أقلام حرة

أقلام حرة

التفاعلات السائدة في الواقع الثقافي تمضي على منهج التجرد من الذات والهوية والموضوع، والتحول إلى نبضات خائرة في مستنقعات " لست أنا"، فتحول الواقع إلى كينونة إستساخية لعوالم وفضاءات لا تمت بصلة إليه، وهذه الآلية سوّغت التبعيات والتواصلات الدميوية (من الدمى).

عبثيات وتخبطات وإندحارات في مرابع القنوط والإنهيارات القيمية والأخلاقية، والتعفن في أقبية المكان المدثر بأسلاب الغابرات.

ووفقا لمفاهيم ومصطلحات مستوردة ومرحَّب بها، لتستعبد العقول وتمتطي إرادات الإبداع، ولتستولي على الوعي الجمعي، وتحقق الإستعمار العقلي والفكري والنفسي، وتطيح بالثوابت والمنطلقات الحضارية الجوهرية، المؤسسة لمسارات الصعود الأصيل.

تدحرجت الأجيال على سفوح غريبة توهمها بأنها ستعاصر، وستضيف لدواليب الزمن الدوارة، التي تغرف من فيض الإبداع، لتسقي يباب الدنيا المتعطشة للجديد المستحضَر بعد الأوان، فعجلة الوثوب المستقبلية ذات طاقات مطلقة.

وبين قرن مروّع إنطوى وقرن بدأت طلائعه العنفوانية تبسط أجنحتها على منطقتنا، المبتلاة بالكراسي وقطعان المعمعة والتبعية النكراء، أخذت الأمواج التوسنامية الدامية تحط ركابها في بقاع وجودنا المكبل باليقينيات، الممهورة بالرسوخ المقدّس في دنيانا الخاوية المتقهقرة إلى الوراء العنين.

فتجدنا في محنة التعبير عن إرادة الآخرين ونقدم أنفسنا قرابين لتدوم مصالح الغير، وتتأكد تطلعاته العقائدية وتتجسد مشاريعه العدوانية، وكأننا نستلطف الإبتلاع والإفتراس، ولا نريد الدفاع عن وجودنا الإنساني كأي مخلوق فوق التراب.

ومهما حاولت الأصوات الصادقة النطق بالحقيقة، فستواجَه بسيل من الإتهامات والتوصيمات اللازمة لمحقها وإنهاء وجودها، لأنها تحاول أن تتسبب بإضطرابات تخل بشرف إذعان القطيع، ومنعه من الركوع تحت أقدام أباليس الأفك المبين.

فتعلم الكذب والنفاق والتدليس والتبويق، وأغنم ما تشاء من الثروات المشاعة فأنها رزق لكل معتدٍ أثيم، يتوهم بأنه المُصطفى من ربه الذي يعبده على هواه، ويرزقه كما يشاء وبغير حساب، فهو الذي خصه بالدنيا الرغيدة والآخرة السعيدة، والقطيع قرابين تحت أقدامه الطاهرة العتيدة!!

فقل غاب الشيء في عوالم اللاشيء، فكل شيئ دام زهوقا!!

"فدع عنك لومي فأن اللوم إغراء

وداوني بالتي كانت هي الداء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

في أعقاب الإعلان عن قرار التقسيم واقتراح إقامة دولتين في فلسطين في نهاية العام ١٩٤٧ وبعد التغييرات التي لا بد أن تحصل وأبرزها قرار الحكومة البريطانية الانسحاب من فلسطين ونية الجيوش العربية الدخول في حال الإعلان عن دولة يهودية، أخذ بن غوريون يستشعر خطورة الوضع الذي ستكون عليه الدولة الوليدة، فتبنى حينها استراتيجية عسكرية مغايرة لتلك القائمة والتي تتمثل بالمنظمات الإرهابية الهاجاناه وشتيرن وإرغون. حيث قامت هذه الاستراتيجية في العمل على إقامة جيش باستطاعته مواجهة الجيوش العربية التي ستدخل. وإذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء حيث بداية تشكل أول عصابة إرهابية ستحط رحالنا في الربع الأول من القرن العشرين حيث تشكلت نواة أول عصابة في فلسطين. فمع تدفق اليهود من روسيا وأوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين نشأت عام ١٩٠٩ مستوطنة هاشومير حيث كانت وقتها تدافع عن أربع عشرة مستوطنة أخرى طورت قدراتها الهجومية السرية واستعدت لتلك الحرب التي آمنت بها للسيطرة على فلسطين. وقد اعتبرت هذه المستوطنة نفسها النواة الأولى لذلك الجيش اليهودي الذي سيولد في المستقبل. وقد نفذت قوات هذه المستوطنة العديد من عمليات القتل والتصفية ليست فقط الموجهة للفلسطينيين بل تعدت لبعض أعضاءها أيضا. وفي عام ١٩٢٠ تطورت هذه الهاشومير لتصبح الهاجاناه والتي اعتبرها البريطانيون فيما بعد الذراع الدفاعية شبه العسكرية للمستوطنات. وفي العام ١٩٣١ وبعد أن استقال إرغون زئيفي من الهاجاناه بسبب عدم توافق سياسته مع سياسة بن غوريون، فشكل عصابة الإرغون الصهيونية، ثم انشق عن هذه العصابة مناحيم بيغن وشكل عصابة ليحي. وقد نفذت هذه العصابات بمجملها عمليات التصفية والاغتيالات كما نفذت المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني عام ٤٨. وبعد الإعلان عن قيام الدولة أعلن بن غوريون عن فك هذه المنظمات وتوحيدها ،وبالرغم من أن بن غوريون ادعى أن هذه المنظمات وأبرزها الهاجاناه تختلف عن الجيش. إلا أن الحقيقة هي أن الجيش هو امتداد أكيد لتلك المنظمات أو على الأقل كما قال الجنرال يعقوب دوري "صحيح أن جيش الدفاع الإسرائيلي ليس استمرارا للهاجاناه ، جيش الدفاع هو شيء جديد ومختلف ولكن لا جدل في أنه أقيم على أسس الهاجاناه. وليس فقط على الهاجاناه بل على التراث العسكري كله".

والمتتبع للمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال منذ تأسيسه وعبر مسيرة هذه الدولة لا بد أن يجد أنها لا تقل فظاعة عما ارتكبته العصابات" النواة" بالفلسطينيين ،والتاريخ يشهد ويحفظ وقائع كثيرة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العقيدة التي توحد أفراد تلك العصابات كما أفراد الجيش فيما بعد، مع اختلاف تطهير الكلمات من عصابات يعكس اسمها الولغ بالدم إلى جيش أنيق وأخلاقي. إنها عقيدة الكتب التي دونها حاخامات ساديون متعطشون للدم الفلسطيني باسم فطير مدنس كلما نضج أعادوا عجنه بدم جديد.

وها هو جيش الاحتلال يواصل الإرهاب الذي ورثه من تلك العصابات في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ فارتكب مئات المجازر والتجاوزات اللاإنسانية والتنكيل بالأموات قبل الأحياء.

***

بديعة النعيمي

 

مقدمة: الربيع العربي عبارة عن سلسلة من الانتفاضات والثورات التي بدأت في أواخر عام ٢٠١٠، واجتاحت العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في البداية، غذت هذه الحركات الشعبية الآمال في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. لكن مع مرور الوقت، تآكلت العديد من المكتسبات الثورية، مما أدى إلى خيبة الأمل التي حولت الربيع العربي إلى خريف، يشار إليه مجازيا بالخريف العربي. يستكشف هذا المقال العوامل الرئيسية التي ساهمت في تحول الربيع العربي وتأثيره على المنطقة.

أهمية الربيع العربي:

لقد ظهر الربيع العربي كرد فعل لعقود من الحكم الاستبدادي والفساد وعدم المساواة الاقتصادية. لقد مثلت لحظة فريدة من نوعها في تاريخ المنطقة، حيث شكلت تحديا لهياكل السلطة الراسخة وقدمت لمحة عن إمكانية التغيير الديمقراطي.

الآمال والإنجازات الأولية:

خلال الربيع العربي، لعبت الاحتجاجات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي والنشاط الشعبي أدوارا محورية في تعبئة المواطنين والإطاحة بالحكام المستبدين في تونس ومصر واليمن. وشهدت هذه الأحداث المهمة اجتماع الناس معا للمطالبة بالحريات السياسية وحقوق الإنسان وتحسين الظروف المعيشية.

تحديات التحول الديمقراطي:

بعد الإنجازات الأولية، واجهت العديد من البلدان عقبات كبيرة في تحقيق التحولات الديمقراطية الناجحة. شكّلت الانقسامات الداخلية، والصراعات على السلطة، وتأثير الجهات الخارجية تحديات قوضت تطلعات الربيع العربي.

أقلمة الصراع:

لقد أحدث الربيع العربي تأثيرات موجية في جميع أنحاء المنطقة، مما أدى إلى حروب داخلية في ليبيا وسوريا، وتصاعد التوترات في البحرين، وحملات قمع عنيفة في أماكن أخرى. وقد عمّقت هذه الصراعات الشروخ المجتمعية، وأججت التوترات الطائفية، وألقت بظلالها في نهاية المطاف على التركيز الأولي المؤيد للديمقراطية في الربيع العربي.

القوى المضادة للثورة:

كان أحد العوامل الرئيسية التي أعاقت تقدم الربيع العربي هو عودة ظهور القوى المضادة للثورة. وسعت مؤسسات الدولة، مثل الجيش وقوات الأمن وبقايا الأنظمة السابقة، إلى الحفاظ على سيطرتها، مما أعاق في كثير من الأحيان إجراء إصلاحات ديمقراطية ذات معنى.

التدخل الدولي:

أدت التدخلات الدولية، بما في ذلك التدخلات العسكرية من قبل القوى الأجنبية، إلى زيادة تعقيد الوضع في العديد من دول الربيع العربي. وكانت هذه التدخلات تهدف إلى حماية المصالح الجيوسياسية وكثيرا ما أدت إلى تكثيف الصراعات، مما أدى إلى معاناة واسعة النطاق وخسائر في الأرواح.

التحديات الاقتصادية:

ابتليت العديد من دول الربيع العربي بمعدلات بطالة مرتفعة، وتفشي الفساد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. وتسبب الافتقار اللاحق للحكم الفعال والإصلاحات الهيكلية إلى خيبة الأمل بين السكان، حيث لم تتحقق تطلعاتهم إلى مستويات معيشية أفضل.

العودة الاستبدادية:

كما شهد الربيع العربي عودة الاستبداد، حيث أعادت الدكتاتوريات العسكرية، أو الرجال الأقوياء، أو الأنظمة الثيوقراطية السيطرة على العديد من البلدان. أدى تكرار الحكم الاستبدادي إلى تقويض الأهداف والتطلعات الأصلية للحركة.

الأزمة الإنسانية والنزوح:

وأدت الصراعات الطويلة الأمد الناجمة عن الربيع العربي إلى أزمات إنسانية كبيرة، مما تسبب في نزوح واسع النطاق، وخسائر في الأرواح، وزعزعة استقرار البلدان المجاورة. واضطر الملايين من الناس إلى الفرار من منازلهم، مما خلق تداعيات اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد.

خاتمة:

لقد واجه الربيع العربي، الذي ولد من الرغبة في التغيير الديمقراطي، العديد من التحديات التي أضعفت الآمال الأولية وحولته إلى خريف عربي. ولا تزال المنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والانقسام الاجتماعي والصعوبات الاقتصادية والحكم الاستبدادي. ورغم أن الربيع العربي لم يحقق ما أراده، فإن إرثه لا يزال قائما، وهو بمثابة تذكير بالنضال المستمر في المنطقة من أجل الديمقراطية والحرية لولا مصادرته من المتطرفين. وينبغي لهذه التجربة أن توجه التطلعات والجهود المستقبلية لمعالجة القضايا الأساسية التي أعاقت التقدم خلال هذه الفترة المحورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

***

محمد عبد الكريم يوسف

ليست من قبيل المصادفة الكونية أو المؤامرة الدولية أن تمر الإنسانية بلحظات شك عالمية في أسباب تراجع الجاذبية الفكرية والفاعلية الشعبية للمقولات الكبرى، كسيادة القانون وحقوق الإنسان والعدل الدولي والمساواة والمواطنة. فالشعوب لم يعد يهمها محاولات التجمّل بعد إنكار الانتهاكات الممنهجة  لحقوقها في الحرية.

استغل العم سام، العالم الرائد في العلوم البيولوجية فرصة تقاعده للاهتمام أكثر  في بمزرعته الكبيرة والعودة للعمل بنشاط في معمله المتطور الذي خصصه لتجاربه البيولوجية الخاصة جدا على النبات والحيوان، وكانت لديه حظيرة لمختلف الحيوانات والطيوريعيشون على ما تنبت الأرض وفق نظام غذائي محدد وضعه لهم العم سام في برنامج معين لا يقبل الخطأ، ويوم رأى أن نبتة  جميلة لكن غريبة عليه ظهرت في أحد الجوانب البعيدة في أرضه، ولاحظ أنها آخذة في الانتشار الأفقي على سطح الأرض، وما زاد اندهاشه أن فأرا صغيرا كان يقبل على أكلها بشراهة، حتى كادت تنتهي، وهو لا يشبع منها، أضطر العم سام إلى جلب كمية من بذورهذه النبتة من منطقة بعيد تقع بين خطي طول 34 و35 درجة شرق خط غرينيتش، وبين خطي عرض 29 و3" درجة  شمال خط الاستواء، تلك المنطقة هي منبتها الأصلي حيث اتضح للعم سام أن نوع التربة وطبيعة الطقس ملائمان لنموها، وان الموقع الجغرافي مزرعته لا يختلف كثيرا عنها.

بقي الفأر يقتات من هذه النبتة سعيدا دون أن ينازعه في طعامه أي حيوان آخر، ومن جهة العم سام وجد في الأمر ما يدعوه للتأمل بعدما لاحظ أن الفأر ينمو بسرعة غير عادية، وأن جسمه تضخم بشكل أقلقه، فحص العم سام النبتة بمعمله واكتشف أنها تحتوي على مغذيات ذات تراكيز عالية  من المعادن والبروتينات والفيتامينات تعمل على استفزاز هرمون النمو HGHوتنشط عملية الانقسام الخلوي في الحيوان وحدوث انقسام خيطي متساوي سريع. ومع مرور الأيام بدأ العم سام يخاف الفأربعدما تغيرت طبيعته إلى العدائية  والهجومية، لم يعد يخاف الحيوانات الأكبر منه جسما ولم يعد يهرب وينزوي في الأركان المظلمة أو يحفر لنفسه مخبأ تحت الأرض، لم يعد ذلك الحيوان المسكين المثير للشفقة كلما صادفه قط في طريقه، بل لقد صار هو من يتجول في المزرعة غير آبه بأحد، يبادر بالهجوم والعض وإفساد أكوام القمح وأكياس الدقيق والعبث بالبذور والتهام كل ما يجده من طعام  حتى داخل المنزل.

فكّر العم سام في كيفية التخلص من الفأر المتضخم بعدما تغيرت صفاته الجسدية وتبدلت خصائصه السلوكية واهتدى إلى أن أفضل حل هو أن يأخذه إلى ذات المنطقة التي تنمو فيها النبتة المفضلة للفأر، سوف يسعد الفأر كثيرا بهذا الحل ولن يقاوم أو يعترض. يعلم العم سام أنه يأخذ كائنا محملا بالجهل والتطرف والكراهية إلى واجهة صراع مجتمعي، كانت لحظة عالمية مؤدية لهيمنة بدائل متهافتة بغوغائية حيوانية غير منضبطة في مجتمعات تختلف في كل شيء، فعاث الفأر المتضخم فسادا في الأرض وأحدث فيها إرهابا وتغييرا أخلاقيا عميقا ومعاناة كبيرة بعد الانجراف إلى الأفكار الخليطة المغلقة. اشتدت وحشية الفأر وتعاظمت جبروته لما غرّته قابلية من حوله للإنصات إلى مخاوفهم والاستسلام لرغبته في التهام المزيد من النبتة التي أدمنها، فخصصوا له أغلبية مواردهم لإرضائه واتقاء شره، ولكن ذلك لم يرضه لأنه في الحقيقة كان قد ضاق بوجود هم  حوله يقضون أيامهم يراقبونه، احتمت به بعض الحيوانات الضعيفة ونفذّت كل ما أمرها به للهيمنة على المنطقة بتهجير من كان يقيم فيهاقسرا، ومن رفض التهجير أكله أكلا، وشرد صغاره.

قام العم سام يوما بزيارة للمنطقة  شرق خط غرينيتش، أراد أن يتفقد أحوال الفأر فوجد الحال على غير الحال، فساد وإفساد، خراب وتخريب، حتى طعامه المفضل بدأ ينفد ويقل، والمطلوب البحث عن أماكن أخرى قد يتوفر فيها ما يشبعه ويرضي إدمانه، حاول العم سام تهذيب سلوك الفأر لجعله كائنا أكثر رحمة ولطفا ولكنه واجه غضبة الفأر وكاد أن يتعرض لعضاته القاتلة، حينها أدرك أن لا فائدة من مسعاه ولا جدوى من محاولته، واكتشف أن فأر الشرق قد تنمر.

***

صبحة بغورة

 

تعوّدنا أن نقرأ في كتب التأريخ عن حضارات وادي الرافدين، التي تبدأ بالسومريين وتنتهي بالآشوريين، وعندما نتساءل عن أصل تلك الحضارات لا يكون الجواب واضحا أو وافيا.

ذلك أن معظم المؤرخين والعراقيين خصوصا قد أغفلوا حضارة سامراء، التي هي أصل إنطلاق تلك الحضارات، فهي الحضارة الإنسانية الأولى التي يمكن إطلاق وصف حضارة عليها.

فقد سبقتها بعض البدايات في شمال شرق كركوك (جيرمو)، لكنها كانت مجموعة بشرية صغيرة أسست  بعض النشاطات الأولية، التي تشير لمعالم ذات نفحات حضارية.

بينما حضارة سامراء إنطلقت بقدرات متقدمة وذات آليات تنظيمية، على المستوى الإجتماعي والزراعي والإروائي والصناعي والعمراني.

وقد كشف عن ذلك عالم الآثار إرنست هيرزفيلد، وأشار لمقابر حضارات عريقة وساحقة في القدم.

كما أن (تل الصوان)، يعد متحفا حضاريا متكاملا فيه شواهد دامغة على أن حضارة سامراء هي أم الحضارات، وأتخِذ هذا العنوان للإحتفال بها في متحف برلين قبل سنوات. 

فلم تكن التسمية إعتباطية، لكنها أصيلة وتعني ما ذهبت إليه، فحضارة سامراء كانت متزامنة ومتفاعلة مع حضارة (عبيد) التي سبقت السومريين، فحضارة وادي الرافدين بدأت شمالا وإنحدرت جنوبا.

ولا تزال المدينة لم تخضع لتنقيبات كافية وبحوث واعية للكشف عن مزاياها الحضارية المتميزة.

وأغفل الآثاريون (كهف القاطول) الذي تم ردمه وإزالة معالمه، فيما هو على ما يبدو  كان موطنا للإنسان القديم، لما يتوفر فيه من أسباب الأمان ووفرة الصيد، وهذا الكهف ما جرت فيه تنقيبات وطمرته المدينة بالنفايات، وخرّبت جماليته السدة الترابية التي حولت ماءه إلى مستنقع، فاندرس وصار ترابا أجردا.

وتستدعي المسؤولية من المعنيين إعادة آليات التفكير التأريخي بالمدينة، التي وُجدَت فيها الحضارة عدة آلاف من السنين قبل أن يختارها المعتصم عاصمة لدولة بني العباس.

فمن الواجب والأمانة، أن نكشف عن معالم حضارة سامراء، ونرفد الدنيا بما أنجزته المدينة في مسيرتها الإنسانية الإبداعية الطويلة، وقد لعبت دورا مهما ومؤثرا في الصراعات ما بين القوى المتنافسة على الهيمنة والإمتلاك آنذاك.

ولقيمتها المتكاملة المتعاظمة، غدت أكبر مدينة أثرية في الدنيا، وأغنى بقعة أرضية بالمعلومات والمعارف الواضحة عن الأزمان السابقة.

فهل سيتمكن أبناؤها من مواصلة كشف كنوز مدينتهم الحضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لقد نجحت القيادات اليهودية منذ بن غوريون وحتى بنيامين نتنياهو بتكريس حالة الخوف في ذهن يهود دولة الاحتلال وبالتالي إفراز شعب خائف يعيش حالة الضحية بهدف منح هذه القيادات كل فرصة لنشر فكر لا عقلاني يخدم مصالحهم الشخصية ومصالح حلفائهم من الأنظمة الإمبريالية ،لذلك فإن هؤلاء بحاجة دائمة إلى صنع حالة من الخوف وإذكاء نارها لإقناع شعوبهم بأن لا حل لهذه الحالة سوى الحرب الدائمة وهذه الحرب بحاجة إلى أسطورة اسمها الجيش حامي الحمى والدولة. وهنا بالفعل قامت الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة في هذه الدولة على صنع هذه الأسطورة ورفعت من شأنها وخصصت لها جزءا كبيرا من ميزانية الدولة. كما ربطت حياة هذا الشعب بهذه المؤسسة"الجيش" لزيادة أهميته عندهم وأنه الحامي والمحافظ على أمنهم في منطقة مهددة على سبيل المثال من صواريخ حماس في غزة أو حزب الله في الجنوب اللبناني.

لكن السؤال المطروح وبعد وضعها على عرش مؤسسات الدولة هل يمنحها هذا ضوءا أخضر لتقوم ما تقوم به من أعمال لا أخلاقية من تعد على المدنيين العزل في حروبها على الفلسطينيين منذ ٤٨ وحتى حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ من قتل وتدمير وسرقة سواء ما حصل من سرقة لجثامين الشهداء أو نهب لممتلكات سكان غزة بعد خروجهم من بيوتهم؟ وهل يحق لهذا الجيش تبرير ما ترتكبه بأنه دفاع عن النفس في سعي منهم لإظهار طهارة سلاحهم الذي ولغ في دماء الأطفال حتى وصل إلى العظم؟

ومن الواضح بأن الجيش يعمل كأداة بيد بنيامين نتنياهو لتحقيق غايات سياسية من خلال الأعمال الإجرامية التي يقوم بها ضد المدنيين والبنى التحتية وسط ركل لكل المواثيق الدولية من قبل هذه الدولة.وهذه الغايات السياسية تتركز في الاستيلاء على الأرض وطرد سكانها وتحويل تلك الأراضي إلى مستوطنات يهودية. فعن أي أخلاق يتحدثون؟

وبالإضافة إلى ذلك الإجرام وارتكاب المجازر يقوم أفراد هذا الجيش بانتهاك القيم الأخلاقية ففعلى سبيل المثال ما انتهكوه عندما قاموا باعتقال عشرات المدنيين الفلسطينيين بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بعد التنكيل الشديد بهم وتعريتهم كليا من ملابسهم على إثر حصارهم داخل مراكز للإيواء في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة بهدف التحقيق معهم كما ادعوا لمعرفة إذا كان بعضهم ينتمي لحركة حماس.

كما أظهر فيديو انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي في بداية كانون الثاني ٢٠٢٣ قيام جندي من جيش الاحتلال بتصوير طفل فلسطيني بعد إعدامه في مخيم جنين الذي انتفض لأهلنا في غزة. فأين الأخلاق والقيم وطهارة السلاح والإنسانية تلك التي يتبجحون بها؟

والتاريخ يحتفظ بسجل حافل من الإرهاب والتنكيل والإبادة لأهل غزة بهدف محوهم من الوجود. وهنا يجدر الإشارة إلى أن الكثير من جنود الاحتلال أن حياة العربي لا قيمة لها فهي ليست كحياة اليهودي وهذه الخلفية الكارثية التي يدخل بها الجندي إلى الجيش تتطور وتنمو من خلال العمليات العسكرية التي يقومون بها ضد الفلسطينيين.

***

بديعة النعيمي

 

ما يُكتَب ويُنشر في الصحف والمواقع هل له جدوى ومنفعة؟!!. ربما تساءلنا عن منفعة ما تسطره الأقلام، وتتجشم عناء كتابته الأفهام.

المتابع للأحداث والوقائع تظهر أمامه حالة قاسية، خلاصتها أن الكتابة لا تنفع ولا تقدم ولا تؤخر!!

فالقوة تفعل فعلها، وتمضي قوافلها إلى حيث المصالح والمآرب والأهداف، والكلام المكتوب خربشات على رمال السواحل، أو فوق الماء.

الكتابة ربما لا تنفع يا سادة يا كرام!!

لأنها مجرد كلام وأضغاث أحلام، وما وجدنا مقالة أثرت وغيّرت، ولا دراسة أصابت مبتغاها، بل تحوّلت الإنجازات إلى أقوال وحسب.

فقولنا عملنا، وأقلامنا لسان حالنا الأخرس المنكود بنا!!

فلماذا تكتب الأقلام؟

هل للترويح والتخلص من الهموم المحتقنة في أعماق الصدور ودياجبر الأدمغة؟

السؤال صعب، وألإجابات متعددة ومتكررة، والحقيقة مرة وجارحة، وذات تأثير كبير على الوعي الجمعي الذي أنكر الكلمات وداس على السطور، فما عادت الكتابة ذات دور في صناعة الحياة الحرة الكريمة.

فالكراسي صاحبة الوليمة، والحاكم مقدّس ومعصوم، ومحفوف بالأسياد الذين نصّبوه على عرش الجور وإستعباد العباد، بتوظيف الدين وشعارات عقائدية ذات مردودات ربحية، للقابضين على مصير البلاد المنكوبة بكراسي التابعين!!

فلماذا لا تتكسر الأقلام ويستريح أصحابها من إنثيالات الوجيع؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

امريكا تخطط لتوجيه ضربات في العراق وسوريا، البعض يتصورها واسعة وبأهداف بعيدة المدى. الرد على هذه الطروحات والتصورات بالتالي: اولا، الضربات ستكون محدودة بالعدد والزمن. ثانيا ان هناك من يرقص طربا لهذه العدوان. وهذا امر لا يمكن ان نتفهمه ابدا؛ لأنه يستهدف العراق والعراقيين، بل هو مؤلم. ثالثا؛ القصف الامريكي المرتقب هذا؛ لحفظ ما الوجه وليس لأحداث تحول استراتيجي، رابعا؛ امريكا دولة احتلال غزت العراق بلا اي غطاء دولي؛ اي ان غزوها للعراق خرق فاضح للقانون الدولي. خامسا؛ امريكا في وضع او اوضاع داخلية هشة؛ فهي وفي هذه الاوضاع الداخلية؛ ليس في مقدورها حتى وان ارادت فرض خططها ومشاريعها على الاخرين، دول وشعوب. سادسا؛ امريكا دعمت بل شاركت الكيان الصهيوني بالمذابح والمحارق التي ارتكبها هذه الكيان، والحرائق التي اشعلها في غزة. عليه فان ضرباتها المفترضة على مراكز المقاومة هي لجعل الكيان الصهيوني ينفرد بمجازره على الشعب الفلسطيني في غزة. سابعا؛ في رأيي المتواضع ان الضربات ان قامت بها امريكا؛ سوف تكون في العراق، وليس في سوريا، على الرغم من تصريحات المسؤولون الامريكيون؛ من ان هذه الضربات سوف يكون ميدانها العراق وسوريا. ثامنا؛ ان كل الذي تقوم به الولايات المتحدة، هو في الاول والأخير؛ خدمة للكيان الصهيوني، اي حماية لهذا الكيان المسخ، ليس على الصعيد التكتيكي فقط على اهمية هذا حاليا، بل على الصعد الاستراتيجية. تاسعا؛ امريكا صرحت بوضوح لا غبار عليه لجهة وضوح الهدف والنية؛ التي تتركز في تدمير القوى العراقية التي ترفع شعار طرد او اخراج القوات الامريكية من العراق، هذا الشعار، شعار المقاومة، يحظى بتأييد واسع من جل العراقيين، بل كل العراقيين باستثناء كردستان العراق، حكومة الاقليم وليس الاهل في كردستان.. وايضا بصرف النظر عن من يطبل لهذا العدوان الامريكي على وطنه وابناء وطنه؛ الذين يجاهدون على طريق اخراج اخر جندي امريكي من ارض العراق. عاشرا؛ امريكا تلعب على التناقضات في السياسة العراقية، وعلى الفساد المستفحل في الوطن، متناسيه ان من اوجد هذه التناقضات وهذا الفساد هي السياسة الامريكية بعد الاحتلال كقوة احتلال؛ للأسباب التالية: اولا، هي من اوجدت وشجعت على أدارة الحكم بطريقة المحاصصة، التي كانت ولا زالت السبب الاساس في الفساد وحماية الفساد، وحالت دون اقامة حكومة اغلبية سياسية ومعارضة برلمانية؛ بتدخلها السافر من خلال؛ من تعاون ولم يزل يتعاون معها؛ على طريقة تثبيت المحاصصة كعرف وقانون، من داخل العملية السياسية وليس من خارجها، بحجة ان اقامة حكومة اغلبية سياسية سوف يقود الى اقامة نظام حكم دكتاتوري، وهي حجة واهية لا تدعمها الحقائق على الارض، وتعريض مكونات اخرى من مكونات الشعب العراقي الى الاضطهاد. ثانيا، امريكا هي من حالت دون تسليح الجيش العراقي الى وقت قريب؛ مما قاد الى ضعف سيطرة الدولة على الحدود، وعلى مجمل الاوضاع حتى وقت قريب، قبل سنة من الآن. ثالثا؛ ان المحاصصة هي نتاج مخرجات الدستور، الذي فرضته او دفعت بخطوطه العريضة على طاولة من جلس حولها؛ لكتابته. عليه؛ فأن دولة الاحتلال الامريكي هي وليست غيرها من تتحمل وزر كل شيء غير سوي في العراق.. أما الضربات الامريكية المفترضة ما هي الا زوبعة في فنجان.

***

مزهر جبر الساعدي

 

عندما نرسم أربعة أضلاع متقابلة فإننا هنا قد انشأنا مربعا أو مستطيلا لم يكن موجودا رغم أنه لم يكن معدوما في ذاته وانما لم يكن منظورا على هيأة التربيع، ولكن بمجرد أن تَشَّكل بفعل فاعل على هذه الهيأة صار شكلا مُدركا مُعَّرفا للعين يحمل اسما محددا يشير إلى اضلاعه الأربعة  ولو رجعنا خطوة زمنية عن ذلك لكان عندنا فقط أداة الفعل وإرادة الفعل لإنشاء مانريد من الأشكال التي من الممكن إدراكها ووصفها وفق القدرة الموضوعية للعقل البشري، على أن خطوة ماقبل رسم المربع كذلك لابد أن تسبقها خطوة أخرى تجعل أدوات الفعل في دائرة البحث عن ما قبلها، لأننا أن افترضنا أن هذه الأدوات هي كتفٌ ودوات أو اصبعٌ يخط على الرمل فإنها كذلك تدخل في دائرة الاشكال الهندسية التي لها ماقبلها وهكذا دواليك سيبقى السؤال عن ماقبل، ومادامت هناك إمكانية لوصف ماقبل الانشاء على أنه انشاءٌ يسبق مابعده فأن سلسلة العودة إلى ماقبل ستبقى قائمة إلى أن يصل العقل البشري إلى نقطة العجز في وصف ماقبل،وهي مرحلة فقدان العلاقة بين مايملك من الأدوات وبين مايريد معرفته وهو مااسميه انا بالجهل الموضوعي؛ وهي نقطة عدم القدرة على وصف المطلوب  لأنك هنا لاتملك في خزانة المعرفة أو في قاعدة

 بياناتك ما يجعلك قادرا على توصيف خطوة سابقة أخرى على أن هذا الفارق بين المعرفة والجهل هو نقطة التوقف في نظرية التسلسل بحسب المدى المحتمل لقدرة الناظر وهي قدرة فيها مستوى من النسبية تتعلق بالعوامل الموضوعية، فلو أخذنا حجرا وسألنا عنه رجلا يعيش في الصحراء فأن مقدار مايمكن لهذا الرجل معرفته عن الحجر قد لايتعدى شكل الحجر أو لونه أو موارد استخدام هذا الحجر ولو سألته عن ماقبل ذلك فإنه لن يتمكن من استجلاب صورة محتملة أخرى، لأنه لا يمتلك في خزانة المعرفة مايسعفه على ذلك، بينما إذا سألت رجل من المدينة فأنه سيتمكن من وصف محتمل اخر لما قبل تشكل الحجر ولو بمستوى خطوة واحدة إلى الوراء، أما أن سالت رجلا يعمل في المجال الجيولوجي فأنك ستحصل على سلسلة من الخطوات إلى الخلف في توصيف مراحل نشوء هذا الحجر قد تصل إلى الجزيئة أو الذرة ولكن إلى أي مدى سيتمكن هذا الجيولوجي من الاستمرار في وصف خطوات أخرى إلى مابعد كل خطوة يتمكن من تصورها ووصفها طبعا لابد له من أن يتوقف في نقطة جهل موضوعي بعد أن لايتبقى لديه مايكفي من الصور المناسبةاذن نحن أماسلسلةتبدواكأنها لانهائية ولكنها في الحقيقة لها نهاية تتعلق بنقطة الجهل الموضوعي وهو يختلف من شخص لآخر بحسب العوامل.

الذاتية والموضوعية المؤثرة على الناظر

على أن تلك الفوارق في المعرفة لن تجعل الأمر مختلفا في جوهره وانما فقط في نقطة التوقف بحسب حدود المعرفة وإلا فإن أكثر الناس علما سيتوقف في نقطة العجز المتناسبة مع قدراته المعرفية وعلى ذلك فإن اخر المحتملات التي يمكن إدراكها ستكون نهاية سلسلة المعرفة التي سيكون السؤال عما قبلها بمرتبة الاعتراض على حكمة الله في جعل العقل البشري محدود بادوات الإمكان.

***

فاضل الجاروش

 

من أخطر الأشياء التي تواجهها المجتمعات العربية وخاصَّتًا الريفية في المجتمع المصري ،  وظهور أشخاص يُنصَبُونَ أنفسهم بالنخبة في النجوع والعزب والبادية والقرية وحتي علي المستوي الدولة، نصبوا أنفسهم أنهم نُخب  الفكر والثقافة

ويُدِيرُونَ المجتمع المدني من انتخابات وجمعيات أهلية ومجالس عرفية رغم ضئالة فكرهم، وتظهر هذة الفئه نتيجة انتشار الأُمية الثقافية وضحالة فكر الطبقة المتعلمة في المجتمع، في علم النفس التشريحى للشخصية هؤلاء لديهم نقص في التركيبة الشخصية ويحاولون طمس أمراضهم السيكوباتية بظهور علي أنهم صفواتٌ المجتمع...! وهنا نطرح سُؤالًا .. لماذا لم يفلح المثقفون في ترجمة شعاراتهم في العالم العربي...؟

لماذا يتحولون إلى مجرد باعة للأوهام علي مسرح مغلق في بلدان الطرشان...؟!

لماذا لم يتمكنوا من تجديد عالم الفكر وتغيير الواقع...؟

إن النقد هو تحليل للعوائق التي تحول دون أن يكون المفكر مُبدعًا في حُقُولِ الفكرِ مُنتجًا في ميادِينِ المعرِفةِ. إن هذه العوائق هي عبارة عن أسئلة عقيمة أو  ثُنائِيات مُزيفةٌ أو مقُولاتٌ كثِيفةٌ أو بداهات محتجبة وكلها أوهَامًا خادعة تحجب الكائن وتطمس المشكلات بقدر ما تنفي الحقيقة وتقصي الذوات

والأوهام كثيرة، منها وهم النُّخبَة. أعني بهذا الوهم سعي المثقف إلى تنصيب نفسه وصيًّا على الحُريةِ والثَّورة  في دول الربيع العربي، أو رسُولًا لِلحقيقةِ والهِدَايةِ، أو قائِدًا لِلمُجتمعِ والأُمةِ في مُنعطفٍ تاريخِي، وَلَا يَحتاجُ المرءُ إِلَى بيانَاتٍ لِكي يقُول بِأَنَّ هذهِ المُهمة الرسُولِية الطليعِية قدْ تُرجِمت على الأرضِ فَشَلًا ذرِيعًا وإِحبَاطًا مُمِيتًا في فتراتٍ تاريخيةٍ لِتحدِيدِ مَصِيرِ شُعُوبِهِم علي الأرض ،،، وخير مثال علي ذلك ماحدث عام 1968 /أثناء إضراب العمال والطلبة كادت (باريس) تحترق ،هنا دور النُّخبَة والمفكريين  في فرنسا ودور الفيلسوف والمفكر {سارتر} عندما طلب الرئيس "ديجول" بالرحيل رغم أن" ديجول" محرر فرنسا من النازية والشخصية الوطنية التي وقفت في الميدان لتعلن تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني واطلق علية النار من فوق اسطح البنايات ورفض الإنبطاح علي الأرض أو الإنحناء   حفرت في وجدان الشعب الفرنسي صورة للمناضل  / لقد عزلة الفيلسوف سارتر عندما دعاه للمناظرة اثناء المظاهرات ...!!

فالمثقفون حيث سعوا إلى تغيير الواقع من خلال مقولاتهم، فوجئوا دُومًا بما لا يتوقع:- لقد طالبوا بالوحدة، فإذا بالواقع يُنتجُ مزيد من الفرقة، وناضلوا من أجل الحرية، فإذا بالحريات تتراجع. وآمنوا بالعلمنة فإذا بالحركات الأصولية تكتسح ساحة الفكر والعمل.

وهكذا يجد المثقف نفسه اليوم أشبه بالمحاصر، وليس السبب في ذلك محاصرة الأنظمة له، ولا حملات الحركات الأصولية عليه، كما يتوهم بعض المثقفين، بالعكس، ما يفسر وضعية الحصار هو نرجسية المثقف وتعامله مع نفسه على نحو نخبوي اصطفائي، أي اعتقاده بأنه يمثل عقل الأمة أو ضمير المجتمع أو حارس الوعي. إنه صار في المُؤخرة بقدر ما اعتقد أنه يقُودُ الأمة، وتهمش دوره بقدر ما توهم أنه هو الذي يحرر المجتمع من الجهل والتخلف.

وهذا هو ثمن النخبوية: عزلة المثقف عن الناس الذين يدعي قودهم على دروب الحرية أو معارك التقدم، ولا عجب فمن يغرق في أوهامة ينفي نفسه عن العالم ومن يقع أسير أفكاره، تحاصره الوقائع،

هذا دأب الذين قدسوا فكرة الحرية لقد وقعوا ضحيتها بقدر ما جهلوا أمرها ولذا فهم طالبوا ورفعوا شعار [حرية عدالة اجتماعية] لكي يمارسوا الاستبداد وهذا شأن الذين قدسوا العقل ونزهوه عن الخطأ لقد فاجأهم اللامعقول من حيث لا يحتسبون، إذ العقل ليس سوى علاقته بلامعقوله، وحسن إدارته، أن مشكلة المثقف هي في أفكاره لا في مكان آخر، وأن مأزق النُّخبَة يكمن في نُخبوِيتُهِم بالذات وإذا كان البعض يعطي امتيازًا لأهل الفكر على سواهم، باعتبار أن الإنسان هو كائن ميزته أنه يفكر، فإن عمل الفكر سيف ذو حدين، قد يكون أداة كشف وتنوير، وقد يكون أداة حجب وتضليل، ولا عجب فالمرء بقدر ما يوغل في التجريد أو يغرق في التفكير، ينسلخ عن الواقع المراد تغييره أو يتناسى الموجود في مورد العلم به، ولهذا فإن صاحب الفكر الحيوي والمتجدد يبقى على قلقه ويقيم في توتره المستمر بين الفكر والحدث، أو بين النظرية والممارسة، إنه من يحسن صوغ المشكلات لأن مشكلته هي دومًا أفكاره إن أوهام النُخبة في المجتمعات المغلقة ساعد علي حجب المثقف عن المشاركة لانة في النهاية سوف يصاب (بالجنون او يتهم بالجنون) عندما يحاول كشف الاقنعة المزيفة ويعري سوء عورات هؤلاء النُخب...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

قال يوما شاعر صهيوني يدعى يهودا عميحاي:

"إن فلسطين وطني الذي يمكنني فيه أن أحلم دون أن أسقط، وأن ارتكب أعمالا سيئة دون أن أضيع، وأن أهمل امرأتي دون أن أصبح معزولا، وأن أبكي دون خجل  وأن أخون وأكذب دون أن أتعرض للهلاك".                                                     

لم يكن صوت هذا الصهيوني سوى صدى دائم التردد لحقيقة واقع عام وبائس كما هو عليه الحال السائد  في الأرض الفلسطينية المحتلة حيث ترتكب أبشع الجرائم يوميا في حق أصحاب الأرض دون رادع أخلاقي أو وازع من ضمير، وإذ تتفشى الخيانة في مفردات حياة المحتل الصهيوني دون حرج والكذب دون خجل  وكل مظاهر الخسة على كل المستويات دون خوف فذلك لأنه سلوك أصيل نابع من عمق الشخصية الصهيونية .

ما تزال “بروتوكولات حكماء صهيون " تفعل فعلها الإجرامي المشين المدان عالميا والممقوت إنسانيا، والغريب أن تدعمها في ذلك قوى كبرى ظنها العالم يوما بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ستعمل  على تعزيز الأمن والسلام العالمي  وتقيم أسس العدل الدولي فإذا بها تعيث في الأرض فسادا أضعافا من ذي قبل، وتوفر للكيان الصهيوني الغاصب المحتل كل سبل التمكين السياسية  ووسائل المنعة بالمال والسلاح.

تعج السجون الصهيونية بآلاف الأسرى من أبناء الشعب الفلسطيني، جميعهم جرى اعتقالهم بشكل عشوائي في الطريق العام ومنهم تلاميذ مدارس أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء الشعب الفلسطيني أولا، وأرادوا أن يخالفوا بروتوكولات حكماء صهيون بتلقي العلم والسعي نحو اكتساب المزيد من الثقافة والمعرفة، الصهيونية ترفض أن يكون للشعب الفلسطيني مستقبلا جيل يؤمن بقوة سلاح المعرفة، بل تريدهم جهلة، ضعفاء، يستبد بهم الفقر والمرض، يقضون ما بقي من يومياتهم التعيسة في معاناة التخلف وقسوةالحرمان من أدنى ظروف المعيشة الآدمية، لا مدارس، أو منازل ومستشفيات، وحتى المساجد !! الحديث  عن يوميات المعتقلين دون سبب في سجون الصهاينة يندى له الجبين،إنه الموت البطيءلمعتقلين يفترشون الأرض الباردةومخدة الأسير حذاؤه، والتعذيب  الوحشي في الغرف المظلمة والتنكيل الجسدي والنفسي وفنون التحطيم المعنوي والعصبي وانتهاك كرامة الرجال وحرمة وأعراض النساء واغتصاب الأطفال الصغار بنين وبنات فقدوا براءتهم  في سجون الصهاينة كلها تجري في الدهاليز الموحشة والأقبية العفنة بأنفاس الصهاينة بعيدا عن أعين الضمير العالمي ومراقبة منظمات " حقوق الإنسان " التي لم يعد منها سوى اسمها أصبح مألوفا أن نرى طوابير الأهالي أمام بوابات المعتقلات الصهيونية، ليس للتنديد بالممارسات النازية للصهيونية  أو انتظارا وأملا وترقبا لإطلاق سراح أبنائهم، بل لاستلام جثثهم، بعد مرور سنين طويلة حرموا خلالها من أشعة الشمس، وترى من كتب له المولى عز وجل الخروج حيا إلى أهله منكسر العين محطم نفسيا لا يكاد ينطق جملة كاملة مفهومة .

لقد فضحت انتفاضة الأقصى ممارسات كيان مصطنع أمام داعميه، وكشفت زيف مزاعمه، وأكدت تطورات الأحداث الجارية التي تفاعلت معها إيجابيا معظم دول العالم أن ما يجري في الأرض المحتلة عملية إبادة جماعية ومؤامرة تهجير قسري وجبري لشعب بأكمله، وهو ما يلقي بكامل الحرج على من كان أو مازال يعتبر الكيان الصهيوني دوحة الديمقراطية في الشرق الأوسط المستميتة في العيش والبقاء وسط أنظمة عربية ديكتاتورية !! بعدما اتضح جليا لكل دول العالم في المحافل العالمية والمنظمات الدولية أن هذا الكيان المشوه و المصطنع والمشكّل من مهاجرين ليس سوى رأس حربة للإمبريالية ينشر ثقافة الموت بعد إثارة الفتن والنزاعات والحروب لقلب أنظمة حكم وإضعاف الدول العربية، وأن وجود هذا الكيان  الشاذ في المنطقة العربية غير شرعي لأنه كيان مغتصب.

المفاهيم الصهيونية عدوانية، لا تعترف بأي مبادئ إنسانية ولا تنصاع لأحكام القوانين والأعراف الدولية ولا تلتزم بضوابط أخلاقية، إن اندفاعها في الحرب الشعواء المعلنة على العرب أعماها عن الحق ودفعها نحو جنون العنف والإرهاب، ومحاولة الإيهام بمفاهيم مضللة والترويج لها على مستوى الرأي العام العالمي كمسلمات واهية، لقد ورد في البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون أن " السياسة لا تتفق مع الأخلاق في شيء، والحاكم المقيد بالأخلاق ليس بسياسي بارع، والغاية تبرر الوسيلة بكل وحشية الإجرام " لقد تناسوا أن الأرض والوطن لمن يحترمهما لا لمن يملكهما كما قال الشاعر محمد الماغوط، والأوطان العربية ستظل للعرب، وستبقى فلسطين للفلسطينيين  لأنها أرضهم وفيها ومن طينها نشأوا، فليبحث بعيدا الصهاينة عن طينة لهم يمكن أن يكونوا نشأوا فيها .

***

صبحة بغورة

 

الحزن والغضب رايتان مرفوعتان أبدا!

يقول شاعر عن امتحان الله للبشر:

في قريتنا

نسمع الآذان

مع نباح الكلاب..

و ليُفَرّق الله بين

ما له و ما لنا

يرمي لنا عَظْمة المدينة!

عندما كانت الحمير مثلا لا تحصل على حشيش أو لا تتوقع الحشيش من أمر من الأمور، تتساءل ساخرة: ما الفائدة!

فتعلَّم البشر منها ذلك، رغم أن الله تعالى كرمهم وفضلهم على كثير من المخلوقات. فكانت الواقعية البائسة!

حمار من الحمير السائبة قال يوما: حب من طرف واحد!

نعم ليكن حبا من طرف واحد! رغم أن السبب هو هذه الحمير التي كانت تتطفل وتزعج وتسبب المشاكل وتعتبر نفسها أصحاب القضية وحماة الشرف،  لكن في كل الأحوال، حب من طرف واحد أفضل من نهيق من طرف واحد، كما هو معروف! ومحب من طرف واحد أفضل من حمار من طرف واحد ، مثل حال هذا الأستاذ أو الشخص العشائري الرسمي الأحمق!

الضفادع تفضل المستنقعات على الحدائق، مثلما أن الإنسان ينزع إلى التجميل والتقبيح والتبرير وتحصيل الحجج المناسبة، حسب الحال والرغبة والفائدة المرجوة، حقيقية كانت أو وهمية!

في أحد الأيام كنت جالسا مع صديق تركي يدعى (السيد نائل) في حديقة من حدائق العاصمة أنقرة، فهاجمنا كلب من الكلاب غير السائبة يعود لشخص جاء خلفه. فأردنا أنا والسيد نائل أن نعطيه، ولا أقول نلقنه، درسا في مضار اقتناء الكلاب. فاستلمَنا هو وأعطانا محاضرة طويلة وقيمة في أضرار البشر ومنافع الكلاب!

ولأن أكثر كلامه كان حقيقة وواقعا وموافقا لقناعاتنا الراسخة في نفوسنا، رغم وقاحته، اعتبرناه محقا ومعذورا وحكيما! 

يقول أحد الأصدقاء أو أحد الأعداء، لا فرق: كانت تقول مثلا عندما أفاجئها:

  (Gene bahar geldi)

أي، هل جاء الربيع ثانيةً، بترجمة حرفية ممكنة! حيث كانت اللغات والقواميس عاجزة عن ترجمة عبارتها هذه وغيرها كذلك، ولا تفهم قصدها، وأنا أيضا كنت أجعل نفسي لا أفهم ماذا تقصد! رغم أني كنت أفهم جيدا ماذا تقول وماذا تعني وماذا تريد!

وكان لايهمني الربيع والشتاء والخريف والفصول ولا الحرب القائمة ولا الرسميات ولا الآخرون!

لكن الآن أعترف أني لم أفهمها جيدا، خاصة بعد أن قالت مرة: ماذا تفعل لو طلب أهلي منك ثمانية ملايين، مهراً!

ذلك ما قاله أحد الأصدقاء أو أحد الأعداء، لا فرق!

كما أن جراح الخارج من الجنة لا تشفيه كل الحفلات والمهرجانات، كذلك من ألِفَ الوجوه الجميلة والعزيزة، لا يرتاح مع الوجوه الأخرى! فكيف إذا كانت هذه الوجوه سيئة ضارة وقحة، وتريد من إنسان ما أن يحترمها بإجبار اجتماعي سخيف مضحك! بينما هذا الإنسان ليس فقط لا يحترمها بل يحتقر من يحترمها كذلك!

الحسابات الخاطئة والحسابات الكثيرة تضر الإنسان. والتمسك الشديد بالأشياء الغالية يكسرها! ثم لا ينفع بعد ذلك الترك أو الإبتعاد أو الإستغناء أو الإستبدال. وحتى الموت أيضا لأن كل الأطراف ومنهم صاحب الشأن أو المشكلة ينتظرون الحساب ويوم الحساب في حضرة الله تعالى أحكم الحاكمين، وكل طرف يتوقع أن الله سوف يحكم لصالحه! بما أن الدنيا أو الايام تمر مرورا غبيا مثل سرب الدجاج تسير خافضة رأسها أسفل إلى الأرض بحثا عن شيء يؤكل أو هكذا تعودا وألفة! ولا تصلح للحساب والمحاسبة، خاصة مع الحظوظ الضعيفة وضيق الخيارات وحيرة الإنفعالات إزاء المطلوب الغالي العزيز، أو الذي كان غاليا وعزيزا يوما ما!

وتنشأ الغيرة من اقتراب الذباب من أزهار الحديقة التي نملكها أو أملكها بما أن الآخرين هم الذباب "أو هم الجحيم كما يقول سارتر"! أو التي أظن أني أملكها بما أن "الملك لله" أولا وآخرا! وبما أن الحلول النافعة صعبة ونادرة عادة. ونحن نتعب ونهتم حتى نيأس من أمر ما، فإذا رحمنا الله ولطف بنا وسهل أمرنا، نقول ما كان أسهل ذلك، وما كان الأمر يستدعي كل هذا الإهتمام! وننسى أو نكاد أن الله تعالى اللطيف هو الذي سهل ذلك الأمر بلطفه ورحمته! رغم أن الشياطين القابعة في ظلمات دهاليز النفوس كانت توسوس لنا: لماذا أخر الموضوع هكذا! أو لماذا نحن وليس غيرنا! أو لماذا بهذا الشكل وهذه الصورة! أو نريد امتحانا يسيرا وليس صعبا إلى هذه الدرجة! أو غيرها من الوساوس الذكية الغبية!

بعض الناس يستفيدون من الأشياء الصائبة ومن الأشياء الخاطئة ومن المصائب والكوارث! وبعضهم يتضرر من الاشياء الصحيحة ومن الأشياء الخاطئة ومن الحفلات والمناسبات والأعياد! نسمي ذلك حظا أو قسمة أو قدرا! وهو كذلك إذا تجاهلنا الذكاء أو الغباء الذي يحضر أو اللذين يحضران أثناء التعامل مع الواقع وموجوداته!

***

جميل شيخو - العراق

 

مؤخرا توترت العلاقة بين ايران وامريكا والتي هي اصلا متوترة، بعد مقتل ثلاثة جنود امريكيين، وجرح اربعين، في هجوم بمسيرة على القاعدة الامريكية في التنف الواقعة في المثلث السوري العراقي الاردني. بايدن هدد ايران او انه وعد ايران بعد ان اتهمها بالوقوف وراء الهجوم على القاعدة المشار لها في هذه السطور. من المؤكد ان امريكا سوف ترد على هذا الهجوم، فليس امام بايدن الا الرد والا سوف يفقد الكثير من شعبيته وهو على ابواب الانتخابات، كما ان امريكا؛ من غير الممكن ان لا ترد على هذا الهجوم حفظا لماء وجهها اولا ولهيبتها في العالم ثانيا. مسؤولو امريكا؛ أكدوا على اهمية الرد الامريكي، بالإضافة الى وزير الدفاع الامريكي الذي؛ قال مؤخرا بان امريكا سوف ترد بضربات وعلى فترات، وبالتعاقب. حسين سلامي قال؛ ان ايران سوف ترد ردا حاسما اذا ما تعرضت الى هجوم او تعرضت مصالحها في اي مكان الى هجوم، واضاف حسين سلامي من ان امريكا كانت قد خبرت ايران ونحن وهم نعرف بعضنا البعض. على هذا الاساس يبدوا ان الاوضاع بين امريكا وايران هي في توتر شديد في هذه الايام. في رايي المتواضع ان امريكا بايدن او امريكا ترامب، اي امريكا بإدارة ديمقراطية او بإدارة جمهورية؛ سوف لن تضرب ايران حتى لو بطلقة مسدس وما اعنيه هنا هو ضرب العمق الايران اي داخل الجغرافية الايرانية، هذا امر مستبعد كليا من وجهة نظري المتواضعة؛ ليس لعدم قدرة امريكا على ذلك او لقوة ايران في الرد المقابل، بل لأسباب اخرى، تختلف كليا عن هذه الاسباب، التي لامجال للخوض فيها، في هذه السطور المتواضعة. ان امريكا كما قلت في اعلى هذه السطور؛ لن ترد على ايران في الداخل الايراني، لكنها سوف ومن المؤكد؛ ترد. ان الرد الامريكي وبرأيي المتواضعة لن يكون في سوريا؛ لأن الكيان الاسرائيلي هو من يتكفل بها كما تكفل بها في السنوات السابقة. ان الرد الامريكي سوف يكون في العراق تحديدا، وسوف يكون الرد على مراحل وبفترات زمنية متقاربة؛ كون العراق هو المجال الاكثر ضعفا، بسبب التدخل الامريكي، والمأجورين من اعوان امريكا في الداخل العراقي، من اصحاب القرار والتأثير سواء في الحكومة او في مكان اخر يقع في خانة القرار السياسي، وايضا الفساد.. كما انه الاكثر لجهة؛ المسوغات والاسباب.. العراقيون يريدون ويسعون بكل الوسائل والطرق المتاحة الى تحرير بلدهم، اي بلدنا من الوجود الامريكي، تحت اي مسمى وشكل ومظهر، تختفي فيه؛ الهيمنة الامريكية المنظورة وغير المنظورة، وبالتوازي السعي لبناء علاقة متوازنة حقيقية بين العراق وامريكا، وليس مظهرية، تختل بين طياتها الاصابع الامريكية والعيون الامريكية، غير الشرعية في الشأن العراقي الداخلي. امريكا لا تريد ان تكون العلاقة بين الدولتين علاقة متكافئة، بل تريد لها ان تكون علاقة من نوع اخر، ليس له صلة بالعلاقات المتكافئة بين كل الدول والشعوب في المعمورة. ربما كبيرة جدا؛ ان امريكا سوف وفي الايام القليلة المقبلة؛ تنفذ ما وعدت به، ردا على ما تعرض لها برج المراقبة 22 في قاعدة التنف الامريكية، إنما وفي الوقت ذاته سوف تكون محدودة ومسيطر عليها؛ لأن مصلحة امريكا حاليا تستوجب منها التصرف بروية وحكمة؛ لأن كل اوضاع المنطقة العربية وفي جوار المنطقة العربية، دول الجوار الاسلامي؛ ليست في صالح امريكا، وايضا الاصطفافات الدولية.. امريكا وفي حركة وتصرف استباقي، يحمل بين ثناياه رسائل تهديد مبطنة للحكومة العراقية وللعراق دولة وشعب؛ قامت الخزانة الامريكية؛ بمعاقبة النظام المصرفي العراقي (مصرف الهدى) بحجة ان هذه المصارف ومنها المصرف موضوع العقوبة الامريكية؛ من انه يوفر المال وما اليه للمقاومة العراقية، التي تبذل جهدا من اجل اخراج القوات الامريكية من ارض العراق. ان هذه الساسة الامريكية تجد لها البعض من الصدى؛ ترويجا ومهادنة عبر وسائل الاعلام والفضائيات، والذي يعونها في التأثير؛ ظروف الفساد المستشري في البلد، والذي تجاهد حقا حكومة السوداني بمحاربته ومحاولة استأصله من جذوره؛ انها كلمة حق يراد بها الباطل لناحية غسيل الاموال حصرا، وليس الدعم المالي للمقاومة، فهذا الامر له شكل اخر من القراءة العراقية، مختلف عن القراءة الامريكية. هنا من المهم جدا؛ التأكيد على ان هذه السطور المتواضعة ليسن بصدد الدفاع عن الفساد والمفسدين، وليست ايضا الدفاع عن التدخل الاقليمي من اي جهة كانت؛ لكنها دفاعا عن كل عراقي؛ حزبا او كتلة او قوة سياسية او غيرهم وتحت اي عنوان كان من التي؛ تبذل كل ما عز على النفس؛ لإخراج القوات الامريكية من ارض العراق.

***

مزهر جبر الساعدي

 

عندما اقرر ان ازور بلد ما استحضر نصيحة الكاتب البرازيلي  باولو كويللو  عندما قال ذات مرة أن المقاهى مرايا المجتمع والتاريخ. قبل زيارتي الاولى لمقهى ريش ارتبط اسمه عندي بقصيدة عظيم مصر احمد فؤاد نجم والتي غناها عظيم آخر اسمه الشيخ أمام عندما صدح صوته يصف حال المثقفين:،

يعيش المثقّف على مقهى ريش

يعيش يعيش يعيش.

كثير الكلام..

عديم الممارسة عدوّ الزحام.

وعندما دخلت المقهى اول مرة تخيلت المكان الذي كان يجلس فيه نجيب محفوظ يتسامر مع أصحابه، وحكاية امل دنقل مع قصيدته زرقاء اليمامة ومقتل كليب. وحواديت اسامة أنور عكاشة من ليالي الحلمية إلى المصراوية.. كنت أنظر إلى الصور التي امتلأت بها الجدران. هذا عبد الوهاب البياتي يكتب الحروف الاولى من قصيدته "أغنية من العراق إلى جمال عبد الناصر"،

باسمك في قريتنا النائية الخضراء

في العراق

في وطن المشانق السوداء

والليل والسجون

والموت والضياع

سمعت أبناء أخي باسمك يلهجون.

وهنا جلس عبد الرحمن الشرقاوي يكتب على لسان الحسين: فلتذكرونى عندما تغدو الحقيقة وحدها حيرى حزينة

فإذا بأسوار المدينة لا تصون حمى المدينة

 فلتذكرونى عندما تجد الفضائل نفسها أضحت غريبة

وإذا الرذائل أصبحت هى وحدها الفضلى الحبيبة.

.وفي زاحد اركان المقهى كان السنباطي يدندن على العود، فيما إسماعيل ياسين يلقي آخر قفشاته. أتطلع إلى صور ساحر الكلمة كامل الزهيري واتذكر كتابه " الغاضبون " يروي لي صلاح عبد الصبور ماسآة الحلاج، فيما نجيب سرور يواصل شخصه على الظلم ليكتب "بروتوكولات حكماء ريش":

"نحن الحكماء المجتمعين بمقهى ريش

من شعراء وقصاصين ورسَّامين

ومن النقاد سحالى «الجبانات»

حَملة مُفتاح الجنة

نحن الحكماء المجتمعين بمقهى ريش..

قررنا ما هو آت:

البرتوكول الأول:

لا تقرأ شيئًا

كُن حمَّال حَطب

واحمل طنّ كتب

ضعه بجانب قنينة بيرة

أو فوق المقعد

واشرب وانتظر الفرسان،

سوف يجيءالواحد منهم تلو الآخر

يحمل طن كتب"..

 وفي مكان منعزل من المقهى يجلس علي امين مع توأمه مصطفى امين وهما يخططان لاصدار العدد الاول من اخبار اليوم. فيما نجيب الريحاني يسخر من سليمان نجيب بك: "زي ما انت ضليع  بشؤون الجرجير والبقدونس "، وترى من بعيد كامل الشناوي قادما يجر ث"أحمال جسمه و مأساة عاطفية بطلتها نجاة الصغيرة انتهت بأغنية " لا تكذبي ".

بدأت حكاية مقهى ريش مع الفن والثقافة عندما اشترى اليوناني بوليتس المقهى من صاحبه الفرنسي ريسينييه عام ١٩١٦. كان بوليتس محبا للآداب والفنون، بل وصاحب خبرة في إدارة النشاط، فقرر إدخال تعديلات على المقهى ليدخل الموسيقى، فصار يمتدّ من مكانه الحالي حتى ميدان طلعت حرب بحديقةٍ واسعة ضممت مسرح. في عدد  ٣٠ أيار عام  ١٩٢٣ من جريدة  " المقطعة " نقرأ الإعلان الآتي: " تياترو  كافيه ريش ـ، تطرب الجمهور يوم الخميس مساء ٣١ مايو بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم. هلمّوا واحجزوا محلّاتكم الآن ـ كرسي مخصوص ١٥ قرشًا ودخول عمومي ١٠ قروش".

استمد مقهى ريش اسمه  من اسم المقهى الباريسي الشهير في ذلك العصر " غراند کافیه ریش " ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس والذي احتضن أشهر شخصيات الثقافة والفكر الفرنسيين على غرار ألكسندر دوما وإميل زولا. وقد نجح ريش المصري في الحفاظ على سمات المقاهي بطابعها الأوروبي الغربي الفرنسي. وساعده على الرواج الذي حظي به وقوعُه في قلب المنطقة الحيوية في وسط القاهرة، التي تضمّ مباني فخمة ومهمة أنشئت في بداية القرن العشرين بخبرات معمارية أوروبية.

يروي الروائي جمال الغيطاني في كتابه " المجالس المحفوظة "  ان ندوة نجيب محفوظ  كانت تقام كل خميس في مقهى ريش حيث يجتمع حوله الادباء، وصار  المقهى المقرّ الأول لمحفوظ»، حتى أنّ المثقفين والكتّاب الأجانب كانوا يرسلون الخطابات إلى محفوظ على مقهى " ريش " وليس على عنوان بيته.وفي مقهى " ريش " وُلدت العديد من المشروعات الأدبية مثل مجلة " الكاتب المصري " التي صدرت عام ١٩٤٥ ورأس تحريرها طه حسين.وخرجت إبداعاتٌ كثيرة كَتبت عن " ريش " منها رواية " الكرنك " لنجيب محفوظ، ويردّد البعض أنه أخذ اسم الرواية من إعلانٍ مكتوبة عليه كلمة " الكرنك" كان معلقًا فوق " ريش " ويروي جمال الغيطاني في كتابه " المجالس المحفوظية " أنّ فكرة الرواية راودت نجيب في المقهى، حين رأى حمزة البسيوني قائدَ السجن الحربي يدخل المقهى بعد نكسة حزيران. ويؤكد السيناريست أسامة أنور عكاشة أنّ شخصية سليم البدري التي جسدها الفنان يحيى الفخراني في مسلسل ليالي الحلمية  اقتبسها من شخصية  محمد عفيفي باشا، ويضيف عكاشة أنّ جاذبية المقهى تكمن في أنه يضمّ تشكيلةً من البشر يصعب تجميعها أو معرفتها في مكان آخر:

ومنين بيجي الشجن

من اختلاف الزمن

ومنين بيجي الهوى

من ائتلاف الهوى

ومنين بيجي السواد

من الطمع والعناد

ومنين بيجي الرضا

من الايمان بالقضا

***

علي حسين

الصورة بعدسة الصديق خضير فليح الزيدي

 

أخذت العلاقة بين بغداد وواشنطن منحى آخر غير الذي رسمته الوثيقة الاستراتيجية التي وقعها الطرفين بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق فبعد عام من الاستقرار بدأت العلاقات الاميركية العراقية تتخذ منعطفاً نحو الاسوأ في الشهريين الماضيين، خصوصاً بعد التصعيد الغير المسبوق الذي القى بظلاله على المشهد السياسي العراقي بتأثير "طوفان الاقصى" وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أبادة وحشية على ايدي الماكينة الصهيونية.

الحكومة العراقية حرصت أشد الحرص على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية والتي تمثل الشريك الرئيسي للعراق، حيث أستطاع العراق أن يكون لاعباً أقليمي بناء وعامل أستقرار، ونجح الى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة في المنطقة، مثل الخلاف بين طهران والرياض والذي أستمر لعقود مضت، وتقريب وجاه النظر بين دمشق والرياض وإعادتها الى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت لسنوات، ماجعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي عموماً.

العلاقات الامريكية العراقية أقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن ترامب2020 ، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواءً من الجانب الامريكي او أي طرف آخر، وان العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، وعلى الرغم من التصريحات القوية من العراق إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة الى واشنطن أثناء حديثه الى الصحافة من خلال الاشارة الى أن إنهاء الوجود الامريكي سيعني بداية لعلاقة جديدة بينهما وانها ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل "الاتفاقية الاستراتيجية" بين البلدين والانتقال الى العلاقات الثنائية بين الجانبين.

 في ظل الوضع الراهن والتأثير الكبير سوف تحتاج الحكومة العراقية إلى عمل مضني لإرضاء الجميع وخروجها منتصرة، ولا يزال امام الحكومة العراقية ان تعمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المنافسات العابرة و يجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات والتي من شانها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أي جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية ، كما ينبغي على الحكومة العراقية عليها ان تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.

بالمقابل يجب عليها الولايات المتحدة ان تكون صبورة من الناحية الاستراتيجية أن لا تقوض خطوات الدولة العراقية أو حكومتها أكثر من ذلك وبخلاف ذلك، فإنهم يخاطرون بتصعيد الوضع حتى خارج نطاق سيطرتهم وأن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة ، لان ممارسة الضغط على الحكومة التي يقودها التشنج أكثر واتخاذ مواقف عدائية اكثر ضد المجتمع الدولي وهذا بحد ذاته يفقد العراق دعماً دولياً مهماً، لذلك من الضروري أن تكون هناك ديناميكية شفافة في التعاطي بين الجانبين والاهم من ذلك كله ان يكون على أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضاَ وجواً وبحراً .

***

محمد حسن الساعدي

الوطن، مفردة ثلاثية الأحرف مليونية المعنى والفحوى، وقد تشارك فيها المخلوقات جميعها، مع اختلاف أحرفها، إذ لها مرادفات عديدة وفق من يسكنها. فمفردة عرين تطلق على بيت الأسد، ومبارك للإبل، ووكر للطائر، وجُحر للحية، وقنِّ للدجاج، واصطبل للدواب، وحظيرة للحُمُرِ، وشباك للعنكبوت، وأجمة للفيل، ووجار للثعلب، وقرية للنمل، وخلية للنحل، وكور للدبور، ومكاس للظبي، وسك للعقرب، وكناس للغزال، ولغز للفأر، وأفحوص للقطا. ومامن شاعر إلا وتغنى بالوطن وحبه والولاء له، وتغزل بكل ما يمت بصلة الى مكوناته، وكم سطر التاريخ لنا قصصا بذلك حتى من جار عليه وطنه، وعانى من العيش فيه كما قال شاعرنا:

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وقومي وإن ضنوا علي كرام

ونستشف من الآيبين الى العراق من بلدان كانوا قد هاجروا اليها بطوع إرادتهم، ما يغني عن التعليق والتعليل بأن أرض الوطن هي الأم الرؤوم التي لاغنى عن أحضانها. ولطالما عاد أولئك المسافرون رغم عيشهم الرغيد في بلاد المهجر، ليعزفوا على أوتار أرضهم التي فارقوها في وقت ما ألحانا دافئة تستكن اليها نفوسهم. وفي عراقنا بلغت أعداد المهاجرين في الأعوام الأخيرة رقما مهولا، وملأوا مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن الأمن والأمان والرزق والعيش الهني، وكان حريا ببلدهم أن يوفر لهم كل هذه الحقوق، ورغم هذا كله بقي الرجوع اليه غايتهم وهدفهم ولاءً وانتماءً له، ومن المؤكد ان الولاء للوطن ليس واجبا مفروضا على النزيه والـ (شريف) بل هو سمو يعلو على كل المشاعر والاعتبارات من حيث يدري المواطن ولايدري.

يروى ان نابليون عندما شن حربه على البانيا، كان هناك ضابط الباني يتسلل بين الفينة والأخرى الى نابليون بونابرت قائد الجيش الفرنسي، يفشي له اسرار وتحركات الجيش الألباني، وبعد ان يأخذ نابليون مايفيده من أسرار عدوه، يرمي لهذا الضابط صرة نقود على الأرض ثمنا لبوحه بأسرار جيشه.

ذات يوم وكعادته بعد ان سرّب الضابط لنابليون معلومات مهمة، همّ نابليون برمي صرة النقود له، فما كان من الضابط إلا ان قال:

- يا سيادة الجنرال، ليس المال وحده غايتي، فأنا أريد أن أحظى بمصافحة نابليون بونابرت.

فرد عليه نابليون:

- أما النقود فأعطيك إياها كونك تنقل لي أسرار جيشك، وأما يدي هذه فلا أصافح بها من يخون وطنه.

من هذا الموقف تتكشف لنا خسة من لا يكنّ لبلده الولاء كل الولاء، والذي ذكرني بنابليون هو ما يحدث في ساحة العراق على يد ساسة، اتخذ بعضهم من العراق -وهم عراقيون- سوقا لتجارة ووسيلة لربح وطريقا لمآرب أخرى، نأوا بها عن المواطنة والولاء للوطن، مآرب لأجناب وأغراب ليسوا حديثي عهد باطماعهم في العراق، فهم أناس لا أظنهم يختلفون عن ذاك الضابط الألباني الخائن، لاسيما بعد ان سلمهم العراقي الجمل بما حمل، وحكّمهم بامره متأملا بهم الفرج لسني الحرمان التي لحقت به، فحق عليهم بيت الشعر القائل:

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة

فإنك قد أسندتها شر مسند

وباستطلاع ماجرى في العراق خلال العقدين الماضيين، يتبين لنا كم هو بليغ تأثير خيانة المبادئ والقيم التي باتت من سمات بعض الشخصيات القيادية في مفاصل البلد الحساسة، فهل علم الخائنون ما الذي سيتركونه من آثار وعواقب وخيمة، تنسحب أضرارها على العراقيين بكل شرائحهم، وعلى البلد بكل جوانبه؟

***

علي علي

 

ذكر مراسل قناة الغد خالد بدير تعليقا على استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين بمستشفى ابن سينا في جنيـن كانوا يرقدون في إحدى غرفها مصابين: " أن عناصر مسلحة من قوة اسرائيلية خاصة تسللت إلى داخل المستشفى و" تمكنت" من قتل الشبان الثلاثة بإطلاق أربع رصاصات فقط ..."

نتأمل في ما ذكره المراسل دون أي علامات أسف أو أسى ظاهرة عليه أن القوة قد تمكنت وكأنه يزف بشرى لمن يهمه الأمر بأنه أخيرا تم تحقيق القتل بنجاح وكأنه جاء بعد انشغال عميق، ثم يخون التعبير المراسل التعيس أو قل قد أنطقه المولى سبحانه بأن رأى في الرصاصات الأربعة عددا لا يشفي غليل من في نفسه مرض أربع رصاصات فقط وكأنه كان ينتظر أن تكون أربعين رصاصة وليس أربعة .

إن الصيغة التي علّق بها المراسل على ما حدث تلفت نظر كل إنسان بعين الشك إلى

ـ شخص المراسل وهويته.

ـ تتعاظم الريبة عند رؤية السهولة التي وجدها المجرمون الصهاينة الـ 16 في دخول المستشفى الساعة الخامسة وأربعون دقيقة صباحا وتوجههم مباشرة إلى الطابق الثالث ثم إلى الغرفة 376حيث يرقد الشبان الثلاثة.

ـ هذه السهولة سمحت بتنفيذ الجريمة بسرعة والانسحاب بهدوء، دون أن يعترضهم أحد خلال تسللهم إلى داخل المستشفى أو أثناء خروجهم.

ـ قد بدا واضحا أن تنفيذ الجريمة قد استند إلى معلومات استخباراتية تكون غالبا بالنظر إلى دقتها من داخل المستشفى.

لا يسعنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ورحم الله الشهداء.

***

صبحة بغورة

يبدو أن حكومة الإنقاذ معذورة بعض العذر فيما تورطت فيه، ودفعت إليه، من ادعاءات لا تمت للواقع بصلة، ولا تصل إليه بسبب، فسيرتها المعوجة في قمع الحريات ،وتكميم الأفواه، أمر من الاطالة التي لا جدوى منها أن نتعرض لاثباته بالبرهان، فالأمثلة والشواهد على قمعها وظلمها لشعبها، يفوق عدده الاحصاء، فلسنا في حاجة إلى بسط تاريخها المخزي الذي تواضع عليه القاصي والداني، ولا إلى نبش طغيانها الذي تمتد له الأسباب، وتُرخى له الأعنة، ولعل أصعب مشقة، وأثقل جهد، يمكن أن يعصف بعقولنا المكدودة، هو تصديق مزاعمها بأن الحريات قد أضحت متاحة، وأن سجونها ومعتقلاتها الممتدة قد باتت خالية من وجود معارضين، وأنها تحتاط لنفسها الآن بالعدل المطلق، وتعتصم بالديمقراطية السمحة، فهي ما فتئت تلتمس مضامين الحرية، حتى وجدت معناها في الحوار الجامع الذي أخذت تنادي به، وتدعو إليه، وتمهد له، حتى صدّعت به رؤوسنا، وما هو إلاّ أكذوبة من أكاذيبها، نعم إن هذا الادعاء الذي أسبغته الإنقاذ على طارفها وتليدها، في سخاء وخفه، نمانعه أشد الممانعة، ونرفضه أشد الرفض، فأنى لوليد الأسى، وربيب الألم شعبها الذي لم يلتأم جرحه، أو تجف عيونه، أن يصدق مثل هذه الترهات والأباطيل.

تستّروا بأمور في ديانتهم 

 وإنما دينهم دينُ الزناديق

*

تُكذبُ العقل في تصديق كاذبهم

والعقل أولى بإكرامٍ وتصديق

إن الإنقاذ التي انفجر في صدرها الحاني، شريان الهوى الجياش، تجاه محكوميها معذورة، لأنها وقفت وحيدة في ميدان الخسة والنذالة، تكافح معارضة واهنة العزم، كليلة الحد، ساقطة الهمة،  لا عين لها ولا لسان، ولم تكن قط مناط ثقة، أو معقد رجاء، لأمة يجول في نفسها بغض الإنقاذ، ويقع تحت حسها الأمل النديان، أمل يخالط أنماطاً شتى من الأجناس، تكابد الجوع والخوف، وتجابه الحرمان، لم تكن إذن الإنقاذ مسرفة ولا غالية، حينما قالت في صفاقة لا تضاهيها صفاقة، أنها قد فرضت على نفسها قيودا محكمة، وأغلالا ثقالا، حتى لا تأخذ من اجتواها بمخايل شك، أو تعنف من تضجر من حكمها الطويل وأظهر الملالا، ولكن الإغراق في هذه الدعوى التي تبغض إلينا الحياة، وتصرفنا عن مباهجها، شيء، ومخرجات حوار الوثبة، وما تمخض عنه شيء آخر، فمخرجات هذا الحوار القمئ، لا يمكن أن ينتهي بنا إلى الخير، فلم يصدر عنه، سوى استحداث منصباً لرئيس الوزراء، تقلده رجلاً صارماً، سوف يدفع لا محالة وزرائه للأخذ برأيه على ما في رأيه من عوج وخطل وأمت، ولقد آثرنا هذا الرجل بالذكر، لأنه أمسى الآن أس الإنقاذ ودعامتها، رغم أن الإنقاذ لم تظهر الحفاوة به، ولا الحرص عليه، حينما كانت في مهدها، إلا أن الفريق بكري حسن صالح ظلّ هو الوحيد من مجلس قيادة الثورة الآفل، الذي لم تشمله سياسة الإقصاء، أو التهميش، ومع كل هذا، ومع فداحة الأعباء التي ألقيت على كاهله، والوظائف السيادية التي أوكلت إليه، لم يكن سيادة الفريق في تلك الحقبة، من الشخصيات التي تشرئب لمقدمها الأعناق، وتشخص لطلعتها الأبصار، إذن ستمتد وتيرة الإنقاذ عقد آخر، فهي لم تكن تنشد من حوارها الممجوج هذا، سوى كسب المزيد من الوقت، وإضفاء إطار الشرعية على نظامها المهترئ الحافل بالثقوب، وإصدار نسخة جديدة منه، ولكن هذا كله على مضه وايلامه، لم يدفع الشعب الذي يمضي في ركب الحياة، بجسد مهدود، وعصب مجهود، وشأو بالي، سوى أن يتحدث في امتعاض ويطيل الحديث، ثم يعود إلى حياته القانعة الخشنة، التي ذوى فيها جسمه من الغرث والدنف، وأرباب طغاته في بضة وعافية، واضطربت فيها روحه من الذعر والخوف، وأقطاب جلاديه في أمن وطمأنينة، لقد استطاب السودانيون هذه الحياة وأذعنوا لها، وإن بقيت نفوسهم، لا تمل من الاستسلام للأمال، والاسترسال مع الأماني، والإنقاذ التي هي كحادي العيس يعنيها أن يستمع الناس لأغانيها الفجة، وأن يجدوا في ألحانها التعيسة لذة ومتاعا، فهي تنشد أن يتجاوب معها الشعب، سواء أراد أو لم يرد، ويضنيها أن يقف حيال سياساتها الخرقاء، مكسور أو ساكن، لأجل ذلك هي تكذب وتفجر في الكذب، حتى يصدر عن السود ما يوحي بالاهتمام.

والسيد نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، الذي لا يعنيه رضي الناس عنه، أو سخطوا عليه، أتحفنا في مساء يوم ذاكي، بتصريح يذهل عقل الحصيف، فقد ذهب سيادة الفريق أن الدولة تحترم النصوص القانونية، والقواعد الدستورية الخاصة بحرية الصحافة، ولعل واقع الحريات المزري يفند هذا الزعم، وحال الصحفيين الذين ضاقت طائفة غير قليلة منهم، من تعقب الأجهزة الأمنية لهم، واستدعائهم في مكاتبها الفخمة البنيان، يجعلنا في لحظات يأس وقنوط، نحتشد حول نعش الصحافه، ونتهافت إلى تشييعها ونودعها الثرى، وننتظر في خضوع، مقدم سادتنا ليزرفوا عليها دمعة حزن كاذبة، لقد تجاهل جبابرتنا أن الشعب الذي وطًنّ نفسه على الشراب الكدر، والطعام الوخيم، واللباس الخشن، رغم الجحيم الذي عاش فيه، ما زال عاجز على أن يعلن الشك ويخفي اليقين، فهو الذي أصابه كل كلم، وامتد إليه كل أذى، سوف تعلن هذه الطائفة الصابرة على عرك الشدائد، دون مواربة أو روع، أن الإنقاذ أودت بالصحافة في السودان إلى حتفها، وأنها حتى تبقى ممسكة بأعنة الحكم، قد استمرأت التضييق عليها في أرض النيلين، بمقص الرقيب الذي يستأصل كل ما يفضح جرائرها وسوءاتها، وبمصادرة وحجب الصحف التي تصدت لعسفهم وبطشهم، وبالإستدعاءات المذلة للصحفيين الأبطال، ومنع بعضهم من الكتابة.

***

د. الطيب النقر

 

التهجير الناعم وعلى مراحل ولزمن مفتوح

ان قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من قبل 13دولة اوربية بالإضافة الى امريكا واليابان؛ لم يكن بسبب تعاون، بحسب الادعاء الاسرائيلي والغربي، عشرة من موظفي الوكالة البالغ عددهم اكثر من 30 الف، بل ان هذا القطع يرتبط بمخطط واسع وكبير، الا وهو تصفية القضية الفلسطينية. اما الدعاء بان عشرة من موظفي الوكالة ما هو الا محض كذب وافتراء، فأمريكا والغرب الاستعماري بإمكانهم متى أرادوا، وحسب مقتضيات الحال والاحوال وتحولاتهما؛ ان يلفقوا اية تهمة لأي كان وفي الوقت الذي يخدمهم، او يخدم مخططاتهم. ان قطع التمويل عن الوكالة وفي هذه الظروف، اي ظروف الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل الجيش الصهيوني وبأسلحة اغلبها امريكية الصنع؛ الغرض من هذا القطع هو تخليق الظروف التي بها ووسط جحيمها، مع فتح المنافذ الاخرى، في دول بعينها، سواء كانت عربية او غير عربية وحتى اوربية وايضا امريكا، لاستقبال الفلسطينيين بلا قيد او شرط؛ هو فتح كل الطرق للتهجير الناعم، ولزمن مفتوح.. هذا التهجير المفترض، وعلى مراحل وبهدوء تام؛ يرتبط تماما بكل المشاريع التي ربما يجري الان تداولها في الليل وبعيدا عن الاعلام. وقف اطلاق النار في غزة لفترة شهرين او اكثر او اقل، الذي يجري التفاوض حوله منذ ايام في باريس، وقد تم فيها، اي هذه المفاوضات التوصل على ما يظهر من التصريحات سواء الامريكية او غيرها؛ ان هناك مسودة اتفاق سلمت الى حركة المقاومة الفلسطينية، وان المقاومة بصدد دراستها، كما صرح بذلك اسماعيل هنية. ان وقف اطلاق النار مع تبادل الاسرى من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، من المحتل جدا، ان لم اقل اكيدا؛ سوف يتم الاعلان عنه قريبا وقريبا جدا. السؤال المهم هنا؛ وماذا بعد ذلك؟ الاعمار، وادارة الحكم في غزة، وحل الدولتين. هذه هي التي سوف يجري فيها وفي ظلها كامل اللعبة، والتي من بينها وليس كلها؛ اولا تجديد السلطة الفلسطينية؛ لتتولى الاعمار بأموال عرب الخليج.. بالإضافة الى امور اخرى، جوهرية وذات صلة عضوية؛ بالحلول المرتقبة؟! إنما السؤال هنا هو الاهم؛ ما هو موقف المقاومة الفلسطينية؟ من وجهة النظر الشخصية والمتواضعة هنا، وفي هذا الاطار؛ هو ان المقاومة وهذا هو الاكيد؛ سوف يكون لها موقفا مختلفا كليا عن كل هذه المشاريع التي تدور في الظلام، بما يؤدي في نهاية المشوار الى قلب كل تلك المشاريع راسا على عقب. ليكون الانتصار حتما في الخاتمة الى المقاومة. أما القبول بموقف اطلاق النار حتى وان لم يكن بمستوى الطموح والتضحيات، لكنه مهم جدا؛ في حفظ ارواح الناس في غزة التي يتعرض فيها الشعب الى المجازر منذ اكثر من ثلاث اشهر ولايزال صادما وداعما للمقاومة. من الجانب الثاني؛ فأن الوقف الشامل لأطلاق النار او ايقاف المذابح التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي، ولو لمدة شهرين، من المحتمل جدا؛ ان تؤدي الى الاطاحة بحكومة الحرب، حكومة نتنياهو، وبنتنياهو ذاته، اي القضاء على مستقبله السياسي والى الابد، مع احتمال دخوله السجن. ان القضية الفلسطينية قد تعرضت الى التأمر الدولي، (امريكا والغرب الاستعماري) اضافة الى البعض من الانظمة العربية، وكل انظمة الخليج العربي، في جميع مراحل كفاح وجهاد ونضال الشعب الفلسطيني، لكنه ظل صامدا ومتمسكا بارضه على مدار ما يقارب القرن من الزمن. ولسوف يستمر مهما طال وجار عليه الزمان.. الى ان يحصل على كامل حقوقهم المشروعة..

***

مزهر جبر الساعدي

 

على خلفيّة مهاجمة أرهابيين ينطلقون بمهاجمة إيران من قواعد لهم في الباكستان مثلما تقول طهران، قامت طائرات إيرانية قبل أيّام بمهاجمة تلك المقرّات وقتلت عدد من المدنيين حسب وكالات أنباء عدّة. ولأنّ باكستان دولة ذات سيادة وتحترم شعبها وترابها الوطني، فأنّها قامت بالردّ سريعا بقصفها أراض إيرانية في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية والتي يتقاسمها البلدان، ولتقتل هي أيضا عدداً من المدنيين هناك.

ردّ باكستان بنفسها على القصف الإيراني لأراضيها جاء سريعا وقويّا من الناحية العسكرية، كما وأنّها رسالة قويّة لطهران وتحذير شديد اللهجة لها من مغبّة التجاوز على التراب الوطني الباكستاني مستقبلا. أمّا قصف إيران بنفسها لتلك القواعد داخل الباكستان، فأنّه يعني عدم وجود ميليشيات باكستانية شيعية تأتمر بإمرتها كما باقي ميليشياتها ذات العمق الشيعي في بلدان أخرى لتنفيذ تلك المهمّة وغيرها من المهام من جهة، وعدم وجود جهات حكومية رفيعة المستوى وأحزاب باكستانية وقوى شعبية تمنح إيران الحقّ في قصف بلدها لشراكة مذهبية، وتبرر لها جرائمها التي ترتكبها في بلادها من جهة ثانية.

المثير للأهتمام هو أنّ الباكستان التي أذّلت ايران بردّها القوّي والسريع وأستدعت سفيرها من طهران ورفضت عودة السفير الإيراني لديها والذي كان في زيارة لبلده، ولم تكتفي بذلك، بل زادت بالأهانة ووجّهت صفعة للدبلوماسية الإيرانية التي تتحكم بحكومات وبلدان عدّة في المنطقة ومنها العراق، الذي يصول دبلوماسييها ورجال مخابراتها وحرسها الثوري في مناطقه المختلفة ويتحكمون بالملف الأمني للبلاد، حينما طالبت الحكومة الإيرانيّة وكطريق لعودة علاقتهما الدبلوماسية لسابق عهدها، في أن يزور وزير خارجيّتها البلاد بنفسه، وهذا ما حصل فعلا. فهل قدّم الوزير الإيراني أعتذار بلاده على أن لا يكرر الجانب الإيراني أعتداءاته على الأراضي الباكستانية مستقبلا، علاوة على شروط أخرى تحد من نشاطات إيران في الباكستان؟

يقدّر عدد الشيعة في الباكستان بحوالي 20% من نفوسها، ومع ذلك لم تستطع بل لم تتجرّأ إيران التي أسست ميليشيات شيعية مواليه لها في العديد من البلدان، من تأسيس تنظيم شيعي يعمل تحت إمرتها وينفّذ أهدافها، كما حزب الله اللبناني وحوثيي اليمن وبعض الحركات الاسلامية الفلسطينية، والحشد الشعبي في العراق. فهل شيعة الباكستان أكثر وطنية تجاه وطنهم من شيعة البلدان الأخرى، أم أنّ هناك خوف إيراني من تأسيس ودعم هكذا تنظيمات، خوفا من ردّ باكستاني تخشاه طهران وتعرف قوّته!؟ علما من أنّ هناك تنظيمات شيعية مسلّحة في الباكستان كـ (سباه محمّد) أي جيش محمّد، الذي أنشقّ عن تنظيم (تحريك الجعفرية باكستان) لمواجهة تنظيم (سباه الصحابة) أي جيش الصحابة السنّي، وتنظيمين شيعيين آخرين هما (شيعة علماء كونسل) و(مختار فورس) أي قوّة المختار، ولا هناك دلائل علنية وواضحة تشير الى دعم إيران لهذه الجماعات.

أنّ ردّ الحكومة الباكستانية القوّي والسريع على التدّخل أو محاولة التدّخل الإيراني في شؤون بلادها الداخليّة، يجعلنا أن نطرح سؤالا على السلطة العراقية التي إن لم تؤيّد علنا تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لبلادنا وقصف مدننا كما قصف أربيل مؤخرّا فأنّها تلوذ بالصمت تجاهها، هو أن متى يكون لها موقف وطني تجاه "شعبهم ووطنهم"، وهل سيعملون على حصر السلاح بيد الدولة وحلّ الحشد الشعبي وميليشيات أخرى تأتمر بأوامر طهران وتنفّذ أجندتها في العراق وغيره من البلدان التي تتدخل إيران بشؤونها الداخليّة، كي لا تكون بلادنا عرضة للخطر وهذه الميليشيات ومعها الحشد الشعبي تغوّلت وباتت تهدد السلم المجتمعي للبلاد، وبعد أن أصبح أبناءنا وقودا لأحلام ولي الفقيه كون الميليشيات التي يعملون فيها هي بنادق للإيجار عند الحرس الثوري الإيراني في البلدان التي أصبحت جبهات متقدمة وجدران عازلة في حرب إيران الأقليمية للحفاظ على نظامها السياسي من السقوط، وبلدها من التعرّض للخراب والدمار...؟

***

زكي رضا - الدنمارك

29/1/2024

قد يستغرب القارئ أو يغضب، وربما يرجم بالغيب، فالحقائق الفاعلة فوق التراب، أن أنبياء الدين قد إنتهوا، أو ختموا بآخرهم، أما أنبياء الدنيا فمتواصلون بعطاءاتهم، التي نقلت البشرية إلى آفاق حضارية علوية لم يعهدها أنبياء الدين.

فالعالم تطور ووصل إلى ما هو عليه بأنبياء الدنيا في مجالات الحياة وعلومها المتنوعة، فما أكثر أنبياء الدنيا وأعظم إضافاتهم للبشرية على مر العصور.

أما أنبياء الدين فمحور تفاعلاتهم تتعلق بالسلوك، وبتهذيب أمّارة السوء الفاعلة في البشر، فأفلحوا وفشلوا في هذا الميدان، ولا زالت البشرية تعاني من عدم قدرة ما جاؤوا به على إعانتها للرقي إلى معاني الإنسانية.

لكن أنبياء الدنيا أنجزوا ما لم يستطعه أنبياء الدين.

فوراء كل منجز حضاري تتمتع به الناس، هناك مَن  يحرر الأفكار من غياهب الإستتار ويستحضرها حية فاعلة في أروقة الحياة.

أنبياء الدين يأتون بأفكار، وأنبياء الدنيا يصنّعون الأفكار، ويحولونها إلى موجودات متفاعلة مع البشر.

فأنبياء الدين يجعلون الأفكار محلقة في عوالم الغيوب، وأنبياء الدنيا يترجمونها ويصنعونها في عوالم الوضوح، فأفكار أنبياء الدين ضوئية، وأفكار أنبياء الدنيا موجودات مادية.

وأنبياء الدنيا يتفوقون في أعدادهم وإنجازاتهم على أنبياء الدين،  لقدرتهم على التوالد والإنتشار والإلهام، وهم كباقي البشر يعيشون في مجتمعات.

أما أنبياء الدين فأحيطوا بهالات القدسية والروحانية والطاقات الخيالية والإعجازية، التي تغذي مخاوف ونزعات التطلعات البشرية، الباحثة عن الطمأنينة والأمن والسلام في مسيرة لا تعرف بدايتها ولا نهايتها، وهي حالة في دائرة مفرغة بدأت بأساطير الأولين ولا تزال على أشد سُرع دورانها، وإنطلاقها نحو مجهولها البعيد، الذي وضعت له تصورات ترسخت في الوعي الجمعي وأذهان الأجيال، فلابد من خارطة يقينية للمسيرة المجهولة فوق التراب.

فالأنبياء أنبياء، والبشر بشر، وبين الإثنين مسافات ضوئية القياس!!

***

د. صادق السامرائي

 

يفترض في الأزمات ووقت الحرب أن يتوحد الشعب ويزداد تماسكاً وأن تتلاشى الخلافات السياسية والأيديولوجية لمواجهة عدو مشترك، وفي الحالة الفلسطينية فعدونا مجرم ويهدد وجودنا الوطني وفي حربه الحالية يمارس جريمة الابادة الجماعية في غزة.

وبالرغم من ذلك ومع تأكيد وحدة الشعب إلا أن الطبقة السياسية وأحزابها لم ترتقي لمستوى الحدث، ولم نلمس أي خطوات توحيدية لمواجهة العدو المشترك، كما أن فجوة كبيرة بينها وبين الشعب .

غالبية الشعب في الضفة مستاء من أداء الحكومة والسلطة وغير راضي عنهما كما تظهر ذلك استطلاعات الرأي  والشعب في غزة في الحرب وحتى قبلها غير  راض عن حماس، كما أن السلطة تنتظر وتتمنى نهاية حركة حماس، وحماس تنتظر وتتمنى نهاية السلطة وتعمل على على ذلك، فكيف سننتصر ويصلح حالنا؟ وما هو مفهوم وطبيعة الانتصار الذي يتحدث عنه الطرفان؟

وبصراحة أيضاً، فلا الاصلاحات التي تتحدث عنها السلطة ستغير الحال، ولا المقاومة التي تتحدث عنها حماس ستغيره ما دام الانقسام قائماً.

***

د. ابراهيم ابراش

المحرقة الفلسطينية بتوقيع يد الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي وترسانة الأسلحة الأوربية والأمريكية.

الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي يتعاطى مع دول العالم وشعوبه بفوقية متعالية متعجرفة، لا ترى سوى ذاتها المتضخمة حد بالونات المناطيد، في مقابل رؤيتها للآخر دولة أو شعبا كان قزما بما فيها إمبراطورية الشر العالمي المطلق أمريكا الهمجية وشعبها المسالم. فهي تفوقت على هذا العالم ببكائيتها المزعومة " المحرقة " و" مظلوميتها ". التي سيطرت بها على العقل الغربي الفردي والجمعي، وعلى عاطفته. فغدت تحاكم خلق الله باسم المحرقة بدعوى المعاداة للسامية، وكأن الله حين خلق البشر لم يكن عز وجل عادلا ـ تعالى سبحانه علوا كبير عن هذا ـ فميز هؤلاء الهمج الخمج بالسمو والارتقاء درجة أو درجات عن باقي البشر! دون أن يجعل البشر كل البشر بالمبدأ سواسية في الإنسانية والحقوق. فكرمهم دون البشر بخصيصة الإنسانية والبشرية، وجعلهم المرتبة العليا في سلم الوجود. وهذا بهتان في حقه جل وعلا بدون دليل موضوعي أو مادي؛ خاصة وأننا نجد في مسلكياتهم وبشرية ما ينفي بالمطلق هذه السامية المزعومة، الت سلطت على رقاب العالمين. فالإنسان الغربي يتحكم فيه الصهيوني النازي الفاشي الداعشي في بلاده من الكيان المغتصب، برميه في السجن باسم العداء للسامية، ويتحكم في رقبته بسيف وهمي ما له من الوجود سوى ظاهرة انعزالية منتقاة بعناية، ضخمت وركب حولها هالة كبرى من المزاعم والأكاذيب عشعشت في العقول المريضة والنفوس المهزومة خاصة منها تلك الرسمية الغربية التي تحتضن بدون تفكير أو تساؤل أو نقد تلك الأسطورة والخرافة المزعومة.

فهذا الكيان النازي الفاشي الداعشي ينطلق في تعامله مع الغرب من هذه الخرافة مستفزا الدول والشعوب، وما المأساة التي يعيشها الإنسان الغربي العادي من الزيادات الضخمة في الضرائب بسبب المنح التي تتقاطر من حكوماتهم على هذا الكيان البربري إلا دليل على تحكم هذا الكيان الحقير في حكوماتهم، وهو كيان في الأصل يقتات على اقتصاديات هذه الدول المهزومة بالأصل. فهو قائم بهم ومستمر بهم، يتكئ عليهم في كل شيء. ومن يتكلم أو يرفع الصوت منددا أو مستنكرا يزج به في السجن! لا لشيء وإنما لمطالبته بالحرية والاستقلالية عن خرافة وأسطورة " المحرقة، المعاداة للسامية". فكم من دولة وسمها بأبشع السمات والأوصاف، وحقرها وحقر صحفييها فضلا عن حكامها وناسها، وتم رغم حقارته ودونيته الاعتذار منه، وكأنه هو الذي يغدق عليهم بنعيمه الجزيل، ويعمهم برفاهيته! لكن اختارت دول الغرب لنفسها ولمواطنيها الذل والهوان؛ فتعيشه يوميا آلاف المرات، وتحيا في رحابه على استمرار وبأعلى درجاته كما وكثافة. فهو كيان بربري يهاجم المنظمات الدولية بأقسى العبارات والأوصاف والأفعال معتمدا على أمه الحنونة الخرفة أمريكا الهمجية الساقطة أخلاقيا وإنسانيا وحضاريا، من تعلمه الصلافة والحقارة. فهو دون هذا اللص العالمي والمجرم الدولي يساوي وجوديا الصفر، لا يقوى على الوجود بذاته، فهو ذات موجودة بذات الآخر.

هذا الكيان البربري جاء السابع من أكتوبر 2023 ليعري عن سوءته العارية أصلا، وأسقط عنه تلك الأوراق الذابلة الحكائية البكائية التي نسجها حول نفسه، يستجدي العطف العالمي بخلق الأكاذيب والشائعات. وبطبيعة حال حاضنيه الغربيين الذين هم من طينته أن يصدقوه ويتباكون عنه. فادعى وزعم الكثير من السرديات الوهمية من قتل الأطفال وذبحهم واغتصاب النساء، والهجوم على الحفل ... والكثير من الأكاذيب التي ما لبثت أن نفاها بنفسه لما عرت عليه المقاومة الفلسطينية بالحجج والدلائل والوقائع المادية والميدانية والموضوعية. ورغم ذلك مازال يروج لهذه الأسطوانة المشروخة، التي قاد بسببها إبادة جماعية للفلسطيني في غزة العزة، حارقا كل شيء ومهدما كل شيء؛ فأبان عما في ذاته من نازية وفاشية وداعية تخرجه عن صنف البشر والإنسان إلى درك الحيوانية القاتلة ـ وهنا أعتذر من الحيوان لطبيعته الربانية التي تمتلك صفات لا يمتلكها هذا النازي الفاشي الداعشي من قبيل الوفاء والعزف عن الاستمرار في القتل عند الشبع والوفاء للزوج ... ـ ما جعل العين العالمية تنقل جرائمه الحربية بالصوت والصورة وبشاعتها؛ فغيرت العقول والقلوب وبدلتها ووجهتها نحو السردية الحقيقية، وهي نازية وفاشية وداعشية هذا الكيان المغتصب الذي يرتكب أبشع جرائم الحرب والإنسانية التي لا يمكن لأي إنسان يملك ذرة من روح الإنسانية والبشرية أن يقبل بالإبادة الجماعية للإنسان الفلسطيني، وبالأرض المحروقة والبنايات المهدمة على رؤوس أصحابها شيوخا ونساء وأطفالا وشبانا. ناس عاديين كانوا أو أطباء أو صحفيين أو مسعفين أو أساتذة وأكاديميين أو عمال ومستخدمين أو مفكرين ومثقفين وشعراء وفنانين.. الإبادة تشمل الجميع دون استثناء تحت وسمهم "بالحيوانات"، والصهيوني النازي الفاشي الداعشي هو الحيوان الأكبر بمنطوق أفعاله.

هؤلاء التتار والمغول الجدد أبانوا بالدليل والحجة عن حيوانيتهم وهمجيتهم وعنصريتهم، بمجموع الشهداء والجرحى والمفقودين، وبمجموع المباني المهدمة والبنية التحتية المحروقة، وبالتجويع والحصار... وكل الجرائم التي يستحي أن يرتكبها أكبر عات في العالم؛ لكن هي طبيعة هذه الطينة من البشر (السامي) الذي لا يملك من السمو سوى الوهم والكذب. الصفة الوحشية والفعل البربري العنصري الذي دفع بجنوب إفريقيا دون العرب والمسلمين أن يرفع شكوى ودعوى الإبادة الجماعية ضدها لدى المحكمة الدولية، التي أصدرت قرارها وحكمها في القضية بإدانة هذا الكيان النازي الفاشي الداعشي؛ الذي وصفها بمعاداة السامية. ونسي هذا المجرم إن كانت ـ افتراضا ـ المحكمة تعادي السامية؛ فهو يعادي الإنسانية والبشرية جمعاء. والأولى به أن نحاربه ونقاتل حتى نزيله من فلسطين، بل من البسيطة كلها. فهو ألذ خصوم الإنسانية والحضارة والوجود، وحري به أن يمحى من الوجود. فهو مدان بالإبادة الجماعية من دول العالم والشعوب والمنظمات الدولية، لم يعد له حق زعم " المحرقة " لأن محرقته في حق الفلسطينيين أشد وأنكى مما فعله هتلر بهم. وقد كان هتلر على صواب وحق حين أباد بعضهم وهم قلة. حبذا لو أبادهم كلهم لما عانت البشرية والإنسانية والعالم من إجرامهم ووحشيتهم وهمجيتهم. من لم يستشهد بقنابلهم زج في السجن سواء في فلسطين أو الغرب بمزاعم المحرقة والمعاداة للسامية، وأي سامية؟ هي دونية بمنطوق إجرامها ونذالتها وحقارتها.

أستغرب من رسميي الدول الغربية من تبعيتهم المطلقة لأبيهم الأمريكي الهمجي وأمهم الصهيونية البربري، دون تحكيم لعقل أو منظومة أخلاق وقيم إنسانية، أو استحضار أحاسيس ومشاعر إنسانية، كأنهم خشب مسندة. أولى بها النار والبنزين والزيت وعود الثقاب. فهم ينظرون علينا بقيمهم الديمقراطية وبحقوق الإنسان وبمحافل المنظمات الدولية، لكنهم سقطوا سقوطا حرا إلى أسفل السافلين، وتعروا أمام أحرار العالم، ولم يعد لهم المبرر لينظروا علينا فيما كانوا ينظرون؛ فالسقوط لم ترك لهم حتى ماء الوجه الذي يحفظ لهم كرامتهم. فهم لا قيمة لهم إنسانية أو أخلاقية أو حقوقية وثقافية واجتماعية في ميزان الوجود الإنساني. يجب على الإنسانية أن تنبذهم بالمطلق خاصة نحن العرب والمسلمين، فلا حجة لنا بالتغني بقيمهم العالمية المزعومة لأنها كذب في كذب، ووهم كبير غير قابل للتصريف والصرف في حياتنا الفردية والجمعية على مختلف مستوياتها. فالشرف الإنساني لا يقبل بازدواجية اللغة والمعايير فضلا تعدد الأقنعة والوجوه. فالمريض منا عقليا ونفسيا هو الذي يستمر بالإيمان فيما يزعم الغرب من قيم وأخلاق وحقوق وثقافة وفكر محايد. فالحياد نزعه عنه السابع من أكتوبر 2023.

في ظل هذا الإجرام الحربي القائم بأيد الصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين في فلسطين العزيزة، المحتضن من الغرب وأمه الهمجية أمريكا بترسانة أسلحته الفتاكة؛ لابد لنا من إعلان المحرقة الفلسطينية بين العالمين شعوبا وأفرادا، فاليوم لم تعد محرقة الصهاينة قائمة لوحدها، بل انضمت إليها من هي أشد ألما وتنكيلا وإجراما منها، وهي المحرقة الفلسطينية. وأمام هذه المحرقة لا يبقى لنا سوى الاحتماء برب العالمين والاعتماد على نفسنا وأسلحتنا ومجاهدينا ومحورنا المقاومة، وصمود شعوبنا وعلى رأسها غزة العزة والضفة و48، وطلب النصر والعون منه تعالى دون غيره من خلقه، خاصة من أولئك المهزومين أصلا من العرب والمسلمين، المارقين من الدين والإنسانية والأخلاق والقيم النبيلة. فهمها طال الظلم فإلى زوال بمنطوق رب العالمين: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

***

عبد العزيز قريش

في القاهرة ألفين سلام يا قاهرة

يمكن ساعات صوت الحقيقة أخرس جريح

يمكن يكون صوت الضلال عالي وفصيح

يمكن يتوه الحق في الكدب الصريح

لكن أكيد الحق حق ولا يصح إلا الصحيح

في القاهرة ألفين سلام يا قاهرة

وانت تزور القاهرة وحواريها لا بد ان تتذكر شاعرها الكبير سيد حجاب الذي عشنا مع كلماته وهو يتنقل بنا من ليالي الحلمية إلى أرابيسك والشهد والدموع ويختصر لنا حياة عميد التنوير العربي طه حسين:

"من عتمه الليل، النهار راجع ..

ومهما طال الليل بيجي نهار

عاش الشاعر سيد حجاب حياته، وهو يحمل قضية واحدة نذر شعره لها، هي قضية البسطاء، والبحث عن الحرية والأمان لهم، شيّد لنفسه بساتين من القصائد التي تغنّت بالأمل والثورة على الظلم، كان حجاب واحداً من صنّاع أحلام هذه الأمة التي يراد لها نفسها مؤخراً تختار الظلام والسبي والقتل والموت، وتصفق شعوبها لصنّاع الدمار وموسعي المقابر.

يقول المؤرخ اريك هوبزباوم :" لا يمكن فهم هذا العالم، من غير أن نفهم الأحلام التي راودت الشعوب. وكذلك الخيبات التي حاصرتها .

ايام ورا ايام ورا ايام ورا ايام

لا الجرح يهدى ولا الرجا بينام

كانت هذه أولى أحلام سيد حجاب، التي صاغها لتكون مقدمة لمسلسل "الأيام"، سيرة طه حسين الذي أعود اليه دائما متحيزا لمنجزه الفائق القيمة من حديث الاربعاء مرورا بالفتنة الكبرى والمتنبي وذكرى ابي العلاء وليس انتهاء بدعاء الكروان ومع ابي العلاء في سجنه، وهو نفس السجن الذي عانى منه طه حسين، فقرر ان ينتصر على الواقع :، "ما انت باعمى ..آنما نحن جوقة العميان".

لم تكن في كلمات سيد حجاب أية ظلال لافتعال ثوري، لم يكتب شعارات جوفاء، بل استطاع ان يغوص في أعماق الإنسان المتطلع الى عالم أفضل، ليستخرج منها بكلمات عامية بليغة، أجمل ما فيها من أغنيات وقصائد راح ينثر بها الدعوة إلى رفض الظلم والطغيان، مترجماً مشاعر وأحلام وأفراح ملايين الناس إلى كلمات حيّة متوثّبة مليئة بالدفء والحياة والدعوة للعدل الاجتماعي الذي كان شعار طلعت حرب وهو يرسم طريقاً إلى المستقبل ليس فيه عنف ولا نزاعات ولا طائفيون.

مين اللى قال الدنيا دى وسية

فيها عبيد مناكيد وفيها السيد

سوانا رب الناس سواسية

لا حد فينا يزيد ولا يخس ايد

جينا الحياه زى الندا ابرياء

لا رضعنا كدب ولا اتفطمنا برياء

طب ليه رمانا السيف على الزيف

وكيف نواجهه غير بالصدق والكبرياء .

في يومياته التي كان ينشرها في الصحافة على فترات، يروي سيد حجاب حكايته مع الأمل والتطلع الى المستقبل، ويدلنا على الفتى الذي غادر قريته في صعيد مصر ليحط في القاهرة ملبياً نداء االشعر والكتابة، هناك يصر ان يتلصص على الشعراء الكبار، ويقدم ديوانه الأول " صياد وجنيّة " الى الشاعر عبد الوهاب البياتي، الذي يكتب له مقدمة يقول فيها :"هذا الشاعر الشاب مهموم بقضية واحدة وهي التأثير المباشر للقصيدة على الغالبية من عامة الناس، ليس فقط تنويراً لرؤيتهم ولكن مجابهةً لما يجري وتحريضاً على رفض الظلم والنهوض صوب المستقبل "

متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا

و لا تنتهيش ده إحنا يادوب ابتدينا

سيد حجاب حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة، والدين فيه أقرب إلى الحرية الشخصية من الفرض الاجتماعي، والنضال ضد الظلم فرض على كل مثقف، اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها المرحة والعميقة .

في كل قصيدة من قصائد سيد حجاب هناك تحذير من ان يتسرب الزمن الجميل بغفلة منا: "و ينفِلِت من بين إيدينا الزمان ..كأنه سَحبة قوس في أوتار كمان "، فيما نحن لانريد ان نترك للأجيال القادمة سوى بلدان تحولت الى خيام، وبرلمانات اشبه بمنابر للتهريج، لم نترك لهم حنيناً يعودون إليه، ولا حتى ذكريات يشتاقون إليها

وتنفرط الايام عود كهرمان

يتفرفط النور و الحنان و الأمان

نسمي معالم التقدم عصراً بكامله لأنه يشمل كل شيء . في الفكر والصناعة والزراعة وطرق الحياة. ليست فقط في فكر طه حسين ومغامرات سلامة موسى مع الذين علموه وصلابة العقاد ورقة يحيى حقي والسعادة التي ينثرها نجيب الريحاني في النفوس .

انظر إلى تمثال طلعت حرب واتذكر العراقي ساسون حسقيل وزير المالية في العهد الملكي الذي كان مثل طلعت حرب خريج الحقوق، ومثله شخصاً مدهشاً حقاً. وفي الوقت الذي يقف طلعت حرب وسط القاهرة . يغطي غبار النسيان ذكرى اول اقتصادي عراقي حاول ان يضع الدولة العراقية على سكة الازدهار .

يكتب سيد حجاب في مديح قاسم امين صاحب كتاب حرية المرإة :

الحق والحرية.. روح الوجود

هما جناحين النهوض والصعود

ينداسوا.. يتساوى الوجود والعدم

وان سادوا.. سدنا الدنيا.. والخير يسود

بهذه الكلمات يختصر سيد حجاب قضية قاسم امين الذي عُرف بدفاعه عن الحقيقة وأثراه على ان تأخذ المرأة مكانها الحقيقي في المجتمع . وفي العراق كان صوت الزهاوي يعلن ان كل شيء إلى التجدد ماض – فلماذا يقر هذا القديم؟، لكن بلاد الرافدين تسعى إلى نسيان شاعرها ومفكرها الذي قال عنه طه حسين ؛: ” لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب، ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار، لقد كان شاعر العقل وكان معري هذا العصر، ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم" .

***

علي حسين 

الصمت يحكي قصة الفراق بآهاته وأوجاعه كل يوم هامسا" بحديث ذي شجون مع الروح التي تعلقت بحبه بعد ان فاضت المقل بالدموع شوقا" للديار وإعتصر الفؤاد حنينا" لذرات ترابه مخلفين في ثنايا الوطن قصص الطفولة والصبا وفي كل حارة وزقاق وشارع بصمة وحكايات لا تنتهي لتلهب في الحنين لوعة الى الماضي الجميل حتى يتحول الى خيال يدغدغ المشاعر واحلاما" مجبولة بالذكريات لزمن كان ماضيه أجمل من حاضره فالوطن هو تماماً كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة

لكن خفافيش الليل وخوارج العصر قطعوا صلة الرحم بين الوطن وأبنائه ليغتربوا عنه عنوة في بلدان العالم باحثين عن الامن والامان الذي إفتقدوه .

والفراق هو القاتل الصّامت والجرح الذي لا يبرأ ورغم كل هذا وذاك ما ينبغي علينا الا الصبر رغم لحظات الضعف والهوان التي تلاحقنا من حين إلى حين .

وكلما جن الليل وأسدل ذيوله عادت النفس تحاكي الروح لتصبّر إحداهما الأخرى وتُهدأ من ألم الفراق ورغم مرارة الغربة وصعوبتها فهناك من يفرز سموم الحسد على شيء هو لا يستحق الحسد كأنّما أصبح التشرّد والبعد عن الوطن مكسبا ولابد من دفع ضريبته نقدا وحقـدا .

وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فنحن على موعد مع القدر كما إغترب أهلنا الشنكاليون (السنجاريون) بين ليلة وضحاها ان يجمع شملنا في لحظة قد تكون غائبة على اذهانهم ليندمل الجرح وتعود المياه الى مجاريها كسابق عهدها وتتحقق الأمنيات وتحتضن شنكال (سنجار) أهلها المغتربين وتبنى المدينة بسواعد الغيارى من رجالها النشامى وهذا عهدهم في السراءوالضراء وتطوى صفحات الغربة والنزوح ليعيشوا بمحبة ووئام ويعاد السلم المجتمعي كما كان رغم انوف العدى .

***

حسن شنكالي

تكاثرت المصائب على البشرية في معظم الأرجاء،  وتعدت خطورة الكوارث الطبيعية كل الخطوط الحمراء، والصراعات تنحر الشعوب ومع ذلك فما زالت التهديدات بتدمير الحضارات متواصلة، ويتعاظم شرورها أكثر بفناء العالم .

حروب الإنسان الدامية مع نفسه والآخرين تتوسع نحو تعميق جراح وآلام المآسي، وجرأته على تدمير الطبيعة تتواصل نحو إحداث المزيد من الكوارث في حياة معظم شعوب الأرض.

آلة القتل والهدم الصهيونية تواصل منذ أكثر من أربع أشهر تدمير كل مظاهر الحياة في فلسطين ولا تعبأ بأي معايير إنسانية أو مواثيق دولية، وبرغم حملات الإدانة والاستنكار العالميةالباقية تحيط الكيان الصهيوني من الجهات الأربعة، وبرغم تجريم محكمة العدل الدولية والمنظمات العالميةوالإقليمية للسلوك الإجرامي الصهيوني، إلا أن مسلسل القتل والاعتقال والتعذيب وتشريد مئات الآلاف من سكان غزة وتهجيرهم من أوطانهم وقتل الأطفال واختطافهم يتواصل بشكل أشد ويترافق مع الحديث عن ظاهرة الاتجار بالأعضاء، إنه وضع يحمل كل دلائل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وينذر بتوسع دائرة الصراع المسلح في منطقة الشرق الأوسط إلى عدة دول عربية أخرى إذ لا شيء يؤشر على وجود آفاق لحل الأزمة قريبا أو احتوائها سلميا نحيب الأرامل والثكالى وصراخ الأيتام يتعالى عبر المعمورة ولا شيء جديد يحمله رجع الصدى.

الصراع المسلح الدامي بين روسيا وأوكرانيا الجاري منذ فبراير 2022لم يبق ولم يذر، بقدر ما أكد فعلا أن ألم الشرق سرعان ما يبكي الغرب إذ تعاني دول العالم من نقص الطعام بعد تراجع معدلات الأمن الغذائي بسبب توقف إمدادات القمح خاصة من البلدين المتحاربين، المعارك المتواصلة ترافقها تهديدات وتحرشات ببعض دول الجوار الأخرى والتحالفات السياسية والعسكرية تتعدد وتتمدد . نذر المأساة الإنسانية تتشكل في ملايين اللاجئين الأوكرانيين في بعض دول الجوار الهاربين من الدمار الشامل، والجنود القتلى من الجانبين وكذا المدنيين الأوكرانيين ضحايا القصف داخل منازلهم كلها مشاهد مؤلمة تضع الإنسانية أمام أزمة ضمير مزمنة، ولا أمل قريب في عودة السلام في المنطقة ولا جدوى من صراخ المنكوبين وعويل عائلات الضحايا بعدما اتضح أن وجود أحدهما مرهون بزوال الآخر.

لا تعطي مظاهر اختبار قبضة القوة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع حول جزيرة تايوان أي مؤشرات على إمكانية تجنب اندلاع مواجهة مسلحة بين العملاقين، فالاستفزازات مستمرة والاختراقات الجوية متواصلة، والعالم يترقب ببالغ القلق والانشغال ما ستسفر عنه تطورات الأحداث، وقد تبعث صور بعض اللقاءات البروتوكولية الباسمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني قليلا من الاطمئنان والأمل في وجود احتمال قوي بتفادي حدوث حرب بين البلدين، ولكن الواقع شيء آخر تماما فليست لباقة المظاهر الدبلوماسية انعكاسا دائما لحقيقة العلاقات، ولا للأمل في نفوس مئات الملايين من البلدين أن يرتق قادتهم إلى مستوى تطلعاتهم للعيش في سلم وأمان .

وكأن الأوضاع في السودان لا تريد أن تهدأ منذ عشرات السنين، والصراع المسلح الجاري بين قوات الجيش الوطني وقوات الدعم السريع منذ شهر أبريل 2023 حلقة أخرى في صراع محموم بين أبناء الوطن الواحد على السلطة أدى إلى نزوح 10.7 مليون سوداني إلى بعض دول الجوار خاصة إلى مصر التي يقيم فيها أصلا حوالي 4.5 مليون سوداني في حالة لجوء منذ فترة طويلة إضافة إلى نزوح مئات الآلاف الآخرين إليها، تركوا وراءهم منازلهم وأملاكهم ومتاعهم فارين بحياتهم من جنون القتل والتنكيل والهدم، ومع فشل جهود الوساطة من أجل التهدئة ولمحاولة رأب الصدع فقد اشتدت المعارك على نحو أكثر شراسة ولم يعد أمام معاناة النازحين سوى المزيد من الدعاء والكثير من الصبر.

يتحمل اليمن عبء نتائج مواقفه لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، فالقصف الصاروخي للسفن التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني العابرة لمضيق باب المندب نحو البحر الأحمر والذي يقابله قصفا بالصواريخ والغارات الجوية الأمريكية يكلف اليمن خسائر جسيمة في الأرواح والمنشآت العسكرية والمدنية، ويؤدي إلى فرض حصار مضاد عليه من عدة دول كبرى، لقد تعدى أثر التهديد اليمني على مرور السفن إلى البحر الأحمر سلبيا على حجم التجار الخارجية للكيان الصهيوني، وإلى الإضرار بصادرات دولة قطر من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، وأدى إلى تراجع كبير بنسبة 40% في إيرادات مصر من قناة السويس، الوضع لم يعد سهلا تحمل المزيد من عواقبه خاصة وأن تداعيات الموقف اليمني قد اتسعت وامتدت إلى مصالح حيويةلأطراف دولية أخرى .

ما تزال أثيوبيا ماضية في مخططها المائي وشروعها في الملء الرابع لسد " النهضة" بعيدا عن أي اعتبار لمصالح كلا من السودان ومصر في ضمان حقهما التاريخي في مياه النيل الموثقة في الاتفاقيات المبرمة بين الدول الثلاثة، لقد أصبحت القضية بسبب تعنت أثيوبيا قضية " وجود " لشعوب تواجه خطر الجفاف والموت عطشا، وكلما لاحت في الأفق بوادر من أجل توافق الرؤى والشروع مجددا في التفاوض من أجل تقارب المواقف، عادت الأمور سريعا إلى نقطة الصفر ومرحلة البداية .

التسابق الإيراني والتركي على أطراف بعض الدول العربية كشمال العراق وسوريا وجنوب لبنان ثم التمدد البحري التركي إلى سواحل ليبيا يأخذ شكل التكالب نحو التوسع في إقامة مناطق نفوذ أجنبي في الأراضي العربية، ثم تكمل الغارات الأمريكية المأساة بدعوى قصف مواقع وأهداف تعتبرها أمريكا خاصة بفصائل معادية موالية لإيران، حيث تنظر أمريكا بعين القلق إلى وجود ما تصفهم " بالأذرع " الإيرانية المسلحة في هذه الدول، وهو ما كان قد استدعى إبحار حاملات الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحسبا من احتمال تدخل إيراني لنصرة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزة، وبذلك صار الوطن العربي فضاء للتدخل الأجنبي العسكري المباشر تحت غطاء الصراعات السياسية الإقليمية والدولية.

تكشف تطورات الأحداث العالمية عن هشاشة كبيرة في تماسك كيان الوطن العربي، فالخلاف الجزائري ـ المغربي حول مصير الصحراء الغربية يثير مجددا المخاوف من عدم استبعاد اندلاع مواجهات عسكرية محدودة بين البلدين بعد حرب الرمال عام 1963 وأمغالا 1975 فالعلاقات الدبلوماسية المقطوعة والحدود البرية المشتركة المغلقة، والقطيعة بين الشعبين ثم منع عبور وتحليق الطائرات المدنية والعسكرية لأيّ من البلدين في أجواء الأخرى كلها أوضاع غير طبيعية بين بلدين عربيين وإسلاميين ينتميان للمغرب العربي الكبير ولا يمكن مع بقائها واستمرارها تصور فرصة للتقارب بينهما خاصة بعد سماح السلطات المغربية بوجود صهيوني على أراضيها قرب الحدود مع الجزائر، يرى فيه الجيش الجزائري وجودا مشكوكا في هدفه وينظر بعين الريبة إلى مقصده .

***

صبحة بغورة

إن المطالع لكتاب "الدولة اليهودية" للأب والمؤسس للحركة الصهيونية السياسية "ثيودور هيرتزل" سيجد من ضمن ما جاء فيه بهدف الحصول على الحماية القانونية للمشروع الصهيوني من دول أوروبا الاستعمارية " ستشكل بالنسبة لأوروبا جزءا من الجدار ضد آسيا وستعمل على أن تكون موقعا أماميا لخدمة الحضارة البربرية". إن مفاد هذه الجملة هو استخدام الأخلاق والحضارة الأوروبية لتشريع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وقد اعتمد هرتزل الحضارة الأوروبية مقياسا لتقييم الحضارات الأخرى وهذا ما يسمى في لغة الاجتماع "بالعنصرية". كما أن المطلع على رواية لثيودور هيرتزل بعنوان"أرض قديمة جديدة " سيجد الكثير من المصطلحات التي تشير إلى تخلف المجتمع العربي مثل تخلف, إهمال, قذارة وغيرها وأن اليهود سيغيرون هذا المجتمع ويطورون البلاد بإقامة مجتمع يهودي متمايز عن القائم. عن طريق بناء المستشفيات بهدف أن يتعلم العربي على حد قوله أن اليهودي متقدم حضاريا ومنقذ من الأمراض والأوساخ ، وفي حال لم ينجح فالقوة العسكرية حاضرة.

ولأن الحركة الصهيونية كما نوهنا في مقالات سابقة انطلقت من المجتمع اليهودي الأوروبي، لذلك كانت اشكنازية، سعت إلى إقامة وطن يهودي ذي طابع حضاري غربي أوروبي. أي أنها أسقطت اليهود الشرقيين مسبقا من مفهوم هذا المجتمع كون هؤلاء من وجهة نظرهم جزءا من الحضارة الشرقية المتخلفة وهذا يعكس عنصرية هذه الحركة. إلا أن هذا الكيان احتاج هؤلاء لقلب الميزان الديمغرافي بهدف أكثرية يهودية.

ومن الدلائل الواضحة على عنصريتها ،دستورها الذي يتضمن عددا من القوانين من ضمنها قانون العودة والمواطنة والقانون الأساسي "الكنيست الفقرة ٧ أ" التي تعرف "إسرائيل" بأنها دولة الشعب اليهودي وتحصر حق الترشح للانتخابات النيابية في أولئك الذين يقبلون بكون "إسرائيل" دولة "الشعب اليهودي".

وبلغت العنصرية ذروتها مع وصول "مناحيم بيغن" اليميني المتطرف سدة الحكم ١٩٧٧ وعمليات الاستيلاء على الأرض من خلال الاستيطان الشامل في الضفة الغربية. وها هم بدو النقب التي تنظر لهم دولة الاحتلال باعتبارهم جماعة هامشية وأقل مرتبة من اليهود حيث أنها تستولي على ممتلكاتهم وتهدم بيوتهم.

كما أن هذه الدولة الظالمة أنشأت نظام أبارتايد يضطهد الشعب الفلسطيني. ويعتبر الأبارتايد جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي الذي لم يطبق يوما عليها.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ تطالعنا التصريحات العنصرية التي يبثها قادة اليهود ومنها التصريحات التحريضية التي تفوح منها رائحة العنصرية ويبثها الوزير الفاشي المتطرف "إيتمار بن غفير" لجنود الاحتلال حيث حرضهم وبدعم منه على اطلاق النار على أي فلسطيني حتى لو لم تتعرض حياة الجنود للخطر. كما أن بن غفير يحاول شيطنة جميع الفلسطينيين ويتعامل معهم كإرهابيين ويدعو لارتكاب المزيد من المجازر في قطاع غزة.

***

بديعة النعيمي

 

لقد تخطى الاجرام الذي يقوم به الصهاينة وداعميهم وعجزت الكلمات عن وصفه حيث الفظائع بلغت حدا لم يقو العقل البشري على تحمله او ايجاد مبرر له، هل من العدل والإنصاف ان نسوي بين من يقوم بارتكاب أبشع الجرائم والمجازر بحق اناس فرض عليهم المجتمع الدولي الوصاية ولم يقدم لهم اية ضمانات لأجل العيش الكريم والعمل على اعطائهم حقوقهم ومنها حقهم في تقرير مصيرهم وفق قرار التقسيم، وبين الضحية؟ .

ما يحدث من جرائم بحق الفلسطينيين العزّل الذين منعهم ما يسمى المجتمع الدولي من امتلاك وسائل الدفاع عن النفس والعيش بأمن وسلام في الاراضي المعترف بها لهم،جعلتنا نؤمن بنظرية التطور لداروين بشان الحيوانات المفترسة، لان ما يقوم به الصهاينة وداعميهم يثبت انهم اقرب الى الحيوانات منه الى الجنس البشري.

حرب غزة تؤكد لنا كل مطلع شمس ان المجتمع الغربي يعيش حالة من الافلاس الأخلاقي والإنساني العالم المتمدن يغيب عنه المنطق لصالح الوحشية والظلم، يتم مساءلة الأونروا حيث قامت كل من الولايات المتحدة و أستراليا وبريطانيا وكندا وإيطاليا وفنلندا بوقف دعمها للمنظمة بسبب تعبير 12 من موظفيها عن دعمهم للمقاومة واعتبر ذلك تورطا في هجوم 7 اكتوبر!،المجتمعات التي تدعي التحضر،  تشارك في حملات التجويع والإبادة والانصياع لرغبات بني صهيون. كما ان هذه الاجراءات تعتبر عقابا للأمم المتحدة على موقفها بقبول دعوى جنوب أفريقيا بمحكمة العدل.

انتاب الكثير شعور بالحيرة وبالأخص صاحبة الدعوى دولة جنوب افريقيا من صيغة الحكم الذي اصدرته محكمة العدل الدولية بعدم وقف إطلاق النار في غزة والاكتفاء بالإجراءات (الاحترازية) التي طلبتها، اعتبره الكيان الصهيوني نصرا له ما جعله يواصل وبقوة جرائمه في حربه على غزة دونما توقف أو انصياع، هذه المحكمة تابعة للأمم المتحدة، ويتم انتخاب قضاتها من الأمم المتحدة و"مجلس الأمن".، الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة نعتبرها الراعي الرسمي لاستعباد البشر وبالتالي فان التعويل على قراراتها يعتبر نوع من الجهل بالواقع المر، فالذي لم تعلمه كل هذه الأحداث لن يتعلم شيئا!. 

البعض يرى ان مجرد تقديم الدعوى لهذه المحكمة من قبيل إحراجها وإحراج النظام الدولي وإظهار بلطجته، يعتبر اجراءا غير مسبوق ضد الكيان الصهيوني. ولكن ترحيب الاطراف الثلاثة المدعي والمدعى عليه والضحية، بما صدر عن المحكمة يعتبر ذرا للرماد في العيون، ولا يعدو كونه جولة انتهت بالتعادل بالنقاط، لكنها كشفت الحقد الدفين من قبل الغرب لبقية الشعوب التي كانت تحت رعايتهم لعقود نهبوا خيراتها واستعبدوا سكانها ثم منحوهم الاستقلال المزور.

لئن كانت المحكمة في لاهاي... فان ما صدر عن صنعاء الابية هو الذي يعول عليه ويؤخذ به،فالحقوق يتم اخذها بقوة السلاح لا بالمفاوضات غير المجدية والتي استمرت لعقود، قضمت خلالها المزيد من الاراضي الفلسطينية فالغرب سيرضخون لصاحب القوة فقط لا غير.

شكرا لليمنيين على نصرتهم لغزة وامتلاكهم اسباب القوة، لفرض وقائع جديدة تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، والمجد والخلود للشهداء ومن يقودون مسيرة التحرر. والخزي والعار لكل من يرتدي البزة العسكرية من العرب مطرزة بالرتب والنياشين ولم يخوضوا اية معركة في حياتهم، واخوانهم يقتّلون ويصلبون امامهم . انها حرب وجود لا حرب حدود.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لقد استجد في حياة العراقيين على نحو كبير بعد عام 2003 مصطلح ملفات الفساد، وقطعا هو سيف يبتر كل مايصادفه من نيات للنزاهة لاسيما إذا كانت النيات (غير صافية 100%)، كذلك أنه نار تحرق اليابس والندي من جهود الخيرين الذين يرومون دفع عجلة البلد الى الأمام، بعد أن أدركوا أن أعظم المساعي تنهار أمام قليل من الفساد، فهو غول لايبقي ولايذر ولايرحم، يقول الشاعر سامي طه:

ظهر الفسادُ ورفرفت راياتهُ

ولبئس ما رفـَّـتْ من الراياتِ

وتظاهرتْ وتناصرت أركانهُ

من كلِّ ذي سفـلٍ حقير الذاتِ

كأنه حبلى الزنا من فاحشٍ

جمع الخنا بتراكم الشهواتِ

والغريب في ساحتنا العراقية على الصعد كافة، أن مامن مسؤول او سياسي أو زعيم كتلة او حزب في العراق، إلا وأبدى شكواه أمام الملأ من الفساد الذي نخر جسد البلاد، بعد أن مخر في مفاصلها كما تمخر السفينة لج البحر، فهناك بين الفينة والأخرى من يصرح بعدد الملفات التي تحال الى هيئة النزاهة، وقطعا كلهم يذكرون أرقاما متدنية، ولا أظن أن قارئا او سامعا متبصرا، او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس، يستطيع ان يضع نسبة وتناسبا، بين العدد الذي يحال الى هيئة النزاهة، وبين ماموجود على أرض الواقع وتحت أرض الواقع، وفي دهاليز أرض الواقع من ملفات فساد. هذا إذا افترضنا ان الملفات القليلة ستأخذ دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وإعادة مانهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على الأربعين مليون شخص. ومن غير المعقول أن فسادا بالحجم الذي نسمع عنه ونقرأه ونلمسه، خلال العقدين الماضيين، يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومادام هذا حاصلا بالفعل، ما الاجراءات المتخذة إزاءه وكيف يجابَه أبطال هذه الملفات من المفسدين؟

يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم ولن يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبّدة من دون موانع او معرقلات، بل هي سالكة وغاية في السلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات، وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه بلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد، واللطيف أن ابرز ما أحيل الى هيئة النزاهة هي ملفات تعد (خردة) أمام سرقات وفسادات مهولة.

فأين باقي الملفات وهي ليست وليدة ليلة وضحاها، وجلها مضى عليها سنون نهشت مانهشت من المال العام؟ ولو سلمنا الى أن كل ملف من الملفات التي وصلت إلى هيئة النزاهة، قد أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبيق مواده وبنوده عليهم كل بجريرته؟ وهل شعار (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعّل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط؟

وهنا يكمن دور رؤوس الحكم في البلد، وعليهم وضع حد صارم للفاسدين فيه، من دون هوادة او تهاون معهم جميعا، إذ من المؤكد ان الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال أكبرها، ولها (ظهير) يهادن الرقيب وينجيها من العقاب.

***

علي علي 

عادة ما يقترن تنظيم عرض عسكري كبير للقوات المسلحة في إي دولة مع مناسبة احتفال الدولة بيومها الوطني أو إحياء ذكرى تأسيسها في إطار محفل لمسيرة التأسيس أو تخليدا ليوم استقلالها أو انتصارها على أعدائها في حرب مصيرية، أواحتفاء بالتضحيات المبذولة في حرب إقليمية ويهدف العرض إلى بعث روح الفخر والاعتزاز لدي أفراد الشعب بجيش بلادهم الباعث في النفوس نعمة الأمن والأمان.

كثير ما تعد العروض العسكرية مناسبة لتوجيه رسائل سياسية صريحة أو ضمنية، وهي قد تتحول إلى استعراض للقوة مثلها مثل المناورات التي تعد فرصة مناسبة لتصدير صورة عن مدى حجم القوة الصلبة وقوة الدولة، ومثل هذه النشاطات هي في حقيقتها جزء من الاستراتيجية العسكرية للدولة الدفاعية والهجومية والردعية، أن الاستراتيجية الدفاعية هي إظهار قوة الجيش وإظهار أن الجيش قوى ومستعد ولديه إمكانيات عالية، أما استراتيجية الردع فهي إظهار قوة الجيش وقدرته على حماية البلد دون الدخول في حرب بانتهاك استراتيجية الردع أي بمنع العدو من الاعتداء وهذا من خلال امتلاكها قدرات عسكرية على أعلى مستوى مع قدرات الدولة الشاملة.

تعكس العروض صورة رمزية وطنية بليغة المعاني لأنه يحمل دلالة على أن البلاد وهي تعيش عهدا جديدا في ظل تحولات عالمية كبرى تحمل في طياتها ملامح مؤامرات أو مؤشرات الخطر وعدم الأمن والاستقرار أن استقلالها الوطني في الوقت نفسه خط أحمر، وعليه ففي الغالب تترجم الرسائل السياسية للعروض العسكرية ملامح الاستراتيجية الردعية من خلال إبراز مظاهر الجاهزية العسكرية القتالية للرد على أي مساس بأمن الدولة القومي، فهوقد يعكس في حقيقته نوعا من التحدي في ظروف معينة يسودها الاضطراب سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، والعرض العسكري هو العنوان العملي لمدى توفر الإمكانيات وللمستوى التسليحي والتنظيمي للقوات، وهو استظهار للقدرات العسكرية للبلاد بالإضافة إلى أنه يؤكد مظاهر اللحمة الشعبية ويكرس مبدأ الوحدة الوطنية .

العروض العسكرية تكون على عدة أشكال في الظهور بحسب الهدف المراد من وراء تنظيمها ومنها:

* الاستعراض العسكري الاحتفالي في إطار إحياء مناسبة وطنية، و يضم وحدات رمزية لمختلف القوات المسلحة والكليات العسكرية من أفراد وأسلحة وعتاد لقوات الجيش البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، ويبرز من خلاله للخبراء والمختصين مستوى الضبط والربط ومدى ما بلغه الجانب التنظيمي من مهارات دقة العمل والتنسيق في التحكم بمرور قوافل الاستعراض أمام الحاضرين.

* اصطفاف القوات المسلحة وهو من العروض التي تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى مايحمل دلالات كثيرة منها تأكيد جاهزية لأداء مهام واجباته الوطنية في الحفاظ على الأمن القومي وفي قدرته على تجسيد سياسة البلاد العسكرية من استراتيجية دفاعية أو ردعية أو هجومية، والاصطفاف بهذا المعنى يعد ردا على أحداث من قوى معادية معينة تجمل رسالة هامة وهي القدرة على تنفيذ الرد المناسب في الوقت المناسب، والظهور العسكري في الاصطفاف هو تدريب على الظهور في حدود مجالات المشاركة على مستوى القوات المسلحة.

* " تفتيش الحرب" مصطلح العسكري يتعلق بإرادة الاطمئنان على بلوغ القوات المسلحة مستوى الجاهزية التامة والاستعداد الكامل لتنفيذ المهام التي تكلف بها من خلال تفقد الاصطفاف الكامل للقوات ولوسائل الدعم اللوجيستي، ويعتبر تفتيش الحرب أعلى الآليات التي تتبعها القوات المسلحة للتأكيد أمام القيادة السياسية العليا الاستعداد القتالي لتنفيذ الخطط وأداء المهام التي تمكن أن تكلف بها، وبعد الانتهاء من تفتيش الحرب تكون القوات المشاركة به على أتم الاستعداد للدخول في أي معركة، ويحمل تفتيش الحرب في ظروف اشتداد الصراع العسكري في المناطق المحيطة بالدولة معنى التحذير من عواقب اتساع دائرة الصراع وذلك من خلال إظهار هيبة الدولة وقدراتهاالعسكرية الكافية للدفاع عن النفس في حدود نطاق مسؤوليات الجيش، وبذلك يعد تفتيش الحرب طمأنة للشعب على قدرة جيشها على حماية الأمن القومي للبلاد لأنه إجراء عملي يظهر نموذج على جاهزية الجيش طوال الوقت للحرب واستعداده لأعمال القتال للرد على أي مخاطر أو تهديدات خارجية .

* المناورات العسكرية، قد تكون بأحد الأسلحة البرية أو الجوية أو البحرية أو بأكثر من ذلك لتحقيق هدف أو جملة أهداف محددة سلفا، وتختلف المناورة عن التدريب العسكري، حيث تعد المناورة امتحان لما تم التدريب عليه من مهام قتالية، ويمكن أن تكون المناورات بالذخيرة الحية لزيادة صعوبتها وتحقيق هدف معايشة الجندي البسيط لأجواء الحرب، ويسبق إجراء المناورة طابور عرض القوات المشاركة فيها، وقد أصبح شائعا إجراء المناورات أو التدريبات العسكرية بشكل مشترك مع قوات دولة أو دول صديقة لتبادل الخبرات في إطارالتعاون العسكري.

القوات المسلحة في أي دولة هي صمام أمنها والضامن لسلامتها وللزود عن ترابها وحرمة شعبها، وتحرص الدول على امتلاك كل مقومات القوة الشاملة التي تتألف من جيش متطور عصري وحديث ومن عناصر أخرى غير قتالية لأنها غيرعسكرية في طبيعتهاولكنها تدعم العمل العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر كتهيئة الطرق، ورفع كفاءة المواصلات وقطاع النقل والاتصالات، وتجهيز قطاعي الطاقة والتجارة لمواجهة متطلبات الظروف الطارئة، وترقية المنظومة التعليمية والتكوينية والصحية وغيرها من المجالات الحيوية في البلاد.

***

صبحة بغورة

 

لقد أكد الله سبحانه وتعالى خالق البشرية على مفهوم الأخلاق ومكارمها والحث على التعامل بها بين البشر وعلى قيم ومبادئ أخلاقية لبناء مجتمع واحد متماسك متكامل مختلف الأعراق واللغات بقيم موحدة تسود الكرة الأرضية فأن الذي خلق البشرية وضع لها الأساس والنهج العملي والفكري للارتقاء بهذا الكائن البشري من الحياة البهيمية إلى الحياة الأخلاقية المشتركة مع بني جنسه للتعايش السلمي والتفكير الراقي الذي يوازي سبب خلقهم ليرسم معالم الحياة على الكرة الأرضية وفق سبل هداية أنزلها الله تعالى على الإنسان بلسان الخلق وتدرج لغاتهم ومستوى فهمهم وتفكيرهم ونمط حياتهم بواسطة رسل وأنبياء أعدت لهذا الغرض السامي وبتعاليم واضحة الإدراك التي شارك فيها الكائنات الحية الأخرى المتعايشة معه . أن نزول الرسالة المحمدية على نبي مختار من وسط عربي خالص كان له دلالة واضحة على أن الله تعالى أختار لهذه النظرية بيئة ووسط ملائم لاستقبالها واستيعاب مفهومها للعمل بها لتحقيق ما أراده الخالق عز وجل لهذه البشرية وإلا كانت عبثا وصعبة في تطبيقها بهذا الوقت القصير من حياة النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه السلام فالمتمعن الذي يملك دراسة مستفيضة حقيقية بالمجتمع العربي قبل البعثة النبوية الشريفة يعرف مدى تقدم وحضارة هذا المجتمع وما يملكه من تراث أخلاقي وقيم ومبادئ وفكر وسلوكيات مجتمعية على عكس ما أشيع في تأريخنا الماضي إلا أن الزمن حرف هذه القيم لكن الإسلام أستطاع أن يعيد للأمة العربية قيمها وأخلاقياتها بالإقرار بها في القرآن الكريم أو تصحيحها أو أكمالها بآيات قرآنية واضحة بلسان مبين فقد كان اختيار الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله من أفضل الناس وأكملهم عقلا وخُلقا وأفضل الأسر وأعرقها وكان خاتمهم النبي المصطفى محمدا صلوات الله عليه كان أشرف القوم وأفضل الأسر في قريش يجمع جميع الصفات والخصال الحميدة لذا سمي محمدا وهو امتداد لأجداده ووريثهم قوما شهد لهم الناس جميعا بالأخلاق والقيم والرفعة والشجاعة والمروءة والشرف والفضائل الحميدة والعقيدة الخالصة لله الواحد الأحد وهي الحنفية توارثوها جيلا بعد جيل وبعدما بشر النبي محمد بالدين الجديد القديم كان قومه على أتم الاستعداد والانتظار عقلا وعملا إلا نفرا قليلا ضالا تصدوا له خوفا على مصالحهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية أو عنادا ومكابرة لأن الكثير منهم يعرفون أن هذا الدين سوف يقوض مكانهم على عكس الكثير منهم يعرفون أن هذا الدين الجديد ومبادئه وأخلاقياته وقيمه التي جعلها في منهاج موحد جاء لبناء مجتمع متكامل مزدهر استكمالا لما حملوه من أرثا أخلاقيا لأجدادهم وبه عملوا من قيم متعددة جاءت به النصوص القرآنية حث من خلالها على العمل والتعامل به بين الناس منها على سبيل المثال (ولا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الأرض مرحا) وعلى التعامل بالصدق والمصداقية في الحديث والفعل (يا أيها الذين آمنوا كونوا مع الصادقين) ونهى عن التكبر والاستكبار حين قال (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) والعفو والصفح عند المقدرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ومن الآيات التي تدعوا إلى البر والإحسان (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان....) و(والذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد) ومنع الجدال والنقاش المتشدد والمتعصب بدون فائدة بل أكد سبحانه وتعالى على المحاورة الهادئة البناءة (وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) و والحث على الوفاء بالعهود والعقود (وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤلا) و(وأوفوا بالكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم خير وأحسن تأويلا) وغيرها من عشرات الآيات التي تحدد أخلاق المؤمن وتشذب شخصيته ليرتقي بها نحو الأفضل ليقيم مجتمع يُبنى على السعادة والمحبة كما عرفها الحق في كتابه المقدس وهداهم إلى سبيل الهداية والرفعة (ونفس وما سواها . ألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) وكذلك (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) لبناء شخصية ناضجة متعلمة وفق اختيار العقل لها بدون تدخلات خارجية ومؤثرات حتى يكون الإنسان محاسبا عليها وفق جدول زمني في الدنيا وجزاء في الآخرة التي يعاقب الإنسان على أفعاله وخصاله الصالحة والطالحة وأن النظرية الأخلاقية التي يتعامل بها في أوى مراحل التطور له قد رسمها الله تعالى له بمنهج واضح الهداية منذ خلق الإنسان على الكرة الأرضية وأكد عليها وبغلها رسله وأنبيائه الكرام بكل أمانة.

***

ضياء محسن الاسدي

هناك مقال كتبته، ونشرته في موقع اخباري سوداني واسع الانتشار، هذا الموقع يحقق آمال "الكتاب" الواسعة، وأمانيهم البعيدة، من أن تلامس كلماتهم شغاف الأفئدة، فتتجاوب معها الأصداء، ويتغير واقعنا المكفهر، هو مقال اقتبسته من بعض الموضوعات التي حوتها رسالة الماجستير، تلك الرسالة التي أنجزتها و أجيزت عام 2009م في أرخبيل الملايو، وكنت أتصور أن هذا المقال سيأخذ حظه من الرضي والسخط، كسائر ما يكتبه الناس، فلا غرابة أن يهتف الناس لمقال، ويحتفوا به، ويصفقوا له، بينما تمجه أذواق آخرين، ويستخفون به، ويعرضوا عنه أشد الإعراض، ومقالي ذاك، أيسر ما يمكن أن يقال عنه، أنه لا يستحق هذه الحرب العنيفة، التي تسعى لأن تغض من مثله العليا، ولعل آخر ما كنت أرجوه، أن يظفر بكل هذا العنت، كلا لم أكن انتظر -لعصفي الذهني- محصلة كهذه، كانت غايتي أن أحصد نتيجة كلها سلما، وأمنا، ونعيما،  لا أن يتهمني قارئا ظالما، مسرفا في الظلم، بالسرقة العلمية، فما يجهله هذا القارئ، هو أني والسرقة، بعيدين أشد التباعد، كما أن هذا المقال الذي أثار كل هذه الزوابع والعواصف، قد احتوى على الأصول التقليدية، في كيفية الاقتباس، تماما كسائر موضوعات الأطروحة التي تغط الآن في نوم عميق في رف قصي من رفوف الجامعة الإسلامية العالمية، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هذه الرسالة خضعت كرصيفاتها إلى تدقيق جم، واسراف عريض، في الدقة والاحتياط، والغاية من وراء كل هذا التدقيق، خلاف المحافظة على الحقوق، ألا تنتهي مثل هذه الأطروحات العلمية بأصحابها لمثل هذا السخف والازدراء.

 لقد صبرنا نحن معشر "الكُتاب" في  ذاك الموقع، وغيرها من المواقع السودانية، التي تتيح خاصية الردود على مقالات "الكُتاب" على شر مقيم، وأذى جسيم، وخاصية الردود هذه  في السودان لمن لا يعلم، لا يمكن أن تبقيك آمنا وادعا،  فهي تنحرف بالغرض الذي أنشئت من أجله أشد الإنحراف، فالهدف من هذه الخاصية هو الثراء والمناقشة، وتلاقح الأفكار،  ولكن بعض القراء، يتخذونها سهاما تنتاش مهجة الكاتب، فهي تتواءم مع  ألسنتهم التي تنبري خفيفة رشيقة، لتخوض في مهاترات جزاف، ومعارك ضارية، لا ضرب فيها ولا قتال، مع كاتب المقال، لقد صبرنا حقا على سيل من السباب والشتم،  وتجريح كفيل بأن يجعلنا ننفر من الكتابة، ونزور عنها ازورارا عظيما، ولكننا قبل كل شيء، وبعد كل شيء، نرضى بحظنا من الحياة، ونستأنف نشاطنا الفاتر من جديد، ونغض الطرف عن هذه التعليقات المضطربة المعوجة، الحافلة بالشطط والجموح، لأن يقيننا الراسخ أن هدفنا النبيل، يجعلنا نذود امتهان أصحاب الطباع الملتوية، والفهم السقيم، لنا بالفتور والاهمال، وسيأتي اليوم الذي نستوفي فيه حقوقنا منهم كاملة غير منقوصة، فيوم العرض على الخالق الديان، سنتحدث في اقتضاب ودون إطالة عن الجرم الذي نالنا من بعض القراء في مواقعنا الأسفيرية، ولا أدري حينها هل تجد- هذه الناجمة من قبيلة القراء- طبيعة فاترة لينة تتجاوز وتسامح، كما كانت في الدنيا، أم طبيعة غليظة جافية، هاجسها التشفي والانتقام، من كل من أمضى لحظات طويلة أو قصيرة، في ذمها وتحقيرها.

وحتى أقطع الصلة بيني وبين هذا الاستطراد، أقول لمن رمانا بالسرقة العلمية، قل ما شئت -سيدي- مما يسوء ويرضى، وأمضي في عبث عنيف كان أو رقيق، فلن تجد شيئا يمضنا أو يثقل علينا، ولكن في الحق أن زعمك هذا الذي يحتاج لتحرير الحجة، وإقامة الدليل، جعلني أغرق في الضحك، و أصدقك القول أنه ضحك يشوبه البكاء، فأنا رغم كل هذه المرائر اكتشفت بسببك، أن هناك عللا وأمراضا لا تحتاج إلى تقويم، فقد لاح لي بما لا يدع مجالا للشك، من تلك الأدلة التي سقتها- سيدي- لتأكيد تورطي في هذا الجرم الشنيع، جرم السرقة العلمية، أنك تخضع خضوعا رائعا للسذاجة، والسذاجة كما نعلم، تشغل صاحبها عن التفكير، لأن عقله الناضب، لا يحمل خصائص ومقومات تعينه على التحليل، والتعليل، والتأويل، السذاجة حقا داء لا يمكن مقاومته، أو معارضته، أو الحد منه، أنا الآن بعد أن عرفت الداء الذي تعاني منه، لا أستطيع أن أنكر عليك شيئا مما قلته، فالشحوب الذي يعاني منه عقلك، يضطرني أن أتحدث إليك حديثا عذبا، ماتعا، بعيدا عن الصرامة والحزم، حديثا لينا غضا، يماثل حديثنا مع الأطفال وأصحاب "اللطف"،حديثا لا يعنيني أن يثمر أو يفيد،  أو التمس فيه نفعا يعود لمن يستمع له، لأن من يستمع له، لا قدرة له على التفكير والتصوير.

أما بعد، كنت أود أن أمضي في هذا الحديث حتى أبلغ به أقصاه، رغم أني أعلم أنه لن يفضي إلى شيء، ولكن فضل من عقل يمنعني من تكملته، أود أن أشكر هذا القارئ الساذج في خاتمة هذا المقال، هذا القارئ الذي أساء بنا الظن، ودمغنا بهذا الاتهام الرائع الجميل، أشكره على هذه اللحظات الندية التي أنفقتها معه، والتي جعلتني أظهر على عوالمه، وأقف عليها، وأنا حقا متعاطف معه، كما يتعاطف غيري مع طائفة السذج، فهم كما نعلم مقيدين بأغلال "الفدامة" والخبل، فالساذج لا يمكن أن نلومه، أو نعتب عليه، بل يجب إذا قادنا حظنا العاثر، ووجدناه جاثما أمامنا في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل،  أن نمعن معه في أحاديث جوفاء، وأن نبتدره نحن بحديث شائك طويل، طالما أن عقولنا تشكك كثيرا في الأحكام التي يرسلها لسانه.

***

د. الطيب النقر

 

المواطن السوداني الذي خلت حياته من حكومة تحنو عليه، اعتاد على رهق الحياة، وعنت البؤس، وظلّ يكابد غصص الحرمان، وفداحة التكاليف، برحابة صدر وثبات جنان، نعم لقد اعتصم من يكدح سائر يومه، لا يعرف للدعة طعماً، أو للراحة سبيلا، بالصمت البليغ، فلم يعد مجلسه يضج بالشكوى والتذمر، أو يشيم مخايل الرجاء، في أنظمة سقته الصاب والعلقم.

إنّ من يسعى على عياله، واصلاً نهاره بليله، وصباحه بمسائه، نظير قراريط تملأ حواصل زغابه بالحصى والتراب، لم أجد أصبر منه على خطب، ولا أقوى جلداً منه على نازلة، فرغم أنه قد لصق بالدّقعاء، ويعاني من فداحة الظلم، ومرارة الإهمال، مازال يتهاون بضروب الآلام، ويصم أذنيه عن ضلال الأقلام، التي تصور أنه قد أضحى في ظل هذا العهود المكفهرة من أهل المخمل والديباج.

إن الأمر الذي لا يعتريني فيه شك، أو تتنازعني فيه ريبة، أنّ مثل هذه الأقلام السقيمة، التي تُطمِس الشاهد، وتُبهِم الأثر، لا تنطوي في عُرف الحقيقة على شيء، بل هي أس البلاء، ومبركُ الفتنة، فهي من تأكل أكل السرف، وتلبس لباس الترف، وتدع الغير صرعى للفاقة، وأسرى للمرض، هذه الأقلام لن يرسخ لها أصل، أو يسمق لها فرع، رغم لفظها المختار، ومعانيها المصقولة، لأنها تسعى أن تعطيك صوراً للدنيا غير مملؤة بالقتام والضنك، ولا أحسب أنّ يراعي قد حاد عن جادة الحق والصواب، إذا زعم أنّ صرير هذه الأفلام، سوف يطمر ذكرها التاريخ، ويدفعها إلي زاوية النسيان، لأنها جاهدت أن تجعل من الإنقاذ، وغيرها من الأنظمة التي تلتها، لوحة مبرأة من كل عيب، وتحفة خالية من كل كدر، ونسيت أو تناست، أن للحقيقة نور ساطع، وبرق لامع، لا تخفيه الغيوم، أو تحجبه القرون. ليت هذه العصبة التي تتصدر كل مجلس، وتتصدى لكل حديث، تجعل من المواطن مجتلى يراعها، وساحة تفكيرها، ليتها تكف عن مداعبة الأغصان الملد، والأوراق الغضة، وتهتم بمن تخالجته الهموم، وتعاورته الغموم، ليتها تنافح عن المسكين المُعدم، الذي تخونت جسمه الأسقام، حتى ذوى محياه النضر، وتهدم جسده الوثيق، وتلاشى عضله المكتنز، في ظل هذه الحروب التي لا تأصرها آصرة، ليت هذه الأقلام توفي الحديث عن تبلد الحس، وطغيان الشهوات، وموت الضمائر، كما تفعل الأقلام المُلهمة في دياجير الأخطاء، أقلام الشرفاء التي تستند إلي عقيدة راسخة تطاولت على الهدم، وتعمقت على الإجتثاث، وترتكز على فكرة قوامها رفع الظلم عن كاهل الجماهير، مقالات النبلاء التي تشرق بنور العقل، وتنبض بروح العاطفة، تزود عن قدسية الحق، وتنشد رفاهية هذا الشعب، الذي ما زال صامداً على عرك الشدائد، مدونات العظماء التي تسري هموم النفس، وتهون متاعب الحياة، فيزدهر الوجه الشاحب، وينبسط المحيا الكئيب، ويبتسم الثغر الحزين.

ترى متى تدرك حكومتنا “الشاحبة” الحانية، شفقة بهذا الشعب الذي قرعت ساحته الأحزان، وصارت حياته مرتعاً تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، متى تُبقي حكومتنا الرشيدة، على من نابته خطوب الزمن، وتخرمته بوائق الدهر، وطحنته الهيجاء طحن الرحى، ووطئه التاجر الجشع بكلكله، متى يلبي المجلس السيادي كل نداء، ويؤدي كل واجب، تجاه هذا المجتمع، الذي مناط أماله، وحديث أمانيه العجاف، نظام سياسي يقيم أوده، ويسد عوزه، ويأمن سلامته، ويوقف هذا البوار.

***

د. الطيب النقر

 

كان العنصر البشري من تلك النوعية المستعدة لفعل أي شيء مقابل الحصول على الأرض من العناصر المهمة لنجاح المشروع الصهيوني وذلك عن طريق إقامة الكيبوتسات كوسيلة استيطانية وصنع علاقة عضوية بين اليهودي والأرض.

واليوم برزت حركة تعمل في مجال استيطان الضفة الغربية تسمي نفسها "فتيان التلال" ويعرفون عن أنفسهم بأنهم طلائعيون يكملون المهمة الاستيطانية التي بدأها أجدادهم. غير أن هؤلاء ينطلقون من أيديولوجيات دينية تتمحور على حد قولهم حول الوعد الإلهي المسمى "أرض إسرائيل". بينما أولئك الأوائل كانوا ذوي توجهات يسارية عمالية.

ويرتدي هؤلاء الفتيان قمصانا مكتوب عليها بالعبرية" حيثما يمر المحراث هناك تمر حدودنا" وهذه المقولة مستمدة من مقولة لأحد طلائعيي الهجرة الصهيونية الثانية "يوسف ترومبلدور" الذي هاجر إلى فلسطين عام ١٩١٢ حيث أصبحت مقولته إحدى شعارات الحركة الكيبوسية التي تولت مهمة الاستيطان وقتها.

ويعمل " فتيات التلال" في رعي الغنم والبقر وفي الزراعة وحراسة المستوطنات. كما يؤدون وظيفة مهمة ألا وهي تهجير الفلسطينيين عن طريق مهاجمة القرى الفلسطينية حيث يقتلون ويسرقون وبذلك يكملون بالفعل ما بدأه إسحاق بن تسفي حينما أنشأ هشومير في بدايات القرن العشرين والتي تولت وقتها مسؤولية حراسة المستوطنات اليهودية ومهاجمة القرى الفلسطينية وقتل اهلها.

فدور هؤلاء الفتيان يكمل المشروع الاستيطاني.فالسيطرة العسكرية والسياسية وحدها لا تكفي لاستكمال هذا المشروع، وهو لا يتأتى إلا عبر المستوطنين ومواشيهم ومزارعهم التي تزاحم الفلسطينيين على أراضيهم وممتلكاتهم وحرمانهم منها تدريجيا.

فعن أي معاهدات ومفاوضات نتحدث أمام ما يحصل ،ومثل هؤلاء يساهمون بمنع قيام دولة فلسطينية عن طريق منع صنع تواصل جغرافي بين أجزاء القرى والمدن الفلسطينية عن طريق عمل بؤر استيطانية تقطع أوصال الأرض بالتالي تقضي على هذا التواصل؟؟

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ وفي جريدة هآرتس العبرية بتاريخ ٢٤/ يناير، يطالعنا خبر بعنوان : "جيش الاحتلال يدرس تسليح فتيان التلال بصواريخ مضادة للدروع".

متذرعة بخوفها من تكرار سيناريو ٧/ أكتوبر في غلاف غزة، وأن هذه الخطوة تأتي في ظل تزايد حدة المواجهات والاشتباكات بين المقاومة وجيش الاحتلال في الضفة الغربية والتي تنذر باندلاع انتفاضة جديدة.

***

بديعة النعيمي

هو أكثر المفاهيم غموضا، حيث تدور حوله نقاشات وجدليات قد لا تنتهي باتفاق على تحديد المراد من المفهوم فما هو العدم!؟.

الحقيقة أن العدم هو تعبير عن تعطل أدوات إدراك الواقع ولايعني عدم الوجود، لأن اعدام الشيء يعني إلغاء أبعاده الواقعية الرياضية مما يجعل إدراكه بالمدركات الحسية الواقعية متعذرا موضوعيا لأن الأمر كله مرتكز.

على التناسب بين أدوات إدراك الشيء وبين شيئيته والشيئية تعني الشكل الظاهري المؤثر في استجابات المدركات الحسية التي تناسب تلك التأثيرات؛ فلو أنك افترضت وجود جسم معتم ولكنه يصدر صوتا فأن الاذن ستكون الدليل على وجوده رغم أن العين لاتدركه وهكذا مع باقي الحواس وبذلك فإن وجود شيء لايتسبب باستجابات حسية لمجموعة الحواس التي يمتلكها الإنسان سيكون بمرتبة العدم الافتراضي رغم أن له وجود اخر ولكنه غير مدرك .. لاحظ قول الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾

مما لاشك فيه أن قول الله تعالى «ولم تكُ شيئا » لاتعني العدم وانما تعني أنك لم تكن على شاكلتك هذه حيث أن الله تعالى لم يقل بانك كنت عدما أو أننا خلقناك من عدم وانما أشار إلى الشيءية وهي تعبير عن الهيأة على أن هذا المعنى يؤكده قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب [الصافات 11].

﴿ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ .. 20  الروم

لاحظ كيف أن الله تعالى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن فكرة العدم ليست واردة ابدا وانما كل ماخلقه الله هو تعبير عن إيجاد حالة من التناسب بين المدركات الحسية ومايناسبها من الابعاد.

الرياضية الهندسية، وهذا ينطبق على مختلف التشكُلات المُعَرفة هندسيا، لذلك فأن من غير الممكن موضوعيا وواقعيا أن يدرك الإنسان الفراغ رغم عقلانية وجوده ورغم أنه يحمل مسمى الفراغ لكنه غير مُعَرف على قاعدة بيانات الإدراك الحسي، فهو فراغ غير متصور وانما هو فقط مستوى مفهومي.

لايمكن تحديد ملامحه لذلك لايمكن وصفه بالعدم. لذلك بحسب فهمي أن فكرة أن الكون ناشئ من العدم انما هي فكرة ساذجة لايمكن قبولها من عاقل.

***

فاضل الجاروش

يُعرف عن كرة القدم أنها لعبة تُقسم الناس، وتجعل منهم فرقاً وأحزاباً كل منها يتمنى الفوز، لكنها في العراق تفعل العكس حيث توحد الجميع، وتتحول المدن إلى كرنفال رياضي، يتابع الناس فيها سحرة الكرة الذين طغت أخبارهم على أخبار السياسيين وبيع المناصب ةتخوين المواطن المغلوب على أمره، ووجدنا من يهتم بالكرة أكثر مما يهتم بتغريدات "البروفيسورة" عالية نصيف عن النزاهة والإصلاح وتقلبات محمود المشهداني من الكوميديا الى التراجيديا .

يحسب لمنتحب العراق الوطني، أنه كشف لنا حجم المحبة التي يحملها العرب لأشقائهم العراقيين، وكيف تحولت القنوات الرياضية الخليجية إلى كرنفال يتغنى بحب العراق، فلم تعد تعني هذا الشعب خطابات التحريض وتغريدات الانتهازيين وتخويفهم من كل ما هو عربي . في واحدة من المشاهد المثيرة التي تعرضها الفضائيات شاهدنا مشجعاً اسمه " رسول" الدموع تنهمر من عينيه وهو يتحدث عن العراق الحلو، القوي، الذي كما وصفه " لن يصبح حايط نصيص أبداً "، وربما فات الشاب رسول أن بعض اعضاء برلماننا الموقر يتمنون أن يبقى العراق "حايط نصيص" مرة لصواريخ طهران ومرات طائرات أنقرة . على الشاشة تظهر سيدة عراقية لم تتمالك دموعهاعندما ذكر أمامها اسم العراق، وهي تردد: " أفتخر لأنني عراقية " .

إن أحد أهم ثروات الشعوب الحية هي ثروة الثقافة والفنون والرياضة، إلا أن البعض لا يريد أن يتذكر مؤيد البدري وثقافته وابتسامته، ويصر على أن يجعل من حكيم شاكر نموذجاً يسيء من خلاله إلى روح الرياضة المتسامحة والمتسامية .

ما تحقق في قطر ليس مجرّد فوز بمباريات رياضية، كما أنه ليس فقط احتفال بفريق لكرة القدم، وإنما نحن أمام إنجاز وطني للذات العراقية التي قرّرت أولاً أن تؤمن بقدراتها، وثانياً أن تستخرج هذه القدرات التي أريد لها أن تختبئ تحت ركام الطائفية والخراب .

وأنا أنظر إلى الوجوه التي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب.. وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون أن ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في هذه الوجوه أنها أثبتت أننا شعب لم لم يفسد رغم محاولات البعض إفساد مناخ الألفة فيه .

في كل بطولة يجعلنا المنتخب العراقي نعشق كرة القدم على طريقته الخاصة، نعشقها لأنها رياضة المحبة، لا صناعة السياسيين.. نحبها لكونها وفرت مساحة من الطمأنينة والصدق مارس من خلالها الناس حق الفرح والأمل، وسط بيئة عربية محبة للعراق، تؤمن أن هذه البلاد تستحق كل ما هو جميل ومميز.. ألم يصرخ المشجع رسول بأعلى صوته: "العراق حلو ياجماعة"؟.

***

علي حسين

 

كثيرا "ما يطرق أسماعنا هذا المثل الدارج ولو تأملنا في كلمة زوبعة لهاجت النفس وماجت خوفا" من تأثير وإشتداد الرياح وهيجانها وما تخلفه وراءها من دمار في الأموال والارواح وهي عبارة عن دوران الرياح حول نفسها وقد ترفع الأشياء عدة أمتار وتهوي بها وقد تقتلع الأشجار من جذورها وتدمر كل ما تمر عليه في طريقها لكن عندما تقترن مع كلمة فنجان يكون وقعها أهون مما نتصور لان مساحة الفنجان صغيرة لا تسمح بذلك، لكن في الحقيقة هو مثل يضرب ولا يقاس كباقي الأمثال العربية وتطلق لحالة الثوران والهيجان المحدود والذي لايدوم طويلا " .

وهكذا ينطبق لكل فعل وعلى جميع الأصعدة عندما يتم تضخيم موضوع معين ويعطى حجما" أكبر من حجمه الحقيقي لا سيما في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الإجتماعي والتي وجدت من أجل أهداف أسمى وغايات أرفع دون إعتبار لما ينجم عنه من توترات وإحتقان وضغينة بين مكونات المجتمع الواحد والذي تربطه قواسم مشتركة منذ آلاف السنين من الأرض واللغة والثقافة والعادات والتقاليد الإجتماعية السائدة بينهم وقد تكون لغاية في نفس يعقوب قضاها وماتؤول اليه من نتائج لا تحمد عقباها، وعليه ينبغي التعامل مع كل المشاكل صغيرها وكبيرها بعقلانية وضمائر حية بعيدا"عن العواطف الجياشة التي تثور في ساعتها وسرعان ما تخمد ونتيجتها الندم المحتوم وحينها لاينفع الندم عندما تظهر الحقائق كما هي دون تزييف أو تحريف ليقي الناس شرها من خلال تعميق الثقة المتبادلة بين الأطراف المتنازعة وصولا"الى الهدف المنشود والذي يبحث عنه طرفي النزاع .

***

حسن شنكالي

كانتا اقوى دولتين في العالم القديم، اما امة العرب فقد كانت بينهما، مشتتة مترهلة، بعضها ولاؤه للفرس والاخر للروم والقلة الذين لا ولاء لهم للغير يتناحرون فيما بينهم، لأجل الاستحواذ على مقدرات العيش، ربما كانت البيئة ليست صالحة للزراعة المستدامة باستثناء بعض المناطق النهرية، في العموم كانوا رعاة غلاظ، لم يسعوا الى بناء كيان متحد كـ(جيرانهم)، ظلوا مشتتين الى ان اتى الإسلام فوحّد بينهم، وخضعت لهما الفرس والروم بفعل الرسالة السماوية وتعاليمها السمحاء، والقوة التي تم بناؤها، فاستطاعت الامة نشر الدين الاسلامي في وقت وجيز وثبتت اركانها المترامية الاطراف لمئات السنين.

اليوم (24 يناير 2024 )هناك اجتماع في انقرة مع رجال الاعمال في دولتي ايران وتركيا الوريثان الشرعيان للقوتين العظميين قديما، حضرة رئيسا الدولتين تكلل بتوقيع اتفاقيات للتعاون المشترك بينهما، تحدث الزعيمان عن انهما يمثلان قوة اقليمية ويؤثران في مجريات الاحداث بالمنطقة، تحدثا عن غزة والجرائم التي ترتكب بحق سكانها وعن الارهاب ومن صنعه ومقاومتهما له وعن املهما في تغيير الواقع واندحار القطبية الواحدة الى عالم متعدد الاقطاب، ينعم بالأمن والاستقرار.

استمعت الى كلمتي الرئيسين متمعنا المحتوى، مثمنا ما توصلا اليه على كافة الاصعدة، الاقتصادية والصناعية واستفادتهما من العلوم التطبيقية في مجال التصنيع الحربي برا وبحرا وجوا، من خلال تسخير امكانياتهما لخدمة شعبيهما والمحافظة على كيانيهما من التشتت والفرقة بين مكوناته العرقية لتبقى الدولة السياسية الضامن والحامي للشعب.

في نفس الوقت انتابني شعور بالاسى والحزن لما وصلت اليه احوالنا، نحن نعيش في اسوأ حال رغم اننا تحصلنا على استقلالنا الذي كتبنا له عديد الاناشيد وصنعنا الرايات المزخرفة بعدد دولنا التي رسموها (اختطوها) لنا ضمن اتفاقية سايكس- بيكو، لم نعد امة بل اصبحنا امم، ورغم ذلك لم يستطع أي منا ان يحافظ على كيانه السياسي المزعوم، يدرك اعداءنا جيدا ان أيا منا لن يستطيع ابناء قوته التي من خلالها يستطيع المحافظة على كيانه السياسي، لتبقى هذه الكيانات على ارتباط وثيق بهم.

هناك العديد من المحاولات التي بذلت لأجل لم شمل الامة ان لم تكن اندماجية فأقله تكتل سياسي اقتصادي عسكري لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، لان هناك من الرؤساء من يرى في انضمامه الى التكتل انتقاص من قيمته، جامعتنا العربية فقدت مبرر وجودها، لم تفعّل فقرة الدفاع المشترك بدستور الجامعة، القائمة السوداء التي تضم الشركات المتعاونة مع الكيان الغيت، وحل محلها التطبيع دون قيد او شرط، امكانيات دولنا مجتمعة تفوق امكانيات جارتينا، أما عددنا فانه اضعاف مضاعفة لشعبيهما، وفي التعليم لدينا خبراء ومستشارون في مختلف المجالات، لكن ما تنقصنا هي ارادة البناء والاستقلال الحقيقي عن الغير.

غزة تدك بمختلف انواع الاسلحة وتكاد تسوى مبانيها بالأرض، ساستنا يتفرجون، اما شعوبنا فهي مهزومة من الداخل، رغم الامكانيات تعيش في فقر مدقع، الأموال الطائلة تتمتع بها فئة محدودة، السلاح منتشر بشكل لا يوصف لبث الخوف وعدم الاستقرار، ليعيش حكامنا النعيم الارضي. نكتفي بالدعاء لغزة، وشعبها يتضور جوعا وفي امس الحاجة الى شربة ماء، نحن نثغوا كالشياه، نجتر ما يلقى الينا من رديء الطعام.

الفرس والروم يصنعون السلاح للدفاع عن كيانيهما ويبيعانه للغير للاستفادة،  بينما نحن نشتري السلاح بأثمان باهظة ولا نقو على صيانته، واستخدامه فيما بيننا وفي النهاية يصبح خردة نصدره الى الخارج بأسعار زهيدة.

للأسف الشديد وبعد مرور 14 قرنا، لازلنا نعيش عصر الجاهلية الاولى، فبعضنا ولاؤه لهذا الطرف وبعضنا الاخر لذاك الطرف، والقلة محايدة لا تقو على فعل شيء.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

محور فيلادلفيا شريط حدودي عازل يفصل بين الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية. ويمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا. تتنازع عليه ثلاث قوى،حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) ومصر ودولة الاحتلال.

أنشئ عليه معبر رفح الذي يعد المنفذ الرئيسي لسكان غزة على العالم الخارجي.

وقد ظهر هذا المحور على إثر معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٩ بين مصر ودولة الاحتلال. وظلت الأخيرة تسيطر عليه حتى عام ٢٠٠٥(خطة فك الارتباط) حيث تم تسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر بوجود مراقبين دوليين. لكن خطة فك الارتباط نصت على احتفاظ دولة الاحتلال بوجود عسكري لها على هذا المحور بهدف توفير حماية أمنية لها. غير أنه وفي عام ٢٠٠٧ سيطرت حركة حماس على القطاع وخضع المحور لسيطرتها، فما كان من دولة الاحتلال إلا أن فرضت حصارا خانقا على القطاع ، ما دفع سكان غزة للتزود بالمؤن عن طريق عبور هذا المحور وهنا قامت مصر بفرض سيطرتها عليه. فلجأ أهل غزة عندها إلى حفر الأنفاق لاستكمال عملية التزود بمتطلبات الحياة التي لا تتوفر بسبب الحصار.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ قامت طائرات دولة الاحتلال باستهداف محور فيلادلفيا وقصفه بقوة. وفي تاريخ ١٣/ كانون الأول ٢٠٢٣ تم تسريب تصريحات لبنيامين نتنياهو عن نية دولته السيطرة على المحور. حيث قال" دون السيطرة على محور فيلادلفيا لا يمكننا القضاء على حماس". وأصبحت قضية هذه المنطقة محورية لدى أطراف أخرى في الحكومة. فقد ورد تصريح خطير للقائد السابق للقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال دان هاريل " من يريد السيطرة على على ما يحدث في قطاع غزة من ناحية التسلح فلا بد من السيطرة على محور فيلادلفيا". إلا أن البعض لم يؤيد فكرة احتلاله والسيطرة عليه ومن هؤلاء بيني غانتس عضو مجلس الحرب في دولة الاحتلال. وما هذه الفوضى والتخبط في القرارات إلا بسبب الفشل الذريع الذي لاقاه الجيش.

فبعد قصف البنية التحتية لقطاع غزة وارتكاب مئات المجازر التي خرق بها ما يسمى بالأعراف الدولية والإنسانية دون إحراز أي انتصار بتحقيق أهداف الحرب التي تذرع بها نتنياهو يأتي دور هذا الشريط الفاصل (محور فيلادلفيا) بحجة أن الأنفاق التي تكمن تحته سوف يمكن المقاومة الفلسطينية من تأهيل نفسها عسكريا من خلال تهريب السلاح.

***

بديعة النعيمي

لم يعد موضوع انكار العمر والتنكر له صفة لصيقة بالنساء فقط، بل هناك العديد من الرجال في الوقت الحالي يتنكر لعمره ويخفيه، ويخاف ويخشى من الاعتراف بحقيقة عمره.  لمن شارف على الخمسين من العمر الزمني اود الكتابة والبوح، التنكر لهذا العمر والتشبث بوهج شباب لعمر زمني بدأ بالعد التنازلي السريع لا يجلب سعادة حقيقية، ولا يقرب لجوهر وحقيقية الانسان الكامن فينا، وقد يبعدنا عن الحكمة والصدق، رأيت اشخاص بدأوا ينكروا عشر او أكثر من سنوات عمرهم ويعطون رقما أصغر، فلا يغيب عنا اننا كائنات معنوية في الأصل، بالروح نحيا والروح بالجسد تظهر، وستفارق هذه الروح الجسد في اي لحظة كتب فيها لها اجل "مسمى او غير مسمى".

اننا منظومة ان شاخ وكبر عمرنا الزمني فجمال الروح ان اتصلنا بها يشرق ويتجدد بمر السنين، نحن نفس ان تعرفنا عليها وتمكنا من صحبتها وتزكيتها وتنميتها فأنها سوف تضيء بمر العمر والسنين، نحن فكر وقناعات ان وفقنا في ترتيب هذه القناعات وفق مرجعيات رصينة ونيات خالصة، وتمكنا من انتقاء غذاء فكرنا بعناية فائقة فانه يشب وينضج ويكون كالسراج ينير ظلام دروب سبلنا، نحن قلب ان سكن الأيمان هذا القلب وطبعت المحبة فيه فكانت عنوانا له فسوف يحل الجمال والاشراق والتجدد فيه.

لنكن اقرب لحقيقتنا، وندع السنوات تتخلل اجسادنا وتفعل الطبيعة فعلها ونحن  نراقب بتروي وطمأنينة ولنذكر انفسنا ان العيش الواقعي ينتج حياة اكثر وضوح وحقيقية وعافية، وان الانكار ما هو الا حيلة يبتدعها الدماغ، وعادة هذه الحيلة ينتجها ويطرحها امام غير المستعد والخائف، لكي يساعده على الحفاظ على بقائه وعلى الاستمرار، اما ذاك الواعي الشجاع المتفهم لطبيعة الكون وقوانينه وانه عضو وجزء من هذا الكون تسري عليه القوانين كما تسري على غيره من مخلوقات الله يعيش راضيا متقبلا اكثر سكينة، فالسكينة لاتحل ولا تظهر إلا بانحسار طبقات عديدة من الخوف والمخاوف داخلنا، وإزاحة الكثير من الانكار، السكينة والحكمة تنبثق مع اشراق الحكمة، والحكمة ترادف الحقيقية وتبتعد عن الوهم والزيف. وهذه ليس دعوة لإهمال اجسادنا، بل هي دعوة لتقدير كامل منظومتنا والتركيز على كامل أبواب وفصول قصتنا،" فكل بقاء يكون بعده فناء لا يعوّل عليه.. كل فناء لا يعطي بقاء لا يعوّل عليه". ولا بقاء لجسد وانما يصح البقاء للفكر والأثر الروحي الجليل وقد أحسن واجاد احمد شوقي حين قال: " فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني".

***

د. حميدة القحطاني

 

في المثقف اليوم