صحيفة المثقف

هل لديك وقت لقراءة كتاب من 600 او 900 صفحة؟

تحليل الاحصائيات

 قلة في عصرنا من يقرأ رواية من 500 صفحة او اكثر، سوى نفر قليل من المتخصصين والمعنيين، الكاتب لا شك لم يكتب روايته لهؤلاء، وانما للقراء او فئات واسعة من القراء، اما المتخصصون فهم تحصيل حاصل، وهدفه الحقيقي الوصول الى اكبر عدد ممكن من القراء، باكثر من لغة بواسطة ترجمة عمله او توسيع انتشاره. فهل توجد هذه النوعية من القراء في عصرنا، عصر المعلوماتية؟ وان وجدوا فاعدادهم لا تتجاور خانة المئات، وفي النتيجة تذهب جهود الكاتب سدى. اولا يتمكن من الوصول لمبتغاه رغم ما بذله من جهود استثنائية انتجت عملا ضخما ومهما، ولكن في الواقع بدون قراء او قراء لا يتجاوز عددهم عدد صفحات الرواية.

تبدل كل شيء في عصرنا، عصر المعلوماتية وسرعة تداول الاخبار والمعلومات وانتشارها لم تترك مجالا للقراء او الوقت الكافي لقراءة اعمال ضخمة تتطلب جهدا ووقتا، بينما يمكنه ان يجد ما يحتاجه من اخبار ومعلومات ومصادر بجميع التخصصات خلال ثوان معدودة، ثم لا تتجاوز اعمال القراءة ان كان من هواة القراءة المتعة او قضاء الوقت او التسلية والفائدة باحسن الاحوال.

وفي احصائيات تكررت باشكال واساليب مختلفة، تفوق ما يقرأه الفرد من رسائل نصية تصله على الموبايل بطريقة عشوائية على ما يقرأه من كتب ومجلات وجرائد! ولكن الحقيقة ان عدد القراء تضاعف على الانترنيت.

وبعض احصائيات تشير الى ان الفرد يقضي وقتا اطول مع الموبايل والكمبيوتر واللوحي في قراءة الرسائل النصية والاخبار والجرائد والمجلات والبحث عن المعلومات وسواها اكثر من قضاء الوقت باي نشاطات اخرى،

وهذه من السمات او الحقائق الجديدة التي اوجدها عالمنا المعاصر عصر المعلوماتية.

اصبحت فيه قراءة الكتب مسألة ثانوية او ليست اولوية لدى مختلف شرائح المجتمع، ومنهم الطلاب والدارسون، فبدلا من الذهاب الى المكتبات العامة والخاصة واسواق الكتب، يلجؤون الى المواقع الرقمية للحصول على الكتب والمصادر والمعلومات بشتى انواع التخصصات العلمية والفنية والادبية، وتزداد متابعاتهم للصحف والمجلات على العالم الرقمي الذي توفره مواقع الصحف والمجلات على الانترنيت بدلا من اقنائها او شرائها كما كان يحدث في الماضي.

 ومع ذلك هذه القراءات ليست اولوية او تدخل في باب ازجاء الوقت والمتعة والتسلية، حسب هذه الاستطلاعات والاحصائيات، اوابراز خصائص عصرنا الجديد عصر المعلومات والاتصالات الفورية التي تشكل ركائز هذا العالم بوسائله واساليبه التي غيرت نمط حياتنا وتفكيرنا دون ان نشعر او نتلمس تلك التغيرات بشكل واضح، ويمكننا كمثال ان نفرز تلك التطورات، وما احدثته من تغيير في اساليب العمل والادارة والمراسلات ونمط التفكير وطرائق حصولنا على الاخبار والمعلومات.

لا يمكن في كل الاحوال، الجزم بصحة هذه الاحصائيات رغم واقعيتها، فهنالك احصائيات في المقابل تشير الى ان عادات القراءة رغم هذه التطورات السريعة، لم تتغير وبعيدة عن التأثر بهذه التغيرات، لتصل الى درجة تفوق العالم الرقمي على ما عداه من وسائل الحصول على المعلومات والاخبار والمصادر، بل بالعكس سهل العالم الرقمي وسائل البحث وسرعة الحصول علي المعلومات الاخبار بما لا يقاس باستخدام الوسائل القديمة، اي انه عمل بشكل ايجابي على نشر وتوسيع دائرة القراءة والحصول على المعلومات بمختلف التخصصات بوقت قياسي مقارنة بالوسائل القديمة. وكمثال عدد قراء الجرائد والمجلات والكتب ومقتني المصادر التخصصية من الطلاب والدارسين، لم ينخفض بل ارتفع، ولكن وسائل او طرق الحصول على محتويات الجرائد والمجلات والكتب والمصادر او طرق واساليب قراءتها تغيرت.

وتتوصل بعض الدراسات من خلال احصائياتها الى ان هذه الوسائل تكمل بعضها بعض، ولا توجد كفة مرجحة سواء بالنسبة لاعداد القراء التي ادعت بانهم في تزايد او في الوسائل المتبعة في القراءة بين العالم الرقمي عبر الانترنيت او من خلال اقتناء الصحف والمجلات والكتب والمصادر بشتى الاختصاصات العلمية والادبية.

اما قراء المؤلفات الضخمة ادعت ان نسب القراءة لهذه المؤلفات لم تتغير او يؤثر عليها عصر المعلوماتية بل زادت او ارتفعت من خلالها نسبة قراءة مثل هذه الاعمال والمؤلفات التي يصل عدد صفحات بعضها 700 او 900 صفحة، بل ان عصر المعلوماتية سهل الوصول اليها او قراءتها عبر الانترنيت، فبدلا من اقتنائها صار من الممكن الوصول اليها او الحصول عليها او قراءتها وتصفحها على الشبكة العنكبوتية خلال فترة زمنية  قصيرة دون عناء او جهد كبير.

ليس لدينا في كل الاحوال ما يؤكد دقة هذه الدراسات و الاحصائيات بشكل خاص. لكن يمكننا الجزم ان هناك عصر تشكل واصبح واضحا تغلغل بجميع شؤون حياتنا اسمه: "عصر المعلوماتية"، فرض علينا طرقا جديدة في اساليب العمل والادارة والمراسلات وطرق واساليب الحصول على المعلومات والمراجع والمصادر، اضافة الى ما وفرته مواقع التواصل المرتبطة به او التي تشكل احدى نتائجه الحقيقية او الملموسة، وفرت لنا وسائل مجانية وسريعة الانتشار للتعبير عن الرأي وتبادل المعلومات والاخبار باستخدام تقنيات كانت بيد من يملكون السلطة والمال فقط، بوسائل تقنية عالية الجودة، وتحتوي على جميع المؤثرات الاعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة بجميع اللغات.

وهناك اضافة جديدة من بين اهم ما افرزته تقنياته المغايرة والفورية، ارتفاع عدد المساهمين بصياغة الرأي العام حول مختلف القضايا السياسية والثقافية حول العالم، سواء القضايا الوطنية او الدولية بمشاركات غير مسبوقة تصل الى ملايين وعشرات الملايين مشاركة أحيانا، وهذه الميزة لا يمكن ان تتحقق بوسائل او عصر الاتصالات والتقنيات القديمة.

في الحقيقة يصعب احيانا تصديق كل ما توصلت اليه ان عصر المعلوماتية ازدادت فيه قراءة الكتب والمؤلفات الضخمة والطويلة لسرعته ودقة وسائل اتصالاته الفورية، التي تختصر الزمن او تختزله الى ابعد الحدود بحيث يصعب تصور وجود قراء لمثل تلك الاعمال الضخمة والطويلة مهما كانت درجة اهميتها خاصة من الاجيال الجديدة، او تظل في دائرة المختصين والمعنيين، دون ان تثير اهتمام القاريء، ولانه ان مثل هذه الاعمال لا تدخل في باب الترفيه او التسلية، وتتطلب المزيد من الوقت والجهد لفهمها او التفاعل معها. قد نجد بعض الاستثناءات، لكننا نقصد القراءة العمومية التي تمثل مختلف فئات او شرائح المجتمع على اختلاف المستويات السياسية والثقافية، اضافة الى ان من سمات عصرنا، عصر المعلوماتية انه يميل الى اختزال الزمن او اختصاره، الذي تعودت عليه الاجيال الجديدة من خلال ارتيادها مواقع التواصل الاجتماعي، وبحثها الدائم عن الاخبار والمعلومات والمصادر في الشبكة العنكبوتية.

لكننا نؤيد هذه الدراسات والاحصائيات الى ان عدد القراء ازداد او في تزايد وليس العكس، ولكن اختلفت او تنوعت اهتماماته وقراءاته، واصبحت اكثر تخصصا ونوعية من السابق اي قبل عصر المعلوماتية، الذي تغلغل في جميع شؤون حياتنا، وهناك من يسميه عصر "الالكترون" ولكن في الحقيقة هذه التسمية الوجه الاخر لعصر المعلوماتية التي تشكل الوسائل الالكترونية بمختلف استعمالاتها هيكله الاساس وقدرته على الوصول الى الجميع بطرق غير معقدة وسهلة وبتكلفة مالية قليلة، مقارنة بالوسائل القديمة او عصر ما قبل الالكترون او المعلوماتية. والتسمية الاخيرة الاكثر تداولا في الدراسات حول عالمنا الجديد المسمى عصر المعلوماتية، وافاقه غير المحدودة التي نتجت عنها الاتصالات الفورية، وسهولة الحصول على المعلومات والمصادر.

لاشك هناك بعض الكتب تتجاوز عدد صفحاتها 900 صفحة واكثر او مؤلفة من عدة اجزاء وبعضها عبارة عن سلسلة مجلدات تخصصية، معلوم ان مثل هذه الكتب والمجلدات خارج اطار هذه الاحصائيات لانها تهم فئة محددة من الاختصاصيين ولا تهم عامة القراء او لا تدخل في اطار القراءة العامة غير المتخصصة، وعدد قرائها محدود . مع ملاحظة ان هذه الاحصائيات رغم اعتمادها على بيانات علمية وبحثية نسبة الخطأ فيها ضئيلة جدا، الا انها متغيرة نتيجة للتطورات السريعة في عالمنا المليء بالابتكارات الجديدة والاضافات الجديدة التي نصحو عليها كل يوم، ويكاد لا يمر الوقت دون ان نسمع عن ابتكارات جديدة تحمل خصائص وانماطا جديدة بمختلف الاستعمالات، وهذه جمعيها تؤثر بشكل غير مرئي بسلوكنا وعاداتنا دون ان نشعر بها احيانا، وتبعا لذلك تتغير عادات القراءة، ورغم نسبة الخطأ الضئيلة بهذه الاحصائيات بما فيها التي تعتمد على البحوث والبيانات العلمية والدراسات بمختلف الاختصاصات، مطلقة او صحيحة بالمطلق، نتيجة لهذه التطورات والمتغيرات منذ بدء عصر المعلوماتية .

ونجهل كذلك ان كان الوباء او فيروس "كورونا" قد غير عاداتنا بالقراءة كذلك ام لا؟ وما اعلنته مواقع التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر ان ارباحها تضاعفت مقابل خسائر قليلة مقارنة بالارباح خلال الازمة التي احدثها الوباء او الفيروس!

يعني ان القراءة وارتياد المواقع على الانترنيت تضاعفت ولا شك وتضاعفت معها اعداد المشاركين واعداد الرسائل النصية على الهواتف سواء كانت نشرات طبية او اخبارية او ثقافية ومع ذلك لم تتبلور الملامح المحددة او الاحصائيات التي تشير الى تغيرات جذرية مختلفة، وستاخذ بعض الوقت لمعرفة حجم التغييرات التي احدثها الوباء وما هي اهم التغيرات التي حدثت سواء على مستوى القراءة او الوسائل والوسائط المستخدمة في القراءة وما هي النسبة الحقيقية لقراء الرواية قبل وبعد انتشار فيروس كورونا؟ الذي ادى الى حبس اكثر من نصف سكان الكرة الارضية في بيوتهم، واصبح الانترنيت والموبايل الوسائل الوحيدة والاولى للاتصال اومتابعة التطورات الجديدة من خلالهما باكثر البلدان التي عانت من انتشار الفيروس على نطاق واسع ومؤثر .

يتبع ..

 

قيس العذاري

.................... 

مصادر

تويتر فيس بوك/ احصائيات حول السوشيال ميديا

/ تقرير واحصائيات مجموعة "دراسة سوق الكتب" بي اي س جي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم