقنعه بضرورة القيام بواجب فتح مسارات هي مفتوحة أصلا منذ خمس شهور !!بل وأوصي ـ عن جهالة بحقائق الوضع ـ بتوصيل الدعم إلى مستحقيه وتقديم كل أشكال المساندة للشعب المقهور!! مع العلم استحالة تحقيق ذلك بسهولة .إن ما يزيد من غرابة الموقف أن يواصل الكائن انتاج الفقس السيءأمام الصحافة العالمية حديثه عن هوية هذا الرئيس العربي بأنه رئيس دولة في أمريكا الجنوبية !!

عندما تضطرب السلامة العقلية لمسؤول رفيع المستوى في أعلى هرم الدولة ويفقد تركيزه ويضيع حضوره الذهني ـ شفاه الله ـ يصبح حديثه وتصريحاته في واقع الأمر خطرا جسيما على البلاد والعباد لوجود احتمالات قوية بوقوع خلط غير محمود في تقديره للأمور، ويكون في هذه الحالة من الأفضل له إن أراد والعياذ بالله التعبيرعن توجهاته وتبليغ آرائه وتوضيح مواقفه أن يلجأ إلى أسلوب "المتحدث الرسمي" نيابة عنه للتقليل إلى أدنى حد ممكن فرص الوقوع في الزلات وبالتالي تجنب سخرية الأوساط السياسية والإعلامية وشماتة الخصوم وتهكم قوى المعارضة، ولعله لا يدري هذا البائس أنه على أبواب حدث سياسي هام منتظر العام الجاري سيحدد بنسبة كبيرة شكل مستقبله السياسي.

لا يجوز أن يحكم الشعوب من لا يملكون المؤهلات الضرورية للقيادة الحكيمة والواعية على الأقل، فما بالك إذا تعلق الأمر بأصول الحوكمة والرشادة السياسية، لقد ضاق الرأي العام في دولة البيض الأبيض بحكم القادة المسنين عديمي اللياقة البدنية والذهنية وفاقدي الصبر السياسي، ومثل هؤلاء لا شيء يضمن للشعوب في ظل قيادتهم استمرارية عدالة حكمهم ودوام سلامة قراراتهم وبقاء صحة بصيرتهم، وحيادية عدالة أحكامهم، بمعنى أنه لا يوجد شيء يضمن للشعوب بعد ذلك إمكانية تجنب وقوع المصيبة إن هم ضحوا بأبنائهم للذهاب إلى ما وراء البحار تنفيذا لسياسة عمياء لدولة أرادت أن تقحم أبناء شعبها في قضايا ليست قضاياهم ليرووا بدمائهم تراب بلاد ليست بلادهم.

سيحكم التاريخ حتما أن البيض الأبيض قد طغا وتضامن مع الظالم  وقوى الفساد في الأرض ووقف في وجه إرادة الشعوب وأنكر حقها في الحياة .لقد فضحت المواقف حقيقة أن البيض الأبيض لم يكن في جوهره ابيضا .

***

صبحة بغورة

 

السادة أعضاء مجلس محافظة البصرة قرأنا بيانكم الثوري حول منع النساء من المشاركة بماراثون المحافظة، واستمعنا إلى خطب وردود تحذر أهالي البصرة من الهجمة الغربية التي تريد الإساءة إلى قيمهم العشائرية، وكيف أن البعض يريد جعل أهالي البصرة " يخرجون من عفتهم ويسقطون في مكائد الفاسدين بحجج الرياضة والانفتاح المنحرف " كما جاء في عريضة بعض رجال الدين حفظهم الله .

وكنا نحن المواطنين في عموم العراق كلما نسأل عن التنمية والعدالة الاجتماعية وأولويات مجالس المحافظات في توفير العمل والسكن والصحة والتعليم للناس وحفظ كرامتهم من العوز تقولون لنا بلهجة الواثق أنكم مكلفون بالحفاظ على أخلاقنا ومنعنا من الانحراف، ولهذا فعلى كل مواطن سواء في البصرة أو الأنبار أو ميسان أو بابل أن يخضع لقوانينكم، فأنتم والحمد لله مكلفون شرعياً بتنفيذ هذا الأمر، لهذا عليكم أيها السادة أعضاء مجالس المحافظات وعلى رأسها البصرة أن تتحملوا سوء فهم العراقيين، الذين توهموا بأن عملكم يتلخص في تقديم الخدمات والنهوض بواقع المحافظات وتنميتها، وفاتهم أنكم تعملون ضمن شرطة الآداب لضبط أخلاق هذا الشعب .

لا تهتموا أيها السادة أعضاء مجالس المحافظات وأنتم تعيشون زهوة النصر بمناصبكم الجديدة لأننا نحن شعب يعيش أعلى حالات البطر، يريد أن يعيش الرفاهية، ويجعل البصرة مثل مدن الخليج قبلة للناظر ومقصداً للسياح وواحة للأمان والاطمئنان، ماذا يعني ياسيدي أن النفط يُسرق أمام أعين المسؤولين ؟ ماذا يعني أن تتحكم العشائر بالأمن والاقتصاد، ما دامت الأخلاق مصانة ؟ ماذا يعني أن تغرق البصرة في المخدرات، فهي ليست حراماً، وتساعد على تنمية الاقتصاد، المهم أنّ مجرد تفكير النساء في الماراثون الرياضي في البصرة حرام، مثلما الموسيقى والغناء رجس من عمل الشيطان!

أيها السادة أعضاء مجلس محافظة البصرة، وأنتم تطالبون الشعب بالالتزام بالأخلاق، نتمنى عليكم أن تجيبونا على تقرير وزارة التخطيط عن نسبة البطالة والفقر في المحافظة، ففي آخر إحصائية جاءت على لسان مسؤول دائرة التخطيط في البصرة السيد علي محمد صبيح وبثتها إذاعة المربد قبل أسبوعين وبالمناسبة يحتفظ موقع غوغل بنسخة منها يخبرنا مسؤول التخطيط أن نسبة البطالة في البصرة تأتي في المرتبة الرابعة بعد نينوى والمثنى وذي قار .. أما نسبة الفقر فالبصرة في المرتبة العاشرة، ولا تخفى على سيادتكم الأوضاع الأمنية في المحافظة والتي تستخدم فيها العشائر أحدث القاذفات .

أيها السادة، أهالي البصرة بحاجة إلى قانون للحياة لا قانون للأخلاق فالناس تعرف الصخ من الخطأ . يريدون الأمن والاطمئنان، ويحلمون بالسعادة، وهذا ليس ترفاً، لكنه حدّ أدنى، وصلت إليه مجتمعات العالم، يريدون مجلس محافظة، يضمن للجميع فرصة لحياة لا تخضع للوصاية، ولا لخطب الأخلاق والفضيلة.

***

علي حسين

خضعت الثقافة عموما وثقافة التعبير عن الرأي على وجه الخصوص، في بلد الحضارات، بلد ألف ليلة وليلة، بلد السندباد والشعراء والصور، بلد أول النصوص القانونية، بلد شهرزاد وقصصها إلى قمع وكبت شديدين، طيلة ثلاثة عقود ونصف جثم فيها حكم البعث -فيما جثم- على صدور نخبة المثقفين، حيث كانت المفردة تمر -قبل خروجها من قلم الكاتب والشاعر او حنجرة الخطيب- بسلسلة من التمحيصات والقراءات غير الحيادية، من قبل لجنة من الجلادين والسجانين، ولطالما جرّت قصيدة او قصة او حتى ومضة، صاحبها إلى دهاليز السجون وظلمات الزنزانات الانفرادية، وقد تؤدي به في نهاية المطاف الى أحواض تذيب قصيدته وجسده وذكراه في آن واحد. فانكمش الحرف الحر -قسرا- وقُصت جناحاه وضاقت فضاءات التعبير لدى الشاعر والكاتب والمثقف العراقي، حتى صارت محصورة في شخص واحد وحزب واحد.

ثم حل عام 2003 فاشرقت شمس الحرية التي كنا نظن انها غير قابلة للكسوف، وبها انطلقت الحريات بجميع اشكالها، اولها التعبير عن الراي، وحرية النقد وغيرها من نعم الديمقراطية التي وصلتنا مدولبة في (سرفة) دبابة، او محمولة على طائرة، والإثنتان -قطعا- أمريكيتان. الأمر الذي أطلق العنان للسان الشعراء والكتاب والنقاد، في البوح بما يختلج بخواطرهم من آمال وما يعتمل بنفوسهم من آلام، وكان بذلك متنفسا لهم. فمنهم من أعاد توثيق أحداث كان يخشى ذكرها حتى في أحلامه، فأرخها كذكريات للتاريخ ولقرائه، ومنهم من وجد في الحرية ضالته بعد كبت خانق، ففتحت قريحته في إطلاق مسميات جماليات الحياة وما يهوى وما يعشق. ومنهم من اتخذ لنفسه موضع الرقيب وموقع الناقد ومنصب المنبِّه والمحذِّر، فأصبح رقيبا على أفعال معيته وردودها، ممن عاشوا معه كسوف الشمس الطويل في تلك العقود، وناقدا لتصحيح تخبط من يتعثر في خطوه وسيره، بعد ان فكت الحرية كبوله وعتقته من أغلال الماضي. ومنبها من عاقبة اليأس والخذلان والخَوَر، والتقهقر الى الوراء.

وقطعا فان أول غبطة شعر بها الكاتب، هي أنه استطاع قول مايريد من دون خشية رقيب (زيتوني) او رفيق (بعثي) يجبره على التملق والتحيز، فراح يصب جل اهتمامه في ذكر هذه السلبية والرذيلة، وتلك الهفوة والزلة، وذاك التقصير والتقاعس، وهذا الإهمال والتسيب، وذلك التواطؤ والتخاذل، فضلا عن الخيانات والفساد بأنواعه، وساعده في هذا كثرتها -مجتمعة وفرادى- في سلوك الشخصيات التي تولت زمام القيادة في مفاصل البلد. لكن من غير المعقول ان لاتكون هناك إيجابيات في عراق مابعد 2003 ومن غير المقبول والمنطقي ان يخلو بلد مثله من جوانب مشرقة ومفرحة.

فللحق -والحق يقال- رغم كل ما كتبه الكتاب -وانا أحدهم- عن هفوات وسلبيات وأخطاء كثيرة حدثت في العقدين الأخيرين، كان ابطالها ساسة وقادة ومسؤولين، إلا ان هناك صالحات وإيجابيات من الإنصاف ان تكون نصب اعيننا، فنذكرها -على شحتها- لعلها تكون دافعا لبعث الأمل في نفوس العراقيين من جديد، وتبعد عنهم شبح اليأس من الحاضر والمستقبل على حد سواء.

فهلا شحذتم ياساسة البلاد هممكم لتقديم إيجابيات وصالحات للبلاد وملايين العباد، لاسيما أن الجميع ينتظر منكم انتشاله من تدني أحواله الاقتصادية والاجتماعية؟ وإنه لمن المعيب عليكم حثكم على أداء واجبكم، من منطلق حرية الرأي، كما لا يخفى عنكم ضرورة وفائكم بالعهد والبر بقَسَمكم عاجلا وليس آجلا، فالخوف كل الخوف من غد مجهول لاتعلمون ماينتظركم فيه، وقد قيل:

لا تدع فعل الصالحات إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

***

علي علي

مع روابط التحميل في نهاية المقال

فيديو وثلاثة روابط لتحميل ثلاثية شلومو ساند مع ندوة مهمة للباحث الفلسطيني أنطوان شلحت مترجم ومراجع ترجمات ومقدم كتب الباحث وأستاذ التأريخ المعاصر في جامعة "تل أبيب" شلومو ساند الثلاثة "ثلاثية شلومو ساند" وهي "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل و"كيف لم أعد يهوديا"! هنا عرض تعريفي بالكتب الثلاث أعددتُه من الموسوعات الحرة وعن بعض ما قاله شلحت في ندوته، علما أنه قدم هذه الندوة بعد العدوان الإبادي المستمر على قطاع غزة، والهدف من التعريف بهذه الكتب والندوة هو الترويج لما فيها من معلومات علمية موثقة تدحض الصهيونية من داخلها مع تسجيل التحفظات اللازمة على سلوك شلومو ساند الذي مايزال مقيما في الكيان الصهيوني ولم يقطع معه تماما ويهاجر منه:

1- كتاب اختراع الشعب اليهودي:

تصدر الكتاب قائمة «أفضل الكتب مبيعاً» لمدة 19 أسبوعاً في "إسرائيل" نفسها، وصدرت منه ثلاث طبعات في فرنسا، وحاز جائزة (Prix Aujourd'hui) الفرنسية.

*وفيه يقول ساند أنه ليس هناك وثائق تاريخية تثبت طرد الرومان للشعب اليهودي في أي وقت من الأوقات، حيث أنه من المستحيل لوجيسيتيا في ذلك الوقت ترحيل مئات الآلاف من مكان لآخر.

* اليهود المعاصرون لا ينحدرون من أصول اليهود القدامى "بني إسرائيل" الذين عاشوا في أرض إسرائيل القديمة، ولا يوجد ما يسمى «العرق» اليهودي، واليهود لا ينتسبون لمنبع واحد، إنهم بالضبط مثل المسلمين والمسيحيين المعاصرين من شعوب وقوميات متعددة في حوض البحر المتوسط.

* لم يتم ترحيل اليهود خارج البلاد على أيدي الرومان خلال القرن الثاني الميلادي، وأغلبهم ظل يعيش في البلاد حتى أزمنة «الفتح الإسلامي- القرن السابع والثامن الميلادي»، وقد تحول الكثير منهم إلى الإسلام.

* يرى «ساند» أن أسطورة «الشتات» اليهودي بدأت مع عصور المسيحية الأولى، لجذب اليهود للديانة الجديدة.

* ظهرت في ألمانيا مجموعة من المثقفين اليهود الذين تأثروا بالحماس المتقد للقومية الألمانية، وأخذوا على عاتقهم مهمة «اختراع» قومية يهودية.

* يرى «ساند» أن فكرة الوعد بعودة الأمة اليهودية إلى الأرض الموعودة، هي فكرة غريبة تماما على «اليهودية»، وهي لم تظهر إلا مع ميلاد "الصهيونية"، حيث تعامل اليهود من قبل مع الأراضي المقدسة كأماكن يتم تعظيمها، وليس من الضروري العيش في كنفها –تماما مثلما يتعامل المسلمون مع أماكنهم المقدسة.

2- الكتاب الثاني "اختراع أرض إسرائيل": صدر سنة 2012

* تنبع أهمية هذا الكتاب من كونه يشكل انقلاباً على الأساطير التي اختلقتها الصهيونية حول أرض إسرائيل بوصفها الحق التاريخي التي وعدهم بها الرب، وبذلك يمكن القول إن ساند وبالأدلة المستقاة من التناخ "الكتاب المقدس اليهودي" ويعيد النظر في عدد كبير من أكاذيب الحركة الصهيونية المتعلقة باختراع أرض إسرائيل وبناء الأساطير حولها عبر إخضاع هذه المسلمات إلى المحاكمة التاريخية الصارمة.

* إن تفكيك مبدأ الحق التاريخي والروايات القومية المرافقة له التي كانت تهدف إلى منح الشرعية الأخلاقية للاستيلاء على الحيز الجغرافي كان من أهم أهداف هذا الكتاب بما يشكل خطوة نقدية تتعلق بتاريخ الصهيونية التي حاولت إعادة إحياء اليهودية المنهكة في نفوس اليهود حول العالم.

* ينطلق هذا الكتاب من أن الحركة الصهيونية قد اختلقت المصطلح الديني «أرض إسرائيل» وحولته إلى مصطلح سياسي لا تعرف إلى الآن ما هي حدوده، ولا ما هي تطلعاته المستقبلية

* وكيهودي يشرح ساند عبر التعمق في الأدبيات اليهودية كل ما يتعلق بنشوء هذا المصطلح مبتدئاً بالقول إن أرض فلسطين كانت تسمى «أرض كنعان»، لكن الاسم تغير لاحقاً إلى أرض يهودا قبل خراب الهيكل الثاني. أما المصطلح الذي اختلقته الصهيونية فقد ظهر في الميشناه لكنه لم يكن مطابقاً للبلاد التي منحها الإله لإبراهيم. في الوقت ذاته استخدم التناخ الاسم الفرعوني للمنطقة وهو أرض كنعان.

* أما مصطلح أرض إسرائيل فقد ظهر في الأدبيات اليهودية بعد أن غيرت الرومانية اسم المكان من يهودا إلى بلسطينا (أو سورية بلسطينا) وذلك عقب التمرد اليهودي على الرومان عام 132 ميلادية.

* ويوضح ساند أنه هذا المصطلح ظل إلى وقت بعيد مصطلحاً دينياً يعبر عن قداسة هذا المكان في عقيدة اليهودي ، لكن اليهود لم يسعوا في ذلك الوقت إلى الهجرة إليه أو السكن بالقرب منه، بل على العكس من ذلك يبين ساند أن اليهود تمسكوا بالمنفى مكتفين بالتوق إلى الأرض المقدسة، وبذلك أسست الديانة اليهودية هوية مؤمنيها على أساس الوعي الذاتي بكونهم شعب مختار لا يرتبط بأي قطعة أرض محددة.

* ويتابع البروفيسور ساند تشكل مفهوم القومية الذي ظهر في أوروبا وكان أحد أسباب ظهور الصهيونية التي عملت على خلق الشعور بالقومية اليهودية، واستملاك أرض بهدف وهبها لهذه القومية، وبما أن هذه الأرض لم تكن واضحة المعالم فقد اختلفت الروايات الصهيونية على تخيل حدودها الإقليمية، فقد امتدت بعضها لتصل إلى مساحات شاسعة من الضفة الشرقية لنهر الأردن (المملكة الأردنية حالياً)، وإلى صيدا في لبنان وإلى مناطق في جنوب الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية. وقد أطلقت الصهيونية اسم أرض إسرائيل على كل تلك المناطق التي شملتها خرائطهم وآمالهم ولم تكتفِ بالحدود التي سيطرت عليها بعد العام 1948.

3- الكتاب الثالث "كيف لم أعد يهوديا": وعن هذا الكتاب نقرأ في عرض له على موقع "مدار" الخاص بمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية" ويشكل هذا الكتاب جزءاً أخيراً من ثلاثية يعرض من خلالها المؤلف إعادة نظر جذرية في عدّة مسلمات صهيونية صنميّة كاذبة بواسطة إخضاعها إلى محاكمة تاريخية صارمة. وفي هذا الكتاب الثالث يسلسل ساند العوامل والأسباب التي تجعله يقرّر أن يكفّ عن كونه يهودياً مشيراً على وجه الخصوص إلى أن التزوير وعدم الاستقامة والتبجّح صفات محفورة عميقاً في جميع أشكال تعريف اليهودية في دولة إسرائيل، وإلى أن تعريف الدولة بـأنها "يهودية"، عوضاً عن تعريفها بأنها "إسرائيلية"، ليس تعريفا غير ديمقراطي فحسب، وإنما أيضاً يشكل خطراً على مجرد وجودها وبقائها.

في هذا الإطار يركّز الكاتب على أن ثمة علاقة وثيقة بين تعريف اليهود كـ "إثنوس" أو شعب ـ عرق أبدي وبين سياسة دولة إسرائيل، سواء حيال مواطنيها الذين لا يعتبرون يهوداً، أو حيال مهاجري العمل الذين قدموا إليها يائسين من شواطئ بعيدة، أو - بالتأكيد - حيال جيرانها مسلوبي الحقوق الواقعين تحت وطأة احتلالها المستمر منذ نحو خمسين عاماً.

* ويلفت ساند إلى أن من الصعب التنكر لحقيقة جارحة ومؤلمة فحواها أن تنمية هوية يهودية جوهرانية لا دينية، تشجع على التمسك بمواقف استعراقية (متمحورة حول العرق)، عنصرية أو شبه عنصرية، لدى أوساط عديدة واسعة، في إسرائيل وفي خارجها على حد سواء.

* أشار شلحت في سياق تقديمه إلى أن ساند يرمي أساساً من خلال هذا الكتاب إلى دحض مفهوم اليهودية العلمانية الذي كرّسته الصهيونية، إلى جانب تفنيد مفهوم الانتماء الإثني الواحد لليهود. وفي هذا الإطار يشدّد على أنه لا وجود قطّ لـ "ثقافة يهودية علمانية"، نظراً إلى غياب أي لغة مشتركة أو نمط حياة مشترك بين اليهود العلمانيين، وانعدام أي أعمال فنية أو أدبية يهودية علمانية.

1- رابط يحيل إلى فيديو ندوة انطوان شلحت: الاسطورة والذاكرة البديلة في التاريخ اليهودي في مقاربة المؤرخ شلومو ساند

https://www.youtube.com/watch?v=yqn_6sBsSww&ab_channel=%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86

2- لتحميل كتاب "اختراع الشعب اليهودي:

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A5%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D9%80-%D8%B4%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88-%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AF-pdf

3- تحميل كتاب اختراع أرض إسرائيل:

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%84%D9%80-%D8%B4%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88-%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AF-pdf

4- تحميل كتاب "كيف لم أعد يهوديا"

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%84%D9%85-%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D8%B4%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88-%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AF-pdf

"الناس على دين ملوكها"، المقصود بالدين، النهج أو المنهج الذي يسير عليه الحكام، فأخلاقهم تنعكس على سلوك المجتمع، فيتفاعل الناس فيه وفقا للمنهج، الذي إختطه الحاكم لنفسه وحاشيته وحزبه، أو غيرها من المتصلات به وبما فيه وعليه.

وهذا مثل عربي معروف منذ قرون، وتتداوله الأجيال على مر العصور.

فالحاكم العادل يحقق أمنا وسلاما وعدلا ورفاهية، والحاكم الظالم يتسبب في المساوئ والتداعيات والمظالم والآلام والمقاساة، والحاكم الجاهل ينشر الجهل والفساد والعكس صحيح.

والتفاعلات على طرفي المعادلة متوازنة ودقيقة، فلا يمكن تبرئة أي مسؤول أو حاكم، مما يحصل في بلاده أو دائرته، أو رقعته الجغرافية التي يتولى المسؤولية فيها.

فأنى يكون الحاكم أو المسؤول يكون الشعب !!

فالعيوب في الكراسي وليست في الشعوب!!

والكثيرون من الجالسين على الكراسي في البلدان المتأخرة، من الذين يتمتعون بجهل فاضح، وثقافة قليلة، ومهارات ضعيفة، وتتحكم فيهم أحوالهم الإنفعالية، وتصوراتهم المبدئية والعقائدية المتحجرة الضيقة، العاجزة عن صناعة ما يمت للحياة بصلة.

وتتمكن منهم النفس الأمارة بالسوء، وتستلب إرادتهم بطانتهم، والحاشية النزقة المنفلتة الرغبات، والساعية إلى الإكتناز وجمع الذهب والفضة، لأنها تعرف بأن الحال لا يدوم، وسيمضي إلى مآل، لا بد لها أن تستعد له بالأموال.

فالشعوب بحاجة إلى قادة أطهار أنقياء أصفياء، يؤمنون بالشعب والوطن، وبالحياة الحرة الكريمة.

فليس من الصائب إتهام الشعوب فقط، لأنها تريد أن تبقى، وتتصرف وفقا لإرادة البقاء، التي قد تخرجها عن خلقها ومبادئها ودينها في أكثر الأحيان.

لكن الأصوب أن نشير إلى الكراسي، التي تمتلك قدرات تخريب الشعوب، وتدمير الوجود الوطني والإنساني، خصوصا عندما تنغمس في مشاريعها الشخصية والحزبية والفئوية، وتمعن في الفساد، وتتمسك بالمناصب والكراسي، وتنكر وجود الشعب وتلبية حاجاته.

فالكراسي السيئة تصنع نظاما سيئا، يسوّغ مساوءها، والكراسي الخيّرة، تصنع ما يعزز خيرها ويعين أخيارها على العطاء الصحيح.

وفي التأريخ دروس وعِبَر، وفي الزمن المعاصر مئات الصور، فأي شعب بحاجة لقادة، ولم يكن الصينيون بأفضل حال منا، كذلك الكوريون، لكنهم إمتلكوا قادة وطنيين مؤمنين بالوطن والشعب، ولهذا كانوا، وتقهقرنا وتراكمت أسباب الإذلال والهوان في ربوعنا!!

***

د. صادق السامرائي

 

لم توفر العمارات السكنية والمنازل في قطاع غزة عامة منذ بداية الحرب مزايا عسكرية بالنسبة لجيش الاحتلال ولم تقف خططهم في البحث عن أنفاق المقاومة الفلسطينية. وليس للقصف المجنون الممنهج وتدمير كل تلك "الملكية المدنية" إلا من أجل إنجاح خطة حكومة نتنياهو في إجبار سكان القطاع على تركه، في حرب إبادة الهدف منها التطهير العرقي. وطالما كان حلم قادة دولة الاحتلال أن يستيقظوا ليجدوا غزة وقد ابتلعها البحر. فما يفعله الجيش من قصف وتدمير لهذه الملكية إلا لذلك الهدف (التطهير العرقي) وليس لضرورات معركة إن جاز لنا أن نسميها.

وتدمير الملكية المدنية بهدف دفع السكان المدنيين على الفرار بشكل دائم يعتبر انتهاك لقوانين النزاع المسلح وأن ما يقوم به جيش الاحتلال من تدمير ومحو لمربعات سكنية كاملة ما هو إلا خرقا قانونيا لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول الملحق بها. وطبقا لاتفاقيات لاهاي لعام ١٨٩٩ وعام ١٩٠٧ فإن "تدمير ملكية العدو أو مصادرتها إلا إذا كان مطلوبا بإلحاح لضرورات الحرب "ليس قانونيا". كما تنص الاتفاقيات أيضا على"ضرورة احترام الملكية الخاصة ".

وتحكم أحكام قوانين النزاع المسلح أيضا الظروف التي يمكن في ظلها تدمير الملكية كضرر جانبي. "إذ يجب أن لا يتجاوز الضرر حد الضرورة العسكرية وأن لا يكون تعسفيا". وعند التدقيق بهذه الفقرة فإننا سنخرج بمخرج واحد وهو أن تلك العمارات السكنية حتى لو كانت تخدم مثلما تدعي دولة الاحتلال المقاومة الفلسطينية فإن طريقة تدميرها يجب أن لا تتجاوز الضرر الجانبي وأن سياسات مثل سياسية الأرض المحروقة تدمر ليس فقط بشكل تعسفي بل هو الانتقام الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية.

وتؤكد اتفاقية جنيف الرابعة أن تدمير الملكية الواسع ومصادرتها الذي لا تبرره ضرورة عسكرية ويتم بشكل لا شرعي وتعسفي"خرق قانوني جسيم".

لكن من يتجرأ على دحض مزاعم دولة الاحتلال بالضرورة العسكرية أو على رغبتهم القانونية في الحصول على ميزة عسكرية.

وهنا ما الفائدة من الاتفاقيات الدولية والقوانين الدولية والإنسانية إذا كانت معاييرها تتسم بالازدواجية؟ وموادها لا تنطبق على هذه الطفرة السرطانية التي نبتت ونمت وتضخمت في شرقنا، حتى غدت تمرح وتلعب وتلهو، تسرق الأرض وتتعدى على العرض وتسلب ما ليس لها تحت مسمى أرض الأجداد والممالك وهي لا تملك شبرا من ارضنا.

***

بديعة النعيمي

"أيا شعبي أننا في ظلام فكري"، ماذا يمكن أن نقول نحن الذين تنجر لهم هذه الأيام وليمة الموت وطقوس الجنازة على مرآى من العالم، نحن الذين نهتف للحرب ونصلي للقتل، من أجل إرضاء البيت الأبيض الذي سوف لن يراه أحد عبر الشاشة لأنه سيكون موت حشرات وجدت خطأ على هذه الأرض العربية المستباحة لكل جيوش التتار الجدد، التي تتسع لكل أنواع الوحوش والنازيين الجدد، والقتلة... وكيف سيكون الاحتفال...؟

في أمريكا تثور عاصفة رملية هوجاء، إنه صوت الحرب الهادر كالرعد. \". في ليلة الذبح يوم أن خرجت أحدث الطائرات الأمريكية هذا الأسبوع من قواعدها داخل أمريكا بحجة قتل ثلاث جنود في إحدى قواعدها في شمال شرق الأردن، لتعيد سيناريو الحرب في العراق ويعيش شعبنا "العراقي "مرة أخرى مأساة قتل أكثر من {2مليون عراقي} وتغضب لقتل ثلاث جنود، وماذا بعد...؟ يوم سقوط غزة، وصنعاء، ودمشق، وبيروت، وبغداد للمرة الألف...؟ هل سنموت وبأي طريقة...؟ هل بحرق محطات الوقود والنفط من أجل تكوين سحابة سوداء تجعل الطائرات المغيرة تضل طريقها وتفرغ حمولتها على الحقول وآبار البترول..؟

هل سنموت بالحصار والجوع والفوضى...؟

إن الذين يحلمون من الغرب بمصطلح\" حرب نظيفة \"وسريعة وخاطفة وجراحية، سوف لن يجدوا شَيْئًا يتكئون عليه في النهاية، لأن الحيطان نفسها ستزال مع المدن والجسور والاحلام والاوهام.

الذين يدفعون المنطقة نحو الحرب اليوم، من إدارة (بايدن) عن جهل، أو طمع، أو عنصرية، أو مرض، أو استغلال فرص، نبشرهم بأنهم لن يعثروا على اي شيء إلا علي خراب وأرض محروقة، ولا على كرسي لعملاء لهم يجلسون علي كراسي الحكم لقد انحطت اللغة اليوم، لغتنا الى أسوأ حالات الانحطاط، وصرنا نتحدث عن ثمن سقوط ملايين الارواح كأننا نتحدث عن أحجار او رمل أو صفيح.

إننا إذن امام مشهد سقوط أخلاقي مروع، وتدهور خطير في الروح الإنسانية لا مثيل له، ولا أحد يعتقد ان العالم، كل العالم، سيحترمنا ونحن نتحدث عن وطننا بهذه اللغة الدموية التي يخجل منها وحوش ما قبل التاريخ،، بذريعة حكام ديكتاتوريين، الأرض ليست النظام، تسقط حكومات في أوروبا اذا داهم البوليس خاطف أطفال قتلوا نتيجة المداهمة.

وتنهار انظمة لسقوط جسر أو انهيار عمارة أو غرق باخرة، ويطرد وزراء لمذبحة كلاب في مأوى، ولن يتحرك الغرب أمام جريمة إبادة جماعية لشعب أعزل في "غزة وفي الاراضي المحتلة"، نحن نتحدث عن موت بالملايين. على الذين يتحدثون عن ثمن بالملايين، عليهم ألا يتحدثوا بهذه اللغة امام الاطفال لكي لا ننقل هذه الجريمة الى جيل آخر، جريمة الاستهانة بأرواح البشر،

ولكي لا يتعلم هؤلاء هذا النوع من اللغة المشوهة التي تقطر دَمًا وجنُونًا  وحقارة نبشر الحالمين والواهمين بوطن جديد ما بعد حرب غزة، سوف لن تجدوا غير الجثث المتفحمة والجدران المنهارة والدخان الاسود والفئران وهي تسرح بين الانقاض\" حذرناكم ونحن على موعد قريب \". يوم ذاك سنطلق اسم كل واحد منكم من زعماء الغرب وزعماء العرب على كل جثة أو مجزرة أو محرقة أو قصف مدرسة او مستشفي...الخ، تعلموا من التاريخ سوف يكتب سجل من الأجرام بحقكم جمِيعًا وبحق النظام العالمي الجديد وبحق الجالسون في الأمم المتحدة، نقول لكم:- اغتسلوا بدمع ضحايا يجلسون الان في منازلهم وتحت الأرض والخيام ينتظرون الموت في عشية الحرب الدائرة الان\" ولكن هنا أمريكا ورائحة الذرة المشوية تختلط بدماء، أيا شعبي اننا في ظلام فكري، قصيدة للشاعرة (كيري) تقول:- غيوم ترى خلال المرايا تحجب القمر، ويوم ينذر بالرزايا، وظلال تموت. في الخنادق أكفان ملقاة صدئة بالدماء، اننا حبيسون في جمجمة تبتلع كل شيء، فيها هلال غامض حيث الدماغ، لا نسمع إلا طبول الموت المثيرة، والله يرانا، في يأسه، نهشم انفسنا على الجدران، نعلق على الصلبان اجسَادًا  لن تتنفس ابدا. وهو واجب المثقف، ودعوة لنخب ادبية وثقافية، لفضح المخطط الارهابي الغربي المتحالف مع إسرائيل في عدوانها علي الشعب الفلسطيني ودول عربية...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

العقول تفكر، ولا قيمة لما تتوصل إليه إن لم يكن مقرونا بجرأة التعبير عنه.

"إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة...فإن فساد الرأي أن تترددا"

وما أكثر العقول العاملة المحفوفة بالخوف الشديد، والمعتقلة في متاريس الرعب، وفي مقدمتها الطروحات والروايات التي إرتدت أزياء القدسية والمقامات العلوية، وأصبح الإقتراب منها نوع من الجنون والإنتحار.

وبسبب هذا التردد والهلع إستنقع الواقع وتعفن، وتحول الطيب فيه إلى خبيث، والفضائل إلى رذائل، والحق إلى باطل، وإنتصر الغش والخداع والتضليل وتسلط الفساد.

إن جرأة إعمال العقول من أهم مرتكزات التغلب على الضياع والهوان.

ولابد لإرادة السؤال أن تتحرر من أصفاد الممنوع، وتحطم هياكل السمع والطاعة، والتبعية والخنوع للمفترسين لوجود الأمة.

المجتمعات بعقول أبنائها، لا بالخرافات والهذيانات والأوهام والأباطيل المؤدينة، التي تدعو لتكبيل المجتمعات بقيودها القاهرة، وبعدم النظر فيما قيل ويُقال.

جرأة إعمال العقول ترفض الأصنام المشخصنة، والتعبد في محراب أدعياء الدين، وهم ألد أعدائه، ومن المسخَرين لتأمين مصالح الآخرين بإسم الدين.

لابد للأمة أن تتحرر من أهوال الذل والهوان، وتتنفس هواء الحرية وتقرير المصير، وتؤمن بأنها ذات سيادة، وليست من غنائم المنتصرين في حروب القرن العشرين.

ولن تنطلق الأمة، إن لم تمتلك عقولها الجرأة المطلقة في التعبير عن أفكارها ورؤاها، وما تريده لبناء مستقبلها الحر العزيز.

فهل من عقول ساطعة لا تخاف لومة لائم؟!!

و"كذب الظن لا إمام سوى العقل...."!!

***

د. صادق السامرائي

 

عادة ما يتم إخلاء المدنيين من أرض المعركة عندما يكون المتحاربون جيوشا نظامية. لكن الوضع في غزة خاص ومختلف، فالحرب بين جيش وأعضاء حركة. وأرض القطاع جميعها مباحة لقصف جيش الاحتلال. والمعابر مغلقة أمام سكانه وليس أمامهم في هذا الحيز المغلق المكتظ سوى خوض لعبة الموت مع صواريخ وقناصي جيش الاحتلال ومرتزقتهم.

والمدني هو شخص غير عسكري ولا يشترك مباشرة في القتال. وسكان غزة عزّل وليسوا أهدافا عسكرية مشروعة، ففي المعارك الطبيعية هنالك التزام بإخلاء المدنيين من أرض المعركة وتأمين ممرات ومناطق آمنة لهم، ويعتبر تعريض غير العسكري عمدا للخطر انتهاكات لقوانين الحرب. ويجب على قادة أي حرب أخذ مشكلة وجود المدنيين في منطقة الحرب عن طريق تحذيرهم، وقد يتم ذلك بإسقاط منشورات أو إطلاق بلاغات بمكبرات الصوت أو في الإذاعة لكن في غزة نجد أن القصف عشوائي ومفاجئ وانتقامي وجنوني، الهدف منه القتل والإبادة، فالصياد لن يتجنب فريسته في لعبة الموت، ولن يحذرها لأنها باتت هدفا له، يتعطش لدمه، يلاحقه حتى بعد موته. في غزة لا قوانين تطبق على الصياد ولا محكمة تنقذ الضحية، فالجميع متآمر ومتواطئ.

والمنطقة الآمنة تعبير غير رسمي، يغطي تنوعا واسعا من محاولات إعلان مناطق خارجة عن حدود الاستهداف العسكري. حيث تهتم اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الإضافي الأول لعام ١٩٧٧ بثلاثة نماذج هي ١- مناطق الاستشفاء ٢- المناطق المحيدة (الآمنة) ٣- المناطق المعزولة من السلاح. وترتيبات هذه الاتفاقية تتطلب اتفاقا بين الدول المتحاربة. ولما كانت الحرب على غزة حربا غير متكافئة كما قلنا فهي جيش ضد حركة، فالسؤال هل تنطبق هذه المعاهدة عليها؟ ام أنها استغلت هذا الوضع لممارسة لعبتها القذرة؟.

والمتابع لمجريات الحرب لا بد بأنه شاهد أو قرأ ما قام به جيش الاحتلال في بداية كانون الأول ٢٠٢٣ حين وجه دعوات لسكان القطاع بالتوجه إلى منطقة الجنوب باعتبارها منطقة آمنة مع تعهدات مسؤولين في الجيش بعدم مواجهتها..لكنهم كذبوا، فوسط البرد والجوع وانعدام المأوى، قصف وموت بل وإبادة. فعن أية مناطق آمنة يتحدثون وأي أمان يدعون والقطاع كله بات على فوهة بركان من الموت؟ وخير شاهد على غدر العدو شارعي صلاح الدين والرشيد الساحلي الذين غرقا بدماء الشهداء وجثامينهم وقت نزوحهم إلى الجنوب بسبب القصف الغاشم.

وها هي الأمم المتحدة التي صممت على مقاس دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول العظمى تصرح ومنذ بداية الحرب أنه "من المستحيل إنشاء ما يسمى بمناطق آمنة يفرّ إليها المدنيون داخل قطاع غزة وسط حملة القصف "الإسرائيلية"".

كما قال الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة"يونيسيف" "جيمس إلدر" للصحافيين في جنيف "إن ما يسمى بالمناطق الآمنة غير منطقية وغير ممكنة، وأعتقد أن السلطات على علم بذلك".

فأين الأمان وغزة اليوم وهي على أبواب الشهر الخامس من الحرب الفاشية عليها وصرخات الأطفال تدوي في خيم النازحين تطالب الأهل بكسرة خبز وشربة ماء؟

***

بديعة النعيمي

أكبر مصائب الأمة أن فيها دول غنية ذات ثراء فائق، وتستثمره في إيذاء دولها لا بتحقيق مصالحها.

والدول الثرية نفسها لا توجد فيها عدالة توزيع الثروات، بل أنها مُحتكَرة من قبل بضعة أفراد أو عوائل، ومعظم أبناء الشعب يعانون القهر والحرمان من أبسط الحاجات، فهناك ثراء فاحش وفقر مدقع في جميع دولنا الثرية.

ويبدو أن الأمة عجزت عن التصرف العادل بثرواتها، وما تمكنت من سن القوانين المنصفة الضرورية للحفاظ على ثروات البلاد والعباد من الضياع والإستنزاف، وأصبحت الكراسي أيا كان نوعها المالك المطلق لها، فتعبث بها كما تشاء لحين إنقضاء فترة إستعمالها في السلطة.

فعلى سبيل المثال، لا يوجد في دول الأمة النفطية قانون ضبط وتوزيع ثروات النفط، وآليات لإستثمارها بما يخدم المصالح الوطنية، وإنما يتم العبث بها وفقا لأمزجة الكراسي وبقرارات فردية، ويحسب الحاكم بأنه صاحب الحق بالتصرف بها، أو أنها غنيمته التي لا يحق لأحد أن يسائله عنها.

إن عدم العدالة في توزيع الثروات الوطنية من أهم أسباب وعوامل تعويق الأمة، وتدمير الأجيال ورهنها بالحاجات وتحويلها إلى أرقام.

والعجيب في الأمر أن الشخص المُغتصب لثروات البلاد يحسب ما يعطيه للمواطنين مكرمات وفضل منه، ويتوهم المواطن بأن الذي يأتيه من أصحاب الكراسي هدية أو عطاء كريم، وهو الذي لم ينل جزء يسير من حقه في الثروة الوطنية.

فالتفاعل بين الحاكم والمحكوم يعزز السلوك الإغتصابي للثروات الوطنية، ولهذا لن تجد صاحب كرسي أيا كان شأنه لم يستحوذ على مقدرات البلاد والعباد، ولم يكنز من الثروات ما لا يستحقه، لكنه يستطيع نيله والوصول إليه، وبموجب ذلك يعم الفساد، والتفاعلات السلبية القاضية بنهب الثروات وتقزيم العباد، وردمهم في مهاوي القطيع وحجرهم في ميادين السمع والطاعة، والتبعية المطلقة للطامعين بهم.

وتلك معضلة المعضلات، وأم المهاوي والويلات، التي تتسبب بتخدير وتغفيل الناس بالدين، ليتم سرقة أموالهم ومصادرة ثرواتهم، وهم في ويلاتهم يعمهون، وعلى بعضهم يتأسدون، والسارقون ينهبون كما يشاؤون!!

و"حق يضر خير من باطل يسُر"!!

***

د. صادق السامرائي

 

التصريحات الامريكية القبيحة لوزير خارجيتها بلينكن من ان واشنطن تسعى للسلام في الشرق الاوسط. وافعال أداء الإدارات الأمريكية المتعاقبة تثبت أنه لا توجد دولة في العالم تنافس أمريكا في تهديدها للسلام الدولي. إن التزامها وحلفاءها بحقوق الإنسان لا يتعدى كونه أسطوريا كاذبا. فهذه الحقوق تتحدد على أساس الإسهامات في حفظ الانظمة العميلة.

لبعض الحكومات العربية حقوق في نظر الإدارة الأمريكية التي تقدم لبعضهم نوعا من الحماية الأدبية، لأن هذه الحكومات ببساطة تسيطر على الشعوب، وتخنقها، وتضمن في الآن ذاته تدفق الثروة إلى الدول الغربية والتي ترتبط مصالحها. هذه مقولة السلام التي تدعي بها ينطبق عليها المثل ' إذا كنت لا تستحي فقل ما تشتهي'. ولعل القصة التي أوردها تشومسكي في كتابه » قراصنة وأباطرة « من أن قرصانا وقع في أسر الإسكندر الكبير الذي سأله كيف تجرؤ على إزعاج البحر؟ كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان: لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأدعى لصا، وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم فتدعى امبراطوراً. هذه هي قصة أمريكا والعالم، وليس أمريكا والعراق فقط ان كون امريكا تدعو للسلام فهي حقيقة غير منطقة ولا تتناسب مع كل الجرائم والأفعال التي تقوم بها وليس لها دلالات وتتحايل الفرصة للتحرك بسرعة من اجل اعادة هيبتها البولونية التي تنفجر في اي لحظة لتغدر بالعملاء العاملين معها وتريد فرض دورها العسكري والسياسي في المنطقة بعد الفضيحة الكبيرة التي وقعت فيها عندما تخلت بكل سرعة اثر الهزائم التي منيت بها في أفغانستان وما تعانيه من ذهاب ماء وجهها في العراق وسورية هي وذيولها، ابتداء من إرسال سفن حربية وحاملات طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط وتواصل دعمها لإسرائيل، وصولا إلى الضربات الجوية العديدة على اليمن، وعلى قواعد خصومها في العراق، وفشل إنشاء تحالف دولي لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وباتت المنطقة تعيش حالة من القلق نتيجة التصعيد الحاصل على وقع العدوان الإسرائيلي في غزة، حتى إن البعض بات يرى أن احتمالية اندلاع حرب عالمية "ثالثة بات وشيكا، " وأن شرارة هذه الحرب قد تنطلق من التوتر الحاصل في الشرق الأوسط. فقد تصاعدت حدة التوترات نتيجة الموقف الأمريكي الداعم للكيان الصهيوني، في ما يمارسه من إبادة جماعية في الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تعرض الوجود الأمريكي في المنطقة إلى مختلف الهجمات من فصائل قريبة من المقاومة، وكانت إدارة بايدن تتعاطى مع التهديدات والضربات بحذر وتدعي بأنها قادرة على احتواء الأزمة، فكان الأمر يسير وفق سياق أشبه بقواعد اشتباك غير معلنة، ضربة هنا يتم الرد عليها هناك، أو سكوت الطرفين على ضربات غير موجعة يتم استيعابها دون اي رد فعل سوى التهديد. وقد صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن، " إن الضربات سوف تستهدف مواقع في سوريا والعراق، تأتي للردًا على استهداف جنود أمريكيين في قاعدة عسكرية في الأردن".

لاشك ان توقف فصائل الحشد الشعبي عن شن ضربات على الوجود الأمريكي لحين انكشاف الوضع وتقليل التوتر الحاصل. لم تمر وحدث ما كان متوقعا فقد شنت القوات الأمريكية ضربتها على مراكز للحشد الشعبي في العراق تقريبا في كل يوم ما أدى إلى استشهاد عدد من قادة الحشد الشعبي وكانت اخرها الليلة الماضية في استهداف مجموعة من المجاهدين في منطقة المشتل يتقدمهم مقتل القيادي أبو باقر الساعدي، ان هذه الجريمة تعبر عن اصرار اميركا وحلفاءها على العمل بمنطق القتل والوحشية وسفك دماء ابنائنا وعدم الاعتراف باسلوب الحوار والتفاهم، وهو دليل واضح على ان وجود القوات الاجنبية في العراق هو اساس الجريمة والعنف واثارة الفتن، ما يدل ان امريكا ليست لها عهود ابداَ " كما ان هذه الاعتداء غير المبرر هو تقويض وتنصل عن كل الاتفاقيات والتفاهمات السابقة ونحمل الولايات المتحدة وقوات التحالف نتائج وتداعيات هذا العدوان على أمن واستقرار العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام و تعد هذه الهجمات الأمريكية بين الحين والآخر على القوات العراقية الرسمية على أراضيها انتهاكًا واضحًا للاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، وبالتالي انتهاكًا للسيادة العراقية، إن "استمرار الاعتداءات الأمريكية على الأرواح العراقية، وانتهاك سيادة بلدنا، هو دليل على الاستهانة والاستهتار الأمريكي بالعراق حكومةً وشعبًا، ومن الواضح أنها ليست في وارد التوقف عن هذه الاستهانة والاستهتار، بل هي مستمرة في اعتداءاتها، رغم الخطوات الإيجابية التي قامت بها الحكومة العراقية الموقّرة، والتزام التهدئة من قبل فصائل المقاومة الشريفة".

ويحذرالمسؤولون العراقيون من أي عملية عسكرية دون علم الحكومة العراقية وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين. وفي أعقاب الاعتداء الصارخ، دعت العديد من الأحزاب العراقية إلى إلغاء الاتفاقية الأمنية لأن الولايات المتحدة انتهكتها بالفعل. وكانت بغداد قد حذرت مرارًا وتكرارًا من مثل هذه الممارسات التي تعد اعتداءات صارخة على حرية واستقلال الوطن، ان مثل هذه الأعمال تتطلب من كافة السلطات والقوى الوطنية والشعبية الى التمسك بموقف وطني موحد تجاه هذه الجرائم التي تستهين بسيادة العراق وكرامته وتستهدف قيادات امنية رسمية مدافعة عن القيم والمبادئ.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

ما تقوم بها أمريكا من عمليات اغتيال بواسطة الطائرات المسيرة تثير الريبة والقلق، خصوصا انها استطاعت تحقيق الاهداف التي تريدها، مع صمت أممي من التجاوزات الامريكية على سيادة العراق وسوريا واليمن، وهنا نشدد ان على خط المقاومة في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن ان ينتبه لعمليات امريكا الجوية عبر المسيرات، وان يتم اتخاذ الإجراءات التي تحفظ القيادات من الاستهداف الأمريكي، وأن تاخذ خطر المسيرات على محمل الجد، وقد يكون ما وراها عمل عسكري كبير، فالشيطان الأكبر لا يصدر عنه الا كل شيء شرير.

فالأمر خطير جدا وقد تكون هنالك ضربة كبيرة لايران او لقوى المقاومة في المنطقة، حسب التطورات في الشرق الاوسط، خصوصا ان القيادة الامريكية تبحث عن اي نصر ممكن تحقيقه، نتيجة الضغوطات السياسية الداخلية والتظاهرات المعارضة للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط.

هناك خطة ما

المتابع للاحدث تنبه الى ان الرد الامريكي تاخر، وهذا يعني ان الهدوء الأميركي والتريّث في اتخاذ القرار بالنسبة للرد يعني أنَّ هناك خطة أميركية معقّدة بشكل لا تتأثر فيه الانتخابات الأميركية، ويضمن الردع ولا يوسّع نطاق التوتر في المنطقة، لا سيما في ظلّ استمرار الحرب على غزة، فكلما طال زمن الرد الأميركي عَظُم الخطر أكثر، لأنّ الولايات المتحدة دولة عظمى، وتدرس ردودها بعناية فائقة، ليست كباكستان التي ردّت بشكل فوري.

لذلك كان على ايران وقوى المقاومة ان تضع تدابير وخطط لتقليل اضرار الرد الامريكي، فالهدوء ليس معناه ان امريكا نسيت الامر.

نتنياهو يغرق

الخيوط كلها تتشابك مع بعض، فالحرب في غزة ليست بعيدة عن ما يجري من استهداف لقادة المقاومة بواسطة المسيرات، حيث أنَّ حرب غزة أوصلت رئيس الوزراء الكيان الصهيوني نتنياهو إلى حافة المقصلة، حيث أنّ حكومة نتنياهو متّجهة إلى السقوط المؤكد.

إنّ الحرب في غزة وصلت إلى مرحلة حرجة على الساحة الداخلية في الأراضي المحتلة، حيث أصبح الصراع بشأن الحرب بين العسكريين والسياسيين داخل حكومة نتنياهو علنيًا، وتجاوز الحدود الطبيعية ليشكّل مرحلة خطيرة في الكيان الصهيوني.

لقد تصاعدت الخلافات داخل الحكومة الصهيونية معه المعارضة، في ما يبدو أنّ نتنياهو فقد ثقته تماماً بوزير الحرب في حكومته، لكن يستبعد ان يكون نتنياهو على طريق الإقالة على المدى القصير، خصوصا ان حرب غزة مازالت مستمرة  ولم تحسم بعد، لكنها حتما ستكون النهاية السياسية لنتنياهو وجميع حلفائه.

العداء المتبادل

يمكن تلخيص علاقة ايران امريكا بانها دائمًا علاقة عداء متبادل بين الجانبين، حيث أنّ الطرفين اعتمدوا سياسة متسامحة ومنطقية مؤخرًا، حيث باتت الخصومة بينهما محسوبة وفق مبدأ الربح والخسارة، فالجمهورية الاسلامية الايرانية اعتمدت سياسة تتّفق مع المصالح الوطنية، وتتجنّب أي مواجهة مباشرة، وتهدف لإخراج الوجود الأميركي من المنطقة، اما اميركا ورغم علاقتهم العدائية مع إيران بسبب استراتيجيتها طويلة الأمد، إلا أنهم لا يبحثون عن مواجهة مباشرة معها، لادراكهم بانها ستخسر مصالحها في المنطقة، وتكلفها المواجهة المباشرة مع إيران الشيء الكثير.

ولا يمكن إخفاء المخاوف من اتساع رقعة الحرب في المنطقة، سيما ان الحرب على غزة مستمرة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023.

تحليلات خطيرة

هناك تحليلات استخبارية وصحفي تحدثت منذ البداية عن أن توسع الحرب أمر لا مفر منه، وأنّ هذا الأمر يزداد تأكيدًا مع كل تطور في الحرب، لا سيما بعد الهجوم على القاعدة الأمريكية “برج 22” شمال الأردن،  فإنّ كل طرف في التوتر يعلم بأنّ الطرف الآخر لا يرغب بالدخول في حرب، وبالتالي فإن جميع الأطراف تحاول وضع أقصى ضغط ممكن على الجانب الآخر لكن بطريقة مُسيطر عليها.

أنّ واشنطن تعمل من خلال التوتر في المنطقة على توفير متنفّس للكيان الصهيوني، وخاصة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في مواجهة الرأي العام العالمي والاحتجاجات الداخلية، وتقليل التركيز على أحداث حرب غزة.

فهنالك قراءات للاحداث تتوقع توسع الحرب، وحصول ازمة اقتصادية خطيرة تؤثر على كل بقاع العالم.

حرب الانتخابات الأمريكية

أنَّ منطقة الشرق الأوسط وتطوراتها هذه الأيام أصبحت محور السجالات السياسية والانتخابية الأميركية، خاصة موقفهم من إيران، إنّ المرشحين المتوقعين للانتخابات المقبلة هما دونالد ترامب وجو بايدن، وكلاهما مهتم بشكل كبير بإيران في حملته الانتخابية، وأنَّ كلا المرشحين يهاجم الآخر بنجاحه في السيطرة على إيران او احتوائها.

حيث يفتخر ترامب الجمهوري بضرب إيران من خلال اغتيال الجنرال قاسم سليماني، فيما يتباهى بايدن الديمقراطي بمهاجمة مواقع المقاومة في المنطقة للسيطرة على طهران، ويتضح هنا اهمية ايران في الصراع الانتخابي الامريكي، وعلى صعيد آخر فأنَّ الضربات العسكرية الأميركية على العراق وسوريا كانت استعراضًا إعلاميًا ومسرحية مبتذلة لأهداف انتخابية، حيث أنَّ امريكا في وضع يُرثى له بعد اهتزاز صورتها أمام العالم، تحت وقع خسائرها الكبيرة وتراجعها في أوكرانيا والشرق الأوسط، لذلك أرادت امريكا تنفيذ ضربات وهمية ضد أهداف ومواقع فارغة للتغطية على تراجعها.

فالواضح إنَّ الكثير من الأهداف التي هاجمتها الطائرات الأميركية كانت فارغة، حيث كان الجميع على علم بالأهداف المقرّر ضربها، كما أنّ تحرّك القاذفات الأميركية الاستراتيجة كان بمثابة استعراض إعلامي واضح.

قرارات ما بعد الانتخابات

يمكن ادراك ما ستفعله الادارة الامريكية بعد الانتخابات، فالحرب غزة والتي أدت إلى اهتزاز صورة امريكا بالعالم، وارتفاع الاستياء من سياسة واشنطن، وتراجع امريكا في أوكرانيا، وتورّطها بحرب جديدة ألا وهي حرب البحر الأحمر مع الحوثيين، وادخال العالم في ازمة كبيرة، مع ازمتها الدائمة في والعراق، أمور تجعل الأميركيين في حالة لا يُحسدون عليها، حيث باتوا في مستنقع من المشاكل والهزائم.

لذلك ندرك أنَّ الضربات الأميركية في العراق وسوريا ما هي إلا مسرحية أميركية يجريها الرئيس الأميركي جو بايدن لخدمة مصالحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فالنتيجة إنَّ الضربات الثقيلة للمقاومة ضد القوات الأميركية أوصلتها لنتيجة مفادها بأنه لا فائدة من البقاء في المنطقة، وهو ما قررته الولايات المتحدة، إلا أنَّ الانتخابات الأميركية والحرب في غزة تضغطان على بايدن للقيام ببعض المسرحيّات.

***

الكاتب: اسعد عبدالله عبدعلي

ذات اجتماع في القيادة الجنوبية للجيش بتاريخ ٩/أكتوبر/٢٠٢٣ قال وزير الدفاع يوآف غالانت "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ، نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقا لذلك".

 أما النائبة عن الليكود ريفيتال تالي جوتليف فقد دعت وفي نفس التاريخ أي التاسع من أكتوبر قوات الجيش لاستخدام كل ما في جعبتها، قائلة" حان الوقت لصاروخ يوم القيامة، إطلاق صواريخ قوية بلا حدود ، لا تسوي حيا واحدا بالأرض بل تسحق غزة كلها وتسويها بالأرض، بلا رحمة ، بلا رحمة"

المطالع لهذه التصريحات التحريضية وغيرها الكثير، تعني شيئا واحدا وهو الدعوة من أجل إبادة الشعب الفلسطيني وفقا لتاريخ اليهود القائم على النظرة الدونية إلى غير اليهودي ما يتيح لهم الحق باستعباد الآخر وارتكاب أي شيء بحقه. وقد دأب قادة دولة الاحتلال منذ قيامها على إطلاق مثل هذه التصريحات التحريضية.

وبالرجوع للقانون الإنساني الدولي الذي لا يعترف بحق مطلق لحرية التعبير، ويعتبر التحريض على الإبادة وفقا لذلك غير قانوني كليا. فحسب المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩ "يعامل المدنيون في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز يقوم على العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أية معايير مماثلة أخرى". وتنص المادة الثالثة لاتفاقية الإبادة لعام ١٩٤٨ على أن " التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة محظور".

وبصرف النظر عن الذرائع التي تتبجح بها دولة الاحتلال وأبرزها الدفاع عن النفس ، تبقى هذه الحرب حرب إبادة وانتقام من كل ما هو فلسطيني..لكن لماذا؟؟

لأن اليهود يرون كل فلسطيني سيعود مطالبا بحقه الذي سلب منه يوما. وهم يخافون هذا اليوم ويسعون بكل ما أوتوا من قوة ونفاد وقت للتخلص من الحقيقة (الفلسطيني) وإحلال الوهم مكانها (اليهودي)، لكن المنطق يقول أن لا وهم يدوم والحقيقة هي الواقع الصادق والثابت. أما القوانين الدولية والإنسانية فإنها لا زالت تتساقط كلما هزت الضحايا طرفي "الغربال".

***

بديعة النعيمي

لم يمر العراق في تاريخه الحديث، ومنذ قيام الدولة العراقية سنة 1921، بحالة من الهوان والذل واسترخاص دماء أبنائه ومن التبعية والفساد ونهب ثروات البلاد وتحكم الأجنبي ربما إلا في السنوات الأولى من العهد الملكي والذي لم يكن يخفي تبعيته للاستعمار البريطاني فهو حكم مستجلَب من خارج العراق.

ورغم تبعيته المعلنة فقد اضطر النظام الملكي البائد إلى إلغاء تجديد معاهدة بورتسموث وإلغاء المعاهدة الأصلية لسنة 1930 (المعاهدة العراقية البريطانية) تحت ضغط الانتفاضات الشعبية العارمة التي قادتها القوى الاستقلالية بقيادة اليسار وخاصة انتفاضة وثبة كانون سنة 1948. أما الزعامات الطائفية الحاكمة اليوم فترفض مجرد التفكير بالخروج من التبعية الأميركية وإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقَّعها نوري المالكي مع الرئيس الأميركي أوباما! ومعلوم أن هذه الاتفاقية قد تقرر بموجها سحب معظم القوات الأميركية المحتلة سنة 2011 بعد أن هزمتها المقاومة الشعبية شرَّ هزيمة والإبقاء على الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية الأميركية على العراق لتوفير الحماية للزعامات الانتهازية الطائفية في الحكم.

يمكن للمراقب المحايد أن يستنبط إنَّ المعادلة الجيوسياسية لحكم العراق التي وضعتها إدارات الأميركية وسارت عليها الزعامات الشيعية وحليفتها الكردية العراقية ومن التحق بهم من المقاولين العرب السنة وباركتها المرجعية الدينية ومقاولاتها العتباتية وبعض القوى العشائرية المتلقفة للفتات من المتساقط من مكينة الفساد والإفساد هي كالتالي استنباطاً:

* لكم - يا ساسة المحاصصة الطائفية والعرقية - حكم العراق والتمتع بحمايتنا لكم حتى من شعبكم إذا انتفض عليكم ولكنه حكم بلا سيادة ولا استقلال ولا كرامة ولنا كل شيء بما فيه أرواحكم!

* فإن قلتم لا أو فكرتم مجرد تفكير بالرفض أو الاعتراض والخروج من تحت المظلة الأميركية ضيعتم الحكم والتمتع بأموال الفساد واستبدلناكم بغيركم أو فرضنا عليكم الحصار الشامل!

هذه هي معادلة الحكم في عراق اليوم بكل صراحة ووضوح والأدهى والأمر هو أن النخبة "المثقفة" العراقية في غالبيتها ومعها محازبو الليبرالية واليسار المزيف الانتهازي إما أنها مستقيلة من "السياسة ووساختها" أو أنها تصفق للعدوان وتشمت بضحاياه وتتمنى المزيد من سفك الدماء وتدافع عن مبرراته لأن الحاكمين الطائفيين حرموها من حصتها في الحكم ومغانمه!

فأي مشهد عراقي هذا وإلى أين يتجه؟

***

علاء اللامي

مما لاشك فيه؛ ان العلاقة بين امريكا والعراق، علاقة ملتبسة تفتقر الى الوضوح في الرؤية والسلوك. امريكا التي لها في العراق سفارة هي من اكبر سفاراتها في العالم، وقد استغرقت في بناءها عدة سنوات بعد الاحتلال، وتقع في قلب المنطقة الخضراء، وعلى مساحة كبيرة وواسعة جدا؛ لم تعمل وربما لن تعمل مستقبلا على بناء علاقة تكافيء بينها وبين العراق، بل تريد ان يكون العراق ارضا وشعبا في علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية، لها شكل أخر يختلف كليا عن العلاقات المتكافئة بين الدول والشعوب في المعمورة. الولايات المتحدة الامريكية، في هذا تقع، بل هي واقعة فعلا في خطأ استراتيجي جسيم، وخطير سوف يكلفها الكثير، من دون ان تحصل على ما تريد من تلك العلاقة غير السوية. الشعب العراقي، شعب تمتد جذوره وجذور الامة التي ينتمي إليها عميقا في اغوار التاريخ؛ لأكثر من ثمانية آلاف سنة. أن هذا الامتداد التاريخي سوف يفعل فعله في هذه اللحظة التاريخية؛ باتجاه ان يكون حرا في قراراته على كل الصعد، وفي وطن ذو سيادة كاملة غير منقوصة. لذا؛ فأن امريكا هنا تقع في خطأ، بل خطيئة تاريخية وكارثية؛ سوف تكلفها الكثير من مواردها ومن سمعتها، وسوف يتأكل جرف هيمنتها وسيطرتها على الكثير من مقدرات الدول والشعوب في العالم الثالث وحتى في دول الاتحاد الاوربي. عندما بدأ الكيان الصهيوني في ارتكاب المذابح والمجازر في حق الشعب الفلسطيني في غزة على مرأى ومسمع كل العالم المتحضر، من دون ان يحرك هذا العالم ساكنا على طريق اجبار هذا الكيان على التوقف عن مواصلته لهذه المذبحة. الامر والادهى ان كل انظمة الدول العربية وغير العربية، والدول الكبرى والعظمى؛ ساعدوا من حيث يدرون او لا يدرون والأخير مستبعد كليا؛ في البحث عن حلول لهذه الحرب كما يسمونها بخلاف واقعتها وحقيقتها؛ فهي مجازر من جانب واحد يمتلك كل عوامل الدمار والخراب والقوة والفتك بالبشر والحرث والضرع، وليس حربا بين قوتين متكافئتين؛ في منحه الفرصة في الزمن، وفي استخدام كل انواع الدمار من الاسلحة الامريكية الصنع في اغلبها؛ في تسوية المدن والقرى في غزة بالأرض وتشريد اكثر من ميلوني انسان ودفعهم الى العراء في اجواء البرد والمطر. ان هذا التوجه اصلا في التحرك سواء الدولي او الاقليمي او العربي؛ يقع في زاوية الاتهام لجهة المساعدة والعون لهذا الكيان الصهيوني المجرم، وليس في زاوية المساعدة والعون للشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى ابشع مذبحة عرفها تاريخ المذابح التي تقوم بها قوى الطغيان والعدوان على مر التاريخ في العالم، بل هي الابشع من كل هذه المذابح. في ظل هذا المشهد الاجرامي، في المنطقة العربية، وفي جوارها الاسلامي؛ تنخى اصحاب الغيرة والمرؤة والضمير، وشدوا الاحزمة على الخواصر والايادي على الزناد؛ لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة، في مقدمة هذه الصفوف كان شعب العراق العربي المسلم؛ فأمطرت فصائل الجهاد فيه؛ قواعد امريكا في العراق وسوريا، المشاركة مع هذا الكيان المسخ في محارقه على الشعب الفلسطيني في غزة؛ بوابل من المسيرات والصواريخ؛ دعما لنضال الفلسطينيين وايضا لإجبار امريكا على الانسحاب كليا من ارض العراق، ارض الحضارات والتاريخ والشيم النبيلة، الذي لم يسكت يوما في كل تاريخه على مصادرة حريته وسيادتها على ارضه. ان اغلب الهجومات التي نفذتها فصائل مقاومة المحتل الامريكي على القواعد الامريكية في سوريا والعراق، وفي حيفا وغير حيفا على ارض فلسطين المحتلة. لذا هددت امريكا هذه المقاومة بالرد وقد نفذت تهديدها في سوريا وفي العراق، في عكاشات وفي القائم، وأخيرا، في ليلة الثامن من شباط فبراير؛ قصفت بالمسيرة، في قلب بغداد العاصمة، في حي اور والمشتل او في المنطقة بين المشتل والبلديات؛ وبصواريخ هلمفاير؛ ليستشهد فيها؛ ابو باقر الساعدي واركان العلياوي. ان هذه الهجومات الامريكية هي لمساعدة الكيان الصهيوني في الاستمرار في جرائمه على الشعب الفلسطيني في غزة، اولا واخيرا وتاليا ونهائيا؛ لجعل المجرم الصهيوني ينفرد في تدمير غزة وشعبها الغزاوي. ان من المفارقات وسخريات السياسة الدولية التي تعمل بها وعلى قواعدها ومعاييرها الولايات المتحدة الامريكية، وليس كل السياسة الدولية، فهذه لها موضوع اخر، لا يمت باي صلة لهذه السياسة الدولية الامريكية؛ ان قولهم وهم يبررون افعالهم هذه وايضا جرائم اسرائيل، من انها هي للدفاع عن النفس. اي دفاع عن النفس وامريكا قامت قبل اكثر من عقدين بغزو واحتلال العراق، والآن تريد من العراقيين ان يقبلوا بها كدولة احتلال، وان لا يهاجموا قواعدها على ارضهم، وان هذه الهجومات هي اعتداء عليهم وعلى جنودهم وضباطهم؛ يستوجب منها الرد دفعا عن النفس. انها حقا سخرية الاقدار وظلم العالم الذي يدعي من انه، او يصف نفسه؛ بانه عالم الحرية والعالم الحر، هذا اولا وثانيا؛ ان العراقيين لم يهاجموا قواعد امريكا وجنودها وضباطها على ارض امريكا، بل انهم هاجموهم في قواعدهم الموجودة على ارض العراق، وطنهم الذي يريدون ويناضلون على طريق اخلاء هذه القواعد من الامريكيين العسكريين؛ لحفظ سيادة العراق وقراره المستقل سياسيا واقتصاديا. عليه؛ فأن هذه الهجومات هي شرعية وقانونية بحسب القانون الدولي. في النهاية وفي رأيي المتواضع ان امريكا سوف تخرج عاجلا او اجلا من ارض العراق، وهي تجر خلفها اثناء خروجها اذيال الخيبة والذل والخسران والندم. تحية حب وتقدير فائق واحترام لكل من يكافح ويضحي بنفسه وحياته ومستقبله وشبابه على طريق حرية العراق شعبا وارضا وحاضرا ومستقبلا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة ليست فقط لا سابقة لها تاريخياً من حيث حجم التدمير للمنازل والمستشفيات والجامعات والبنية التحتية  بل أيضاً غير مسبوقة في حجم المعاناة الإنسانية للمدنيين وللعاملين في القطاع الطبي والدفاع المدني، وإن كان الحديث يدور غالباً عن معاناة الأطفال والنساء حيث نصف الضحايا تقريباً منهم فإن الرجال يعانون أيضاً ومعاناتهم مركبة معاناة شخصية نتيجة تعرضهم للموت أو الجرح أو الأسرـ يضاف لها معاناة ثقيلة تفرضها عليهم مسؤوليتهم عن جميع أفراد عائلتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وإن  كان رجالات غزة ككل رجال فلسطين تعودوا على الحروب إلا أنه لأول مرة أشاهد وأتعايش مع رجال يبكون وينتحبون بحرقة وقد عهدتهم شامخين جبارين يواجهون  الموت بشجاعة.

 ليس عيباً أن يبكي الرجال، مع أن الثقافة الاجتماعية السائدة في العالم العربي تعتبره عيباً وضعفاً في الشخصية، ولكن في قطاع غزة يكون لبكاء الرجال طعم مختلف، حيث تأتي في سياقات مختلفة لم يمر بها كل رجال العالم في كل الحروب التي مروا بها عبر التاريخ.

قوة الإرادة والصمود والشجاعة عند رجالات غزة التي طالما تغنى بها الأدباء والشعراء لا يعني أنهم بلا قلوب وعواطف، في حروب الكيان اليهودي الصهيوني على شعبنا وخصوصاً في حرب الإبادة الأخيرة لم ينج رجل من فقدان شهيد من أبناء أسرته أو إصابة جريح أو وقوع ابن أو ابنة في الأسر وأحياناً يفقد كل أفراد الأسرة، وقد شاهد العالم كيف ينبش الرجال بأيديهم العارية البيوت المقصوفة بحثاً عن أحياء أو جثث أو بقايا أشلاء لابن أو أخ أو زوجة أو أب أو أم الخ، وكيف يدفن الرجال جثث موتاهم أو بقاياها بقبور جماعية بدون أي طقوس جنائزية، وكيف بتر طبيب رجل ابنة أخيه بدون بنج وكيف يجوب الرجال الشوارع في شمال غزة حفاة عراة بحثاً عن الماء أو أي شيء يقتات به الأبناء حتى الحشائش وأعلاف الحيوانات وكثيرون منهم تلاحقهم طائرات كوادكابتر فيسقطون شهداء أو بإعدامات مباشرة ان واجهتم قوة معادية. في تراجيديا الموت هذه يستشهد الأب فيواصل الابن أو الزوجة البحث عما يسد الرمق وتجنب الموت عطشاً، هذا ناهيك عن الوقوف يومياً في طوابير تمتد لساعات للحصول على ربطة خبز أو كوبونة غذاء حيث ذل الانتظار وتنمر المتبرع أحياناً لا يقل عن قساوة الجوع.

الرجال في غزة لا يبكون ضعفاً بل قهراً لعدم قدرتهم على القيام بواجب الأبوة ومتطلبات الرجولة والشهامة تجاه أبنائهم ونسائهم، وعدم قدرتهم على مواجهة المجرم المتحصن في الدبابة المصفحة أو في طائرات الموت التي تجوب السماء. بعد أربعة أشهر من الحرب اتصل رجل أعرفه جيداً من شمال القطاع بعد أن تمكن من الحصول على مكالمة نت من صديق وخلال المكالمة أجهش بالبكاء وهو الرجل المقتدر وله مكانته في بلدته، بكى بحرقة وأبكاني وهو يصف ما يعانون من جوع وكيف يجوب الشوارع بحثاً عن أعشاب لإطعام أفراد أسرته وكيف فقد من وزنه ٣٠ كيلو جرام...

عندما يبكي الرجال قهراً وذلاً وهم يشاهدون أبنائهم يتضورون جوعاً ويشربون المياه الملوثة ويرتجفون برداً في الخيام وتفتك بهم الأمراض ويطاردهم شبح التهجير القسري إلى جحيم سيناء.. حينها فلتصمت كل الأصوات التي تتحدث عن الصمود وبطولات المقاومين وأن النصر صبر ساعة وقد طال الصبر دون أن يتحرك هذا العالم الظالم، ومؤشرات النصر ومفهومه ملتبسة ولم يعد المواطنون في غزة يتابعون سير المعارك أو يترقبون انتصار المقاومة بقدر اهتمامهم بالبحث عن كيس الطحين أو مياه للشرب أو خيمة تقيهم البرد القارص ووقف الحرب بصفقة أو هدنة دون الخوض في تفاصيلها فالمهم أن تتوقف ألة الموت اليهودية، فلا قيمة لأي نصر عندما يتعرض القطاع لكل هذا الدمار ويسقط كل هذا العدد من الشهداء والجرحى، أكثر من مائة ألف، وعندما تمتهن كرامة المواطنين ويبكي الرجال.

***

إبراهيم ابراش

 

حدّث أيوب بن أيّوب الغزّاوي، قال:

قررت أن أكتب للمجانين، لعلني أجد لديهم بعضا من التعقّل أو قبسا من الحكمة. ألم يقل أسلافنا: إنّ من الجنون لحكمة. لقد يئست من مخاطبة العقلاء ومناشدتهم في هذا العالم المنزوع الإنسانيّة. لم أجد فيهم من يفقه قولي، ويحلل عقدة العقلاء في هذا العالم. يا سادتي، هذه كلماتي المغموسة بدم الأطفال والشرفاء. أكتب إليكم بريشة مداد محبرتها دم ودموع ينزفان من قلب غزّة. أسألك أيّها العالم الغربيّ – بربّ السموات والأرض والخلق جميعهم - هل تروننا بشرا مثلكم؟ أم أنّنّا في نظركم ويقينكم لسنا من سلالة آدم؟ أم أنّنا بكل صراحة وحوش كما وصفنا أحد صهاينة حكومتهم الحربيّة؟

هل مازال في العالم الديمقراطيّ عقلاء، لهم قلوب تتألّم وجعا ، وعيون تدمع أسى، وآذانا تسمع صرخات الضحايا وأنين المكلومين والجرحى؟ هل مازال على هذا الكوكب الترابيّ الذي أكرم الله به آدم من له بصر وبصيرة؟ لا أظنّ أنّ العالم الديمقراطي يفقه ويأبه لمأساة الغزّاويّة.

لم تعد غزّة الجميلة آمنة. إنّ أعداءنا ماضون في إبادتنا، ومصرّون على إفنائنا. بينا أبناء عمومتنا وعقيدتنا صامتون، مشلولون، فاقدون للأسماع والأبصار والأفئدة. إنّ وابل القصف الجوّي والمدفعي على رؤوسنا لا يكاد يتوقف لحظة. إنّ أعداءنا وأبناء جلدتنا يحاصروننا منذ سبعة عشر سنة خلت، ومنذ سبعة عقود ونحن- الشعب الفلسطيني – نتجرّع سموم الصهيونيّة، ونرتحل من نكبة إلى نكبة، ومن نكسة إلى أخرى. إنّهم ماضون في تشييد المقابر الجماعيّة لنا، كما لو أنّهم مجدّون في قضاء شهواتهم ورغباتهم الجنسيّة. ماضون في إرسال أطنان من الأكفان، كي لا تزكم روائح أجسادنا وأشلائنا أنوفهم المعطّرة بالروائح المخمليّة، الباريسيّة.

نحن يا سادتي، بشر مثلكم، حقيق لنا أن نعيش أحرارا مثل بقيّة أحرار العالم. نحن لسنا وحوشا، كما وصفنا أعداؤنا. نحن بشر، لنا ما لكم ؛ لنا الحقّ - كلّ الحقّ - في الحياة والحريّة والكرامة. خلقنا الله لنعيش في كنف الأمن. لم يخلقنا لكي تقتلوننا. من خوّل لكم قتلنا؟ نحن لسنا متاعا لأحد. نحن عبيد الله وملكه. فلماذا تعتدون على نعم الله؟

أكتب لكم من فوق الركام ومن تحتي ومن حولي ركام، ركام بيتنا وبيوت الجيران المقصوفة بقنابل الحقد والوحشية والهمجية المطلقة، المرسلة من بلاد العم سام، حيث ينتصب تمثال الحريّة شامخا. لم يبق منه جدار ولا باب ولا نافذة ولا سقف الا اصابها الدمار. كانت القنابل ضخمة. حارقة. شديدة. (ما فش أكل ولا مياه وأي شيء من مقومات الحياة). لقد نفد الماء والغذاء والدواء. لم تبق أمامنا سوى أوراق الشجر وحبّات التراب.

أيّها الأعراب والعجم ، يا من تديرون العالم من فوهة مدفع، كأنّه تلسكوب فضائيّ. يا من تجلسون خلف الشاشات المرئيّة، وتعدّون ضحايانا من الأطفال والرضّع والنساء، وكأنّكم تعدّون أرباح أسهمكم في البورصات. نحن، هنا باقون ، فوق الثرى أو تحته، باقون لحما وعظما وروحا. لن نرحل عن مرابعنا إلاّ إلى السماء. لا معبر لنا سوى معبر السماء. أمّا معابركم في رفح وأبي كرم وغيرهما، فهي متروكة لكم أيّها الجبناء، وللغرباء عن غزّة كي يعودوا من حيث أتوا. أمّا نحن، فإنّنا هنا واقفون كأشجار بيّارات الزيتون والليمون، باقون هنا كبحر غزّة وأصدافه ورماله وأمواجه وزرقته السماويّة وشمس الشروق وآصائله. وإنّه لجهاد، نصر أو استشهاد.

لو قيل لي، سيأتي زمن من أزمان أمتي العربيّة والإسلاميّة، يقدم فيه الصهاينة وأعوانهم على إبادة أهل غزّة وفلسطين، تحت ظلّ الصمت الرهيب، لما صدّقت، بل لانتفضت غيظا واستنكارا، ولقلت هذا لن يكون أبدا، حتى يبيّض ريش الغراب. هذ افتراء وبهتان على خير أمّة أُخرجت للناس ـ تؤمن بالله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. أمّا وقد حدث، ويحدث اليوم في غزّة، وأمّة العرب والمسلمين ترى المأساة، ولا تحرّك ساكنا. وقد شُلّ عقلها، واعتُقل لسانها، وانكشفت سوآتها، ولم تجد ورقا أخضر أو يابسا تستر به عورتها. فقد صدق من قال فيها (يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم).

و ختم أيّوب بن أيّوب الغزّاوي، الكلام المباح في انتظار انبلاج الفجر، وطلوع الصباح قائلا:

طاب نومك يا أمّة المليار والنفط والغاز واللغو والصمت.

***

علي فضيل العربي – الجزئر

جاء في البروتوكول الأول لعام ١٩٧٧ تعبيرا يلزم بما يسمى "مبدأ التمييز" وهو صالح كقانون عرفي بالرغم من أن عددا من الدول لم يصادق على البروتوكول الأول. ويعني هذا المبدأ "حماية الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية". وطبقا لهذا البروتوكول فإن السكان المدنيين "يتمتعون بالحصانة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية" كما يحضر هذا البروتوكول أفعالا الغرض منها نشر الرعب بين المدنيين. كما يحظر الهجمات العشوائية ويلزم التمييز بين الأفراد المحاربين والأهداف العسكرية وبين المدنيين والأعيان المدنية.

وفي الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ وتحديدا عندما وجهت شعوب العالم اصبع الاتهام نحو دولة الاحتلال عندما اتضح أن من أهداف حربها الإبادة الجماعية لسكان القطاع ، تذرعت بأن ما يحصل مع المدنيين هو "ضرر جانبي" حيث علق رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في بداية الحرب بعد ارتقاء ما يزيد عن ١١ ألف شهيدا في غزة بأن "الخسائر في صفوف المدنيين أضرار جانبية وأن الأهداف "الإسرائيلية " على حد قوله كانت الإرهابيين". غير أن الضرر الجانبي يحدث عندما توقع هجمات تستهدف أهدافا عسكرية خسائر بين المدنيين وضررا بالأعيان المدنية ،وكثيرا ما يحدث هذا الضرر حين تكون الأهداف العسكرية مثل المعدات أو الجنود موجودة في مدن أو قرى قريبة من المدنيين. غير أن دولة الاحتلال في حربها على غزة لا تحارب جيشا يمتلك ثكنات عسكرية أو معسكرات تحوي جنودا نظاميين أو مستودعات أسلحة. بل هي تقاتل أشباحا يخرجون لهم من أنفاق من تحت الأرض وغير معلومة المكان وفي زمن أيضا غير معروف.

وجيش الاحتلال يقصف كل مكان في غزة فأين هي الثكنات وأين هم الجنود والمعدات التي يتذرع هذا الجيش بقصفها العشوائي من أحزمة نارية أزالت مربعات سكنية بالكامل بسكانها؟ هذا القصف الذي يمارسه هذا الجيش اللاأخلاقي لمنطقة مكتظة بالسكان ما هو إلا جريمة حرب وفقا للقانون الإنساني الدولي. والسؤال، أين هذا القانون الذي غدا حبرا على ورق عندما تكون الضحية الفلسطيني ؟

وهل استشهاد ما يزيد عن ٢٨ ألف وما يزيد عن ٦٧ ألف جريح وآلاف المفقودين تحت الركام ونحن على أبواب الشهر الخامس أضرار جانبية تتذرع بها هذه الدولة التي تسِمُ غيرها بالإرهاب وهي أخطبوط الإرهاب؟

وها هو الرئيس الأمريكي جو بايدن الشريك الأول لدولة الاحتلال والداعم الرئيسي لها يعترف بأن القصف "الإسرائيلي" كان عشوائيا. ومع ذلك فقد قدم دفاعا صريحا عن رفضه الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة متذرعا بأن حركة حماس تمثل تهديدا مستمرا لدولة الاحتلال. فأي ازدواجية تلك؟ فالاعتراف بأن قصف دولة الاحتلال عشوائي لا يعني إلا أمر واحد أن هذه حرب إبادة وجريمة صريحة تحدث أمام العالم العاجز والأنظمة العربية التي تساهم في استمرار هذه الإبادة ولا تمت بما يهذر به بنيامين نتنياهو من أضرار جانبية.

***

بديعة النعيمي

 

سئم الكتابة بالقلم وبالكيبورد، فقرر أن يغمس يراعه في دواة السراب، عله يأتي بما ينفع الناس، فما عاد يقرأ كلاما طيبا، فالخبيث يهيمن على المواقع والسطور.

فالخوف سلطان، والتجاهل أمان، والإبتعاد عن المواجهة وإظهار الحقيقة عدوان، فكن خنوعا تابعا، تتوشح بالسمع والطاعة والخذلان.

"ومَن هاب أسباب المنايا ينلنه.. وإن يرقَ أسباب السماء بسلّم"

راح يكتب في موضوعات هامشية إلهائية، لا تطعم من جوع ولا تأمن من خوف، مجرد هذربات على قرطاس الويلات، ورمال التداعيات المصنوعة من أشلاء ودماء الأبرياء، بعد أن مزقتهم قذائف المحق والعدوان المقدس على أبناء أمة أضاعت صراطها وأحرقت العنوان.

كما أنها أنكرت أبجديتها، وأتت بالغوابر لتستشهد بها على أنها من أصدع الأدلة والبراهين المكتوبة منذ آلاف السنين، وبأقلام العديد من المغرضين والموالين لأطماع ونوازع المتحاملين.

فلكي يتحقق التسويق وتنتشر كلماتك في الصحف والمواقع، عليك أن تتعلم صناعة الكتابات الفارغة، الخالية من الموضوع الجاد، الذي فيه بعض الإيجابية والنقد البناء المطالب بالخطو إلى الأمام.

قال القلم جف مدادي وتعطلت الأفهام، وتحولت الكتب إلى أكوام، تنتظر السجير في تنور الخيبات والتداعيات، لصناعة خبز الإلغاء المروع للهوية والذات والجوهر الأصيل.

فكل مَن يراها مات، وعاش الفراغيون وأصحاب النوايا السيئة، اللازمة لتطهير الواقع من الفضيلة، وضخه بمسوغات الرذائل وفتاوى الصلال والبهتان، فما عاد للقانون معنى ولا للدستور حضور، بعد أن تقدّست الأشخاص وصارت كلماتهم الضابط الفتان.

فهل بقي للأقلام دور في زمن الهذيان، وقوة التكنولوجيا ومطلق العدوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل الحديث عن رد حماس على اتفاق "الإطار" حول تبادل الأسرى والهدنة المصرية القطرية، الذي تمت بلورة نقاطه في باريس، دعونا نتساءل بانتباه: هل يستقيم المنطق والعدالة في أي اتفاق يكون فيه الضامن للطرف الجاني، هو نفسه الشريك بالجريمة ومشعل فتيلها والذي ينفخ في جمرها كلما أوشكت النار على الانخماد؟.

وعليه فلا بدّ من التطرق إلى نوايا ضامني اتفاق "الإطار " لتفسير المواقف إزاءه، وفي محاولة لفهم رد حماس الذي وصف بالمبهم، وقد صيغ بحذر ودهاء.

ولنبدأ بأمريكا التي أثبتت منذ 7 أكتوبر، بأنها شريك فعليّ في الحرب على غزة من خلال الدعم الأمريكي المتنوع والسخي ل"إسرائيل" ودفاعها المستميت عن حرب الإبادة التي تشنها على غزة بأسلحة أمريكية مدمرة.

ناهيك عن محاولة عرقلتها لتنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية في مجلس الأمن الذي تقدمت به الجزائر.

ولا ننسى تحريض واشنطن ل 14 دولة مانحة، على إيقاف دعمها المادي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا).

إلى جانب محاولتها شيطنة حماس وتفريغ الحرب الإسرائيلية على غزة من محتواها، وتصويرها على أنها حرب أمريكية ضد إيران وأذرعها في المنطقة، ونفي حقيقة أن الفتيل الذي أشعل "وحدة الساحات" سواء كان ذلك في البحر الأحمر عند باب المندب، أو في العراق وجنوب لبنان، مرده العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، والمستمرة منذ 122 يوماً، تكبدت خلالها "إسرائيل" خسائر غير محتملة، إزاء مقاومة أثبتت عبقريتها في الميدان، إلى جانب حنكتها في التفاوض من منطلق القوة.

وهذا يعني أن مِفتاح الحل هو في يد حماس حيث ناقشت ردها مع الفصائل الفلسطينية التي تجمعهم غرفة عمليات مشتركة.

أما فرنسا فكونها الطرف المستضيف للاجتماع؛ فإن ذلك لا يمنحها كامل الثقة من قبل الطرف الفلسطيني، كونها تعتبر حماس منظمة إرهابية.

ناهيك عن موقفها المشين في إيقاف الدعم للأنوروا، ما يشكل تهديداً للحياة المعيشية في أدنى مستوياتها داخل القطاع الذي يتعرض للإبادة والتطهير العرقي، إذن فضمانات الطرفين الأمريكي والفرنسي منقوصة.

فيما سنجد الأمر مختلفاً لدى الراعييْن المصري والقطري، من حيث ما يجمعهما مع القطاع من روابط بحكم العروبة والجوار؛ سوى أن المصالح تأخذ مصر باتجاه الحياد بحكم اتفاقية كامب ديفيد -المشؤومة- التي ما لبثت مصر تهدد بإيقافها لو أقدمت "إسرائيل" على احتلال محور فليدلفيا، ونقل معبر رفح إلى كرم أبي سالم، في هجوم عسكري تتوعد به الفلسطينيين؛ لضمان السيطرة الإسرائيلية عليه.

مع أن مصر تُتَّهَمُ بالتقصير فيما يتعلق بإدخال المساعدات إلى غزة، إلا أنها تمثل صمام الأمان لقطاع غزة، كونها تقف بشدة ضد تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لضروريات أمنية، وهذا موقف يسجل لها.

وبذلك تكون قطر هي الضامن الأنسب بالنسبة للطرف الفلسطيني ممثلاً بحماس، لعدة أسباب:

-  كونها الداعم المالي -إلى جانب إيران- لحماس أثناء الحصار.

-  أيضاً تمثل الرئة الإعلامية التي تتنفس من خلالها المقاومة، وأقصد هنا قناة الجزيرة.

-  وكون الدوحة تستقبل القيادة السياسية لحماس، وتعتبر الداعم اللوجستي لتحركاتها الإقليمية ومركزاً لاجتماعاتها.

-  كذلك تتمتع قطر بخبرة دبلوماسية تؤهلها لخوض تجربة الوساطة، قياساً إلى تجربتها الاستثنائية في الوساطة بين أمريكا وأفغانستان.

- فيما تحظى قطر بثقة الأمريكيين الذين منحوها مساحة واسعة للمناورة، رغم محاولات نتنياهو الحثيثة في النيل منها من خلال اتهامها بدعم حماس في تنفيذ عملية طوفان الأقصى.

لذلك استلمت قيادة حماس في قطاع غزة ممثلة برئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار اتفاق "الإطار" حول تبادل الأسرى والهدنة المصرية القطرية.. فيما سلمت الرد يوم أمس لمناقشة بنوده مع الأمريكيين.

وحول اتفاق الإطار (هيئة البث الإسرائيلية) قال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان مقتضب:

" انتهت القمة الاستخباراتية في أوروبا، بمشاركة رئيس الموساد دافيد برنيع ورئيس الشاباك رونان بار، والعقيد الاحتياط نيتسان ألون، ورئيس وزراء قطر ووزير المخابرات المصرية، وكان الاجتماع بناء"

وقد مثل "إسرائيل" في قمة باريس رئيسا جهازي الموساد "دافيد برنيع" والشاباك "رونان بار".

وأضاف أنه "لا تزال هناك فجوات كبيرة سيواصل الطرفان مناقشتها هذا الأسبوع في اجتماعات متبادلة إضافية".

أي أن المقتضيات الأمنية كانت محور تلك المناقشات فيما كانت حماس -غير الإرهابية- حاضرة بقوة من خلال وسيطها القطري الذي ظل على تواصل مع قادتها السياسيين في الدوحة، فيما التُقِطَتْ أنفاسُ المشاركين إلى حين استلام رد قيادة حماس في غزة، التي أكدت مراراً وتكراراً في أنه لا حديث عن صفقة تبادل أسرى قبل وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي توغل فيها، وإعادة إعمار غزة على نفقة "إسرائيل".

هذا ما يمكن استنتاجه من رد حماس الذي حاول رئيس الوزراء القطري مواراته من باب الحرص على استكمال المشاورات بين الوسيطين المصري والقطري بشأن بنوده، توطئة لطرحه على طاولة المفاوضات مع الطرفين الأمريكي، والإسرائيلي، وبخاصة أن الأخير يسعى للخروج من مستنقع غزة بأقل الخسائر.

حيث قال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الثلاثاء الماضي، إن بلاده تلقت ردا "إيجابيا" من حركة حماس بشأن اتفاق إطار ترعاه الولايات المتحدة-رعاية منقوصة- يقضي بالإفراج عن الرهائن مقابل وقف لإطلاق النار في غزة.

من جهته، ذكر وزير خارجية أمريكا، أنتوني بلينكن:

نحن نركز على الوضع في قطاع غزة بعد الحرب وإحلال سلام وأمن دائمين في المنطقة. وأن أميركا ملتزمة باستخدام أي هدنة لمواصلة البناء على المسار الدبلوماسي للمضي قدما نحو "سلام عادل ودائم"..!!.

ولكن ما يثير الريبة وعدم الثقة في تصريحات بلينكن المتعاقبة، أن وعوده جاءت خالية من أي ذكر لحقوق الشعب الفلسطيني التي تمثل القاعدة لأي حل جذري، بحيث لا يمكن إسقاطها، أو فك الحصار المحكم على غزة كأحد الأسباب المباشرة للحرب المشتعلة في القطاع، إلى جانب الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع ووقف الحرب.

بينما يتطرق بلينكن فقط إلى الوعود بالسلام في القطاع المدمر، من خلال ترتيبات ما بعد الحرب على غزة وهي إسطوانة مشروخة لا يستسيغها إلا المتربصين بالمقاومة في غزة، وكأن المقاومة التي فرضت الواقع الجديد الذي يسعى الخصوم للمشاركة في تشكيله، مجرد مفردة عابرة في سياق الحلول المستحيلة، بينما هي صاحبة المبادرة والكلمة الفصل فيها.

وبغية تخفيف الحمل على نتنياهو لاتخاذ تنازلات صعبة إزاء أتفاقية "الإطار" والتجاوب مع بنودها، فقد وعده بلينكين بمكافأتين:

-  السعي نحو إنجاح التطبيع السعودي مع "إسرائيل".

- الشروع في تدمير الأنوروا من خلال إيقاف الدعم عنها.

من جهتها، قالت "حماس" إن "الحركة تعاملت مع المقترح بروح إيجابية بما يضمن وقف إطلاق النار الشامل والتام، وإنهاء العدوان على شعبنا، وبما يضمن الإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز عملية تبادل للأسرى".

وتقدّر تل أبيب وجود نحو 136 أسيراً إسرائيلياً في غزة، فيما تحتجز في سجونها ما لا يقل عن 8800 فلسطيني.

الرهانات ما زالت مفتوحة على المجهول في مفاوضات يشارك فيها خصوم وضامنون للطرفين مشكوك في نواياهم.. والخلاصة أن طوفان الأقصى خلطت كل الأوراق ووضعت ملف القضية الفلسطينية في المقدمة وقدمت الفلسطينيين كأصحاب حق أقوياء وليسوا إرهابيين.

***

بقلم: بكر السباتين

7 فبراير 2024

 

لا بأس من التذكير بمواقف الانظمة العربية تجاه بعضها وهل هي موحدة اقلّه سياسيا او اقتصاديا لتكون نواة لوحدة شعوبها ومساندة لقضية فلسطين؟.

في عاصفة الصحراء على الجيش العراقي بقيادة أمريكية، شاركت كل من مصر وسوريا والمغرب والكويت وسلطنة عمان والامارات وقطر بحوالي سبعين الف جندي، وقامت ادارة عمليات العاصفة بوضع الجيوش العربية في المقدمة ليكونوا اول االمضحّى بهم.

في فجر الأوديسا ضد ليبيا بقيادة حلف الناتو، شاركت كل من قطر والامارات والاردن بطائراتها الحربية المختلفة في محاربة الجيش الليبي، ودك حصونه وتدمير مقدراته، وارسلت نخبة قواتها لمساعدة (الثوار)، وتحملت بعض الدول العربية تكلفة الحرب على امل ان تستقطع هذه الاموال لاحقا من القيادات السياسية الجديدة، ضمن اتفاقيات ثنائية للتدريب العسكري او شراء اسلحة او مشاريع استثمارية من غاز ونفط للاستحواذ على سوقها، وأدى ذلك الى تدخلها السافر في الشأن المحلي الليبي بمؤازرة هذا الطرف او ذاك لتستمر الازمة .

في عاصفة الحزم ضد اليمن الذي قام الخليجيون بإزاحة رئيسه بناء على الطلب الامريكي، شاركت السعودية بما لا يقل عن 150 الف جندي وهم يمثلون غالبية القوة البرية المشاركة في الهجوم على اليمن، في حين شاركت كل من الامارات قطر والبحرين والكويت والاردن والمغرب والسودان اضافة الى السعودية في الهجمات الجوية عبر طائراتها الحربية حيث بلغ تعدادها المائتي طائرة استخدمت خلالها القنابل المحرمة دوليا في ابادة الشعب اليمني وتدمير مقدراته، بينما كانت مصر ضمن غرفة العمليات المشتركة، استمرت الحرب لأكثر من سبع سنوات لكن اليمنيين رغم ذلك خرجوا منتصرين حيث افلحوا في تطوير الاسلحة المختلفة من صواريخ عابرة للقارات وطيران مسير، أثبت اليمانيون جدارتهم بوقوفهم مع الغزاويين وتحكمهم في ممر باب المندب البحري .

اما في الشأن السوري فان غالبية الانظمة العربية اشتركت وبناء على اوامر امريكية في الحرب على الشعب السوري ودعمت ما تسمى (المعارضة السورية) ماليا وسياسيا في المحافل الدولية ولكن مع مرور الوقت اثبتت المعارضة انها مصطنعة ولم يعد لها اثر.

 وأمام مجازر الكيان الصهيوني المرتكبة في حق سكان غزة وقفت غالبية الانظمة العربية تتفرج عاجزة حتى على فتح معبر وإدخال الدواء والغذاء للمحاصرين في غزة، لأن أمريكا لم تعطِ الضوء الأخضر.

لقد انكشف لنا من يدير الحروب في المنطقة؟ ولمصلحة من؟ وبأمر من تتحرك الجيوش (العربية/ المحميات)؟ ويتكفل الإعلام الممول المأجور بغسيل العقول لشرعنة حروب الخراب بأنها في: العراق (تحرير). وفي ليبيا (حماية المدنيين).وفي اليمن (الشرعية).وفي سوريا (الديمقراطية) بينما في فلسطين وقفوا يتفرجون كالحمقى على أكثر من27000 شهيد أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء!! .

حتما ستتوقف الحرب على غزة ورغم الالام سينهض الفلسطينيون من بين الركام، ويبنون مستقبلهم، التضحيات جسام في البشر والممتلكات، ولكنها كانت ضرورية لإعادة قضية فلسطين الى الواجهة بعد محاولة طمسها، واعتبارهم مجرد لاجئين يمكن ايجاد وطن بديل لهم، لكن الفلسطينيون اثبتوا تشبثهم بالأرض، الحياة لمن يصنعها، الخزي والعار لعباد الكراسي المتطأطئين رؤوسهم، الصاغرين، الذين لديهم اكثر من قبلة يحجون اليها .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

إنها كرة القدم، هذه اللعبة الجميلة والممتعة التي دوخت شعوب العالم، ليست مجرد رياضة شعبية فحسب، بل أصبحت ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إذا أصبحت كرة القدم بمثابة مصدر إثارة لمشاعر الفرح والترفيه والصداقات الحميمية بين الملايين من شعوب العالم ، فإنها قد تجد نفسها أيضًا منخرطة إن لم نقل متورطة في شبكة معقدة من المصالح التجارية للعديد من جماعات الضغط ومن الديناصورات الاقتصادية.

فماهي إذن الطبيعة المتعددة الأوجه لكرة القدم، وما دورها كمصدر للمتعة، وتأثيرها على المجتمعات، التي غالبًا ما يطلق عليها السياسيون اليساريون والمتطرفون الأصوليون اسم "أفيون الشعوب".

تتمتع كرة القدم بقدرة هائلة لا مثيل لها على حشد الجماهير ، وخلق شعور بالوحدة الوطنية والإثارة المشتركة. من الملاعب المحلية حتى الملاعب العالمية الكبرى التي تستضيف الدوريات والبطولات الدولية، تعزز هذه الرياضة إحساسًا فريدًا بالانتماء للوطن.

إن المتعة المستمدة من مشاهدة اللاعب المفضل يسجل هدف الفوز، تتخطى الخطوط الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية.

وبعيدًا عن إثارة اللعبة نفسها، غالبًا ما تلعب كرة القدم دورًا حاسمًا في تعضيد لحمة المجتمع حيث تساهم الأندية المحلية، ودوريات المحترفين والهواة، والمبادرات الشعبية في تطوير الروابط الاجتماعية داخل القرى والأحياء الفقيرة منها والغنية حيث يصبح الشغف المشترك لهذه الرياضة حافزًا للتفاعل الاجتماعي، مما يخلق شعورًا بالانتماء والافتخار بالهوية القومية.

ومع ذلك، فإن حب كرة القدم قد يعمينا أحيانًا عن رؤية الجانب المظلم لهذه الرياضة الشعبية. لقد شابت ممارسات الانتهازية، وقضايا حقوق الإنسان، وعدم المساواة الاجتماعية هذه الصناعة الجديدة. بدءًا من معاملة الرياضيين وحتى تأثير الأحداث الرياضية الكبرى على المجتمعات المحلية ولعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر وصول المنتخب المغربي إلى دور النصف النهائي في بطولة كأس العالم في قطر 2022 أو إقصاؤه بشكل مفجع ومفاجئ في دورة كأس أمم إفريقيا بالكوت ديفوار 2024.

لقد أدى تسويق كرة القدم إلى تحويلها إلى صناعة ربحية ذات امتداد عالمي ومتعدد الجنسيات. وأدت صفقات البث الضخمة واتفاقيات الرعاية ومبيعات البضائع المرتبطة باللعبة والإعلانات إلى تحويل الأندية إلى قوى ضغط مالية واقتصادية هامة للغاية.

إن التأكيد على أن كرة القدم هي "أفيون الشعوب" يعكس فكرة مفادها أن الرياضة بشكل عام هي بمثابة إلهاء أو هروب لأولئك القادة الذين يواجهون صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية.

تكشف الطبيعة المتعددة الأوجه لكرة القدم عن تفاعل معقد بين الفرح بالانتصار والحزن بعد الهزيمة والمجتمع والاستغلال والمصالح التجارية. وإذا كانت كرة القدم بلا شك تحشد الجماهير وتوفر لحظات من الفرح والبهجة الخالصة، فإن تسويق هذه الرياضة قد يثير مخاوف أخلاقية مختلفة.

يتطلب إذن فهم ديناميكيات كرة القدم الاعتراف بتأثيراتها الإيجابية والسلبية، فضلاً عن إمكانية التغيير داخل الصناعة الرياضية. ومع استمرار المشجعين في الاستمتاع بإثارة هذه اللعبة الجميلة والممتعة، يصبح من الضروري التدقيق في التوازن بين المتعة التي تجلبها والتحديات التي تفرضها على الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

***

عبده حقي

 

لغة العيون تفضحها النظرات، وكثير ما كانت النظرات أبلغ حديثا من الكلمات، العيون هي المنفذ الصادق لنقل الترجمة الحرفية والدقيقة للمشاعر بنظرات تكشف على الملأ حقيقتها ولا تبالي مهما كانت طبيعتها.

توصف العين بأنها نافذة العقل والكاشفة الصادقة عن حقيقة ما يدور بداخله، وإذا استطاع الإنسان فك رموز النظرات يستطيع معرفة ما يدور بداخل الرأس، وتعتبر منطقة العين هي مصدر التعرف على الآخر من خلال الصور، حيث لا يمكن معرفة الشخص من خلال أي منطقة أخرى في الجسد، لكن يمكن التعرف عليه، حتى ولو كان ملثما من خلال عينه.في كثير من المواقف ذات الحساسية الخاصة يشق على البعض التعبيرعن ما يجيش بصدره من مشاعر وما يثقل على قلبه من أحاسيس، إذ منها ما لا تفي بمعانيها العبارة ولا تغني عن مفاهيمها الإشارة.

لسنا بصدد الحديث عن مغامرات عاطفية في مسلسل تلفزيوني أوعن مواقف درامية لفيلم رومانسي، أو لتقديم نصائح ليتعرف كل عاشق ومعشوق على مشاعر الآخر، فتلك أمور قد تجاوزتها الأقلام، ولكن الغرابة هي فيما يلي:

قامت  كاميرات القنوات التلفزيونية وهواتف الفضوليين بتغطية مراحل عمليات تبادل أسرى الحرب في قطاع غزة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أظهرت المشاهد المصورة عدة مواقف تحمل معاني كثيرة ومختلفة من خلال نظرات عيون الأسرى المسرحين،عيون فلسطينية بريئة ولكن منكسرة، حانقة، محاطة بهالة سوداء من التعب وقلة النوم رغم التظاهر بالسعادة خلال لقاء الأهل بعد غياب سنوات طويلة، تقابلها عيون إسرائيليات تشع منها الحيوية والفرح، يزيدها إشراقا نضارة بشرة الوجه، ولا تبدو عليهن علامات التعنيف أو التعب، بل كن في غاية السرور والحبور، ابتساماتهم العريضة والتلويحات اللطيفة بالوداع رصدتها الكاميرات كما رصدت نظرات من جانب واحد لا يفقهها سوى من يفهم لغة العيون في الحب،لقد رصدت نظرات بعض الفتيات الإسرائيليات الأسيرات لحظة الاستعداد لإطلاق سراحهن يتمعن بشيء من الإعجاب وبكثير من الود والحب في عدد من أفراد كتائب القسّام ولم يلتفتن لأي شيء آخر، هي إشارة قوية في لغة الجسد تكشف عن اهتمام خاص من هذا الشخص بالطرف الآخر، لقد أثبتت إحداهن محبتها بابتسامة عذبة أثناء النظر إلى أحدهم  ثم أكدت بالتجاوب الفوري إعجابها بما يقوله المحبوب، لا يوجد شيءبعد ذلك يمكن التحجج به لنفي حقيقة هذه الإشارة ونكرانها بعدما بلغت قوتها حد حدوث بعض الارتخاء النسبي في الجفن وهو علامة تدل على احساس السجينة براحة نفسية مبعثها الشعور العميق بالأمن والثقة في السجّان .

ـ  ماذا فعل الأسر بقلوب الأسيرات في الجانبين؟ قلوب فلسطينية مثقلة بالحزن الشديد وبالغضب من الذل وسوء معاملة الصهاينة لهن،وقلوب أخرى للأعداء منتشية بالحب، إنها المفارقة التي قلما نجد لها مثيل في تاريخ الصراعات الدموية بين الأمم والشعوب المتحاربة،لقد وجدت تلك المفارقة طريقها بغير تلميح في ثبوت العين والتحديق في عنصر المقاومة الشاب بشكل مبالغ فيه كدلالة على الإعجاب به، ولاشك أن سبب الإعجاب هو حسن المعاملة والرحمة والرأفة بهن وتقديم كل أشكال الرعاية والاهتمام بشؤونهن من طرف تنظيم كتائب القسّام، والانتباه إلى شدة احتياجهن للمتطلبات الخاصة لكل أنثى بعد مرور أكثر من50 يوما في الأسر، هذا الاحتياج  الإنساني الحساس لم يفت على قيادة كتائب القسّام ولم تغفل عنه، وهذا بالضبط ما خلق التقديروبعث الاحترام في النفوس.. ثم يبدو أنه أشعل كذلك الحب في القلوب حتى بين الأعداء وفي وقت الشدة والظروف القاسية خلال الحرب، هي مشاعر لا سبيل لنكرنها وستكون حاضرة دوما في ذاكرة الأسيرات الإسرائيليات وماثلة أمامهن في يقظتهن ونومهن، كما ستكون ذكريات جميلة ومحل إشادة وشهادة منهن أمام الآخرين عساها تكون مفتاحا لبداية جديدة ولمرحلة أخرى بديلة عن السلاح لتصحيح المفاهيم وتغيير السياسات وتبديل المواقف من أجل تحقيق الأمن ونشر السلام والاستقرار.

***

صبحة بغورة

الحرب الهمجية التي تقودها إسرائيل على غزة منذ اكثر من 115 يوم بدأت تلقي بظلالها على المشهد في الشرق الاوسط وتنذر باندلاع صراع أقليمي، فمنذ تشرين الاول من العام الماضي شنت الطائرات الامريكية عدداً من الغارات على اهداف في لبنان والعراق وسوريا واليمن وعلى الرغم من رغبتها بعدم اتساع الحرب، حيث تسعى الادارة الامريكية الى مساعدة الكيان الاسرائيلي على الفوز بحرب غزة وفي نفس القوت يسعى الى منع انتقال الصراع الى حرب أقليمية، ويبدو أن تحقيق الانتصار أصبح أكثر صعوبة، خصوصاً مع قيام محور المقاومة في الشرق الاوسط بالقيام بعمليات نوعية مهمة سواءً على الجبهة اليمنية أو العراقية او السورية أو غيرها من جبهات باتت مفتوحة للمواجهة مع إسرائيل .

أصبح من الواضح جداً أن واشنطن وتل أبيب تسعيان الى توسيع الصراع الى حرب إقليمية في محاولة لكسب المزيد من التعاطف الدولي، وجر الانتباه عما عملته دولة مثل جنوب أفريقيا والتي اعتبرت الحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وتحديداً في غزة على انها إبادة جماعية، وهي تكشف للعالم بشاعة السياسية الامريكية وفقدانها لركائز الاخلاق ومبادئ الحرية والاحترام التي تطلقها وتنادي بها دائماً، وما يؤكد ذلك إرسالها أسلحة ومساعدات عسكرية بمليارات الدولارات الى إسرائيل والآن أصبحت واشنطن شريكة في حرب الابادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة.

الادارة الامريكية وعبر وزارة خارجيتها تجاوزت الكونغرس أكثر من مرة واستخدمت قانون الطوارئ الذي يجيز لها إرسال الاسلحة والمساعدات العسكرية الى إسرائيل، بل اكثر من ذلك فهي تمتلك أكثر من 57 الف جندي امريكي منتشرين في الشرق الاوسط وبالتحديد في منطقة غرب آسيا، بالاضافة الى وجود قوات العمليات الخاصة والتي لم يعلن عنها، وتقوم هذه القوات بضربات متنوعة وهذا ما جرى في استهداف قطعات من الحشد الشعبي والتي تعد جزء من القوت الامنية العراقية، ما يعني ان هناك استهداف لقوات الامن العراقية من قبل واشنطن، بالمقابل هناك دعوات من قبل القوى السياسية العراقية ومن قبله البرلمان العراقي في ضرورة تحديد جدول وآلية شفافة لخروج القوت القتالية من العراق، وجاء رد البنتاغون على هذه المطالب بان "من غير المرجح أن تغادر القوات الامريكية العراق في أي وقت قريب".

الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على دول المنطقة تثير شبح حرب إقليمية أوسع، الى جانب أن الواقع يتحدث أن واشنطن وتل أبيب في حالة حرب بالفعل مع اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما بات من الواضح أن الهدف الرئيسي للحروب الاستعمارية الجديدة الأمريكية والإسرائيلية في غرب آسيا هو الهيمنة على المنطقة، إذ وبعد هجمات 11 ايلول 2001 وضعت واشنطن خططًا للإطاحة بحكومات سبع دول في المنطقة في خمس سنوات.

العراق مارس دوراً ايجابياً كبيراً في التهدئة في المنطقة، ولكن يبقى العامل الدولي وتأثيراته على الصراع الدائر فيها، وإيقاف العدوان الاسرائيلي على غزة وفتح المعابر وتقديم المساعدات وغيرها من ظروف تخفف عن كاهل الفلسطينيين ووضح ملامح العلاقة بين واشنطن الشرق والتي تبدأ من العراق.

***

محمد حسن الساعدي

المقال يبحث في موضوع محيّر، فتأليف الكتب أصبح وكأنه موضة عاصفة، فالكل تؤلف كتبا وليس كتابا، فهذا لديه عشرات الكتب، وذاك تجاوزت كتبه المئة وهلم جرا!!

وتقترب من الكتب وإذا بها لا تستحق قضاء بضعة دقائق معها، ومعظمها تتميز بمقدمات مكتوبة من قبل أشخاص ما تصفحوها، وذلك واضح من اللغة التي تشترك فيها مقدمات الكتب، وهي أشبه بتعليقات المجاملة المنتشرة في المواقع الإفتراضية، التي لا تشير إلى أن المعلق قرأ النص الذي علّق عليه.

فلان لديه عشرات الكتب، وعندما تستمع لكلامه لا يوحي  بأنه يجيد كتابة صفحة واحدة بلغة عربية تامة، فكيف تفسر تأليف الكتب الكثيرة التي تحمل إسمه؟

إنها كتب لتسويقه، فهو كبضاعة والكتب لترويجه، وما هو الذي كتبها بل هناك أقلام كتبتها بأجر.

فالعديد من الكتب المطبوعة باللغة العربية، خالية من بذل الجهد والجد والإجتهاد، والإتقان المعرفي والرصانة البحثية، وفاقدة للغة السليمة والتعبير الجميل عن الفكرة، فتكتشف أنها أكداس كلمات وأكوام عبارات، لا تجذب القارئ ولا تضيف إليه من المعرفة شيئا، وكأنها وجدت لتنفيره من القراءة ونأيه عن الكتاب.

ترى ما قيمة الكتاب إن لم يُقرأ؟

ولماذا نقرأ لكُتاب النصف الأول من القرن العشرين أكثر مما نقرأ للمعاصرين؟

الكتاب الذي يُبذل به الجهد الأصيل وتُستحضَر به المعلومة الساطعة المدروسة، له دوره في بناء العقل وترتيب آليات السلوك الحضاري في المجتمع، أما الكتاب الذي يشبه الأكلات السريعة، فهو من المطبعة إلى سلال المهملات أو الموت في رف أو مخزن مظلم.

فما أكثر الكتب وأقل الكتاب الصادقين المتوثبين الجادين الذين يتقنون ما يكتبون، ويحترمون الكلمة ويؤمنون بدورها في صناعة الحياة الطيبة.

وما يميز كتاب النصف الأول من القرن العشرين، أنهم يجدّون ويجتهدون ويجددون، ولا يقتربون من الغثيث،  ويمعنون بالوصول إلى أقصى درجات الإتقان والرصانة فيما يكتبون، فهم يبحثون ويتساءلون ويراجعون ويتحاورون، ويزنون ما ينشرون بميزان العقل والجمال والذوق واللغة، ويقرأون عشرات الكتب القيمة ليكتبوا بضعة صفحات، وهم يتوجسون، وأكثر كتبهم ذات مقدمات شيقة بُذل جهد كبير في كتابتها، لأن كاتبها قد قرأ الكتاب أكثر من مرة وقيمه بميزان المعرفة الأمين المعاصر.

فهل من كِتاب للأحياء ؟!!

***

د. صادق السامرائي

يبدو بأن الفلسطيني يشكل رعبا لدولة الاحتلال أينما حلّ. فهو مطارد داخل فلسطين وخارجها. فهذا العدو مستعد لخرق جميع القوانين الدولية والإنسانية. ومن المعروف بأنه ومنذ قيام دولة الاحتلال لم يطبق عليها أي من هذه القوانين بالرغم من كل ما ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني من مجازر وتطهير عرقي منذ قيامها وحتى يومنا هذا.

والفلسطيني الذي اقلق راحة حدودها الشمالية ،اصبح ملاحقا على مستوى القادة والأفراد. فكم قياديا كان هدف لعصاباتها ،وكم مخيما تم محوه وسوي مع الأرض بتغطية وتخطيط وتحريض وإدارة منها؟ وأكبر شاهد على ذلك مخيم تل الزعتر في بيروت وغيره من المخيمات التي لم يعد لها أثر. وفيما يتعلق بالفلسطيني حتى المستشفيات وكوادرها ووحداتها الطبية أصبحت ملاحقة وينظر إليها على أنها ثكنة عسكرية تشكل خطر على أمنها. وهذا طبيعي لدولة قامت على أنقاض شعب آخر. ففي عام ١٩٨٢ أثناء الغزو "الإسرائيلي" للبنان ، هاجمت قوات الاحتلال المستشفيات ومن ضمنها مستشفى غزة في مخيمي صبرا وشاتيلا. حتى أن الكوادر الطبية اضطرت وقتها لوضع أكياس من الرمل على نوافذ الغرف لحماية المرضى.

وفي حربها على غزة ٢٠٢٣- ٢٠٢٤ هاجم جيش الاحتلال المستشفيات وسيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الصحي. وقد أخرج عدد من المستشفيات عن الخدمة وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية. واستهدفت هذه الهجمات مستشفيات القطاع وقامت باحتجاز كوادرها والنازحين الذين لجأوا إليها، وعرضوا حياة المرضى للموت. ومنها ما حصل على سبيل المثال في مستشفى العودة شمال القطاع حيث احتجزت قوات الجيش داخل هذا المستشفى كوادر طبية ومرضى ونازحين بلا ماء ولا طعام ولا دواء ومنعت الحركة بين الأقسام. كما مارست قوات الجيش اعتقال أعضاء من الكوادر الطبية على رأسهم مدير المستشفى ومريض ومرافق.

كما أخرجت قوات الاحتلال أيضا مستشفى المعمداني عن الخدمة نتيجة حصاره واعتقال كوادره الطبية والجرحى والنازحين أيضا. وهذا غيض من فيض فقد استهدفت مع استمرار هذه الحرب معظم مستشفيات القطاع فلم يسلم مستشفى من القصف. وقد وصل أن اعتدت على سيارات الإسعاف التي تحمل المرضى بقصفها ،ومثال ذلك ما حصل عندما استهدفت في بداية الحرب سيارة إسعاف أمام مجمع الشفاء الطبي أسفر عن استشهاد عدد من الجرحى كانوا بصدد التوجه إلى معبر رفح أملا في تلقي العلاج.

ومن المعروف بأن المستشفيات تتمتع بحماية خاصة وفقا للقانون الإنساني الدولي. ويعتبر الهجوم عليها أو على أية وحدة طبية أخرى سواء كانت مدنية أو عسكرية جريمة حرب. كما أنه لا يجوز الهجوم على أفراد الخدمات الطبية. ولا يجوز مهاجمة سيارات الإسعاف تحت أي ظرف ويجب احترامها وحمايتها وفقا للمادتين ٣٥ و١٩ من اتفاقية جنيف الأولى لعام ١٩٤٠.

وتنص المادة ٢٠ من اتفاقية جنيف الرابعة على" أنه يجب احترام وحماية الموظفين المخصصين كليا بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية" وتمنع مواد أخرى تدمير المستشفيات والعيادات المدنية أو إغلاقها مؤقتا أو بشكل دائم أو تعمد إعاقة تزويدها بالطعام أو الماء. أو الأدوية أو الكهرباء.

فأين العالم من هذه القوانين ودولة الاحتلال ترتكب حرب إبادة وتنتهك جميع القوانين. أين ما تسمى محكمة العدل الدولية من كل هذا؟؟ دولة الاحتلال لا قانون يقف في وجهها فجميع القوانين انهارت أمام جبروتها التي تقف خلفه الولايات الأمريكية المتحدة وبقية دول الشيطان ،أما الأنظمة العربية فهي توابع وأضعف من أن تنبس بكلمة ما دامت الكراسي تقف حواجز بينها وبين صحوة الضمير.

***

بديعة النعيمي

 

1 - متى ستُرمي ايران، دولة اسرائيل في البحر؟ كما أوعدت عبر تاريخها الأسلامي، ورغم الوعود القاطعة، لم يحصل شيء ولن، لكننا نشهد لها، انها وبجدارة استطاعت، ان ترمي لبنان دولة ومجتمع، في النهاية الخلفية للبحر، وربما بلا عودة، كما انها وبجدارة ايضاً، رمت اليمن كاملاً في البحر، والعراق في صحراء الربع الخالي، وسوريا لا تعرف ما الذي تريده منها ايران، ولا زالت (إيران) تبحث، عن نقاط ضعف طائفية، في الكيانات الخليجية الأخرى، سخر البعض منا، عندما قلنا، ان يران تشكل الضلع الأستراتيجي، الأشد ثباتاً في مثلث الحلف الأمريكي الأيراني الأسرائيلي، منذ قيام اسرائيل، على ارض فلسطين والى يومنا هذا، وأطلق علينا بعض رموز الأستثقاف الولائي، ذخيرة الشتيمة والتسقيط والتكفير الحي، وما توفر في قاموسهم الأخلاقي الخليع، من مفردات البذاءة.

2 - ايران الشاه ثم الخميني، استخرجت لنا من عمق التاريخ، مذهب مصاب بكل اعراض الكراهية والأحقاد واسباب اخرى لأشعال الفتن الطائفية، بذات الوقت وعبر التاريخ، كان مذهبها، الذي اجتاحت به دول وشعوب الأخرين، مشبعاً بأحزاب وتيارات للأرتزاق، منسوجاً من عقائد وشرايع خيانة الوطن والأنسان، من تلك الأحزاب والتيارات المتمذهبة، شكلت لها كيانات دموية شرسة، وضعت تحت تصرفها الأسلحة التي تفوق اسلحة الدولة، معززة بأسماء الله والأنبياء والأولياء، فهي وبأسم الأرض والسماء والدنيا والآخرة، ابتكرت عقائد تكفير الآخر والغاءه وشرعنة ابادته واجتثاثه، وعبر الأستيلاء التام على السلطات والثروات، ونظام التغبية المجتمعية، استطاعت التمدد في مفاصل المكونات، والأستيلاء على كامل الدولة ومؤسساتها، ثم اخضاعها وشل وجودها تماماً، ومن داخل خيمة الفساد والأرهاب، تم تقطيع نسيج الهوية الوطنية، واكمال تدمير حياة الأمة، ومنها العراقية بشكل خاص وكامل.

3 - شاهدت حلمي، اليتيم بالرب والوطن،، يودع العراق ويبكيه، لا أتذكر ان كان الأمر، قد حدث في ساحة التحرير او شارع الرشيد، او ربما في ظل جسر الحديد، لكلاهما (الله والوطن)، غير مسموح لهما بمغادرة مؤبد اقفاصهما الأسلامية، تعددت الأقفاص وملكيتها، للمذاهب والمراجع والأحزاب والتيارات اقفاصها وسجانيها، وللأضرحة المقدسة ايضاً اقفاصها، ولا زلت غير متأكد، ان  الذي في الأقفاص، كانا أسماء الله والعراق ام نعشيهما؟؟، ام كل منهما محاصر في نعشه، توزعت الأقفاص على جغرافية الله والوطن، في المحافظات الشمالية اقفاص وسياف، وفي الجنوب والوسط اقفاص وسياف، والمحافظات الغربية لها اقفاص وسياف، واقفاص للأقامة الدائمة في مؤبدي النجف وكربلاء، وهناك مليشيات حشدية للقتل بلا هوية، اكتسبت أنيابها ومخالبها وشراستها وذخيرتها، من مراضع الحرس الثوري الأيراني، رفضت يقظتي، الأشتراك في مسيرة مليونية، يلف فيها المغيبون حول ذاتهم بلا هدف، يشتمون ويكفرون الأخر وينسون أنفسهم، فحالهم هو الاكثر حاجة للشتيمة والتكفير.

4 - كفّر ما شئت ايها المغيب، فأنت الضحية والمغلوب، الف مرة في الدنيا والأخرة، تتسول حقك المشروع، في اروقة الحسينيات والأضرحة، لا تعرف دينك وتجهل الطريق الى الله، كفر ما شئت واشتم، فأسرائيل سوف لم تغرق في البحر، ستنتشلها ايران في اللحظات الأخيرة، ستنقذها بجهادك المثقوب بالأستغباء والأذلال، وطنك العراق، وحده الذي سيغرق في مستنقعات النفط المهرب، هل تذكر انك عراقي، وكان لك وطن؟؟ بالتأكيد لا، لأنك شاركت في قتله، يحكمك ويذلك الأغراب، ويدعوك مجاهد، مع من وضد من؟ ايها الولائي، الملوث بخيانة الوطن، لا تقترب من ساحات وشوارع محافظاتنا، بجسدك المعفن برائحة الموت المؤجل، ايها العفش الأيراني بيننا، خذك وخذها معك، قبل ان تلتف، قبضة الأجيال القادمة، حول اعناقكم، فملخص إسلامكم السياسي، ليس إلا مؤبداً للرب والأنسان، إنه العذاب الذي ولد على الأرض ليحرقها، خذ عقائدك وشرائعك وحوزاتك وحشد ألقناصين معك، ولا تنسى احزاب وتيارات الأكاذيب وانصرف، فالعراق ليس مزرعة، لتكاثر  فيروسات الولائيين الضارة.

***

حسن حاتم المذكور

06 / 02 / 2024

 

ما أكثر الشعراء في بلادنا!!

فالكل شعراء!!

نسمع ذلك ويتكرر كثيرا على الالسن،  وربما تساءلنا لماذا يكثر الشعراء في بلادنا؟

إنّ الشعر إبداع وخلق وتصنيع للأفكار وصبها في قوالب الشعر ولوحاته المرسومة بالكلمات.

فالإبداع رفيق الشعر، وكثرة الشعراء تعني كثرة المبدعين، ولكن لماذا ينحصر الإبداع في الشعر أكثر من غيره؟

يبدو أن  الإنسان الذي يعيش على مر العقود في حالة حصارٍ وإنضغاطٍ داخلي وتكبيل لقدراته وطاقاته، وتجميد لأفكاره وتطلعاته، لا يجد منفذا أفضل من الشعر لسكب ما عنده من الأفكار والإبتكار.

فالواقع خانق مانع، وتتوفر فيه عوامل إنحباس كبيرة، تنامت في عقود النصف الثاني من القرن العشرين، لذا رأينا تنامي عدد الشعراء، بالقياس إلى عددهم في النصف الأول منه، حيث كانت تتوفر مساحة من حرية التعبير عن الطاقات الإبداعية والإبتكارية.

إن إقامة الموانع والمصدات أسهمت في إنحراف الطاقات وإنحسارها في زاوية الشعر، لأنه صار الفضاء السليم لإستيعابها، للذي لا يجد المجال للتعبير عن أفكاره الصناعية والإقتصادية والزراعية والعمرانية وغيرها من أفكار العصر ومتطلباته، لأنه موضوع في صندوق الوطن، الذي تحول إلى مستنقع خانق طغت فيه الدماء على الماء.

فزيادة عدد الشعراء يتناسب عكسيا مع حرية التعبير عن القدرات والطاقات والظروف المواتية لتنميتها،  ويعكس حالة التأخر السائدة في المجتمع.

وعندما تتوفر الفضاءات الإجتماعية اللازمة للنماء الإقتصادي بجميع إتجاهاته، فعدد الشعراء سيقل وسيتحرك المجتمع بإتجاه المواكبة والتفاعل المعاصر مع الآخرين.

فظاهرة كثرة الشعراء تعني أن الطاقات البشرية تسير في غير إتجاهها الصحيح، وأن البلد في حالة إنحسار وتمزق وإندثار وتراكم مقاساة وتنامي معاناة وهموم.

ولا يعني هذا تقليلا من شأن الشعراء ودورهم الثقافي، لكنه يشير إلى ظاهرة إنحراف إتجاه الطاقات الحضارية المعاصرة.

فأيهما أفضل للمجتمع أن يوظف الإنسان طاقاته في إنتاج مادي نافع، فيه جدوى إقتصادية وإختراعية مؤثرة أم أن يوظفها في كتابة الشعر؟

إن المجتمع مطالب في هذا الوقت أن يتنبه إلى توفير الآفاق اللازمة لإستثمار الطاقات الفوارة، لتحقيق الربح الإقتصادي والعمراني والبناء الشامل للوجود الوطني في كل مكان.

ومن غير رفع الضغط وتحطيم جدران الحرمان وأسبابه، ومفرداته السيئة وما يترتب عليها من حاجات يومية قاهرة، لن نصنع التقدم والحياة الأفضل، وسنبقى ندور في دائرة مفرغة  تنتج كلاما لا يمنع من برد ولا يطعم من جوع.

فهل سنخرج من خنادق الكلام إلى ميادين العمل والجد والإجتهاد، وإحترام الأفكار وإستثمارها للتعبير الأمثل عن القدرات الخلاقة الكامنة في بلادنا.

وهل سيكون كلامنا مخبرا عن عمل أنجزناه لا مجرد مداد على لوح الفراغ!!

***

د. صادق السامرائي

24\10\2018

 

كانت العصابات الصهيونية قد بدأت عمليات التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني بتاريخ ٣٠/نوفمبر/١٩٤٧ وامتدت إلى تاريخ ١٤/ مايو/١٩٤٨ أي تاريخ الإعلان عن قيام دولة الاحتلال. وكان قد رافق عمليات التطهير تدمير كامل او جزئي لمئات القرى الفلسطينية وكان الهدف في ذلك الوقت هو إفراغ هذه القرى وإقامة مستوطنات على أنقاض معظمها. واستمر فعل التدمير والهدم لما بعد ذلك وإلى يومنا هذا مع اختلاف الذرائع والمبررات مثل الهدم كسياسة عقاب جماعي في حال تنفيذ عمليات تؤدي لمقتل االيهود. ففي هذه الحالة تعاقب سلطات الاحتلال عائلة المقاوم بأكملها بهدف ردعه وكذلك في محاولة منها للقضاء على المقاومة الفلسطينية، بينما هدفها المضمر من عمليات الهدم هو تهجير الفلسطينيين تمهيدا لبناء المستوطنات عليها. وقد أعلنت منظمة العفو الدولية أن الجيش "الإسرائيلي" قام بين شهر أيلول لعام ٢٠٠٠ وشهر كانون الثاني لعام ٢٠٠٣ بتدمير أكثر من ثلاثة آلاف منزل وأوقعت أضرارا بآلاف أخرى.

وفي كافة حروبها على غزة كانت تتبع نفس الأسلوب من العقوبات الجماعية ،حيث تقوم في كل حرب بتدمير العمارات والبيوت السكنية التي من المفترض أن تكون آمنة ومحمية بناءً على القوانين الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. غير أنها في كل مرة تتذرع بأنها تقصف مواقع تحمي أفرادا من المقاومة التي تطلق عليها مصطلح "إرهابي".

وفي ٧/ اكتوبر/. ٢٠٢٣ حمّل قطاع غزة بأكملة مسؤولية العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مستوطنات الغلاف. واعتمدت دولة الاحتلال في حربها على تدمير ممنهج طال أحياء ومربعات سكنية بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات وغيرها. وبهذا فقد فقد عشرات الآلاف من سكان غزة منازلهم كليا بعد تسويتها بالأرض إما بقصفها عن طريق الجو أو تفجيرها أو كما كشفت صحيفة هآرتس العبرية "أن الجنود يدمرون بعض المباني في غزة بإضرام النيران فيها بناء على أوامر مباشرة من قادتهم".

ووفق البنك الدولي فإن ٣٤ ألف منزل دمرت بالكامل من بين ٥٥ ألفا بنسبة تدمير تصل لنحو ٦٠% تقريبا.

وطبقا لاتفاقيات جنيف ١٩٤٩ تعتبر العقوبات الجماعية جريمة حرب. فالمادة ٣٣ من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أنه " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا" و " تحضر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب".

***

بديعة النعيمي

 

الذي دفعني أن أعيد نشر هذه المقالة المنشورة في 30\ديسمبر 2017  - وربما في الأعادة فائدة وتأسي- ومنظر الفجيعة الدموية البريئة والغير مبررة والتي حدثت في بغداد أثتاء فوز المنتخب العراقي على اليابان ونحن في بغداد بزيارة أهلنا وبالذات في شارع فلسطين وأستشهاد شاب عشريني وهو واقف أمام داره بأطلاقة طائشة تاركا وراءه أم مفجوعة وزوجة وأطفال !!!؟؟؟ بسبب هذه الظاهرة الممجوجة والهابطة أخلاقيا وأجتماعيا وحتى سماوياً وبالتأكيد أنها ظاهرة سلبية غير حضارية ومقلقة بل بربرية متوحشة  لا يسلكها ألاّ الشعب الملوّث عقلياً ونفسياً يعاني من أمراضٍ سايكولوجية مزمنة مركبة، وقد يبررها البعض كونها تأريخية متأصلة في عشائرية وقبلية الفرد العراقي حين كان الفرد يعلن بأطلاقاته النارية لكي يسمع أفراد العشيرية بالنبأ المفرح والمحزن لعدم وجود وسائل التواصل ولكن اليوم توافر وسائل التواصل الأجتماعي بأنواعها المتعددة يرفض هذا التبرير الغير مبرر الباطل، والعجيب أن هذه الممارسات الباطلة في أطلاق الرصاص الحي في المناسبات المفرحة والحزينة والعجيب أن تكون في مولد الأنسان يطلق لهُ النار وعندما يختن يطلق لهُ النار وعندما يموت يطلق وراء جنازته النار  وعندما ينجح في البكلوريا  يطلق له النار، وتتعقد الأمورأكثر عندما تتزامن  مع أستعمال مفرقعات الألعاب النارية  الصوتية حينها يمطرون السماء بوابل من رشاشاتهم الأوتماتيكية وربما تكون بأسلحة متوسطة في جنوب العراق وقراه وأهواره، لشعبٍ يرفض أن يحكم أصلاً وهو من يعشق الفلتان الأمني وصاحب ممارسة الحواسم اللصوصية الأستلابية، وأليس هو صاحب هوسة ( حلو الفرهود كون يصير يومية )!!!؟؟؟ فنزعة التخريب واللصوصية والعدوانية هي متجذرة في أعماق اللاوعي للفرد العراقي، وعفوا أنها ليست من (عندياتي) ذُكرتْ في بحوث نخبة من أرقى باحثي علم ألأجتماع والتأريخ أمثال الدكتور الأكاديمي والباحث علي الوردي والمؤرخ المغربي أبن خلدون والدكتور الأكاديمي عبد الرزاق الحسني (راجع كتاب وعاظ السلاطين / د- علي الوردي، وكتاب تأريخ الوزارات العراقية 1908 – 1958، وكتاب المقدمة لأبن خلدون).

وتداعياتها السلبية كثيرة منها وأهمها سلب أرواح أبرياء من الناس أوحصول أعاقة دائمة  في جسده، وحين تعود، ألى رؤوس المواطنين الأبرياء والأطفال وتعريض حياتهم للخطر، وأنها ممارسات باطلة وخاطئة، وأنا مع المسلمات الدينية وثوابتنا حيث وردت عقوبتها في سورة المائدة الآية 32 ( أن من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) وحديث نبوي  (لا يحلُ لمسلمٍ أن يروّع مسلماً)، وكذلك هي تكرس الرعب والخوف في نفوس الأطفال والنساء والمواطنين، وأنها أهانة للقضاء والقانون السماوي والوضعي البشري وأستخفاف بهيبة الدولة والأمن الوطني، وأنها حربٌ على سلامة الأنسان البريء، ويزداد الطين بلّة حين تتزامن مع أطلاقات الألعاب النارية حينها يتولد (التلوث الضوضائي) الذي يزيد من أرهاق ومعاناة الأنسان في التأثير على قدراته السمعية، وتزيد كذلك في زيادة تأثير (المطر الحمضي) الذي يؤدي ألى تلف الممتلكات، كل هذا والسلطات الأمنية متراخية عنها، وللعلم أن رجال القانون والقضاء في الأردن أعتبروها أدانة جريمة قتل، وسنوا لها قوانين رادعة في الحبس والغرامة، وأما في اليمن يحبسون العريس عند أطق النار في عرسه .

الحل / التراخي مرفوض من أجل أرضاء غرور البعض من المستهترين والمتهورين، فحانت ساعة الخلاص والحل بأصدار وثيقة شرف قانونية أجتماعية رادعة في الحبس أو الغرامة  أو بكليهما، والتشديد في حالات وقوع ضحايا بأصدار جرم الأدانة، والتدرج في تطبيقه لكي يعكس الوجه التربوي لا الوجه البوليسي الناقم، وأن القانون وتدخل الأمن لا يكفي ألا في تشابك الأيدي بشكلٍ جمعي في تثقيف الشعب وتوعيته بمخاطر هذه الممارسة الخاطئة وأشراك وزارة التربية في تدريسها في المناهج الدراسية، وكُتاب الأعمدة في الصحف المحلية وخطباء الجوامع والأعلأم بكافة أشكاله.

***

كاتب عراقي مقيم في السويد

كُتب في 29 ديسمبر 2017

أعيد النشرفي شباط 2024

وقائع الحرب على غزة تتمازج أحداثها في طوفان استحق اسم الأقصى وصنعته المقاومة وارتداداتها في دول محور المقاومة.

دعونا نحلق عالياً كي نراقب بعين الصقر دوائر نصر المقاومة وهي تنداح عبر إقليم الشرق الأوسط، في حرب طاحنة يريدها نتنياهو؛ كي يغطي على هزائم جيش بلاده في قطاع غزة، كون إنجازاته لا تتجاوز تدمير القطاع وإبادة أهله الممنهج الذي أدانه قرار محكمة الجنايات الدولية، ومحاولة تهجيرهم.

من هنا سننطلق ولنبدأ بعنوان:

"وحدة الساحات ومؤازرة المقاومة في غزة"

فما زالت المقاومة في غزة (وبخاصة حماس والجهاد الإسلامي) توقع في صفوف الاحتلال خسائر كبيرة بالمعدات والأرواح، فيما الشعب الفلسطيني تحت القصف والحصار، وهو القابض على الجمر، يلتف حول مقاومته المقدسة، في تلاحم أسطوري، ليخرج من تحت الأنقاض كطائر الفينيق الكنعاني الذي قالت عنه الأساطير بأنه يخرج من تحت الرماد أشد قوة وعنفوان.. فيحوِّلَ بصموده غزَّةّ -رغم ما قدم من ضحايا- إلى فكرة عالمية مؤثرة بسبب عبقرية المقاومة ورفض الغزّيّين مغادرتها بسبب القصف الإسرائيلي المجنون الذي حول المدينة إلى أنقاض في حرب إبادة لا مثيل لها.

وقد بنيت السردية الفلسطينية على ذلك منذ النكبة الأولى عام 1948 وصولاً إلى النكبة الثانية في السابع من أكتوبر الماضي، رغم محاولات الذباب الإلكتروني الإسرائيلي وحلفائه من المطبعين، شيطنة المقاومة مجتمعةً في إطار وحدة الساحات (محور المقاومة)، بغية تنفير الشعوب العربية المغبونة منها وتفكيكها، من خلال استراتيجية إعلامية قذرة تقوم على إثارة الفتن الطائفية والجهوية وبث الأخبار التي قد تغطي ولو جزئياً على جرائم الاحتلال في غزة.

أيضاً.. فما دام الشيء بالشيء يذكر فإن العمليات المساندة للمقاومة في غزة والتي تطالب بفك الحصار عنها مستمرة، إذْ استهدفت جماعة الحوثي اليمنية قبل يومين سفينة بريطانية كانت تبحر جنوب عدن بعد ساعات من إعلانها استهداف سفينة تجارية أميركية كانت متجهة إلى "إسرائيل".

في المقابل قال الجيش الأميركي إنه قصف عشر طائرات مسيرة كانت معدة للإطلاق غربي اليمن فجر يوم الخميس الماضي.

ووفق المتحدث باسم أنصار الله الحوثي فقد تم قصف "إسرائيل" بالصواريخ البالستية".

وفي سياق متصل، تَواصَلَ تَبَادُلُ القصفِ بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، في الوقت الذي هدَّدَ فيه وزير الخارجية الإسرائيل لبنان إذا لم تتوقف عمليات حزب الله.

فيما أكد بعض قادة الاحتلال العسكريين بأن الحرب مع حزب الله لن تتوقف حتى يعود الإسرائيليون إلى مستعمرات الشمال التي غادروها مرغمين.

من جهتها أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان أن أطراف بلدتي "علما الشعب" و"طير حرفا" تعرضت لـ"قصفٍ مدفعي معاد"، وأضافت أن قوات الاحتلال استهدفت بلدة "كفر كلا" بالقذائف الفسفورية.

أما في العراق فالجيش الأمريكي الذي دمر العراق في عاصفة الصحراء نهاية القرن الماضي، قصف العراق يوم الجمعة الماضي من الجو ما أدّى إلى استشهاد أكثر من عشرين عراقياً رداً على استهداف مسيرة مجهولة لقاعدة أمريكية على ملتقى الحدود السورية الأردنية العراقية قاعدة "التنف" وقد طال القصف الهمجي الأمريكي الأراضي السورية.

وفي بيان لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال فيه" نعلن الحداد العام لثلاثة أيام في دوائر الدولة ومؤسساتها كافة، ترحما على أرواح شهداء قواتنا المسلحة والمدنيين الذين ارتقوا نتيجة القصف الامريكي على مناطق عكاشات والقائم غرب محافظة الأنبار".

وفجر يوم أمس السبت، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، شَنَّ ضرباتٍ انتقاميةٍ في العراق وسوريا ضد 85 هدفاً لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني -المؤيد للمقاومة في غزة- ومليشيات إسلامية موالية له.

من جهتها المقاومة الإسلامية في العراق وفي إطار وحدة الساحات ويغية تخفيف الضغط عن غزة، قامت بقصف قاعدة حرير الأمريكية في إقليم كردستان.

وسنأخذكم بعد كل ذلك إلى المواجهات المشتعلة في مجلس الأمن بشأن وقف حرب الإبادة على غزة، وعنوان:

"أمريكا ومقترح الجزائر في مجلس الأمن وقرار المحكمة الدولية"

حيث عَقَدَ مجلسُ الأمن الدولي جِلسة طارئة الأربعاء، دعت إليها الجزائر، من أجل إعطاء قوة دفعٍ إلزامية للحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.

جاء ذلك استناداً إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير الماضي في القضية التي رفعت من قبل جنوب أفريقيا ضد جرائم الإبادة التي يقترفها الإسرائيلييون ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي من شأنه أن يجبر "إسرائيل" على الالتزام بتدابير الاتفاقية الدولية لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية، وضمان حق الفلسطينيين في الحماية.

وسبق أن أطلقَ مسؤولون إسرائيليون بينهم: وزيرا المالية بتسئليل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والنائب في الكنيست عن حزب "الليكود" داني دانون، مراتٍ عدةٍ، دعواتٍ لتهجير سكان غزة بعد الحرب على القطاع.

وقوبلت هذه الدعوات حينها باستنكار دولي ومن الأمم المتحدة، حيث وصفها مراقبون بأنها بمثابة دعوة إلى "جريمة تطهير عرقي".

من جهتها اعترضت مندوبة الولايات المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد في مجلس الأمن على المقترح كونه-في نظرها- يُعَرِّضُ المفاوضاتِ بشأن الهدنة للخطر.

وما دمنا نتحدث عن الهدنة التي لم توافق عليها المقاومة بعد، فإن قادة الاحتلال يحاولون الضغط على حماس من خلال إصدار بيانات يجدها كثيرٌ من الإسرائيليين خرقاء كون أصحابها لا يمتلكوا مقومات تنفيذها بسبب خسائر "إسرائيل" المتلاحقة ميدانياً واقتصادياً وأخلاقيا.

لقد عاد الكابينيت إلى المطالب الإسرائيلية المستحيلة.. فما هي يا ترى؟

فانطلاقاً من ذلك سنأخذكم إلى عنوان: "الغرور لا يحجب الأنظار عن الهزيمة"

ولعل من أهم مظاهر الانهزام الإسرائيلي الداخلي هو مناورة حكومة الحرب الإسرائيلية "كابينيت" والمنقسمة على نفسها بشأن الهدنة التي اقترحتها قطر مؤخراً، من خلال إعلان ثباتها على الأهداف الإسرائيلية المستحيلة التي فشلت في تحقيقها رغم مرور أكثر من 120 يوماً من القتال المستعر الذي حقق للمقاومة مكاسب مذهلة على حساب الإسرائيليين الذين اعترف بعض قادتهم بانتصار حماس.

وتتجلى هذه المطالب اليائسة بسحق حماس وتحرير الأسرى.

يأتي ذلك كما يبدو لممارسة الضغط على حماس بغية كسب الكثير من النقاط في المفاوضات الجارية في الدوحة بشأن مقترح الهدنة المعروض على قيادة حماس دون أن تبدي الأخيرة بَعْدْ موافقتها على بنودها.

وهذا يذكرنا بما قاله ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركي السابق سكوت رايتر -عبر الجزيرة نت- إن "حركة حماس قد انتصرت بالفعل بعمليتها المعقدة والمتقدمة في السابع من أكتوبر، وأنه لا يمكن القضاء على حركة حماس كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن حماس أصبحت رمزا عملياً ومعنوياً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ما يلوح به "الكابينيت" تعبر عن الغطرسة الإسرائيلية التي تصيب قادة "إسرائيل" بالعمى والتخبط في اتخاذ القرارات المجنونة التضليلية الفاشلة للتسويق الداخلي.

أما عن موقف الأمم المتحدة إزاء جرائم الاحتلال بحق أطفال غزة وفي تقرير لليونيسيف قدمه جوناثان كريكس مدير التواصل في الأراضي الفلسطينية، ف: "إن 17000 طفل في غزة انفصلوا عن ذويهم بسبب الحرب. وجميع أطفال القطاع البالغ عددهم أكثر من مليون يحتاجون إلى دعم في الصحة النفسية".

وأخيراً سأعرّج وإياكم إلى عنوان " الاحتجاجات الدولية على صعيد مدني ضد جرائم الاحتلال".. جاء ذلك وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

فقد أصدر أكثر من 800 مؤيد من موظفي الخدمة المدنية من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رسالة غير موقعة تعلن فيها أن سياسات حكوماتهم فيما يتعلق بالحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة "خاطئة" وتواطؤ في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في هذا القرن” حيث أساء ذلك إلى مبادئ الحرية والسلام وشوهت الصورة الأخلاقية لبلدانهم في العالم..

وتتهم الرسالة الاحتلال الإسرائيلي بما يلي:

1- عدم وجود حدود في عملياتها العسكرية في غزة"

2- العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تساهم في تحقيق هدفها المتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن وتعرض سلامتهم وحياتهم وإطلاق سراحهم للخطر”.. ولم تحقق هزيمة حماس التي تعززت مكانتها.

وأهم ما دعت إليه الرسالة هو استخدام كل النفوذ المتاح - بما في ذلك وقف الدعم العسكري - لضمان وقف دائم لإطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية الكاملة إلى غزة وإطلاق سراح آمن لجميع الرهائن."

ووضع استراتيجية للسلام الدائم تتضمن دولة فلسطينية آمنة وضمانات لأمن إسرائيل، بحيث لا يحدث هجوم مثل 7 أكتوبر والهجوم على غزة مرة أخرى أبدًا". ولكن هل تؤثر الحكمة في البليد الذي يمارس الإبادة وفق تعليمات التلمود القائم على الأساطير.

وتستمر الوقائع الميدانية في أرض المعركة وكواليس السياسة نحو الانفراج الممكن ما دامت المقاومة التي يلتف الشعب من حولها، تهلك جيش الاحتلال وتذله على كافة الأصعدة.. والنصر لا ريب آت على الأبواب.

وقبل التقاط أنفاس النهاية لا بد من خاطرة تبقي عيوننا مفتوحة على ما يحدق بأمتنا من أخطار داهمة.. وهي بعنوان:" أفخاي أدرعي يقود مثيري الفتنة الطائفية لتفكيك المقاومة"

حينما يرتدي أفخاي أدرعي عباءة الإسلام وقد خسئ اللعين، تدرك مدى التشويه الذي ينال من جوهر ديننا الحنيف الذي يشوهه أبناؤه إلا من رحم ربي، حينما يشيطن دعاة الفتنة الطائفية من المتصهينين المطبعين محور المقاومة الذي يتصدى فعلياً للاحتلال الإسرائيلي بالحديد والنار ويقدم الضحايا ويتحمل فاتورة باهظة من الخسائر في غزة واليمن ولبنان والعراق بمؤازرة جماهيرية عالمية .. بينما دعاة الفتن يقيمون في فنادق النخاسة وسوق الضمائر المنتشرة بيننا في أمة أنهكها العياء.. يا للعار!!

ونصر الله محور المقاومة في كل الجبهات وقطع دابر "إسرائيل" وحلفائها أينما وجدوا.

صباحكم مطيب بالدعاء لنصرة غزة بعيداً عن الفتن المذهبية التي يحركها الشيطان لصالح العدو الإسرائيلي، والله ولي الصابرين.

***

بقلم بكر السباتين

4 فبراير 2023

 

 

آمرته في أمري مؤامرة إذا شاورته.

وكل مَن فزعت إلى مشاورته ومؤامرته فهو أميرك والمؤامرة تعني المشاورة.

ويتأمرون بك، أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك.

وائتمر القوم وتآمروا، إذا أمر بعضهم بعضا.

والتآمر يهدف إلى فعل الشر.

ونحن نستخدم كلمة مؤامرة كثيرا في خطاباتنا وحواراتنا السياسية والفكرية، ونريد بها الخضوع والإستسلام وفقدان الإرادة والقدرة على تقرير المصير، فيكون كل فعل تنفيذا لأمر، فالفاعل يؤمَر بما يقوم به.

وهي في منطوقها الفكري ومردودها النفسي ذات أبعاد سلبية ونتائج مأساوية، لأنها تجعل الفاعل مرهونا بغيره وتابعا لمشيئته.

وواقع التفاعل ما بين الأمم والشعوب يتحدد بالمصالح، التي هي بوصلة السلوك القائم ما بين أبناء الأرض، دولا وأحزابا وجماعات وأفرادا.

والمقصود بالمؤامرة أن يتوفر أبناء من هذه الدولة أو تلك لتحقيق مصالح أية قوة أخرى، أو دولة، أو إرادة خارجية مهما كان نوعها.

 وهذا التفاعل ما بين الأمم والشعوب قائم منذ أول نشوء فكرة الدولة وسيبقى إلى الأبد.

فما نسميه بالمؤامرة سلوك لا ينتهي، ويُراد به تدبير المصلحة وتوفير أسباب وعناصر تحقيقها. ودول الأرض تحت ضغط تحقيق المصالح وتأمينها، وبعضها قد أنكرت مصالحها أو تنكرت لها وأذعنت لمصالح غيرها، أي تنازلت عن الدولة والوطن، وانحدرت إلى تأمين أهداف غيرها، وربطت تفاعلاتها بمصلحة الكرسي والمنافع الشخصية والأنانية، وأكدت ذلك بواسطة الأحزاب الضيقة الأفق والمحدودة الرؤى.

بينما العديد من دول العالم أسست الركائز الوطنية والثوابت التي تحقق مصالحها، وتؤهلها للتفاعل مع الدول الأخرى، وفقا لمبادئ ومرتكزات أساسية وذات قيمة للوطن.

فالدول تتفاعل بكيانها المتماسك والموحد، الذي يسعى بطاقاتها القصوى لتأكيد مصالحها، وقدراتها في البقاء والتنافس والتسابق نحو الأحسن.

وعندما تعجز الدول والشعوب عن بناء إرادتها الواحدة وصيرورتها الصاعدة، فأنها تتفرق وتتفاعل بسلبية ضارة لوطنها، ويحاول الجمع المتفرق أن يتشبث بقوى أخرى للتمكن من بعضه البعض.

وفي هذا الواقع المتشظي تتقدم كل دولة لها مصلحة في البلد، وتتفاعل مع أية مجموعة تراها مناسبة لتحقيق مصالحها.

وهذا ما نجده في واقعنا، الذي فقد بوصلة المصلحة الوطنية منذ أكثر من نصف قرن، وسار على هدى وخطط مصالح الغير، والغير قد تعدد وفقا لأجندات التنافس والصراع الدولي، التي وجدت مرتعا خصبا لها فيه، وعلة ذلك، أن بعض أبناء الوطن قد وفروا الأسباب والظروف اللازمة لحضور الآخرين وتأمين مصالحهم،  وتحقيق مشاريعهم بجهد وقوة أهله المعبرين عن ذلك بإخلاص مطلق.

هذه التفاعلات المتداخلة قد نسميها مؤامرات، بمعنى أن بعض أبناء الشعب قد تفاعلوا مع الآخرين لتحقيق مصالحهم، وأنكروا مصلحة الوطن ووحدته وما يساهم في قوته وتماسكه.

ومن هنا فالعيب ليس في الآخر الذي يريد تأكيد مصلحته، ولكن العيب في الذين أنكروا مصلحة وطنهم، وقرروا أن يكونوا قوة مساهمة وفاعلة في تحقيق مصلحة الآخرين فيه.

أي أن الموضوع بجوهره يرتبط بأبناء الوطن، وقيمهم وأخلاقهم ومدى وعيهم وتقديرهم لمجتمعهم،  وليس بالآخر الذي يسعى دوما لمصالحه وغاياته، وتلك سنة الحياة في التفاعلات الدولية.

إن علة العقل في مجتمعاتنا، هو إنكار المصالح والتوهم بالمبادئ، وسرعة السقوط في أحضان الآخرين، وتأكيد مصالحهم على حساب المصالح الوطنية والإقليمية، لعدم وضوح المفاهيم والمعاني المرتبطة بالوطن وحقوق المواطنة.

كما أن الإمعان في اليأس وإذلال الذات والمجموع، له دور كبير في تأكيد آليات التفاعل الخاسر مع الآخرين .

فمجتمعاتنا ما تربّت على وعي مصلحة الوطن وقيمته ومعنى رايته وعلاء شأنه ودوره، وإنما على مناهج الأحزاب والمذاهب والفرق والجماعات والأشخاص، ولهذا نشأت أجيال لا تعرف قيمة الوطن، وصار الكرسي والفرد في عرفها وطن ومقياس الوطنية المطلق، فمَن لا يمضي على هداهما غير وطني ومَن يناهض الحزب الحاكم متآمر.

والمؤامرة في حقيقتها لعبة للنيل من بعضنا البعض، وتأكيد إرادة الآخرين الفاعلة بقوة فينا.

فلماذا لا نتآمر مثل الآخرين من أجل مصالحنا لا ضدها؟!

***

د. صادق السامرائي

 

تعتبر الدروع البشرية قديمة قدم الحروب. وقد شهدت الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال استخدام الدروع البشرية على نطاق واسع. فخلال انتفاضة وارسو استخدم الجيش الألماني مئات المدنيين وأسرى الحرب دروعا بشرية في مواجهة الانتفاضة.

ولأن دولة الاحتلال دولة استبدادية وعنصرية وطالما استرخصت حياة الفلسطيني فقد تعودت على استخدامه درعا بشريا أثناء المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. فعن منظمة "بتسلم" اليهودية وهي منظمة غير حكومية تسجل حالات انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة تقول في تقريرها بتاريخ ٢٠١٧ " أن قوات جيش الاحتلال قد استخدمت الفلسطينيين كدروع بشرية".

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ نجدها تلجأ إلى استخدام هذه الوسيلة اللاأخلاقية. فها هو وكيل وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بتاريخ ١٣/كانون الأول لعام ٢٠٢٣ يصرح بأن جيش الاحتلال استخدام المدنيين المحاصرين في مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع "دروعا بشرية".

كما وثق المرصد الحقوقي "الأورومتوسطي" استخدام جيش الاحتلال معتقلين من غزة كدروع بشرية بهدف اقتحام المنازل وفتحات أرضية يعتقد أنها أنفاق أرضية تخص المقاومة.

ومن المعروف أنه وحسب القانون الدولي ، على أطراف النزاع الاحتفاظ بالمعدات العسكرية في أمكنة أبعد ما يمكن عن تجمعات المدنيين. ويعتبر جريمة حرب استعمال أي مدنيين دروعا بشرية. فوفقا للمادة ٥١ من البروتوكول الأول لعام ١٩٧٧ الملحق باتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ "لا يجوز التوسل بوجود السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو تحركاتهم في حماية نقاط أو مناطق معينة ضد العمليات العسكرية لا سيما في محاولة درء الهجوم عن الأهداف العسكرية أو تغطية أو إعاقة العمليات العسكرية".

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه عند ذكر كل انتهاك لقوانين حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب طيلة حروبها مع الفلسطينيين.. هل تمت محاسبة هذه الدولة المتغطرسة يوما منذ قيامها ظلما في ٤٨؟

***

بديعة النعيمي

اعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، توقيع محضر عقد مع شركة مصرية لتشييد مدينة "علي الوردي" السكنية الجديدة، جنوب شرقي بغداد، وفيما وصف المشروع بأنه "الأكبر" بين مشاريع المدن الخمس،، واطلاق اسم الفنان الكبير فائق حسن على المجسر الجديد ببغداد فعل من أفعال التخليد ، تحسب لصالح حكومة السيد السوداني،كذلك قامت الحكومة المحلية في البصرة بإطلاق اسم الاديبين محمد خضير وكاظم الحجاج، على شارعين في المدينة، ولا يقع تمثال الشاعر موفق محمد في بابل خارج التفكير العملي هذا، الذي يقضي ببعث الروح الوطنية، عبر قناة الثقافة في ضمير الشعب التي مزقتها الاديان والمذاهب والطوائف والحروب بالنيابة وغيرها، واذكر ان المفكرُ العراقيُ الكبير “حسن العلوي دعا قبل أكثر من سنتين الادباءَ والصحفيين والكتابَ وجماعاتِ الإعلام في العراق الى تحريكِ جسدِ الإعلام العراقي، محذراً من تحولِه إلى جثةٍ هامدة.جاءَ ذلك في مقالةٍ للمفكرِ “العلوي” في صحيفةِ الزمان طبعةِ العراق، دعا فيها أيضاً إلى حملةٍِ يُطلق عليها إسمَ “حملة ُ مظّفر النواب” لتخليدِ سيرتهِ الشعرية كونَه شاعراً عالمياً من الصعبِ تكراره، كما دعا إلى تكريمِ “النوّاب” في حياتِه وليس كما هو معتادٌ في العراق “يموتُ المبدعُ ثم يتمُ الإحتفالُ به، للاسف اليوم ترى المعاول ترفع لتهديم كل من يرتفع ، يحاربون كل مجد أو شريف ونزيه أو مبدع، إنها السلبية التي تطبع سلوك العراقي”. معللا بالقول بان الخلل يكمن في إن السلطة هي المحور في حياة العراقي على مدى عقود. هذا بعض الخلل أو بعض أسباب الخلل بيد إن طبيعة السلطة أيضا وأسلوب الإدارة ومن المسيطر على السلطة اليوم ترى في المؤسسات والوزارات السيادة والغلبة للجهلة والسراق. لدينا الآن منتحلو صفة وليسوا حقيقيين تدرجوا ووصلوا بسبب تزوير شهاداتهم وشراء مناصبهم. فكيف بنا إذن أن نصنع النجوم ونحن نحارب كل مبدع ولامع؟ صناعة النجوم تحتاج إلى بيئة تشجع الإبداع لا أن تهدمه،وتخيل حتى النجوم الذين تصنعهم ظروف حياتهم في الخارج والتشجيع الذي يلقونه هناك تراهم يتعرضون للتجاهل إن لم يكن للمحاصرة والتهديد بمجرد عودتهم إلى العراق ويتعرضون للتحجيم الكامل فتراهم يقفلون عائدين من حيث جاؤوا والى حيث يجدون التقدير الكامل لكفاءاتهم،، وفي ظاهرة غريبة نسمع أن فنانين ومبدعين عرب كرموا في الخارج بدول عربية وأوربية بينما يقومون بدور مزمار الحي الذي لا يطرب ببلدهم!!

يفرحنا جداً حين يكون قادتنا بهذا الوفاء ، ويؤسفنا جداحين لم يبادر أي مسؤول في الدولة ولا الوزير المعني طيلة السنوات الماضية لجعل تكريم المبدعين في مجالاتهم من أولويات سياستنا الداخلية فلطالما سمعنا عن تكريم فلان بعد وفاته، وهذا لا يتفق إطلاقاً ومبدأ الوفاء والعرفان لمبدعينا من أدباء وشعراء ومفكرين وموظفين في كل القطاعات، فأتساءل دائماً لماذا لا يتم تكريم المبدعين وهم أحياء؛ بل وفي عز عطائهم وليس بعد أن يبلغوا من العمر عتيا. حتى أصبح لسان حال البعض أن لا يأتي ذلك اليوم الذي أُكرم فيه لارتباط هذا اليوم بالموت أو أرذل العمر في أحسن الأحوال وكأن المرض أو الموت يوقظنا من غفلتنا عن تقدير هؤلاء والاعتراف بعطائهم،، لقد صدق أوغست كونت حينما قال: (الرجال العظام ينالون الخلود الذاتي بعد موتهم عن طريق تكريم الأجيال المتلاحقة لهم) إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟ أما التكريم ما بعد الموت فإنه وفاءٌ متأخر، لذلك نرى أنه من الضروري من القائمين على الهيآت الثقافية والفنية في العراق ، وربما، الوطن العربي أن يهتدوا إلى تكريم المبدعين قبل أن تغلق جفونهم ويغادرون عالم الأحياء ويلتحقون بعالم الأموات لأنه حينها لا يجديه التكريم نفعاً ولا ضراً، فالتكريم بالنسبة للمبدع وهو حي يزيد من قيمته ويضاعف أعماله وطاقته مما يمكنه من مواصلة إنتاجه وعطائه. فمن المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه، من المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه، إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم