صحيفة المثقف

لقاء مع د. صدام الاسدي

sadam alasadiس: كيف تصف الغربة؟

ج: لقد كتب على الشاعر العراقي ان يعيش منفيا ً في هذه الارض .. فالغربة صخرة متفجرة من ينبوع الحرمان قد عذبتني كثيراً وافدت من عذاباتي باكتشاف مئزر العري الذي ستر جرائم الجلاد فلن اتحدث عن غيبيات مشتعلة بل ارسم اشجارا ً تنمو في معطيات الروح ولعلي اضع نفسي في قفص الاتهام لأول مرة بعد عمري الخمسين واتحدث من خلال المذياع فأن اللغز الذي افترضته لنفسي هو الحرية التي طالما ناغيت بها فتمرد الكلاب .

يا ايها الذئاب تحاربون شاعراً يحب داحي الباب         قررت من طفولتي احارب الكلاب

احمد الله واشكره على ضياع اربعين عاما في زمن الجهلاء والمتبقي سوف يضيع في زحمه التناقض و الفوضى فبالأمس جلس في مكاننا من يحب الادب على الاقل او اليوم قد اختلط الحابل بالنابل وعليك ان تتابع الاعلام لترى تلك الفوضى القاسية ولكني اجد نفسي تنطلق من قول الامام (علي) ع (كن في الفتنة كالابن اللبون لا ظهر فيركب ولا وبر فيسلب ولا ثدي فيحلب)

 

س: ما جائزتك في الابداع؟

ج: الصمت عندي جائزة الابداع التي كللت عبقريته البريكان فان الزهور الشعرية التي قطفتها قسرا من ايدي الجهلة من اشجار الشعر تجعلني اسجل في دائرة الصمت واغلق باب الكتابة حتى ارى ماذا ستحل به الايام وماذا ستحلب الليالي؟

هنا سكت الصمت عن مفارقات الزمان

هنا رفع الدم ثارا الحسين الشهيد هنا سكتت القا ً كربلاء

ويبحث عن  قاتل و وغد عنيد يسمى يزيد

 

س: كيف تنظر لسوط  الجلاد؟

ج: السوط لم يوجع اثر جسدي اما روحي فقد اطلق جهة لتطير فوق سماوات البحث عن البديل وكان الشعر سبيلي فالجلاد لم يترك لي شيئا ً سلب موهبتي حريتي ضيق لساني قتل مستقبلي حرمني الدراسة وحارب ابنائي وهم اذكياء ولكن بالعصامية و الصبر وصلنا الى طموحنا فها انا من مضمد بيطري الى استاذ و اولادي كما تعلم اصبحوا اعلاما  كان اخر يوم 17:2:1987 صدور امر اعدامي لتنبؤي سقوط العراق في 18:3:2003 حسب خطبة البيان .

لحظة لحظتان .. ساروي الى الجمع سرا يكاد يضيع

لقد خط في النهج ان العراق الجريح

يسجل بالعار يوما وتنفجر القافلات

وتسقط كل التماثيل في شارع الاحتفال

فهلا رأيتم بلادا تغير اسماءها في لحظة الابتهال

فعام سيأتي يسمى ثلاثة .. الفين

فيه يغير وجه العراقي

ولكن واسفي سيحرقه الاحتلال

 

س: هل اسكتوا صوتك الشعري؟

ج4: كلهم ارادوا ان يسكت صوتي العلوي وكلهم يحسدون قدرتي وعصاميتي وسرعتي مع الارتجال وبديهتي في الخطابة بل يثنون لساني الجارح السريع فلم اجامل احدا على حساب الشعر والنقد ولو دفعت عمري ثمنا .. فشرف الاسدي ان يموت على منصة اهل البيت شاكرا دعني احمل مشنقتي واسير بتابوتي وحيدا باحثا عن مقبرتي التي كتبت عليها

                             اني قسمت العمر بين اثنين

                                               الله ربي اولا وحسين

دعني اجوب شوارع الطين دون غناء .. دعني اقطع غربتي باحثا عن فكر حتى يغير التاريخ ثوبه الممزق دعني مع الاشلاء التي بعثرها انكساري فماذا اقول ايها المغني عندما صهلت تحت ثيابي خيول الموت وبرقت تحت ضلوعي طبول الجهل و الفشل دعني في منفاي وحيدا بلا اكاديميين ولا ادباء واشكر الذين زرعوا طريقي بالقنابل فلولاهم ما وصلت الى هذا مكاني وتسلقت عرش الرماح .

 

س: هل انت فيلسوف؟

ج: لست بفيلسوف حتى اضع فلسفة وانظر تنتظراً فما زلت اسير في طريق شعري تقف جذوره على قشور لا توحي بشيء بل تفوح برائحة الصنعة وحسبي ارى الادب المعاصر مصابا بالإحباط والعقم  وسيزعل الالوف من يمارسون العملية الكتابية فما زلت في عقدي الخامس ولم اسمع بغير الاجراس ترن للسياب والبريكان ولمحمد خضير فأين ارسم .. انه نفخ في الكوى وجعجعات بلا طحين  معوق يمسح الخطى بالعصا كلنا بعيدون عن الدرب الحقيقي فأين الشاعر الذي يحيل الواقع الى لغة سهلة ويغسل اوجاع الزمن بأبيات قصيدته ومدارات قصته وافاق دراسته انها ساحة ملأئ بالفوضى والادعاءات فقد كثر الشعراء وقل الشعر وخوفي ان تكون نبوءة الدكتور زكي مبارك (يولد الشعراء في العراق ويموتون في مصر)  صحيحة ولكني قد اتفائل بالشعر البعض في صحو وسوف تمطر سماء الابداع يوما عندما تشرب شجرة الشعر ماءها ويطلق العندليب الجريح صوته حرا وعندما تتسرب القصائد الى قلوب الناس واعماقها دون وصايا فلماذا يحرق النار بقايا دمه لماذا يفجرني جسده النحيف ويقف في نقطة يأس لا حدود لها فكما قال اليوت الشعر هروب عن الانتقام وهروب اخر عن الشخصية وقال كولارج (الشعر الرائع ترجمة الواقع الى المثال) واخيرا ان كل الشعر على وجه الارض لا يرتقي لو لحظه من شخصية الحسين عليه السلام

يبقى الحسين مدى التاريخ لافتة ....  تدق في جبهة الانسان للأبد

 

س: هل تبالغ في الوصف الشعري؟

ج: ربما تقول اني ابالغ في ذلك الوصف فقد كتبت قصائد لا يصدقها السامعون وقد وجهتها الى السلطة الحاكمة آنذاك منها:

(ارفع يديك عن الحسين  محالا  ومنها .. ارى رجالا كأسماك مبعثرة من الرؤوس الى اطرافهم فسدوا)  ومنها  (.. اني اراها جميع الناس قد جلست لكنني لست القى بيهم رجلا)

وقد انهيت دراسة الماجستير في كلية التربية عام 1995 وقد عوقبت بسبب قصيدتي خيط الدخان وخرجت مكملا ً ثم نجحت وكذلك في الدكتوراه في جامعة الكوفة القيت قصائد على اهل البيت وامام الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد وفيها قلت:

كم بايعوه يزيد العصر بيعتهم   وعلقوا فوق باب الخوف اسمانا

كم صدقوا من خداع الذئب لعبته   وقاسموه يذيق  الناس الوانا

كم ارسلوها تقاريراً لمقتلنا        وقطعوها لنا الاحشاء احيانا

وسوف يأتي لنا المختار ثانية   وسوف تسمع صوت الحق اهدانا

س: هل تغالي كثيرا ً؟

كما يقول الشاعر المرحوم الدكتور الوائلي

فاليوم يحترق الجبان لأنه شرب   الهوى  وعلى يديه المنبع

اقول ان العراق غالي واني اخاف عليه من لفظ حروفه في فمي

الله الله يا خوفي على وطني على اسمه خفت من ترديده بفمي

أي شعر سيرتقي في مقالي      وبلادي اسيرة الاحتلال

أي حزب يصير ضوء ويرقى     ليصف العراق فوق المعالي

ايه ارض متى ستطلع شمس    مثل شمس الحسين بعد الزوال

ان هذا العراق مليون عام       عبر الصعاب في صعاب السجال

وسيبقى العراق للشرق صوتا   يعربيا في النائبات التقالِ

كنت كما انت يا عراق شموخا    وستبقى الرصيد للأجيال

اني ارضي بلا الحسين سراب     لا تقل في هواه اني مغالي

ليس هذا العراق طفلا يتيما   حين يبكي تثور تلك الليالي

 

س: انت هل تميل الى الانحراف في شعرك؟

ج: ليس جديد هذا الانحراف في ارض النبوة والانبياء فالأرض التي قتلت عليا في محرابه وقتلت الحسين في كربلاء ليس صعبا عليها ان تلطخ ترابه الطاهر بوباء انه لكأس حسين يضاف الى تضحيات شيعته فهنيئا للحسين بمحبيه وللعالم بمحبيه انها الشهادة وماذا بعدها من شهادة

خسئوا اذا جرحوا الحسين بكربلا

عجبا يطاول اقذر الناس العلا

مهما يزيد المجرمون تحديا

فنزور قبرك يا حسين تبجلا

لا نستطيع من الذهاب لمكة

لمصاعب و الظرف اصبح قاتلا

ولذا نرى ان الحسين محجة

نمضي لها ونحج حجا اكملا

 

س: كم مؤلفاً تركت في حياتك؟

ج: لقد تركت ثلاثة عشر ديوانا في بيتي القديم مع مجموعة المسرحيات والبحوث الادبية وبعد سقوط الجلاد انجزت الاعمال الاتية .. ديوان شعر لأهل البيت عنوانه  السيف ما قتل الحسين وديوانين اخرين الاول قبل ان ينطفئ الزمن  ثم مئزر من  الزبد تضم قصائدي من عام 2001-2003 مع مسرحيتين الاولى نفحات الغدير و مسرحية عرش الرماح اخرجها الفنان فرزدق سعدي 

 

س: ما حكايتك مع الاقواس؟

ج: الاقواس انت تعلم اني كنت مدرسا ًاعدادية المعقل و دعيت الى حفل قاعة الموانئ وعند دخولي صرخ احد الطلبة (هلا بصدام من جانه) واذا بالقاعة فتحت عاصفة تصفيق منها مما حدا بالرفيق والاداري فسب القاعة وسبني وسب الجميع فما دعاني الى ارتجال هذه القصيدة .

افتح قوس للجملة المفيدة

يكون الوطن لليكتب يخط اسمه بوريده

يكون الي يحب وحده

تحبه اهي وتريده

مو كوه العشك مو كشخه يا ناس

دسد القوس خل اقره القصيدة

 

س: انت مستمر في كتابتك للشعر الشعبي بالإضافة الى الشعر الفصيح؟

ج: الشعر الشعبي خاتمة خير بدأت بها شاعريتي عام 1959 كان اول قصيدة كتبتها من الشعر الشعبي (يامطر بلل الكذله وسيل وامشي اعله الوجن) وما زلت اكتب الشعر الشعبي وشاركت في العديد من المهرجانات منها قصيدة حكايتي مع النمل ومن اهم قصائدي (عرس حميده (التي قرأتها في عام 1971 امام رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عزيز محمد مشاركة مع الشاعر عريان السيد خلف قرا في وقتها قصيدته قبل ليلة) .

 

لقاء اجراه الاديب عبد الجبار عبد ثابت مع الشاعر صدام فهد الاسدي سنة 1993

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم