صحيفة المثقف

أمجد ناصر.. منذ سنوات بعيدة

في الذكرى السنوية الاولى لرحيل الشاعر أمجد ناصر

المرة الاولى قرأت او سمعت بها بامجد ناصر في دمشق وعن شعراء شباب يقيمون في بيروت قبل حصار بيروت العام 1982، كنا مندهشين من هؤلاء الخليط من العراقيين والفلسطينين والاردنين واللبنانيين والسوريين الذين يكبروننا باعوام قليلة، كيف يجمعون بين الشعر والمقاومة، حتى بدوا لنا حالمين اكثر مما هم مفاومين .ليس هنالك قاسم مشترك بين اشعارهم سوى المجايلة، تصلنا بين حين واخر منشورات من بيروت، اشبه بالجداريات الثورية المتحمسة ولكن غير متطرفة، بل عقلانية في اكثر الاحيان لا تطالب بغير ما اقره مجلس الامن وهيئة الامم المتحدة من حقوق سلبتها اسرائبل بالقوة من الفلسطينيين بعد وقوعها تحت الاحتلال .

ليس لدينا اي معرفة سابقة سوى تلك المنشورات والجرائد التي تنشر اشعارهم، تصدر في بيروت وتصل لدمشق بشكل رسمي احيانا او بالتهريب منها جريدة السفير التي تبنت نشر اكثر قصائدهم، خطت طرقا مختلفة عن الشعر السائد، واسست لقصيدة مختلفة هي في الواقع او التقييم النقدي الصارم تنتمي الى النصوص النثرية التي تقع بين الشعر والنثر . ولكن تحمل افكارا تجديدية تثير السخط لدى الشعراء التقليديين، لدرجة اتهامهم بتخريب التراث الشعري العربي والاساءة الى اللغة والشعر وما الى ذلك من اتهامات مضللة . بينما نجد العكس فهم ربما اكثر حرصا على التراث واللغة، ونجد بشكل ملموس تأثر بعضهم بالقصائد النثرية الصوفية او النثر الصوفي وبكلاميي البصرة ابان وبعد ثورة الزنج . واضحة احيانا ومواربة في اكثر الاحيان .

امجد ناصر الذي عرفنا فيما بعد بانه اردني الجنسية واسمه كما اعلن عنه فيما بعد: يحيى النعيمات، من اكثر هؤلاء الشعراء نشاطا عمل محررا بمجلات ومنشورات المقاومة، وبعد اطباق الحصار على بيروت خرجوا مع المقاومة الى تونس ومن ثم تفرقوا باصقاع الارض، بحيث شكل  غيلان العراقي ومشرق غانم ومهدي قاسم وجميل حتمل السوري فيما بعد توفى في باريس واختفاء ايو سرحان الشاعر الشعبي المعروف من بيروت

من اشهر قصائده "الكنطرة" :

حدر التراجي برد … والكَنطره ابعيده

وأمشي وأكَول أوصلت والكَنطره ابعيده

ونكَضني مشي الدرب والشوق هز الكَلب …

والكَنطره ابعيده حلمانه برد الصبح …

رجَّف خلاخيلي يا دفو جمّل دفو ..

يا كَمر ضوّيلي ويا ذهب خيط الشمس طوكَين سويلي

لايكَلي طوق الذهب والدغش ما ريده

أمشي وأكَول أوصلت والكَنطره ابعيده

 لحنها الفنان كوكب حمزة .

 اختفى ابو سرحان من بيروت بعد الحصار الى الان كنا نجد انفسنا غير بعيدين عنهم سياسيا وادبيا .

بعد حصار بيروت لم نعد نسمع او نقرأ لهم سوى القليل او ما ينشر هنا وهناك في الجرائد والمجلات، حتى صدور جريدة بلندن اسمها الفدس العربي اصبحت من الجرائد المعروفة عربيا وربما عالميا بفضل أمجد ناصر ورئيس تحريرها الاستاذ عبد الباري عطوان .لم اكن قد التقيت بامجد ناصر بعد، ولا اعلم بانه المسؤول او المشرف على الفسم الثقافي بالجريدة .وفي عام 1993 او ربما العام 1994، ارسلت الى الجريدة مقالا ادبيا او متابعة نقدية عن اصدار ثقافي جديد، فوصلتني رسالة من أمجد يخبرني ان المادة الادبية التي ارسلتها وصلت وستنشر قريبا، واستمرت علاقتنا بمراسلات قليلة بين حين واخر .

وحين اخبرته بانني اود زيارة لندن، اشترط علي ان اكون ضيفه، فوجئت بكرمه قبل ان نتعارف، وفي اليوم التالي لوصولي الى لندن زرت مقر الجريدة الرئيسي بلندن، فوجدته اكثر كرما، فقد عمل لي اكلة بامية ببيته: فكانت امسية لا تنسى بالنسبة لي على الاقل لانني ظننت بانني اعرف عنه اكثر مما هو يعرف عني. وتعرفت من خلاله على القاص والروائي عبدالله صخي، ولا اتذكر سوى دماثة اخلاقه فقد تحدثت معه في التلفون لمرة واحدة.

ولكن قبل ايام شعرت بصدمة وحزن شديد، حين قرأت مقالا لمقداد مسعود عن امجد: "حصتي بين سيافين.." بعد ان انقطع التواصل بيننا، اشبه بمرثية له، جعلتني اتسمر على الصوفة كما يسميها المشرقيون غير العراقيين، فاضطررت للبحث عن صفحات أمجد ناصر، فاصطدمت بنصه الملحمي: "لا يولد فجر من دون جرح" او "قناع المحارب".

تطغى عليه شعرية عالية ونفس طويل بلغة قريبة من لغة الملاحم ولكن تمتاز عليها بمعالجة موضوع ذاتي قل ان نجد له ما يناظره في النصوص الحديثة،يصور فيه مراحل علاجه الفاشل كما اخبره الطبيب بومضات شعرية تبرق في النص وتطغى عليه احيانا او تحدد مساره.

فتأكدت مما قرأت، ولكن يصعب تصديق ان هذه الشعلة الهائلة من النشاط والحيوية، يمكن ان تنطفئ في يوم ما، او كما اخبرته، ظننت حين قرأت مفال مقداد مسعود بانه "يسخر"  او يسخر من ادعاء المرض، وطلبت منه ان ينتزع تلك "الوردة الشيطانية" كما سماها بنصه من رأسه ليعود الى نشاطه مجددا، وذكرته بعبارته الاثيرة : "نحن لم نتغير"  ..

كيف نتغير، وهل تغير شيء لنتغير؟!

صدرت للشاعر 12 مجموعة شعرية اخرها: "هنا الوردة". و"في بلاد ماركيز" - كتاب رحلات صدر الكتاب هدية مع مجلة دبي الثقافية الصادرة عن دار الصدى عام 2012. وكتب عن دواوين كبار الشعراء والنقاد العرب كـ (أدونيس، صبحي حديدي، حاتم الصكر، كمال أبو ديب، صبري حافظ، عباس بيضون، محمد بدوي، قاسم حداد، فخري صالح، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع..) واخرون

وصدرت له في لندن: "الاعمال الشعرية الكاملة" بمجلد، وقعه ضمن احتفالية خاصة بمعرض عمان للكتاب قبل رحيله .

 

قيس العذاري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم