صحيفة المثقف

زلزال الأصنام 1980 كما شهده الطفل

moamar habarحضرت مبكرا كعادتي لحضور خطبة الجمعة لسيدنا العالم الفقيه المفسّر اللّغوي الجيلالي البودالي الفارسي من أولاد فارس بالشلف رحمة الله عليه، لأنّك إذا لم تكن من الأوائل ستحرم من رؤية العلماء ورؤية العلماء و الصالحين عبادة و فضل كبير.

بينما الأعناق والأسماع متّجهة نحو الشيخ فإذا بصوت يخترق الجدران لم أسمع في حياتي مثله، ولا أستطيع أن أشبّهه بصوت الطائرات الحربية التي تعوّدنا عليها في فترة من الفترات، فهو أكبر و أقوى وأعظم بكثير.

صوت يصم الآذان ويشلّ كل متحرك عن الحركة، والناس كلّها شاخصة الأبصار لاتعرف ماذا حدث وتبحث عبثا عن مصدر الصوت .. فهيهات.

أصوات .. بكاء.. صراخ .. عويل.. لطم .. هذا الذي تراه، لافرق في ذلك بين رجل جَلدٍ يتظاهر بالصلابة والقوّة وامرأة مسكينة تندب حظّها. إنه الزلزال.. زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980.

الجدار الفاصل بين النساء والرجال سقط كلّه على النساء ليقتل منهن عددا ليس بالقليل، وتعاون كل من كان بجانب الجدار فرفعناه فإذا بي أرى نساء موتى وجرحى، وحينما رأى النسوة ذلك المشهد ارتفع صوت البكاء و الصراخ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لأول مرّة في حياتي وأنا طفل في الرابعة عشر 14 من عمري، أرى سكرات الموت تتسلّل لبارئها، وأصابع تُرفع لتنطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنه الموت على المباشر، إنه القدر، إنه الميعاد دون ميعاد.

ظلت الأرجل تائهة تبحث عمن يدُلّها، وأعين تشكو ظلمة لاتعرف مصدرها، وأيدي تتشبّث بكل مايُتَشَبَثُ به، ولا يخطر ببالك إلا حُفرتك وظلمة قبرك وعدالة ربّك.

وبعد عناء وجهد استطاع منا من استطاع أن يخرج لفناء المسجد لعلّه يجد فيه ماكان يأمله في نفسه إن كانت له منها بقايا

سقطت المضيئة المخصصة للوضوء وسجدت سجود من لا قيام بعده، وحمدت الله حينما نظرت إلى ذلك السجود ولم أر تحتها أحدا وهي التي كانت تَعُجُّ من قبل بالطاهرين المتوضئين.

وبمجرد ما استطعت الخروج من المسجد، أول ما أدهشني وأثار الرّعب هي عمارات "المونوبري" المحاذية لوادي الشلف وهو أطول وادي في الجزائر بـ 750كلم.

عمارات بأكملها، ابتلعتها الأرض ولم يبق منها إلا غبار يتطاير ويلف السّماء. وذكرى تقول لمن لم ير المكان من قبل، كان ذات يوم وقبل العاشر من أكتوبر 1980 عمارات تُقَبِّلُ السّماء في عليائها فاشتاقت إليها الأرض فاحتضنتها إلى الأبد.

وكل اتّجه إلى وجهته: هذا يبحث عن أم، وذاك يسأل عن أخت، وآخر يقلّب ماتبقى من عزيز له، وهؤلاء يطلبون النجدة والمساعدة، و شيخ طاعن في السن يرفع يديه ويدعو  الرحمة واللّطف والمغفرة. وظلّت الأرض أياما و ليالي ترقص و ترقص والناس في خوف وهلع. وأجدني مضطرا لأتوقف لأن الزلزال لايعرف كنهه إلا لمن عاشه وعايشه.

 

معمر حبار

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم