صحيفة المثقف

الشعر غزل

ليس هناك شعر غير الغزل، وما عداه فهو متعلق به، محسوب عليه مجازا، لانه في حقيقته لايمثل الشعر الحقيقي، وان ارتدى زيه وتمثل شمائله وتحلى بصفاته، ما عدا الرثاء الذي يرتبط والغزل بالمصدر فكلاهما يصدران من القلب، ولان الشعر شعور والشعور احساس مصدره القلب الذي هو مركز الاحساس ومحرك المشاعر ومنشيء العاطفة، والكائن الحي خاضع لسلطانه فيما يقضي ويقرر فهو من يحب وهومن يكره، وهومن يهزه الجمال، وهومن ينفر من القبيح، وهو الذي تاسره النظرة من نجلاء العيون، وترمضه البسمة من غيداء ريا الشباب، ومنه الشح والسماح، ومنه الفرح و الحزن، ومنه الشكوى والغضب، والرضا والقبول، وكل ماتقدم لو فتشنا عنها لما وجدناها الا في الغزل، لان الغزل مبعثه القلب ومرجعه القلب، ينطلق حرا بدافع ذاتي لا رغبة ولا رهبة، وانما شعورا وإحساس وعاطفة، يستريح اليها، وينفس بها عنا يعانيه من كبت واشتياق، وشكوى من هجران وصد وبعاد، وذكرى لقاء عاشها مع الحبيب، الذي ملك عليه كل شيء حتى دفع به الى حافة الجنون، وبين ايدينا هذا الكم الهائل من الشعر، فتشه وابحث فيه عن اغراضه، ستجد ان الغزل هو العرض الاسمى والاعلى حضورا والارقي منزلة بين كل الاعراض، ودونك الشعر الجاهلي الذي هو مفتاح الشعر ومبداه، ترى الغزل سيدا بصدارته فمن قفا نبكى مرورا الا هبي بصحنك، الى لخولة اطلال ببرقة ثهمد، الى اذنتنا ببينها اسماء، الى اقفر من اهله نلحوب، الى امن ام اوفى دمنة لم تكلم، الى هل غادر الشعراء من متردم، الى يادار مية بالعلياء فالسند، الى عفت الديار محلها فمقامها، ولا تتوقف عند هؤلاء المشهورين ولكن فتش عن الاخرين، واي شاعر في الدنيا لم يبتدأ عند قوله الشعر بغير الغزل، فالغزل هو الذي يحرك العاطفة وهو الذي يوقظ الاحساس والمشاعر التي تلتهب بنار الحب فان انس من نفسه استعدادا انطلق متغزلا محاكيا او شاكيا، فكل شاعر لم يقل في الغزل شبئا قذاك مدع يجب ان لا يحسب من الشعراء.

 

احمد زكي الانباري

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم