صحيفة المثقف

عن مؤلفات تولستوي الكاملة في تسعين مجلّدا

ضياء نافعقلت مرّة لطلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد مازحا، ان تولستوي عاش 82 سنة، ولكن مؤلفاته الكاملة بلغت 90 مجلّدا، وهذا يعني، انه كان يكتب مجلّدا واحدا (وكسر) كل سنة من عمره، ومنذ ان كان عمره سنة واحدة فصاعدا، وكانت ردود فعل الطلبة على هذه (الملاحظة !) متنوعة طبعا وفي اطار من مرح الشباب الجميل، وقد قال لي أحد طلبتي القدامى من تلك المجموعة ضاحكا، والذي التقيته بالصدفة بعد سنوات طويلة جدا، انه من المستحيل ان ينسى، ان تولستوي عاش 82 سنة وان مؤلفاته الكاملة تبلغ 90 مجلّدا، بعد تلك (الملاحظة !) الطريفة، التي قلتها لهم انذاك مازحا .

تذكرت كل تلك الايام الخوالي عندما علمت، ان اكاديمية العلوم الروسية تعمل – ومنذ فترة - من اجل اصدار المؤلفات الكاملة لتولستوي من جديد، وانها ستبلغ 100 مجلّدا هذه المرة بدلا من 90 كما صدرت في القرن العشرين، اذ انها ستضم حتى مسوّدات مؤلفاته ورسائله، التي لم تنشر في تلك المؤلفات حينئذ، وستكون هناك هوامش تفصيلية اضافية يكتبها متخصصون في أدب تولستوي حول معظم فقرات تلك النتاجات المتنوعة له، ومن المفروض اكتمال هذا العمل الكبير عام 2028، وهي السنة التي ستحتفل فيها روسيا بذكرى مرور قرنين على ميلاد تولستوي (1828 - 2028)، هذا الاحتفال الذي سيكون طبعا بمستوى متميّز ولائق وملائم لمكانة تولستوي واهميته في تاريخ الادب والفكر الروسي .

مقالتنا هذه تتحدّث عن بعض الجوانب المرتبطة بالمؤلفات الكاملة لتولستوي في تسعين مجلّدا (هذا الاصدار الفريد في مسيرة الادب الروسي والادب العالمي ايضا، والذي لم يصله أحد في روسيا، لا قبل ليف تولستوي ولا بعده)، هذه الجوانب التي نظن انها شبه مجهولة تقريبا للقارئ العربي .

بدأت فكرة هذه المؤلفات الكاملة لتولستوي بالظهور بعد ثورة اكتوبر 1917، واستغرق العمل بتنفيذها طوال اربعين سنة بالتمام والكمال، وذلك لان هذا العمل الكبير كان يخضع طبعا لكل تقلبات الزمان واحداثه غير المتوقعة، وما اكثر تلك الاحداث الكبيرة التي حصلت في مسيرة الدولة السوفيتية في تلك الاوقات العصيبة  .

قصة هذه المؤلفات ابتدأت في نهاية عام 1918، عندما  تقدّم جيزتكوف  باقتراح الى وزير الثقافة والتعليم بعد ثورة اكتوبر 1917 لوناتشارسكي (انظر مقالتنا بعنوان – لوناتشارسكي ..الفيلسوف والاديب والوزير) لاصدار (المجموعة العلمية الكاملة لتولستوي)،  وذلك بالاعتماد على الارشيف الكامل لتولستوي، والذي جلبوه الى روسيا من انكلترا و تمّ حفظه (ولمدة خمس سنوات) في قسم المخطوطات التابع لمكتبة اكاديمية العلوم بمدينة بطرسبورغ في تلك السنوات العاصفة للحرب العالمية الاولى وما اعقبها من احداث هائلة . وافق الوزير السوفيتي طبعا على هذا المقترح، خصوصا ان روسيا ستحتفل بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تولستوي عام 1928، وتوجّه الى رأس الدولة آنذاك لينين لاستحصال موافقته على تنفيذ هذا المقترح الرائد، وحصل على موافقة لينين، وتمّ تكليفه (اي تكليف لوناتشارسكي) لانجاز هذا المشروع الكبير، والذي خصص له من ميزانية وزارته عشرة ملايين روبل لتحقيقه، وهو مبلغ هائل وغير اعتيادي بالنسبة لذلك الزمن المضطرب . تمّ تشكيل لجنة خاصة لتنفيذ هذا المشروع، وقد اطلعت اللجنة على الارشيف الخاص بتولستوي، ووصلت الى قناعة متكاملة، في ان نشر هذا الارشيف يتطلب تسعين مجلّدا، نصفها يتضمّن نتاجات تولستوي الادبية (مع مسوّداتها والهوامش التوضيحية للشخوص والاحداث التي تناولتها هذه النتاجات، ومنها مثلا مقاطع شبه متكاملة في رواية الحرب والسلم، والتي حذفها تولستوي من روايته تلك)، أما النصف الآخر من تلك المؤلفات، فانه يحتوي على مذكراته الشخصية (والتي تمّ نشرها فعلا في 13 مجلّدا) ورسائله (كان في هذا الارشيف حوالي 9000 رسالة كتبها تولستوي نفسه الى الآحرين او كتبها الآخرون له، وقد تمّ نشرها فعلا مع المقالات غير المنشورة في 31 مجلّدا) .

الحديث عن المؤلفات الكاملة لتولستوي باللغة الروسية تتطلب طبعا التوقف – ولو قليلا - عند كل جزء من اجزائها التسعين هذه،والتعريف بمحتوياته في الاقل، وهو أمر ممتع ومفيد بلا شك، ولكن مقالتنا هذه لا تستوعب هذا الاستطراد، لهذا، اختتم هذه السطور بالاشارة فقط  الى انني التقيت مرّة أحد المهتمين الروس بحضارتنا العربية في بغداد، وطلب منّي ان أحصل له على المؤلفات الكاملة للمتنبي، فاعتذرت – بدبلوماسيّة - عن تلبية طلبه ... والحليم تكفية الاشارة ... 

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم